logo
الرئيسية/محاضرات/مسائل من أحكام العمرة

مسائل من أحكام العمرة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

حياكم الله تعالى في هذه المحاضرة عن أبرز المسائل والأحكام المتعلقة بالعمرة، وكذلك نوازل العمرة، خاصةً فيما يتعلق بجائحة (كورونا).

وفي البداية أشكر الإخوة في التوجيه والإرشاد في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، على ترتيب هذه المحاضرة، وأسأل الله تعالى أن يبارك في الجهود.

تعريف العمرة

نبدأ أولًا بتعريف العمرة:

والعمرة أشهر من أن تُعرَّف، لكن جرت عادة الفقهاء أنهم يبدؤون الحديث بتعريفها.

  • العمرة لغةً: الزيارة.
  • وشرعًا: زيارة البيت الحرام على وجه مخصوص.

وتسمى: الحج الأصغر، وهذا قد جاء في حديث عمرو بن حزم، وأن العمرة الحج الأصغر [1].

والعمرة عمل صالح من الأعمال العظيمة التي ورد في فضلها نصوص، ومنها ما جاء في «الصحيحين» عن أبي هريرة  أن النبي  قال: العُمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحَجُّ المبرور ليس له جزاء إلَّا الجنَّة [2]. فتأملوا هذا الحديث العظيم: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما يعني: أن العمرة إلى العمرة تُكفِّر الذنوب، فإذا اعتمرت مثلاً العام الماضي، ثم اعتمرت هذا العام، فهذه العمرة الجديدة تُكفِّر الذنوب ما بين العمرة السابقة إلى العمرة التي تقوم بها الآن، وهذا فضل عظيم، العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، فهذا يدل على فضل العمرة، وعلى أنها من الأعمال الصالحة العظيمة التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم.

هل العمرة واجبة أو مستحبة؟

هذا محل خلاف بين أهل العلم:

  • فذهب بعض أهل العلم إلى أنها واجبة، وهذا هو المذهب عند الشافعية والحنابلة.
  • وقال بعضهم: إنها مستحبة وليست واجبة، وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية.

والقول الراجح: أن العمرة واجبة، وذلك لأن هذا هو ظاهر الأدلة، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، أنها سألت النبي فقالت: يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ قال: نعم، عليهنَّ جهاد لا قتال فيه؛ الحجُّ والعمرة [3]، رواه أحمد بسند صحيح، فقوله عليه الصلاة والسلام: عليهن. هذا فيه إشارة للوجوب؛ لأن هذا اللفظ إنما يقال عن الأمور الواجبة.

وجاء في حديث أبي رَزِينٍ العُقَيلي  أنه سأل النبي فقال: إن أباه لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظَّعْن -يعني الركوب على الراحلة- فقال له النبي : حُجَّ عن أبيك واعْتَمِر [4]، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد.

فقوله: واعتمر. هذا أمر من النبي بالعمرة، والأصل في الأمر: أنه يقتضي الوجوب.

وقد بوَّب على هذا البخاري في «صحيحه» فقال: “باب وجوب العمرة وفضلها”، قال ابن عمر رضي الله عنهما: ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها -يعني الفريضة- لقرينتها في كتاب الله، قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196]. يريد ابن عباس رضي الله عنهما: أن العمرة تُذكر مع الحج في النصوص: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، ما يذكر الحج إلا ويذكر معه العمرة، فالعمرة مقارنة للحج، كما أن الزكاة قرينة الصلاة.

فالقول الراجح إذَنْ: أن العمرة واجبة، لكنها واجبة مرة واحدة في العمر، كالحج واجب مرة واحدة في العمر، وإن كان وجوب العمرة أدنى من وجوب الحج.

