logo
الرئيسية/محاضرات/مواجهة التطرف

مواجهة التطرف

مشاهدة من الموقع

أهمية الأخذ عن العلماء المعتبرين

المقدم: رأيكم لأبنائكم الطلاب في عدم الأخذ عن العلماء المعتبرين.

الشيخ: لا بد لطالب العلم أن يرتبط بأهل العلم؛ لأنه إذا أصبح يصدر عن رأيه فإنه يكثر الخطأ، فمن كان يكبرك في السن، وفي العلم هو أكثر منك خبرة في الحياة، وأكثر معرفة بالأمور، وقرأ العلم، ورسخ فيه أكثر منك، أنت تحتاج إلى أن تفيد منه، ومما عنده، والإنسان لا يعجب برأيه.

ولهذا يا إخوان السلف يقولون: إن عامة أهل البدع يجمعهم الإعجاب بالرأي، عامة أهل البدع يجتمعون في الإعجاب بالرأي، الإنسان لا يعجب برأيه، وإنما يقدر أهل العلم الذين هم أكبر منه علمًا، وأكبر منه سنًا، ويصدر عن آرائهم، ويأخذ من علومهم، هذا العالم الذي أفنى سنوات طويلة من عمره في دراسة وتدريس العلم، عندما تحضر له درسًا يعطيك خلاصة ما عنده، مما قرأ، ومما بحث، ومما درس، ومما ناقش، ومما نوقش، فيعطيك خلاصة ما عنده.

ولهذا ذكر الشاطبي رحمه الله أن لطلب العلم طريقين:

  • الطريق الأولى: أخذ العلم عن أهله.
  • الطريق الثاني: الاجتهاد الشخصي بالقراءة، والبحث والاطلاع.

وقال: إن الطريق الأولى أنفع لطالب العلم، وهي طريقة السلف، كان كثير من السلف إنما يأخذون العلم عن أهل العلم، وقال: إن من ارتبط بحِلق العلم، فإنه يجعل الله تعالى له خاصية، وهي إعانته، والفتح عليه، بحيث يجد زيادة في علمه، من حيث لا يشعر [1] وهذا كان يجده الصحابة مع النبي ؛ ولهذا لما توفي النبي يعني: أنكروا أنفسهم، ووجدوا كأن شيء نقص من حياتهم؛ ولهذا ينبغي احترام أهل العلم، والصدور عن آرائهم، وأخذ العلم منهم، وهذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، لا يأخذ الإنسان العلم عن أناس مجاهيل، أو أناس لم يُعرَفوا بالعلم، ولم يُشهَد لهم بالعلم، إنما يُؤخذ عمن اشتهر بالعلم، وعُرف بالعلم، وزكَّاه أهل العلم، وارتضاه أهل العلم، فهذا هو الذي يُؤخذ عنه، فهذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.

وإذا وجدت الشاب مرتبطًا بأهل العلم، صادرًا عن آرائهم، فاعلم أنه على خير، وأما عندما تجد الشاب معجبًا برأيه، ويصدر عن رأيه، ويطرح أقوال أهل العلم، ولا يبالي بها، ولا يحترمهم؛ فهذا على خطر، إذا رأيت من ينتقص العلماء، وربما يقدح ويسب العلماء، ويقلل من قدرهم تلميحًا أو تصريحًا؛ فهذا، اعلم أنه على خطأ؛ لأن هذا مع مرور الوقت لن يثق فيه أحد، وسيصدر عن رأيه، وهو بشر، إما أن يصدر عن رأيه، أو عن رأي من لم يعرف بالعلم، وحينئذٍ يقع في الفتنة.

