عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأحمد الله على تيسير هذا اللقاء، وأسأله سبحانه أن ينفع به، وأن يبارك فيه، وأن يتقبل من الجميع.
ثم إنني أشكر الإخوة القائمين على ترتيب هذا اللقاء، وعلى رأسهم الأخوان: “بدرٌ وسهيلٌ الرشود”، وأسأل الله تعالى أن يبارك في الجهود، وأن يسدد الخُطَا، وهذا اللقاء الحقيقةَ الإخوة طلبوه مني منذ مدةٍ طويلةٍ، والآن تيسَّر، فنرجو إن شاء الله أن يكون أيضًا باكورةً للقاءاتٍ قادمةٍ بإذن الله تعالى.
الموضوع الذي أُريد أن أتحدث عنه موضوعٌ مهمٌّ لكل مسلمٍ، هو مرتبطٌ بأحد أسباب زيادة الإيمان.
معرفة معاني أسماء الله الحسنى يزيد في الإيمان
الإيمان -أيها الإخوة- يزيد وينقص، معتقد أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، فكما قال سبحانه: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2]؛ فهذا دليلٌ على أن الإيمان يزيد، من أعظم أسباب زيادة الإيمان وزيادة اليقين هذا الموضوع الذي نتحدث عنه: وهو تأمُّل وتدبُّر معاني أسماء الله الحسنى.
والحديث عن هذا الموضوع يطول؛ ولذلك اكتفيت بالحديث عن اسمٍ واحدٍ فقط من أسماء الله الحسنى، وهو: “الحكيم”.
أسماء الله تعالى حسنى كلها، حسنى بالغةٌ في الحُسْن، ودعاء الله بهذه الأسماء من أسباب الإجابة؛ كما قال سبحانه: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، فمن أسباب إجابة الدعاء: أن تدعو الله بالأسماء الحسنى، وأن تختار الاسم المناسب للدعاء، فعندما مثلًا تدعو بالمغفرة؛ تقول: يا غفور اغفر لي، بالرحمة: يا رحمان ارحمني، بالعفو: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني، بمثلًا أن يُؤتيك الله تعالى رحمةً: رب هب لي من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب، فتأتي باسم الوهاب، هب لي، مثلما قال سليمان : وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص :35]، فتأتي بالاسم المناسب للدعاء الذي تدعو الله تعالى به.
فالتعبُّد لله تعالى بأسمائه، هذا مما أمر الله تعالى به: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا، فالمسلم عندما يدعو الله يتعبَّد أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى جل وعلا، تدبُّر وتأمُّل معاني هذه الأسماء مما يزيد الإيمان، ومما يقوي اليقين لدى المسلم؛ ولذلك ينبغي أن يحرص المسلم على تدبر معاني أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى، وأن يتعرَّف على الله ؛ ولذلك كان أكثر الناس خشية لله سبحانه هم العلماء: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، لماذا؟ لأن العلماء أكثر الناس معرفةً بالله وبعظمته جل وعلا.
حديثنا عن اسمٍ واحدٍ من أسماء الله الحسنى، وهو: “الحكيم”.
معنى اسم الله الحكيم
و”الحكيم” معناه: ذو الحكمة، وله معنيان: الحاكم على خلقه، وذو الحكمة، والذي يعنينا في هذا اللقاء هو المعنى الثاني: ذو الحكمة.
والحكمة: هي ضد السفه، وهي وضع الشيء في موضعه اللائق به، فالذي يضع الشيء في موضعه اللائق به؛ هذه هي الحكمة، يكون تصرفه تصرُّفَ حكمةٍ، وإذا كثر منه ذلك؛ يوصف بالحكيم: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ [لقمان:12].
العلم والحكمة قرينان
والحكمة لا بد أن يسبقها علمٌ، فيكون وضعُ الشيء في موضعه عن علمٍ، ولا يكون مصادفةً؛ ولذلك يُمثِّل بعض العلماء بمثالٍ، يقول: لو أن رجلًا ألقى نفسه من مكانٍ عالٍ، فوقع على كنزٍ، فاكتشف هذا الكنزَ مصادفةً فانتفع به، لا يقال عنه: إنه حكيمٌ، حتى وإن اكتشف هذا الكنز؛ لأنه اكتشفه بطريق المصادفة، وليس عن علمٍ، ولأن تصرفه هذا تصرُّفٌ أيضًا قد يكون فيه شيءٌ من التهوُّر، كونه يُلقي بنفسه، لكن لو كان عن علمٍ واكتشف هذا الكنز مثلًا؛ يقال: إن هذا التصرف عن حكمةٍ، هذا يُمثِّلون به، يُمثِّل به بعض أهل العلم، يُبيِّن أن الحكمة لا بد أن يسبقها علمٌ، لا بد أن يقترن بها علمٌ، وإلا فلا يوصف هذا التصرف بالحكمة، فالحكمة يؤتيها الله تعالى من يشاء من عباده: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269].
ولذلك تجد أن الإنسان إذا وثق في حكمة إنسانٍ آخر؛ اطمأن إليه، بل إنه يُسلم نفسه إليه، أرأيت الإنسان المريض عندما يذهب للطبيب، والطبيب يسمَّى في بعض المجتمعات بـ”الحكيم”، فإذا ذهب للطبيب، وقرر الطبيب له عمليةً جراحيةً، وهو يثق في علم هذا الطبيب، وفي حذقه؛ تجد أنه يُسلِّم له، ويستسلم له، ويأتي وينقاد له، الطبيب يعمل له البنج، ويُجري له عمليةً جراحيةً؛ لأنه وثق في حكمة هذا الطبيب، وأن تصرُّفَه هذا صادرٌ عن حكمةٍ، وليس عن عبثٍ أو طيشٍ أو سفهٍ أو جهلٍ.
