logo
الرئيسية/محاضرات/خطورة التلاعب بالرؤى والأحلام- تنبيهات وأخطاء لمُعبري الرؤى

خطورة التلاعب بالرؤى والأحلام- تنبيهات وأخطاء لمُعبري الرؤى

مشاهدة من الموقع

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأحمدُ الله الذي يسَّر هذا اللقاء، وأسأل الله سبحانه أن يُوفِّقنا لأن نقول ما يُرضيه، وأن يجعل هذا اللقاء لقاءً مُباركًا نافعًا.

سوف أُلقي كلمةً -أولًا- عن أبرز محاور هذا الموضوع، ثم بعد ذلك نُتيح الفرصة للمُداخلات والأسئلة والاستفسارات.

هذا الموضوع موضوعٌ مهمٌّ، وأيضًا موضوعٌ يُعتبر نوعيًّا، والحديث عنه قليلٌ أيضًا، فأشكر الإخوة الذين رتَّبوا لهذا اللقاء.

أهمية علم تعبير الرؤى ومكانته

لعلي أُقَدِّم أولًا الحديث بالتَّذكير بأهمية طلب العلم الشرعي؛ وذلك لأن المسلم لا يمكن أن يعبد الله كما يُحب الله إلا عن طريق العلم؛ ولهذا كان فضل العالِم على العابد كبيرًا؛ لأن العالِم يعرف مَحَالَّ مَحَابِّ الله ومرضاته، ومَحَالَّ سخطه وغضبه؛ ولهذا قال الإمام أحمد: “العلم لا يعدله شيءٌ لمَن صحَّتْ نيته”، فينبغي الحرص على طلب العلم، وهذا الحرص إذا وُجِدَ لدى المسلم فهذه أمارةٌ وعلامةٌ على أنه أُريد به الخير -إن شاء الله- يقول النبي : مَن يُرِد الله به خيرًا يُفقهه في الدين [1].

وعلم التعبير من العلوم العظيمة المهمة، ويُسمِّيه بعضهم بـ”علم الأنبياء”؛ لأن الأنبياء كانوا مُعبِّرين لِرُؤَى أُمَمِهم، وذكر الله منهم يوسف ، وكذلك نبينا محمدٌ ، وهكذا بقية الأنبياء والرسل.

وأيضًا الرؤيا جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة كما قال النبي [2]، فالرؤى جزءٌ من النبوة؛ ولهذا لما قيل للإمام مالك: أَيُعَبِّرُ الرُّؤى كل أحدٍ؟ قال: أَيُلْعَب بالنبوة؟! الرؤيا جزءٌ من النبوة.

لماذا قال: الرؤيا جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة؟ لماذا ذكر هذا الرقم: ستة وأربعين؟

قال العلماء: لأن أول ما بُدِئَ به النبي من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان ما يراه في منامه يقع كَفَلَق الصبح، واستمر على ذلك ستة أشهرٍ، ثم بعد ذلك بُعِثَ عليه الصلاة والسلام، ومدة بعثته ثلاثٌ وعشرون سنةً، فنسبة الستة الأشهر إلى ثلاثٍ وعشرين هي كَنِسْبَة واحدٍ إلى ستٍّ وأربعين، فرقم ستةٍ وأربعين هو ضعف ثلاثٍ وعشرين.

طيب، لماذا كان الضعف؟

لأن رؤيا النبي عليه الصلاة والسلام التي كانت كَفَلَق الصبح كانت ستة أشهرٍ، يعني: نصف سنةٍ، ومدة البعثة ثلاثٌ وعشرون، فمعنى ذلك: إذا أردنا أن نحسبها نضرب 23 × 2، فتكون النتيجة: ستةً وأربعين.

هذا هو السر في اختيار هذا الرقم: ستة وأربعين، فالرؤيا جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة.

ومما يدل على أهمية علم التعبير ما ذكره الله في سورة يوسف، وسورة يوسف تعبير الرؤى فيها حاضرٌ، وهذا ما سنتطرق له في هذا اللقاء:

أولًا: ذكر الله تعالى عن يعقوب  أنه لما رأى يوسف  رؤيا قال: يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ۝ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ [يوسف:4- 5]، هذا يدل على أن يعقوب عبَّر الرؤيا، وعرف أن خيرًا عظيمًا سيكون ليوسف ؛ ولهذا نحن قلنا: إن علم التَّعبير علم الأنبياء؛ ولهذا قال: لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا، ثم قال: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ [يوسف:6]، فذكر هذا في مَعْرِض الاجتباء ليوسف عليه الصلاة والسلام.

أيضًا قال الله تعالى عن يوسف : وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ [يوسف:21]، ساق الله ذلك على سبيل الامتنان.

وأيضًا يوسف عليه الصلاة والسلام بعدما اجتمع بأبيه وإخوته بدأ يذكر نِعَمَ الله عليه، وكان مما قال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [يوسف:101]، فجعل تعليم تأويل الأحاديث -أي: تعبير الرُّؤَى- أنه نعمةٌ ومِنَّةٌ من الله عليه، وهذا يدل على عظيم شأن هذا العلم، وعلى أن مَن أعطاه الله علم التعبير فقد أعطاه الله تعالى خيرًا عظيمًا، ووفَّقه لخيرٍ كثيرٍ، فهو اجتباء: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ.

وهذا يقودنا إلى مسألةٍ هي: هل تعبير الرُّؤَى مُكْتَسَبٌ أم موهبةٌ؟

هل تعبير الرُّؤى مُكْتَسَبٌ أم موهبةٌ؟

الصواب في هذا: أن جزءًا منه مُكْتَسَبٌ، وجزءًا موهبةٌ.

المُكْتَسَب يكون بتعلم التعبير، وكذلك يكون بالدُّرْبَة والممارسة، وربما إذا مَرَّتْ عليه عدة رُؤًى وعبَّرها تكون عنده خبرةٌ ودُرْبَةٌ، فهذا هو الجزء المُكْتَسَب.

وأيضًا اهتمامٌ، فمَن اهتمَّ بأيِّ علمٍ من العلوم فإنه يتدرج فيه شيئًا فشيئًا حتى يكون راسخًا فيه.

وأما الموهبة: فالموهبة ليس معناها: أنها إلهامٌ من الله ​​​​​​​ لهذا المُعبِّر فيُعبِّر بإلهامٍ من الله، كما يفهم ذلك بعض الناس، هذا فهمٌ خاطئٌ، فهذا إنما يكون بالوحي، والوحي قد انقطع بعد وفاة نبينا محمدٍ ، ولكن المقصود بالموهبة: أنه يُوهَب قوة الاستنباط في تعبير الرُّؤَى.

كيف تكون قوة الاستنباط؟

تعبير الرُّؤَى هو فَكُّ رموزٍ موجودةٍ في هذه الرؤيا، فبعض الناس يُعطيه الله تعالى موهبةَ فَكِّ هذه الرموز، وقوة الاستنباط لديه، فتكون الموهبة في قوة الاستنباط، وفي فَكِّ الرموز، وليس معنى الموهبة: أن لديه موهبةً يعني: إلهامًا من الله في تعبير الرُّؤَى.

فما يدَّعيه بعض الناس من أنه يأتيهم إلهامٌ لتعبير الرُّؤَى، هذا قولٌ باطلٌ، وقولٌ غير صحيحٍ، وهذا يدل على كذب هذا الذي يدَّعي التعبير، وينبغي ألا يُصدَّق، لكن الموهبة تأتي من قوة الاستنباط، ومن القُدرة على فَكِّ رموز هذه الرؤيا.

هذا هو مقصودنا بقولنا: موهبة، كسائر العلوم، يعني مثلًا: بعض العلماء في علومٍ معينةٍ يُعطيهم الله تعالى موهبةً -مثلًا- في تدبر القرآن، وبعض العلماء يُعطيهم الله تعالى موهبةً في استنباط بعض المعاني من آيات القرآن، وكذلك في مجالاتٍ أخرى؛ في مجال الفقه بعض العلماء يُعطيهم الله تعالى موهبةً في قوة الاستنباط، وكذلك في بقية العلوم، فجزءٌ منها مُكْتَسَبٌ، وجزءٌ منها يكون موهبةً من الله لذلك الشخص، وتعني تلك الموهبة: قوة الاستنباط.

فعلم الرؤى يقوم أصلًا على فَكِّ الرموز -فَكّ رموز هذه الرؤيا- هذه الآن رؤيا أمامك، كيف تَفُكُّ رموزها وتُحوِّل هذه الرموز إلى تعبيرٍ؟ هذا جزءٌ منه موهبةٌ من الله ، وجزءٌ منه مُكْتَسَبٌ.

الرؤيا في سورة يوسف

ذكرنا أن الرؤى في سورة يوسف لها حضورٌ، وقد ذكر الله تعالى الرؤيا في سورة يوسف  في ثلاثة مواضع:

  • الموضع الأول: في رؤيا رآها يوسف عليه الصلاة والسلام، قال: يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يوسف:4]، فعبَّرها يعقوب وقال: يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ [يوسف:5]، عبَّرها بخيرٍ عظيمٍ يكون ليوسف ، ويسجد له إخوته وأبوه، وأمه هي خالته، لكن الخالة بمنزلة الأم، وهذا هو السبب في أن يعقوب عليه الصلاة والسلام كان يعطف على يوسف وعلى أخيه بنيامين أكثر من بقية إخوانهما؛ لأنه رأى أن أُمَّهم ميتةٌ، فأراد أن يُعوِّضهم بمزيدٍ من الحنان والحب، ولكن بقية بَنِيه لم يَعْذُروه بذلك، وحصل ما حصل مما قصَّه الله علينا في سورة يوسف .
    فهذا هو الموضع الأول: الرؤيا التي رآها يوسف .
  • الموضع الثاني: رؤيا السَّجِينين: قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ [يوسف:36]، فعبَّرها يوسف عليه الصلاة والسلام لهما، ووقعتْ كما عبَّر تمامًا.
  • الرؤيا الثالثة -أيضًا رؤيا عظيمةٌ-: رؤيا الملك لما قال: إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف:43]، ما عرفوا، قالوا: أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ [يوسف:44]، تذكَّر السَّجين الذي قد نجا -والذي أصبح ساقي الخمر للملك- يوسفَ عليه الصلاة والسلام، ثم نقل -وهذه نقطةٌ مهمةٌ للمُعبِّرين- الرؤيا بنصِّها؛ ولذلك أعادها الله علينا مرةً أخرى: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا لاحظوا أنها نفس الرؤيا، لم تَنْقُص حرفًا واحدًا: أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ [يوسف:46]، وهذا يدل على أهمية العناية بنقل الرؤيا كاملةً، وعدم إسقاط جزءٍ منها.

بعض الناس إذا أراد أن يذهب إلى المُعبِّر لا يذكر له جميع ما رآه، يُخْفِي عنه جزءًا مما رأى، وهذا يُؤثِّر على صحة التعبير، لا بد لمَن أراد أن يذهب للمُعبِّر أن يذكر جميع ما رأى، فإنه إذا أسقط جزءًا مما رآه لا يكون التعبير صحيحًا؛ ولذلك هذا الذي قد ذهب ليوسف عليه الصلاة والسلام قال: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا، ونقل رؤيا الملك بنصِّها، لم يُنْقِص منها حرفًا واحدًا، وذكرها الله لنا في كتابه الكريم، وفي هذا إشارةٌ إلى أن مَن أراد أن يذكر رؤيا للمُعبِّر لا بد أن يذكرها بجميع تفاصيلها، ولا يُسقط منها شيئًا؛ حتى يكون التعبير صحيحًا.

فكانت هذه الرؤيا -رؤيا الملك- سببًا في أن يعرف الملك فضل هذا النبي العظيم، وأنه مظلومٌ، وقد سُجِنَ بضع سنين ظلمًا بسبب عِفَّته وكونه قد أَبَى الوقوع في الفاحشة لما دَعَتْه امرأة العزيز والنسوة، ومع ذلك أيضًا لم يذهب للملك مباشرةً، قال: مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ [يوسف:50] يعني: يريد أولًا البراءة، أريد أولًا أن تُثْبِت براءتي، ثم بعد ذلك يُقابل الملك.

فأُعجب الملكُ به؛ أُعجب أولًا بكونه عالِمًا بتعبير الرؤى.

ثانيًا: بِعِفَّته العظيمة.

ثالثًا: بِعِزَّته؛ كونه ما تَلَهَّف مع أنه بقي بضع سنين.

ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: لو لَبِثْتُ في السجن طول ما لبث يوسف لأجبتُ الداعي [3]، يقوله على سبيل التَّواضع عليه الصلاة والسلام.

فَأُعْجِب به الملك: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي [يوسف:54]، أنا أريد هذا الرجل، رجلٌ نادرٌ، أُريد أن يكون خالصًا من جُلسائي، أُريد أن يكون خاصًّا بي: أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ [يوسف:54]، قال الملك ليوسف : إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ يعني: ذا مكانةٍ عظيمةٍ أَمِينٌ.

يوسف عليه الصلاة والسلام اغتنم الموقف: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55]، ليس من باب التزكية لنفسه، ولكن لأنه رأى أنه ليس هناك أحدٌ يستطيع أن يقوم بهذه المهمة الثقيلة، وبالفعل لما تولَّى وجعله على خزائن الأرض نفع الله تعالى به نفعًا عظيمًا للناس في أمور دينهم ودنياهم.