الذين قتلوا عثمان  وعلي  أليس علماء الصحابة كانوا موجودين؟ كان كبار علماء الصحابة موجودين، كان يوجد ابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم، يعني: كبار فقهاء وعلماء الصحابة كانوا موجودين، لكن هؤلاء كانوا من العامة، كانوا عوام، لكن أتى من استثارهم، وكانت نقطة الشرارة لإثارتهم هي شحن نفوسهم ضد ولي الأمر، شحنت نفوسهم ضد عثمان شحنًا كبيرًا، فلما شُحنت نفوسهم ضد الخليفة، وشحنت نفوسهم ضد العلماء الذين كانوا حوله علماء الصحابة، فقالوا: هؤلاء علماء سلطان، ولا نقبل منهم، فاطرحوا آراءهم…، هؤلاء كبار فقهاء الصحابة قالوا: لا نقبل منهم، هؤلاء علماء سلطان، هؤلاء يجاملون عثمان ، ومتواطئون مع عثمان ، ومداهنون معه، فاطرحوا أقوال كبار الصحابة، فما أشبه الليلة بالبارحة! عندما تجد شابًا صغيرًا يطرح أقوال كبار العلماء، ولا يأبه بها، فإن هذا يقع في الفتنة، يقع فيما وقع فيه الأوائل، يقع في الفتنة، فيزين له سوء عمله، ويراه حسنًا.

ولهذا ينبغي تربية الشباب على الارتباط بأهل العلم واحترامهم وتوقيرهم، والصدور عن آرائهم، وليس معنى ذلك: أن الشاب يلغي شخصيته، مطلوب أن يكون له شخصية، وأن يميز، وأن يدرك، لكن أيضًا أن يرتبط بأهل العلم، وأن يحترمهم، وأن يصدر عن آرائهم، فهذا بإذن الله تعالى هو صمام الأمان لهؤلاء الشباب بإذن الله سبحانه؛ لأن هذا الشاب إذا وقعت فتنة، أو وقع حدث، رجع لهذا العالم الذي يثق فيه، فشرح له، وبيّن له ووجهه وأرشده، وأما عندما لا يثق في العلماء، فإن هذا الشاب تختلط عليه الأمور، وربما تلقى توجيهًا من أناس مجاهيل، أو أناس لم يعرفوا بالعلم، أو أناس أظهروا الصلاح، وواقعهم بخلاف ذلك، أظهروا الخير والصلاح، لكنهم لهم أهداف أخرى، أو مرتبطون بمصالح معينة، يحققون أهداف معينة، ونحو ذلك.

ولهذا فهذه القضية ينبغي أن يهتم بها، وأن يربى الشباب على الارتباط بكبار أهل العلم، وعلى الصدور عن آرائهم، ونحن -ولله الحمد- نجد أن هذا المعنى متحقق لدى الكثير من الشباب، وقبل أيام في هذه القاعة كان هناك لقاء لشيخنا صالح الفوزان حفظه الله، وقد امتلأت هذه القاعة كلها بكاملها على سعتها امتلأت، بل أخبرنا الإخوة بأنها امتلأت حتى القاعات المساندة، وامتلأت الممرات، وهذا في الحقيقة أمر يبشر بالخير، ويدل -ولله الحمد- على أن أكثر الشباب مرتبطين بعلمائهم، لكن تبقى قلة من الشباب هم بحاجه للتوجيه والإرشاد والنصح في أن يرتبطوا بكبار أهل العلم، وأن يحترموهم، ويصدروا عن آرائهم.

أحسن الله إليكم.

هل أخطاء الدولة مبرر للخروج عليها؟

السؤال: هذا سائل يقول: حفظكم الله، كيف نرد على من يرى أن الأخطاء التي قد تقع فيها المؤسسات أو الأفراد في هذه الدولة مبررًا للخروج عليها، أو الالتحاق بمثل هذه الجماعات؟

هذه الأخطاء أخبر بها النبي ، فقال: إنكم ستجدون بعدي أثرة، وأمورًا تنكرونها هذه معناها: أخطاء، ما معنى أثرة؟ أثرة معناها استئثار بحظوظ الدنيا من قبل الأمراء، ستجدون بعدي أثره يعني: استئثارًا بالحظوظ الدنيوية، وأمورًا تنكرونها، أمور أيضًا منكرة في الدين، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ أفلا ننابذهم السيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة [2] ما دامت شعائر الدين مقامة، لا تجوز، اصبروا، أمر النبي بالصبر، فهذا هو المنهج الشرعي واضح، وهذه الأخطاء التي ذكرها الأخ السائل أخبر بها النبي ، وبين المنهج الصحيح، فالمنهج الصحيح هو الصبر، وعدم المنابذة، مع القيام بالنصيحة.

