logo
الرئيسية/محاضرات/استقبال شهر رمضان

استقبال شهر رمضان

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنستقبل بعد أيامٍ قلائل موسمًا من مواسم التجارة مع الله بالأعمال الصالحة، نستقبل موسمًا عظيمًا من مواسم الخير، موسمًا رابحًا لمن وفَّقه الله للعمل الصالح، إنه شهر رمضان، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]، شهر الخيرات والبركات، شهر مضاعفة الحسنات، شهرٌ فيه تُرفع الدرجات، وفيه تُعتق الرقاب من النار، شهرٌ فيه تُكفَّر الخطايا والسيئات، إنه موسم الإكثار من الطاعات، والتنافس في القُرُبات، يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.

أيها الإخوة في الله، إن العبادة كما تَشرف ويعظم أجرها وثوابها بشرف المكان؛ فهي كذلك تشرف ويعظم أجرها وثوابها بشرف الزمان، وشهر رمضان العبادة فيه ليست كالعبادة في غيره، فأجرها مضاعفٌ، أجرها عظيمٌ وثوابها جزيلٌ، تفضَّل الله بهذا الموسم العظيم على عباده؛ ليزدادوا تقربًا إليه، ليزدادوا تقوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، فالحكمة من مشروعية الصيام: هي تحقيق التقوى لله : لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

أيها الإخوة في الله، وإذا كان تجار الدنيا لهم مواسم يزيدون فيها من نشاطهم، ويضاعفون فيها من جهودهم، ويستنفرون قواهم ويقولون: إن هذا موسمٌ بالنسبة لهم؛ كذلك أيضًا تجار الآخرة، المتاجرون بالأعمال الصالحة بالتجارة الرابحة الحقيقية، لهم مواسم؛ ومن هذه المواسم: هذا الموسم العظيم الذي أظَلَّنا، فلنجتهد أ-يها الإخوة- فيه ونُري الله من أنفسنا خيرًا؛ فإن العمر قصيرٌ، وكلُّ يوم يمضي يقترب به الأجل، كل يوم يمضي نقترب به من الموت ونبتعد به عن الدنيا، وكما يقول الحسن رحمه الله: “يا ابن آدم، إنما أنت أيامٌ، كلما ذهب يومٌ؛ ذهب بعضك”، ويقول: “ما من يومٍ تشرق شمسه؛ إلا وينادي منادٍ: يا ابن آدم، أنا خَلقٌ جديدٌ، وعلى عملك شهيدٌ، فتزوَّد مني فإني لا أعود أبدًا إلى يوم القيامة”.

كم من إنسانٍ صام معنا رمضان من العام الماضي، ثم بغته الموت واخترمته المنية، فهو الآن في قبره مرتهنٌ بعمله، لا يستطيع زيادةً في الحسنات ولا نقصًا من السيئات.

قدِّر -يا أخي- أن هذا ربما يكون هو آخر رمضانٍ تصومه مع المسلمين، فلنجتهد في العبادة، ولنجتهد في الطاعة، فإنها والله الكنز الحقيقي الذي يبقى للإنسان: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].

مراحل تشريع الصيام

أيها الإخوة في الله، إن الله قد فرض في هذا الشهر الكريم صيام نهاره، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، وقد كان فرضه متدرجًا، فأول ما فرض: صيام عاشوراء، ثم بعد ذلك فرض صيام شهر رمضان على وجه التخيير بينه وبين الإطعام؛ كما قال : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ، يعني: من الإطعام، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184]، فكان الإنسانُ مخيرًا بين الصيام والإطعام، لكن الصيام خيرٌ من الإطعام في الأجر والثواب، ثم بعد ذلك فُرض صيام شهر رمضان حتمًا بقول الله : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185].

والحكمة من ذلك: أن ما كان شاقًّا على النفوس نجد أن الشريعة تتدرج في الإلزام به، فلما كان الصوم غير معهودٍ وغير مألوفٍ وشاقًّا على النفوس؛ كان هذا التدرج في إيجابه وفي فرضيته، وكذلك تحريم الخمر، لما كان الناس قد أدمنوا شرب الخمر؛ كان تحريمه بالتدريج وعلى مراحل كما هو معلومٌ.

الحكمة من مشروعية الصيام

وتأمَّلْ قول الله : لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، أي إن الغاية من فرضية الصيام: هي تحقيق التقوى لله ؛ ولهذا من كان يومُ صومه ويوم فطره سواءً؛ فمعنى ذلك: أن عنده خللًا، لم يُحقِّق الصوم الثمرة والهدف منه، فإن ثمرته: تحقيق التقوى لله

ولهذا ينبغي أن يكون حال المسلم في رمضان أحسن من حاله قبل رمضان، كان النبي أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيُدارسه القرآن، فلَرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة [1].

والصيام ليس إمساكًا عن المفطرات الحسية فحسب، ليس إمساكًا عن الأكل والشرب والجماع فحسب، ولكنه أيضًا إمساك الجوارح عن المعاصي، فحقيقة الصوم تعني مع الإمساك عن المفطرات الحسية: الإمساك كذلك عن المعاصي، وإلا فالذي لا يرتدع عن المعاصي ربما يصل إلى المرحلة التي ذكرها النبي ، أو الحال التي ذكرها النبي في قوله: من لم يَدَع قول الزور والعمل به والجهل؛ فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه [2]، أخرجه البخاري في “صحيحه”.

معنى الحديث: أن من لم يترك المعاصي أثناء صومه، فإنه قد يصل إلى حالٍ يدع الله تعالى معها طعامه وشرابه؛ بمعنى: أنه لا يُؤجَر ولا يُثاب على هذا الصوم؛ لأنه لم يتأدَّب بآداب الصوم؛ ولهذا قال أهل العلم: إن كل معصيةٍ تخدش الصوم تُنقِص من أجر الصائم؛ ولهذا كان كثيرٌ من السلف إذا صاموا؛ جلسوا في المساجد وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدًا.

فعندما ينظر الإنسان نظرًا محرمًا؛ فهذا ينقص من أجر الصائم، عندما يستمع للأغاني؛ فإن هذا ينقص من أجر الصائم، عندما يتكلم بالكلام المحرم من الغيبة أو السِّباب أو نحو ذلك؛ فإن هذا ينقص من أجر الصائم، إذا كثرت هذه المعاصي؛ فقد يصل إلى هذه الحال المذكورة في الحديث: أن الله يدع طعامه وشرابه، وليس لله حاجةٌ في هذا؛ معنى ذلك: أنه لا يؤجر ولا يثاب على هذا الصوم وإن كانت تحصل به براءة الذمة؛ لأنه قد أمسك عن المفطرات الحسية، فتحصل به براءة الذمة، لكنه لا يثاب ولا يؤجر عليها.

ونظير ذلك: الصلاة التي صلاها المصلي وهو من حين أن كَبَّر إلى حين أن سلَّم في هواجس ووساوس، هذه الصلاة تبرأ بها الذمة؛ لأنه قد حقَّق أركانها وشروطها وواجباتها، لكن ليس له من أجر صلاته إلا مقدار ما عقل منها، فإن لم يعقل منها شيئًا؛ لا يُثاب ولا يُؤجر على هذه الصلاة.

إذنْ -أيها الإخوة- ينبغي أن يستحضر الصائم هذا المعنى: وهو أنه إذا صام؛ تصوم معه جوارحه عن جميع المعاصي، وإذا تخلَّق المسلم بهذه الأخلاق، وتأدب بهذه الآداب؛ فإن شهر رمضان يصبح بالنسبة له مدرسةً تربويةً، يتخرج من مدرسة الصوم وقد تأدب بآداب الصوم؛ فمن كان مثلًا من عادته أنه كثير الغِيبة، أو كثير السِّباب، أو نحو ذلك؛ فإنه بدخول شهر رمضان مأمورٌ بأن يترك ذلك، وإلا أنقص من أجر صومه، فإذا ترك ذلك طيلة شهر رمضان؛ فإن ذلك لا يلبث أن يصبح عادةً له.

وقد ذكر أرباب الأخلاق والسلوك: أن الإنسان إذا أراد أن يتخلص من عادةٍ ذميمةٍ، أو يكتسب عادةً حسنةً؛ فإنه يَلزم ذلك مدة تتراوح ما بين ثلاثة أسابيع إلى شهر، وشهر رمضان يحقق هذا المعنى.

فإذنْ شهر رمضان -أيها الإخوة- مدرسةٌ تربويةٌ للمسلم، يتخرج من هذه المدرسة بالأخلاق الفاضلة وبالعادات الحسنة.

خصائص وفضائل شهر رمضان

أيها الإخوة، وهذا الشهر الكريم له خصائص، له فضائل عظيمةٌ تَميز بها عن بقية شهور العام، ومنها ما جاء في “الصحيحين” عن أبي هريرة : أن رسول الله قال: إذا دخل شهر رمضان؛ فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين، وفي رواية: وسُلْسِلَت الشياطين [3]، وفي روايةٍ للترمذي وابن ماجه وغيرهما بسندٍ حسنٍ: إذا كان أول ليلةٍ من شهر رمضان؛ صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقت أبواب النار فلم يُفتح منها بابٌ، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها بابٌ، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أَقْبِل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عُتَقاء من النار، وذلك كل ليلةٍ [4].

فتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار

ففي هذا الحديث بيَّن النبي أن شهر رمضان يختص بأنه تُفتح فيه أبواب الجنة، وأبواب الجنة ثمانيةٌ كما أخبر بذلك النبي [5]، وما بين مِصراعي الباب الواحد مسيرة أربعين عامًا، وليأتين عليه يومٌ وهو كظيظٌ من الزحام [6]، هذه الأبواب إذا دخل شهر رمضان؛ فُتحت تشجيعًا لأهل الخير لكي يعملوا الصالحات، تشجيعًا للمؤمنين ليعملوا الطاعات، فتُفَتَّح أبواب الجنة؛ ترغيبًا لهم في العمل الصالح، وتُغلَّق أبواب النار، وأبواب النار سبعةٌ كما أخبر بذلك ربنا : لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر:44]، أبواب النار تغلق؛ رحمةً ورفقًا بالمؤمنين، لا تغلق إلا في هذا الشهر الكريم.