وهذا يدل على أن هذا من المواضع التي لا بأس أن يذكر الإنسان بعض صفاته أو بعض مناقبه إذا احتيج لذلك، فلو لم يقل يوسف هذا لما جعله الملكُ على خزائن الأرض، ولما حصلتْ هذه المصالح، فربما جعله من جُلسائه فقط، وما جعله على خزائن الأرض، فهذا من المواضع الدقيقة، لما رأى يوسف المصلحة الراجحة في أن يقول ذلك، وفي أن يُزَكِّي نفسه فعل ذلك؛ لأجل المصالح العظيمة المُترتبة على ذلك.

عناية النبي وصحابته بالرُّؤى وتعبيرها

كان النبي إذا صلَّى صلاة الصبح التفت لأصحابه  وقال: هل رأى أحدٌ منكم رؤيا؟ [4]، فإذا رأى أحدٌ رؤيا يَقُصُّ عليه ما شاء الله أن يَقُصَّ، ثم يُعبِّرها النبي .

وفي حديث سمرة النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي رأى الرؤيا، قال: إنه أتاني الليلة آتيانِ، وإنهما ابْتَعَثَانِي، وإنهما قالا لي: انطلق .. إلى آخر الحديث [5].

وهذا يدل على عناية النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته  بالرؤى وبتعبيرها؛ كون النبي عليه الصلاة والسلام كل يومٍ بعد صلاة الصبح يقول لأصحابه : هل رأى أحدٌ منكم رؤيا؟ ثم مَن رأى الرؤيا يذكرها له، وهو يُعبِّرها لهم، هذا يدل على العناية بعلم التعبير، والعناية بتعبير الرؤى.

وهذا فيه ردٌّ على مَن يُبالغ في رَدِّ الرؤى ويستهين بها، وكون بعض الناس ربما يتعلق بالرؤى، وربما تقع ممارساتٌ أيضًا خاطئةٌ من بعض المُعبِّرين، هذا لا يستدعي أن يقف الإنسان من الرؤى موقفًا مُبالغًا فيه، وأن يستهين بشأن الرؤى، فالرؤى شأنها عظيمٌ؛ ولذلك النبي كان إذا أصبح يقول لأصحابه : هل رأى أحدٌ منكم رؤيا؟ ثم يُعبِّر ما يذكرونه من رُؤًى، فهذا يدل على اهتمام النبي بالرؤيا.

أقسام الرؤى في المنام

ما يراه النائم في منامه ينقسم إلى ثلاثة أقسامٍ، وهذه الأقسام الثلاثة جاءتْ منصوصًا عليها من كلام النبي في الصحيحين.

وهذه نقطةٌ في غاية الأهمية، ولعلي أُذَكِّر الإخوة المُعبِّرين، وإلا فهذا شيءٌ معلومٌ لهم، وحسبما علمتُ أن هذا اللقاء يُتابعه الآن مُعظم مُعبِّري الرؤى في المملكة.

فأقول: هذا الحديث ينبغي أن يضعه الإخوة المُعبِّرون نُصْبَ أعينهم.

أولًا أذكر نصَّ الحديث، ثم أُعلِّق عليه.

الحديث طبعًا رواه البخاري ومسلمٌ في الصحيحين عن أبي هريرة : أن النبي قال: الرؤيا ثلاثةٌ: فرؤيا صالحةٌ بُشْرَى من الله هذا القسم الأول، ورؤيا تَحْزِينٌ من الشيطان هذا القسم الثاني، ورؤيا مما يُحَدِّث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ [6].

هنا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسامٍ لما يراه النائم في منامه، وذكر أن الرؤيا تُمثِّل قسمًا واحدًا فقط، فالرؤيا نسبتها لما يراه النائم الثلث فقط، أما الثلثان الآخران فليسا من الرؤيا؛ الثلث الثاني: حلمٌ من الشيطان، والثلث الثالث: ما يُحدِّث به المرء نفسه.

كيف يُفرق المُعَبِّر بين الرؤيا والحُلْم وحديث النفس؟

من الأخطاء التي يقع فيها بعض المُعبِّرين: أنه كلما اتَّصل عليه أحدٌ وقال: إني رأيتُ رؤيا يُعبِّرها، لا بد أولًا من التَّأكُّد أنها من القسم الأول، وليست من القسم الثاني، ولا من القسم الثالث.

كيف نعرف أن الرؤيا رؤيا من الله، وليست حلمًا، وليست مما يُحدِّث به المرء نفسه؟

أولًا: ما يُحدِّث به المرء نفسه يعرفها المُعبِّر بأن يسأل هذا الرائي عدة أسئلةٍ، فإذا رأى أنه يهتم بموضوعٍ معينٍ، يعني: إنسانًا -مثلًا- عنده زواجٌ، أو مُقْبِلٌ على وظيفةٍ، أو نحو ذلك، ثم رأى رؤيا مُتعلِّقةً بهذا الشيء الذي قد أشغل فكره وباله، فهذا مما يُحدِّث به المرء نفسه، وهذا ليس رؤيا ولا حلمًا، هذا حديثُ نفسٍ، يُسمى: حديث نفسٍ، يعني: شيئًا يتحدث به الإنسان، ويُفكِّر فيه طوال النهار، ثم يراه في المنام، هذا يُسمى: حديث نفسٍ، وهذا يُمثِّل الثلث.

الثلث الثاني: حلمٌ من الشيطان، ما علامته؟

علامته: أنه يكون في الأشياء المُزعجة، الأشياء المكروهة، فإذا رأى الإنسان شيئًا مُزعجًا، شيئًا مكروهًا، فهذا حلمٌ من الشيطان، وليس رؤيا، وهذا السُّنة أن يتفل عن يساره ثلاثًا، ويستعيذ بالله من الشيطان ومن شَرِّ ما رأى، ولا يُحدِّث بذلك أحدًا، والأكمل أن يتوضأ ويُصلِّي ركعتين.

وينبغي أيضًا أن يعرف المُعبِّر هذا القسم، فإذا كان الرائي رأى أشياء مُزعجةً، كأن يرى -مثلًا- أباه أو أمه أو قريبه غاضبًا عليه، يَعَضُّ يديه، فهذا دليلٌ على أن هذا حلمٌ من الشيطان، وأن هذا ليس رؤيا، فلا يُعَبَّر، أو يرى أشياء مُزعجةً، كأن يرى شيئًا يُلاحقه: سبعٌ يُلاحقه -مثلًا- أو نارٌ تُلاحقه، يعني: أشياء مُزعجةً مُحزنةً، فهذه حلمٌ من الشيطان؛ ولهذا وصفها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ورؤيا تحزينٌ من الشيطان.

فانظر كيف وصفها النبي بالتَّحزين، يعني: شيئًا يُحْزِن الإنسان، يكرهه الإنسان، ينزعج منه، فهذا أيضًا لا يُعبَّر، بل يُقال: هذا من الشيطان، استعذ بالله، وَاتْفُلْ عن يسارك ثلاثًا، وتَعَوَّذ بالله من الشيطان ومن شَرِّ ما رأيتَ، ولا تضرُّك.

وهذا كان شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله كثيرًا ما يقوله لمَن يقول: إني رأيتُ رؤيا، فكثيرًا ما يقول: هذا من الشيطان، استَعِذْ بالله منه ومن شَرِّ ما رأيتَ، ولا يضرك. فهذا الثلث الثاني.

الثلث الثالث: الرؤيا التي هي من الله .

لاحظ: أن الرؤيا تُمثِّل الثلث مما يراه الإنسان في منامه، فلا بد للمُعبِّر الحاذق من أن يُميِّز الرؤيا من الحلم من حديث النفس؛ ولذلك أنا أتعجب من بعض المُعبِّرين في وسائل التواصل ووسائل الإعلام: يتصل عليه إنسانٌ ويقول: رأيتُ كذا وكذا. فيُعبِّرها مباشرةً.

طيب، ربما يكون هذا حديث نفسٍ، وربما يكون حلمًا من الشيطان، فينبغي التَّثبت، وأن يسأل الرائي عدة أسئلةٍ حتى يتبين أولًا أنها رؤيا، ثم بعد ذلك إذا تبين أنها رؤيا يأتي التعبير، كما يُقال في عالم الطب -مثلًا-: لا بد من تشخيص المرض، ثم العلاج، هكذا أيضًا بالنسبة لما يراه النائم: لا بد أولًا من تقرير أنها رؤيا، وليست حلمًا، وليست حديث نفسٍ، فإذا قرر أنها رؤيا يأتي بعد ذلك التعبير.

فمن الأخطاء: التعبير مباشرةً من غير تمييزٍ بين الحلم وحديث النفس والرؤيا.

الرؤيا من علاماتها: أنها -أولًا- لا تكون في الأشياء المكروهة، ولا في الأشياء المُزعجة.

ومن علاماتها أيضًا: وضوحها وتسلسلها، فتكون واضحةً يتذكرها الإنسان، وتكون مُتسلسلةً، وتكون في أمرٍ لم يكن الإنسان يُحدِّث به نفسه.

هذه هي الرؤيا، والتي يُعبِّرها المُعبِّر بفَكِّ رموزها.

جاء في حديث أبي سلمة -وهذا في “صحيح مسلم”- قال أبو سلمة : إن كنتُ لأرى الرؤيا تُمْرِضُني.

تأمل قوله: “تُمْرِضُني” يعني: يتأثر بها إلى درجة أنه يمرض منها من شدة وقعها على نفسه.

قال: فلقيتُ أبا قتادة فقال: وأنا كنتُ لأرى الرؤيا فَتُمْرِضُني.

يعني: صحابيين كل واحدٍ منهما يقول: أرى الرؤيا فَتُمْرِضُني. وقعها عليهما شديدٌ.

قال أبو قتادة : حتى سمعتُ رسول الله يقول: الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يُحب فلا يُحدِّث بها إلا مَن يُحب، وإن رأى ما يكره فَلْيَتْفُلْ عن يساره ثلاثًا، وليَتَعَوَّذ من شَرِّ الشيطان، ولا يُحدِّث بها أحدًا، فإنها لن تَضُرَّه [7].

وهذا فيه إرشادٌ لمَن رأى الرؤيا المُزعجة: أنه يتعوَّذ بالله من الشيطان ومن شَرِّ ما رأى، ولا يُحدِّث بها أحدًا، ولا يذكرها لمُعبِّرٍ ولا لغيره، وإذا ذكرها للمُعبِّر يأتي دور المُعبِّر في أن يُرشده وأن يُوجهه، وإذا لم يُحدِّث بها أحدًا فإنها لا تضره.

إذا تعوذ بالله من شَرِّ ما رأى ومن الشيطان، ولم يُحدِّث بها أحدًا؛ فإنها لا تضره.

وجاء في رواية البخاري: إذا رأى أحدكم رؤيا يُحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليُحدِّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرِّها، ولا يذكرها لأحدٍ [8].

ماذا يفعل مَن رأى رؤيا صالحة؟

إذا رأى رؤيا يُحبها:

أولًا: المشروع أن يحمد الله، إذا استيقظ يقول: الحمد لله.

ثانيًا: أن يذكرها لمُعبِّرٍ حاذقٍ، ولا يذكرها إلا لمَن يُحب أيضًا.

هنا توجد لفتةٌ: لماذا قال عليه الصلاة والسلام: وليُحدِّث بها مَن يُحب؟ وهنا قال: وإذا رأى غير ذلك مما يكره قال: ولا يذكرها لأحدٍ لماذا؟ لماذا هذه يُحدِّث بها مَن يُحب، والرؤيا المكروهة أو الحلم لا يُحدِّث به أحدًا؟

قال العلماء: إن ما يراه الإنسان في منامه يحتمل تعبيره عدة احتمالاتٍ، فربما يذكر الإنسان هذه الرؤيا لحاسدٍ أو حاقدٍ فيُعبِّرها على أسوأ هذه الاحتمالات فتقع، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي أنه قال: الرؤيا على رِجْل طائرٍ ما لم تُعَبَّر، فإذا عُبِّرَتْ وقعتْ [9].

فهذا هو السبب الذي لأجله قال عليه الصلاة والسلام: ولا يُحدِّث بها إلا مَن يُحب؛ لأنه إذا حدَّث بها حاسدًا ربما عبَّرها على أسوأ الاحتمالات فتقع، لكن إذا حدَّث بها مَن يُحب، وحدَّث بها مُعبِّرًا حاذقًا ناصحًا فإنه سيُعبِّرها على أفضل هذه الاحتمالات، فتقع كذلك بإذن الله .

من أخطاء بعض مُعبري الرُّؤى

1. تعبير الأشياء المُزعجة أو ما يُلْحِق الضَّرر بالآخرين

من الأخطاء في تعبير الرؤى: أن بعض المُعبِّرين يُعبِّر الأشياء المُزعجة، وهذه ذكرنا أنها ليست رؤيا، وإنما هي حلمٌ.