هذا هو منهج السلف، وهذا حصل في زمن الصحابة ؛ لما قام أمراء حصل منهم ما حصل من بعض الأمور المنكرة، وعلى سبيل المثال الحجاج بن يوسف الثقفي، حصلت منه أمور عظيمة، من سفك للدماء، حتى إن الذهبي في سير أعلام النبلاء، قال: نبغضه ولا نحبه، ونرى أن بغضه من أوثق عرى الإيمان [3] ومع ذلك صبر الصحابة؛ لم ينابذوه بالسيف، صبروا، فالمطلوب إذًا هو الصبر.

وأيضًا على طلبة العلم تأليف قلوب العامة، يعني: بعض طلبة العلم سبحان الله! كأنه يتعامل مع هذه القواعد كأنه عامي، يشحن النفوس، هذا الشحن تكون آثاره سلبية، إذا شحنت النفوس فبعض النفوس لا تتحمل تنفجر، لكن المطلوب هو تأليف قلوب العامة، وحث الناس على الاجتماع والوحدة، وبيان عظيم قدر هذه النعمة.

ولذلك -أيها الإخوة- الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في المسائل التي خالف فيها النبي أهل الجاهلية، ذكر في إحدى المسائل -أظن المسألة السادسة- أن أهل الجاهلية يرون الخروج على ولي الأمر شجاعة وفضيلة، فخالفهم النبي في هذه المسألة، وغلظ وأبدى وأعاد.

هذا كلام الإمام محمد عبدالوهاب رحمه الله، يقول: “وغلّظ في ذلك، وأبدى وأعاد” [4].

لماذا النبي في هذه القضية خصها بالتغليظ، وأبدى فيها وأعاد؟

الجواب: لخطورتها، المسألة فيها خطورة؛ ولأن أيضًا الكثير من النفوس لا تتحمل ولا تصبر، فلذلك الشارع لم يجعلها مجالًا للاجتهاد، حسمها الشارع، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] هذا هو منهج السلف الصالح في هذه القضايا، وينبغي أن يرسخ هذا المنهج في النفوس، وليس معنى ذلك: الغلو في ولاة الأمر، وتعظيمهم، وبطريقة غير جائزة شرعًا، لا، ليس هذا هو المطلوب، وإنما المطلوب تأليف قلوب العامة لهم، حتى تجتمع الكلمة؛ لأن ولي الأمر إنما ننظر له لمنصبه، وليس لشخصه، لمنصبه الذي جعله الله له، وأمرنا بالسمع والطاعة له؛ لأنه بالسمع والطاعة تحصل المصالح العظيمة، ويدرأ بذلك مفاسد كبيرة.

ثم أيضًا مسألة الأخطاء البشر يبقون بشرًا، والإنسان حتى في بيته أليست تقع منه أخطاء؟ تقع منه أخطاء في بيته، من أسرته، من أفراد أسرته، لا يستطيع يتحكم في أفراد أسرته، بل حتى تقع منه أخطاء في نفسه، هل أقمت دولة الإسلام في نفسك؟ الإنسان تقع منه أخطاء في نفسه، وأخطاء في بيته، حتى لو أخذنا بصورة مصغرة جدًا المدرسة، مدير المدرسة عندما يدير المدرسة، أليس تقع منه أخطاء؟ الأخطاء واردة، لكن الأخطاء تعالج بالنصيحة، وبالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، تعالج هذه الأخطاء، الأخطاء لا بد منها، وسنة الله في الصراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، هذه سنة قائمة، لا بد منها، لا يمكن للناس كلهم أن يكونوا صالحين مهتدين، لا بد أن يكون هناك أهل خير، وأهل شر، ولا بد أن يكون هناك منكر، حتى يكون لك أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، فلا بد من وجود منكرات في المجتمع، حتى في عهد النبوة، وجد السارق، ووجد الزاني، ووجد شارب الخمر، فالأخطاء موجودة في كل مجتمع، في كل زمان، وفي كل مكان، ولكن المهم كيف نتعامل مع هذه الأخطاء؟ هذا هو المهم.

