الرئيسية/محاضرات/فتنة التكفير وآثارها
|categories

فتنة التكفير وآثارها

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

خطر فتنة التكفير

فإن العالم الإسلامي يمر اليوم بمحن عظيمة، ومصائب كبيرة، مزّقت كثيرًا من بلدان العالم الإسلامي، حتى أصبح الإنسان في تلك البلدان لا يأمن، لا يجد الأمن ولا الأمان، فتن عظيمة، وحروب، ودماء تراق، وقتل وتفجيرات.

والعجيب: أن الأخبار، أخبار القتل، أكثر ما تحملُ تحمل أخبار قتل لبلدان العالم الإسلامي، إذا استمعت إلى الأخبار تجد أن حوادث القتل والتفجيرات في معظمها في بلدان العالم الإسلامي.

فلماذا يحصل هذا في بلاد المسلمين والشريعة الإسلامية قد عظمت شأن القتل تعظيمًا كبيرًا، الله تعالى يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]؟! لماذا نرى كثرة حالات القتل والتفجيرات وزعزعة الأمن وسفك الدماء في بلدان المسلمين، مع أن شريعة الاسلام قد شددت في هذا؟

هذا أيها الإخوة له أسباب كثيرة، ولكن سيكون الحديث في الدرس عن سبب واحد هو من أبرز هذه الأسباب، سأتحدث عن حقيقته وعن القواعد التي فيه وأسبابه وعلاجه.

من أبرز أسباب حوادث القتل والتفجيرات: فتنة التكفير

لأن الذين يقومون بهذه العمليات في الغالب ممن يكفِّر الناس، يكفر المجتمعات؛ فيأتي ويقتل هؤلاء على أنهم كفار، وربما قتل نفسه ظنًا منه أن هذا شهادة في سبيل الله تعالى، وقد انحرف مفهوم الجهاد لدى هؤلاء، انحرف الجهاد من جهاد الكفار إلى قتال المسلمين؛ كما قال : يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان [1].

أيها الإخوة: إن الجماعات التكفيرية قد نشطت في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وغررت ببعض شباب المسلمين، ووضعت شبهًا لتكفير كثير من المسلمين.

وإذا اعتنق الشاب هذه الأفكار بدأ أولًا بالتكفير، ثم انتقل بعد ذلك إلى القتل والتفجير، وربما قتل نفسه.

ويوم الجمعة الماضي حدث عندنا هنا في المملكة في مدينة الرياض فجر الجمعة أن شابين دخلا على أمهما واستدرجاها في غرفة، ثم أمسك أحد الشابين بالأُم وقتلها الآخر بالسكين والساطور إلى أن ماتت، وفارقت الحياة، ثم ذهبا إلى أبيهما الطاعن في السن وفعلا به مثل ذلك، لكنه أصيب وما زال تحت العلاج، ثم ذهبا إلى أخيهما الشقيق وفعلا به مثل ذلك، ولا يزال مصابًا، وتحت العلاج، لماذا فعلوا هذا؟

لأنهم كفّروهم، كفّروا أمهم، وكفّروا أباهم، وكفّروا أخاهم، فزعموا أن هؤلاء كفار، فقتلوهم متقرّبين إلى الله تعالى مع أن الله تعالى قال حتى في شأن الوالدين الكافرين: وَإِن جَـٰهَدَاكَ عَلَىٰۤ أَن تُشۡرِكَ بِی مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمࣱ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِی ٱلدُّنۡیَا مَعۡرُوفࣰاۖ [لقمان:15].

لكن انظروا -أيها الإخوة- إلى عظيم أثر فتنة التكفير كيف أنها أدت بالإنسان إلى أن يقتل أُمه وأباه وأخاه؟

كل هذا من آثار هذه الفتنة العظيمة.

وقبل أن أتحدث عن هذه الفتنة وتاريخها وأسبابها وعلاجها أذكر بعض القواعد التي قررها أهل العلم في باب التكفير:

قواعد أهل العلم في باب التكفير

  • القاعدة الأولى: أن التكفير حق لله ولرسوله

التكفير حق لله ثم لرسوله ، فلا يجوز أن يُكفر إلا من كَفره الله أو كَفره رسوله ، ولهذا قال الإمام ابن القيم في نونيته المشهورة:

الكُفْر حقٌ لله ثم رسولهِ بالنصِ يثبتُ لا بقولِ فلانِ
منْ كانَ ربُ العالمينَ وعبدهُ قد كفروهُ فذاك ذوُ الكُفرانِ

(الكفر يعني يقصد التكفير).