عدد العمرات التي اعتمرها النبي

النبي قبل الهجرة اعتمر وحج عدة مرات، لكن بعد الهجرة المحفوظ: أنه عليه الصلاة والسلام حج حجة واحدة، وهي: حجة الوداع، واعتمر أربع عُمَر، كلهن في شهر ذي القعدة، وهذه العمر الأربع هي عمرة:

  • أول عمرة التي في السنة السادسة من الهجرة، لما صُدَّ هو وأصحابه عن البيت في الحديبية.
  • والعمرة الثانية: عمرة القَضِيَّة في السنة السابعة من الهجرة.
  • والعمرة الثالثة: عمرة الجِعِرَّانة في السنة الثامنة من الهجرة.
  • والعمرة الرابعة: هي العمرة التي كانت مع حجة الوداع.

فاعتمر عليه الصلاة والسلام أربع عُمَر.

ابن عمر رضي الله عنهما قال: اعتمر النبي أربع عُمَرٍ إحداهن في رجب، ولكن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها استدركت على ابن عمر رضي الله عنهما فقالت: “يرحم الله أبا عبدالرحمن ما اعتمر رسول الله إلا وهو معه، وما اعتمر في رجب قط”.

فالأقرب والله أعلم: أن جميع عُمَرِ النبي عليه الصلاة والسلام وقعت كلها في شهر ذي القعدة. وشهر ذي القعدة هو أحد أشهر الحج، وهو أحد الأشهر الحرم.

ما أفضل وقت للعمرة؟

ومن هنا اختلف العلماء أيهما أفضل؛ العمرة في رمضان، أو العمرة في أشهر الحج؟

قولان لأهل العلم:

  • القائلون بأن العمرة في رمضان أفضل، استدلوا بقول النبي : عمرة في رمضان تعدل حجة -أو قال- حجة معي. وهذا الحديث في «الصحيحين» [5].
  • وأما القائلون بأن العمرة في أشهر الحج أفضل، قالوا: إن جميع عُمَرِ النبي إنما وقعت في شهر ذي القعدة، وهو من أشهر الحج، ولو كانت العمرة في رمضان أفضل لاعتمر النبي  في رمضان.

والقول الراجح: أن العمرة في رمضان أفضل من العمرة في أشهر الحج، وذلك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: عمرة في رمضان تعدل حجة [6]. وهذا من قول النبي ، ومن المقرر عند الأصوليين: أن دلالة القول مقدمة على دلالة الفعل؛ لأن دلالة القول أقوى وأصرح من دلالة الفعل؛ فدلالة الفعل يَرِدُ عليها عدة احتمالات؛ فمثلاً: اعتمار النبي في أشهر الحج، بعض أهل العلم يقول: إن الحكمة منه: هو أن يُبطل النبي اعتقادًا كان شائعًا في الجاهلية واستمر في أول الإسلام، وهو أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يُبطل هذا المعتقد واعتمر في شهر ذي القعدة، ويَرِدُ على ذلك أيضًا احتمالات أخرى.

وعلى ذلك؛ فالقول الراجح: هو أن العمرة في رمضان أفضل من العمرة في أشهر الحج.

صفة العمرة

ننتقل بعد ذلك للكلام عن صفة العمرة:

من أراد العمرة فالسُّنَّة له أولًا: أن يغتسل وأن يتنظف، فإن كان في الميقات فإنه يغتسل في دورات مياه الميقات، وإن كان في الطائرة فإنه يغتسل ويتنظف في بيته، ويلبس ملابس الإحرام، لكنه لا ينوي الإهلال بالعمرة إلا عند محاذاة الميقات وهو في الطائرة.

والأفضل أن يكون إحرامه بالعمرة -وكذا الحج- عقب صلاة:

فإن كان وقت صلاة الفريضة قريبًا انتظر حتى يصلي الفريضة ثم يُهِلُّ بالنسك؛ لأن هذا هو فعل النبي في حجة الوداع، فإنه عليه الصلاة والسلام إنما أهل بالعمرة والحج بعد صلاة الظهر [7].

أما إذا كان وقت الفريضة بعيدًا، فالأفضل أن يأتي بصلاة مشروعة، ثم يحرم بعدها.

