الرئيسية/محاضرات/لقاء فقهي حول شهر رمضان في جامع الراجحي بالرياض
|categories

لقاء فقهي حول شهر رمضان في جامع الراجحي بالرياض

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأسأل الله أن يبارك لنا فيما تبقى من أيام وليالي شهر رمضان، وأن يعيننا فيه على إتمام صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيه، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى من الأقوال والأعمال.

رمضان شهر الاجتهاد في الطاعة

أيها الإخوة: ها نحن قد جاوزنا منتصف شهر رمضان، ولم يتبق في هذا الشهر الكريم سوى أيام وليالٍ معدودة، وسرعان ما تنقضي هذه الأيام المعدودة، سرعان ما تنقضي وتطوى صحائفها، فينبغي لنا -أيها الإخوة- أن نجتهد فيما تبقى، فإن ما تبقى من أيام هذا الشهر ولياليه خير مما مضى؛ لأن ما تبقى فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر! وألف شهر تعادل ثلاثًا وثمانين سنة وأربعة أشهر، ومع ذلك العمل الصالح في هذه الليلة ليس مساويًا بل خير من ألف شهر، خير من العمل في ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وإذا وُفق الإنسان لليلة القدر، فكأنما أضاف لعمره عمرًا جديدًا، قد وُفق لخير عظيم، ولثواب جزيل، فينبغي -أيها الإخوة- أن نغتنم ما تبقى من أيام هذا الشهر ولياليه، وأن نجتهد في الطاعة، المسلم ينبغي أن يحرص على مداومة العمل الصالح، ما دام أنه قد ابتدأ بقيام هذه الليالي الفاضلة، فينبغي أن يستمر على ذلك، النبي يقول: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا [1]

أيها الإخوة: وقد أنزل الله في شأن هذه العبادة الجليلة صيام شهر رمضان آيات تتلى في كتابه الكريم، فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]؛ فبدأ الله ​​​​​​​ النداء بمناداة عباده المؤمنين بوصفهم بالإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وقد قال ابن مسعود : إذا سمعت الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فارع لها سمعك، فإنه خير تُؤمر به، أو شر تُنهى عنه [2].

كُتِبَ يعني: فُرض، عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ أي: صيام شهر رمضان، كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ فهذه العبادة العظيمة فُرضت أيضًا على الأمم السابقة، وهذا أولًا يدل على أهميتها، فإن العبادة التي تُفرض على جميع الأمم يدل هذا على عظم شأنها، وكذلك أيضًا حتى لا يستثقلها المؤمنون؛ لأن الإنسان إذا عرف بأن هذا الشيء قد ألزم به غيره، يسهل عليه، ثم قال : لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ هذه هي الحكمة من مشروعية الصيام، وهي تحقيق التقوى لله ؛ ولهذا فمن كانت حاله وهو صائم حاله في شهر رمضان كحاله قبل رمضان، فمعنى ذلك أن الصيام لم تتحقق ثمرته، فإن ثمرة الصيام هي تحقيق التقوى لله ؛ ولهذا ليس الصيام الإمساك عن الأكل والشرب والجماع فحسب، ولكنه كذلك أيضًا إمساك جميع الجوارح عما حرم الله ، وإلا فالذي لا يحترم الصوم، وتقع منه المعاصي أثناء الصيام ينقص أجره وثوابه.

حتى ربما إذا كثرت منه هذه المعاصي يصل إلى المرحلة التي ذكرها النبي  في قوله: من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه [3]، أخرجه البخاري في صحيحه.

يعني: من لم يحترم الصوم، فالله غني عن صوم هذا الإنسان الذي تقع منه المعاصي، تقع منه الغيبة، يقع منه الهمز واللمز والسخرية بالمؤمنين، يقع منه النظر إلى ما حرم، يستمع للأغاني، فهذا ليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه؛ ولهذا كل معصية تخدش في الصوم، كل معصية تنقص من أجر الصائم، وإن كان الصوم تحصل به براءة الذمة، لكن ينقص أجر الصائم كلما وقع منه معصية، وإذا كثرت المعاصي فربما يصل إلى المرحلة المذكورة في الحديث، وهو أنه لا يؤجر، ولا يثاب على الصوم.