كذلك مثلًا: الإنسان عندما يركب الطائرة، تكون بين السماء والأرض، ويبقى فيها ربما ساعاتٍ، لماذا يفعل ذلك في طائرةٍ، وفي حديدٍ ما بين السماء والأرض؟ لأنه يثق في حكمة هؤلاء الذين يقودون الطائرة، يثق فيهم وفي حكمتهم، فإذا كانت هذه ثقة بشرٍ ببشرٍ؛ فكيف تكون الثقة بأحكم الحاكمين الذي خلق هؤلاء البشر كلهم، وخلق الحكمة، وله الحكمة، ويتصف بالحكمة، وهو الله جل وعلا؟! ولذلك ينبغي أن يستحضر المسلم: أن الله تعالى له الحكمة البالغة في خلقه وفي شرعه وفي قضائه وفي قدره وفي كل شيءٍ، وهو أحكم الحاكمين جل وعلا.
وقد تكرَّر ذكر الحكيم في القرآن الكريم كثيرًا، وتكرر أيضًا وصف الله بأنه العزيز الحكيم، يعني: اقترن ذلك العزيز بالحكيم في آياتٍ كثيرةٍ، نجد أن الله تعالى يقرن، أو كثيرًا ما يجمع بين العزيز الحكيم، لماذا؟ في هذا إشارة -كما يقول أهل العلم- إلى أن عزة الله مقرونةٌ بالحكمة، فعزته لا تقتضي ظلمًا وجورًا، كما قد يكون من بعض أعِزَّاء المخلوقين، فإن بعضهم تأخذه العزة بالإثم، فيظلم ويجور ويُسيء التصرف، أما الله فإن عزته مقرونةٌ بحكمته؛ ولهذا كثيرًا ما يجمع الله تعالى بين العزيز والحكيم؛ إشارةً لهذا المعنى، فالله تعالى حكيمٌ وعزيزٌ جل وعلا.
حكمة الله في خلقه
أحكام الله الكونية والشرعية والجزائية كلها مربوطةٌ بالحكمة، فلم يخلق الله سبحانه شيئًا عبثًا أبدًا: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]، خلق الله تعالى هذا الخلق لحِكَمٍ عظيمةٍ، لحكمٍ بالغةٍ، جميع ما خلق الله تعالى له فيه الحكمة البالغة، وله الحكمة جل وعلا فيما أعطى، وله الحكمة فيما منع، ما أعطى إلا لحكمةٍ، وما منع إلا لحكمةٍ، ولا أنعم إلا لحكمةٍ، ولا أصاب بمصيبةٍ إلا لحكمةٍ، ولا أمر بشيءٍ إلا والحكمة في فعله والتزامه، ولا نَهَى عن شيءٍ إلا والحكمة في تركه واجتنابه.
يقول الله تعالى مقرِّرًا هذه الصفة العظيمة (صفة الحكمة): أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَفَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:116]، ويقول تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ [الدخان:38-39]، ويقول تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36]، ويقول تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا، يعني: بدون حكمةٍ، ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27]، ويقول تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:28].
فكل أفعال الله مقرونةٌ بحكمته ، فله الحكمة في خلقه المخلوقات، خَلَقَ المخلوقات كلها بأحسن نظامٍ، ورتبها بأكمل ترتيبٍ، وأعطى كل مخلوقٍ خَلْقَه اللائق به، بل أعطى كل جزءٍ من أجزاء المخلوقات، وكلَّ عضوٍ من أعضاء الحيوانات خِلْقَته وهيئته، فلا يُرى خللٌ في خلقه ولا نقصٌ ولا فُطُورٌ، فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن، أو ما يُقارب ما أودعه في الكائنات من الحُسْن والانتظام والإتقان؛ لم يقدروا، وحسْبُ العقلاء الحكماء منهم أن يعرفوا كثيرًا مما اشتملت عليه حكمة الله ، وهذا أمرٌ معلومٌ قطعًا بما يُعلم من عظمته جل وعلا ومن كمال صفاته وتتبُّع حكمته في الخلق والأمر.
وقد تحدَّى الله الخلق وأمرهم أن ينظروا، بل يُكرِّروا النظر والتأمُّل، هل يجدون في خلقه خللًا أو نقصًا، وأنه لا بد أن ترجع الأبصار كليلةً عاجزةً عن انتقاد شيءٍ من مخلوقاته، يقول ربنا سبحانه: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ [الملك:3]، هل تجد في خلق الله تعالى خللًا؟ هل تجد نقصًا؟ هل تجد فُطُورًا؟ هل تجد تشقُّقًا؟ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ، يعني: مرتين؛ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك:4]، لا يمكن أن تجد في خلق الله تعالى قصورًا أو خللاً أبدًا أو نقصًا، فله الحكمة البالغة جل وعلا.
حكمة الله في خلق الإنسان
انظر إلى عظيم خلق الله ، انظر إلى عظيم خلقه، خُذْ خلق الإنسان، كيف خلق الله تعالى الإنسان، خلقه أول ما خلقه من ترابٍ، خلق أبانا آدم من ترابٍ، ثم نفخ فيه من روحه فكان إنسانًا، ثم خلق أُمَّنا حواء من آدم عليهما السلام، ثم بعد ذلك جعل نَسْلَه من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ، من نطفةٍ، من منيٍّ يُمنى، سبحان الله! هذه النطفة التي يُخلَق منها الإنسان هي حيوانٌ منويٌّ من أكثر من عشرين مليون حيوانٍ منويٍّ، يقول أهل الاختصاص: إن الرجل إذا كان عدد الحيوانات المنوية عنده أقل من عشرين مليونًا؛ يكون غير قادرٍ على الإنجاب، سبحان الله! من أكثر من عشرين مليونًا حيوانٌ منويٌّ واحدٌ يلتصق بالبويضة، ثم بعد ذلك تكون النُّطفة، مرحلة النُّطفة، طَور النُّطفة، ثم طور العلقة، ثم طور المضغة، ويبدأ في هذا الطور التخليق: مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [الحج:5].
ثم بعد ذلك ينفخ الله تعالى الروح، ينفخها في هذا الإنسان، بعدما يمضي عليه أربعة أشهرٍ، وهذه الروح لا يُعرف حقيقتها، روحك التي بين جنبيك لا تعرف حقيقتها؛ لأنها ليست من عالم المادة الذي نعرفه، هي من عالمٍ آخر؛ ولهذا يقول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، ثم بعد ذلك يخلق الله تعالى عظامًا، ويكسو العظام لحمًا، ثم يُصوِّره الله تعالى ويُنَشِّئه في أحسن خِلقةٍ، وجعل الإبصار عن طريق العينين، وهيَّأ ذلك تمامًا، والسمع عن طريق الأذنين، وهيَّأ ذلك، وهكذا اليد، هيَّأَها على أكمل خِلقةٍ، والرِّجل وبقية الأعضاء.
