logo
الرئيسية/محاضرات/إنما المؤمنون إخوة

إنما المؤمنون إخوة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد جاء في «صحيح مسلم» عن أبي هريرة أن النبي قَالَ: والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم [1].

ففي هذا الحديث أقسم النبي بأننا لا ندخل الجنة إلا بالإيمان؛ فإن الله تعالى حرم الجنة على غير المؤمنين، قال: ولا تؤمنوا حتى تحابوا.

والمراد بهذا عند أهل العلم: الإيمان الكامل؛ فالإيمان الكامل لا يكون إلا عندما تشيع المحبة ومعاني الأخوة بين المؤمنين، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم. فإفشاء السلام من أسباب تقوية المحبة والمودة بين المؤمنين.

عناية الشريعة بالأُخُوَّة بين المؤمنين

أيها الإخوة: وإذا نظرنا إلى النصوص الشرعية، وإلى القواعد والأصول، نجد العناية الكبيرة بتحقيق معاني الأخوة بين المؤمنين إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وتحقيق معاني المحبة والمودة والتكافل والتعاون بين المؤمنين، وقد رتبت الشريعة على ذلك، رتبت على من يسعى لتحقيقها الأجور العظيمة، حتى إنه مجرد تبسمك في وجه أخيك صدقة تؤجر وتُثاب عليها، وإلقاؤك السلام والتحية تؤجر وتُثاب عليه، وأن تلقى أخاك بوجه طلق تؤجر وتُثاب عليه.

وفي المقابل حذرت الشريعة الإسلامية من كل ما يتسبب في البغضاء والعداوة بين المؤمنين؛ حتى إنها حرَّمت البيع على بيع أخيه، والشراء على شراء أخيه، وحرَّمت بيع النَّجْش [2]، وحرَّمت بيع الغَرَر [3]؛ لأن بيع الغرر مَظِنَّةٌ لوقوع المخاصمات والمنازعات بين المؤمنين؛ مما يؤدي إلى إيقاع العداوة والبغضاء بين المؤمنين.

بل إن الشريعة الإسلامية أوجبت على الرجال أن يصلوا الصلوات الخمس جماعةً في المسجد، مع أن بإمكان الإنسان أن يصلي هذه الصلاة في بيته، وربما تكون صلاته في بيته أكثر خشوعًا من صلاته في المسجد، فلماذا؟ لماذا أوجبت الشريعة على الرجال أن يصلوا جماعةً في المسجد؟ لأجل تحقيق هذه المعاني، معاني الأخوة والمحبة والمودة بين المؤمنين، وهذه الأخوة الإيمانية أخوةٌ عظيمةٌ، ربما عند تحققها على وجه الكمال تفوق أخوَّة النسب، جاء في «صحيح البخاري»: أن النبي آخى بين عبدالرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فجاء سعد إلى عبدالرحمن وقال: يا عبدالرحمن، إني أكثر الأنصار مالًا، وسأقسم مالي بيني وبينك نصفين، وعندي زوجتان، انظر إلى أيتهما تريد أطلقها حتى تعتد، ثم تتزوج بها، فقال عبدالرحمن: بارك الله لك في مالك وأهلك، ولكن دلوني على السوق، فدلوه على السوق، فأخذ أقط وسمن وباعه، ثم باعه شيئًا فشيئًا حتى ربح فأصبح من أكبر تجار الصحابة” [4].

فانظروا أيها الإخوة إلى هذه القصة العظيمة البليغة، رجلٌ يريد أن يَقسِم نصف ثروته -ليس مجاملة، يقولها وهو صادق- بينه وبين أخيه، لماذا؟ لأنه أخوه في الله تعالى، ونحن نرى في واقعنا من يقاطع أخاه الشقيق ورحمه لأجل لُعَاعَةٍ من الدنيا، فينبغي أيها الإخوة أن نحرص على تعميق معاني الأخوَّة والمحبة والمودة بين المؤمنين، ويقول النبي : تفتح أبواب الجنة في كل يوم اثنين وخميس، فيغفر لكل من لا يشرك بالله شيئًا، إلا من كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا [5].

فوائد الأخوَّة الصادقة

ما أجمل أن تنام وتأوي إلى فراشك وليس بينك وبينَ أحدٍ من المسلمين هُجران ولا قطيعة! وليس بينك وبين أحدٍ منهم شحناء ولا بغضاء!، المحبة في الله ​​​​​​​ والأخوَّة الصادقة من أسباب نيل حلاوة الإيمان، يقول النبي : ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان.. [6]. وذكر منها: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله تعالى.

بل إنها من أسباب نيل محبة الله ​​​​​​​ للعبد؛ فذلك الرجل الذي زار أخًا له في قرية، وأرسل الله تعالى في طريقه ملكًا وسأله: هل لك من نعمةٍ تربُّها عليه؟ -هل بينك وبينه مصالح دنيوية؟ – قال: لا، غير أني أحببته في الله، قال: فإني رسولٌ من الله إليك أن الله يحبك كما أحببته [7].

فدلَّ هذا على أن المحبة في الله ​​​​​​​ وتحقيق معاني الأخوَّة الإيمانية أنها من أسباب نيل محبة الله ، وإذا نظرنا -أيها الإخوة- إلى واقعنا نجد العجب العُجاب! نجدُ السِّبَاب والشتم، وأخلاقًا هي ليست من أخلاق المؤمنين، فينبغي أن نحرص على ترسيخ أخلاق المؤمنين فيما بيننا، وأن نحقق ما أرشدنا إليه ربنا سبحانه في قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى من الأقوال والأعمال، ويستعملنا جميعًا في طاعته.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 54.
^2 النجش: مدح السلعة والزيادة في ثمنها، لا بقصد شرائها بل ليغر غيره. ينظر مشارق الأنوار للقاضي عياض: 2/ 5 (ن ج ش).
^3 الغرر: هو الجهل بالمبيع أو ثمنه أو سلامته أو أجله. ينظر المصدر السابق: 2/ 131 (غ ر ر).
^4 رواه البخاري: 3937.
^5 رواه مسلم: 2565.
^6 رواه البخاري: 16، ومسلم: 43.
^7 رواه مسلم: 2567.
zh