يعني: نقول: كل شاب وكل مسلم مطلوب منه أن يستشعر مسؤوليته في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله ، ولو أن كل واحد منا استشعر مسؤوليته، وقام بمسؤوليته؛ لقضي على كثير من المنكرات، وحصل كثير من الخير، لكن يحصل تقصير في القيام بهذه المسؤولية، ويلقى باللائمة على غيره، فتجد بعض الناس هو مقصر في نفسه، ويلقي باللائمة على الأمراء، وعلى العلماء، طيب وأنت ماذا قمت به؟ بماذا قمت بالنسبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالنسبة للدعوة إلى الله ، وبالنسبة لمعالجة هذه الأخطاء؟!

كيف يتعامل المسلم مع أخطاء المجتمع؟

هذه قضية -يا إخوان- كيف يتعامل المسلم مع هذه الأخطاء الموجودة في المجتمع؟ أقول: لا بد أن يستشعر كل واحد منا المسؤولية في إنكار المنكر، وإنكار المنكر أيضًا جعله النبي على درجات: من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه [5].

وانظر إلى حال شابين شاب استشعر هذه المسؤولية، وقام بواجبه تجده شابًا نشيطًا، ويدرس في حلقة تحفيظ القرآن الكريم، يقوم بتربية الشباب، ويقوم بالدعوة إلى الله ، ونشيط في كليته في الحي الذي يعيش فيه، في مجتمعه، نفعه متعدٍّ للآخرين، وشاب مقصر في نفسه، وهمه إلقاء اللائمة على الحكام، وربما انتقل لمرحلة التكفير، ولربما انتقل لمرحلة أعظم منها، انظروا إلى الفرق بين هذا وهذا، فالأول إيجابي، ونفعه كبير للمجتمع، والثاني فقط هو مقصر في نفسه، وأيضًا لم يكتف بهذا، وإنما يلقي باللائم والتقصير على غيره فقط، من غير أن يرى التقصير في نفسه.

هل يُخالط ويُناصح صاحب الشبهة أم يُعتزل؟

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا سائل يقول: ما توجيه فضيلة الشيخ حفظه الله على من رأى من بعض الشباب مثل هذا الفكر، هل يخالطهم ويناصحهم، أو يعتزلهم، ويذهب عنهم؟ توجيهكم رحمكم الله.

الذي أرى في مثل حالة الشاب ألا يخالطهم؛ لأنه إذا خالطهم فهذا ربما يتأثر بهم، أما الإنسان الكبير يعني الكبير في العلم، وكبير في السن يناصحهم، ويبذل لهم النصيحة، لكن شاب مثلهم، هذا يخشى أن يتأثر بهم؛ لأنه ربما يأتي لمناصحتهم، فهم يستطيعون التأثير عليه، يستطيعون أن يؤثروا عليه، جزاك الله خيرًا، والإنسان يبقى بشرًا ضعيفًا.

عمران بن حطان كان محدثًا فقيهًا، فرأى امرأة وأعجبته، وأراد أن يتزوجها، قيل: إنها خارجية، من الخوارج، فقال: سأتزوجها بنية نصيحتها، حتى تتحول إلى منهج أهل السنة، فتزوجها، فأثرت عليه، فتحول لمذهب الخوارج، إذا كان هذا الآن عالمًا وتحول وتأثر بتأثير امرأة، فما بالك بشاب صغير؟!