ثم إن الصيام -أيها الإخوة- يرفع المستوى الإيماني والروحانية لدى الإنسان، فإن الإنسان إذا انغمس في الملذات يغفل، ويقسو قلبه، لكن إذا أمسك عن الطعام وعن الشراب وعن الشهوة، فإن هذا يجعل هذه الأمور المادية تنحسر ويقوى عنده الجانب الروحاني، وهذه أيضًا من حِكم مشروعية الصيام.

ثم قال : أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، وكما ترون -أيها الإخوة- هذا الشهر هو أيام معدودات، سرعان ما تنقضي، كنا بالأمس القريب نستقبل هذا الشهر، وها نحن الآن قد جاوزنا المنتصف، وسرعان ما ينقضي.

أهل الأعذار في رمضان

فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] لما أوجب الله الصيام على المؤمنين ذكر الرخصة لذوي الأعذار، وهم:

أولًا: المريض الذي يتسبب صومه إما في ضرر عليه، أو في تأخير البرؤ، أو يشق عليه الصيام مع المرض مشقة شديدة.

وهكذا أيضًا المسافر: فإن السفر قطعة من العذاب، كما أخبر بذلك النبي ، فالمسافر أيضًا يرخص له في الفطر في نهار رمضان، والله يحب أن تؤتى رخصه، فينبغي للمريض، وكذلك المسافر أن يأخذ برخصة الله لهما، ويقضيا فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184].

 وَعَلَى ‌ٱلَّذِينَ ‌يُطِيقُونَهُۥ [البقرة:184] يعني: كتب الصيام على الذين يطيقونه؛ يعني: يستطيعون فدية طعام مسكين، وكان هذا في أول الإسلام، كان في أول الإسلام، كان الناس مخيرين بين الصيام أو الإطعام، من شاء صام، ومن شاء أطعم، فالمستطيع المطيق للصيام إما أن يصوم أو فدية طعام مسكين.

فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [البقرة:184] يعني: لو أنه أطعم بدل المسكين مسكينين فهو خير، أو جمع بين الصيام والإطعام، فهذا تطوع منه، وهو خير له، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184] يعني: الصيام خير من الإطعام إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184].

ثم قال : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] فهذا القرآن العظيم نزل في شهر رمضان، ويقال: إنه نزلت فيه جميع الكتب السماوية، ونزل هذا القرآن في ليلة القدر، ومن العلماء من قال: إنه نزل جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في ليلة القدر، ثم نزل منجمًا على نبينا محمد ، والصحيح: أن المقصود بنزول القرآن ابتداء نزوله، فإن ابتداء نزول القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان.

هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185] هذا القرآن اشتمل على هداية، وفيه البينات، وفيه الفرقان بين الحق والباطل، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9].

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] يعني: من شهد إذا حضر ولم يكن مسافرًًا، وهذه الآية نسخت الآية السابقة، الآية السابقة كان فيها التخيير بين الصيام والإطعام، ثم نزلت هذه الآية فنسختها، فأوجب الله الصيام حتمًا على كل من كان قادرًا حاضرًا.

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] لماذا تكرر ذكر المريض والمسافر مرة أخرى في الآية الثانية؟ هذا له حكمة.

  • أولًا: من باب التأكيد على الرخصة.
  • ثانيًا: لكون الآية الثانية نسخت الآية السابقة، لو لم يذكر الله الرخصة للمريض والمسافر في الآية الثانية ربما توهم متوهمًا بأن هذه الرخصة قد نسخت، فذكرها الله ليبين أنها لم تنسخ، وأن المريض والمسافر لهما الفطر في نهار رمضان.

يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] فالله يريد بعباده المؤمنين اليسر، وما جعل عليكم في الدين من حرج، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة:185] يعني: عدة رمضان، كذلك أيضًا من أفطر لعذر يكمل العدة بالقضاء.

التكبير في عيد الفطر

وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] وهذا التكبير يتأكد في آخر رمضان إلى صلاة العيد، والتكبير في آخر رمضان يعني: من بعد غروب الشمس ليلة العيد سنة مؤكدة، بل قال بعض أهل العلم: إنه آكد من التكبير في عيد الأضحى، وفي عشر ذي الحجة؛ لأن الله نص عليه في هذه الآية.

وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] نعمة الله ونعمه وآلاءه العظيمة التي لا تعد ولا تحصى.

الدعاء في شهر الصيام

ثم قال بعد ذلك: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186] تأملوا -أيها الإخوة- موقع هذه الآية، الآية التي قبلها: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، والآية التي بعدها: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187] لاحظ أن هذه الآية وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186] وقعت وسط آيات الصيام، هذا له حكمة، ومعنى عظيم، وهو الإشارة إلى أن الصائم ينبغي له أن يكثر من الدعاء، وأن الدعاء في شهر الصيام حري بالقبول، وحري بالإجابة، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي [البقرة:186]  سُئل النبي أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186] [4]، الله قريب من عباده، لا يخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى، يعلم ما في الصدور.

أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] فالله إذا دعاه عبده يجيب دعوته، لكن متى؟ إِذَا دَعَانِ وهذه فيه إشارة إلى شرط الإخلاص، إذا أقبلت على الله وأخلصت لله ، وفرغت قلبك لله، ما في قلبك، أي: شيء آخر غير الله ، فإن الله يجيب دعاءك؛ ولهذا تُجاب دعوة المضطر والمظلوم أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] لماذا؟ لأن المضطر فرغ قلبه لله، المضطر الذي مثلًا في البحر والأمواج تتلاطم عن يمينه وشماله، ومن أمامه ومن خلفه، وهو على شفا حفرة من الهلاك، هل سيبقى في قلبه شيء سوى الله ؟! يدعو الله وهو مضطر، يُفرّغ قلبه لله، المظلوم الذي يشعر بحرارة الظلم، ومرارة الظلم، تجد عندما يدعو على ظالم يدعو بحرارة قلب، يُفرّغ قلبه لله ، إذا وصلت حالة القلب عندك مثل حالة المضطر والمظلوم، فإن الدعاء يستجاب.

أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] بطاعتي وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وأيضًا يستجيبوا بالدعاء والإلحاح على الله في الدعاء.

وَلْيُؤْمِنُوا بِي [البقرة:186] يؤمنوا بالله بكل ما أمر بالإيمان به، ومن ذلك أن تؤمن بأن الله قريب من الداعي إذا دعاه، وأن تُؤمن بأن الله سيجيب دعاءك؛ ولذلك أيضًا من أعظم أسباب إجابة الدعاء أن تدعو وأنت موقن بالإجابة.

لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] فإن هذا من أسباب نيل الرشاد.

الرخصة بمباشرة النساء ليالي رمضان

ثم قال : أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187] وقد كانوا في أول الأمر ممنوعين من قربان النساء طيلة شهر رمضان، ثم نسخ ذلك بهذه الآية.

هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187] وهذا فيه إشارة إلى القرب، قرب كل من الزوجين من الآخر، كأن المرأة لباس للرجل يلبسه، والرجل لباس للمرأة تلبسه.

عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187] يعني: كان هناك من الناس وقت النبي من لم يلتزم بهذا، فيقع على أهله في ليل رمضان، فتاب الله عليهم، وعفا عنهم، ونسخ الله هذا الحكم، وأبيح الوطء في ليل رمضان دون النهار.

فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187] يعني: منذ نزول الآية، أباح الله مباشرة النساء.

وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ [البقرة:187]، قال المفسرون: المعنى: اطلبوا الولد بالمباشرة بإتيان النساء، اطلبوا الولد، فإن الولد من النعم العظيمة التي ينعم الله بها على الإنسان؛ ولهذا يقول النبي : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر منها: أو ولد صالح يدعو له [5].

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] فأباح الله الأكل والشرب والجماع إلى أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وفسّر النبي الخيط الأبيض من الخيط الأسود بضوء النهار، من سواد الليل، يعني: طلوع الفجر، دل هذا على أن العبرة بالتبين، وليست العبرة بأذان المؤذن، إلا إذا كان المؤذن يؤذن على الوقت، فالمؤذن أحيانًا ربما يتقدم، وربما يتأخر، فالعبرة بالوقت ولنفترض أيضًا بالنسبة لغروب الشمس لو أن الشمس غربت، ولم يؤذن المؤذن، فإنك تفطر، فالعبرة بالوقت، وليست العبرة بالأذان.

حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ [البقرة:187] وهذا يدل على أن الأصل هو بقاء الليل، وأن الإنسان إذا أكل وهو شاك في طلوع الفجر، فإن صومه صحيح، وكان مؤذن النبي رجلًا أعمى، وهو عبدالله ابن أم مكتوم ، فلا يؤذن حتى يقال: أصبحت أصبحت [6].

ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] يعني: من طلوع الفجر إلى الليل، والليل يبدأ بغروب الشمس، بغروب قرص الشمس، وقد أصبح الآن يعني غروب قرص الشمس يمكن ضبطه بدقة، عن طريق التقاويم، الآن بالنسبة لغروب الشمس منضبطة في الأماكن المستوية، التي ليس فيها ارتفاعات، يمكن ضبطه بدقة.

وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] هذا أولًا فيه إشارة إلى مشروعية الاعتكاف، وقد ذكره الله في القرآن، ويتأكد الاعتكاف في هذا الموسم الذي نحن مقبلون عليه، وهو العشر الأواخر من رمضان، وقد كان النبي إذا دخلت العشر الأواخر يتفرغ للعبادة تفرغًا كاملًا، وينقطع عن الدنيا، مع أنه كان هو القائد لدولة الإسلام، ومفتي الأنام، وهو المرجع للصحابة في كل شيء، ومع ذلك كان ينقطع عن الناس، ويتفرغ للعبادة طلبًا لليلة القدر، فينبغي أن نحيي هذه السنة، ومن تيسر له أن يعتكف العشر كلها، فهذا هو الأكمل، ومن لم يتيسر فيعتكف ولو بعض هذه الأيام والليالي العشر، وإن لم يتيسر، فالليالي التي تُرجى فيها ليلة القدر، وهذا الجامع مبارك إن شاء الله قد هيأ فيه أماكن للمعتكفين، وهيأ تهيئة كاملة، بحيث من يأتي لهذا الجامع معتكفًا يُكفى مؤونة الطعام والشراب، وكل شيء، نسأل الله أن يأجر القائمين على هذا الجامع خير الجزاء.

وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] فنهى الله عن مباشرة النساء والإنسان معتكف في المسجد، هذا من محظورات الاعتكاف المبطلة للاعتكاف.

تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187] يعني: محارم الله ، لا يقربها الإنسان، ما حرمه الله لا يقربه، ويبتعد عنه؛ لأنه إذا اقترب من الحرام، فالنفس ضعيفة، قد يقع فيه.

كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187] هذه -أيها الإخوة- هي آيات الصيام، وقد تضمنت حِكمًا وأحكامًا، وفوائد عظيمة.

ولعلي أكتفي بهذا القدر، وسيكون إن شاء الله المجال مفتوحًا للإجابة عن أبرز الأسئلة والاستفسارات، وربما يعني ما يهمكم يأتي الحديث عنه عند الإجابة عن الأسئلة.