فإذن: التكفير حق لله ولرسوله وليس للإنسان أن يكفر غيره بالتشهي وبالهوى، فالْمُكفَّر من كفره الله وكفره رسوله ، وأما تكفير المسلمين من غير دليل فقد ورد فيه الوعيد الشديد، يقول النبي : من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما [2] يعني إن كان الذي قد قلت له: كافر، وإلا رجع الكفر عليك أنت أيها القائل، وفي حديث آخر: من قال لأخيه: يا عدو الله أو يا كافر فإن كان كما قال وإلا حارَ عليه أي رجع عليه.

ويقول عليه الصلاة والسلام: لعن المؤمن كقتله [3].

وهذه نصوص تدل على تحريم تكفير المسلم بغير حق، ولهذا كان من معتقد أهل السنة والجماعة أنهم يقولون: لا نُكفر أحدًا من أهل القبلة بذنبٍ ما لم يستحله، وأهل السنة لا يكفرون من خالفهم، وإن كفروهم لا يقابلونهم بالمثل، فالتكفير شأنه عظيم.

والتكفير أيها الإخوة يترتب عليه آثار كبيرة، إذا حكمنا بكفر هذا الإنسان يترتب عليه أنه لم يصبح أخًا لنا في الإسلام، خرج عن دائرة الإسلام ولو مات لم يُغسل ولم يكفن ولم يصل عليه، ولم يدفن في مقابر المسلمين، ولا يحصل بينه وبين المسلمين توارث، ولا تحل له زوجته، إلى غير ذلك من الأحكام الكثيرة المترتبة على التكفير، فليس التكفير بالأمرِ السهل.

فهو إذن، حق لله ولرسوله .

  •  القاعدة الثانية: التكفير لا يجوز إطلاقه إلا بعد تحقق شروطه، وانتِفاء موانعه

ولهذا لا يقوم به إلا الراسخون في العلم؛ لأنهم هم الذين يتحققون من تحقق الشروط ومن انتفاء الموانع.

فلابد إذن من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، وإلا فإن الإنسان قد يقع في الكفر ولا يكون كافرًا.

فالتكفير إذن ليس لأي أحد، وإنما هو لكبار أهل العلم، وللراسخين في العلم؛ لأنهم هم الذين يتحققون من تحقق الشروط وانتفاء الموانع.

  • القاعدة الثالثة: أن الأمور تأخذ بالظاهر

 فقد قال النبي : من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، لهُ ما لنا، وعليه ما علينا [4].

وقد كان يوجد منافقون على عهد النبي وأخبر الله تعالى بأنهم بالدرك الأسفل من النار، ومع ذلك كان النبي يعاملهم معاملة المسلمين؛ لأنهم في الظاهر يشهدون أن لا إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، لكنهم يبطنون الكفر، فكان يعاملهم معاملة المسلمين، ولما أرسل النبي أسامة بن زيد في سرية كان هناك رجل من المشركين آذى أذية كبيرة، وقتل عددًا كبيرًا من المسلمين، فلحقه أسامة بن زيد فلما رفع عليه السيف، قال: لا إله إلا الله، فقتله أسامة، فدعا النبي أسامة، وقال: يا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله قال يا رسول الله إنما قالها متعوذًا. قال: هلا شققت عن قلبه حتى تعلم قالها كذلك أم لا. فجعل أسامة يعتذر، والنبي لا يقبل منه الاعتذار، ويقول له: يا أسامة كيف بلا إله إلا الله إذا أتت تُحاجك يوم القيامة. فندم أسامة ندمًا عظيمًا يقول: حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ” [5].

لماذا؟ لأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وتأثر بهذا الموقف، ولما حصلت الفتن بعد مقتل عثمان اعتزل الفتن كلها.