فإذنْ أبواب الجنة تُفتح، وأبواب النار تُغلق، كذلك أيضًا تُصفَّد الشياطين ومردة الجن، فلا يَخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره؛ ومعنى ذلك: لا زال عندهم شيءٌ من الإغواء والوسوسة، لكنها تقل؛ ولهذا لا يقول قائلٌ: إننا نرى من يقترف المعاصي وربما يقع في الكبائر في رمضان، فنقول: إن الشياطين تستمر في إغواء بني آدم، لكن إغواءهم يقل؛ ولهذا قال : فلا يَخلُصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره [7]؛ ولذلك نجد كثرة الطاعات والأعمال الصالحة من الناس في رمضان، وقلة اقترافهم المعاصي في رمضان، نجد أن المساجد تكون عامرةً بالمصلين في شهر رمضان، فالشياطين هي التي تَحرِص على إضلال بني آدم، الشياطين ذرية إبليس، وهو الذي قال: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17]، هو عدو الإنسان، إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، وإضلاله لبني آدم عن طريق الوسوسة، وتحسين المعاصي وتزيينها لهم، وتثقيل الطاعات عليهم، وله طرقٌ ومكرٌ يَنفُذ عن طريقه إلى بني آدم، فهم يُصفَّدون في هذا الشهر الكريم، فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره.

أيها الإخوة في الله، ومما اختص به هذا الشهر الكريم: ما جاء في “الصحيحين” عن أبي هريرة  أن النبي قال: كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي [8].

مضاعفة أجر الصيام على غيره

تأملوا -أيها الإخوة- هذا الحديث العظيم، هنا يُبيِّن النبي عن الله أنه قال في الحديث القدسي: كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ [9]، فالصلاة يجزى عليها بهذا، بأن تُضاعف الحسنات، الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعافٍ، كذلك الزكاة، كذلك الحج، كذلك سائر العبادات، لكن عبادة الصوم اختصها الله تعالى بجزاءٍ خاصٍّ من عنده، يجزي الله تعالى عليها جزاءً خاصًّا من عنده: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، وكما يقال: العطية بقدر معطيها، والله هو أكرم الأكرمين، وهو أجود الأجودين، وأضرب مثالًا يتضح به المقال: لو أن مدرسًا قال للطلاب المتفوقين في قاعته أو في فصله: أنت -يا فلان- لك جائزةٌ، وأنت لك جائزةٌ، وأنت لك جائزةٌ، أما أنت -يا فلان- فلك جائزة خاصةٌ عندي، فماذا يُفهَم من هذا؟ يفهم أن هذه الجائزة أفضل من جوائز زملائه؛ لأنه أعطى زملاءه كُلَّ واحدٍ جائزةً، قال: أما أنت -يا فلان- فلك جائزةٌ خاصةٌ؛ هكذا أيضًا عبادة الصوم، يجزي الله تعالى عليها جزاءً خاصًّا من عنده: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به؛ وهذا يدل على عظيم أجر الصوم.

هل هذا يختص بصوم الفريضة؟ هل هذا يختص بصوم شهر رمضان؟

الجواب: لا، يشمل صوم الفريضة وصوم النافلة، لكن صوم الفريضة أعظم أجرًا وثوابًا؛ ولهذا ينبغي للمسلم أن يستكثر من صيام النوافل؛ فإن أجرها عظيمٌ جدًّا.

ما الحكمة؟ لماذا اختُصت هذه العبادة من بين سائر العبادات بهذا الفضل العظيم؟ بهذه الخصوصية: أن الله تعالى يجزي على هذه العبادة جزاءً خاصًّا من عنده؟

قال أهل العلم: إن الحكمة هي المذكورة في الحديث: يدع طعامه وشرابه وشهوته لأجلي، الحكمة هي أن عبادة الصوم يظهر فيها الإخلاص لله ، فإن الإنسان يكون في المكان الخالي لا يراه أحد من الناس، وبإمكانه أن يُفطِر، بإمكانه أن يأكل وأن يشرب وأن يُفطر ولا يراه أحدٌ من البشر، فإذا ترك ذلك لله ؛ دلَّ ذلك على إخلاصه لربه، وعلى قوة إيمانه، وعلى خوفه من الله ، ولذلك فإن الله تعالى يجزيه على هذه العبادة التي يظهر فيها الإخلاص، يجزي الله تعالى عليها جزاءً خاصًّا، وجزاءُ عظيمًا من عنده جل وعلا.

الصيام جنة ووقاية

ثم قال في هذا الحديث: والصيام جُنَّةٌ [10]، هو جُنَّةٌ بمعنى: وقاية، فهو وقايةٌ من النار، وكذلك أيضًا هو وقاية من المعاصي، فإن أولًا الشياطين تُصَفَّد في هذا الشهر الكريم، ثم أيضًا مع الجوع والعطش يضيق مجرى الدم الذي يجري معه الشيطان، فتقل المعاصي التي يقترفها الإنسان، وهذا أمرٌ واقعٌ ومشاهَدٌ.

ثم قال: فإذا كان يوم صوم أحدكم؛ فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله؛ فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ [11]، يعني: ينبغي للصائم أن يتأدَّب بآداب الصيام، فيجتنب الرَّفَث، ويجتنب الصَّخَب، ويجتنب السِّباب، ويجتنب الشتم، ويجتنب الغِيبة، ويجتنب السخرية، وهكذا، حتى لو أخطأ عليه أحدٌ؛ فإنه في غير الصوم يجوز له أن يُقابل السباب بمثله: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ  [البقرة:194]، وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل: 126]؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: المُسْتَبَّان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتدِ المظلوم [12]، لكن إذا كان صائمًا؛ فينبغي أن يتنازل عن حقِّه، وألا يقابل السيئة بمثلها، وأن مَن سابَّه أو قاتله أو تكلَّم عليه أو أخطأ في حقِّه ألا يرُدَّ عليه، وأن يقول: إني امرؤٌ صائمٌ، يعني: أنا أحترم الصوم فلا أردُّ عليك، هذه هي السُّنة في هذا.

والذي نفس محمدٍ بيده لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك [13]، خلوف فم الصائم، الخُلُوف: هو ما يخرج من الرائحة الكريهة عند خلو المعدة من الطعام، لما كان هذا أثرًا من آثار العبادة ومن آثار الطاعة؛ كان محبوبًا عند الله ، فهو أطيب عند الله من ريح المسك.

للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر؛ فرح بفطره، وإذا لقي ربه؛ فرح بصومه [14]، يفرح الصائم -عندما يفطر- بنعمة الله عليه، وأن الله تعالى أباح له الطعام والشراب، وأباح له ما كان محرمًا عليه في نهاره، ثم إذا لقي ربه ووجد الأجر من الله سبحانه على هذه العبادة الجليلة؛ فإنه يفرح بذلك فرحًا عظيمًا، يفرح عند لقاء ربه بما يجده من الثواب الذي لا حد له ولا حصر بعددٍ كما سبق، يجده مدخرًا له أحوج ما يكون إليه في يوم لا ينفع فيه لا مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ.

اختصاص الصائمين بباب يدخلون منه

ومن فضائل الصوم: ما جاء في “الصحيحين” عن سهل بن سعد أن النبي قال: إن في الجنة بابًا يقال له: الرَّيَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فيقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يقوم أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد [15].

وفضائل هذا الشهر الكريم كثيرة جدًّا، والمطلوب من المسلم أن يغتنم هذا الموسم، وأن يجدَّ ويجتهد في الطاعات، ولكن -أيها الإخوة- بعض الناس يعيش في بحر الأماني؛ يتمنى الخير، يتمنى العمل الصالح، يتمنى الطاعة، فهو يعيش في أمنياتٍ، وهل الأمنيات تنفع؟! كل الناس يتمنون الخير، كل الناس يتمنون أن يكونوا طائعين لله ، لكن الأمنيات تبقى -أيها الإخوة- أمنياتٍ، لا بد من العمل الصالح؛ ولهذا نجد في القرآن الكريم أن الله تعالى يَقرِن العمل الصالح بالإيمان: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3]، لم يقل: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا فقط، الإيمان وحده لا يكفي، لا بد من عملٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، لا بد من أن يقترن بالإيمان عملٌ صالحٌ.

فلا بد إذنْ -أيها الإخوة- من التشمير في الطاعات، والمسابقة والمسارعة إلى الخيرات.

المشارطة والمحاسبة في رمضان

وحتى يُحقِّق المسلم هذه المعاني؛ فعليه أن يفعل ما ذكره السلف الصالح -رحمهم الله- من المشارطة والمحاسبة؛ مشارطة للنفس ومحاسبة لها، فإذا اجتمع للإنسان المشارطة والمحاسبة؛ فإنه ينشط في الخير، وينشط في العبادة، وينشط في الطاعة.

ما معنى المشارطة؟

المشارطة؛ مشارطة النفس، يُسمِّيها بعض المعاصرين -بِلُغة العصر كما يقال- “التخطيط للوقت”، والمحاسبة محاسبة النفس؛ هل عملت وِفْقَ هذه الخطة أم لا؟ ما الذي قصرت فيه؟

فينبغي -مع إقبال هذا الشهر الكريم- أن يكون لنا مشارطةٌ لأنفسنا؛ على سبيل المثال: يُشارط الإنسان نفسه على ألا تفوته تكبيرة الإحرام خلف الإمام، مثلًا: يُشارط نفسه على ألا تقع منه غِيبةٌ أثناء صومه، يُشارط نفسه على ألا تفوته ركعةٌ واحدةٌ من قيام رمضان، يقوم رمضان كاملًا حتى يُحقِّق ما ورد في الحديث: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه [16]، يُشارط نفسه مثلًا على أن يختم القرآن عدة ختماتٍ، ويضع آليةً لهذا، إذا مثلًا شارط نفسه على أن يختم القرآن ثلاث مراتٍ في الشهر الكريم، ثلاث مراتٍ مثلًا؛ فمعنى ذلك: أنه لا بد أن يقرأ كل يومٍ ما لا يقل عن ثلاثة أجزاءٍ؛ حتى يُحقِّق هذا الهدف، ثم تأتي المحاسبة، إذا شارَط نفسه؛ حاسَب نفسه، فعند نهاية اليوم يقول: شارطت نفسي على أن أعمل كذا وكذا، فما الذي فعلته من هذه الأمور، وما الذي قصرت فيه؟

والمحاسبة -أيها الإخوة- أصلٌ عظيمٌ ذكره الله ، أمر به في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18]، قال أهل العلم: هذه الآية أصلٌ في محاسبة النفس: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ؛ ولذلك تجدون -أيها الإخوة- أن الإنسان الذي تنعدم عنده المحاسبة مستمرٌّ في لهوٍ وفي غفلة، ومستمرٌّ فيما هو فيه، لا تتغير أحواله، تجد أنه تمُرُّ عليه المواسم تلو المواسم وهو على حاله، بينما الإنسان الذي عنده جانب المحاسبة تجد أن نفسه تزكو وتسمو، وتجد أن حاله كل عامٍ أحسن من العام الذي قبله.