وانظر كيف أن الله تعالى جعل الشعر ينبُت في مواضع معينةٍ، لماذا لا ينبُت الشعر في الوجه مثلًا؟! لماذا ينبُت في مواضع معينةٍ؟! وانظر كيف أن الله تعالى جعل هذه الأصابع بهذه الطريقة، وجعل للإنسان خمسة أصابع في اليد اليمنى، وخمسة أصابع في اليد اليسرى؟! لكي يستطيع الإنسان أن يحمل عليها وأن يستفيد منها.
ثم انظر أيضًا إلى الأعضاء الداخلية؛ تجد العجب العُجاب، عندما تأكل لقمةً من طعامٍ، تضع هذه اللقمة في فمك، وتطحن هذا الطعام بأسنانك، ثم يذهب إلى المعدة، من الذي ألهم هذه المعدة؟ قطعة لحمٍ تهضم الطعام، ويذهب بعد ذلك، كلُّ عضوٍ من أعضاء الإنسان له مهمةٌ؛ البنكرياس له مهمةٌ، والأمعاء لها مهمةٌ، والأمعاء دقيقةٌ وغليظةٌ، والكبد له مهمةٌ، والكُلى لها مهمةٌ، وكل عضوٍ من هذه الأعضاء له مهمةٌ، يُؤدِّي مهمته سبحان الله! من الذي ألهم هذه الأعضاء؟ من الذي ألهم الكبد أن يقوم بهذا الدور؟ البنكرياس يقوم بهذا الدور؟ المعدة تقوم بهذا الدور؟ الكُلى تقوم بهذا الدور؟ سبحان الله العظيم! وهذا في إنسانٍ خُلِق من نطفةٍ، فإذا كانت عَظَمَة الخالق في خلق هذا الإنسان، هذا المخلوق من قطرة ماءٍ، من ماءٍ مهينٍ؛ فكيف بعظمته في ملكوت السماوات والأرض؟!
فالله تعالى له الحكمة البالغة في خلقه جل وعلا، خلق هذا الكون على أحسن نظامٍ، وعلى أكمل نظامٍ، انظر إلى السماوات وإلى الأرض وإلى الجبال وإلى النبات، رَتَّب هذه المخلوقات أحسن ترتيبٍ، وأعطى كل مخلوقٍ خَلْقَه اللائق به.
لو اجتمعت عقول الخلق من أولهم لآخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن، أو ما يُقارب خَلْقَه في الحُسْن والانتظام والإتقان؛ لم يقدروا، لو أن البشر كلهم منذ أن خلق الله نوحًا إلى الآن، اجتمعوا لكي يخلقوا حشرة ذبابٍ أو بعوضةً هل يستطيعون؟ حشرة! لا يستطيعون، فانظر إلى عظمة الله وحكمته البالغة في خلقه جل وعلا، كيف رتب هذا الخلق! كيف خلق السماوات والأرض! كيف خلق الأرض! كيف خلق ما على الأرض من دابةٍ! كيف تكفَّل لكل مخلوقٍ برزقه! وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، فنجد الحكمة البالغة في خلق الله .
الحكمة البالغة في شرع الله تعالى
وكذلك أيضًا له الحكمة البالغة جل وعلا في شرعه، فإنه سبحانه شرع الشرائع، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل؛ ليعرفه العباد جل وعلا، لما أراد الله تعالى أن يخلق البشر؛ أخذ جميع البشر وهم في الذَّرِّ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف:172-173]، فانظر إلى حكمته سبحانه! جميع البشر جمعهم الله تعالى وهم في الذَّرِّ، وأشهدهم على أنفسهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ فرَكَز الله تعالى معرفته في فِطَر البشر؛ ولذلك الإنسان بفطرته يعرف الله؛ لأن معرفة الله مركوزةٌ في الفِطَر، حتى الملحد إذا أصابته شدةٌ أو كُرْبةٌ؛ لجأ إلى الله تعالى، حتى الملحد!
فإن قال قائلٌ: أنا لا أذكر أن الله تعالى أخذ عليَّ العهد والميثاق وأنا في الذَّرِّ، وقال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، نقول: وهل تذكُر وقت ولادتك؟ وهل تذكر لما كنت في بطن أمك تسعة أشهرٍ؟ أفتُنكر ذلك لكونك لا تذكره؟ لماذا تصدق بأنك كنت في بطن أمك تسعة أشهرٍ، وأن أمك ولدتك، ولا تذكر حياتك في السنة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة، وربما ولا الرابعة، وربما أكثر، ومع ذلك صدَّقت به، وحينما أخبرك الله بأنه أخذ البشر وهم في الذَّرِّ وأشهدهم على أنفسهم؛ تقول: أنا لا أذكر؟! فإذا كنت لا تذكر هذه الأحداث القريبة؛ فكيف تقول: إنني لا أذكر هذا الذي ذكره الله ؟! يكفي أن الله تعالى ذكره، فنحن نؤمن بما ذكره الله قطعًا، وأن ما قاله الله تعالى هو الحق قطعًا، فهو سبحانه أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، ثم إنه سبحانه فَطَر الخلق على معرفته جل وعلا؛ ولذلك الأمم السابقة لم تكن تُنكر وجود الله؛ لأن معرفة الله مركوزةٌ في الفِطَر، وإنما أرسل الله الرسل لأجل تصحيح الانحراف الذي وقع في العقيدة: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38]، لكنهم اتخذوا أصنامًا تُقرِّبهم إلى الله زلفى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، فأرسل الله الرسل، وشرع الشرائع، وجعل في شرعه الحكمة البالغة، فلله تعالى الحكمة البالغة، وجعل هذه الشريعة فيها الكمال العظيم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3].
وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خيرٍ، فأخباره تملأ القلوب علمًا ويقينًا وإيمانًا وعقائد صحيحةً، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها، وتُثمر كلَّ خلقٍ جميلٍ وعملٍ صالحٍ، وأوامره ونواهيه محتويةٌ على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا، والله تعالى لا يأمر بشيءٍ إلا بما مصلحته خالصةٌ أو راجحةٌ، ولا ينهى عن شيءٍ إلا عما مضرَّته خالصةٌ أو راجحةٌ، وهو الحكيم العليم جل وعلا، فما أمر الله تعالى به في شرعه فهو حكمة الحِكَم، وهو غاية الحِكَم، وما نهى الله تعالى عنه في شرعه فهو حكمة الحِكَم، وغاية الحِكَم، الله تعالى حكيمٌ عليمٌ؛ ولذلك ينبغي للمسلم إذا ورد النص من كتاب الله وسنة رسوله أن يُسلِّم، وأن يستسلم لحكم الله، سواءٌ عرف الحكمة أو لم يعرفها، لماذا؟ لأنه على يقينٍ بأن الله تعالى حكيمٌ عليمٌ، على يقينٍ بأن الله أحكم الحاكمين، على يقينٍ بأن الله لا يأمر بشيءٍ إلا لحكمةٍ، ولا ينهى عن شيءٍ إلا لحكمةٍ، فأمْرُه ونهيه حكمة الحِكَم، وغاية الحِكَم؛ وهذا يقتضي من المسلم التسليم لشرع الله ؛ كما قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].
المهم أن يصح النص، إذا كان النص من القرآن أو من الصحيح من السنة؛ فالواجب الاستسلام لشرع الله ، سواءٌ عرفت الحكمة أم لم تعرفها، لا تعرِض الموضوع على عقلك، فما وافق عقلك قبلت، وما لم يُوافق عقلك لم تقبله، فإن من يفعل ذلك هذا عبدٌ لهواه، وليس عبدًا لله: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا [الفرقان:43]، وفي الآية الأخرى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ [الجاثية:23]، فيكفي أن تعرف أن هذا هو شرع الله.
ولهذا لما جاءت امرأةٌ إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تسألها، تقول: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟! قالت عائشة رضي الله عنها: أحرورية أنتِ؟ يعني: من بلاد حروراء؛ لأنهم كانوا هم الذين يُكثرون هذه الاعتراضات وهذه الأسئلة، ثم بماذا أجابت عائشة رضي الله عنها؟ قالت: “كان يُصيبنا ذلك على عهد رسول الله ، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة” [1].
فانظروا إلى فقه عائشة رضي الله عنها! أجابت بأن هذا هو أمر الله ورسوله، يكفي هذا؛ لأنه إذا عرفنا أن هذا أمر الله ورسوله؛ فهذا حكمة الحِكَم، وهو غاية الحِكَم، فأجابت عائشة رضي الله عنها بهذا الجواب، وعائشة رضي الله عنها لا يعجزها أن تُبيِّن الحكمة في ذلك؛ بأن الصوم لا يشقُّ قضاؤه؛ لأنه شهرٌ واحدٌ في السنة، وتقضي المرأة منه سبعة أيامٍ تقريبًا، وأما الصلاة فخمس صلواتٍ في اليوم والليلة، ويشقُّ قضاؤها، لم تُرِد عائشة رضي الله عنها أن تجيب بهذا، وهي تعرف هذا الجواب، وإنما أجابت بأن هذا هو حُكم الله ورسوله، يكفي هذا.
وجوب التسليم لشرع الله وحكمه
فعلى المسلم الاستسلام لحُكم الله ورسوله ولشرع الله تعالى، سواءٌ عرف الحكمة أو لم يعرفها؛ لأن هذا هو مقتضى العبودية لله ، مقتضى العبودية الاستسلام لله ولشرعه، أما أن الإنسان لا يقبل من شرع الله إلا ما وافق عقله وما وافق هواه، فهذا ليس عبدًا لله، وإنما هو عبدٌ لهواه: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23].
وهذه القضية نجد أن بعض الناس يعترض على أمور الشرع ويقول: كيف كذا، ولماذا أمر الله بكذا، ولماذا نهى الله عن كذا، سبحان الله! أنت تُحاكم الله في شرعه؟ فالله تعالى له الحكمة البالغة، الله أحكم الحاكمين، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [الأنبياء:23]، لا يأمر بشيءٍ إلا لحكمةٍ، ولا ينهى عن شيءٍ إلا لحكمةٍ، العجب أن الإنسان في أموره الدنيوية تجد أنه إذا وجد مخلوقًا حكيمًا حاذقًا سلَّم لكلامه ولم يعترض عليه، ولم يسأله عن الحكمة، بعض الناس عندما يذهب لطبيبٍ تجد أنه يُعطيه علاجًا، ويصف له طريقة أخذ هذا العلاج، ولا يسأله ولا يُناقشه: لماذا وصفت لي هذا العلاج ولم تصف غيره؟ لماذا هذا العلاج كان كذا ولم يكن كذا؟ وإنما يُسلِّم له؛ لأنه يثق في علم هذا الطبيب وفي حكمته.
فالله تعالى هو أحكم الحاكمين، وهو العليم الحكيم جل وعلا، فحُكمه حكمة الحِكَم وغاية الحِكَم، وعقول البشر مهما كانت؛ أقصر من أن تُدرِك حكمة الله في أحكامه؛ ولذلك قد تخفى الحكمة على بعض الناس، والمهم أن نعرف أن هذا هو شرع الله، وأن هذا هو حكمة الله جل وعلا، فإذا تأمَّلنا -أيها الإخوة- المعاني التي يدل لها اسم “الحكيم”؛ نجد أنها معانٍ عجيبةٌ، معانٍ بديعةٌ، تنبهر لها العقول، الله تعالى هو أحكم الحاكمين، يُدبِّر الأمر بحكمته البالغة جل وعلا.
لو مثلًا افترضنا افتراضًا: قيل: نأتي بأفضل عشرة حكماء في العالم ليدبروا العالم، أفضل عشرة حكماء أجمع الناس على حكمتهم، الله تعالى فوق هذا جل وعلا، حكمته فوق هذا، هؤلاء لا تكون حكمتهم أقل من قطرة بحرٍ بالنسبة لحكمة الله ، فله الحكمة البالغة في تدبيره، وله الحكمة البالغة في قضائه وفي قدَره وفي شرعه وفي خلقه وفي كل شيءٍ؛ ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله: “إن الله سبحانه لم يخلق شيئًا عبثًا ولا سُدًى، وله الحكمة البالغة في كل ما قدره وقضاه من خيرٍ وشرٍّ، وطاعةٍ ومعصيةٍ، وحكمةٍ باهرةٍ تَعجز العقول عن الإحاطة بِكُنْهِهَا، وتكلَّ الألسن عن التعبير عنها، فمصدر قضائه وقدره لما يُبغضه ويَسخطه اسمه الحكيم، الذي بهرت حكمته الألباب جل وعلا.