فالذي أرى ألا يخالطهم، وأن يعتزلهم، والسلف الصالح أمروا باعتزال أهل البدع، ومجانبة أهل البدع؛ لأن الشبهة قد تستقر في القلب، فلا يتمكن من إخراجها، ربما يأتي بنية المصالحة، فيؤثرون عليه، كم من شاب دخل مع جماعة بنية مناصحتهم، أو بدافع الفضول، يقول: أريد أن أعرف ما وراءهم؟ فتأثر بهم، والإنسان يبقى بشرًا ضعيفًا؛ ولذلك فعلى الشاب الحذر، أن يكون حذرًا من هؤلاء، إذا رأيت شابًا أعلن قدحه في العلماء، وفي ولاة الأمر، ويجاهر بذلك، فهذا شاب مبتدع، ابتعد عنه، هذا قد يتسبب في هلاكك، وقد يجرك شيئًا فشيئًا إليه، ابتعد عنه، إذا كان بعيدًا عن منهج السلف، وعن طريقة السلف، ابتعد عنه؛ لأن هذا على خطر عظيم، يمكن أن تكتب له نصيحة في ورقة، وتعطيها إياه، لكن أن تخالطه هذه المخالطة فيها خطورة كبيرة على الشاب، خطورة كبيرة في أن يتأثر بهم، أو تقع بعض الشبه في قلبه، ولا يستطيع الرد عليها، وربما حسّن الشيطان له، فوقع في الفتنة من حيث لا يشعر.

هل محاربة الدول الكافرة لبعض الجماعات دليل على صحة منهجها؟

السؤال: أحسن الله إليكم، الحقيقة الأسئلة كثيرة، ولكن وقت الملتقى لا يتسع، فسأختم بسؤالين:

السؤال الأول: حفظكم الله، هذا سائل يقول: يشكل علينا حينما يتحدث بعض المشايخ وطلبة العلم في التحذير من هذه الجماعات، وفي المقابل نرى أن الدول الكافرة تحارب هذه الجماعات وتعاديها، فهل هذا العداء من هذه الدول الكافرة دليل على صحة منهج هذه الجماعات؟

هذا ليس دليلًا، حتى لو افترضنا حقيقة أنها تعاديها، مع أنه في واقع الأمر في الظاهر تعاديها، لكن من أين يأتيها الدعم؟ ومن أين تأتيها هذه الأموال الضخمة؟ ومن أين تأتيها هذه الإمكانات؟ ومن أين تأتيها هذه الحماية؟ يعني: هذا سؤال يطرح نفسه؛ لماذا لم يطلقوا رصاصة واحدة على إسرائيل، أو على إيران؟ هذه أسئلة كبيرة، لكن لو افترضنا جدلًا بأن هذه القوى الكبرى تحاربها، فهذا ليس دليلًا على صحة منهجها، لا ينبغي للشاب أن يكون ساذجًا إلى هذه الدرجة، أنه إذا رأى أن العدو يحارب شخصًا، توقع أنه على المنهج الصحيح، هذا غير صحيح، وإنما الميزان الكتاب والسنة.

ولا تظن أن الجماعات المنحرفة كل ما عندها باطل مائة بالمائة، لا، كل الفرق الثنتين وسبعين التي قال عنها النبي : وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كانت على ما أنا عليه وأصحابي [6] الثنتان والسبعون فرقة ليست كل ما معها باطل، عندها حق، حق وباطل؛ لأنه لو كان عندها باطل مائة بالمائة، ما أحد تبعها، ما وجدت لها أتباع؛ لأن النفوس بفطرتها مجبولة على رد الباطل، لكنهم يأتون بحق، يأتون بنصوص من القرآن ومن السنة، وربما أقوال بعض أهل العلم، ويلبسون بها على الناس، فهذه الفرق تُلبّس الحق بالباطل؛ ولهذا لا تغتر بأنهم يأتون بأدلة، ويأتون بأقوال علماء، هذا يرد منهم؛ لكنهم يلبسون الحق بالباطل.