الأسئلة

السؤال: هذا سائل يقول: أحسن إليكم، أعطيت زكاة مالي لمن أثق به؛ لكي يوزعه على الفقراء، فعاد الموزع وأخبرني أن المال قد سرق منه، هل أدفع زكاة المال مرة أخرى؟

الجواب: هذا الموزع هو الذي يتحمل، هو الذي يغرم هذه الزكاة، إذا كان حصل منه تعدٍ أو تفريط، والغالب أن السرقة تكون مع تعدٍ أو تفريط، فإذا حصل منه تعدٍ أو تفريط، فإن هذا الموزع هو الذي يغرم ويضمن هذه الزكاة، وأما إذا لم يحصل منه تعدٍ ولا تفريط، فإنه أمين، فإنه لا يضمن، ولا يغرم هذه الزكاة، وحينئذٍ نقول: إن هذه الزكاة لم تصل بعد للفقراء والمساكين، فعليه أن يخرجها مرة أخرى، والسرقة التي حصلت يعني هي من المصائب التي تقع، ويقدرها الله على بعض الناس.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا سائل يقول: هل يجوز إخراج كفارة الصيام عمن يستطيع قضاء الصوم؟

الجواب: من يستطيع قضاء الصوم، فإنه يجب عليه القضاء ولا يطعم عنه؛ لأن الله يقول: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] إنما الإطعام عمن لا يستطيع القضاء.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا يقول: أخي يدرس في أمريكا، وعندهم يكون النهار طويلًا جدًّا، ما يزيد على تسعة عشر ساعة، والليل قصير جدًّا، وهو هناك للدراسة، فهل له أن يفطر؟ لأن الصيام يتعبه، ولم يتعود على ذلك؟

الجواب: الأصل أن ليس له الفطر، من كان صحيحًا قادرًا الواجب عليه أن يتم الصيام إلى الليل ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]؛ لكن من كان مريضًا فهذا أباح الله تعالى له الفطر في نهار رمضان، نقول: الأصل أنه يصوم، إلا إذا كان عنده عذر من مرض أو نحوه، وأما مسألة المشقة، فالمشقة لا بد منها، حتى من يصوم هنا أيضًا يصومون نهارًا طويلًا، وقد يصل النهار هنا إلى أربعة عشر ساعة، فهو نهار طويل، فيشق أيضًا الصيام يشق على الإنسان هذه مشقة لا بد منها، وهذه من حكم مشروعية الصيام، لا بد أن يكون مقترنًا بالمشقة.

ولهذا كان أجره عظيمًا، بل يأجر الله على الصيام أجرًا خاصًا، ليس من جنس بقية العبادات، يعني: العبادات الصلاة والزكاة والحج وسائر العبادات وسائر الطاعات الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، الصيام ليس من هذا القبيل، يقول الله : كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشرة أمثالها إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به [7].

يعني: يجزي الله عليه جزاءً خاصًا، وهذا الجزاء الخاص من أكرم الأكرمين جلَّ وعلا، وأضرب لهذا مثلًا: لو أن معلمًا أعطى طلابه المتفوقين جوائز، هذا جائزة، وهذا جائزة، وهذا جائزة، وقال: أما أنت فلك جائزة خاصة عندي، فما الظن بهذه الجائزة؟ أنها ستكون أفضل من جوائز بقية زملائه، وهكذا الصوم، الصوم يجزي الله عليه جزاءً خاصًا؛ لأنه أولًا: فيه مشقة، وثانيًا: يظهر فيه أثر الإخلاص، كون الإنسان يكون في المكان الخالي لا يراه أحد من البشر، ومع ذلك لا يجرؤ على الإفطار، لا شك أن هذا يدل على صدقه مع ربه وعظيم إخلاصه، فالمشقة لا بد منها، لا بد من المشقة للصائم في أي مكان، حتى لو طال النهار، لكن نقول: هو يصوم، لو كان مريضًا أو به علة يفطر، أما مجرد المشقة فيصبر نفسه ويتحمل، وهو مأجور على ذلك إن شاء الله.