ولله في كل تحريكةٍ | وتسكينةٍ أبدًا شاهدُ |
وفي كل شيءٍ له آيةٌ | تدل على أنه واحدُ |
فكم في الأرض من آيةٍ بينةٍ دالةٍ على الله تعالى، وعلى صدق رسله، وعلى أن لقاءه حقٌّ” جل وعلا.
فله الحكمة البالغة في خلقه وفي شرعه وفي حُكمه وفي حكمته جل وعلا، فيقول: “وهذا قطرةٌ من بحر حكمته المحيطة بخلقه، والبصير يُطالع ببصيرته ما وراءه، فيُطلعه على عجائب من حكمته لا تبلغها العبارة، ولا تنالها الصفة، وأما حظ العبد في نفسه، وما يخصه من شهود هذه الحكمة فبحسب استعداده وقوة بصيرته”.
استحضار مظاهر الحكمة في خلق الله وشرعه
المقصود أيها الإخوة: أن الله هو الحكيم جل وعلا، أحكم الحاكمين، ينبغي أن تستحضر هذا المعنى أولًا في خلق الله، فعندما تنظر إلى عجيب خلق الله ؛ تتأمَّل في حكمته البالغة: أنه ما خلق شيئًا عبثًا؛ ولهذا يقول سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا [آل عمران:191]، يعني: ربنا أنت أحكم الحاكمين: مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191]، فتأمَّل قول أولي الألباب: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا، فيستدلون بحكمة الله سبحانه على أنه لم يخلق هذا الخلق عبثًا ولا باطلًا، وإنما خلقه لحكمةٍ بالغةٍ، فله الحكمة البالغة في خلقه، وله الحكمة البالغة في شرعه، لا يُشرِّع شيئًا إلا لحكمةٍ، ولا يأمر بشيءٍ إلا لحكمةٍ، ولا ينهى عن شيءٍ إلا لحكمةٍ، وله الحكمة البالغة في تدبيره لهذا الكون، في قضائه وقدره، في تقديره لهذا الصراع الذي يكون بين البشر، له الحكمة البالغة جل وعلا في تمييزه للخبيث من الطيب: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179].
كل حدثٍ يحدث فهو بتقدير الله وتدبيره، وتدبيره قائمٌ على حكمته جل وعلا، فله الحكمة البالغة في ذلك القضاء وذلك القدر؛ ولذلك عندما يرى المسلم هذه الأحداث التي تموج بها الأرض؛ يقول: هذا تدبير العزيز الحكيم، هذا تدبير أحكم الحاكمين، له الحكمة جل وعلا في خلق هذا الخلق، وفي تقديره وقضائه لهذا الذي كان.
لو أخذنا -على سبيل المثال- آخر حدثٍ، أو من آخر الأحداث التي حصلت في الأرض، والتي كان عليها ضجةٌ عند البشر: هو هذا الوباء (كورونا)، فلله تعالى الحكمة، له حِكَمٌ عظيمةٌ في تقديره، ومن ذلك أن يُرِي الله تعالى العباد عظيم قدرته وضعفهم، وكيف أن الله تعالى قدَّر مخلوقًا لا يُرى بالعين المجردة، ومع ذلك أحدث ما أحدث من هذا الرعب، ومن هذه الآثار التي خلَّفها حتى شمل العالم كله بذلك، مع أنه مخلوقٌ صغيرٌ لا يُرى بالعين المجردة، وقف البشر معه حائرين منبهرين، حُجِروا في بيوتهم، توقفوا عن أعمالهم وعن مساجدهم وعن وظائفهم، وبقوا حائرين، لله تعالى الحكمة البالغة في تقديره جل وعلا.
فأظهر سبحانه للعباد عظمته، وأظهر للعباد ضعفهم، مهما كان عندهم من التقدُّم والتقنية؛ بقوا حائرين عاجزين مع هذا المخلوق الصغير الذي لا يُرى بالعين المجردة، فله سبحانه الحكم العظيمة البالغة فيما يقدره، فهو سبحانه أحكم الحاكمين جل وعلا.
فاستحضر -يا أخي- هذا المعنى: أن الله هو الحكيم، وأنه أحكم الحاكمين، له الحكمة في الخلق، له الحكمة في التدبير، له الحكمة في شرعه، له الحكمة في أمره، له الحكمة في نهيه، اجعل هذا مبدأً لك في الحياة، تكون مستسلمًا لحُكم الله ورسوله، لا تعترض على شيءٍ من شرع الله، لا تعترض على حكم الله، سواءٌ عرفت الحكمة أو لم تعرفها، أنت على يقين بأن الله أحكم الحاكمين: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فهو له الحكمة، وهو الموصوف بالحكمة جل وعلا، وهو الذي يؤتي الحكمة من يشاء، أحاط بكل شيءٍ علمًا، وكما ذكرنا في مقدمة الحديث: أن الحكمة لا تكون إلا عن علمٍ، وأما الذي يقع مصادفةً، ويضع الشيء في موضعه اللائق به، لكن مصادفةً عن غير علمٍ؛ لا يوصف بالحكمة، فالله تعالى حكمته عن علمٍ جل وعلا.
ولعل الوقت المخصَّص لهذا اللقاء انتهى، فأكتفي بهذا القدر، وأترك بقية الوقت للمداخلات وللإجابة عن الأسئلة والاستفسارات.
وأسأل الله تعالى أن يُوفِّقنا جميعًا لما يحب ويرضى، وأن يستعملنا جميعًا في طاعته، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدم: الله يُجازيك خيرًا يا شيخ، إذا كان هناك أي سؤالٍ أو تساؤلٍ بدايةً لعله يكون فيما يتعلق بالمحاضرة التي هي في التأمل في اسم الله جل وعلا “الحكيم”، ثم بعد ذلك إذا كان هناك أسئلةٌ عامةٌ؛ نستأذن الشيخ في الإجابة عليها، أستأذنكم -يا شيخ- لعلي أنا أسأل سؤالًا.