فمحاربة قوى الكفر لهذه الجماعة لو افترضنا هذا جدلًا ليست بدليل على أنهم على الحق، إذًا كيف أعرف أنهم على الحق أو على الباطل؟ الميزان هو الكتاب والسنة، يعني: هل الآن تقتيل المسلمين في المساجد هذا يأتي به الشرع؟ وأسامة بن زيد لما قتل الرجل في معركة، وفي قتال، وفي جهاد، وفي سبيل الله، والذي أرسل أسامة هو النبي ، وهذا الرجل ليس رجلًا عاديًّا، يعني: أوجع في المسلمين، وقتل عددًا كبيرًا من المسلمين، فلحقه أسامة ولما رفع عليه السيف، يريد أن يقتله، قال: لا إله إلا الله، يعني: ظاهر الحال أنه قالها يريد أن يسلم من هذا السيف، فعمل أسامة بهذا الظاهر، فقتله، هل عذره النبي ؟ لا، دعا أسامة وقال: يا أسامة، أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول، إنما قالها متعوذًا؟ قال: هل شققت عن قلبه، حتى تعلم أن قالها أم لا؟ [7] فجعل أسامة  يعتذر، والنبي لم يقبل منه أي اعتذار، حتى قال أسامة : حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذٍ؛ لأن الإسلام يهدم ما كان قبله، إذا كان هذا أسامة ، وفي معركة في سبيل الله، جهاد حقيقي، والذي أرسله هو رسول الله ، وهذا الكافر أوجع في المسلمين، وهو كافر أصلي، لكنه قبل أن يرفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله، فكيف بمسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويصوم ويصلي ويأتي إنسانًا ويقتله؟! ما حجته أمام الله ؟ ما أعظم مصيبته عند الله !

ولهذا يقول : لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا [8] أخرجه البخاري في صحيحه، وهذا الحديث حديث عظيم، إذا أصاب دمًا حرامًا، فيضيق عليه دينه، نسأل الله السلامة والعافية.

المسألة يا إخوان خطيرة جدًّا، فيعني هذه الأمور ليس علامات كون مثلًا قوى الشر أو قوى الكفر تحالفت على هذه الجماعات، ليس هذا دليل على أنها على الحق، وإنما الميزان هو الكتاب والسنة.

بعض انحرافات تنظيم “داعش”

السؤال: أحسن الله إليكم، نختم بهذا السؤال: يقول: حفظكم الله، أحببنا أن تبينوا لنا الانحرافات والأخطاء التي وقع فيها ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، أو داعش، والتي خالفوا فيها منهج أهل السنة والجماعة، وهل تسميتهم خوارج تسمية شرعية؟