فانظروا أيها الإخوة هذا الرجل أوجع في المسلمين، ولما لحقه أسامة قال: لا إله إلا الله، يعني ظاهر الحال أنه قال خائفًا لأجل أن ينجو من القتل، ومع ذلك أنكر النبي على أسامة قتله، قال: هلا شققت عن قلبه حتى تعلم قال كذلك أم لا، فالأمور في شريعة الإسلام تؤخذ بالظاهر، ولا تؤخذ بالباطن، الباطن أمره إلى الله تعالى، فمن أظهر الإسلام صدقناه، ولم نُكلف بأن نُفتش عنه، ولا نقول ربما يكون كاذبًا، ربما يكون غير صادق، بل نقبل علانيته، ونوكل سريرته إلى الله تعالى.

  • القاعدة الرابعة: ليس كل من وقع في الكفر يكون كافرًا

ليس كل من وقع في الكفر يكون كافرًا، فقد يقع الإنسان في الكفر ولا يكون كافرًا لوجود مانع، ومما يدل لهذا ما جاء في الصحيحين أن النبي قال: كان رجل فيمن كان قبلكم قد أسرف على نفسه فلما حضرته الوفاة، قال لبنيه: إذا أنا متُ فاسحقوني ثم ذروني في يوم حار ذُروني في البحر فواللهِ لأن قدر ربي علي ليعذبني عذابًا شديدًا، هنا شك في قدرة الله، والشك في قدرة الله كفر، لكن يقول النبي : فأمر الله تعالى فجمعت عظامه -جمع هذا الشخص- فكلمه الله، وقال: لم فعلت هذا؟ قال: خشيتك يا رب، قال الله: قد غفرت لك [6]، هذا وقع في الكفر، ومع ذلك قد غفر له؛ لأنه كان متأولًا في هذا، فليس كل من وقع في الكفر يكون كافرًا، قد يقع الإنسان في الكفر ويكون جاهلًا، ولهذا كان الإمام ابن تيمية رحمه الله يقول للجهمية: “لو قلت قولكم لكفرت، لكني لا أُكفركم؛ لأنكم عندي جهال”.

انظر إلى غاية الإنصاف والعدل فقد يكون هذا جاهلًا، قد يكون جاهلًا، وقد يكون متأولًا، وقد يكون مكرهًا، وكل هذه موانع تمنع من التكفير: الجهل والتأويل والإكراه، هذه تمنع من التكفير، وبهذا نستفيد قاعدة مفيدة في هذا الباب وهي: أنه ليس كل من وقع في الكفر يكون كافرًا.

  • القاعدة الخامسة: من ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه ذلك بالشك

ولا بد لزوال هذا اليقين من يقين آخر، وذلك بإقامة الحجة عليه، وإزالة الشبهة عنه.

 فهذا ثبت إسلامه بيقين، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، يصلي ويصوم مع المسلمين، إذا ثبت إسلامه بيقين لو لاحظت عليه ملاحظات وشككت هل هو مسلم أم لا؛ يبقى على الأصل وهو الإسلام، ولا يخرج عن دائرة الإسلام إلا بيقين، ولذلك مع الشك في كفره لا يكفر؛ لأن الأصل هو إسلامه.

  • القاعدة السادسة في هذا الباب: أنه لا يكفَّر باللوازم من الأقوال والأفعال

والتكفير باللوازم شائع عند الجماعات التكفيرية اليوم، فبالقصة التي أشرت إليها التي وقعت هذا الأسبوع، هذا الرجل لماذا كفر أمه وأباه وأخاه؟ كفرهم باللوازم؛ عنده أنهم لا يكفرون الحاكم، ومن لم يكفر الحاكم فهو كافر، ويأخذونها بالتسلسل، فيأخذونها باللوازم، قال أهل العلم: إنه لا يكفر باللوازم من الأقوال والأفعال، قال الشاطبي: “مذهب المحققين من أهل الأصول أن الكفر بالمآلِ ليس بكفر في الحال” أن الكفر بالمآل ليس بكفر في الحال.

وأيضًا ذكر ابن حجر كلامًا قريبًا من هذا، قال: “الذي يُحكم عليه بالكفر من كان كفره صريحًا من صريح الكفر أو لازم ذلك ثم عرض عليه فالتزمه، أما من لم يلتزمه وناضل عنه فإنه لا يكون كافرًا وإن كان اللازم كفرًا”.

فأئمة الإسلام قرروا هذا المعنى، وهو أنه لا يكفر باللوازم، لا يكفر باللوازم من الأقوال والأفعال، فقد يكون هذا إنسان كافر، لكن يعني هذا الشخص الذي معه لم يكفره لسبب؛ لخوف أو لجهل أو تورع، أو لغير ذلك.