فلا بد -أيها الإخوة- إذنْ من محاسبة النفس، ولنقتد بالسلف الصالح، فقد أخرج الإمام مالكٌ في “الموطأ” بسندٍ صحيحٍ: أن أبا بكرٍ كان يُمسِك بلسانه ويقول: “هذا الذي أوردني الموارد” [17]، يعني من شدة محاسبته لنفسه، وكان عمر إذا جنَّ عليه الليل ضرب قدميه بالدَّرَّة، وقال: “يا نفس، ماذا عملت اليوم؟ يا نفس ماذا قدمت لغدٍ”؟ وكان ابن مسعودٍ إذا غربت الشمس قال: “هذا يوم غربت شمسه، نقص به عمري، واقترب به أجلي”، وهكذا نجد -أيها الإخوة- أن السلف الصالح كانوا على عنايةٍ كبيرةٍ بهذا الجانب.

والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ

فلا بد إذنْ أن يكون للمسلم جانبٌ كبيرٌ من محاسبة النفس، خاصةً مع تجدد المواسم، مع مثل هذه المواسم الفاضلة؛ لأن النفس -أيها الإخوة- بطبعها تميل للهوى، تحتاج إلى نهيٍ؛ كما قال ربنا : وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى تأمل قوله: وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: 40-41]، فالنفس تحتاج إلى نهيٍ؛ لأنها بطبعها تنجرف للهوى، تحتاج من الإنسان إلى حزمٍ وعزمٍ وقوةٍ، وهي كما يقول القائل:

والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ

أرأيت الطفل؟ عندما يُترك يرضع؛ يستمر في الرضاع، عندما يُفطَم عن الرضاع؛ يبكي ويتألم يومًا أو يومين، ثم بعد ذلك ينفطم؛ هكذا النفس تمامًا، فالنفس إذا رأت منك حزمًا وعزمًا وقوةً؛ فإنها تنقاد لك، لكن إذا رأت منك ترددًا وتكاسلًا؛ فإنها تقود الإنسان إلى الهوى؛ ولذلك تأملوا هذه الآية: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41].

مفسدات الصوم

أيها الإخوة في الله، وبعد ذلك ننتقل للحديث بإجمالٍ بعدما تكلمنا عن فضائل هذا الشهر الكريم، وعن حقيقة الصوم التي تجمع الإمساك عن المفطرات الحسية وعن المعاصي؛ نعطي نُبذةً بعد ذلك موجزةً عن المفطرات الحسية التي يحصل بها التفطير للصائم، وقد ذكر الله أصول المفطرات في قوله سبحانه: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل [البقرة:187].

ويمكن إجمال هذه المفطرات في سبعة أنواعٍ:

الجماع في نهار رمضان

الأول، وهو أعظمها، وهو أيضًا أعظم مفسدات الحج: هو الجماع، الجماع في نهار رمضان، وهو أكبرها إثمًا، ومن ارتكب هذا المُفسد؛ فإنه:

  • أولًا: يفسد صومه.
  • ثانيًا: يلزمه الإمساك بقية يومه.
  • ثالثًا: يلزمه القضاء.
  • رابعًا: يلزمه التوبة؛ لأن الذنب عظيمٌ.
  • خامسًا: ومن التوبة: الكفارة المغلَّظة، والكفارة المغلَّظة هي عتق رقبةٍ، فإن لم يجد؛ فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع؛ فإطعام ستين مسكينًا، ولا يوجد رقابٌ الآن، الآن الرق ممنوعٌ رسميًّا في جميع دول العالم؛ ولذلك ينتقل مباشرةً لصيام شهرين متتابعين، ومن كان يستطيع صيام شهر رمضان؛ فهو يستطيع صيام شهرين متتابعين، بعض الناس عندما يؤمر بصيام شهرين متتابعين يقول: هذا يشق عليَّ، نقول: المشقة لا بد منها؛ لأن الذنب عظيمٌ، المشقة لا بد منها؛ ولذلك ليس له أن يعدِل للإطعام إلا عند العجز عن الصيام، فإن عجز عن الصيام؛ انتقل لإطعام ستين مسكينًا.

وأقول أيها الإخوة: إنه لمن المؤسف حقًّا أن نرى عددًا ليس بالقليل يقعون في هذا الأمر، وأقول هذا من واقع استفتاءات الناس؛ لأنني لاحظت كثرة المستفتين عن هذا الأمر، يقول: إنه جامع أهله في نهار رمضان، ومعظم -إن لم يكن جميع- المستفتين عن هذا الأمر يعلمون بالحكم، يعلمون أنه حرامٌ، لكن يقول: غلبته نفسه؛ وهذا يدل على رِقَّة الديانة، وعلى الاستهتار وقلة المبالاة بأوامر الله ورسوله.

وتجد أحيانًا أن المرأة هي السبب في هذا، هي التي تتعرض للرجل حتى يقع مثل هذا الأمر، ثم بعد ذلك يسأل: ما الذي يجب عليه؟ وما الذي يترتب عليه؟ بل قبل مدةٍ ليست بالبعيدة أحد الناس قال: إنه جامع امرأته أربع مراتٍ في أربعة أيامٍ عالمًا مختارًا، فلما قلت له: عليك صيام ثمانية أشهرٍ، قال: كيف هذا؟! أنتم تُشدِّدون على الناس، كيف نشدد على الناس؟! أنت الذي أوقعت نفسك في هذا الأمر، الذنب عظيمٌ، والجرم كبيرٌ، فهو عليه أن يصوم ثمانية أشهرٍ، كل شهرين متتابعان، وتبقى في ذمته، لكن أنا أقول: إن هذا الأمر -أيها الإخوة- مع الأسف! أنه واقعٌ لدى عددٍ ليس بالقليل من الناس.

والجماع الموجب للكفارة: هو الجماع الذي يحصل معه الإيلاج، أما إذا كان مجرد مباشرةٍ من غير إيلاجٍ فهذا لا يوجب الكفارة.

إنزال المني باختياره

والثاني: إنزال المني باختياره، فإن هذا مفسدٌ للصوم.

وأما المذي بالذال: فاختلف الفقهاء هل خروجه مفسدٌ للصوم أم لا؟

المذهب عند الحنابلة: أن خروجه مفسدٌ للصوم، واستدلوا بقول النبي ، قال عن الله في الحديث القدسي: يدع طعامه وشرابه وشهوته لأجلي [18].

والقول الثاني في المسألة: أن خروج المذي لا يفسد الصوم، وهو رواية عن الإمام احمد، واختاره أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ والشيخ محمد بن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع، وهو القول الراجح والله أعلم: أن خروج المذي لا يُفسد الصوم؛ لأنه ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على أن خروج المذي يفسد الصوم، وأما قوله: يدع طعامه وشرابه وشهوته، فالمقصود بذلك: الجماع؛ بدليل ما جاء في “الصحيحين” أن النبي كان يُقبِّل وهو صائمٌ [19]، بل جاء في “صحيح البخاري” أنه كان يباشر وهو صائمٌ [20])، ومعلومٌ أن من يفعل ذلك لا يأمن من خروج المذي معه.

إذنْ القول الراجح: أن خروج المذي لا يفسد الصوم.

الأكل أو الشرب في نهار رمضان

الثالث: الأكل والشرب، أيًّا كان نوع المأكول والمشروب، أما شم الروائح فإنه لا يفطر الصائم؛ لأنه ليس للرائحة جِرمٌ يدخل إلى الجوف، اللهم إلا البَخور، ينبغي أن يتجنبه الصائم، وألا يتعمد استنشاقه؛ لأن تعمُّد استنشاقه ربما يكون معه جِرمٌ، فربما تسبَّب في إفساد الصوم؛ ولذلك ينبغي أن تُجنَّب المساجد نهار رمضان البَخور، بعض الناس يجتهد يوم الجمعة ويأتي بالبخور ليُطيِّب الناس، هذا في غير رمضان، هذا طيِّبٌ، ومأجورٌ عليه، وهذا مأثورٌ عن السلف الصالح، أما في رمضان فينبغي أن يكون ذلك في الليل، يكون في صلاة التراويح مثلًا، أما في النهار فينبغي أن تُجنَّب المساجد مثل هذا؛ حتى لا يوقع الناس في الحرج.

ما كان بمعنى الأكل والشرب

الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب، ومن ذلك:

الإبر المغذية؛ فإن الإبر المغذِّية تقوم مقام الطعام والشراب، ولهذا نجد أن بعض المرضى يعيشون يعتمدون على هذه الإبر أيامًا عديدةً وربما شهورًا، فهي لا شك أنها تقوم مقام الطعام والشراب، فهي تُفسد الصوم.

أما الإبر غير المغذية: فإنها لا تُفسد الصوم، سواءٌ كانت إبر (إنسولين)، أو أي إبرٍ، ما دام أنها غير مغذيةٍ؛ فإنها لا تفسد الصوم؛ وذلك لأنها ليست طعامًا ولا شرابًا، ولا في معنى الطعام والشراب، ولا نعلم أن أحدًا استغنى عن الطعام والشراب واعتمد على مثل هذه الإبر، لكن الإبر المغذية يُعتمد عليها، أما الإبر غير المغذية فإنه لا يُعتمد عليها، وإنما تُستخدم في التداوي وفي العلاج.

كذلك أيضًا في معنى الطعام والشراب: حُقَن الدم للصائم، مثل أن يُصاب بنزيفٍ فيُحقن به الدم، فإنه يفطر بذلك؛ لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب، لكن لو احتاج لذلك فلا حرج عليه؛ كأن يقع له حادثٌ مثلًا فيحتاج إلى أن يحقن دمًا، فهنا لا بأس بحقنة الدم، ويقضي يومًا مكان ذلك اليوم.

حكم استعمال بخاخ الربو

أما بخاخ الربو، البخاخ الذي يستخدمه المصابون بالربو، ومثل ذلك أيضًا: الأكسجين، فإن هذا لا يُفسد الصوم؛ لأنه إنما يُوسِّع مجاري النَّفَس فقط، فهو يُوسِّع الشُّعَب الهوائية ومجاري النفس ولا يصل إلى المعدة.

ولذلك فالذي عليه الفتوى: هو أن بخاخ الربو وكذلك الأكسجين؛ أن هذه لا تُفسد الصوم، فإن قال قائل: إنه ينفُذ إلى الجوف منه أجزاءٌ يسيرة.

فالجواب: إن هذا صحيح، قد تنفُذ أجزاءٌ يسيرةٌ جدًّا، لكن هذا الجزء اليسير معفوٌّ عنه؛ لأنه أقل من ملوحة الماء التي تبقى في الفم بعد المضمضة، ومعلومٌ أن الصائم يتمضمض لصلاة الظهر مثلًا، لصلاة العصر، ويبقى بعد المضمضة أثرُ ملوحة الماء في فمه، ويختلط ذلك بالريق، وهذا معفوٌّ عنه بالإجماع.