الشيخ: تفضل.
الأسئلةالسؤال: اعتراض البعض على ما يقع عليه أحيانًا، يقول: لماذا يحدث لي كذا؟ لماذا أنا أمرض؟ لماذا فلانٌ غنيٌّ وأنا حالتي كذا؟ لماذا فلانٌ تيسرت أموره؟ فهل هذا يعتبر اعتراضًا أو ضعفًا في جانب الإيمان باسم الله جل وعلا “الحكيم”؟ وكيف يُوجَّه أمثال هؤلاء؟
الجواب: نعم، هذا نوعٌ من الاعتراض على قضاء الله تعالى وقدره، الله تعالى له الحكمة البالغة في تقديره للأمور، يبسط الرزق لمن يشاء، ويقدر على من يشاء جل وعلا، وله الحكمة البالغة في ذلك، فينبغي الاستسلام لحُكم الله ولحكمته جل وعلا، فهو يعطي لحكمةٍ، ويمنع لحكمةٍ، ويخلق لحكمةٍ، فهو له الحكمة البالغة، بعض الناس مثلًا قد يحرمه الله تعالى من شيءٍ، لكن يعطيه أشياء، بعض الناس قد يفقد بعض حواسه؛ مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، إما يفقد مثلًا بصره، أو يفقد سمعه، أو يفقد السمع والبصر، أو يكون معاقًا، لله تعالى الحكمة في ذلك، وإن هو استسلم لحُكم الله ورضي بقضاء الله وقدره؛ فإن الأجر يكون عظيمًا، والثواب يكون جزيلًا.
فعلى سبيل المثال: الكفيف إذا صبر واحتسب، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: يقول الله تعالى: إذا ابتليت عبدي بفقد حبيبتيه فصبر؛ عوضته عنهما الجنة [2]. يعني: إذا أُصيب بالعمى وصبر، واحتسب ولم يعترض على قضاء الله وقدره، واستسلم لحُكم الله وحكمته؛ فإن الله يعوضه الجنة، وهذا جزاءٌ عظيمٌ، بل حتى بعض الأمراض الصعبة -الأمراض المزمنة- هذه الأمراض إذا صبر عليها الإنسان؛ فإن جزاءه عظيمٌ، فإن جزاءه يكون عند الله عظيمًا؛ فمثلًا: جاء في “الصحيحين” عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال لأحد أصحابه: ألا أُريك امرأةً من أهل الجنة؟ قال: قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي فقالت: يا رسول الله، إني أُصرَع، فادْع الله تعالى أن يُعافيني، انظر ماذا قال لها النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال: إن شئتِ صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت: بل أصبر، لكن ادْع الله ألا أتكشف، فدعا الله ألا تتكشف [3]، هنا النبي عليه الصلاة والسلام أراد بهذا أن يُبيِّن لهذه المرأة أن صبرك على هذا المرض الصعب العضال (مرض الصرع)، مرض الصرع من الأمراض الصعبة الشديدة الثقيلة على النفس، أراد عليه الصلاة والسلام أن يُبيِّن أن الصبر عليه جزاؤه الجنة، والجنة ثمنٌ عظيمٌ، قال: إن شئتِ صبرت ولك الجنة.
هكذا أيضًا من ابتُلي بمرضٍ من الأمراض المزمنة، أو ذوي الاحتياجات الخاصة مثلًا، إن صبر على هذا المرض واحتسب، فإن الجزاء عند الله يكون عظيمًا، لكن إن هو اعترض على الله تعالى، اعترض على القضاء والقدر وتبرَّم وتسخطَّ، لا يستفيد لا في الدنيا ولا في الآخرة، فحظُّه فقط التسخُّط والاعتراض والقلق والكدر، وهذا لن يغير من قدَر الله شيئًا، ويُفوت على نفسه الأجر والثواب، لكن لو أنه تعايش مع ما قدَّره الله تعالى عليه، تعايش مع هذا المرض، مع واقعه، وصبر واحتسب، واستسلم لحكم الله ولحكمته البالغة؛ فإن الجزاء يكون عند الله تعالى عظيمًا، وقد يصل الجزاء إلى أن يكون الجنة الثمن الجنة إذا كان المرض صعبًا وعضالًا، أو البلاء شديدًا فإن الجزاء يكون الجنة.
فالله تعالى فاوَتَ بين الخلق في عطائه جل وعلا؛ فمنهم من بَسط له في الرزق، ومنهم من ضيَّق عليه، ومنهم من أعطاه الصحة، ومنهم من حرمه الصحة، ومنهم من جعله من ذوي الاحتياجات الخاصة، فله الحكمة البالغة في هذا، والله تعالى لا يُسأل عما يفعل، لكن المطلوب من المسلم: أن يستسلم لحُكم الله ولقضائه وقدره، ويحتسب الأجر والثواب، إن ابتلي بشيءٍ؛ يحتسب الأجر والثواب عند الله .
انظر لحال هذه المرأة التي كانت تُصرع، صبرت على الصرع، مع أنه بالنسبة للمرأة شديدٌ يصل إلى أنها تتكشَّف، وهذا أمرٌ ليس هينًا على المرأة، ومع ذلك صبرت واحتسبت، فأخبرها النبي عليه الصلاة والسلام بأن جزاءها الجنة، هكذا أيضًا من صبر واحتسب على أي بلاءٍ يُقدِّره الله تعالى عليه، كلما كان البلاء أعظم؛ كان الأجر أكثر وأعظم.