فلا يكفر إذن باللازم ومن الأقوال والأفعال.

هذه القواعد ذكرها أهل العلم في هذا الباب.

بداية ظهور فتنة التكفير

وقد ظهرت فتنة التكفير أول ما ظهرت من بعد مقتل عثمان ، فإنه لما قُتل عثمان نشبت فتن عظيمة ونشأت فرقة الخوارج، وكان أصل منشأها رجل يهودي أظهر الإسلام يقال له: ابن سبأ، وقد أفسد في المسلمين، واستطاع أن يؤثر على بعض العامة، ويشحنهم ضد الخليفة عثمان بن عفان حتى قُتل، ثم ضد الخليفة علي بن أبي طالب حتى قُتل، ونشأت تلك الفرق، ولما نشأت تلك الفرق بدأت مسألة التكفير، ونشأ هؤلاء الخوارج، وقد قاتلهم علي في هذا، ولكنهم لم يقبلوا، بل إنهم في الأخير قتلوا عليًّا، يقول الذي قتل عليًّا لما سُئل وقد كان هذا الذي قتل عليًّا من العُبّاد، كان يُرى على جبهته أثر السجود من كثرة الصلاة، نسأل الله العافية، لما قتل عليًّا قيل: كيف تقتل أمير المؤمنين وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الخلفاء الراشدين، كيف تقتله؟ قال: هذا أرجى عمل أتقرب به إلى الله. نسأل الله العافية.

انظروا يا إخوان كيف الانحراف في فهم الجهاد، أرجى عمل يتقرب به إلى الله أن يقتل علي بن أبي طالب أول من أسلم من الصبيان، سبحان الله! فانظر إلى الضلال كيف يقود صاحبه إلى هذه المهالك، ثم نشأت هذه الفرقة، وقد أضرت بالإسلام والمسلمين كثيرًا، ولهذا وصفهم النبي بأنهم: شر الخلقِ والخَليقة [7]، كما جاء في صحيح مسلم، وهذا الوصف وصفٌ شديد لم يرد في غيرهم من الفرق، وذلك لعظيم ضررهم على الإسلام والمسلمين؛ لأنهم يلبسون لباس التدين والصلاح، لكنهم يسيئون للإسلام وللمسلمين، ويجتمع فيهم وصفان:

أوصاف أهل التكفير

  • الجرأة على الأعراض والدماء.
  • وقلة فهم النصوص.

هذان الوصفان اللذان يجتمع فيهم هذه الفرق التكفيرية من الخوارج ومن نحا نحوهم.

أما الجرأة على الأعراض فبالتكفير والتفسيق والتبديع، وأما الجرأة على الدماء بسفك الدماء، وأما قلة فهمهم الدين كما قال ابن عمر وغيره: “أخذوا آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين”، ولهذا كان ضررهم على الإسلام والمسلمين عظيمًا، وكما ترون الآن هذه الفرق المنحرفة تعيث فسادًا في العالم الإسلامي، هذه الفرق التكفيرية، وقد استغلها أعداء الإسلام، واخترقتها المخابرات، مخابرات أعداء المسلمين، اخترقوها وأصبحوا يقودونها، وجعلوها آلةً في أيديهم للإضرار بالإسلام والمسلمين، وعدم استقرار بلدان المسلمين، ولتشويه الإسلام، وحققت هذه الفرق التكفيرية هذه الجماعات التكفيرية ما عجز عنه اليهود وأعداء المسلمين.

وإذا أردت أن تعرف أمرًا أشكل عليك، أي أمر أشكل عليك: هل هذا الأمر صحيح أم لا، فانظر إلى آثاره فإن كانت آثاره مما يحبه الله ورسوله كانت آثارًا حسنة، فاعلم أن هذا الأمر صحيح، وأتت به الشريعة، أما إذا كانت آثاره سيئة وليست مما يحبها الله ورسوله، فاعلم أن هذا لا ترد به الشريعة.