كذلك أيضًا ما قد ينفُذ من بخاخ الربو أو الأكسجين إلى المعدة، فهو معفوٌّ عنه كذلك، لكن أُنَبِّه هنا إلى أن هناك نوعًا آخر لعلاج الربو، ليس بطريق البخاخ، وإنما عن طريق الكبسولات، يضعها الإنسان في فمه فتنفجر وتختلط بالرِّيق، هذه لا شك أنها تُفطر الصائم؛ لأن لها جُرْمًا يختلط بالريق ويبتلعه، فهذه تفطر الصائم.

حكم الغسيل الكلوي

أما بالنسبة للغسيل الكُلوي: فالغسيل الكلوي ليس فقط غسيلًا، وإنما يتبعه أو يصحبه حقنٌ، هذا الذي يغسل بأملاحٍ، يعني: يكون مع ذلك أملاحٌ وسُكَّريَّاتٌ، ونحو ذلك؛ ولذلك نجد أن مستوى السكر لدى هذا الذي يغسل يرتفع، إذا قِسْتَ السكر عنده قبل التغسيل وبعد التغسيل؛ تجد أن مستوى السكر عنده يرتفع، وتجد أنه يجد نشاطًا بعد التغسيل؛ ولذلك فتغسيل الكُلى يفطر الصائم، وهذا ما أفتتت به “اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء” برئاسة شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله، هذا التغسيل الدموي.

وُجد أيضًا في السنوات الأخيرة ما يسمى بـ”الغسيل البريتوني”، وهو كذلك محل خلافٍ بين العلماء المعاصرين، والأقرب أنه كذلك يفطر الصائم؛ ولذلك نجد أن من يغسل بـ”الغسيل البريتوني”، مستوى السكر عنده يرتفع، وكذلك أيضًا نجد أنه يجد نشاطًا وخِفَّة بعد ذلك التغسيل.

حكم استعمال قطرة الأنف والأذن

أما بالنسبة لقطرة العين والأذن والأنف: فننظر؛ أولًا ما هو المنفَذ المعتاد من هذه الأمور؟

العين: هل العين منفذٌ معتادٌ للطعام والشراب؟ الجواب: لا، فقطرة العين إذنْ لا تفطر الصائم.

الأذن: هل الأذن منفذٌ معتادٌ للطعام والشراب؟ الجواب: لا، إذًا قطرة الأذن كذلك لا تُفطر الصائم، حتى لو وجد الطعم في حَلْقِه.

أما قطرة الأنف: فالأنف منفذٌ للطعام والشراب، عند تعذر إعطاء الطعام والشراب عن طريق الفم؛ لهذا نجد بعض المرضى يوضع أنبوبٌ في الأنف، ويكون الطعام والشراب عن طريق الأنف، فالأنف يمكن أن يكون منفذًا للطعام والشراب؛ ولذلك فإن قطرة الأنف تفسد الصيام إذا وصل ماؤها للجوف، ومما يدل لهذا: حديث لقيط بن صَبِرة  أن النبي قال: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا [21]، فمعنى ذلك: أنك إذا بالغت في الاستنشاق وأنت صائمٌ؛ فربما نفذ إلى الجوف شيءٌ من الماء فيؤثر ذلك على صحة الصيام.

فالحاصل: أن قطرة العين والأذن لا تُفسد الصوم، أما قطرة الأنف فإنها تُفسد الصوم إذا وصل ماؤها إلى الجوف.

حكم استعمال معجون الأسنان والسواك

استخدام الفرشاة والمعجون بالنسبة للصائم: لا حرج في ذلك، بشرط أن يلفظ هذا المعجون، لكن بعض المعاجين لها نفوذٌ قويٌّ، ربما لا يستطيع أن يلفظ هذا المعجون، فإذا كان يخشى أن ينفُذ شيءٌ منه للجوف؛ فالأحسن أن يجعل استخدامه لهذا المعجون قُبَيل الفجر، يجعله في الليل عمومًا، لكن إذا ضمن أن يلفظ هذا المعجون ولا يبقى له أثرٌ في فمه؛ فلا حرج في ذلك.

وكذلك السواك بالنسبة للصائم سُنَّةٌ، والأحاديث المروية في النهي عنه ضعيفةٌ لا تصح؛ كحديث عليٍّ : استاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي [22]، هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا لا يصح عن النبي ، بل قال عمرو بن ربيعة : “رأيت النبي ما لا أُحصي يتسوَّك وهو صائمٌ” [23]، لا حرج في التسوُّك للصائم، سواءٌ في أول النهار أو في آخره، سواءٌ كان ذلك في أول النهار أو كان في آخر النهار.

إخراج الدم بالحجامة

الخامس: إخراج الدم بالحجامة؛ لقول النبي : أفطر الحاجم والمحجوم [24]، أخرجه أبو داود وأحمد، وقال البخاري: “ليس في الباب أصح منه”، والحديث من جهة الإسناد صحيحٌ.

وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم:

  • فالجمهور على أن الحجامة لا تُفسد الصوم.
  • والحنابلة ذهبوا إلى أن الحجامة تُفسد الصوم، وهو من المفردات.

والقول الراجح: أن الحجامة تُفسد الصوم، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية وابن القيم، وكذلك اختيار شيخنا عبدالعزيز ابن بازٍ والشيخ محمد بن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع.

ونجد أن خروج الدم عمومًا له أثرٌ على صحة الصوم؛ لهذا نجد أن الحائض والنفساء لا يصح منهما الصوم؛ وذلك لخروج الدم؛ لأن الدم يُضعِف البدن؛ فكذلك أيضًا خروج دم الحجامة يُضعِف البدن؛ ولذلك فإنه يفسد الصوم.

أما حديث أن النبي : “احتجم وهو صائمٌ” [25]، فالمحفوظ عن الرواية أنه: احتَجَم وهو محرمٌ [26]، أما زيادة: “وهو صائمٌ”، فهذه وإن كانت في البخاري إلا أنها غير محفوظةٍ، وعلى أنها لو صحت فكما قال ابن القيم: يُحمل ذلك على صيام النافلة؛ لأن النبي في أسفاره التي أحرم فيها كان مسافرًا؛ لأنه عليه الصلاة والسلام إنما كان محرمًا في السفر، وكذلك كان صائمًا وقت الإحرام، فلو صحت هذه الرواية؛ فيُحمل ذلك على السفر، والمسافر يباح له الفطر في نهار رمضان، أو يحمل ذلك على صيام النافلة.

الحاصل: أن القول الراجح: هو أن الحجامة تُفطر الصائم.

والحجامة بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام أنها أمثل ما تداوى به الناس، فقد جاء في “صحيح البخاري” أن النبي قال: إنَّ أمثَل ما تداويتم به: الحجامة [27]، وهو عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌّ يُوحى؛ فمعنى ذلك: أن الحجامة فائدتها مقطوعٌ بها؛ ولذلك أرشد النبي إليها، وأخبر بأنها أمثَلُ ما تداوى الناس به، لكن هذا على سبيل الإرشاد، فهي تبقى من الطب الذي يتعالج ويتداوى به الناس، تأثيرها على الصوم -كما قلت- تُفسد الصوم، لكن يُقاس عليها ما كان في معناها؛ ومن ذلك:

التبرع بالدم، التبرع بالدم في معنى استخراج الدم بالحجامة؛ ولذلك فإنه يُفسد الصوم؛ ولهذا من أراد أن يتبرع بالدم؛ فليجعل ذلك في الليل، إلا عند الضرورة؛ كأن يحتاج إلى تبرعٍ بالدم، ويكون هناك مثلًا إنسانٌ مريضٌ عنده نزيف أو نحو ذلك، ويطلب من الحاضرين التبرع بالدم، فلا بأس أن يتبرع الإنسان بالدم في هذه الحال، وهو مأجورٌ على ذلك إن شاء الله، ويقضي يومًا مكان هذا اليوم، يعني: يفسُد صومه، ويقضي يومًا مكان هذا اليوم.

ومن ذلك أيضًا: تحليل الدم، إذا كان الدم المستخرَج كثيرًا، تحليل الدم إذا كان يسيرًا، كتحليل دم السكر، هذا لا يفسد الصوم؛ لأنه يسيرٌ، أما لو كان كثيرًا كما يُفعَل الآن في بعض المستشفيات، يؤخذ من بعض الناس عدة براويز [28] لتحليل الدم، والواحد منها ربما طول الأصبع أو يزيد، فهذه إذا كانت مجموعة؛ فمعنى ذلك: أنها تكون في معنى دم الحجامة، فتُفسد الصوم.

الضابط في هذا: أن ما كان في معنى دم الحجامة؛ فهو يُفسد الصوم، ما كان يسيرًا، أقل من الدم المستخرج عادةً في الحجامة؛ فإنه لا يُفسد الصوم، ومن ذلك: الدم المصاحب لقلع السِّن، فإنه في الغالب دمٌ يسيرٌ؛ ولذلك لا يُفسد الصوم؛ ولهذا لا حرج في قلع السِّن في نهار رمضان، وإن خرج منه شيءٌ فإنه يلفظه ولا يبتلعه الصائم.

التقيؤ عمدًا

السادس: التقيُّؤ عمدًا؛ لحديث أبي هريرة أن النبي قال: من ذَرَعَه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء فَلْيَقْضِ [29]، وهذا الحديث أخرجه أبو داود وغيره، ومن أهل العلم من يجعله موقوفًا ولا يصححه مرفوعًا، وبكل حالٍ فالعمل عليه عند عامة أهل العلم: أن من ذَرَعَه القيء -يعني غلبه القيء- فليس عليه شيءٌ، وصومه صحيحٌ، أما من تعمد أن يستقيء فإن صومه يفسد بذلك.

خروج دم الحيض والنفاس

السابع: خروج دم الحيض والنفاس، والعبرة بخروج الدم: متى ما رأت المرأة الدم؛ فقد فسد صومها، حتى ولو كان قبل غروب الشمس بدقيقةٍ فيفسد صومها، أما لو أحست بآلام الدورة، لكن لم يخرج الدم إلا بعد غروب الشمس فإن صومها صحيحٌ.

أيها الإخوة في الله، هذه المفطرات لا بد أن يفعلها الإنسان عالمًا عامدًا مختارًا، أما إذا كان ناسيًا؛ فإن صومه صحيحٌ؛ لقول النبي : من نسي وهو صائمٌ فأكل أو شرب فَلْيُتِمَّ صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه [30].

حكم تبييت نية الصيام من الليل

ويجب تبييت نية الصيام من الليل، والحكمة من هذا، وهو تبييت النية: أن يكون جميع النهار مشمولًا بنية الصوم؛ لأنك إذا لم تبيِّت النية من الليل؛ فمعنى ذلك: أن جزءًا من النهار لا تشمله هذه النية؛ ولهذا في صيام النافلة يجوز إنشاء النية أثناء النهار؛ لأنه ليس واجبًا، لكن في رمضان أوجب الله تعالى علينا أن نصوم جميع النهار.