السؤال: يا شيخ، هناك سؤالٌ يتعلق بقضية الاستخارة، يقول بعضهم: يستخير لكن لا يتم الأمر، ولا يأتي على ما كان يسعى له، فيقول: هل هذا من اختيار الله ؟
الشيخ: الاستخارة ليس من علامتها انشراح الصدر، وإنما علامتها تيسير أحد الأمرين وعدم تيسير الآخر، يعني: مسألة الميل القلبي وانشراح الصدر هذا لا يَعمل به الإنسان في الاستخارة إلا عند تساوي الأمور، أما عند عدم التساوي، أحد الأمور متيسرٌ والآخر غير متيسرٍ، يسلك الطريق المتيسر، هذه علامة الاستخارة؛ لأن بعض الناس يميل لأمرٍ بحكم انطباعه الذهني وخلفيته السابقة، فيرتاح لهذا الشيء باعتبار أن عنده خلفيةٌ سابقةٌ، فيظن أن هذه علامة الاستخارة، هذا ليس بصحيحٍ، علامة الاستخارة تيسُّر أحد الأمرين وعدم تيسر الآخر.
لكن إذا استخار واختار أحد الأمرين؛ فليس هو الذي يحكم بأن هذا هو خيرٌ، قد يرى هو في ظاهره أنه ليس خيرًا، لكن الله تعالى قدَّره؛ لأنه يعلم أن فيه خيرًا، فربما أنه لو قدَّر الله تعالى له الأمر الآخر؛ فُتن في دينه، وربما تَسبب ذلك في نقصٍ في دينه، ربما تَسبب في أمورٍ، تَسبب أيضًا في مصائب عليه، الله تعالى أعلم وأحكم، فمِن هنا ينبغي أن يستسلم لحُكم الله ولحكمته البالغة.
ومسألة الرضا بالقضاء والقدر -يا إخواني- هذه مسألةٌ عظيمةٌ، هذه تعطي الإنسان الراحة والطمأنينة، بل السعادة؛ ولهذا يقولون في الحكمة: “ليست السعادة أن تملك أكثر مما يملك الناس، ولكن السعادة أن ترضى أكثر مما يرضى الناس”.
لو تأملت في واقع المجتمع؛ تجد أن السعداء هم الأكثر رضًا، الأكثر رضًا هم السعداء، تجد أن هذا الإنسان الراضي المطمئن الذي يُسلِّم الأمور لله ولحكمه ولحكمته، هو أكثر الناس سعادةً، لكن هذا الإنسان المتسخط المتشكي، المعترض على قضاء الله وقدره، يبقى يعيش في قلقٍ، ويعيش في نكدٍ، وربما يتسبب ذلك في أمراضٍ عليه، فإن كثيرًا من الأمراض يكون سببها هذا التضجر النفسي والقلق والتكدر، تَسبب له في مرض السكر والضغط، وفي كثيرٍ من الأمراض، لكن إذا تقبَّل ما قضاه الله تعالى وقدره بنفسٍ راضيةٍ، وربط هذا بحكمة الله سبحانه، وأن الله تعالى أحكم الحاكمين، وأنه الحكيم العليم جل وعلا، ورضي بذلك؛ فإن هذا يورثه السعادة والرضا والطمأنينة.
السؤال: يا شيخ، هناك مجموعة أسئلةٍ ليس لها علاقةٌ بالمحاضرة، لكن نستأذنكم في سؤالٍ له علاقةٌ بالمحاضرة، وهو: البعض يسأل عن بعض العبادات، يقول: ما الحكمة من فعل كذا؟ ما الحكمة من فعل كذا؟ وأحيانًا قد لا تتضح هذه الحكمة، فبماذا يُرَدُّ على أمثال هؤلاء؟
الشيخ: نقول: الواجب على المسلم إذا عرف أن هذا هو حكم الله بمقتضى الدليل الشرعي من القرآن أو السنة؛ أن يستسلم لحكم الله ورسوله، وأن يكون على يقينٍ بأن حكم الله ورسوله هو حِكمة الحِكَم، وهو غاية الحِكَم، سواءٌّ عرف الحكمة أو لم يعرفها؛ لأن الحكمة قد تخفى حتى على بعض العلماء، حِكَم بعض الأشياء وحِكَم بعض الأفعال؛ ولذلك ابن القيم وجماعة من المحققين قالوا: إنه ليس هناك شيءٌ اسمه حكمةٌ تعبديةٌ أو علةٌ تعبديةٌ، كل شيءٍ لله فيه حكمةٌ، لكن هذه الحكمة قد تخفى على بعض أهل العلم؛ لأنها تكون حكمةً خفيةً دقيقةً، فليس بالضرورة أن تَعرف الحكمة في كل شيءٍ، بعض الأمور قد تخفى حكمتها، يعني مثلًا: لماذا كانت صلاة الفجر ركعتين؟ صلاة الظهر أربعًا؟ صلاة العصر أربعًا؟ صلاة المغرب ثلاثًا؟ صلاة العشاء أربعًا؟ لماذا؟ ما الحكمة؟ الله أعلم.
بعض الأمور قد تخفى حكمتها علينا، لكننا على يقينٍ بأن الله حكيمٌ عليمٌ، وأن الله تعالى أحكم الحاكمين جل وعلا، ولْيستحضر المسلم أن الاستسلام لحُكم الله ورسوله ولشرعه من مقتضى العبودية لله، وأن الذي لا يستسلم إلا لما يوافق عقله وهواه، هذا ليس عبدًا لله، هذا عبدٌ لهواه، الذي يقول: لا آخذ من الشرع إلا ما وافق عقلي، هذا عبدٌ لعقله وهواه: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا [الفرقان:43]، فمقتضى العبودية: هو الاستسلام لله ، إن عرف المسلم الحكمة؛ فهذا نورٌ على نورٍ، إن لم يعرفها؛ فهو على يقينٍ أن الله حكيمٌ عليمٌ.