إذا كان مثلًا في وقت الضحى يأتي بركعتي الضحى ثم يحرم بعدها، إذا كان في الليل يأتي بصلاة الوتر ثم يحرم بعدها، أو يتوضأ ويأتي بسنة الوضوء ويحرم بعدها، فيأتي بصلاة مشروعة ثم يحرم بعدها.

وإلا ليس للإحرام ركعتان تخصه، كما حقق ذلك جمع من أهل العلم؛ وإنما السنة وردت بأن يكون الإحرام عقب صلاة.

عندما يريد أن يُهِلَّ بالنسك فالأفضل أن يأتي بالتسبيح، يقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، مستقبلَ القبلة، ثم يقول: “اللهم لبيك عمرة”.

هل الأفضل أن يشترط أو لا يشترط؟

النبي لم يشترط، ولم يأمر بالاشتراط أصحابَه، وقد حجَّ معه في حجة الوداع قرابة مئة ألف، وإنما أمر بالاشتراط امرأةً واحدة من أصحابه، وهي ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها، وكانت مريضة فاشتكت إلى النبي ، فقال لها: حُجِّي، واشترطي أنَّ مَحلِّي حيث حبستني [8]. فاشترطت.

ومن هنا اختلف العلماء في حكم الاشتراط:

  • منهم من ذهب إلى أنه مشروع مطلقًا.
  • ومنهم من ذهب إلى أنه لا يشرع مطلقًا.
  • ومنهم من فصَّل؛ فقال: إن كان المعتمر أو الحاج يخشى من عائق يعوقه، فالأفضل في حقه الاشتراط، وإن كان لا يخشى من عائق يعوقه فالأفضل في حقه عدم الاشتراط، ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: حسبكم سنة نبيكم . يعني: أنه لم يشترط؛ لأنه  لم يشترط.

الاشتراط في الظروف الحالية مع جائحة (كورونا)

أقول: الأفضل في حق كل معتمر: أن يشترط في الظروف الحاليَّة، وذلك؛ لأن المعتمر في الظروف الحالية لا يدري ما يَعرِض له؛ فربما يصاب بهذا الوباء، وربما يصاب به غيره ويمنع هو من إكمال العمرة لكونه مخالطًا، وربما يكون هناك إشكالية في التصريح وغير ذلك من الأسباب، ولهذا؛ فالأفضل في حقه أن يشترط، الأفضل في حق من يعتمر في الظروف الحالية رجلاً كان أو امرأة، صحيحًا كان أو مريضًا، الأفضل في حقه أن يشترط.

قبل الظروف الحالية كنا نقول: إن الأفضل في حق من لا يخشى من عائق يُعيقه عدم الاشتراط، لكن في الظروف الحالية، الذي أرى أنه يشرع الاشتراط لمن أراد أن يعتمر في حق الجميع، على أن المريض ينبغي له ألا يعتمر، لكن أقول: الاشتراط يشرع في حق الجميع، رجلًا كان أو امرأة، صغيرًا كان أو كبيرًا؛ لأنه في الظروف الحالية لا يدري الإنسان ما يعرض له، وهذا الوباء لا زال قائمًا، لا زال حاضرًا، والموجة الثانية من هذا الوباء قد بدأت في كثير من دول العالم، ولذلك فالأفضل في حق من أراد أن يعتمر في هذه الأيام مع الظروف الحالية لجائحة كورونا الأفضل في حقه أن يشترط.

عندما يريد الإهلال بالعمرة يقول: اللهم لبيك عمرة، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. ماذا يستفيد من الاشتراط؟

يستفيد من الاشتراط: أنه إذا عرض له عارض أو عائق يعيقه عن إكمال العمرة فإنه يتحلل ولا شيء عليه، بينما إذا كان لم يشترط فإذا حصل له عائق يعيقه ليس له التحلل؛ وإنما يكون حكمه حكم المحصر، فإن كان لو انتظر لأكمل العمرة وجب عليه الانتظار، وإن كان لا يمكنه الانتظار يكون حكمه حكم المُحْصَر، ويلزمه أن يذبح هديًا وأن يحلق رأسه.