كذلك يُعبِّر تعبيرًا يُلحق الضَّرر بالآخرين، يعني: هذا وأنا في مقام الفتوى تأتيني استفتاءاتٌ من بعض الناس عن مُعبِّرين عبَّروا رؤى فألحقتْ بهم الضَّرر، وأذكر منها على سبيل المثال: قبل أشهرٍ أتاني رجلٌ وقال: إن زوجتي مُولعةٌ بتعبير الرؤى، وإنني رأيتُ رؤيا، فقالت زوجتي: هذا المُعبِّر فلان، كَلِّمْهُ. فكلمتُه وهي تسمع، فقال: تعبير هذه الرؤيا أنك ستتزوج على امرأتك امرأةً أخرى. وهي تسمع، يقول: فالمرأة أخذتْ هذا على أنه حقيقةٌ؛ فغضبتْ وطلبتْ مني الطلاق.

يقول: وهي الآن لها مدةٌ وهي في بيت أهلها.

فيقول: بدأتُ أدعو على هذا المُعبِّر، فقد ألحق بي الضَّرر.

وهو يقول: إنني أحاول أن ترجع، وتقول: لا، إنك ستتزوج، المُعبِّر فلان يقول كذا.

وهذا خطأٌ كبيرٌ من هذا المُعبِّر، كيف يتسبب بهذا الكلام في أن يُوقع الفُرقة بين هذا الرجل وزوجته؟! مع أن هذا الرَّائي يقول: والله ما خطر ببالي هذا الموضوع أصلًا، وظروفي ما تُساعدني، ولم يخطر هذا الموضوع ببالي. وقال: أنا الآن -والله- في كُرْبَةٍ بسبب تعبير هذا المُعبِّر.

فأحيانًا بعض المُعبِّرين يتسبب في إضرارٍ، ومن ذلك أن يُعبِّر بأن يقول: الرؤيا هذه تدل على أن فلانًا -أو فلانةً- هو الذي سحرك، أو هذا الذي أصابك بعينٍ، أو هو الذي سيفعل بك كذا. فيتسبب في فتنةٍ، وفي عداوةٍ، وفي قطيعةٍ، وفي شحناء، فهذا خطأٌ كبيرٌ من هذا المُعبِّر، حتى لو تبين له شيءٌ من هذا ينبغي ألا يذكر هذا، مثلًا يقول: هذه الرؤيا تدل على أنك أُصِبْتَ بعينٍ. من غير أن يذكر اسم العائن؛ لأن الرؤيا أيضًا تبقى ظنِّيةً، يبقى التعبير ظنِّيًّا.

وهذا أحد المحاور: هل تعبير الرؤى قطعيٌّ أو ظنيٌّ؟

تعبير الرؤى ظنيٌّ، وليس قطعيًّا.

يوسف عليه الصلاة والسلام الذي أعطاه الله تعالى علم التعبير، ومع ذلك يقول الله عنه: وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف:42].

وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ فالتعبير غاية ما يُفيده الظن، وليس القطع.

إذا كان يوسف عليه الصلاة والسلام يقول هذا، فما بالك بغيره؟!

ولهذا أبو بكر كان من الصحابة المشهورين بتعبير الرؤى، فلما أتى رجلٌ للنبي عليه الصلاة والسلام فقال: إني رأيتُ رؤيا. قال: بأبي وأمي، دعني أُعبِّرها. فعبَّرها أبو بكر ، ثم قال: يا رسول الله، هل أصبتُ؟ قال: أصبتَ بعضًا، وأخطأتَ بعضًا [10]، وهو أبو بكر الصديق، مشهورٌ بالتعبير، وهو أفضل الصحابة ، ومع ذلك قال: أصبتَ بعضًا، وأخطأتَ بعضًا.

فتعبير الرؤى ليس مقطوعًا به، وإنما هو ظنيٌّ؛ ولهذا أعجبُ من بعض المُعبِّرين الذين يُعبِّرون بالقَطْع!

الذي يُعبِّر بالقطْع دليلٌ على أنه ليس من الحاذقين في علم التعبير، وإنما ينبغي أن يكون المُعبِّر مُتواضعًا للحقِّ وللخلق، يقول -مثلًا-: إن صدقتْ رؤياك فلعله يحصل كذا وكذا. بغير قطعٍ.

ولهذا تذكرون -أيها الإخوة- لما أتتْ كورونا قام بعض المُعبِّرين وقال: إن كورونا سترتفع في 22 رمضان بسبب رؤيا رآها أحد الناس.

فأتى 22 رمضان، وأتى ما بعد 22 رمضان، والسنة التي بعده، وكورونا لم ترتفع، ولا تزال إلى الآن لم ترتفع ارتفاعًا كاملًا، فما موقف هذا المُعبِّر أمام الناس؟!

فالناس يقولون: فلانٌ يقول: إنها سترتفع في هذا التاريخ. ويترقبون له، ثم أتى هذا التاريخ ولم يحصل شيءٌ من هذا! فلماذا تضع نفسك في هذا الموقف؟!

فمثل القطع بالأرقام والقطع بتعبير الرؤى هذا يدل على أن هذا ليس حاذقًا في علم التعبير، ويدل على جهله في هذا الباب؛ ولذلك المُعبِّر الحاذق لا يقطع، وإنما يأتي به على سبيل الظن، وعلى سبيل التواضع، وأيضًا يُقدِّم له مقدمةً، يقول: إن صدقتْ رؤياك فربما يحصل كذا وكذا. فهذا هو المطلوب في تعبير الرؤى من غير أن يقطع بذلك.

إذن الرؤى تُفيد الظن، ولا تُفيد القطع، الرؤى غاية ما تُفيد البشارة أو النّذارة، ولا يُستفاد منها في الأحكام الشرعية، لا يُؤخذ منها حكمٌ شرعيٌّ في وجوبٍ، أو في تحريمٍ، أو في كراهةٍ، أو في استحبابٍ، أو في إباحةٍ، إنما غاية ما تُفيد البشارة أو النّذارة فقط، فهي بُشْرَى أو إنذار، لكن لا تُؤخذ منها أحكامٌ شرعيةٌ، وهذا أمرٌ مُتَّفقٌ عليه بين أهل العلم، فالرؤى لا تُؤخذ منها أحكام الحلال والحرام، هذه تُؤخذ من الأدلة، ولا تُؤخذ من الرؤى، إنما الرؤى فقط تُفيد البشارة أو النّذارة.

2. تثبيط الناس عن فعل الخير في مواسم معينةٍ

من الأخطاء التي يقع فيها بعض المُعبِّرين: تثبيط الناس عن فعل الخير في مواسم معينةٍ، ومن ذلك: في تعبير أن ليلة كذا هي ليلة القدر، ونشر ذلك أمام العامة، والعامة إذا قيل: إن هناك رُؤًى بأن تلك الليلة هي ليلة القدر، اجتهدوا في تلك الليلة، وتركوا الاجتهاد في بقية الليالي.

ثم أيضًا هذه الرؤى التي يُقال: إنها تواطأتْ، العجيب أنهم في كل عامٍ يقولون: إنها ليلة خمسٍ وعشرين، ولا أدري لماذا يختار كثيرٌ من المُعبِّرين هذه الليلة؟! لماذا يختارون ليلة خمسٍ وعشرين ويقولون: تواطأت الرؤى على أنها هي ليلة القدر؟!

في السنوات الماضية من خلال مُراقبة كلام المُعبِّرين كثيرٌ منهم على أنها ليلة خمسٍ وعشرين.

طيب، لماذا يختارون هذه الليلة؟

فلذلك ينبغي عدم الجزم بذلك.

ثم أيضًا مَن رأى أن تلك الليلة هي ليلة القدر -مثلًا- فإن ليلة القدر تُرى في المنام، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: أرى رؤياكم قد تواطأتْ في السبع الأواخر، فمَن كان مُتَحَرِّيها فَلْيَتَحَرَّها في السبع الأواخر [11]، فهذا يدل على أن ليلة القدر تُرى في المنام، لكن ينبغي أن يكون التعبير بصفةٍ فرديةٍ، ولا يُنْشَر ذلك في وسائل التواصل ووسائل الإعلام؛ لما يترتب على هذا النشر من مفاسد؛ ولأن الرؤيا -كما ذكرنا- تُفيد الظنَّ، ولا تُفيد القطع، فربما يرى هذا الرائي في المنام أنها ليلة كذا، لكن يبقى هذا ظنًّا.

أيضًا قد يكون حلمًا أصلًا، وقد يكون يُحدِّث نفسه بأن ليلة القدر هذا العام ستكون كذا، ثم يرى ذلك في المنام، فلا تكون رؤيا.

فغاية ما تُفيد الظنّ، وليس القطع؛ ولهذا أرى أن من الخطأ أن يُنْشَر هذا في وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يُقال بأن الرؤى قد تواطأتْ بأن هذه الليلة هي ليلة القدر، فهذا تترتب عليه مفاسد، ويترتب عليه اتِّكال العامة على الاجتهاد في هذه الليلة وترك ما سواها.

تعبير الرؤى وسيلةٌ للدعوة والنُّصح

إذا تأملنا تعبير يوسف عليه الصلاة والسلام للرؤيا نجد أن هذا التعبير لم يكن مجرد تعبيرٍ فقط، بل كان تعبيرًا مصحوبًا بالتوجيه والإرشاد والدعوة إلى الله ، فدعاهما أولًا إلى توحيد الله ، وإلى ترك عبادة الشرك، وَوَجَّهَ ونَصَحَ وأَرْشَدَ، ثم بعد ذلك عبَّر الرؤيا: وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ۝ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ [يوسف:36- 37]، أراد أولًا أن يُبين مكانته ومنزلته، ثم بعد ذلك دعاهما إلى الله ، ثم عبَّر الرؤى.

وهذا يدل على أن المُعبِّر أيضًا ينبغي أن يكون له توجيهٌ وإرشادٌ ونصحٌ ودعوةٌ إلى الله ، لا يكتفي فقط بالتعبير، مثلًا: لو كان التعبير في تقصير هذا الإنسان في الصلاة ينبغي أن يُوجَّه هذا الرائي ويُحَثّ على الصلاة، وأن يُبين له عظيم مكانة الصلاة، وعظيم منزلتها في الدين، وأن يقول: هذا إنذارٌ من الله لك، وابدأ صفحةً جديدةً في المُحافظة على الصلاة، ونحو ذلك.

هكذا أيضًا لو كان الرائي -مثلًا- امرأةً، وكانت الرؤيا تدل -مثلًا- على عدم تمسُّكها بالحجاب ينصحها ويُبين لها، وهكذا أيضًا ينبغي أن يصحب تعبير الرؤيا توجيهٌ ونُصْحٌ وإرشادٌ، كما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام.

هل يُخْطِئ المُعبِّر ؟

المُعبِّر هل يُخْطِئ؟

نعم، قد يُخطئ المُعبِّر، قد يكون التعبير كله خطأً، وإن كان المُعبر حاذقًا؛ لأن أبا بكر قال له النبي لما عَبَّر الرؤيا: أَصَبْتَ بعضًا، وأخطأتَ بعضًا، فإذا كان هذا وقع للصديق  وهو أشهر المُعبِّرين من الصحابة ، فما بالك بغيره؟!

وهذا يستدعي من المُعبِّر التواضع، أن يتواضع للحقِّ وللخلق، وأن يأتي أيضًا في تعبيره بأسلوبٍ فيه تواضعٌ، وألا يكون بأسلوبٍ فيه اعتدادٌ.

بعض المُعبِّرين عندما يُعبِّر يُعبِّر بقطعٍ وجزمٍ، وكأن بعضهم يريد أن يُظهر للمُشاهدين أن عنده علمًا، وأن عنده كذا!

هذا الأسلوب أسلوبٌ غير مُناسبٍ، بل ينبغي أن يكون ذلك بأسلوبٍ فيه تواضعٌ، وألا يكون بأسلوبٍ فيه قطعٌ، فإن المُعبِّر قد يُخطئ مهما كان حاذقًا.

حكم أخذ المال على تعبير الرؤى

من المسائل أيضًا التي يكثر السؤال عنها: حكم أخذ المال على تعبير الرؤى.

وهذه المسألة محل خلافٍ بين العلماء، ولكن أكثر العلماء -وهو القول الراجح- على أنه لا يجوز أخذ المال على تعبير الرؤى؛ وذلك لأن تعبير الرؤى مثل الفُتيا، والفُتيا في قول عامة أهل العلم لا يجوز أخذ الأجر عليها، فالفتيا وتعبير الرؤى وما كان أمرًا دينيًّا الأصل أنه لا يجوز أخذ الأجر عليه: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57]، والأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كل واحدٍ منهم يقول: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الشعراء:109]، فالمُتاجرة تكون بغير أمور الدين، أمور الدين تكون مُتمحضةً في الاحتساب -احتساب الأجر من الله – ومَن أراد التجارة يبحث عنها في مظانها، يبحث عنها في أمور الدنيا، لكن أمور الدين لا يُتاجر بها.

فالقول الراجح: أنه لا يجوز أخذ المال على تعبير الرؤيا؛ لأنها تجري مجرى الفتوى.