فلا بد أن تكون النية قبل طلوع الفجر؛ ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: لا صيام لمن لم يجمع النية من الليل [31].

وهنا تكفي نيةٌ واحدةٌ في أول الشهر، تكفي نيةٌ واحدةٌ في أول شهر رمضان، والمسلمون ينوون من بداية الشهر أنهم سيصومون شهر رمضان كاملًا؛ لهذا فلا داعي للتدقيق في مسألة النية؛ لأن هذا ربما يقود إلى الوسواس، اللهم إلا من قَطَع الصيام لعذرٍ؛ كامرأةٍ مثلًا قطعت الصيام لكونها أتاها الحيض، ثم بعد أن طهرت أرادت أن تُكمل، فهنا لا بد من أن تبيِّت النية بعد ذلك، وكذلك لو كان مسافرًا، لو سافر في أثناء الشهر فأفطر، ثم بعد ذلك أراد أن يصوم؛ فلا بد أن يبيِّت النية، أما ما عدا ذلك فالأصل أن الإنسان إذا نوى أول الشهر؛ فقد نوى صيام جميع الشهر، وكما يقول ابن تيمية رحمه الله: “النية تتبع العلم، فمن علم أن غدًا من رمضان فقد نوى”، بل قال بعض العلماء: “لو كُلفنا العمل بغير نيةٍ؛ لكان ذلك من التكليف بما لا يطاق”.

سنة السحور

كذلك أيضًا، من السنة للصائم: السحور، وأن يُؤخِّر السحور، وأن يُعجِّل الفطر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: تسحَّروا؛ فإن في السحور بركةً [32]، وتأملوا -أيها الإخوة- هذا الحديث العظيم: تسحَّروا؛ فإن في السحور بركةً، وهذا يدل على أن التسحُّر سنةٌ، وليس بالضرورة أن الإنسان -عندما يقال: تسحَّر- أن يملأ بطنه، ولو بشيءٍ يسيرٍ، ولو بتمراتٍ، أو ماءٍ ونحو ذلك؛ لأن هذا أمرٌ من النبي عليه الصلاة والسلام والحديث في “الصحيحين”، وأقل ما يفيده الأمر: الاستحباب.

وبيَّن النبي عليه الصلاة والسلام أن في السحور بركةً، فمن بركة السحور:

أولًا: الأجر والثواب الذي يحصل عليه المتسحر بامتثاله السُّنة.

ثانيًا: أنه يكون عونًا له على الصيام، فإن من يتسحر لا يجد من الجوع والعطش ما يجده من لم يتسحر.

وجاء في الحديث الآخر في “صحيح مسلم” أن النبي قال: فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكلة السَّحَر [33]، يعني: أهل الكتاب لا يتسحَّرون؛ ولهذا يتأكَّد السحور في حق الصائم.

أقول هذا؛ لأن بعض الناس ربما أنه ينام، يتعشَّى ثم ينام، ويقوم لصلاة الفجر ولا يتسحَّر، وهذا وإن كان ليس عليه إثمٌ؛ لكنه فوَّت سُنَّةً؛ ولذلك فالسُّنة أن يتسحَّر قُبَيْل الفجر، ويُؤخِّر السحور، ولْيمتثل بذلك أمر النبي .

سنة تعجيل الفطر

والسنة تعجيل الفطر، وقد قال النبي : لا تزال أمتي بخيرٍ ما عجَّلوا الفطر [34]، متفقٌ عليه من حديث سهل بن سعدٍ .

والسنة أن يُفطِر الصائم إذا غلب على ظَنِّه غروب الشمس، أيهما أفضل: أن يؤخر الإفطار إلى أن يتيقن غروب الشمس، أو الأفضل أن يفطر بناءً على غلبة الظن بغروب الشمس؟ نقول: الأفضل أن يفطر بناء على غلبة الظن؛ لأن هذا هو هدي النبي وهدي أصحابه  كما جاء في “صحيح البخاري” عن أسماء رضي الله عنها قالت: “أفطرنا على عهد رسول الله في يوم غيمٍ ثم طلعت الشمس” [35]، وهذا دليل على أنهم إنما أفطروا بناءً على غلبة الظن، كان يوم غيمٍ ثم أفطروا بناءً على غلبة الظن.

وقال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: “وليس هناك أحدٌ أطوع لله من رسول الله وصحابته ، وهديهم أكمل الهدي، فهم كانوا يفطرون بناءً على غلبة الظن”؛ ولهذا نقول: إذا غلب على ظنك أنه غربت الشمس؛ فالسُّنة أن تُفطر، ولا تقل: أؤخر الإفطار حتى أتيقن غروب الشمس، وفي الوقت الحاضر يُعتمد على التقاويم، التقاويم بالنسبة لغروب الشمس دقيقةٌ، وتقاويم عالميةٌ بالنسبة لشروق الشمس وغروبها، فيمكن أن يُعتمد على التقويم بالنسبة لغروب الشمس.

حكم الأكل والشرب والمؤذن يؤذن

ومن أكثر الأسئلة التي تَرِد في شهر رمضان: من يقول: شربت والمؤذن يؤذن، نقول: لا حرج في هذا، بل ورد في هذا حديثٌ عن النبي عند أبي داود وغيره، وهو حديثٌ حسنٌ بشواهده أو صحيحٌ، يقول فيه عليه الصلاة والسلام: إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده؛ فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه [36].

ثم أيضًا إن الله أناط الحكم بالتبيُّن: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، ولم يقل: حتى يطلع الفجر، ثم أيضًا طلوع الفجر؛ الفجر عندما يطلع؛ يطلع شيئًا فشيئًا، يعني: ليس دفعةً واحدةً؛ ولهذا إذا راقب الفجرَ اثنان؛ ربما يختلفان هل طلع الفجر أم لا؟ هل تبيَّن الفجر أم لا؟ ولهذا قال أهل العلم: إن الأصل هو بقاء الليل؛ ولهذا نجد أن الآثار المروية عن السلف تدل على تسامحهم في هذا، وأن الإنسان لو أكل أو شرب والمؤذن يؤذن فلا حرج عليه في ذلك.

وعند أهل العلم قاعدة في هذا الباب: وهي أن من أكل شاكًّا في طلوع الفجر فصومه صحيحٌ؛ لأن الأصل بقاء الليل، ومن أكل شاكًّا في غروب الشمس فإن صومه غير صحيحٍ؛ لأن الأصل بقاء النهار.

الدعاء عند الإفطار

والسنة عند الإفطار أن يدعو الصائم، فإنه قد صح عن النبي أنه قال: إن للصائم عند فطره دعوةً لا تُرَدُّ [37]، فيدعو الله بما يحضره من خيري الدنيا والآخرة من غير تحديد بدعاءٍ معينٍ، أما حديث: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، فتقبل مني إنك أنت السميع العليم [38]، فحديثٌ ضعيفٌ لا يصح عن النبي ، لكن الذي ثبت هو: ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله [39]، لكن هذا إنما يقوله مَن ظمئ بالفعل، أما من لم يَظْمَأ فإنه لا يقول: ذهب الظمأ، ويدعو الله تعالى بما يتيسر، وبما يحضره من خيري الدنيا والآخرة.

هذه نُبذةٌ -أيها الإخوة- مختصرةٌ حول أحكام الصوم، وأهم ما ينبغي أن يفعله الصائم، وينبغي للمسلم، وأذكر بما بدأت به، أقول: ينبغي للمسلم أن يغتنم هذا الموسم، وأن يُحسن الإفادة من هذا الوقت الثمين الذي ربما لا يدركه من عامٍ قابِلٍ.

ينبغي لنا -أيها الإخوة- أن نغتنم أوقات هذا الشهر الكريم، أن نعمر نهاره بالصيام وبالذكر والطاعة، ونعمر ليله بالقيام، وندعو الله بأن يعيننا على ذلك؛ لأن الإنسان مهما كان؛ يبقى بشرًا، إن لم يجد العون من الله ؛ فإنه يعجز عن القيام بالطاعة، وعن القيام بالعبادة؛ ولهذا قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: “تأملت أنفع الدعاء، فوجدته سؤال العبد ربه أن يعينه على طاعته، ثم تأملت فوجدته مذكورًا في قول الله : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]”؛ ولهذا أوصى النبي بذلك معاذًا  فقال: يا معاذ، والله إني لأحبك، لا تدعنَّ أن تقول دبر كل صلاةٍ: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك [40].

هذا -يا إخوان- من الأدعية العظيمة التي ينبغي أن يحافظ عليها المسلم في كل صلاةٍ يصليها في التشهد الأخير قبل السلام، يقول: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم بَلِّغنا شهر رمضان، اللهم بلغنا شهر رمضان، اللهم وفِّقنا فيه للصيام والقيام على الوجه الذي يرضيك، اللهم وفقنا فيه لما تُحب وترضى من الأقوال والأعمال، اللهم اجعلنا ممن يصوم هذا الشهر ويقومه إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا من عتقائك من النار يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة حقيقةً كثيرةٌ جدًّا، ولا نستطيع أن نجيب عن جميعها، لكن نجيب حسب ما يتيسر به الوقت مع الاختصار في الإجابة.

الأسئلة

السؤال: هذا يقول: أنا طالبٌ مبتعَثٌ، ووقت الصوم بالدولة المُبتَعث لها حوالي ثماني عشرة ساعةً، هل يجوز لي الإفطار في رمضان؟

الجواب: الدول التي يطول فيها النهار دَرَسَها “مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي” في أربع دوراتٍ، وكان آخرها الدورة الأخيرة، وشاركت معهم في هذه الدورة، وذهبنا لإحدى البلدان التي يطول فيها النهار، ورأينا اتصال الشفق (شفق المغرب) بالفجر، رأينا ذلك على الطبيعة، وبعد نقاشاتٍ طويلةٍ، صدر في ذلك قرارٌ من “المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي”، ثم لما حصل الاختلاف في تطبيقه أيضًا بعد جهودٍ كبيرةٍ؛ وضع “المجمع الفقهي” تقويمًا لتلك البلدان، وهي البلدان الواقعة ما بين خطي عرض (48-66)، وهذه يطول فيها النهار جدًّا، وينعدم فيها الشفق، وهو موجودٌ على موقع رابطة العالم الإسلامي، هذا التقويم موجودٌ على موقع الرابطة، هذا بالنسبة للصلاة.