آثار الجماعات التكفيرية

فما هي الآثار التي خلفتها الجماعات التكفيرية سوى القتل، وسفك الدماء، واضطراب الأمن، وتشريد المسلمين، والتضييق على الدعوة إلى الله تعالى، وعلى العمل الخيري، وخدمة أعداء المسلمين، لم نرهم يومًا من الأيام أطلقوا رصاصة واحدة على الصهاينة في إسرائيل، هل أطلقوا رصاصة واحدة على الصهاينة في إسرائيل؟

أبدًا، قتلاهم من المسلمين، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان.

إن كنتم صادقين في زعمكم الجهاد فدونكم فلسطين حرروها، وقاتلوا الصهاينة في فلسطين، وسيقف معكم المسلمون كلهم إن كنتم صادقين، لكن هؤلاء مخترقون من قبل أعداء الإسلام ويقودونهم، وفيهم جماعات تكفيرية عندها غلو، وعندها تشدد، وقد أدى الأمر بهذا إلى زعزعة الأمن والاستقرار في كثير من العالم الإسلامي، وكلما أراد المسلمون في تلك الدول أن يقوم لهم قائمة قامت هذه الجماعات التكفيرية وأفسدت عليهم.

أسباب الوقوع في فتنة التكفير

  • الجهل

أيها الاخوة: وعندما نريد التعرف على أبرز أسباب الوقوع في هذه الفتنة نجد أن السبب الأول والأبرز هو: الجهل، ولهذا لا تجد معهم عالمًا مبرزًا، لم نجد يومًا من الأيام أن عالمًا معروفًا بالعلم ورسوخ في العلم، وتلقت الأمة علمه بالقبول، ثم التحق بركب هذه الجماعات، تجدهم مجاهيل أبو فلان وأبو فلان لا يعرف من هو أبو فلان ولا يعرف أصله ولا نشأته ولا طلبه للعلم، ولا أيضًا تزكيته، فتجدهم المجاهيل لا يعرفون، ولذلك لا تجد معهم علماء أو طلبة علم بارزين فيغلب عليهم الجهل وقلة البصيرة في الدين، ولهذا أخذوا نصوصًا نزلت في الكفار فوضعوها على المسلمين.

  • ضعف الارتباط بالعلماء الموثوقين

 ومن الأسباب أيضًا: ضعف الارتباط بالعلماء الموثوقين؛ لأن المسلم إذا ارتبط بأهل العلم الموثوقين يصدر عن آرائهم، لكن عندما لا يرتبط بهم يصدر إما عن رأيه أو عن رأي أناس ليسوا موثوقين، مجاهيل، وبالتالي يقع في هذه الفتنة، أو في غيرها من الفتن، وتجد أن هؤلاء يطعنون في كبار أهل العلم، وربما وصفوهم بأنهم علماء سلاطين، ووصفوهم بألقاب منفّرة، حتى يزعزعوا ثقة الناس بهم، وإذا تزعزع ثقة الناس بالعلماء الموثوقين فإن هذا في الحقيقة ليس فيه جناية على هؤلاء العلماء أنفسهم فحسب، بل جناية على الشريعة التي يحملونها؛ لأنه إذا قلّت قيمة العلماء وهيبة العلماء في المجتمع يقلّ الأخذ عنهم، وبالتالي يقلّ الأخذ بالشريعة، وتضيع أعلام الإسلام، ولهذا لما حصلت الفتنة بعد مقتل عثمان أليس فيه علماء كبار؟

علماء الصحابة كانوا موجودين، كان ابن مسعود موجودًا، وابن عباس وابن عمر وسعد بن أبي وقاص، وكبار علماء الصحابة رضي الله عنهم جميعًا كانوا موجودين، وأبو هريرة وعائشة، فلماذا لم يصدر هؤلاء عن آرائهم؛ لأنهم طعنوا فيهم؟ وزعموا أن هؤلاء العلماء علماء الصحابة أنهم علماء سلاطين، وأنهم متواطئون مع عثمان، فأصبحوا لا يأخذون برأيهم، وما أشبه الليلة بالبارحة، فتجد أن هؤلاء أنهم يطعنون في أهل العلم، ويقعون في أعراضهم، ويسيئون الظن بهم، فأقول أيها الإخوة حتى يبتعد الإنسان عن هذه الفتنة عليه أن يرتبط بأهل العلم الموثوقين يصدرُ عن آرائهم؛ لأن هذا العالم الذي طلب العلم طيلة عمره وهو يطلب العلم، يعطيك خلاصة ما عنده من علم، ومن رأي، وينصح لك، ويبين لك الوجه الشرعي؛ حتى تعبد الله تعالى على بصيرة، فمن أخطر الأمور زعزعة ثقة العامة بعلمائهم، فهذا سبب لنشوء هذه الفتنة، ولغيرها من الفتن.

