logo
الرئيسية/محاضرات/أثر جائحة كورونا على أحكام الصلاة

أثر جائحة كورونا على أحكام الصلاة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فحياكم الله تعالى جميعًا في هذه المحاضرة والتي ترتبها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في هذه الدورة، ونشكر الإخوة المسؤولين في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وعلى رأسهم معالي الرئيس العام، وكذلك الإخوة في التوجيه والإرشاد، وكل من سعى ورتَّب هذه الدورة، ونسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يُبارك فيها.

مقدمة عن وباء كورونا

أيها الإخوة: موضوع هذه المحاضرة عن “أثر جائحة كورونا على أحكام الصلاة” وقبل أن أبدأ في هذا الأثر من جهة الأحكام الفقهية، أُقدِّم بمقدِّمة عن هذا الوباء، هذا الوباء كورونا الذي حلَّ بالعالَم، وأمره عجيبٌ غريب، اكتسح جميع دول العالم، وحصل ما حصل مما رأيتم وسمعتم.

هذا الوباء الذي هو فيروس لا يُرَى بالعين المجردة، بل كما قيل: لو جُمع الفيروس في جميع أنحاء العالم لربما ما وصل مجموع حجمه إلى حبة الأرز، ومع ذلك أحدث هذا الرعب وهذا الأثر الكبير على الاقتصاد، وعلى النواحي الاجتماعية، وغير ذلك.

وهذا يدل على عظيم قدرة الله ؛ فهو سبحانه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كنْ فيكون، وهو المتصرِّف المدبِّر لهذا الكون وحده جَلَّ وَعَلَا.

وكذلك أيضًا يدل على ضعف الإنسان، وكما قال الله تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء:28] فيروس لا يُرَى بالعين المجرَّدة، ومع ذلك أربك العالم، وحصل ما حصل، سبحان الله! هذا يدل على ضعف الإنسان، وكما قال ربُّنا سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73].

أيها الإخوة: هذا الوباء الذي حصل يدل على سرعة تغيُّر الدنيا، وعلى أنها لا تثبت على حال، فقولوا لي بربكم: آخر شهر جمادى الآخرة أو قل: غرَّة رجب مثلًا، مَن كان يخطر بباله أن تحصل هذه الأحداث المتسارعة؟ لو أن أحدًا منا في شهر جمادى الآخرة أتاه إنسان، وقال: إنه سيحصل في العالَم وباء، وأن هذا الوباء ستُغلَق بسببه المساجد، وسيصلِّي الناس الجمعة ظهرًا، وسيُصلُّون الجماعة في بيوتهم، وستُعلَّق العمرة بسببه، وسيكون عدد الحُجَّاج هذا العام ألف إلى عشرة آلاف، وسيُحجَر الناس في بيوتهم، ويذكروا ويسردوا له الأحداث التي حصلت، هل سيُصدِّق أحدٌ لو قيل له: إن هذا سيحصل في الأربعة أشهر القادمة؟ ولا حتى في الخيال.

وهذا يدل -أيها الإخوة- على سرعة تقلُّب الدنيا وتغيُّرها، فهي لا تثبت على حال، أسرع ما تتغير أحوالها، وأسرع ما تتقلَّب؛ ولذلك فالسعيد من لازم أصلًا ينفعه في جميع الأحوال؛ وهو تقوى الله ​​​​​​​، ينفعه في حال السرَّاء، وفي حال الضرِّاء، وفي حال اليُسر، وفي حال العسر، وفي حال المرض، وفي حال الفقر، وفي حال الغِنى، وفي حال الصحَّة، فلازم تقوى الله فلا ترى إلا الخير في الدنيا والآخرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

عندما نلقي نظرةً تاريخيَّة على الأوبئة نجد أن الأوبئة المعدية والطواعين تأتي من قديم الزمان، ولكن وباء يعُم الأرض بهذه الطريقة وبهذه الكيفية، وتُغلَق بسببه المساجد، وتُعلَّق العمرة، ويُقلَّص أعداد الحُجَّاج إلى هذا القدر، ويُحجَر الناس في بيوتهم، هذا لا نعلم له نظيرًا في التاريخ.

وأقرب وباءٍ حصل وكان وباءً توفي بسببه آلاف البشر، هو ما حصل عام ألف وثلاثمائة وسبعة وثلاثين للهجرة (1918م)، وكان الناس يُسمونها هنا في المملكة بسنة الرحمة، وسمَّوها بذلك تفاؤلًا بنزول رحمة الله، وقيل: لكثرة من يُقال: مات فلان رحمه الله، فكانت تُسمى سنة الرحمة، وكان الوباء في تلك السنة على الأرجح هو الأنفلونزا الإسبانية، وكان هذا الوباء يأتي للبلد فيموت نصف عدد السكان، بل بعض البلدان مات ثلاثة أرباع السكَّان، ويأتي للبيت ويموت جميع ما في البيت، وذُكر في هذا قصص عجيبة وغريبة.

ومن القصص اللطيفة التي ذكرها بعض المؤرخين: أن بيتًا كان فيه اثنا عشر نفسًا ما بين أرامل ونساء وأطفال وصبيان، وكان يقوم عليهم ربُّ البيت، فأتاهم هذا الوباء فانتشر بينهم فماتوا جميعًا، كل واحد تلو الآخر، ما عدا رب البيت، سبحان الله! سلِم، وكان يقول: أنا مثلهم مريض، لكن ليس عندي وقتٌ للمرض ولا للنوم؛ لأنه كان يقوم على شؤونهم، ولعل الله تعالى نجَّاه بسبب إحسانه إلى هؤلاء الضعفاء، والقصص في هذا كثيرة.

وهناك بعض المؤرخين الذين كتبوا عن سنة الرحمة، وما حصل فيها من أحداث، فهي أقرب حدث مشابه لما نعيشه هذه الأيام.

أثر جائحة كورونا على أحكام الصلاة

الذي يهمُّنا في هذه المحاضرة: ما يتعلق بأثر هذه الجائحة وهذا الوباء على أحكام الصلاة؛ لما انتشر هذا الوباء صدرت الفتوى من كبار العلماء بأنه يجوز إغلاق المساجد، وصدر في هذا قرارٌ عندنا هنا في المملكة من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية؛ بأنه يسوغ إغلاق المساجد، وأن الجمعة والجماعة تُصليان في البيوت.

حكم صلاة الجمعة في البيوت

فتأتينا مسألة الجُمعة في البيوت:

الجُمعة لا تُقام في البيوت، وإنما تُصلَّى ظهرًا، هناك قول لبعض المعاصرين، لكنه قولٌ ضعيف أن الجمعة تُقام في البيوت، لكن هذا القول قولٌ ضعيف، ويُخالف مقصود الشارع من إقامة الجمعة، وإذا كان الفقهاء اختلفوا في حكم تعدُّد الجوامع في البلد الواحد، فكيف بتعدُّد الجوامع في الحي الواحد بعدد البيوت؟!