وقد كان الناس في الزمن السابق قبل أن توجد مكيفات، وما أنعم الله به على الناس اليوم، كانوا يجدون مشقة كبيرة، وكانوا يسكبون القِرب على رؤوسهم من شدة العطش، وكان هذا أيضًا مأثور على بعض الصحابة والتابعين، ومنهم من يذهب ويستحم بالماء، وينغمس بالبركة، ومنهم من يسكب عليه على رأسه الماء، ومنهم يبلل بدنه بالماء، كل هذا دفعًا للعطش، لكن كانوا يصبرون، فلا بد من الصبر على ما قد يجده الصائم من مشقة الجوع والعطش.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا سائل يقول: ما حكم الاحتجام والاستمناء في نهار رمضان ناسيًا؟

الجواب: أما الاستمناء في نهار رمضان، لا شك أنه يفسد الصوم، ويبطل الصوم، وأما الحجامة فهي محل خلاف بين العلماء، والأظهر -والله أعلم- أنها تفطر الصائم؛ لقول النبي : أفطر الحاجم والمحجوم [8] وهو حديث صحيح.

واختار هذا القول جمع من المحققين من أهل العلم كأبي العباس ابن تيمية وابن القيم، وأيضًا من مشايخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله تعالى أجمعين، يرون أن الحجامة تفطر الصائم، وقواعد الشريعة تدل لهذا القول، فإن جنس خروج الدم يفسد الصوم؛ ولذلك المرأة الحائض والمرأة النفساء لا يصح منهما الصوم لخروج الدم، وكذلك أيضًا في الحجامة تفسد الصوم، وأما رواية أن النبي احتجم وهو صائم ومحرم، فالمحفوظ من الرواية: أنه احتجم وهو محرم [9]، وأما رواية: وهو صائم، فغير محفوظة، ولو أيضًا صحت فقد كان في سفر، السفر يجوز له الفطر في نهار رمضان، والمسافر يجوز له الفطر في نهار رمضان، وأيضًا ظاهر الرواية أنه لم يكن في رمضان أيضًا، فالقول الصحيح أن الحجامة تفسد الصيام.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا سائل يقول: وقعت على زوجتي في نهار رمضان، وأولجت بها، ولكن لم أنزل، هل عليّ شيء؟ وما الكفارة؟

الجواب: يا إخوان هذا السؤال حقيقة يعني يحزن المسلم عندما يرى كثرة هذا النوع من الأسئلة، يعني: منذ أن دخل شهر رمضان لا يكاد يمر بي يوم إلا ويأتيني من هذا النوع من الأسئلة، يعني: لو كانت حالات قليلة ربما الإنسان يقول: هذا كما وقع في عهد النبي ، لكن أن تكون بهذه الكثرة، فيحزن المسلم أن يكون هذا هو واقع المسلمين؛ لأن الجماع في نهار رمضان هو أعظم المفطرات، وهو أعظم مفسدات الحج، وهو جرأة على انتهاك حرمة الشهر، وأعظم من الطعام والشراب، أعظم من أن تأكل وأنت صائم؛ ولذلك تجب فيه كفارة مغلظة، فالواجب فيه:

  • أولًا: توبة إلى الله قبل كل شيء على الرجل وعلى المرأة.
  • ثانيًا: القضاء بعد رمضان.
  • ثالثًا: وجوب الإمساك بقية اليوم.
  • رابعًا: الكفارة المغلظة، والكفارة المغلظة هي عتق رقبة، ولا يُوجد رقاب اليوم، انقطع الرق، وانقرض الرق الآن، والرق ممنوع رسميًا في جميع دول العالم؛ ولهذا ينتقل مباشرة لصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.