وبالنسبة للصيام: فالمجمع الفقهي قال: ما دام أنه يتمايز الليل من النهار، لكن النهار يطول؛ فالأصل أنه يجب الصوم؛ لقول الله : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، ومن كان مريضًا أو أنه يلحقه الحرج بهذا الصوم؛ لكونه كبيرٌ في السن أو نحو ذلك؛ فيجوز له الفطر، أما من كان غير ذلك، كان شابًّا قويًّا قادرًا، فإنه يتحمل ويصوم، هذا هو الأصل، وما يجده من المشقة فهو مأجورٌ على ذلك إن شاء الله تعالى، إلا إذا وصل إلى مرحلةٍ من الإعياء والتعب بحيث إنه يخشى مثلًا أن يلحقه الضرر أو الإغماء أو نحو ذلك؛ فهنا يجوز له الفطر ويقضي، أما مجرد المشقة، فالمشقة لا بد منها في الصوم، المشقة لا بد منها في الصيام.

السؤال: هذا سؤالٌ تكرر، أكثر من سؤالٍ عن كفارة الجماع في نهار رمضان، هل هي خاصة بالرجل، أو تشمل المرأة؟

الجواب: نقول: تشمل المرأة، الأصل أن الأحكام تشمل الرجال والنساء، النساء شقائق الرجال [41]؛ ومعنى ذلك: إذا كانت المرأة مطاوعةً للرجل؛ فعلى كلٍّ منهما كفارةٌ، فيكون على الزوج صيام شهرين متتابعين، وعلى المرأة كذلك صيام شهرين متتابعين.

السؤال: مريضةٌ عندها علاجٌ كيماويٌّ كل أسبوعٍ، وهذا العلاج عن طريق الوريد، ويُعطَى معه مغذياتٌ، فماذا على المريض أن يعمل؟

السؤال: لا حرج عليها في ذلك، لكن تقضي هذه الأيام التي تُعطى فيها كيماويًّا مع هذه المغذيات؛ لقول الله : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، إن تيسر لها ذلك، أما إذا كان نَصَحها الأطباء بأن الصوم يضرها؛ فإنها تُطعِم عن كل يومٍ مسكينًا.

السؤال: سافر من بلده إلى بلدٍ آخر، هل يحل له جماع أهله في نهار رمضان؟

الجواب: نعم، إذا سافر؛ حل له الفطر، الأكل والشرب والجماع.

السؤال: قال: أنا خارجٌ من الرياض، ولا أعرف كم أجلس، احتمالٌ أسبوعًا أو أسبوعين، هل يجوز لي معاشرة زوجتي في نهار رمضان؛ باعتبار أني مسافرٌ؟

الجواب: المسافر إذا أقام، فهل يترخص برخص السفر أم لا؟

هذه من المسائل الكبيرة التي وقع فيها الخلاف بين أهل العلم قديمًا وحديثًا، ولكن الأقرب هو ما عليه أكثر العلماء، وهو أن المسافر إذا أقام في حدود أربعة أيامٍ فأقل؛ فإنه يترخص برخص السفر، أما إذا كانت إقامته أكثر من أربعة أيامٍ؛ فليس له الترخص برخص السفر، وهذا هو اختيار شيخنا عبدالعزيز ابن بازٍ رحمه الله، وهو الأقرب؛ وذلك لأننا لو قلنا: إنه يترخص من غير تحديد مدةٍ؛ للزم على ذلك لوازم كبيرةٌ؛ عندنا مثلًا في المملكة أكثر من ثمانية ملايين من غير المواطنين، هل نقول: إن هؤلاء جميعًا يفطرون في نهار رمضان، ولا فرق في دين الله تعالى بين هذا وهذا؟ ولذلك فاللوازم كبيرةٌ، المترتبة على هذا؛ ولهذا فالصواب وهو الأقرب: هو قول جمهور أهل العلم، وهو التحديد بأربعة أيامٍ؛ وحينئذٍ الأخ ما دام أنه سيقيم أسبوعًا أو أسبوعين؛ فهو قد أقام أكثر من أربعة أيامٍ، فليس له الترخص برخص السفر.

السؤال: ما جزاء من أفطر متعمدًا دون سببٍ؟

الجواب: من أفطر متعمدًا دون سببٍ، فقد ارتكب كبيرةً من كبائر الذنوب، وانتهك حرمة الشهر، فعليه أولًا: التوبة إلى الله ، ثانيًا: قضاء ذلك اليوم في قول جمهور أهل العلم.

السؤال: هل الحسنة في رمضان مثلها في سائر السَّنَة، وكذلك السيئة؟

الجواب: قلنا: إن العبادة كما أنها تضاعف بفضل المكان؛ فكذلك أيضًا تضاعف وتشرف بفضل الزمان، فالعبادة في رمضان ليست كالعبادة في غيره.

السؤال: من جلس بعد صلاة المغرب إلى العشاء هل يُحسب له اعتكافًا؟

الجواب: الصحيح أنه لا حد لأقل الاعتكاف، بل بما يسمى اعتكافًا عرفًا، والجلوس في المسجد ما بين المغرب إلى العشاء يسمى اعتكافًا عرفًا؛ ولذلك فهو يعتبر اعتكافًا إذا نواه اعتكافًا.

السؤال: المعروف أنه لا يجوز صرف الزكاة لآل النبي ؛ لأن الزكاة إنما هي أوساخ الناس، إلا أنه كان يُصرف لهم الخمس، فهل يجوز الآن إعطاؤهم من الزكاة؟

الجواب: هذه مسألةٌ محل خلافٍ بين أهل العلم، والأصل أن آل البيت (آل النبي ) المقصود بهم: بنو هاشمٍ، لا يجوز لهم الأخذ من الزكاة؛ لأنها هي أوساخ الناس، ولكن إذا لم يُعطَوا من بيت المال وكانوا فقراء؛ فقد اختلف العلماء: هل يجوز لهم الأخذ من الزكاة أم لا؟ فالقول الراجح: أنه يجوز في هذه الحال، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية وجمعٍ من المحققين من أهل العلم، القول الراجح: أنه يجوز؛ وذلك لأنه إذا قلنا بعدم الجواز؛ فكأننا عاقبناهم، وهو إنما لم يَجُز لهم أخذ الزكاة لشرفهم؛ لأنها هي أوساخ الناس، وهم آل بيت النبي ، لكن لو تعففوا عنها؛ فلا شك أن التعفف عنها أكمل وأحسن.

السؤال: كيف نحقق عدد ركعات الرواتب يوم الجمعة ثنتي عشرة ركعةً، من صلى لله في يوم ثنتي عشرة ركعة بُنِيَ له بيتٌ في الجنة [42]؟

الجواب: يقول: كيف نحقق في يوم الجمعة، الجمعة مستثناةٌ، ليس قبل الجمعة سُنَّةٌ راتبةٌ، وإنما يُصلِّي ما كُتب له بحسب ما تيسر له؛ إن تيسر أن يصلي ركعتين أو أربعًا أو ستًّا أو ثمانيًا، بل الأفضل والأكمل أن تشتغل بالصلاة من حين أن تأتي للجامع إلى وقت النهي قُبَيل الزوال، يعني: قبل الزوال بحدود خمس دقائق فقط، كان كثير من السلف يفعل هذا؛ لأن أفضل الأعمال الصلاة، أحب العمل إلى الله تعالى: الصلاة، فقد جاء في “الصحيحين” عن ابن مسعودٍ  قال: سألتُ النبي : أي العمل أحب إلى الله؟ هذا سؤالٌ من فقيهٍ من علماء الصحابة ، من ابن مسعودٍ ، والمسؤول عنه من؟ رسول الله ، ما أحب العمل إلى الله يا رسول الله؟ ماذا قال؟ قال: الصلاة على وقتها [43]؛ لأن الصلاة -يا إخوان- يجتمع فيها من الأعمال ما لا يجتمع في غيرها؛ من تلاوة القرآن، من الخضوع، من الدعاء، من الذكر؛ ولذلك هي أحب العمل إلى الله تعالى، إن استطعت أن تُشغل معظم وقتك بالصلاة؛ فهذا أفضل ما تشتغل به؛ لهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يصلي لله تعالى تطوعًا من غير الفريضة في اليوم والليلة ثلاثمئة ركعةٍ، كما ذُكر ذلك في ترجمته، وكان الحافظ عبدالغني المقدسي -صاحب “عمدة الأحكام”- يقتدي بالإمام أحمد في هذا.

السؤال: هل توجد ركعتا سنة الوضوء؟

الجواب: نعم، سنة الوضوء وردت بها السنة، فمن توضأ فالسنة أن يركع بعد ذلك ركعتين، جاء في حديث عثمان  لما ذكر صفة الوضوء، قال: سمعت النبي يقول: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه [44]، وجاء أيضًا في “الصحيحين” أن النبي قال لبلالٍ : يا بلال، إني سمعت دَفَّ نعليك في الجنة؛ فأخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام، قال: أرجى عمل عملته في الإسلام: أني لم أتطهَّر طُهُورًا ساعةً من ليلٍ أو نهارٍ، إلا صليت بهذا الطهور ما كُتب لي [45].

السؤال: هناك بعض الأسئلة تكررت: هل المرأة الحامل تصوم في رمضان، علمًا بأنها تتعب مع التوحُّم، ولضعف حالها؟

الجواب: نعم، المرأة الحامل والمرضع لهما الفطر في نهار رمضان، يجوز لهما الفطر في نهار رمضان إذا كان الصوم يشق عليهما، والواجب عليهما القضاء فقط في أرجح قولي العلماء؛ قياسًا على المريض؛ لقول الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، وهذا اختيار شيخنا عبدالعزيز ابن بازٍ رحمه الله: أن الواجب عليهما القضاء فقط، خلافًا لمن قال: إن خافتا على أنفسهما فالقضاء، وإن خافتا على أنفسهما وولديهما فالقضاء والإطعام، هذا القول ليس عليه دليلٌ ظاهرٌ، الصواب: أن الحامل، وكذا المرضع، إذا أفطرتا؛ فالواجب عليهما القضاء فقط.

السؤال: ما حكم صيام الثلاثين من شعبان بنية الصيام على أنه يومٌ من شعبان، وليس بقصد الشك؟

الجواب: إذا كان من عادته الصيام؛ فلا بأس، إذا كان مثلًا من عادته أنه يصوم يومًا ويفطر يومًا، ووافق الصوم يوم الأحد القادم؛ فلا حرج عليه.

أما كونه يصوم يوم الثلاثين وليس من عادته الصيام من قبل؛ فليس له ذلك؛ لأن معنى هذا: أنه أراد أن يحتاط لرمضان، فهذا الاحتياط منهيٌّ عنه، وقد قال عمار بن ياسرٍ : «من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه؛ فقد عصى أبا القاسم [46]، ويوم الشك يوافق يوم الأحد القادم إذا لم يُرَ الهلال مساء غدٍ.