لماذا الإنسان في أمور الدنيا يستسلم لرأي من يثق فيه؟ يذهب للطبيب ويُسلِّمه نفسه ويُجري له عمليةً جراحيةً، ويلتزم بوصفة الطبيب في أخذ الأدوية ولا يُناقش الطبيب، لا يُناقشه: ما هي الحكمة من كذا؟ ما هي الحكمة من كذا؟ لا يناقشه، لكن عندما تأتي أحكام الشرع؛ يبدأ يقول: لماذا أمر الله بكذا؟ لماذا نهى الله عن كذا؟ لماذا كذا؟ هذا فيه خللٌ في العبودية، مقتضى العبودية: أن تستسلم لحكم الله ورسوله، إن عرفت الحكمة؛ فهذا خيرٌ، وهذا نورٌ على نورٍ، إن لم تعرفها؛ فتقول: الله تعالى أحكم وأعلم، وهو أحكم الحاكمين جل وعلا، لكن العلماء يتلمسون الحكمة دائمًا في الأحكام، وعندنا في الجمعية الفقهية السعودية مشروعٌ تحت العمل الآن، انتهينا من الطهارة والآن في الصلاة، اسمه “المقاصد الجزئية”، يعني: الحِكَم الشرعية للأحكام الفقهية، وهذا المشروع اسمه “المقاصد الجزئية”، والآن انتهينا من قسم الطهارة، والآن في قسم الصلاة، وسيكون على جميع أبواب الفقه إن شاء الله تعالى، سيكون شاملًا لبيان الحكمة في جميع الأبواب الفقهية، هذا مما يزيد المسلم إيمانًا، إن عرف الحكمة؛ فهذا خيرٌ، وهذا نورٌ على نورٍ، لكن هذا ليس بالضرورة، إن لم تعرف الحكمة؛ فأنت على يقينٍ بأن الله تعالى حكيمٌ عليمٌ.
مداخلة: يا شيخ، نستأذنكم، بقي خمس دقائق تقريبًا، وتوجد أسئلةٌ -لعلها تكون سريعةً؛ لكي نغطِّي بقية الأسئلة- أسئلةٌ عامةٌ:
السؤال: إحدى الأخوات تسأل تقول: دعاء الاستفتاح في صلاة الليل: اللهم فاطر السماوات والأرض.. [4]، هل يقال في استفتاح صلاة الليل في أول تسليمةٍ فقط، أم في كل تسليمةٍ؟
الجواب: كل ركعتين مستقلتان بأركانهما وشروطهما وواجباتهما وسننهما؛ ولذلك إذا حصل السهو مثلًا في الركعتين الأوليين؛ لا يجري ذلك على ما بعده، وهكذا لو حصل في الوسط، أو في آخر الركعات لا يجُرُّ ذلك على ما قبله، فكل ركعتين مستقلتان بأركانهما وشروطهما وواجباتهما وسننهما، ومن ذلك: دعاء الاستفتاح، فدعاء الاستفتاح سنةٌ في أول كل ركعتين، فدعاء الاستفتاح في الركعتين الأوليين ليس له علاقةٌ بدعاء الاستفتاح في الركعتين اللتين بعدهما.
وأفضل الصفات في صلاة الليل: هي صلاتها مثنى مثنى، ثم يُوتر بواحدةٍ؛ لأن هذا هو غالب هدي النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح؛ فأوتِر بواحدةٍ [5]، فالأفضل أن تستفتح في أول كل ركعتين، سواءٌ في صلاة الليل، أو في صلاة التراويح، أو في أي صلاةٍ تصليها، حتى صلاة الضحى، ركعتي الوضوء، تحية المسجد، صلاة الجمعة، كل صلاةٍ تصليها، فريضةً كانت أم نافلةً، فالسنة أن تستفتح هذه الصلاة بدعاء الاستفتاح.
السؤال: هنا سؤالٌ يقول: بالنسبة لعلم الله للأمور، هل يصح التمثيل به -ولله المثل الأعلى- مثلًا بالمعلم مع الطالب الذي يقطع أنه راسبٌ، وهو لا يجبره على رسوبه، لكنه يعلم ذلك مسبقًا؟
الشيخ: لا يُحاسِب الله تعالى الناس على علمه، وإنما لا بد من ظهور أثر ذلك، وإلا فالله تعالى يعلم من يطيعه ممن لا يطيعه، لكنه يَظهَر أثر علم الله ؛ ولذلك أهل الفترة والذين يُمتحنون؛ مثل المجانين ومن في حكمهم، هؤلاء يُمتحنون يوم القيامة؛ ليَظهر أثر علم الله فيهم، وإلا فالله تعالى أعلم بما كانوا عاملين، لكن تقريب ذلك بأمثلةٍ بسيطةٍ، ويقال: “ولله المثل الأعلى” هذا لا بأس به فيما يَظهر، إذا مثَّل مثلًا بالمعلم الذي يعلم بأن هذا الطالب سيرسب، لكنه اختبره ليَظهر علم الأستاذ، وتقوم الحجة على الطالب، فهذا من باب تقريب المعنى وضرب المثل، والذي يَظهر: أن هذا لا بأس به؛ لأن ضرب الأمثال في القرآن وفي السنة واردٌ كثيرًا، والله تعالى ذكر أمثالًا كثيرةً في القرآن، والنبي عليه الصلاة والسلام ذكر أمثالًا، والأمثال تُضرَب لأجل تقريب المعاني، فهي إحدى طرق الاستدلال، وإحدى طرق التعليم، وهي أحد أساليب القرآن والسنة، فإذا ضرب الإنسان مثلًا بالمعلم مع الطالب لتقريب الفكرة، وتقريب فهم هذه المسألة؛ فهذا لا بأس به إن شاء الله، لكن ينبغي إذا قال ذلك؛ أن يقول: ولله المثل الأعلى.
المقدم: بارك الله فيكم يا شيخ، هناك أسئلةٌ، لكن لم يبق من الوقت إلا القليل، أسأل الله أن يُثيبكم على تخصيص هذا الوقت وحضور هذا اللقاء.
الشيخ: إذا كان عندكم -يا شيخ سُهيل- أسئلةٌ ربما إلى خمس دقائق لا يوجد مانعٌ.
المقدم: المشكلة أن وقت الزوم برنامج هو محدود بساعةٍ.
الشيخ: إي نعم، على خيرٍ إن شاء الله.
المقدم: فنعتذر لأننا نخشى أن ينقطع خلال تواصلنا معك.
الشيخ: لا بأس، طيب.
المقدم: نيابةً عن الإخوة في قاعة… الافتراضية نُكرِّر شكرنا لفضيلة الشيخ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، على مشاركته لنا في هذه القاعة، وعلى ما أتحَفَنا به من معلوماتٍ، نسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناته، وأن ينفع بمن سُمع وما قيل في هذه المحاضرة، وأن يُوفِّقنا وإياكم لكل خيرٍ، ويُجنِّبنا كل سوءٍ، وأن يحفظ علينا ديننا، وأن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ: بارك الله فيك، جزاكم الله خيرًا.