  • العاطفة والحماس غير المنضبط

ومن الأسباب أيضًا: العاطفة والحماس غير المنضبط، العاطفة والحماس لنصرة الدين، وهذا الحماس غير منضبط، ويجتمع معه قلة البصيرة في الدين، فيتحمس هذا الشاب لنصرة الدين مع جهله، وقلة بصيرته في الدين، وبالتالي يقع في فتنة التكفير.

ومن الأسباب أيضًا: سرعة التأثر بالشبهات، والشبهة إذا وقعت في القلب يصعب خلاص القلب منها، ولهذا كان السلف الصالح ينهون عن مجالسة أهل البدع.

وكما ترون في وقتنا الحاضر انفتح العالم بعضه على بعض، وأصبح كما يقال كالقرية الصغيرة، وأصبحت تأتي الفتن فتن الشبهات، وفتن الشهوات تغزو الناس في عقر دارهم في بيوتهم عن طريق وسائل الإعلام والاتصالات، وعلى وجه الخصوص عن طريق الإنترنت فأصبح هذا الشاب يدخل هذه المواقع، والتي ربما يقوم عليها أناس عندهم احتراف في قوة التأثير، فيأتي هذا الشاب الصغير ويصدق هؤلاء، وربما ارفقوا معها صورًا، وربما دبلجوا هذه الصور، وحرفوها وضربوا على الوتر الحساس، ضربوا على قضية نصرة المسلمين، ونصرة المستضعفين، ونحو ذلك، حتى يستقطبوا هؤلاء الشباب الصغار الأغرار، ولذلك نجد أن معظم اتباعهم من الشباب الصغار يستهدفون هذه الشريحة ما بين خمسة عشر سنة إلى ثلاثين سنة، لكن من كان أكثر من ثلاثين سنة تجد في الغالب أنه قد حصل عنده نضج، ولا يتأثر بهذه الشبهات، لكنهم يستهدفون هؤلاء الشباب الأغرار، ولذلك فينبغي الحذر من الدخول هذه المواقع التي تُثار فيها الشبهات بعض الناس يقول: أنا أريد أن أدخل هذه المواقع من باب الفضول، انظر ما عندهم فيدخل هذا الموقع الذي فيه شبهات، ويتأثر بهذه الشبه شيئًا فشيئًا حتى تقع في قلبه ويشرئب هذه الفتنة، ولذلك يقول النبي : من سمع بالدجال فلينأ عنه [8] ما معنى: “فلينأ عنه”؟ يبتعد عنه، ولا يقل: أنا عندي إيمان قوي، وأنا أعرف أنه المسيح الدجال، بل أنت تبقى بشرًا ضعيفًا إذا سمعت بالفتنة فابتعد عنها، ولهذا ينبغي للمسلم أن يبتعد عن هذه المواقع التي تثار فيها الشبهات؛ لأنه ربما يتأثر، وربما يقع في الفتنة من حيث لا يشعر.

علاج فتنة التكفير

وأما العلاج لهذه الفتنة فلا بد من تضافر الجهود جميعًا لمعالجتها ومحاصرتها، والتقليل من آثارها، ويكون ذلك:

  • أولًا: بالعناية بتحصين المجتمع عمومًا والشباب على وجه الخصوص من فتن التكفير

ويكون ذلك بتبصيرهم في دين الله ​​​​​​​، وتقرير القواعد التي ذكرها أهل العلم في باب التكفير، ومنها القواعد التي أشرنا إليها، وبيان معتقد أهل السنة والجماعة في هذه القضايا.

فلا بد إذن من أن تتضافر جهود أهل العلم والدعاة إلى الله ​​​​​​​ في تحصين المجتمعات الإسلامية من هذه الفتنة العظيمة.