يعني: لو كان مثلًا في الحي خمسون بيت تُقام خمسون جمعة، لو كان في الحي مائة بيت تُقام مائة جمعة، مثلًا مدينة كبيرة مثل مدينة الرياض عدد سكَّانها يزيد على ستة ملايين، معنى ذلك أن الجمعة لو قيل: بتعدُّدها ستُقام آلاف الجُمَع في بلدٍ واحد، وهذا يُنافي مقصود الشارع من إقامة الجمعة.

ثم إن الأصل في العبادات التوقيف، ولم يرِد مثل هذا.

ولذلك بعض العلماء المعاصرين رأى أن إقامة الجمعة في البيوت بدعة، وهذا القول ليس ببعيد؛ لأن الشارع جعل بديلًا عند تعذر الجمعة وهو صلاتها ظهرًا أربع ركعات، المريض الذي لا يستطيع أن يُصلي الجمعة، أو يشُق عليه يُصليها ظهرًا أربع ركعات، النساء في البيوت يُصلين الجمعة ظهرًا أربع ركعات؛ فنخلُص من هذا إذن إلى أن الجمعة لا يُشرَع إقامتها في البيوت.

وأما بالنسبة لصلاة الجماعة في المسجد:

فيسقط وجوبها لأجل هذه الجائحة، ويبقى صلاة الناس في بيوتهم، إن تيسَّر أن الإنسان يُصليها جماعةً مع أهل بيته، فحسن، لكن الجماعة أيضًا لا تجب في مثل هذه الظروف، لو صلَّاها وحده لم يكن آثمًا.

كيف يؤذن المؤذن؟

أيضًا من الأحكام المتعلقة بالصلاة: أنه لما أُغلقت المساجد كان المؤذنون يؤذِّنون، لكن هل يؤذِّن المؤذِّن الأذان المعتاد؟

نقول: إنّ أقرب توصيف فقهي لهذه المسألة هي أن المؤذن يفعل كما يُنادي عندما ينزل المطر الغزير، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يأمر المؤذن عند نزول المطر في الليلة الباردة والمطيرة أن يقول: “صلُّوا في رحالكم” [1].

وعلى هذا فالمؤذن يقول: “صلُّوا في بيوتكم”؛ ولا يقول: “صلُّوا في رحالكم”؛ لأن الناس الآن ما تعرف معنى الرِّحال، وينبغي مخاطبة الناس بما يعرفون، والله تعالى يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4] فالرحال كانت معروفة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم أيضًا الرحال كان هذا في السفر، وكان لكل رجل رحله، لكن في وقتنا الحاضر المشروع أن يقول المؤذن: “صلُّوا في بيوتكم”.

أين موضع قول: “صلُّوا في بيوتكم” من الأذان؟

فيه أقوال لأهل العلم:

  • هناك من قال: إنه يُقال: بعد أشهد أن محمدًا رسول الله، بدلًا من حي على الصلاة، حي على الفلاح.
  • والقول الثاني: أنه يُقال بعد حي على الفلاح.
  • والقول الثالث: أنه يُقال بعد الفراغ من الأذان.

وهذه مسألة اجتهادية، وكل قولٍ له وجهته، ولكن الأقرب -والله أعلم- أنه يُقال بعد قول المؤذِّن: أشهد أن محمدًا رسول الله، بدلًا من حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ وذلك لأن هذا هو المأثور، وهو الذي قد ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما كما جاء في صحيح البخاري وغيره أنه أمر المؤذِّن أن يقول: “صلُّوا في رحالكم” بعد قول المؤذِّن: أشهد أن محمدًا رسول الله [2]، فهذا هو القول الأقرب.

ثم أيضًا من جهة النظر والمعنى: أن المؤذن عندما يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، يُنادي المستمعين له؛ يعني: هلُّموا وأقبلوا إلى الصلاة في المسجد، والمساجد الآن مغلقة، كيف يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ فعلى ذلك يقول بدلًا منها: “صلُّوا في بيوتكم” فالقول الراجح إذن: أن المؤذن يقول: “صلُّوا في بيوتكم” بعد أشهد أن محمدًا رسول الله.

وبالنسبة لصلاة الفجر: بعدما يقول: “صلُّوا في بيوتكم”، يقول مرتين: “الصلاة خيرٌ من النوم”، ويُكمل الأذان.

حكم الاقتداء بإمام الحرم لمن كان بعيدًا

أيضًا من المسائل المتعلقة بأثر جائحة كورونا على أحكام الصلاة: مسألة طُرِحت في الفترة الماضية، وطُرحت من بعض العامة، ومن بعض طلبة العلم أيضًا، وهي الاقتداء بإمام الحرَم في الصلوات الخمس.

فهناك من طرح طرحًا بأنه يجوز الاقتداء، ونظَّر ذلك على كلامٍ لبعض الفقهاء المتقدِّمين، ولكن هذا محل نظر، وكلام الفقهاء المتقدمين لا ينطبق على مسألتنا بحال، ولو قيل بجواز ذلك لقيل للناس في جميع أنحاء الكرة الأرضية: صلُّوا مع إمام الحرَم، خاصةً الآن في قناة القرآن الكريم تنقل جميع الصلوات، صلُّوا مع إمام الحرَم، وبذلك مليار ونصف كلهم يقتدون بإمام الحرم، ويُصلُّون معه، مثل هذا لا تأتي به الشريعة، ثم أين أنت من الحرم وبينك وبينه آلاف الكيلومترات، وعلى هذا نقول: إنه لا يُشرع الاقتداء بإمام الحرَم لمن كان بعيدًا، ولو كانت صلاة الحرم منقولةً عبر البث المباشر.

من الذي إذن يقتدي بإمام الحرَم؟

الذي يقتدي بإمام الحرم من كان قريبًا من الحرم؛ كمن يُصلُّون في الساحات المحيطة بالحرَم، أو في مصليات الفنادق المطلَّة بالحرم، ما داموا يرون بعض المأمومين، فهؤلاء هم الذين يقتدون بإمام الحرم، وأما من كان بعيدًا عن الحرم بآلاف الكيلومترات، فلا يسوغ له أن يقتدي بإمام الحرم، بل الصلاة في هذه الحال باطلة، ولا تصح، والمسلم ينبغي ألا يُعرِّض صلاته للبطلان، حتى وإن قال بهذا من قال من بعض طلبة العلم، لكن أكثر العلماء المعاصرين على بطلان صلاته.

وأيضًا أقول -أيها الإخوة-: ينبغي أن يكون لدى المسلم الورع، يعني: إذا كنت ستُصلي صلاةً أكثر العلماء يقول: إنها باطلة لا تصح، كيف تُقدِم عليها؟ ولماذا لا تصلي صلاةً جميع العلماء يقولون: إنها صحيحة، فإذن هذا الاقتداء بالحرم عن طريق البث المباشر عبر التلفاز وغيره أقول: إنه لا يصح.

