عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
نشر العلم وتعليمه
طالب العلم إذا كان صالحًا في نفسه، لكن ليس له أثر في مجتمعه يبقى علمه قاصرًا، ويبقى مثله مثل بقية الكتب، لكن إذا كان له أثر في المجتمع ينفع الله تعالى به البلاد والعباد، وكل ينبغي أن يكون له الأثر في المجال الذي يحسنه، فإن الناس قدرات وطاقات، ومن الناس من يفتح له في باب، ولا يفتح له في باب آخر، ولهذا لما كتب أحد العبّاد إلى الإمام مالك كتابًا يستحثه على صيام النوافل، ومزيدًا من العمل الصالح، ويعني كأنه ينتقد الإمام مالك، فرد عليه الإمام مالك، هذه القصة ذكرها الذهبي في السير، رد عليه الإمام مالك وقال: إن الله قد قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فمن الناس من يفتح له في باب الصلاة، ومن الناس من يفتح له في باب الصدقة، ومن الناس من يفتح له في باب تعليم القرآن، ومن الناس من يفتح له في باب كذا، وذكر أبوابًا من الخير، قال: وأنا قد فتح لي في باب نشر العلم وتعليمه، وما أنا فيه بأقل مما أنت فيه، وكلانا على بر وخير؛ علق بعض أهل العلم: بل ما فيه الإمام مالك خير مما فيه هذا العابد؛ لأن نشر العلم وتعليمه نفعه متعد، بينما صيام النوافل نفعها قاصر على صاحبه.
الدعوة إلى الله تعالى
أبواب الخير كثيرة، لكن المهم أن طالب العلم يكون له نشاط في توجيه الناس، وفي إرشاد الناس، وفي دعوة الناس إلى الخير، ينبغي أن يكون له أثر أولًا في أسرته الصغيرة على والديه، على أهله وإخوانه وأخواته، ثم على مستوى جيرانه، كل أثر فيه توجيه الجيران، وفي الدعوة إلى الله ، والنصح، ولا يكون ذلك إلا أولًا بأن تكون أخلاقه حسنة، ويحبه الناس، أما من كان فظًّا غليظًا لا يمكن أن يقبل الناس منه دعوة، أو توجيهًا، أو إرشادًا.
فلا بد أن يكون طالب العلم في الحي الذي هو فيه أن يعرف ويكون من أعمدة الحي، ويحرص على المبادرة للتوجيه والدعوة والإرشاد، وإذا وجد مثل هذه المجالس مثلًا يبادر في اغتنامها فيما ينفع، ولو في شرح حديث مثلًا، أو تفسير آية، أو في أي شيء يفيد الحاضرين، فينبغي أن توجد هذه الروح، روح المبادرة، والدعوة إلى الله ، وتوجيه الناس، وإرشاد الناس، ونفع الآخرين، وكما قلنا قبل قليل دعاة الشر الآن نشطون ينبغي أن يكون دعاة الخير الذين يدعون إلى الله أن يكون لديهم النشاط والهمة العالية، وأن يحرصوا على إفادة الناس، وتوجيه الناس، وكل إنسان فيه بذرة خير، لكن يحتاج إلى من يحرك هذه البذرة.
ولذلك تجد أن على سبيل المثال لو إن إمام المسجد أو أي أحد من جماعة المسجد حث الناس على صيام عاشوراء، أو حثهم على المحافظة على صلاة الفجر، سبحان الله انظر إلى أثرها اليوم الثاني الناس تتقبل مباشرة، تتقبل مباشرة، وتستجيب، يعني في الأعم الأغلب يستجيب الناس، يعني الشيطان عندما يضل الناس ما سلطانه على بني آدم؟ ما له إلا طريق واحد فقط وهو الوسوسة، ولذلك وصفه الله تعالى بالوسواس، يعني ليس للشيطان ما يكبل الإنسان بالحديد، والوقوع في المعصية، أو يصده عن الطاعة أبدًا، لكن يوسوس، يزين له المعصية ويثبطه عن الطاعة.