ومن استطاع أن يصوم شهر رمضان كاملًا فهو في الحقيقة مستطيع لصيام شهرين متتابعين، وليس له أن يعدل إلى الإطعام، بعض الناس عندما يقال: صم شهرين متتابعين يقول: لا أستطيع، نقول: ألست صمت شهر رمضان كاملًا؟! إذًا أنت مستطيع، أما كونه فيه مشقة، فالمشقة إنما يعني لا بد منها؛ لأن الجرم عظيم؛ ولأن الذنب كبير، والمعصية عظيمة، انتهاك حرمة الشهر بهذا العمل العظيم، فلا بد من صيام شهرين متتابعين، إلا من كان لا يستطيع، إما لمرض أو لكبر، أو نحو ذلك، هذا هو الذي يعدل للإطعام، وأما إنسان قوي قادر ويصوم شهر رمضان كاملًا هذا مستطيع لصيام شهرين متتابعين، ولا تبرأ ذمته إلا بصيام شهرين متتابعين، ولا بد من التتابع لو صام تسعة وخمسين يومًا، وأفطر في اليوم الأخير لزمه استئناف الصيام من جديد، لاحظ يعني هذا التشديد؛ لأن الذنب عظيم.

فأقول للأخ السائل: عليك هذه الأمور الأربعة: التوبة إلى الله ، والقضاء، والإمساك، وهذا مضى، والكفارة المغلظة بعد رمضان تصوم شهرين متتابعين.

ويعني أقول من كان يعرف من نفسه الضعف، فينبغي أن يبتعد عن امرأته في شهر رمضان، لا ينام معها ما دام أنه يعرف أنه يعني قد تغلبه نفسه فيقع على امرأته في نهار رمضان، وأنا أذكر العام الماضي أن رجلًا سأل أنه يقول: إنه وقع على امرأته أكثر من ثمان مرات، فأفتي بأنه لا بد أن يصوم ستة عشر شهرًا، فأفتي بأنه على الأقل كل سنة يصوم شهرين متتابعين؛ لأن ذنبه عظيم إذا كان يريد براءة ذمته، لا بد من هذا، وكونه يعني يقع منه هذا الأمر، هذا يدل على استهتار، وعلى أن أمور الدين يجعلها بعض الناس آخر اهتماماته، ويقدم شهوته على أمور دينه، ينبغي أن يكون عند المسلم ورع وخوف من الله ، لا يجعل هذه يعني: الشهوة هي الغالبة عليه، لا يكون عبدًا لشهوته، فإن من كان عبدًا لشهوته كان عبدًا لهواه، فالله يقول: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا [الفرقان:43].

الإنسان يعني يقود نفسه، ولا يجعل نفسه هي التي تقوده؛ لأن النفس تردي الإنسان، وتوقعه في الهلاك؛ ولهذا قال سبحانه: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ أكمل الآية وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] فهذه المعاني -أيها الإخوة- أقول: ينبغي أن نغرسها في نفوس المسلمين، أن هذا الأمر أمر عظيم، وأن على المسلم أن يستشعر عظمة الصوم، وأن يستشعر عظيم ذنب من انتهك حرمة الشهر، خاصة بهذا الأمر العظيم، ويعني يكفي أن تستحضر الكفارة المغلظة: صيام شهرين متتابعين، فليس بالأمر الهين من الأمور الشاقة جدًّا، لكن هذا يدل على عظيم الذنب.

والكفارة المغلظة تجب بالجماع، والجماع المقصود به الإيلاج، سواء أنزل أو لم ينزل، أما إذا لم يحصل الإيلاج، وإنما حصلت مباشرة، فهذه ليس فيها كفارة، لكن ننظر إن حصل إنزال ففيه القضاء، وإن لم يحصل إنزال فلا شيء عليه.