السؤال: أولادي يسهرون الليل، وينامون عن صلاة الظهر والعصر، حاولت معهم عدة مراتٍ ونصحتهم، لكن دون فائدةٍ؟

الجواب: هذه الحقيقةَ مشكلةٌ تتكرر من كثيرٍ من الآباء والأمهات، وعلى الأب والأم أن يتقي الله ، وأن يستشعر المسؤولية، وأن يجتهد معهم، أن يبذل معهم جهدًا في إيقاظهم للصلاة قدر المستطاع، ويعظهم ويُذكِّرهم ويُبيِّن لهم عظيم شأن الصلاة، وهو إذا فعل ذلك؛ برئت ذمته أمام الله ، لكن لا بد أن يوقظهم، أما كون الأب يذهب للمسجد لا يوقظ أولاده فإنه عليه مسؤوليةٌ أمام الله ، وكذلك الأم، لكن المطلوب هو الصبر والمجاهدة، والله يقول: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132].

السؤال: هل الذي يتبرع بالدم يُمسك بقية يومه؟ أم يأكل ثم يقضي في يومٍ آخر؟

الجواب: نقول: إن كل من أفطر في نهار رمضان فإنه يُمسِك بقية يومه، إلا من أُبِيح لهم الفطر؛ كالمريض والمسافر، لكن من أفطر لعذرٍ -كما في سؤال الأخ- أفطر مثلًا لأجل التبرع بالدم، فإنه يُمسك بقية يومه، كذلك أيضًا المسافر إذا قدم؛ يُمسك بقية يومه، الحائض إذا طهرت؛ تُمسك بقية يومها؛ وذلك احترامًا لحرمة الشهر، وحُكِي الاتفاق على ذلك، لكن الصحيح أن فيه خلافًا.

السؤال: رجلٌ أخذ عمرةً في شعبان، ثم بقي في مكة، ويريد أن يأخذ عمرةً في رمضان؟

الجواب: لا بأس بذلك، العمرة عملٌ صالحٌ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة [47].

من العجب أن بعض الناس بدل أن يَحث الناس على العمرة؛ يُزهد الناس في العمرة، يقول: ابقَوا، لا تذهبوا فتزاحموا الناس، هذا -يا إخوان- من قلة التوفيق، العمرة عملٌ صالحٌ، ينبغي أن يُحَث الناس على العمرة، صحيحٌ كونه قد يتسبب، ربما لو أنه أتاح فرصةً لغيره قد تكون المسألة هذه محل اجتهادٍ، أما أن يقول للناس: لا تعتمروا، فهذا لا شك أنه خطأٌ، بل نقول: العمرة عملٌ صالحٌ، والعمرة في رمضان لها مزيد خصوصيةٍ وفضلٍ، فقد أخرج البخاري ومسلمٌ -وهما أصح كتابين بعد كتاب الله – أن النبي قال: عمرةٌ في رمضان تعدل حجةً، أو قال: حجةً معي [48]، يعني: أجرُ وثوابُ العمرة في رمضان كأجر وثواب الحج، فهذا فضلٌ عظيمٌ.

فينبغي أن يُحَث الناس على هذا العمل الصالح، والعمرة أجرها أجر حجٍّ، سواءٌ كان في أول الشهر أو في وسطه أو في آخره، لكن ينبغي -خاصةً مع تيسر أحوال الناس الآن- للمسلم أن يحرص على أن يعتمر في هذا الشهر الكريم، فإن هذا من الأعمال الصالحة التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم.

السؤال: أيهما أفضل في رمضان: الاعتكاف، أو العمرة؟

الجواب: الأفضل هو الجمع بينهما، لا تعارض، يعتمر ويعتكف، وإن تعارضت العمرة والاعتكاف، فيأتي بالعمرة، ثم يعتكف، فكلها من الأعمال الصالحة، إن شق عليه الاعتكاف؛ فلا شك أن العمرة أفضل؛ لأن أجرها وثوابها أجرُ حَجٍّ.

السؤال: قال: ما استطعت أن أُكثر من العبادة، خاصةً في هذه الأيام؛ للفتن والقتل، مع أن النبي قال: العبادة في الهَرْج كهجرةٍ إليَّ [49]، لم أستطع الإكثار من العبادة؛ بسبب كثرة الأخبار وتأثري الشديد بها.

الجواب: نقول: أولًا ينبغي أن يحرص المسلم على الاجتهاد في الطاعة والعبادة، وما يُقدِّره الله في هذا الكون ينبغي أن يَنظر إليه المسلم نظرةَ المتفائل، وأن الله تعالى سيجعل في عاقبتها خيرًا للإسلام والمسلمين؛ ولذلك نجد أن النبي من أعظم الناس تفاؤلًا، حتى في أحلك الظروف، في غزوة الأحزاب التي وصفها الله بأنها زاغت الأبصار فيها، وبلغت القلوب الحناجر، ومع ذلك في تلك المواقف العصيبة يبشر أصحابه بأن ملك أمته سيتسع، وقال: إن الله زَوَى ليَ الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنَّ مُلك أمتي سيبلغ ما زُويَ لي منها [50].

فينبغي للإنسان ألا يتأثر بمثل هذه الأخبار، وإنما يفعل المطلوب منه، المطلوب منه: هو الدعاء لإخوانه المسلمين بأن يُصلِح الله تعالى أحوالهم، وأن يجتهد هو في الطاعة والعبادة، هذا هو المطلوب منه في هذا، وإلا فمِثْلُ هذه الأمور حتى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان المسلمون في الفترة المكية يعذَّبون، وكانوا يُقتلون، وحتى الرسول عليه الصلاة والسلام أُلقِي على رأسه سَلَى الجزور وهو ساجدٌ [51]، وعُذِّب كثيرٌ من الصحابة ، ومع ذلك صبروا فكانت العاقبة لهم.

السؤال: ما حكم تربية الكلاب لغرض الحراسة؟

الجواب: لغرض الحراسة لا بأس به، فإن النبي قال: من اقتنى كلبًا غير كلب صيدٍ أو حرثٍ أو ماشيةٍ؛ فإنه ينقص من أجره -أو قال: من عملهكل يومٍ قيراطان [52]، فكلب الصيد أو الحرث أو الماشية، المقصود بذلك: الحراسة، وإذا جاز اقتناء الكلب لحراسة البهائم؛ فيجوز لحراسة الإنسان من باب أولى، ومثل ذلك: الكلاب (البوليسية) أيضًا يجوز اقتناؤها لهذا الغرض؛ للمصلحة الظاهرة فيها، ما عدا ذلك فلا يجوز، وظاهر الحديث: أن اقتناء الكلب لغير هذه الأغراض من كبائر الذنوب.

السؤال: قال: في العشر الأواخر تُقام صلاة التهجد، وهي الصلاة في أول الليل، ثم الرجوع مرةً أخرى في آخر الليل ما حكم هذا العمل؟

الجواب: هذا العمل لا حرج فيه، النبي كان يقوم ليالي العشر كلها، الليل كله أو معظمه، ولما صلَّى معه أصحابه صلى بهم ثلاث ليالٍ، صلى بهم ليلة ثلاثٍ وعشرين إلى ثلث الليل، ثم صلى بهم ليلة خمسٍ وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه، فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كُتب له قيام ليلة، فلما كانت ليلة سبعٍ وعشرين قام بهم الليل كله إلى قُبَيل الفجر، يقول الصحابة : حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، يعني السحور [53]، هذا يدل على أن آكد ليالي العشر: هي ليلة سبعٍ وعشرين.

فالمعروف من هدي النبي عليه الصلاة والسلام: أنه كان يشتغل بالصلاة طِيلة ليالي العشر، لكن الناس الآن ليسوا كالناس في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وليسوا كالناس في زمن الصحابة والتابعين والقرون المفضَّلة؛ ولذلك فمن الرفق بهم أن يُصلَّى بهم أول الليل، ثم يُصلَّى بهم في آخر الليل، هذا لا حرج فيه، ترتيب الصلاة بهذه الطريقة لا حرج في ذلك؛ لأن الأصل -كما ذكرنا- هو أن يُحِيي الليل كله، لكن هذا بالنسبة للناس شاقٌّ في وقتنا الحاضر؛ ولذلك فكونه يرفق بهم ويُصلِّي بهم أول الليل وآخر الليل، هذا من الأمور الحسنة.

السؤال: قال: ما هي أسباب الفتور الذي يحصل لأغلب الناس بعد مرور عدة أيامٍ من رمضان، حتى في العشر الأواخر؟ ويبدأ الناس يتعلقون بالرؤى والأحلام لإدراك ليلة القدر؟

الجواب: هذا صحيحٌ، تجدون في أول أيام رمضان يكثُر المصلون في المساجد، وانظر إلى حال الناس في أول يومٍ من رمضان وقت صلاة المغرب، ثم بعد ذلك انظر إلى حالهم في العشر الأواسط، ثم في العشر الأواخر، ما ذكره الأخ السائل صحيحٌ، نجد أن بعض الناس يبدأ بحماسٍ، ثم يفتر.

فالمطلوب من المسلم: أن يستمر على العمل الصالح وعلى الخير، وهي ليالٍ معدودةٌ، هذا الشهر الكريم هو شهرٌ واحدٌ في السنة ينبغي أن يُجتهَد فيه.

وأما ما ذكره من تعلق بعض الناس بالرؤى والأحلام ليلة القدر تُرى في المنام، وقد رآها نفرٌ من أصحاب النبي فقال: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها؛ فليتحرَّها في السبع الأواخر [54]، لكن تعلُّق بعض الناس بهذه ومبالغتهم في هذا الشيء، هذا من الأمور التي لا تنبغي.

وبعض الناس تجد أنه يقال: إنه رأى في المنام أن ليلة القدر ليلةُ خمسٍ وعشرين، ثم يرسل رسالةً، ثم تشيع في الناس، ثم يجتهدون تلك الليلة ويتركون بقية الليالي، هذا خطأٌ، ما ينبغي أن يكون مثل هذا، ينبغي أن يجتهد المسلم في جميع ليالي العشر الأواخر من رمضان، وخاصةً ليالي الوتر، وآكدها ليلة سبعٍ وعشرين التي كان بعض الصحابة يجزم -بل يحلف- بأنها هي ليلة القدر.

السؤال: حريص على الاعتكاف في الحرم، ولكنَّ والديَّ يرغبان أن أكون قريبًا منهما، فبماذا تنصحونني؟

الجواب: الذي ننصحك هو أن تأخذ عمرةً وترجع عند والديك، فإن هذا أفضل؛ لأن بر الوالدين هو من أفضل الأعمال، وفي حديث ابن مسعودٍ  السابق: قال سألت النبي : أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أيٌّ؟ قال: بِرُّ الوالدين، قلت: ثم أيٌّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله [55].