أيضًا أخذ الأجر لا بد أن يكون على منفعةٍ معلومةٍ منضبطةٍ، وتعبير الرؤى ليس منفعةً معلومةً منضبطةً، وغاية ما يُفيده الظن، ولا يُفيد القطع؛ ولذلك لا يجوز أخذ المال على تعبير الرؤى، وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

وكما ذكرنا أمور الدين وأمور الفُتيا وكذلك أمور تعبير الرؤى ونحو ذلك هذه الأصل فيها الاحتساب وعدم أخذ الأجر إلا ما يُعطيه وليُّ الأمر رزقًا من بيت المال، هذا لا بأس به بإجماع العلماء، سواء كان ذلك للمُفتي أو للقاضي أو لإمام المسجد أو للمُؤذن أو لغيرهم، فهذا رزقٌ من بيت المال، هذا جائزٌ بالإجماع، لكن الأجر للذي يقول: لا أُفتيك إلا بأن تُعطيني كذا، أو لا أُعبِّر لك إلا بأن تُعطيني كذا. هذا الذي يظهر أنه لا يجوز أن يُشترط فيه المال.

إذا كان يأخذ من غير شرطٍ لا بأس، يعني: تكون على سبيل الهدية لا بأس، أما بشرط: أنا لا أُفتيك إلا بأن تُعطيني كذا، أو لا أُعبِّر لك إلا بأن تُعطيني كذا. فالقول الراجح أنه لا يجوز.

فإن قال قائلٌ: ألا يُقاس ذلك على أخذ المال على الرقية، وأخذ المال على الرقية جائزٌ بالنص بقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله [12]؟

نقول: بينهما فرقٌ، فالرقية هي نوعٌ من العلاج، ونوعٌ من الاستطباب، فالراقي كالطبيب الذي يُعالج؛ ولذلك ما يُؤخذ من المال على الرقية هو جعالةٌ، والنبي عليه الصلاة والسلام قال للصحابة الذين أخذوا جُعْلًا على الرقية: خذوا منهم، واضربوا لي بسهمٍ معكم [13]، إن أحقَّ ما أخذتُم عليه أجرًا كتاب الله.

فما كان من باب الرقية والاستطباب لا بأس بأخذ المال عليه، لكن ما كان من باب الفُتيا وتعبير الرؤى الأظهر أنه لا يجوز أخذ المال عليه على سبيل الشرط، أما ما كان على غير سبيل الشرط، على سبيل الهدية ونحو ذلك فلا بأس به.

هل الاهتمام بالرؤى مما يُنْكَر على الإنسان؟

آخر مسألةٍ معنا: هل الاهتمام بالرؤى مما يُنْكَر على الإنسان، سواء كان بالتعبير أو بطلب التعبير؟

نقول: لا يُنْكَر، أما بالنسبة لطلب التعبير فقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: “اللهم إني أسألك رؤيا صادقةً غير كاذبةٍ، نافعةً غير ضارةٍ”، قالوا: فكانت إذا قالت ذلك لم تتكلم بعد هذا حتى تنام، أو حتى تستيقظ، فكانت أحيانًا تقول وتدعو بهذا الدعاء: “اللهم إني أسألك رؤيا صادقةً غير كاذبةٍ، نافعةً غير ضارةٍ”.

وهذا يدل على أن الاهتمام غير المبالغ فيه بالرؤيا لا بأس به، ولا بأس أن يدعو المسلم بهذا الدعاء.

أما بالنسبة للتعبير فكما ذكرنا عن النبي عليه الصلاة والسلام: أنه كان إذا صلى صلاة الفجر قال للصحابة : هل رأى أحدٌ منكم رؤيا؟ [14] هذا يدل على أنه لا بأس بالاهتمام بتعبير الرؤى وبالتَّخصص في ذلك، وأنه لا بأس أن يُعْرَف الإنسان بهذا، فهذا لا بأس به.

هذه أبرز المسائل والمحاور التي أحببتُ أن أطرحها في هذا اللقاء، ولعل بقية المسائل التي لديكم نستمعها منكم في مُداخلاتٍ، وفيما يرد من أسئلةٍ واستفساراتٍ.

أسأل الله تعالى أن يستعملنا جميعًا في طاعته، وأن يُوفِّقنا لما يُحب ويرضى من الأقوال والأعمال.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

المقدم: أحسن الله إليكم.

الشيخ: الله يُبارك فيك.

المقدم: وبارك فيكم، وجزاكم عنا خير الجزاء.

نستأذن فضيلتكم شيخنا في طرح بعض ما ورد من الأسئلة.

الشيخ: تفضل، نعم.

المقدم: يقول: فضيلة الشيخ، ما تأويل رؤيا الإنسان ربه ؟ هل لهذا -يا شيخ- معنًى مُعينٌ؟

الجواب: رؤيا الله في المنام، ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله أنه يمكن رؤيا الله في المنام، ونقل عن الإمام أحمد أنه رأى الله في المنام، ولكن قال أهل العلم: إن المقصود صورة الله ، وليس حقيقة الله ، يعني: ليست على الحقيقة، وإنما هي صورةٌ، والله تعالى أعلم كيف يكون ذلك، لكن الله سبحانه مُنَزَّهٌ عن مُشابهة خلقه جلَّ وعلا: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام:103]، لكن رؤية الله في المنام على سبيل ضرب المثال والصورة أنه واردٌ.

وذكر ابن تيمية وغيره أنه يمكن للمسلم أن يرى الله تعالى في المنام، أن يراه -مثلًا- يأمره بشيءٍ، أو ينهاه عن شيءٍ، ونحو ذلك، لكن ليس المرئي هو الله ، ولكن هذا من باب ضرب المثال، وأن هذه صورةٌ رآها المسلم تُعبِّر عن الله ، لكن ليس هو الله ، فالله سبحانه لا يُحيط به شيءٌ من خلقه جلَّ وعلا: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا، يقول: يا شيخ، هناك مَن لا يُؤمن بالرؤى وتعبيرها، فهل من نصيحةٍ لهؤلاء يا شيخ؟

الجواب: إنكار الرؤى وإنكار تعبير الرؤى هو إنكار جزءٍ من النصوص، فالرؤيا قد وردتْ في القرآن والسنة؛ في القرآن في سورة يوسف في ثلاثة مواضع، بل إن التَّمكين الذي حصل ليوسف عليه الصلاة والسلام كان أبرز أسبابه علم التَّعبير: معرفته بعلم التعبير، فإن الملك إنما أُعْجِبَ به لأنه كان عالِمًا: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ [يوسف:50]، فحصل له التَّمكين في الأرض، وجعله على خزائن الأرض لعدة أسبابٍ، لكن كان من أبرزها: معرفته بعلم التعبير؛ ولهذا قال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ [يوسف:101].

كذلك في السُّنة وردتْ عدة أحاديث في الرؤيا، والرؤيا من الله، وأيضًا من عاجل بُشْرَى المؤمن: الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو تُرَى له، من عاجل بُشْرَى المؤمن.

فإنكار الرؤى إنكارٌ لجزءٍ من النصوص، والذي يفعل هذا على خطرٍ عظيمٍ؛ لأنه يُنْكِر جزءًا من النصوص في القرآن والسنة.

وبعض الناس إذا رأى إساءاتٍ من بعض الناس أنكر الشيء كله، وهذا مسلكٌ خاطئٌ.

إذا رأى -مثلًا- مُبالغاتٍ من الناس فيما يتعلق بالسحر أنكر السحر، أو إذا رأى مُبالغاتٍ من بعض الناس فيما يتعلق بالعين أنكر العين.

هذا منهجٌ خاطئٌ، وإنما تُنْكر الممارسات الخاطئة، لكن يبقى أصل الشيء حقًّا، فالعين حقٌّ، والسحر أيضًا ثابتٌ، وكذلك الرؤى، فَتُنْكر تصرفات بعض الناس، يعني: تعلُّق بعض الناس بالرؤى بشكلٍ مُبالغٍ فيه، صحيحٌ أن هذا هو الذي يُنْكَر.

بعض الناس -خاصةً بعض الأخوات النساء- كل يومٍ ترى في منامها، وتُريد من المُعبِّر أن يُعبِّر لها!

مثل هذه المُبالغات تُنْكَر، لكن يبقى أصل الرؤى أنه قد وردتْ به النصوص، وأن علم التعبير من أعظم وأشرف العلوم، بل كما ذكرتُ في مُقدمة هذا الحديث أنه يُسمى: علم الأنبياء.

السائلة: السلام عليكم.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.

السائلة: جزاك الله خيرًا، لازم المُعبِّر ….. مثلًا كل شيءٍ أم لا؟

الشيخ: لا يلزم، يعني: هل يلزم أن يكون المُعبِّر عالِمًا، فقيهًا؟

لا، ما يلزم، فقد يُعطي الله تعالى الموهبة لإنسانٍ ليس كذلك، لكنه يبرز في علم التعبير؛ ولذلك عندما نقرأ سِيَر وتراجم السابقين نجد أن منهم مَن لم يُعرف إلا بالتعبير فقط -مَن لم يُعرف إلا بتعبير الرؤى- فقوة الاستنباط وقوة فَكِّ رموز هذه الرؤيا هذا قد يُعطيه الله إنسانًا ليس عالِمًا، بل ربما حتى ليس بطالب علمٍ، لكن عنده اهتمامٌ، وعنده حرصٌ، وكذا، فيُعطيه الله هذه الموهبة: موهبة قوة الاستنباط، وقوة فَكِّ رموز هذه الرؤيا.

لكن لا شكَّ أنه إذا اجتمع عند المُعبِّر طلب العلم والاهتمام بالعلم الشرعي فهذا أفضل؛ لأن تعبير الرؤى مُرتبطٌ بالعلم الشرعي؛ لأن هناك كثيرًا من الرموز مُرتبطة بالنصوص من القرآن والسنة، ومُرتبطة أيضًا باللغة العربية، ومُرتبطة بالعُرْف، ومُرتبطة بواقع الناس، فَفَكُّ هذه الرموز يحتاج إلى هذه الأمور كلها، لكن هذا ليس شرطًا، يعني: يستطيع الإنسان أن يتخصص في الرؤى، ويهتم بها، ويهتم بجانب النصوص التي لها علاقةٌ بتعبير الرؤى.

السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

السائل: أحسن الله إليكم شيخنا، وكتب الله أجركم وأجر القائمين على هذا اللقاء.

شيخنا -جزاك الله خيرًا- ذكرتَ أن هناك قولين للعلماء في حكم أخذ الأجرة، فمَن أراد أن يستزيد في هذه المسألة -يا شيخ- تُحيله إلى ماذا؟ أحسن الله إليك.

الشيخ: في كتب الفقه عمومًا يذكرون هذا، وأيضًا الكتب التي تتكلم عن حكم أخذ الأجرة على أعمال القُرَب، وفيها رسائل علمية، وكتب أحاديث الأحكام أيضًا، حتى بعض الكتب التي أُلِّفَتْ في الرؤى تذكر الخلاف، وتذكر أقوال العلماء في ذلك.

السائل: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، ….. يعني: يا شيخ، هو رأيكم الذي بنيتُموه على أنكم اخترتم القول الأخير -وهو التَّحريم- مبنيٌّ على أساس أن هذه الرؤيا فُتيا؟

الشيخ: نعم، أو أنها تأخذ حكم الفُتيا، تُقاس على الفُتيا، وقد لا تكون فُتيا مُطابقةً، لكنها تُقاس عليها، وتأخذ مجراها.

السائل: أحسن الله إليك، بالنسبة -يا شيخ- للمُعبِّر إذا رأى رؤيا أن أحدًا يموت أو كذا، هل يُفسِّرها -يا شيخ- بما يراه كذا كما فعل يوسف بأنه يُصلب هذا الرجل في الرؤيا التي عبَّرها يوسف ؟

الشيخ: يُفسِّرها بطريقةٍ ما تكون مُزعجةً لهذا الذي تُعبَّر له، بأن يُقال: لعلك تهتم بأمور دينك، ونحو ذلك، ربما لا يكون ما تبقى من أيامك كثيرًا، ونحو ذلك، بطريقةٍ تكون مناسبةً، لكن لا يُحدِّد له، مثل بعض المُعبِّرين يُحدِّد: أنك ستموت في اليوم الفلاني، أو في كذا، هذا غير مناسبٍ، لكن ينصحه، على سبيل النصيحة يقول: إن صدقتْ رؤياك فهذا ربما يدل على كذا، على أنه لم يتبقَّ لك من العمر الكثير، وأن عليك أن تُبادر للتوبة، ونحو ذلك، ويغتنم الفرصة في الدعوة إلى الله بأن يَحُثّه على التَّمسك والتوبة والإنابة وترك المعاصي، ونحو ذلك.

المقدم: أحسن الله إليك، وجزاك الله خيرًا.