حكم صلاة التراويح والتهجُّد

أيضًا من المسائل: صلاة التراويح والتهجُّد في رمضان:

هذه المسألة عرضت في رمضان الماضي، وتكاد تتفق كلمة جميع العلماء على أنها تُصلى في البيوت جماعةً وفُرادى، بل إن صلاة التراويح في البيوت هي الأصل، فإن النبي صلَّاها بالصحابة بعض الليالي، ثم تركها خوفًا من أن تُفرَض على أمته، ثم كان الناس يُصلُّونها في البيوت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك أيضًا في عهد أبي بكر الصديق ، وكذلك أيضًا في أول خلافة عمر بن الخطاب .

ثم خرج عمر  يومًا إلى المسجد، فوجد الناس يُصلُّون أوزاعًا، فجمعهم على إمامٍ واحد، جمعهم على أُبي بن كعب وعلى تميم الداري رضي الله عنهما، فأصبح الناس منذ ذلك الحين يُصلونها جماعةً، ولكن كان عمر يُصليها في البيت، وكان كثير من كبار الصحابة يُصلونها في البيوت، فهذا يدل على أن الأصل أنها تُصلى في البيوت لمن يجد من نفسه القوة في ذلك، وأنه سينشَط في العبادة في صلاتها في البيت أكثر، فلا بأس بهذا.

لكن صلاتها جماعةً، وفي الظروف المعتادة في المسجد فيها مزيَّة، لا توجد في صلاتها في البيوت؛ وهي: أن من قام مع الإمام حتَّى يَنصرف كُتِب له قيام ليلة، كما أخبر بذلك النبي : من قام مع الإمام حتَّى يَنصرف كُتِب له قيام ليلة [3] لكن إذا صليتها في البيت وحدك يفوتك هذا الفضل، فهذه هي المزية لصلاتها جماعةً: أنك إذا قمت مع الإمام حتى ينصرف -يعني حتى يُسلِّم من الركعة الأخيرة- يُكتب لك أجر قيام ليلة.

حكم إمامة الصبي والمرأة

أيضًا من الأحكام: إمامة الصبي:

لما كان كثيرٌ من الناس يُصلون في بيوتهم عرضت هذه المسألة، يكون أهل البيت معهم صبي عمره مثلًا عشر سنين، ويُريدون أن يؤمهم، يؤم أهل البيت، فهل تصح إمامة الصبي؟

هذه المسألة محلُّ خلافٍ بين الفقهاء:

  • والمشهور من مذهب الحنابلة: أنها لا تصح.
  • والقول الثاني: أنها تصح، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو القول الراجح.

ويدل لذلك: قصة عمرو بن سلمة  لما أتى مع قومه إلى النبي ، وقال له النبي عليه الصلاة والسلام: يؤمُّكم أكثركم قُرآنًا [4]، فلما رجعوا أرادوا تطبيق توجيه النبي عليه الصلاة والسلام، فوجدوا أن أكثرهم قرآنًا عمرو بن سلمة  فقدَّموه، فصلَّى بهم، وعمره سبع أو ثمان سنين، وأقرَّهم النبي على ذلك، فدلَّ هذا على صحَّة إمامة الصبي.

ثم إن القاعدة: “أن من صحَّت صلاته صحَّت إمامته” إلا في حالاتٍ خاصة، ومن هذه الحالات الخاصة: إمامة المرأة، المرأة تصح صلاتها، لكن لا تصح إمامتها للرجال، وتصح إمامتها للنساء، فالمرأة لا تصح إمامتها للرجال، ولو كانوا محارِم لها، وهذا هو قول عامة أهل العلم، إلا في روايةٍ عند الحنابلة أنها تصح في صلاة التراويح خاصة إذا كانت هي الأقرأ، ولكن الذي عليه أكثر أهل العلم أن إمامة المرأة للرجال لا تصح.

وهذا هو القول الراجح؛ لأن المرأة ليست من أهل الجمعة والجماعة، فالأصل في المرأة أنها تصلي وحدها، إذا أرادت أن تُصلي مع الجماعة إن كانت مع جماعة نساء فلا بأس أن تؤمهم، وأما أن تأتي وتؤم الرجال فهذا ليس من شأن المرأة؛ ولذلك لا تصح إمامة المرأة للرجال.

هذه الأحكام متعلقة بالصلاة لما كانت المساجد مغلقة، وبعدما منَّ الله تعالى على المسلمين تقريبًا في عامة بلدان العالم الإسلامي وفُتحت المساجد برزت مسائل أخرى متعلقة بالصلاة:

حكم التباعُد في الصف

من هذه المسائل: مسألة حكم التباعُد في الصف:

الناس الآن عندما يُصلُّون في المساجد يُصلُّون متباعدين بين كل مصلٍّ وآخر متران أو متر ونصف، فما حكم هذا التباعد؟

الجواب: لا بأس به؛ وذلك لأنه تباعدٌ لأجل الضرورة أو الحاجة الملَّحة؛ لأن اقتراب المصلين بعضهم مع بعض يؤدي إلى تعريضهم لانتقال العدوى.

ثم إن غاية ما في هذا التباعد أنه يفوِّت التراص في الصف، والتراص في الصف عند جمهور الفقهاء ليس واجبًا، وإن كان قد أوجبه طائفةٌ من أهل العلم، لكن عند جماهير الفقهاء التراص ليس واجبًا، وإنما هو مستحبٌّ استحبابًا مؤكدًا، لكن في الظروف الحالية لا يكون هناك تراص، وإنما يُصلي الناس متباعدين، كما هو عليه حال الناس في الوقت الحاضر، وصلاتهم صحيحة، ولا حرج عليهم في هذا التباعد.

وهذه نازلة، ولا بد لفقهاء العصر من الاجتهاد في النوازل بما يُحقق المصلحة الشرعية، ويُحقق مصلحة الناس، فإن هذه الشريعة قد أتت بتحقيق المصالح، ودفع المفاسد، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، ويقول: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].

قرأتُ كلامًا لبعض طلبة العلم يقول: إن الصلاة في البيوت خيرٌ من الصلاة في المساجد بهذه الطريقة، بل بعضهم يُنظِّر ويقول: إن صلاة المصلِّين مع هذا التباعد كصلاة المنفرد خلف الصف، ولكن هذا القول في نظرنا قولٌ مرجوح، بل قولٌ ضعيف، كيف تُفضَّل الصلاة في البيوت على الصلاة في المساجد؟ هذا أبعد ما يكون، فالصلاة في المساجد فيها إقامةٌ لهذه الشعيرة، وفيها تحقيقٌ لمقاصد الشريعة من الجماعة، هذا التباعد إنما هو مؤقت لأجل الظروف الحالية، وأما القول بتعطيل المساجد والصلاة في البيوت حتى لا يتحقق هذا التباعد هذا أبعد ما يكون عن الأدلة الشرعية، وعن الأصول والقواعد الشرعية.

وأما تشبيه من يُصلِّي متباعدًا عمن يمينه وعن يساره بالمنفرد خلف الصف: فهذا أيضًا بعيد، ومن أعجب ما يكون، وإن كان قد قال به طائفة من أهل العلم، لكنه قولٌ بعيد، فكيف يُصلي من عن يمينك رجل يبعد مترين أو متر ونصف، وعن يسارك رجل يبعد مترين أو متر ونصف، ثم يُقال: إن هذا كالمنفرد خلف الصف! أين الانفراد هنا؟ لا يصدُق عليه وصف الانفراد لا لغةً ولا عرفًا ولا شرعًا، فأين الانفراد؟! هم يُصلُّون في صفٍّ واحد، فالانفراد غير وارد هنا.