ينبغي لمن أراد أن يعتمر في الظروف الحالية أن يلتزم بالإجراءات الوقائية التي توصي بها الجهات المختصة؛ فإن الالتزام بهذه الإجراءات فيه مصلحة للإنسان، وفيه مصلحة للجميع، وهذا يقودنا للحديث عن حكم بعض هذه الإجراءات وأثرها على العمرة، من ذلك استخدام المعقم.

ما حكم استخدام المعقم للمحرم؟

إذا كان هذا المعقم ليس معطَّرًا، فلا بأس باستخدامه للمحرم، أما إذا كان معطَّراً فيجتنبه المحرم، يستخدم غيره من المعقمات غير المعطرة.

كيف يعرف أن هذا المعقم أنه معطَّر أو ليس معطَّرا؟

يقرأ المكونات أو المحتويات، إذا كان معطرًا سيُكتب من ضمن المحتويات: عطر. وهكذا يقال بالنسبة للصَّوَابِينِ والشامبو ونحوها، فإذا كانت تشتمل على عطر فليس للمحرم أن يستخدمها وقت الإحرام، فتجد بعض الصوابين، خاصة الصوابين السائلة، عندما تقرأ المكونات تجد من ضمن المكونات عطر، فإذا كان فيها عطر فليس للمحرم أن يستخدمها، ويعدل عنها إلى الصوابين غير المعطرة.

ما حكم استخدام الكمامة للمحرم؟

إذا كان المحرم رجلًا فلا بأس باستخدامه للكمامة، وذلك؛ لأن المحرم الرجل يجوز له تغطية وجهه على القول الراجح، وهو قول الجمهور، وأما ما جاء في بعض الروايات: ولا تخمروا رأسه ولا وجهه [9]. فزيادة: “ولا وجهه” غير محفوظة، والمحفوظ هي الرواية التي اتفق عليها البخاري ومسلم، وهي: ولا تخمروا رأسه [10]. هذه هي الرواية المحفوظة، بل إن الإمام مسلم رحمه الله خرَّج الحديث بلفظ: ولا تخمروا رأسه ثم خرَّجه برواية: ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، والإمام مسلم في كثير من الأحيان يخرِّج الرواية الضعيفة بعد الصحيحة من باب التنبيه على ضعفها، مثل رواية: غيروا شعر هذا [11]. ثم خرَّجها بزيادة: وجنبوه السواد [12]. “وجنبوه السواد” غير محفوظة، فعلى هذا نقول: إن زيادة “ولا وجهه”، شاذة أو غير محفوظة فلا تثبت، ويبقى تغطية الوجه بالنسبة للمحرم على الأصل، وهو الإباحة، فعلى هذا نقول لا بأس باستخدام المحرم للكمامة.

أما بالنسبة للمحرمة فلا بأس أيضًا باستخدامها للكمامة، إذا كانت تغطي بها الفم والأنف فقط، وليس لها أن تستخدم الكمامة التي تغطي بها جميع الوجه ما عدا العينين؛ لأن الكمامة التي تغطي بها جميع الوجه ما عدا العينين تشبه النقاب، والمحرمة ممنوعة من لبس النقاب. بعض الأخوات تأخذ الكمامة وتضعها على وجهها لكي تستغني بها عن تغطية الوجه وكأنها نقاب، ما الفرق بينها وبين النقاب؟

النقاب: هو أن تغطي المرأة وجهها وتبدي عينيها.

فإذا وضعت الكمامة على صفة تشبه النقاب غطت جميع الوجه ما عدا العينين، فما الفرق بينه وبين النقاب؟

لا فرق بينه وبين النقاب، ولهذا؛ نقول للأخوات: عندما تستخدمن الكمام فاجعلنه على الفم والأنف فقط.