هذا سائلٌ يسأل -يا شيخ- عن حديث: الرؤيا على جناح طائرٍ، ما صحة هذا الحديث والاستدلال به؟

الشيخ: نعم، الحديث له طرقٌ وشواهد متعددةٌ، وذكره الحافظ ابن حجر أيضًا في “الفتح” وغيره، وهو ثابتٌ بمجموع طرقه: الرؤيا على رِجْل طائرٍ ما لم تُعَبَّر، فإذا عُبِّرَتْ وقعتْ [15]، ومن أحسن مَن تكلم عنه الحافظ في “الفتح”، وهذا يدل على أن الرؤيا تحتمل عدة احتمالاتٍ، وأنها إذا عُبِّرتْ وقعتْ على ضوء ما عُبِّرتْ به؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: فلا يُحدِّث بها إلا مَن يُحب [16]، لماذا؟

لأنه إذا أخبر بها حاسدًا ربما عَبَّرها على أسوأ الاحتمالات فوقعتْ كذلك، وهذا ذكره الشُّراح في تفسير هذا الحديث، وذكروا هذا أيضًا للتعليل لقوله عليه الصلاة والسلام: فلا يُحدِّث بها إلا مَن يُحب، قالوا: لأنه إذا ذكرها لغير مَن يُحب ربما عَبَّرها على أسوأ الاحتمالات فوقعتْ كذلك.

فهذا الحديث ثابتٌ ومحفوظٌ عن النبي : الرؤيا على رِجْل طائرٍ ما لم تُعَبَّر، فإذا عُبِّرَتْ وقعتْ.

والبخاري رحمه الله عقد “كتاب الرؤيا” في صحيحه، وتكلم ابن حجر عن أحكام الرؤى كلامًا مُوسَّعًا ومُفصَّلًا.

ولذلك أدعو الإخوة المُعبِّرين إلى قراءة ما كتبه الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” عن هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي وردتْ في تعبير الرؤى، فهو من أحسن مَن تكلم عن هذه المسائل.

المقدم: أحسن الله إليك.

تفضل يا أخ شاكر.

السائل: السلام عليكم.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.

السائل: جزاكم الله خيرًا شيخنا، وجزى الله القائمين على هذا اللقاء، وأنا حقيقةً ليس عندي سؤالٌ، ولكن طلبٌ، إنْ أذنتم به شيخنا جزاكم الله خيرًا، وإنْ ما أذنتم جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: تفضل.

السائل: كثيرٌ من الإخوة الحاضرين -شيخنا- من أهل الرواية، فلو تُجيزهم عامةً، فجزاك الله عنا خيرًا.

الشيخ: كيف أُجيزهم؟

السائل: بمُؤلفاتك ومروياتك.

الشيخ: طيب، أنا لي وجهة نظرٍ في هذا الموضوع.

مسألة الإجازة تدخل فيها مسألة الرياء والسمعة، وتُبْعِد طالب العلم عن الإخلاص؛ ولذلك لا أراها مُناسبةً.

ينبغي لطالب العلم أن يحرص على تحقيق الإخلاص في طلبه للعلم، وأن يبتعد عن كل ما يُقرِّبه من هذه المعاني.

مثل هذه الإجازات -في الغالب- تكون للتباهي والسمعة والرياء ونحو ذلك، فليس فيها فائدةٌ مُحقَّقةٌ، لم أَرَ فيها فائدةً مُحققةً، وبعض العلماء السابقين أيضًا ذكروا هذا المعنى.

ولذلك أنا لا أَسْتَسِيغ هذا الأسلوب، وأرى أنه يُبْعِد طالب العلم عن الإخلاص.

بارك الله فيك، ووجهة نظرك مُقدرةٌ، وجزاك الله خيرًا على هذا الطرح.

المقدم: بارك الله فيك شيخنا.

تفضل يا أخ نايف.

السائل: السلام عليكم.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.

السائل: أنا أُحبك في الله يا شيخنا.

الشيخ: أحبك الله وأكرمك وبارك فيك.

السائل: يا شيخ، أنا عندي سؤالٌ فقط: أحيانًا في التعبير تأتي رؤيا على شكلٍ شبيهٍ بقصةٍ وردتْ في القرآن أو في السنة، فأحيانًا أُعبِّرها بهذا، وأحيانًا آخذ الصفات المذكورة في القصة.

فمثلًا: كما ورد في قصة سليمان : وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا [النمل:44]، فنأخذ من الكشف أنه قد يدل على تَعَبٍ، وأحيانًا نأخذ -مثلًا- لأمثلةٍ أخرى، فهل هناك ضابطٌ للأخذ من القرآن؟

الشيخ: نعم، يمكن أن يُؤخذ المعنى من دلالة الآيات القرآنية، لكن يُرْبَط بحال الرائي، وهذا مهمٌّ جدًّا: أن يُرْبَط بحال الرائي، فكما تعرفون: الأذان قد يُفسر بالحج، وقد يُفسر بالسرقة، وقد يُفسر بغير ذلك؛ فلذلك لا بد من معرفة حال الرائي، لكن من أحسن ما تُستنبط منه المعاني: المعاني الواردة في القرآن والسنة، فهذا من أحسن ما تُستنبط منه معاني التعبير؛ ولهذا هذه الأمور تتكون لدى المُعبِّر مع الممارسة والدُّرْبَة.

أنا أذكر -على سبيل المثال- في الاعتبار بحال الرائي: كان والدي رحمه الله في المستشفى مُنَوَّمًا، فرأيتُ رؤيا أنَّ ابْنَتَي شعرهما أصبح أبيض، وهذا يدل على مصيبةٍ شديدةٍ ستقع؛ لأن الشعر الأبيض دليلٌ على المصيبة: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا [المزمل:17]، والشِّيب يكون أبيض، فوقع في نفسي هذا المعنى، وبالفعل بعد أيامٍ تُوفِّي الوالد رحمه الله، فهذه ربطتُها بحال الرائي: هذا الرائي ما حاله؟ هل عنده مريضٌ في المستشفى؟ هل هو -مثلًا- مُقبلٌ على زواجٍ؟ هل عنده مشكلةٌ يُعاني منها؟ فمعرفة حال الرائي هذا مهمٌّ جدًّا في التعبير.

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا.

هذا سائلٌ يسأل يقول: هل يجوز التَّعبير على تعبير مُعبِّرٍ آخر؟ والتعبير لرؤيا واحدةٍ بأكثر من وجهٍ؟

الشيخ: نعم، يمكن أن هذا المُعبِّر عبَّر هذه الرؤيا بكذا، ويُستفاد منها -مثلًا- أن هذا الأمر يُعبَّر عنه بكذا، فهذا يمكن أن يقع، لكن مع معرفة حال الرائي، هذه مهمةٌ جدًّا.

يعني: الرائي -مثلًا- إذا كان صالحًا يختلف عما إذا كان غير صالحٍ، وإذا كان يُعاني من مشاكل، وإذا كان عنده مريضٌ.

حال الرائي مهمٌّ جدًّا حتى يُربط بِفَكِّ رموز هذه الرؤيا، لكن يمكن أنه يستفيد، إذا رأى مُعبِّرًا حاذِقًا يستفيد من تعبيره بأن هذا يُعَبَّر بكذا، ويُعَبَّر بكذا، ويُعَبَّر بكذا، ويأخذ هذه الاحتمالات ويُطابقها على حال الرائي، ويقول: إنها تدل على كذا، بل إن هذا مما يُقوِّي علم التعبير عند المُعبِّر: أنه يستفيد من غيره، فإذا رأى -مثلًا- مُعبِّرًا حاذقًا يرى كيف يُعبِّر؟ يُعبِّر عن كذا بكذا، فعندما يُطْلَب منه التعبير يجمع هذه الاحتمالات ويُنزلها على واقع وحال ذلك الرائي.

المقدم: أحسن الله إليكم.

الأخت سارة.

السائلة: السلام عليكم.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.

السائلة: يا شيخ سعد، أنا سعيدةٌ جدًّا لكوني معكم في هذا اللقاء.

الشيخ: بارك الله فيكم.

السائلة: أنا أحضر لك ندوات كثيرة، وأعتبرك أستاذي، وجزاك الله خيرًا.

الشيخ: بارك الله فيكِ.

السائلة: يا شيخ، أنا ….. وغالبًا إذا ظهر لي أمرٌ أدعو الله أن يُريني رؤيا خيرٍ، نافعةً غير ضارةٍ، صالحةً غير كاذبةٍ، ولدي يقينٌ بأن هذا التعبير قد يكون ظنِّيًّا، لكني أدعو الله أن يُعلِّمني دائمًا التأويل، فهل أنا على محظورٍ شرعيٍّ؟

الشيخ: أبدًا، أنتِ لستِ على محظورٍ، بالعكس على خيرٍ؛ لأن علم التعبير من أعظم العلوم وأشرفها، وكما ذكرنا: هو علم الأنبياء، وهو أيضًا من أسباب الرِّفعة؛ ولذلك ذكره يوسف عليه الصلاة والسلام في مَعْرِض ذكر النِّعَم: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ [يوسف:101]، ذكره معطوفًا على إتيانه من الملك.

فعملكِ لا بأس به، لكن المهم -بارك الله فيكِ- عدم المُبالغة؛ لأن الإنسان إذا بالغ في الشيء فإن الناس لا يثقون فيه.

عدم المُبالغة في ذلك، فليس دائمًا كل ما يُرى في المنام يكون رؤيا، فقد يكون حلمًا، وقد يكون حديث نفسٍ، كما سمعتِ في اللقاء: أن ما يراه الإنسان في منامه الرؤيا فقط تُمثِّل الثلث، بينما الثلث الثاني: الحلم، والثلث الثالث: حديث النفس.

لذلك أنتِ على خيرٍ، واستمري على هذا، لكن ننصحك بعدم المُبالغة، فلا تُبالغي في هذا الأمر، وإنما تدخلين هذا العلم على أنه علمٌ كسائر العلوم، وهو علمٌ عظيمٌ، وعلمٌ مهمٌّ، وأيضًا مَن تخصَّص فيه وكانت عنده فيه دُرْبَةٌ ينفع الله تعالى به.

وأيضًا -كما ذكرتُ- يكون فيه مجالُ دعوةٍ وتوجيهٍ وإرشادٍ، فالناس تقبل التَّوجيه من المُعبِّر أكثر من غيره.

ويوسف عليه الصلاة والسلام لما أراد التَّعبير للسَّجِينَيْن قدَّم على ذلك الدعوة، فدعاهما إلى الله ، دعاهما إلى التوحيد، دعاهما إلى ترك الشرك؛ ولذلك قال له أحدهما لما دعاه: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ [يوسف:46]، فهذا يدل على محبته العظيمة وتعلُّقه الشديد به.

ففرصة الدعوة من المُعبِّر لها قبولٌ عظيمٌ عند الناس؛ ولذلك نقول للأخت الكريمة: أنتِ على خيرٍ، واستمري في هذا، لكن ننصحك بترك المُبالغة.

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا.

هذه إحدى الأخوات تسأل تقول: إنها مُعبِّرةٌ مُبتدأةٌ، وتخاف من التَّعبير، وذَكَرْتَ بأنه فتوى، وتذكر أن تعبيرها صحيحٌ بشهادة مُعبِّرين، لكنها تخاف من الفُتيا، ما رأي فضيلتكم؟ جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: ننصحها بأن تستمر في هذا، وما دام أنه قد شُهِدَ لها بصحة التعبير فمعنى ذلك: أنها قد تكون عندها موهبةٌ في قوة الاستنباط، وفي فَكِّ رموز الرؤيا، فتستمر في هذا، لكن لا تُعبِّر الرؤيا لكلِّ أحدٍ، ولا تُعبِّر إلا ما يغلب على ظنِّها صحته، فتجتنب المحاذير التي يقع فيها بعض المُعبِّرين، وتكون على حذرٍ، ولا داعي لهذا التَّخوف، ما دام أنه قد فُتِحَ لها في هذا الباب تستمر فيه، تستمر في هذا العلم، وفي هذا الخير ما دام أن المُعبِّرين قد شهدوا لها بصحة تعبيرها.

المقدم: أحسن الله إليكم.

الأخ عبدالله السنحاني.

السائل: السلام عليكم.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.

السائل: أحسن الله إليكم شيخنا، لدي سؤالٌ وطلبُ نصيحةٍ.

الشيخ: نعم، تفضل.

السائل: السؤال هو: ما التفريق بين اجتهاد المُعبِّر؟ يعني: أين يكون الاجتهاد؟ وأين يكون ما لا مجال للاجتهاد فيه؟ ….. الأدلة النقلية وأدلة التجربة ….. هل نستطيع أن نقول: إن الضابط أن ما كان من حقيقة الرؤيا وما يندرج من النصوص في تفسير ذلك أنه من الأدلة النقلية التي لا مدخل للمُعبِّر للاجتهاد فيها، وأما شرح الرموز وحَلُّها على بعض المعاني فإنه مجالٌ للاجتهاد؟

هذا السؤال الأول.

وأما الطلب: فنصيحةٌ للمُعبِّرين -خاصةً المُبتدئين- ألا يتساهلوا في الألفاظ المُجردة -خاصةً من النصوص- بتعبيرات بعض الرؤى.

على سبيل المثال: أخذ الألفاظ التي جاءتْ في القرآن بأيِّ الألفاظ التي تُناسب هذا العصر.

مثلًا: السيارة التي وردتْ في سورة يوسف يحملونها على السيارة الواردة في هذا العصر: العَرَبَة ووسيلة النقل.

فنُريد نصيحتكم في ضوابط الأخذ من القرآن والسنة، وحلّ بعض الألفاظ، خاصةً الألفاظ التي يكون بها تصحيفٌ ونحو ذلك.