  • ثانيًا: الحوار بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة

وأيضًا من وسائل العلاج: الحوار مع من وقع في هذه الفتنة، فإن بعض هؤلاء وقع عن جهل وليس عن هوى، ومثل هؤلاء ينفع معهم الحوار، ولما خرج الخوارج في زمن علي ذهب إليهم ابن عباس رضي الله عنه وناظرهم فرجع عدد كثير منهم، قيل: رجع أربعة آلاف أو أكثر، رجع عدد كثير منهم لما ناظرهم ابن عباس.

فإذن هؤلاء يحتاجون إلى محاورة نقف معهم ونستمع لهم، ونقول ما هي شبهتكم ثم نفنّد هذه الشبه ونقنع هذا الشاب الذي وقع في هذه الفتنة نُقنعه بالحوار وبالتي هي أحسن: ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ [النحل:125].

وقد نفع هذا الأسلوب -ولله الحمد- مع طائفة من هؤلاء الشباب، وعندنا في المملكة العربية السعودية التجربة في هذا، هناك مركز للمناصحة نفع الله تعالى به كثيرًا، مركز للمناصحة التابع لوزارة الداخلية، ويشترك فيه نخبة من أهل العلم نفع الله تعالى بهذا المركز في معالجة بعض إشكاليات لدى بعض هؤلاء الشباب، ورجع كثير منهم، رجعوا إلى الصراط المستقيم، وتركوا هذه الفتنة، فلابد من أن تتضافر الجهود المعالجة والمناصحة والحوار، فإذا وجدت شخصًا وقع في هذه الفتنة فدله على طالب علم، لكي يتحاور معهم، أو دل طالب العلم عليه لكي يذهب إليه ويتحاور معه ويناصحه، فإن الدين النصيحة، النبي يقول: الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم [9].

لو أن هذا الشاب الغر الذي وقع في هذه الفتنة أتاه مثلًا أربعة أو خمسة من طلبة العلم على انفراد، كل على انفراد، وهذا نصح وبين له ثم نصح الثاني ثم الثالث ثم الرابع، لا شك أن هذا سيكون له أثر كبير عليه، وسيتبصّر في أمره، وسيعرف خطأهم، فلابد من شيوع النصيحة في مثل هذه الأمور.

  • طلب الثبات من الله سبحانه

وأخيرًا -أيها الإخوة المسلمون- الإنسان يبقى بشرًا، ويبقى ضعيفًا، فعليه أن يضرع إلى الله تعالى في أن يثبته على الحق، وأن يهديه الصراط المستقيم، وعليه أن يكثر من دعاء أولي الألباب الذي ذكره الله تعالى في قوله: وَمَا ‌يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ۝ رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ [آل عمران:7-8]، هذا دعاء عظيم ينبغي لكل واحد منا أن يدعو به كل يوم، لا يفتك هذا الدعاء، ادع به كل يوم: رب لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك.

وأيضًا الدعاء بأن يجنبك الله تعالى مُضِلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يُثبتك بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

فالضراعة إلى الله تعالى بالدعاء لا شك بأنها أعظم الأسباب، والله تعالى لن يخيب عبدًا دعاه ورجاه أن يثبته على الحق، وأن يجنبه مُضِلات الفتن.

أسأل الله تعالى أن يجنبنا مُضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم جنبنا مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم جنبنا مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.

اللهم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم.

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

اللهم احفظنا بالإسلام والسنة قائمين وقاعدين وراقدين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 7432، ومسلم: 1064.
^2 بنحوه رواه البخاري: 6104، ومسلم: 60.
^3 رواه البخاري: 6105، ومسلم: 110.
^4 بنحوه رواه البخاري: 391، ومسلم: 1961.
^5 رواه البخاري: 4269، ومسلم: 96.
^6 رواه البخاري: 6481، ومسلم: 2756.
^7 رواه مسلم: 1067.
^8 رواه أبو داود: 4317، وأحمد: 19875.
^9 رواه مسلم: 55.
مواد ذات صلة
  • عناصر المادةحديث حذيفة  في التحذير من الفتنضعف الإنسان أمام الفتنأبرز أسباب الفتنالاستشراف للفتنةاتباع الهوىضعف التقوىفتنة التكفيرتحصين الشباب من فتنة…

  • عناصر المادةجزاء محبة الله للعبدمعنى محبة الله ومنزلتهاصفات من يحبهم الله كما في القرآن الكريمصفة الإحسانفيم يكون الإحسان؟صفة الصبرحقيقة الصبرصفة…