  • هذه الطائفة التي خرجت أولًا يقودها مجاهيل، أناس لم يُعرفوا، ولم يُزكوا، من هم؟ يعني: أناس، أبو فلان، أبو فلان، أناس مجاهيل، لا ندري من هم، ومن يقودهم؟ ومن الذي يمول هذه الجماعة؟ وما أصولها؟ فكيف الإنسان يتبع أناسًا مجاهيل.
  • الأمر الثاني: يعني هذه الجماعة ما جهدها في محاربة أعداء الإسلام؛ لماذا لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل، أو على إيران؟ ولماذا لم يقع تفجير في إسرائيل، أو في إيران من قبل هذه الجماعة؟ أين هم؟ أين هم وهم يرون ما يفعله الصهاينة بالمسجد الأقصى، ويقف يعني فلسطينيون بالأحجار فقط يحرسون المسجد الأقصى؟ أين هذه الجماعة التي ترفع لواء الجهاد؟ أين هم عن هؤلاء؟ هذا سؤال كبير، لم يستطيعوا الإجابة عنه، ولم يستطع أحد منهم الإجابة عنه.
  • ثم أيضًا هذه الجماعة يصدق عليها ما ذكره النبي : يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان [9] قتلاهم من المسلمين، ليس قتلاهم من الكفار، يأتون المسلمين الركع السجود في مساجدهم ويقتلونهم، فهذه الجماعة جماعة منحرفة، وهم أقرب إلى وصف الخوارج، فإذا تأملت أوصاف الخوارج الواردة في السنة، تجد أنها تنطبق عليهم، يعني: أبرز أوصاف الخوارج وصفان:
    • الوصف الأول: الجرأة على الدماء والأعراض.
    • الوصف الثاني: قلة فهم النصوص.
      الوصف الأول: الجرأة على الدماء والأعراض هذا واضح في هذه الجماعة، فعندهم المسلم يستبيحون دمه بأدنى شيء، يسألون السؤال إذا لم يجب قتلوه، واستحلوا دمه، والأعراض يكفرون بالجملة.
      وأما قلة فهم النصوص فهذا ظاهر، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما: “إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين” [10] وعندهم الحكم بالردة من الأمور السهلة، مع أن الحكم بالردة عند العلماء من أصعب الأمور، ومن أثقلها، ولا بد له من شروط ثقيلة، ومن أعظمها: إقامة الحجة على الإنسان، وأن يكون الناقض جليًّا وواضحًا، بل قال أهل العلم: إذا شك هل يكفر أم لا يكفر؟ فنرجع للأصل، والأصل بقاؤه على الإسلام، فهذه الجماعة جماعة منحرفة عن الإسلام، ومنحرفة في فهم الجهاد في سبيل الله ، وتستقطب أبناء المسلمين لأهداف مشبوهة، ومن يرى في تصرفات هذه الجماعة لا يكاد يشك أنها تحقق أهداف أعداء الإسلام، أنها تدار بأيدي خفية من قبل أعداء الإسلام؛ ولهذا تجد أنهم يخدمون أعداء الإسلام بشكل كبير جدًّا، يحققون أهداف أعداء الإسلام بشكل كبير جدًّا، والأدلة على هذا والبراهين كثيرة جدًّا، لا تحتاج إلى بسط، لكن العجب من أن ينخدع بها بعض أبنائنا، أن ينخدع بعض أبنائنا ببعض هذه الشعارات البراقة، التي تخدع هذا الشاب الغر الصغير؛ ولهذا قلت لكم: إنهم يستقطبون فئة عمرية معينة، ما بين خمسة عشر إلى ثلاثين عامًا؛ لأن هذا الشاب ليس عنده الخبرة في الحياة ما عند خبرة.
  • ومما يدل على انحراف هذه الجماعة: أنك لا تجد عالمًا واحدًا من كبار أهل العلم والعالم الإسلامي أيَّد هذه الجماعة، أعطني عالمًا واحدًا عُرف بالعلم والدعوة، وتلقي الناس علمه بالقبول أيد هذه الجماعة، أعطني عالمًا واحدًا معروفًا، ما تجد، بل كل علماء العالم الإسلامي المعتبرين جميعهم أجمعوا على انحراف هذه الجماعة، وحذّروا منها، وبينوا ضلالها وخطأها، وقد كنت قبل أشهر في مجمع الفقه الإسلامي الدولي منظمة التعاون الإسلامي، وكلهم مجمعون على انحراف هذه الجماعة؛ لكنهم يبحثون كيف نحصن أبناءنا من هذه الجماعة، ومن يشاكلها من الجماعات، فلا تجد عالمًا معتبرًا أيد هذه الجماعة أبدًا، بل جميع علماء العالم الإسلامي بينوا ضلالها وانحرافها، وهم يعني أقرب ما يكون إلى وصف الخوارج.