ولذلك نقول: لا حرج في صلاة الناس في المساجد بهذه الطريقة، بل ربما يُقال: إن الأولى أن يُصلوا بهذه الطريقة؛ لأنهم لو صلُّوا متراصين فهذا سيُعرضهم لانتقال العدوى، وإلحاق الضرر، والله تعالى يقول: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].

حكم صلاة المنفرد خلف الصف

لكن ترِد مسألة صلاة المنفرد خلف الصف:

وهذه الحقيقة مسألة مهمة، وقد رأينا استفتاءات بعض الناس عنها، والجهل الكبير فيها، فتجد مع هذا التباعد يأتي أُناس ويُصلُّون بعيدًا في آخر المسجد، أو خلف الصفوف، لكن هذا المصلي يُصلي وحده منفردًا، هذا صلاته لا تصح؛ لقول النبي : لا صلاة لمنفرد خلف الصَّف [5].

وجاء في حديث وابصة بن معبد : “أن النبي رأى رجلًا يُصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يُعيد الصلاة” [6]، ولذلك فينبغي التنبُّه والتنبيه لهذه المسألة: أنه لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف، لكن لا بأس بأن يُصلي الناس متباعدين، كما هو عليه الأمر في الوقت الحاضر، هذا لا حرج فيه، لكن من غير انفرادٍ في الصف.

حكم لبس الكمامة أثناء الصلاة

أيضًا من المسائل: مسألة لبس الكمامة:

الجهات الصحية توصي بلبس الكمامة بالأماكن المغلقة، أو عند وجود التجمُّعات أو المخالطة.

ويرِد السؤال عن حكم لبس الكمامة أثناء الصلاة؟

لبس الكمامة أثناء الصلاة غاية ما فيه أنه تغطية للفم والأنف، وصلاة المصلِّي وقد غطَّى فمه وأنفه، أو صلَّى متلثِّمًا، تكلم عنها الفقهاء السابقون، وغاية ما قالوا فيه: إنها مكروهة، فالحكم فيها الكراهة.

لكن تزول الكراهة في الوقت الحاضر بوجود الحاجة، فالحاجة قائمة للبس الكمامة في أثناء الصلاة؛ ولذلك نقول: لا حرج في لبس الكمامة أثناء الصلاة من غير كراهة، لكن لو كان الإنسان يُصلِّي وحده؛ يعني مثلًا يُصلي السنَّة الراتبة في البيت وحده، أو نحو ذلك، لا حاجة للبس الكمامة، لكن لو كان يُصلي في المسجد فلا بأس بلبس الكمامة أثناء الصلاة.

مَن تسقط عنهم الجمعة والجماعة بعد فتح المساجد

أيضًا من المسائل التي ترِد: مسألة حكم الجمعة والجماعة بعد فتح المساجد في الظروف الحالية:

نقول: من كان له عذرٌ فيسقط في حقه الجمعة، ويُصليها ظهرًا، ويسقط في حقه وجوب الجماعة، ويُصليها في البيت إذا كان له عذر، ومن الأعذار: أن يكون مريضًا، أو أن تكون مناعته ضعيفة، أو أن يكون كبيرًا في السن؛ لأن كبار السن مناعتهم أضعف، وهم معرَّضون للإصابة بهذا الوباء أكثر من غيرهم، ولو تأملنا في الإصابات التي اجتاحت العالم عمومًا نجد أن أكثر المصابين من كبار السن، بل أكثر الوفيات بسبب هذا الوباء من كبار السن، وإن كان يوجد في الشباب والأطفال، لكنها قليلة جدًّا مقارنةً بكبار السن.

ولذلك فكبير السن معذور في الظروف الحالية في أن يُصلي الجمعة والجماعة في بيته، إذا كان الإنسان كبير في السن مثلًا عمره سبعون سنة، أو ثمانون سنة، أو أكثر، له أن يُصلي في بيته، ويكون معذورًا بذلك؛ وذلك لأن صلاته في المسجد قد يُعرِّضه لانتقال العدوى وللخطر، فيكون هذا عذرًا له، وقد ذكر الفقهاء أعذارًا أقل من هذا تسقط بها الجمعة والجماعة، ذكروا من خاف على ماله، حتى قالوا: لو كان له طبيخ وخاف عليه، أو خبزٍ يخبزه في التنور، وخشي أن يحترق، فذكروا أعذارًا أقل من هذه بكثير، فكيف بعذرٍ متعلق بصحة الإنسان؟! هو أولى بالمراعاة.

فإذن كبير السن لا تجب عليه الجمعة ولا الجماعة، لكن لو أصرَّ كبير السن وقال: أنا أُريد أن أُصلِّي الجمعة والجماعة مع أخذ الاحتياطات لا حرج في هذا، والصحابة كان يكون فيهم المريض لا يستطيع أن يمشي ومع ذلك يأتي للمسجد يُهادى بين الرجلين، حتى يُقام في الصف، لكن كلامنا هل تجب عليه الجمعة والجماعة أو لا تجب؟

الجواب: أنها لا تجب عليه الجمعة ولا الجماعة، إذن عندنا المريض، وعندنا الكبير في السن.

أيضًا من عنده نقص مناعة، فهذا لا تجب عليه الجمعة ولا الجماعة، نقص المناعة له أسباب، مثلًا من الأسباب: زراعة عضو، كزراعة الكلى مثلًا؛ لأن من يزرع عضوًا من الأعضاء يُعطى أدوية تُخفِّض المناعة حتى يتقبَّل الجسم هذا العضو، فعلى سبيل المثال: من يزرع كليةً يُعطى أدوية تُخفِّض المناعة لديه، حتى لا يرفض جسمه هذه الكلية، معنى ذلك: أن هذا الذي قد زرع عضوًا من الأعضاء أن مناعته منخفضة، مناعته ضعيفة، فإذا كانت مناعته ضعيفةً، فيُخشى عليه لو صلَّى في المسجد أن تنتقل إليه العدوى، ويكون هذا عذرًا له في ترك الجمعة والجماعة.

إذن عندنا المريض، وعندنا كبير السن، وعندنا من عنده نقصٌ في المناعة، فهؤلاء كلهم يجوز أن يُصلُّوا في البيوت.

كذلك أيضًا: الصبي الصغير الذي دون خمسة عشر سنة، هذا أصلًا القلم عنه مرفوع، كما قال عليه الصلاة والسلام: رُفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم الصَّبي حتَّى يبْلُغ [7]، وهذا أصلًا لا تجب عليه الجمعة ولا الجماعة بأصل الشرع؛ ولذلك كونه يُصلي أيضًا في البيت ولا يُصلي في المسجد خشية انتقال العدوى أيضًا هذا لا بأس به؛ لأن مناعته أيضًا ربما تكون أضعف من مناعة الكبار.