الشيخ: بارك الله فيك، نعم ما ورد منصوصًا عليه في التعبير ينبغي التَّقيد به، ولا مجال فيه للاجتهاد، مثل: لما شرب النبي عليه الصلاة والسلام لبنًا، وشرب عمر ، وقال: حتى إني لأرى الرِّيَّ يجري في أظفاري، قالوا: فما أَوَّلْتَ ذلك؟ قال: العلم [17].

وكذلك طول القميص أوَّله النبي عليه الصلاة والسلام بالدين، وأن طويل القميص معناه: زيادة ومتانة في الدين، ونحو ذلك.

ما ورد منصوصًا عليه هذا لا مجال للاجتهاد فيه، لكن قد يكون الاجتهاد في تنزيله على حال الرائي، وما لم يَرِد منصوصًا عليه يجتهد المُعبِّر في استنباط التَّعبير وفَكِّ رموز تلك الرؤيا.

وأما ما ذكره الأخ الكريم من أن بعض المُعبِّرين ربما يتكلَّف في أخذ بعض النصوص وتنزيلها على الرؤى، هذا صحيحٌ، وهذا من الأخطاء التي يقع فيها بعض المُعبِّرين بحيث يتكلَّفون في ذلك تكلُّفًا ظاهرًا؛ ولذلك يكون التعبير خاطئًا، فينبغي عدم التَّكلُّف في هذا.

وأيضًا بعض الناس قد لا تكون عنده مَلَكَةٌ، ما أُعْطِيَ في هذا العلم شيئًا، فينبغي أن يتركه ويتَّجه لغيره.

يعني: بعض الناس ربما يكون مُحبًّا، لكن ما أُعطي المَلَكَة، ما أُعطي الموهبة، ولا قوة الاستنباط.

كيف يعرف الإنسان أن عنده موهبةً وقوة استنباطٍ ومَلَكَةً؟

يعرف ذلك -أولًا- بشهادة المُعبِّرين له بالحِذْق والإصابة، وكذلك بتحقُّق الرؤيا، إذا عبَّرها لأحدٍ فتحققتْ كما عبَّرها، لكن إذا رأى أنه يسير في اتجاهٍ مُخالفٍ تمامًا، وأن جميع أو معظم ما يُعبِّره لا يقع، وأيضًا لم يشهد له أحدٌ من الحاذقين في التعبير، فمعنى ذلك: أنه لم يُفتح له في هذا الباب؛ ولذلك لا يدخل في هذا العلم ويخوض فيه، وربما يتكلَّف في لَيِّ أعناق النصوص حتى تُوافق تعبير تلك الرؤى.

المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخنا.

الأخ محمد الشهري، تفضل.

السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

السائل: أحسن الله إليك يا شيخ سعد.

الشيخ: حيَّاكم الله.

السائل: معك مُحبك محمد الشهري أبو غرسة يا شيخ.

الشيخ: أهلًا، أهلًا، حيَّاكم الله يا شيخ محمد.

السائل: الله يُحيِّيك ويُبقيك ويرضى عنك يا ربَّ العالمين.

يا شيخنا المبارك، عندي ثلاثة أسئلةٍ إذا سمحتم وأذنتم لي.

أما بالنسبة للأول: إذا رأى وليُّ الأمر رؤيا، وكان تأويلها واضحًا بالنسبة للمُعبِّر، فرفض أن يُعبِّر، وقال المُعبِّر بقول يعقوب لابنه عليهما السلام: يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يوسف:5]، فَأَصَرَّ وَلِيُّ الأمر على المُعبِّر بأن يُؤوِّلها، فما القول في هذا يا شيخ؟

الشيخ: إذا أَصَرَّ عليه وكان تعبيرها حسنًا فيذكر هذا التعبير.

يذكر هذا التعبير إذا أَصَرَّ عليه بذلك، وكان تعبيرها تعبيرًا صحيحًا وحسنًا، فالأمر في هذا فيه سعةٌ.

السائل: السؤال الثاني -يا شيخ- في التأويل: بعض الذين يرون الرؤى يتواصلون ويُعبِّرونها عند أناسٍ آخرين، ثم يأتون ويُعبِّرونها مرةً أخرى، وأرفض هذا الشيء -يا شيخنا- فهل عليَّ شيءٌ في مثل هذا؟

لأنني أرى قول النبي : هي بضعٌ من أربعين جزءًا من النبوة، وقال: إذا أُوِّلَتْ وقعتْ، والقول بهذا واضحٌ في تأويلها.

وأيضًا في قصة النبي في رؤيا ليلة القدر قال: إني أُنْسِيتُها [18]، وأرى في نفسي -والعلم عند الله – أنه رُفِعَ علمها عند الله بسبب ما حصل من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

فالتأويل يكون على التأويل الأول -والعلم عند الله – فأرفض أنا التأويل بعد التأويل، وإن كنتُ في نفسي وفي خاطري أعلم تمامًا أنه أخطأ المُؤوِّل الأول، وقد أكون أنا المُخطئ أيضًا، فما قولكم في مثل هذا يا شيخ؟

الشيخ: إذا علمتَ أن هذا الرائي يتنقَّل بين المُعبِّرين فهو كمَن يتنقَّل أيضًا بين المُفتين، فلك أن تمتنع من تعبير الرؤيا بالنسبة له إلا إذا علمتَ أن المُعبِّر قد أخطأ، فهذا كما لو علم المُفتي أن مُفْتِيًا سابقًا أخطأ في فُتياه، فهنا مُقتضى النُّصح: أنك تُبين له الوجه الصحيح بما يغلب على ظنِّك أنه هو التعبير الصحيح للرؤيا، خاصةً إذا كان يترتب على التعبير الخاطئ ضررٌ.

ففي القصة التي ذكرتُ لكم: الرجل الذي ذكر رؤيا وعبَّرها له بأنه سيتزوج على امرأته، وتسبَّب في مشكلةٍ كبيرةٍ بينه وبين زوجته، كان المُعبِّر حقيقةً قد أخطأ في تعبير الرؤيا، فذكر أحد المُعبِّرين تعبيرًا أصحّ من ذلك التعبير.

فأحيانًا قد يكون المُعبِّر نفسه أخطأ، فإذا أخطأ، وأتاك مَن يريد منك تعبير الرؤيا تذكر له الوجه الصحيح، لكن إذا رأيتَ أن المُعبِّر الأول قد أصاب، أو أنه قد أتى بوجهٍ مُحتَمَلٍ، والذي عندك أيضًا مُحتمَلٌ، والمُعبِّر الأول لم يُخطئ، أو أن هذا الذي يتصل عليك إنسانٌ يتنقل بين المُعبِّرين، فهنا الأحسن أنك ترفض تعبير الرؤيا بالنسبة له.

أيضًا ينبغي توجيه هؤلاء الذين يتصلون على المُعبِّرين، ينبغي أن يُوجَّهوا التوجيه الصحيح؛ لأن بعض هؤلاء يتنقَّلون بين المُعبِّرين، يتصل على هذا، ثم يتصل على هذا، ثم يتصل على هذا، فهذا أسلوبٌ غير مقبولٍ وغير مُناسبٍ؛ ولذلك إذا رأيتَ أنه عَبَّرها غيرك بتعبيرٍ صحيحٍ فالأحسن أنك تمتنع عن التعبير.

السائل: السؤال الثالث -حفظكم الله شيخنا-: قول النبي : من أَفْرَى الفِرَى أن يُرِيَ عينيه ما لم تَرَ [19].

يا شيخنا سعد -حفظك الله- للأسف يأتي من الناس مَن ينقل رؤيا ليست برؤياه، ويتضح من بعض الأسئلة أن هذه الرؤيا ليست برؤياه، أو مثلًا -يا شيخ- توجد رؤيا جاء في نفسي وفيما أعلمني ربي سبحانه أن الرؤيا ليست للرائي الذي يُكلِّمني؛ لأن الرؤيا لولِيِّ أمرٍ، فتوجيهكم لمثل هؤلاء -يا شيخ- الذين ينقلون الرؤيا بدون إذن أصحابها، أو لمَن يكذبون وينسبون الرؤيا لأنفسهم.

الشيخ: أما مَن يكذب فظاهر الأدلة أن هذا من كبائر الذنوب؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يقول: من أَفْرَى الفِرَى أن يُرِيَ عينيه ما لم تَرَ، وقال: مَن تحلَّم بحلمٍ لم يَرَهُ كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل [20]، وهذا وعيدٌ شديدٌ لا يكون إلا على كبيرةٍ، وكما جاء في الحديث: أن الرؤيا جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة [21]، فينبغي أن يُحذَّر الناس من الكذب في الرؤيا.

وكذلك -وإن كان هذا أقلّ في الإثم- أن يأتي برؤيا يدَّعي أنه هو الذي رآها، والذي رآها غيره، فيكون قد كذب بهذا؛ لأن معرفة حال الرائي مُؤثِّرةٌ في التعبير، فلا بد للمُعبِّر أن يعرف حال الرائي، ومدى صلاحه، ومدى استقامته، وظروفه وحالته، هذه كلها لها ارتباطٌ بتعبير الرؤيا، فالمُعبِّر عندما يُعبِّر الرؤيا كأنه يقوم بدراسةٍ للفظ الرؤيا، والمقصود منها، وفَكّ رموزها، وحالة هذا الرائي، ومآلات هذا التعبير.

هذه أنا أُشبِّهها بالفُتيا في مسائل الطلاق، فالفُتيا في مسائل الطلاق تحتاج إلى دراسةٍ، ولا يمكن أن يُفْتَى في مسائل الطلاق فتوى عابرة، أو إنسان يتصل يقول: حصل كذا وكذا، ثم يُفْتَى في مسائل الطلاق، فهي تحتاج إلى دراسةٍ: معرفة لفظ المُطلِّق، وقصده ونيته، وحالته النفسية، ودرجة غضبه، وحالة المرأة، والقرائن، والسياق.

هكذا في تعبير الرؤيا، المُعبِّر الحاذق لا بد أن يدرس الرؤيا دراسةً كاملةً، لكن إذا كان عنده حِذْقٌ ستكون دراسةً في وقتٍ وجيزٍ، يعرف الألفاظ الواردة في الرؤيا، وأيضًا التعبيرات المُحتملة لها، وحالة الرائي، وما احتفى بها من قرائن السياق، كلُّ هذه مُؤثرةٌ في التعبير، ومع ذلك قد يجتهد ويُخطئ، إذا كان أبو بكر الصديق أخطأ، فما بالك بغيره؟!

السائل: سؤالٌ رابعٌ -ولعلي أختم به عظم الله أجركم ونفع الله بكم يا شيخنا- يا شيخ سعد، إذا كان وليُّ الأمر قد رأى رؤيا في وقتٍ غير مُناسبٍ للمُؤوِّل، وطلب من المُؤوِّل أن يحضر إليه في وقتٍ غير مُناسبٍ، فهل للمُؤوِّل أن يمتنع عن تأويل الرؤيا، أو عن إجابة وليِّ الأمر إن كان يعلم أن الاتصال بسبب رؤيا فقط؟

الشيخ: وليُّ الأمر له حقٌّ على رعيته، حقٌّ زائدٌ على بقية الناس؛ ولذلك خصَّه الله تعالى بالذكر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، فإذا طلب من المُعبِّر طلبًا ينبغي أن يستجيب له، وأن يُحقِّق رغبته؛ لأنه -كما ذكرتُ- له حقٌّ مُتأكِّدٌ على رعيته؛ ولهذا خصَّه الله بالذكر.

المقدم: أحسن الله إليك يا شيخ.

الأخ سعيد.

السائل: أحسن الله إليك يا شيخ، سؤالٌ وطلبُ نصيحةٍ.

السؤال: كيف نعرف مَن هو أهلٌ للتعبير، خاصةً المُتصدرين في وسائل التواصل الاجتماعي؟ وأيضًا نصيحة للمُعبِّرين لمَن يُعبِّر بالبث المباشر.

الشيخ: بارك الله فيك، أما كيف نعرف المُعبِّرين الحاذقين؟

أيضًا يَرِد هذا السؤال: كيف نعرف المُفتي المُؤهَّل الذي تبرأ الذمة بفُتياه؟

وهذه المسألة ذكرها العلماء السابقون، أكثر من ذكرها الأصوليون، وقالوا: إنه يُعرف المُؤهَّل بالفُتيا بانتصابه للفُتيا، وإقرار أقرانه له، وشهادتهم له بذلك، وعدم إنكارهم عليه، وتزكيتهم له، وتعديلهم له، فهذا هو الذي يُعرف عندما يشتهر ويستفيض، وأقرانه ومَن في هذا المجال يُقرّونه على ذلك، ولا يُنكرون عليه، بل يُعدِّلونه ويُزَكُّونه، فمعنى ذلك: أنه مُؤهَّلٌ للفُتيا.

أيضًا في مقام التعبير: إذا كان هذا المُعبِّر قد عُرِف بالتعبير، ومَن كان في هذا المجال -في تعبير الرؤى- يُقِرُّه على ذلك، ولا يُنْكِر عليه، ويُعدِّله ويُزكِّيه ويشهد له.