لكن المرأة إذا احتاجت إلى لبس النقاب لضعف بصرها مثلًا وتريد أن ترى الطريق فيجوز لها ذلك، وعليها الفدية، والفدية: هي ذبح شاة في الحرم، أو صيام ثلاثة أيام في أي مكان، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، وأيسرها الإطعام، تشتري ست وجبات أرز مع لحم من مطعم من مطاعم مكة وتوزعه على ستة من فقراء الحرم.

المحرم عندما يأتي إلى مكة -كما ذكرنا- عليه أن يلتزم بالإجراءات الوقائية والتعليمات.

إذا أتى للحرم طاف بالبيت سبعة أشواط مبتدئًا من الحجر الأسود، وفي الظروف الحالية لا يُسمح بتقبيل الحجر؛ خشية انتقال العدوى، فيكتفي المحرم بالإشارة إلى الحجر، هكذا: الله أكبر، والإشارة تكون بيده اليمنى فقط، وليس باليدين جميعًا، بعض الناس إذا أتى عند الحجر الأسود قام يشير بيديه هكذا، هذا خلاف السنة، السنة باليد اليمنى، هكذا: الله أكبر، من غير زيادة: بسم الله، إنما يقول: الله أكبر، مرة واحدة.

ثم بعد ذلك -أثناء الطواف- يختار من الدعاء ما أعجبه من خيري الدنيا والآخرة، ولم يثبت في ذلك دعاء معين عن النبي .

وأما الكتيبات التي فيها دعاء الشوط الأول، ودعاء الشوط الثاني، هذه كلها لا أصل لها، إنما يختار المسلم ما أعجبه من الأدعية.

كان عبدالرحمن بن عوف طيلة الأشواط السبعة يدعو بدعوة واحدة، كان يقول: ربِّ قِني شُحَّ نفسي، ربِّ قِني شُحَّ نفسي. فسُئل، قال: إن الله يقول: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9]، هذه دعوة عظيمة.

وكلما حاذى الحجر كبَّر، لكن الذي ورد هو ما بين الركن اليماني والحجر الأسود، يعني: قبل أن ينتهي الشوط يقول: ربِّ آتني في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقني عذاب النار. ويكرر هذا الدعاء حتى يصل إلى الحجر الأسود.

إذَنْ يكبر كلما حاذى الحجر الأسود.

هل التكبير عند نهاية كل شوط، أو التكبير لأجل محاذاة الحجر؟

إن قلنا: إن التكبير عند نهاية كل شوط فمعنى ذلك: أن التكبيرات تكون سبعًا، وإذا قلنا: إن التكبير لأجل محاذاة الحجر فتكون التكبيرات ثمانية؛ لأنه سيكبر عند نهاية الشوط السابع.

والقول الراجح: أن التكبير إنما هو لأجل محاذاة الحجر؛ لأنه قد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: كلما حاذى الحجر كبَّر [13]، وعلى ذلك فتكون التكبيرات ثماني تكبيرات.

ثم بعد ذلك يسن له: أن يصلي ركعتي الطواف، والأفضل: أن يكون خلف مقام إبراهيم إن تيسر، وإلا ففي أي مكان في الحرم.

والسنة تخفيفهما، وأن يقرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتي الكافرون والإخلاص.

ثم يذهب إلى المسعى، إذا دنا من الصفا -دنا قبل أن يصل- فالسنة أن يقرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة: 158]، ولا يكمل الآية؛ لأنها وردت هكذا، يقرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ، أبدأُ بما بدأ الله به. ثم إذا أتى جبل الصفا صعد عليه واستقبل القبلة، وحمد الله ثلاثًا، وكبَّر ثلاثًا، يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم يدعو، ثم يكرر الذكر، ثم يدعو، ثم يأتي بالذكر.

معنى ذلك: أنه يأتي بهذا الذكر: التحميد والتكبير، وقول لا إله إلا الله ثلاث مرات، والدعاء بينها، يعني أن الدعاء مرتين، فيأتي بالذكر ثلاث مرات، والدعاء مرتين، ثم بعد ذلك ينزل من الصفا حتى إذا وصل ما بين العلمين الأخضرين، وكان وَقْتَ النبي عليه الصلاة والسلام بطن وادٍ، لكنه دُفن، فوُضع عليه هذان العلمان الأخضران.