كذلك أيضًا: من عنده مريضٌ أو كبيرٌ في السن في البيت، فلا تجب في حقه الجمعة ولا الجماعة في الظروف الحالية؛ لماذا؟ لأن هذا الإنسان وإن كان صحيحًا معافى شابًّا، لكن بذهابه للمسجد ورجوعه ربما يتسبب في نقل العدوى لهذا المريض الذي عنده في البيت، أو كبير السن الذي عنده في البيت؛ لأن الصحيح الشاب قد يحمل الفيروس، ولا يعلم به، كما ذكر ذلك الأطباء، قد يحمل الفيروس، ولا يعلم به؛ لقوة مناعته، لكن عندما يُخالط المريض أو كبير السن ينتقل الفيروس منه إلى هذا المريض أو كبير السن من حيث لا يشعر، فيتسبب في نقل العدوى لكبير السن أو للمريض.

فمن كان عنده في البيت مريض أو كبيرٌ في السن، أو أيضًا مما ذكرنا: من عنده مثلًا في البيت نقص مناعة هنا لا تجب في حقه الجمعة ولا الجماعة، فهؤلاء لا تجب عليهم الجمعة ولا الجماعة.

مَن عداهم نقول: إذا كان هذا الشخص بقي في بيته أربعًا وعشرين ساعة لا يخرج لأي أمرٍ آخر، فربما يُقال في الظروف الحالية: لا تجب معه الجماعة على وجه الخصوص، لكن يُصلي الجمعة بهذا الشرط، لكن إذا كان يخرج لأمور دنياه؛ تجد أنه يخرج للأسواق، يخرج للممشى، يخرج لبعض الأمور الدنيوية التي يحتاجها، ثم إذا أتى المسجد، قال: والله أنا أخشى على نفسي، هذا عذر غير مقبول.

إذا كنت تخشى على نفسك لماذا تخرج لأمور دنياك؟ ولماذا لا تأتي المخاوف إلا في المسجد فقط؟ لماذا تذهب للسوق؟ لماذا تذهب لأماكن التجمعات؟ لماذا تذهب للتموينات؟ وإذا أتت الصلاة قلت: والله أخشى على نفسي! فهذا عذر غير مقبول، إذا كنت تخشى على نفسك ابقَ في بيتك لا تخرج، فتكون صادقًا في هذا العذر، أما تخرج في أمور دنياك، وإذا أتى المسجد قلت: والله أخشى على نفسي، فهذا عذر غير مقبول.

صلاة النافلة في البيوت

أيضًا من المسائل: صلاة النافلة في البيوت:

نقول: صلاة النافلة حتى في غير الظروف الحالية الأفضل أن تكون في البيوت؛ لقول النبي : أفضل صلاة المرء في بيته إلَّا المكتوبة [8]، فالنوافل عمومًا الأفضل أن تُصلَّى في البيوت، ما عدا نافلة الكسوف والاستسقاء والعيدين، لكن النوافل الأخرى مثل السنن الرواتب مثلًا ونحوها، صلاة الضحى، وبقية النوافل الأفضل أن تكون في البيوت أفضل صلاة المرء في بيته إلَّا المكتوبة وعلى ذلك فالأفضل في السنن الرواتب أن تصليها في بيتك سواءٌ كانت السنَّة القبلية أو السنَّة البعدية.

وهذا أيضًا فيه معنًى آخر: وهو تقليل التواجد في المسجد في الظروف الحالية، من باب الاحتراز، واتقَّاء العدوى، وعندنا في المملكة العربية السعودية وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد حدَّدت الوقت ما بين الأذان والإقامة عشر دقائق، ما عدا صلاة الفجر فجعلته عشرين دقيقة، فعلى ذلك يكون بقاء الإنسان في المسجد لأداء صلاة الفريضة، وأما السنن الرواتب لو صلَّاها في المسجد فلا بأس، لكن الأفضل أن تُصلَّى في البيوت حتى في غير الظروف الحالية.

الحرص على الأخذ بالأسباب الاحترازية

وينبغي أيضًا لمن أتى للمسجد أن يأتي معه بسجادته وكمامته وأن يحترز، يأخذ بالاحترازات الوقائية، هذه الاحترازات الوقائية بعض الناس يقول: أنا أتوكل على الله ولا داعي، الذي يقول هذا الكلام عنده إشكالية في فَهم حقيقة التوكل، ليس هذا هو التوكل، التوكل على الله حقيقته صدق اعتماد القلب على الله تعالى في جلب المنافع أو دفع المضار، مع فعل الأسباب المأذون فيها، فلا بد فيه من أمرين:

  • الاعتماد القلبي على الله .
  • وفعل الأسباب.

فإن اعتمد على الله بقلبه، لكنه عطَّل الأسباب، فهذا عنده نقصٌ في التوكل، ولو أخذ بالأسباب ولم يعتمد بقلبه على الله أيضًا عنده نقصٌ في التوكل، فلا بد من الأمرين جميعًا؛ ولهذا النبي هو سيد المتوكلين، ومع ذلك لبس درعه في الحرب، لبس الدرع الذي يتَّقي به السهام، ويتقي به السيوف؛ لماذا لم يقل: أنا متوكل على الله، وأنا خارج للقتال في سبيل الله؟ لبس درعه في القتال في سبيل الله.

أيضًا قال: فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد [9]، كما جاء في صحيح البخاري وغيره، فهذه من الأسباب التي يفعلها الإنسان، ويتوكل بقلبه على الله ، لكن كون الإنسان يأتي للمسجد بدون كمامة، أو بدون سجادة، ثم يقول: أنا متوكل على الله، فهذا عنده نقصٌ في التوكل، وهذا أيضًا يُعرِّض نفسه للخطر، ففعله هذا فيه خطر من الناحية الشرعية، ومن الناحية الصحية.

  • من الناحية الشرعية: لأنه فسَّر التوكل تفسيرًا غير صحيح، وعرَّض حياته للخطر.
  • ومن الناحية الصحية أيضًا: أنه يتسبب في انتقال العدوى إليه.

فإذن ينبغي لمن يذهب للمسجد أن يأخذ بالأسباب الوقائية الاحترازية، ومن ذلك: لبس الكمامة والقفَّازين أيضًا، ومن ذلك: أن يأخذ معه سجادته، وأن يصلي أيضًا النوافل في البيوت، يعني: مثلًا صلَّى صلاة المغرب، الأفضل يُصلي السنَّة الراتبة في البيت، لا يُصليها في المسجد، صلَّى صلاة العشاء الأفضل أن يُصلي السنَّة الراتبة في البيت، وهكذا.

فهذه أمور وقائية احترازية يفعلها الإنسان مع صدق توكله على الله ، وحسن اعتماده على الله في هذا.

أيضًا من المسائل، ولعلي أختم بهذه المسألة، وبعد ذلك نُجيب عما تيسَّر من الأسئلة، ومن كان عنده سؤال يكتب سؤاله، والإخوة سيأتون لي بالأسئلة، وأُجيب عنها بعد قليل إن شاء الله.