ثم يا أخي الكريم الجماعة عليها هذا الكلام فكيف يتبعها الإنسان؟ هي المسألة يا إخوان جنة ونار، كيف يتبعها وقد يقود التحاقه بهذه الجماعة إلى النار؟ وقد يتسبب في سفك دماء معصومة، ألا يكون المسلم مع جماعة المسلمين وإمامهم، كما أوصى بذلك النبي ، هب أن الأمر التبس عليك، وأن الأمر بالنسبة إليك مشوش، فحذيفة  سأل النبي لما تكلم النبي على الفرق، فقال: يا رسول الله، فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم [11] هذه وصية النبي عند من تحصل له فتنة، الأمور واضحة.

لكن لو افترضنا أن شابًا الأمور عنده مشوشة، نقول: خذ بوصية النبي ، الزم جماعة المسلمين وإمامهم، الزم اليقين، إذا بقيت مع جماعة المسلمين وإمامهم، فلن تُسأل في قبرك: لماذا لم تذهب لداعش؟ ولماذا لم تلتحق بداعش؟ ولماذا لم تؤيد داعشًا؟ لن تسأل في قبرك عن هذا، لا يسألك الله في قبرك عن هذا، لكنك إذا اتبعتهم فالويل لك، ثم الويل، ربما تسفك دمًا، ربما تدخل النار بسبب ذلك، فالعاقل هل يقدم على هذا الأمر، وقد يقوده إلى دخول النار؟! إنما المسلم يسلك مسلك اليقين، وهو البعد عن هذه الفتن، ما دام أن الله سلمه من هذه الفتن، فليبتعد عنها، ولينأ عنها، وأيضًا هناك أناس يعني ما عنده نية للالتحاق بهذه الجماعة، ولكنه يؤيدها، وهذا الذي يؤيدها شريك معهم في الإثم؛ لأنه يزين هذا لغيره، وربما غيره التحق بهذه الجماعات بسبب تأييده، فهو شريك معهم في الإثم، ما تقوم به هذه الجماعة أعمال منكرة، يجب إنكارها، وأدنى درجات الإنكار هو الإنكار بالقلب، وأما تأييدها، فمن أيدها فعليه أن يتوب إلى الله ، فقد وقع في جُرم عظيم، وذنب كبير؛ لأنه أيد فرقة مبتدعة من أضل الفرق، ومن أعظمها خطرًا على الإسلام والمسلمين.

ينبغي يا إخوان على طالب العلم أن يحرص على السنة، وعلى اتباع منهج السلف الصالح، وعلى اتباع الكتاب والسنة، واتباع آراء أهل العلم المعتبرين الذين تلقت الأمة علومهم بالقبول، وألا يتبع هواه، ويتبع ما يملي عليه عقله، البدع تقوم على الاستحسان العقلي، جميع البدع يا إخوان تقوم على الاستحسان العقلي، الإنسان إذا استحسن شيئًا بعقله، ثم بعد ذلك يستحسنه شيئًا فشيئًا إلى أن تكون بدعة، فيعمل بها، وربما أيدها، لكن المسلم عليه أن يعظم النصوص من الكتاب والسنة، وأن يقدم ما قاله الله، وقاله رسوله على ما يستحسنه بعقله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

المقدم: شكر الله لكم شيخنا على ما قدمتم، وأسأل الله جل وعلا أن ينفعنا وإياكم بما قلتم وسمعنا.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 بنحوه في الموافقات: 1/ 145.
^2 رواه مسلم: 1855.
^3 بنحوه في سير أعلام النبلاء: 4/ 343.
^4 مسائل الجاهلية: ص 7.
^5 رواه مسلم: 49.
^6 رواه الترمذي: 2641.
^7 رواه البخاري: 4269، ومسلم: 96.
^8 رواه البخاري: 6862.
^9 رواه البخاري: 3344، ومسلم: 1064.
^10 صحيح البخاري: 9/ 16.
^11 رواه البخاري: 3606، ومسلم: 1847.
zh