فانظر كيف قدم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله، مع كونه ذروة سنام الإسلام! وهذا يدل على الأجر العظيم المرتَّب على بر الوالدين، فنقول للأخ: بإمكانك أن تأخذ عمرةً وترجع بعد ذلك إلى والديك وتبَرُّهما، هذا خيرٌ لك من أن تبقى في مكة بعيدًا عن والديك ما داما يحتاجان إليك.

السؤال: قال: عادتي أن أختم القرآن عشر مراتٍ في رمضان، وقررت -إن شاء الله- هذا العام أن أختم في كل يومٍ جزءًا عشر مراتٍ؛ لأؤكِّد حفظي، يعني: أول يومٍ من الجزء الأول عشر مراتٍ، واليوم الأخير، وهكذا؟

الجواب: الأمر في هذا واسعٌ، لكن هذا الأخ الذي يختم القرآن في رمضان عشر مراتٍ في الحقيقة مثالٌ للإخوة الذين يجتهدون في هذا الشهر الكريم، وبلغني أن هناك من يختم القرآن كل يومٍ، كل يومٍ من أيام رمضان، وهذا -كما قال ابن رجبٍ- شهر رمضان، والمواسم الفاضلة مستثناةٌ من الحديث :لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاثٍ [56]، قال: “إن هذا محمولٌ على غير رمضان، وعلى غير المواسم الفاضلة”؛ ولذلك يوجد من بعض الصالحين الآن من يختم القرآن كل يومٍ، وهذا فضل الله، وفضل الله يؤتيه من يشاء، من قرأ حرفًا من كتاب الله؛ فله به حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها [57].

بعض أهل العلم حَسَبَ، مع أن الحسبة في مثل هذه الأمور غيرُ مرغبٍ فيها، لكن هذه المسألة بخصوصها ورد فيها الحساب: من قرأ حرفًا فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، بعض أهل العلم حسب عدد حروف القرآن -وهو مرويٌّ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما- وضربها في عشرة، فكانت النتيجة: أن من ختم القرآن؛ يحصل على أكثر من ثلاثة ملايين حسنةً، وهذا فضل الله ، يعني من كان يختم القرآن كل يومٍ، كل يومٍ يحصل على ما لا يقل عن ثلاثة ملايين حسنةً، هذا من التوفيق من الله  الذي يُوفِّق له بعض عباده، والموفَّق من وفَّقه الله ، وبعض الناس عندما يسمع مثل هذا الكلام؛ يقول: أنا مشغولٌ، نقول: يا إخواني، أشغال الدنيا لا تنقضي، من كان يُطيع نفسه في مثل هذه الأمور؛ فأشغال الدنيا لا تنقضي، والعمر ينصرم، فينبغي أن يكون الإنسان حازمًا مع نفسه في مثل هذه المواسم الفاضلة، ينبغي ألا تفوت عليه، وأن يغتنمها بالأعمال الصالحة، الذي يغتبط ويُسَرُّ بها يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ۝ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].

السؤال: قال: هل يجوز لي أن أقبل مبلغ مالٍ من شخصٍ يريد أن يخُصَّني به، وهو من أموال الزكاة لديه، علمًا أنني عليَّ دينٌ لبيتٍ اشتريته لي، مع العلم أنني ميسور الحال؟

الجواب: إذا كنت ميسور الحال؛ فلا يجوز لك أن تقبل الزكاة، فإن أخذ الزكاة لغير المستحق لها من كبائر الذنوب؛ لقول النبي : من أخذ أموال الناس تكثُّرًا، فإنما يأخذ جمرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أو لِيستكثر [58].

والضابط في هذا: أن يكون الإنسان من أصحاب الزكاة الثمانية: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60]، أوضحُ هذه الأقسام في مجتمعنا ثلاثةٌ: الفقراء، والمساكين، والغارمون، الغارمين يعني: المدينون، الإنسان الذي عليه دينٌ عاجزٌ عن سداده، ليس كل مدينٍ يكون مستحقًّا للزكاة، لا، بل عليه دينٌ حالٌّ، وهو عاجزٌ عن سداده، يعني: لو أراد الدائن؛ لرفع فيه شكايةً، وربما سُجن بسبب ذلك الدَّين، هذا هو الذي يستحق من الزكاة ما يُسدَّد به الدَّين، الفقير والمسكين: هما اللذان لا يجدان الكفاية، لكن الفرق بينهما: أن الفقير لا يجد شيئًا، أو يجد دون نصف الكفاية، والمسكين يجد نصف الكفاية أو أكثرها، أُوضِّح هذا بمثالٍ: من ليس لديه دخلٌ، ليس عنده شيءٌ؛ هذا فقيرٌ، من كان عنده دخلٌ لكن لا يكفيه إلى منتصف الشهر؛ فهذا فقيرٌ.

من كان دخله يكفيه إلى منتصف الشهر، لكن لا يكفيه إلى آخر الشهر، هذا مسكينٌ وليس فقيرًا، هذا مسكينٌ، وهو أيضًا من أهل الزكاة.

من كان دخله يكفيه لأكثر الشهر، إلى عشرين من الشهر مثلًا، لكن لا يكفيه إلى آخر الشهر؛ فهذا مسكينٌ.

فالفقير والمسكين من أهل الزكاة.

من كان دخله يكفيه إلى آخر الشهر، فهذا مكفيٌّ، لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة.

من كان يدخر من دخله شيئًا؛ فهذا غنيٌّ، وغِنَى كل شيءٍ بحسبه.

فإذنْ من كان مكتفيًا أو كان غنيًّا، لا يجوز له أن يُزاحم الفقراء والمساكين، وأن يأخذ من الزكاة، وأُنَبِّه هنا إلى أن الضمان الاجتماعي من الزكاة، فإن المورد الرئيسي له: من زكاة الشركات؛ ولهذا لا يجوز لمن كان غير مستحقٍّ للزكاة أن يأخذ من الضمان الاجتماعي، وكل إنسانٍ أدرى بنفسه، من كان غير مستحقٍّ للزكاة؛ لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة، فالأخ ما دام أن أحواله ميسورةٌ؛ فننصحه بالتعفُّف عن الزكاة وعدم الأخذ منها، بل حتى لو كان الإنسان محتاجًا، كونه يتعفَّف أفضل من كونه يأخذ من الناس، فالمسلم إذا نزلت به ضائقةٌ أو حاجةٌ، يُنزل حاجته إلى الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ[الطلاق:2-3].

السؤال: قال: لي قريبٌ أجرَى عمليةً في رأسه من ورمٍ سرطانيٍّ قبل شهرين، وما زال يرقد في المستشفى، أحيانًا يصحو لمدة عشر دقائق، وأغلب وقته نائمٌ لا يصحو، وهو لا يستطيع الصيام، حيث إن الغذاء يُعطى له بواسطةٍ؟

الجواب: هذا يُطعَم عنه عن كل يومٍ مسكينًا، فالمريض مرضًا لا يُرجى برؤه، أو الكبير في السِّن الذي يشق عليه الصيام، يُطعَم عنه عن كل يومٍ مسكينًا.

إذنْ نكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 3220، ومسلم: 3450.
^2 رواه البخاري: 6057.
^3 رواه البخاري: 3103، 3277، ومسلم: 1079.
^4 رواه الترمذي: 682، وابن ماجه: 1642.
^5 رواه البخاري: 3435، ومسلم: 28.
^6 رواه مسلم: 2967.
^7 رواه أحمد: 7917، والبزار: 8571.
^8 رواه البخاري: 1894، ومسلم: 1151.
^9 رواه عبدالرزاق: 8138، والدارمي: 1793، والبزار: 7973.
^10, ^11, ^13, ^14 رواه البخاري: 1904، ومسلم: 1151.
^12 رواه مسلم: 2587.
^15 رواه البخاري: 1896، ومسلم: 1152.
^16 رواه البخاري: 37، ومسلم: 759.
^17 رواه مالك في الموطأ: 12.
^18, ^55 سبق تخريجه.
^19, ^20 رواه البخاري: 1927، ومسلم: 1106.
^21 رواه أبو داود: 142، والترمذي: 788، والنسائي: 87، وابن ماجه: 407، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
^22 رواه البزار: 2137، والطبراني: 3696، والدارقطني: 2372.
^23 رواه الترمذي: 725، وقال: حديث حسن.
^24 رواه أبو داود: 2369، والترمذي: 774، والنسائي: 3174، وابن ماجه: 1679، وأحمد: 8753، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^25 رواه البخاري: 5694.
^26 البخاري: 5695، ومسلم: 1202.
^27 رواه البخاري: 5696، ومسلم: 1577.
^28 أي: أنابيب العينات.
^29 رواه أبو داود: 2380، والترمذي: 720، والنسائي: 3130، وابن ماجه: 1676.
^30 رواه البخاري: 1933، ومسلم: 1155.
^31 رواه أبو داود: 2454، والترمذي: 730، والنسائي: 2334، بنحوه.
^32 رواه البخاري: 1923، ومسلم: 1095.
^33 رواه مسلم: 1096.
^34 رواه البخاري: 1957، ومسلم: 1098.
^35 رواه البخاري: 1959.
^36 رواه أبو داود: 2350، وأحمد: 10637.
^37 رواه ابن ماجه: 1753، والطبراني: 14343.
^38 رواه أبو داود: 2358، مختصرا، والطبراني في الدعاء: 918.
^39 رواه أبو داود: 2357، والنسائي: 3329، والطبراني: 14097.
^40 رواه أبو داود: 1522، والنسائي: 1303، وأحمد: 22119.
^41 رواه أبو داود: 236، والترمذي: 113.
^42 رواه مسلم: 728.
^43 رواه البخاري: 5970، ومسلم: 85.
^44 رواه البخاري: 164.
^45 رواه البخاري: 1149.
^46 رواه الترمذي: 686، والنسائي: 2188، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^47 رواه البخاري: 1773، ومسلم: 1379.
^48 رواه البخاري: 1863، ومسلم: 1256.
^49 رواه مسلم: 2948.
^50 رواه مسلم: 2889.
^51 رواه البخاري: 240، ومسلم: 1794.
^52 رواه البخاري: 2322، ومسلم: 1575، بنحوه.
^53 رواه أبو داود: 1375، والترمذي: 806، والنسائي: 1364، وابن ماجه: 1327، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^54 رواه البخاري: 2015، ومسلم: 1165.
^56 رواه أبو داود: 1390، وأصله في صحيح البخاري: 5054، ومسلم: 1159.
^57 رواه الترمذي: 2910، وقال: حسن صحيح غريب.
^58 رواه مسلم: 1041، بنحوه.
مواد ذات صلة
zh