حكم الصلاة على الغائب

من المسائل التي برزت والمتعلقة بأثر جائحة كورونا على أحكام الصلاة: صلاة الغائب:

فمع الظروف الحالية يصعب على كثيرٍ من أقارب الميِّت الذهاب للمقبرة خاصةً مَن كان عنده عذر؛ كأن يكون عنده مثلًا نقص في المناعة، أو كبير في السن، أو نحو ذلك، وهذا الميت قريب بالنسبة له، وعزيز عليه، فلا يستطيع أن يذهب ويُصلي عليه في المقبرة، ماذا يفعل؟ هل يُصلي عليه صلاة الغائب؟

أقول: صلاة الغائب أولًا من حيث الأصل اختلف العلماء فيها.

  • فمنهم من قال: إنها تُشرَع على كل غائب.
  • ومنهم من قال: تُشرَع على كل رجلٍ صالح.
  • ومنهم من قال: إنها تُشرَع على من قدَّم خدمةً للإسلام والمسلمين سواءٌ في مجال العلم، أو في مجال البذل والإنفاق، أو غير ذلك.
  • ومنهم من قال: إن صلاة الغائب إنما تُشرَع على من مات ولم يُصلِّ عليه أحد.

هذه أبرز الأقوال في المسألة.

إذا تأملنا أدلة صلاة الغائب، فيها دليل واحد فقط، الذي ورد فيها دليل واحد، وهو: ما جاء في الصحيحين: “أن النبي صلَّى على النجاشي صلاة الغائب” [10].

النجاشي كان ملِك الحبشة، وكان رجلًا صالحًا، النجاشي لما أتاه المهاجرون من مكة أكرمهم وآواهم، وكان رجلًا عاقلًا، عرض عليه الصحابة الإسلام فأسلم، وأخفى إسلامه، وهذا من توفيق الله له؛ لأنه أراد أن يبقى في الملك، فأخفى إسلامه، لكنه أسلم، فبقي على ملكه، وهو مسلم.

بينما كسرى مزَّق كتاب النبي عليه الصلاة والسلام، فدعا عليه النبي بأن يُمزِّق الله مُلكه، فمزَّق الله مُلكه.

هرقل ملك الروم كان رجلًا عاقلًا، ولما أتاه كتاب النبي عظَّمه، وسأل أبا سفيان عشرة أسئلة، وقال: “إن كان ما تقوله حقًّا؛ ليملكن صاحبك موضع قدمي هاتين، ولولا ما أنا فيه من الملك لذهبت إليه، وقبَّلت قدميه” [11].

وعرَف أن ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه آثر الدنيا على الآخرة، فلم يُسلِم حتى يستمر في ملكه، ولم يُوفَّق لما وفَّق له النجاشي، النجاشي لعل الله تعالى وفَّقه وهداه للإسلام لإحسانه لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ولعدله الذي شاع وانتشر؛ ولذلك اختاره النبي ليُرسل إليه الصحابة.

النجاشي لما توفي كان قومه يظنون أنه مات على النصرانية، وهو قد مات مسلمًا، فمات ولم يُصلِّ عليه أحد، فجاء الوحي للنبي عليه الصلاة والسلام بأن النجاشي قد مات، فجمع النبي الصحابة، وقال: إنه قد مات اليوم رجل صالح وكبَّر عليه أربع تكبيرات، وصلَّى عليه صلاة الغائب [12].

لِماذا صلى النبي على النجاشي؟

فصلاة الغائب لم تقع إلا مرة واحدة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام على النجاشي، هل صلَّى عليه النبي عليه الصلاة والسلام:

  • لكونه لم يُصلِّ عليه أحد؟ هذا قال به طائفة من أهل العلم.
  • أو لكونه قدَّم خدمات عظيمة للإسلام والمسلمين؛ آوى الصحابة وأكرمهم؟ وهذا قال به أيضًا طائفة من أهل العلم.

والأقرب -والله أعلم- أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما صلَّى عليه لكونه مات ولم يُصلِّ عليه أحد، والصلاة على الميت فرض كفاية، هي واجبة، فلذلك صلَّى عليه لكونه مات ولم يُصلِّ عليه أحد.

وأما القول: بأنه إنما صلَّى عليه لكونه قدَّم خدمات للصحابة والإسلام والمسلمين، وأكرمهم؛ فهذا يرِد عليه أنه هناك من أيضًا كان نفعه عظيمًا للإسلام وللمسلمين، ولم يُصلَّ عليه صلاة الغائب؛ فمثلًا:

– أبو بكر الصديق  أحد الخلفاء الراشدين، ومعروفٌ قدم صدقه في الإسلام، وعظيم ما قدَّم، وعظيم النفع الذي حصل على يديه، ومع ذلك لم يُنقل عن الصحابة خارج المدينة أنهم صلُّوا عليه صلاة الغائب.

– عمر بن الخطاب  كذلك لم يُنقَل عن الصحابة خارج المدينة أنهم صلُّوا عليه صلاة الغائب.

– عثمان بن عفَّان  كذلك.

فهذا يدل على أن صلاة النبي على الغائب إنما كانت لأجل أنه مات ولم يُصلِّ عليه أحد، هذا هو القول الراجح في الصلاة على الغائب، وهو اختيار الإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم رحمهما الله تعالى، ومن المعاصرين الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه، هذا هو الأقرب.

لكن مع ذلك نحن الآن في نازلة، ولا بد من اجتهاد فقهاء العصر فيها، فهناك بعض المشايخ من اجتهد في هذه المسألة، وقال: إنه تُشرَع الصلاة على الغائب لمن لم يتيسَّر له أن يُصلي عليه في المقبرة، ومن أبرز من قال بهذا: سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية.

فيمكن أن يؤخذ بهذا القول، هذا اجتهادٌ في هذه المسألة، اجتهادٌ مقبول، اجتهادٌ في محله، وهو اجتهادٌ أيضًا من مشايخ كبار وعلى رأسهم سماحة المفتي، فيمكن أن يؤخذ بهذا القول، يمكن لمن مات له قريب، ولم يتمكن من الصلاة عليه في المقبرة أن يعتمد هذا القول الذي قال به علماء كبار، ويأخذ به، فهذا مما يجب.

حتى في الظروف الحالية الآن؛ يعني: لو مات إنسان قريب، ولم يتمكن من الذهاب للصلاة عليه في المقبرة؛ لكونه يخشى من انتقال العدوى؛ إما بسبب مرضه، أو لضعف مناعته، أو لكبر السن، أو لغير ذلك، فبناءً على هذا الاجتهاد يجوز له أن يُصلي عليه صلاة الغائب.

هذه هي أبرز الأحكام المتعلقة بأثر جائحة كورونا على الصلاة.

