الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله تعالى هو أحكم الحاكمين، ويقدر بحكمته البالغة جميع ما يحدث في هذا الكون، ومن ذلك ما قدره الله سبحانه من انتشار هذا الفيروس، فيروس كورونا في الأرض، وهو آية من آيات الله ، مخلوق صغير جدًّا لا يُرى بالعين المجردة، ومع ذلك أحدث ما أحدث من هذا الرعب، وهذا الارتباك الشديد في العالم، ومن تجارب الأمم والشعوب قديمًا وحديثًا في التعامل مع الأوبئة، والأمراض المعدية، وكان هذا قديمًا مع الطواعين وجد أن أفضل طريقة لمحاصرتها والقضاء عليها هو ما يسمى بالحجر الصحي، ومنع التجمعات، وهذه هي أفضل وأمثل وأخصر طريقة لمحاصرة هذا الفيروس، والقضاء عليه، وهذا ما قد نجحت فيه الصين التي بدأ فيها هذا الفيروس، وهنا ينتشر إلى بقية دول العالم، حيث بدأ في الانحسار بعدما طبقت هذا الحجر الصحي.
والمملكة العربية السعودية قامت بهذا الحجر الصحي علقت الدراسة، وأيضًا أوقفت العمل الحكومي، واليوم أيضًا العمل في القطاع الخاص، ولم يتبق من هذه التجمعات سوى التجمعات في المساجد، فعرضت هذا الأمر على هيئة كبار العلماء، وحضر معالي وزير الصحة، وبعض الأطباء المختصين، وصدر قرار هيئة كبار العلماء في الأمس في هذه النازلة، وأنه لا مانع شرعًا من تعليق إقامة الصلاة، الصلوات الخمس والجمعة مؤقتًا منعًا لانتشار هذا الفيروس، وهذا اجتهاد من أعلى هيئة علمية شرعية في المملكة، في هذه النازلة العظيمة، وهذا الاجتهاد اعتمده ولي الأمر، فينبغي أن يُحترم هذا الاجتهاد، وأن يُعمل به أيضًا لأن وزارة الشؤون الإسلامية عممت بالعمل بذلك، ومن كان له رأي خاص من طلبة العلم، فينبغي أن يحتفظ به لنفسه؛ لأن إثارة الآراء الأخرى ربما تسبب تشغيبًا وإثارة للفتنة، ونحن مع مشايخنا ومع علمائنا في هيئة كبار العلماء في هذا الاجتهاد في هذه النازلة.
أجر من كانت عادته صلاة الجماعة
ولكن هنا أنبه إلى أن من كان من عادته المحافظة على صلاة الجماعة والجمعة، وأنه بسبب الظروف الحالية أصبح يصلي في بيته أنه يكتب له الأجر كاملًا، وذلك لقول النبي : إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له مثل ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا [1]، وكون الإنسان يصلي في بيته بسبب الظروف الحالية هو في معنى المسافر المريض.
فأقول: أبشر الإخوة الذين كانوا من المحافظين على الجمعة والجماعة، ولم يتمكنوا الآن من الصلوات في المساجد بسبب الظروف الحالية، أقول: أبشركم بأن أجركم تام، وأن أجركم كامل، وأنكم تحوزون على أجر الجمعة والجماعة، أقول هذا لأنني رأيت الحزن ينتاب بعض الناس، ويقول: أنا متعود على الجمعة والجماعة طيلة عمري، كيف أصلي في البيت، فنقول: الحمد لله أجرك كامل، وأجرك تام، وهذا أمر قد قدره الله ، المساجد لم تغلق إلا لأجل تحقيق المصلحة العامة، لم تغلق لأمر آخر، وإنما لأجل تحقيق المصلحة العامة، للمجتمعات والمساجد هي ليست محصنة من انتشار الفيروس، ومن انتشار العدوى هي كغيرها، بل حتى الحرمين ليس محصنة كذلك، ولذلك جرى تعليق العمرة، فهي يجري عليها ما يجري على غيرها من انتشار الأمراض المعدية.
المقدم: والحمد في الدين يسر ورحمة بالمؤمنين، الحمد لله.
الشيخ: نعم، والصلاة مع الجماعة في المسجد شرعت لمصالح، لكن الآن قد وجد مفسدة وهي مفسدة انتشار هذا الفيروس، والقاعدة المقررة في الشريعة: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
المقدم: اللهم اكشف الغمة، وأزح هذه البلوى يا رب العالمين، واحفظنا واحفظ أحبابنا، والعالم من شر هذه الفتنة.
شكرًا لكم الأستاذ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على هذه المداخلة، شكرًا جزيلًا لك.
الشيخ: جزاكم الله خيرًا، في أمان الله.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 2996. |
---|