فدعاة الخير ينبغي أن يكون لهم تأثير على الناس، دعوة الناس إلى الخير، وترغيبهم في الخير، وترغيبهم في الطاعات، وتحذيرهم من المعاصي ومن المحرمات، وأن يكون هذا هو الجو السائد في المجتمعات الإسلامية، فإذا وجد دعاة الخير، ووجد المصلحون، والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، فهذا فيه خير للمجتمع كله؛ لأن هذا بإذن الله تعالى يقي المجتمع من العقوبات، ويكون سببًا لحلول البركات.
عبرة في قصة أصحاب السبت
ولنا عبرة في قصة أصحاب السبت، أصحاب السبت حرم الله عليهم الصيد يوم السبت، وكان من قدر الله تعالى أن الحيتان، ما تأتي إلا يوم السبت في اليوم الذي حرم عليهم الصيد فيه وغير يوم السبت ما تأتي إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ [الأعراف:163] ابتلاء واختبارًا.
فأهل هذه القرية انقسموا إلى ثلاثة أقسام:
قسم: قالوا كيف نحرم أنفسنا من هذه الحيتان، فكروا وقدروا واحتالوا على محارم الله، فنصبوا الشباك ليل الجمعة، وأخذوها فجر الأحد، وقالوا: ما صدنا يوم السبت
القسم الثاني: الصالحون انقسموا إلى قسمين:
قسم: أنكروا على هؤلاء، قالوا إنما فعلتموه محرم، وأن هذا لا يجوز.
القسم الثاني من الصالحين: صالحون لكن سلبيون، صالحون في أنفسهم، ولم يكتفوا بهذا، بل قاموا بتثبيط منكرين المنكر، قالوا: هؤلاء ما منهم فائدة، اتركوهم: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف:164] يعني ما في فائدة، هؤلاء الله مهلكهم ومعذبهم عذابًا شديدًا؛ ماذا قال المصلحون؟ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ [الأعراف:164] يعني نريد بهذا الإعذار إلى الله ، وهذا هو الغرض الأساسي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإعذار إلى الله تعالى: وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ما تدري ربما أنهم يستجيبون.
ماذا كانت النتيجة؟ أن هؤلاء الذين وقعوا في المنكر قلبهم الله إلى قردة خاسئين، وأما الصالحون قال الله : أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ [الأعراف:165]، وسكت عن الصالحين غير المصلحين احتقارًا لهم، ما يستحقون أصلًا أن يذكروا، ولا أن ينوه بشأنهم، لكن الله نوه بشأن المصلحين: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ [الأعراف:165]؛ فينبغي أن تكون يعني هذه الروح موجودة لدى طلاب العلم والدعوة إلى الله ، وروح الإصلاح، وروح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأسلوب الحسن، وبالرفق، وباللين، وبآداب النصيحة، يعني اجعل هذه تسري في دمك.
أنا أضرب لكم مثالًا بسيطًا في الفندق قابلت عاملًا يحمل حقائب، وكذا، سألته قال: أنا غير مسلم، لكن أنا أحب الإسلام، وأذهب للمسجد وكذا، قلت: طيب لماذا لا تسلم؟ قال: ما في أحد دعاني، ولا أحد قال لي شيئًا، ولا أحد طيلة هذه المدة كذا سنة، فأخبرته بالإسلام، وكذا قال: والله أنا أرغب في الإسلام، ولقنته الشهادة، وقلت له: الآن أنت أصبحت مسلمًا، لكن لا بد أن تتصل بأحد يعلمك الإسلام، ويعلمك الطريق.
مثل هؤلاء مثلًا يعني يكون لأحد جهد مع هؤلاء، مثلًا هذا خير عظيم: لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم [1]، يكون جهد مثلًا مع الجيران يوضع لهم مثلًا في الديوانيات يوضع لهم، يعني برنامج مفيد، ولا يكون ممل، أيضًا كلمة مدة عشر دقائق إلى ربع ساعة بالكثير، تكون مركزة، تكون موعظة، يكون فيها خير كثير، وهكذا مهم أن توجد هذه الروح روح الدعوة إلى الله ، والإصلاح، وإرشاد الناس، وتوجيه الناس.