والآن نُجيب عما تيسَّر من الأسئلة، وقبل أن أختم هذه المحاضرة أُذكِّر بما قلته في مقدِّمتها: من أن المسلم ينبغي له أن يعتبر بما يُقدِّره الله لهذا الكون، أن يأخذ العِظة والعبرة، هذا الحدث الذي حصل في هذه الجائحة حدث عظيم، سيؤرَّخ، وسيبقى تتذكره الأجيال، فينبغي أن نعتبر بما حصل، وأن نأخذ الدروس والفوائد، ومن أعظم ذلك:

  • عظيم تقدير الله وتدبيره لهذا الكون.
  • وأيضًا ضعف البشرية أمام قدرة الله .
  • وأيضًا سرعة تغيُّر وتقلُّب الأحوال، وتغيُّر الدنيا، وأنها لا تؤمَن، هذه الدنيا لا تؤمن هي متاع الغرور، سرعان ما تتغير، وسرعان ما تتبدَّل أحوالها.

ولذلك فعلى المسلم أن يتقي الله ، وأن يحرص كل يومٍ على أن يكسب أعمالًا صالحة، العمل الصالح هو الذي يؤمِّل عليه الإنسان، وهو الذي يؤمِّل على ثوابه، كما قال ربنا سبحانه: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ يعني: الأعمال الباقيات الصالحات خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46].

فالأعمال الصالحة -الباقيات الصالحات- هي التي يؤمِّل عليها الإنسان، وهي: خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا خيرٌ جزاءً من المال والبنين، ومن متاع الدنيا، وَخَيْرٌ أَمَلًا يعني: هي أفضل ما يُؤمِّل عليه الإنسان، لكن على الإنسان أن يحرص على أن يكسب الأعمال الصالحة كل يوم، وألا يمر عليه يومٌ إلا وقد كسب فيه أعمالًا صالحةً.

  • أولًا: يُحافظ على الفرائض.
  • ثم بعد ذلك يستكثر من النوافل، بعد المحافظة على الفرائض.

والإنسان لا يدري متى يبغته الأجل؟ ومن حكمة الله أن أجل الإنسان مغيَّبٌ عنه، فربما يُصبح صحيحًا معافى، ولم يخطر بباله الموت ولا بنسبة واحد بالمائة، ويُمسي مع أهل القبور، يأتيه الموت لأي سبب؛ بسكتة قلبية، بحادث سيارة، بانتهاء أجله، باستيفاء أجله، ثم إذا به ينتقل من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، ومن دار العمل إلى دار الجزاء والحساب، فينبغي لنا أن نحرص على أن نغتنم ما تبقى من أعمارنا في طاعة الله ، وأن نعتبر بما يُقدِّره الله في هذا الكون.

الأسئلة

حكم الاقتداء بإمام الحرم من خلف شاشة التلفاز

نُجيب عما تيسَّر من الأسئلة:

السؤال: يقول: لعل مسألة الصلاة خلف إمام الحرم تُعيدها لانقطاع الصوت؟

الصلاة خلف إمام الحرم هذه المسألة مع إغلاق المساجد وصلاة الناس في البيوت اجتهد بعض طلبة العلم وقالوا: إنه يجوز أن يقتدي المسلم بإمام الحرَم، ويُصلي معه الصلوات الخمس، ولكن هذا القول قولٌ ضعيف لمخالفة الأدلة والأصول والقواعد الشرعية، ولو قيل بهذا لقيل: إن المليار ونصف يقتدون بإمام الحرَم، ويُصلون معه، حتى في الظروف المعتادة، كيف يُقتدى بإمام الحرم وهو يبعد عنه آلاف الكيلومترات؟! وإذا كان الفقهاء اختلفوا في حكم الصلاة في الساحات المحيطة والمطلة على الحرم، فكيف بمن كان بعيدًا عن الحرم آلاف الكيلومترات؟! فهذا القول في نظري أنه قولٌ ضعيف.

ثم إن أكثر العلماء المعاصرين يرون بطلان الصلاة لمن صلَّى مقتديًا بإمام الحرم خلف التلفاز، يرون بطلان الصلاة، والمسلم لا يُعرِّض صلاته للبطلان، المسلم يرجو ما عند الله ، فلماذا يُعرِّض صلاته للبطلان؟!

أيضًا مثل هذه الاجتهادات ينبغي أن يحتفظ بها طالب العلم لنفسه؛ لأن ما تعلّق بالشأن العام والفتوى العامة هذه ينبغي أن يؤخذ فيها برأي كبار أهل العلم، وبالأكثر، وبما عليه الفتاوى المستقرة، والذي عليه الفتوى المستقرة في العالم الإسلامي لدى المسلمون عمومًا أنه لا يصح الاقتداء بإمام الحرم خلف شاشة التلفاز؛ فالقول بصحَّة الاقتداء قولٌ ضعيف، وأكثر العلماء المعاصرين يرون بطلان الصلاة.

هل التباعد بين المصلين يُعدُّ من صلاة المنفرد خلف الصف؟

السؤال: بعض المساجد يكون التباعد مبالغًا فيه، قد يكون بين المصلي والآخر ثلاثة أمتار أو يزيد، فهل يُعدُّ هذا من صلاة المنفرد خلف الصف؟

لا يُعد هذا من صلاة المنفرد خلف الصف، لكن هذا يُعتبر خلاف السنَّة وخللًا؛ لأن ثلاثة أمتار بعيد جدًّا، عندنا وزارة الشؤون الإسلامية حدَّدت التباعد مترين، ثم الآن قلَّصته إلى متر ونصف، فهذا هو القدر، أما ثلاث أربعة أمتار خمسة أمتار، فهذا بعيد، وأيضًا بعض الناس عندهم خوف شديد، وهلع شديد.

أقول: ينبغي للإنسان أن يأخذ بالأسباب، ويتوكل على الله ، وهل الخوف سبب لإنقاذ الإنسان؟ أبدًا، نجد أن كثيرًا ممن كان عنده خوف شديد أُصيبوا، وغيرهم ممن لم يكن عنده خوف شديد لم يُصابوا، الإنسان مطلوب أن يأخذ بالأسباب الوقائية، ويتوكل على الله ، ويعتمد على الله .

فهذا التباعد الشديد يعني: ثلاثة أو أربعة أمتار أو خمسة أمتار، هذا خلاف السنَّة، ينبغي ألا يزيد التباعد على مترين، لكن مع ذلك الصلاة معهم صحيحة، ولا يُعَد هذا التباعد مثل صلاة المنفرد خلف الصف، المنفرد خلف الصف أن الصف كله ما يكون فيه إلا شخص واحد، هذا هو المقصود بالمنفرد خلف الصف.

حكم تعمُّد التأخر عن الجمعة خوفًا من كورونا؟

السؤال: ما حكم تعمُّد الحضور لصلاة الجمعة متأخرًا خوفًا من كورونا؟

من حيث الحكم يجوز؛ لأنه لو أدرك ركعةً من الجمعة فقد أدرك الجمعة.

لكن من حيث الفضل: يفوته الفضل.