العجيب أن هذين العلمين من مئات السنين، ذكرهما الموفق ابن قدامة، ذكر العلم الأخضر ابن قدامة المتوفى سنة 620 للهجرة.

إذا أتى ما بين العلمين الأخضرين فإنه يُسرِع إذا كان رجلاً، وأما المرأة فإنها تمشي من غير إسراع، حتى يصل إلى المروة وهو في ذلك أيضًا يدعو، يتخير من الدعاء ما أعجبه، كما قلنا في الطواف من غير تخصيص لكل شوط بدعاء معين، فإذا وصل إلى المروة فعل كما فعل على الصفا؛ حمد الله ثلاثًا، وكبَّر ثلاثًا، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ودعا بين ذلك.

ثم بعد ذلك: يسعى من المروة إلى الصفا حتى يكمل سبعة أشواط، فإذا أكمل سبعة أشواط، فإنه بعد ذلك -إذا كان رجلًا- يحلق أو يقصر، والحلق أفضل من التقصير.

والحلق معناه: الحلق بالموس الذي يستأصل جميع الشعر.

وإذا قصر فلا بد من أن يكون التقصير شاملًا لجميع شعر الرأس.

وأما ما يفعله بعض الناس من أنه يقصر من الجانب الأيمن شعرتين، ومن الجانب الأيسر شعرتين، ومن الخلف شعرتين، فعند كثير من أهل العلم أن هذا لا يجزئ.

وأما بالنسبة للمرأة فإنها تجمع شعرها على شكل ضفائر، وتأخذ من آخر كل ظفيرة قدر أنملة، يعني قدر رأس الأصبع، تقصر بقدر رأس الأصبع.

وبهذا يكون قد انتهى من عمرته.

هذه هي العمرة.

حكم صلاة المحرم بالإزار دون الرداء

من المسائل التي ننبه عليها هنا: أن بعض الناس وهو محرم إذا أراد أن يصلي يلقي رداءه، ويصلي بالإزار فقط، وهذا خلاف السنة؛ فإن النبي  يقول: لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء [14].

صحيحٌ أن الاضطباع في طواف العمرة سنَّةٌ.

ومعنى الاضطباع: أن يكشف كتفه اليمنى، لكنه إذا فرغ من الطواف، فالسنة له أن يغطي كتفيه ويصلي؛ لأنه إذا صلى وقد كشف عاتقيه فيدخل في النهي الوارد في الحديث، وتغطية العاتق في الصلاة عند بعض أهل العلم واجبة -كما هو المشهور من مذهب الحنابلة- وإن كان الجمهور على أنها مستحبة.

والأظهر: أنها واجبة؛ لأن النبي أمر بذلك، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب، ولهذا؛ أقول: ينبغي بعد الطواف إذا أردت أن تصلي، أو تأتي بركعتي الطواف أن تغطي عاتقيك؛ لأن النبي  قال: لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء [15].

وهذه هي أبرز المسائل والأحكام المتعلقة بالعمرة.

ونسأل الله ​​​​​​​ أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه ابن حبان: 6559، والدارقطني: 2723، والحاكم: 1/ 395.
^2 البخاري: 1773، ومسلم: 1349.
^3 أحمد: 25322، وأصله عند البخاري: 2875.
^4 أبو داود: 1810، والترمذي: 930، والنسائي: 2620، وابن ماجه: 2906، وأحمد: 16184.
^5 البخاري: 1782، ومسلم: 1256.
^6, ^15 سبق تخريجه.
^7 رواه مسلم: 1218.
^8 رواه البخاري: 5089، ومسلم: 1207.
^9 رواه مسلم: 1206.
^10 البخاري: 1265، ومسلم: 1206.
^11 رواه مسلم: 2102.
^12 رواه مسلم: 2102.
^13 رواه البخاري: 5293.
^14 رواه البخاري: 359، ومسلم: 516.
zh