تأليف القلوب
أيضًا محبة الخير للناس، ونفع الناس، وأيضا تأليف القلوب، تأليف قلوب المجتمع بعضهم مع بعض، والسعي لتأليف قلوب المجتمع مع ولاة الأمر؛ لأنه إذا حصل اجتماع القلوب مع ولاة الأمر يحصل خير كثير، ويحصل النفع للبلاد والعباد؛ لكن عندما تكون في تنافر في القلوب، وتكون النفوس مشحونة هنا تكون المصائب، فلا بد أيضًا من تأليف قلوب العامة لولاة الأمر، ونبين لهم ما ورد في ذلك من النصوص، وحتى أيضًا تستقيم الأمور وتصلح أمور البلاد والعباد.
تبيين منهج أهل السنة للناس
وأيضًا يبين المنهج الصحيح للناس وهو منهج أهل السنة والجماعة، وما عليه السلف الصالح، هذا هو المنهج الصحيح، وتحذيرهم من المناهج المنحرفة؛ كمنهج التكفير، ونحوه، أو منهج أيضًا التحلل والتمييع، فكلاهما طرفان مذمومان الغلو والتفريط، الإفراط والتفريط كلاهما طرفان مذمومان، فيبين للناس هذه المناهج.
وعظ الناس وتذكيرهم
وأختم هذه الكلمة أقول:
الناس يا إخوان الآن بحاجة للموعظة، كثير من الناس تعلقوا بالحياة المادية، فهم بحاجة لموعظة، والنبي عليه الصلاة والسلام إذا كان في زمنه وهو بين أظهر الصحابة، والوحي ينزل عليه، ومع ذلك كانت خطبة الجمعة معظمها كانت مركزة على الموعظة، حتى إن إحدى الصحابيات تقول: ما حفظت سورة: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إلا من على لسان رسول الله ، يقرأها كل جمعة على المنبر، يعني يقرأها كثيرًا على المنبر؛ لأن الناس يحتاجون للموعظة، نفوس تغفل، نفوس تذهل، فتحتاج الموعظة.
ينبغي أيضًا أن يكون هناك تركيز على موعظة الناس على تذكير الناس على أن نبعد الغفلة عن الناس، ونذكرهم بحالهم، ونذكرهم بحقيقة الحياة الدنيا، ونذكرهم بأحوال الآخرة، بأحوال الجنة والنار، هذه المعاني الناس بحاجة ماسة للتذكير بها؛ لأن بعض طلبة العلم يجعل جهده مركزًا في أمور العلم، في فقه الأحكام والمعاني والعلل والاستنباطات، لكن يغفل عن الجانب الوعظي، والجانب الوعظي الحقيقة هو جانب مهم جدًّا؛ لأن هذا الإنسان إذا صلح، وإذا استقام هو نفسه سوف يطلب العلم، لكن إذا كان غير مستقيم كيف تكلمه عن أمور العلم، وهو أصلًا غير مستقيم في نفسه، لا يحافظ على الصلوات الخمس مع الجماعة في المسجد، عنده انحراف، عنده كذا، فلا بد أيضًا أن نركز في الدعوة على الجانب الوعظي، هذا من الأمور المهمة، ولهذا كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان هذا هو منهجهم، كان إذا لقي بعضهم بعضًا، قال: اجلس بنا نؤمن ساعة، فجلسوا وتذاكروا أحوال الآخرة، والجنة والنار، فقاموا وقد قوي إيمانهم، وازداد يقينهم.
فالمطلوب التوازن، أن يكون هناك تركيز على الجوانب العلمية، والتركيز أيضًا على الجانب الوعظي، والعامة على وجه الخصوص ينبغي أن نركز على جانب الوعظي بالنسبة لهم؛ لأن النفوس إذا تعلقت بالحياة المادية تقسو القلوب، وتحصل الغفلة، ويحصل الذهول، ويصبح كلام الناس كله في الدنيا، وتتعلق القلوب بالدنيا، ويغفلون عن الآخرة.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 3009، ومسلم: 2406. |
---|