ولذلك الذي ننصح به ألا يفعل الإنسان هذا، وإنما يأتي للجامع مبكرًا، مع الأخذ بالاحترازات، ويكون معه كمامته، ويكون معه سجادته، ويتباعد عمن حوله عن يمينه وعن يساره متر ونصف أو مترين، ويتوكل على الله ، والعجيب أن من يفعل ذلك لا يُطبِّق هذا على أمور دنياه، فقط في المسجد، وفقط في الجمعة، لكن لو نظرت لواقعه في أمور دنياه تجد أنه يذهب إلى أماكن مزدحمة، ويذهب للتسوق في أماكن مزدحمة، لكن إذا أتت المساجد أتى الهلع، وأتى الخوف، وأتى الفزع.

مع أنه شهادة، حق الحقيقة أقولها من رؤيتي للمصلين في الصلوات الخمس، وفي الجوامع يوم الجمعة: مرتادو المساجد من أكثر الناس انضباطًا وأخذًا بالاحترازات الوقائية، أنا المسجد الذي أُصلِّي فيه، ما رأيت أحدًا ليس عليه كمامة أبدًا، ما رأيت منذ أن فتحت المساجد إلى اليوم ما رأيت مصليًّا أتى للمسجد بدون كمامة، ومعظمهم يأتون ومعهم سجاجيدهم، وأيضًا التباعد يُطبِّقونه، فمرتادو المساجد شهادة حق هم من أفضل شرائح المجتمع في التقيُّد بالإجراءات الوقائية، ومن أكثرهم انضباطًا.

هل مخالطة المصاب بكورونا عذر في ترك صلاة الجماعة؟

السؤال: بعض الناس قد يكون قد خالط شخصًا مصابًا، فهل يُعفيه عن الجماعة؟

إذا كان يخشى على نفسه، أو يخشى أيضًا من نقل العدوى لغيره فلا حرج؛ يعني: في الظروف الحالية لا يُشدَّد في القول بإيجاب صلاة الجماعة، وإنما كل إنسان يُقدِّر ظرفه، وكل إنسان أدرى بنفسه؛ لأن هذه الشريعة مبناها على اليُسر والسماحة، كما قال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: بُعثتُ بالحنفيَّة السمحة [13].

ففي الظروف الحالية لا يُشدَّد على الناس في هذا، ويُقال: كل إنسانٍ أدرى بنفسه، فإذا كان يرى من نفسه أن عليه خطورة، أو أن على غيره خطورة منه، فهنا يكون هذا عذر له في ترك الجمعة والجماعة، لكن من تأكدت إصابته بالكورونا، يحرُم عليه أن يذهب إلى المسجد أو الجمعة، يحرُم عليه ويأثم بذلك؛ لأنه يتسبب في هذا بنقل العدوى لغيره، بل حتى ليس للمساجد، بل حتى يحرُم عليه أن يُخالط الناس، وإنما الواجب عليه أن يحجر نفسه حتى يُشفى، أما أن يُخالط الناس وهو مصاب بالكورونا، وينقل العدوى لغيره في المساجد وفي الأسواق هذا لا يجوز، هذا يلحق الضرر بغيره، ويكسب بهذا آثامًا وأوزارًا.

هل يُطلَق على كورونا أنها جندٌ من جنود الله؟

السؤال: هل يصح أن يُطلَق على كورونا أنها جندٌ من جنود الله؟

نعم يصح، لا بأس بذلك كما قال الله تعالى: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح:4]، والجند من جنود الله لا يُطلق فقط على الملائكة، يُطلق على جميع مخلوقات الله ، جميع مخلوقات الله تعالى يصدُق عليها أنها من جنود الله ، كما قال الله تعالى: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح:4]، فالإضافة إضافة مخلوقٍ إلى خالق؛ ولذلك نجد أن العلماء يُعبِّرون عن بعض الأمور بأنها جندٌ من جنود الله، نجد مثلًا ابن القيم رحمه الله يُعبِّر عن الجراد يقول: “هو جندٌ من جنود الله” [14]، فنجد أن هذا مستخدَم في كلام أهل العلم، وفي كتبهم ومتداول، وعلى ذلك فلا بأس بأن يُقال عن كورونا: أنها جندٌ من جنود الله، ومن منع من ذلك فقوله مرجوح.

هل يقول الإمام للمصلين: تباعدوا؟

السؤال: الإمام عندما يقول للمصلين: استووا هل يقول: تباعدوا؟

ليس مناسبًا أن يقول: تباعدوا، يقول: استووا، يقصد بذلك استواء الصف، واستقامة الصف، وإذا كان يُصلي في المسجد أكثر من صف يقول: أتموا الصف الأول فالأول، لكن ليس مناسبًا أن يقول: تباعدوا، بعدما كان في السابق يقول: تراصوا وسدّوا الخلل، الآن يقول: تباعدوا! فليس هذا لائقًا، ولا مناسبًا، وإنما يختار الإمام الألفاظ المناسبة، يقول: استووا، يريد بذلك استقامة الصف، يقول: أتموا الصف الأول فالأول، ونحو ذلك، لكن ليس من المناسب أن يقول: تباعدوا.

تقريبًا هذه هي الأسئلة التي وردت، ولعل بقية الأحكام تأتي في دروس هذه الدورة؛ يعني: الأحكام المتعلقة ببقية أحكام العبادات والمعاملات وغيرها تأتي إن شاء الله تعالى في محاضرات قادمة.

أُكرِّر شكري للأخوة والمسؤولين في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وعلى رأسهم الإخوة القائمين على التوجيه والإرشاد في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.

وأسأل الله تعالى أن يأجرهم، ويُثيبهم على ما يقومون به من جهود كبيرة في التوعية وفي التوجيه، وفي الإرشاد، لهم في هذا الحقيقة جهود كبيرة وجهود مميزة.

في السابق لما كانت في الظروف المعتادة في الدروس وترتيبها والدورات العلمية، وقد شاركت في الكثير منها، وحتى أيضًا في الظروف الحالية عن طريق البث عبر منصات التواصل.

فأسأل الله تعالى أن يجزيهم خير الجزاء، وأن يُبارك في الجهود، وأنتم أيها الإخوة المتابعون الشكر لكم على متابعة هذه المحاضرة.

وأسأل الله تعالى أن يوفِّق الجميع لما يُحب ويرضى، وأن يستعملنا جميعًا في طاعته.

وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 632، ومسلم: 697.
^2 رواه البخاري: 616، ومسلم: 699.
^3 رواه الترمذي: 806، والنسائي في السنن الكبرى: 1300، وابن حبان: 2547، وابن خزيمة: 2206.
^4 رواه البخاري: 4302.
^5 بنحوه رواه ابن ماجه: 1003.
^6 رواه أبو داود: 682، والترمذي: 230، وابن ماجه: 1004.
^7 رواه أبو داود: 4401، والترمذي: 1423.
^8 رواه البخاري: 731، ومسلم: 781.
^9 رواه البخاري: 5707.
^10 رواه البخاري: 1245، ومسلم: 951.
^11 رواه البخاري: 7، ومسلم: 1773.
^12 رواه البخاري: 1320.
^13 رواه الطبراني في المعجم الكبير: 7715، وأحمد: 22291.
^14 مفتاح دار السعادة: 1/ 252.
zh