والمقصود طبعًا: الغالب، وليس المقصود: الجميع؛ لأنه أحيانًا الأقران يحصل بينهم ما يحصل، خاصةً أرباب الصنعة الواحدة، يحصل أحيانًا حسدٌ، ويحصل هوًى، لكن كلامي عن الغالب، والغالب تُعتَبر شهادة، ومثل هذه الشهادات مُعتبرةٌ شرعًا، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: أنتم شهداء الله في الأرض [22].

فإذا كان غالب هؤلاء المُعبِّرين شهدوا بأن فلانًا ممن يُحْسِن التَّعبير، وعنده حِذْقٌ في التعبير، وعنده معرفةٌ وإصابةٌ، فمعنى ذلك: أنه يكون مُؤهَّلًا لتعبير الرؤى، فدائمًا يُعْرَف الإنسان بشهادة أرباب الصنعة، وشهادة أقرانه، ومَن عندهم حِذْقٌ في هذا المجال.

هكذا أيضًا في أمور الدنيا، كيف يُعرف الطبيب الحاذق من غيره؟

يُعرف ذلك بشهادة الأطباء -زملائه من الأطباء- وليس بكلام عامة الناس، فعامة الناس أحيانًا قد يُبالغون في تزكية إنسانٍ وهو لا يستحقّ، في أيِّ مجالٍ من المجالات؛ لأنهم ليست عندهم الآلة التي يستطيعون بها التَّمييز، لكن أرباب الصنعة هم الذين عندهم الآلة التي يستطيعون بها التَّمييز.

ففي مجال تعبير الرؤى يكون بشهادة المُعبِّرين، إذا شهدوا بأن فلانًا عنده حِذْقٌ، وأن عنده معرفةً، وأن عنده إصابةً، وأنه كذا -معظمهم ولا يُشترط جميعهم- فمعنى ذلك: أنه مُؤهَّلٌ لتعبير الرؤى.

السائل: السلام عليكم.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.

السائل: أحسن الله إليكم يا شيخ.

الشيخ: حيَّاكم الله، تفضل.

السائل: شيخنا، أنا عندي سؤالٌ وطلبٌ.

السؤال: ما توجيهكم لمَن يجزم جزمًا تامًّا من المُعبِّرين برؤيا؟

والطلب -الله يحفظكم-: الدعاء للوالد؛ لأنه في العناية.

الشيخ: أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يشفيه، وأن يُلبسه لباس الصحة والعافية ومرضى المسلمين.

مَن يقطع بالرؤيا هذا دليلٌ على جهله، وعلى أنه أيضًا ليس حاذقًا؛ ولذلك الناس ما ينسون بعض التَّعبيرات لبعض المُعبِّرين.

الذي قال: يُفْتَح بيت المقدس في تاريخ كذا. وأتى هذا التاريخ ولم يحصل هذا الشيء، فأصبح العامة يَتَنَدَّرون بهذا المُعبِّر، وهو الذي قد جنى على نفسه.

أو مثلما ذكرنا في كورونا: أنها سترتفع بتاريخ كذا، ولم يحصل هذا.

أول ما وقعتْ كورونا أتتْ بعض التعبيرات: أنها سترتفع في رمضان بتاريخ كذا.

فمثل هذا القطع يجعل هذا الإنسان في موقفٍ حرجٍ، وأيضًا يدل على عدم رُسُوخه في علم التعبير، وعدم الوثوق في تعبيره؛ لأنه إذا كان يوسف عليه الصلاة والسلام الذي أعطاه الله علم التعبير ومع ذلك يقول: وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف:42]، فما بالك بغيره؟

أبو بكر الصديق  أعظم المُعبِّرين من الصحابة  وأشهرهم، ومع ذلك يقول له النبي عليه الصلاة والسلام: أَصَبْتَ بَعْضًا، وأخطأتَ بعضًا، قال: فوالله يا رسول الله لتُحدِّثني ما الذي أخطأتُ. فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: لا تُقْسِم [23]، ما أخبره، حتى بعدما حلف عليه ما أخبره، فهذا يحصل.

ولذلك المُعبِّر الحاذق لا يأتي بالتعبير بصورة القطع، وإنما يأتي به بصورة عدم القطع، وأيضًا بِلُغَةٍ فيها تواضعٌ، يقول: إن صدقتْ رؤياك فلعله يكون لك كذا، أو يحصل لك كذا، أو يكون كذا، يعني: يأتي بهذه الصِّيَغ، وهذا هو الذي نعرفه من حُذَّاق المُعبِّرين.

أما هذا الذي يقطع: سيكون كذا، سيحصل لك كذا، هذا قد يُصيب أحيانًا بطريق المُصادفة، ثم يبدأ بمثل هذه القطعيات وهذا الجزم، وهذا يدل على أنه ليس مُعبِّرًا حاذقًا.

المقدم: أحسن الله إليك يا شيخ.

الأخ علي الحكمي.

السائل: السلام عليكم ورحمة الله.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

السائل: أُحبكم في الله يا شيخ، الله يرفع قدركم.

الشيخ: أحبك الله وأكرمك، بارك الله فيك.

السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حيَّاكم الله يا شيخ علي، تفضل.

السائل: الله يُرضيك شيخنا، الله يُعافيك، الآن كمُفسِّرٍ وكمُعبِّرٍ إذا عُرِضَتْ علينا رؤيا، وهذه الرؤيا -يا شيخنا- يكون فيها من الأذى أو من السُّوء، فإذا لم نذكره هل يُعتبر أنَّا كتمنا علمًا؟ هل هذا من كتمان العلم؟

يعني مثلًا يا شيخ: بعض الرؤى التي تَرِدُ إلينا يكون فيها: أن هذه الزوجة غير صالحةٍ لزوجها -مثلًا- ففي بعض الأحيان تَرِد بعض هذه الأمور ونصرفها، ما نتكلم، نقول: لعلك تُكْثِر من الجلوس في البيت، لعلك ترحم زوجتك، ترحم أبناءك. نذكر أمورًا لها علاقةٌ بإصلاح البيت، لكن من الرؤيا -يعني- يتضح أن المرأة غير صالحةٍ، يعني: هذا الذي يُذكر -مثلًا- من تغيير عتبة الباب، هل مثلًا ….. لو كتمنا هذا الأمر يكون من كتمان العلم أو …..؟

الشيخ: بارك الله فيك، نعم، هذا سؤالٌ مهمٌّ، أشكر الأخ الكريم على طرح هذا السؤال.

ذكرنا أن الرؤيا لا تُفيد القطع، وإنما تُفيد الظنَّ، وأن المُعبِّر مهما كان حاذقًا قد يُخطئ، والقول لهذا الزوج بأن يُغير عتبة بابه، وأن هذه الزوجة كذا، هذا لا بد فيه من أمرٍ مقطوعٍ به، وليس عندنا أمرٌ مقطوعٌ به هنا؛ ولذلك يتوجه أن يلجأ للأسلوب الذي ذكرتَه وهو: أن يهتم بإصلاح البيت، والجلوس في البيت، ونحو ذلك، والتربية والإصلاح، ولكن لا يذكر ما يتعلق بالزوجة؛ لأنه ليس عندنا شيءٌ نقطع به، وهذه كلها مهما كانت تبقى ظنًّا.

وربما يدخل الشيطان أحيانًا فيها، وقد تكون على شكل حلمٍ، ويعرضها لك على شكل رؤيا؛ لأجل الإيقاع بين الزوجين؛ لأن الشيطان يحرص على هذا كثيرًا.

وتعرفون الحديث الصحيح في “صحيح مسلم” عن النبي : أن إبليس ينصب عرشه على البحر، ويُرسل سراياه، فإذا أتى أحدهم وقال: فعلتُ كذا. قال: ما صنعتَ شيئًا. ويأتي الثاني فيقول: فعلتُ كذا. يقول: ما صنعتَ شيئًا. فإذا أتاه مَن أتاه منهم وقال: ما تركتُه حتى فرقتُ بينه وبين امرأته، فيلتزمه ويُدْنِيه، ويقول: نعم أنت [24].

هذا يدل على حرص الشيطان الشديد على إيقاع الفُرقة بين الزوجين؛ لأنه يعلم المفاسد العظيمة المُترتبة على ذلك، فأحيانًا قد يدخل فيها الشيطان بطريقةٍ لا يشعر بها الزوج ولا المُعبِّر؛ ولذلك أرى أن المُعبِّر لا يقول له هذا الكلام بصيغةٍ مباشرةٍ، وإنما يُعطِيه نصائح وإرشاداتٍ بالاهتمام بأسرته وبيته.

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا.

السائل: السلام عليكم ورحمة الله.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

السائل: يا شيخ، الله يرضى عنك، هناك مَن شُهِدَ له بالتعبير، لكن هناك ملاحظةٌ -يا شيخ- مثلًا يعني: ذكر مرةً أنه ….. قد يصيب ….. يقول: ما في المُعبِّرين إلا ثلاثةٌ في الأُمَّة كلها، ومُعبِّرٌ آخر أيضًا دكتور قال لي أنا قبل قُرابة سنة: ما في الأُمَّة كلها -السبعة المليار- إلا هو.

فهل هذه من فتنتهم؟ وما حكم الاستعانة بالقرين في تعبير الرؤى؟ وجزاك الله خيرًا.

الشيخ: بارك الله فيك.

أولًا: هذا الذي يقول: إن الأُمَّة ليس فيها إلا هو، هذا دليلٌ على جهله، وعلى أن هذا أصلًا غير مُؤهلٍ للتعبير، فهذه المقولة منه تدلُّ على أنه غير مُؤهلٍ لتعبير الرؤى ما دام أنه وصل لهذه المرحلة.

وكذلك أيضًا مَن يقول: ليس في الأُمَّة إلا ثلاثةٌ، هذا نوعٌ من الاعتداد والقول على الله بغير علمٍ، وربما يدخل أيضًا في باب الفتنة، فالحمد لله الأُمَّة فيها خيرٌ، والمُعبِّرون كُثُرٌ، فلماذا تُصادِر آراء الآخرين، وتُقَزِّم من الآخرين، وتجعل نفسك أنك أنت الذي يُؤخذ عنه ويُصْدَر عنه، وأنت المُعبِّر، وغيرك ليس مُعبِّرًا؟!

هذا كله أمرٌ غير مقبولٍ، ويدل أيضًا على عدم أهلية قائل هذا الكلام، وعلى أنه ليس من المُعبِّرين الحاذقين؛ ولهذا ينبغي أن يَطْرَح هذا الكلام ويُعْرِض عنه، ويُنْصَح، تُبْذَل له النَّصيحة، تُبْذَل النَّصيحة لقائل هذا الكلام بأن هذا الكلام غير مقبولٍ، ويُؤثِّر على سُمعته، فلو انتشر عنه هذا القول فإن هذا مما يُؤثِّر على سُمعته ويُبيِّن للناس أن هذا غير مُؤهَّلٍ لتعبير الرؤى؛ ولذلك أنصح دائمًا بالتواضع، فالمُعبِّر مثل المُفتي ينبغي أن يحرص على التواضع للحقِّ وللخلق، وأن يحرص على التَّوجيه، وعلى النُّصح، وعلى الإرشاد.

أيضًا مَن دخل عالم التعبير ينبغي أن يُخَصِّص كل يومٍ جزءًا من الوقت للقراءة في علم التعبير، وأيضًا في الرؤى التي عُبِّرتْ ووقعتْ.

من أعجب الكتب التي قرأتُها في هذا كتاب “الرؤيا” للشيخ حمود التويجري، ذكر فيه رُؤًى عجيبةً -سبحان الله!- عَبَّرها أناسٌ من الحُذَّاق ووقعتْ، وما ذكر عمَّن هو من آل الشيخ ويُقال له: المصري، هذا من العجب.

الوقت الآن يضيق، لكن أنا أُحيلكم على قراءة هذا الكتاب، وقد ذكر رُؤًى عجيبةً، ووقعتْ كما عبَّرها، فكان من حُذَّاق المُعبِّرين.

فأنصح مَن دخل هذا العلم -حتى يتخصص فيه أكثر ويتمرس فيه أكثر- أن يقرأ هذه الكتب، ويقرأ أيضًا الكتب التي كُتِبَتْ في رُؤًى عُبِّرتْ ووقعتْ؛ لأنه سيستفيد منها في التعبير، ومنها هذا الكتاب الذي أنصح به: كتاب “الرؤيا” للشيخ حمود التويجري.

السائل: والاستعانة بالجنِّ -يا شيخ- تُشرع؟

الشيخ: أما الاستعانة بالجنِّ فهذا لا يجوز؛ لأن الأصل أن الشياطين لا تخدم الإنسان إلا إذا تقرب إليهم بأمورٍ مُحرمةٍ، هذا هو الأصل، وربما يستدرجونه في البداية، ويزعمون أنهم يتعاونون معه، ثم بعد ذلك يُوقعونه في الشرك، وربما يفتتن ويقع في الشرك.

وإن كان ابن تيمية رحمه الله ذكر أنه قد يكون من صالح الجنِّ مَن يتعاون مع بعض المؤمنين، لكن هذه حالات نادرة، وإلا فالأصل في هؤلاء الكذب، والأصل فيهم أنهم لا يخدمون الإنسان إلا إذا وقع في الشرك وفي الكفر بالله ، هذا هو الأصل: لا يخدمون الساحر، ولا يخدمون غير الساحر أيضًا، ولا يُقدِّمون له أيَّ شيءٍ إلا إذا وقع في الشرك والكفر.

ولذلك أنا أنصح بترك هذا: ألا يستعين بالقرين، وهو ليس بحاجةٍ لهذا -الحمد لله- أمامه هذه الرؤيا، إن استطاع أن يُعبِّرها، وأن يَفُكَّ رموزها، وإلا فليس مُلزمًا بهذا.

إذا دخل في هذا المجال، ودخل في الاستعانة بالقرين، والاستعانة بالجنِّ، ونحو ذلك، فإنه يدخل في خطورةٍ على دينه، وربما مع مرور الوقت يفتتن، وربما تأمره الشياطين بأمورٍ مُنْكَرةٍ، ويتأول فيها ويقع في الشرك والكفر من حيث لا يعلم.

ولذلك -أيها الإخوة- الشرك الذي وقع في الجزيرة العربية قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله على ما ذكر المُؤرخون كان سببه الرئيس من الرُّقاة؛ كان هناك رُقاةٌ يأمرون مَن يتعالج عندهم بأمورٍ مُحرمةٍ، ولم يُنْكَر عليهم؛ فاتَّسعت الخُرافة، واتَّسع الشرك شيئًا فشيئًا حتى انتشر الشرك في الجزيرة العربية، إلى أن أتى الله تعالى بالشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وقام بهذه الدعوة المُباركة التي ما زلنا ننعم بآثارها.

الشاهد: أن هذه الشِّركيات التي وقعتْ كان سببها الرئيس عن طريق بعض الرُّقاة؛ ولذلك الذي أنصح به هو: ترك الاستعانة بهؤلاء؛ لأنهم لا يخدمون الإنسان إلا إذا قدَّم تنازلاتٍ في دينه، وربما في البداية يخدعونه بأنهم يتعاونون معه، لكنهم يستدرجونه إلى أن يُوقعوه في الشرك أو الكفر، والعياذ بالله.

السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

السائل: نفع الله بك يا شيخ.

الشيخ: بارك الله فيك.

السائل: سؤال -يا شيخ- لو سمحتَ.

الشيخ: تفضل.

السائل: ما العِلة في قياس أخذ المال على التَّعبير على الفُتيا ولم تُقَس على الرُّقية؟

الشيخ: نعم، بارك الله فيك.

قياسه على الفُتيا؛ لأن تعبير الرؤى هو نوعٌ من الفُتيا، هو جزءٌ من النبوة، جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة؛ ولهذا الإمام مالك لما قيل له: أيُعَبِّر الرؤى كل أحدٍ؟ قال: أَيُلْعَب بالنبوة؟!

فهو شبيهٌ بالفُتيا، هو أقرب للفُتيا منه إلى الرُّقَى.

الرقية هي نوعٌ من العلاج، فهو يُعالج هذا المريض، يُعالجه بهذه الرقية، يقرأ عليه آياتٍ من كتاب الله ، وربما يطلب جعالةً: لا أرقيك إلا بكذا، مثلما قال أولئك النَّفر من الصحابة ، قال أحدهم: والله إني لأرقي، ولكن -والله- لقد استضفناكم فلم تُضيفونا، فما أنا بِرَاقٍ لكم حتى تجعلوا ‌لنا ‌جُعْلًا [25]، فهذا نوعٌ من الجعالة على الاستطباب، وعلى الاستشفاء، وعلى العلاج، فهو شبيهٌ بالمُعالجة.

بينما تعبير الرؤى شبيهٌ بالفُتيا؛ لأنها جهدٌ ذهنيٌّ، يقول: أنا رأيتُ رؤيا. يقول: تعبير رؤياك كذا. فهو يتقاضى المال بناءً على ماذا؟

كما لو أفتاه فُتيا في الطهارة، أفتاه فُتيا في الصلاة، أفتاه فُتيا في الأطعمة، يتقاضى أجرًا بناءً على ماذا؟

فالأصل: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الأنعام:90]، بخلاف الرَّاقي، فالرَّاقي يُعالج، الراقي يُطبِّب، الراقي يبذل جهدًا حسِّيًّا واضحًا: يقرأ عليه آياتٍ من القرآن، وربما بعضهم يبقى بالساعات وهو يرقي.

فهذا هو وجه الفرق بينهما.

المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ.

هذا سائلٌ يسأل -يا شيخ يقول: ما حكم التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر) وغيره يا شيخ؟

الشيخ: إذا انضبط بالضوابط الشرعية لا بأس، لكن لا بد من معرفة حال الرائي، فلا بد أن يسأله عدة أسئلةٍ، وأن يعرف حاله، وأن يغلب على ظَنِّ المُعَبِّر أن هذا هو التعبير الصحيح من خلال تخصصه في هذا العلم، ومن خلال خبرته، ومن خلال أيضًا وقوع عدة رُؤى بناءً على هذا.

يعني: لا بأس بذلك، لكن -كما ذكرتُ- من غير توسُّعٍ، وأيضًا لا بد من معرفة حال الرائي، فهذا أمرٌ مهمٌّ، لا بد أن يُربط تعبير الرؤيا بحال الرائي.

وكما ذكرتُ لكم -يا إخوان أُكرر أيضًا هذا الأمر مرةً أخرى: المُعبِّر لا يقتصر فقط على التعبير، يفعل كما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام، فيوسف قدَّم بين يدي التعبير دعوةً إلى الله ، فدعا السَّجينين، ونقل الله كلامه، وهذا يدل على عظيم هذا الشأن، وجعله الله تعالى مَنْقَبَةً ليوسف عليه الصلاة والسلام.

فينبغي لمَن يُعبِّر عبر وسائل التواصل والبثّ المباشر أن يصحب هذا التعبير دعوةٌ إلى الله ، ونشرٌ للعلم الصحيح، وتوجيهٌ، وإرشادٌ، ولا يقتصر على مجرد التعبير، ويقتدي بنبي الله تعالى يوسف عليه الصلاة والسلام في هذا.

السائل: السلام عليكم يا شيخ.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.

السائل: جزاكم الله خيرًا ….. حكم استخدام التطبيقات المُختصة في تأويل الرؤى، يعني: تطلب مبلغًا ماليًّا رمزيًّا لتأويل الرؤى.

الشيخ: الذي يظهر أن هذا لا يجوز، مَن فتح الله عليه في علم التعبير ينبغي أن يترفَّع عن أخذ المال، يأخذ المال بناءً على ماذا؟

أخذ المال له مجالاته، والتجارة لها مجالاتها، فلا يُتاجر بأمور الدين، أمور الدين: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الأنعام:90].

الفُتيا، تعبير الرؤى، ما كان متعلِّقًا بالأمور الدينية هذه ينبغي أن يُخلص الإنسان فيها لله ، ولا يأخذ على ذلك مقابلًا.

فوضع مثل هذا التطبيق ربما يكون في البداية بسعرٍ رمزيٍّ، ثم يتطور شيئًا فشيئًا.

ولذلك الذي أنصح به: أن يُغْلِق الإنسان هذا الباب، وأيضًا لا يتشوَّف للتعبير إلا إذا طُلِبَ منه ذلك، أو كانت له مصلحةٌ بأن يقصد -مثلًا- بهذا التعبير أن تصحبه دعوةٌ إلى الله .

بعض الأفاضل من المُعبِّرين يقول: أنا أخرج في وسائل التواصل وفي البثِّ المباشر وهدفي الرئيس هو الدعوة إلى الله مع التعبير.

يقول: أنا لي هدفٌ، ليس فقط مجرد تعبيرٍ، أو مجرد حصولٍ على شُهرةٍ أو سُمعةٍ، لا، أنا لي قصدٌ، أنا أقصد من ذلك الدعوة إلى الله ، فإذا أردتُ أن أُعبِّر هذه الرؤيا أدعو إلى الله تعالى من خلالها.

هذا مقصدٌ نبيلٌ، ومقصدٌ حسنٌ، وكما ذكرتُ لكم -أيها الإخوة- الناس تقبل التَّوجيه والإرشاد من المُعبِّر أكثر من غيره.

المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ، وبارك فيكم.

هذا سؤالٌ أخيرٌ يقول: نطلب نصيحةً لبعض مُعبِّري الرؤى الذين يتساهلون في الاتصال بالنساء.

الشيخ: نعم، ننصح بعدم التساهل في ذلك؛ لأن هذا من مواطن الفتن، والنبي يقول: ما تركتُ بعدي فتنةً هي أَضَرّ على الرجال من النساء [26].

فعلى المسلم أن يتَّقي الله ولا يفتح على نفسه باب فتنةٍ، والله تعالى ذكر لنا المنهج في هذا فقال: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، لم يأمر الله تعالى بالخشونة من المرأة للرجل، لا، ما تتكلم المرأة مع الرجل بخشونةٍ، لكن تقول قولًا معروفًا، وأيضًا لا تخضع بالقول.

هكذا الرجل في تعامله مع المرأة: يكون تعاملًا باعتدالٍ، لا يتعامل بخشونةٍ، ولا يتعامل أيضًا بلينٍ وخضوعٍ؛ لأن هذا ربما يفتح عليه باب فتنةٍ عظيمةٍ؛ ولذلك هذه من المواطن التي يقع فيها بعض الناس، ليس فقط في مجال تعبير الرؤى، بل في جميع المجالات هو موضع فتنةٍ.

فعلى المسلم أن يكون حذرًا من أن يقع في مزالق هذه الفتن، وأن يسأل الله تعالى دائمًا الثبات، وأن يُعيذه من مُضلَّات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل ذلك مع أذكار الصباح والمساء بأن الله تعالى يُثَبِّته بالقول الثابت، وأن يحفظه من الفتن: فتن الشبهات، وفتن الشهوات.

وأسأل الله تعالى للجميع التوفيق والسداد، وأُكرر شكري للإخوة الذين رتَّبوا هذا اللقاء: الشيخ عبدالملك والإخوة في جمعية الدعوة بالبديعة، وبقية الإخوة، أشكرهم على ترتيب هذا اللقاء، وأيضًا أنا سعيدٌ حقيقةً بهذا التفاعل الكبير من الإخوة، فهذه الأسئلة وهذه المُداخلات تدل على تفاعلٍ كبيرٍ، فأشكرهم على ذلك.

وأيضًا ليس عندي مانعٌ من تكرار هذا اللقاء متى رغبتم ذلك، خاصةً إذا كان مثل هذا اللقاء عن بُعْدٍ، بحيث يستطيع أن يُشارك معنا في حضور هذا اللقاء مَن يكونون في أماكن بعيدةٍ، فهذه من الاستخدامات الحسنة لوسائل التقنية الحديثة.

فإن شاء الله تعالى إن رغبتم في لقاءاتٍ قادمةٍ فأنا أُرحِّب بذلك، وليس عندي مانعٌ.

وينبغي أن يكون هناك جسر تواصلٍ بين المُعبِّرين وطلبة العلم والمشايخ، والأصل أيضًا أن المُعبِّر ينبغي أن يكون طالب علمٍ، فينبغي أن تُمَدَّ جسور التواصل، وأن تكون هناك علاقةٌ متينةٌ بين المُعبِّرين وطلبة العلم، ويحصل في مثل هذه اللقاءات توجيهٌ وإرشادٌ، ويحصل أيضًا تنبيهٌ على أخطاء، ويستفيد المُعبِّر من ذلك في تعبيره فائدةً كبيرةً، بل مما يُطوِّر به المُعبِّر نفسه أن يحضر مثل هذه اللقاءات، ويُشارك فيها، ويتفاعل معها، فإنه بذلك يستطيع أن يُطوِّر نفسه، وأن يرفع أيضًا من مستوى ثقافته الشرعية، وأيضًا ما لديه من معلوماتٍ شرعيةٍ في هذا المجال.

أُكرر شكري للإخوة الذين رتَّبوا هذا اللقاء، وأسأل الله تعالى أن يُؤجر الجميع، وأن يُوفقنا جميعًا لما يُحب ويرضى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة، وشكر لكم، وبارك في علمكم، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

الشيخ: بارك الله فيكم.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037.
^2, ^21 رواه أحمد: 16182، والطبراني في “المعجم الكبير”: 463.
^3 رواه البخاري: 3372، ومسلم: 151.
^4, ^14 رواه البخاري: 1386، ومسلم: 2275.
^5 رواه البخاري: 7047.
^6 رواه البخاري: 7017، ومسلم: 2263.
^7, ^16 رواه البخاري: 7044، ومسلم: 2261.
^8 رواه البخاري: 6985.
^9, ^15 رواه أبو داود: 5020، والترمذي: 2279، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
^10, ^23 رواه البخاري: 7046، ومسلم: 2269.
^11 رواه البخاري: 2015، ومسلم: 1165.
^12 رواه البخاري: 5737.
^13 رواه البخاري: 5749، ومسلم: 2201.
^17 رواه البخاري: 7007، ومسلم: 2391.
^18 رواه البخاري: 2016، ومسلم: 1167.
^19 رواه البخاري: 7043.
^20 رواه البخاري: 7042.
^22 رواه البخاري: 1367، ومسلم: 949.
^24 رواه مسلم: 2813.
^25 رواه البخاري: 2276.
^26 رواه البخاري: 5096، ومسلم: 2740.
مواد ذات صلة
zh