السؤال: أحسن الله إليكم، ورفع قدركم، هذا يقول: من عجل الزكاة لإخواننا في سوريا أو لغيرهم قبل رمضان بأربعة أشهر، وزكاته أصلًا في رمضان، فماذا يعمل؟

الجواب: نعم، نقول: لا بأس بتعجيل الزكاة، والنبي تعجل زكاة عمه العباس  خاصة إذا وُجد في ذلك مصلحة راجحة، فهذا الذي قد عجل زكاته لإخوانه في سوريا قد أحسن بهذا، وأحيانًا ربما قد يأتيك بعض الناس، قد يكون فقيرًا، يكون مثلًا مستأجرًا، والمؤجر سوف يخرجه من المنزل، وهنا يعني ينبغي لك أن تعجل زكاة مالك إذا لم يكن معك صدقة تتصدق بها، وتساعد بها أخاك المسلم، فلا أقل من أن تعجل زكاة مالك، وتساعد أخاك المسلم مساعدة هذا الفقير، فإنه كلما اشتدت حاجة الفقير كان يعني في مساعدته الأجر العظيم، والثواب الجزيل، كما قال سبحانه: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ۝وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ۝فَكُّ رَقَبَةٍ ۝أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يعني: مجاعة وحاجة شديدة يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ۝أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد:11-16].

السؤال: أحسن الله إليكم، هذه من إحدى الأسئلة الكثيرة الحقيقة التي وردت، هذا يقول: كيف تكون صلاة أصحاب الكراسي في المسجد من ناحية وجودهم في الصف، فبعضهم يتقدمون، والبعض الآخر يتأخرون؟

الجواب: نعم، أولًا يلاحظ في السنوات الأخيرة كثرة الكراسي في المساجد على صور لم نعهدها من قبل، ما أن تدخل مسجدًا إلا وفيه كراسي كثيرة، وأناس يصلون جلوسًا، ليس للإنسان أن يصلي جالسًا إلا إذا عجز عن القيام، أو كان القيام يشق عليه مشقة شديدة يفوت بسببها الخشوع، وأما المشقة المحتملة فهذه يتحملها المصلي، ويصلي قائمًا؛ لأن القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة، نلاحظ تساهل بعض كبار السن في الصلاة جالسًا مع قدرته على القيام، والعجيب أنك تجد بعض هؤلاء في أمور دنياهم يباشرونها، ولا يشتكون من عجز ولا من أي شيء، لكن إذا أتت الصلاة صلوا جلوسًا.

والإمام الشافعي رحمه الله يذكر أنه في زمنه كان هناك رجل قد بلغ التسعين من عمره، وكان يعلم الجواري الغناء وهو قائم، فإذا أتى للمسجد صلى جالسًا، فهذا نظيره موجود في وقتنا الحاضر، ربما تجد بعضهم يمارس أعمالًا كثيرة من أمور الدنيا، وهو قائم، وتجد منه نشاطًا عجيبًا، فإذا أتته الصلاة صلى جالسًا، فنقول: يعني القيام مع القدرة هو ركن من أركان الصلاة، ليس للإنسان أن يصلي جالسًا إلا إذا عجز، أو كان يشق عليه مشقة شديدة، الضابط فيها: أن هذه المشقة يفوت معها أو بسببها الخشوع في الصلاة.

بالنسبة لترتيب من صلى جالسًا على الكرسي، فينبغي أن يكون موازيًا يعني: يجلس في الصف، بحيث يكون موازيًا لمقعدته من عن يمينه وعن شماله، وليس برجليه، وإنما بمقعدته حتى لا يتأخر عن الصف.

السؤال: أحسن الله إليكم هذا يقول: من فاته شيء من التراويح وأكمل مع الإمام، هل يشمله كمن قام ليلة؟

الجواب: فضل الله واسع، والنبي يقول: من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة [10].

فمن أتى والإمام قد شرع في صلاة التراويح وأكمل إلى أن ينصرف الإمام، فيرجى أن يدخل في هذا الفضل؛ ولهذا جاء في حديث أبي هريرة في مجالس الذكر: إن لله ملائكة تلتمس حلق الذكر جاء في آخر الحديث: إن الله يقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فقالت الملائكة: إن فيهم فلانًا ليس منهم، وإنما مر لحاجة، فيقول الله: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم [11].

كذلك أيضًا بالنسبة للذي أتى وقد فاته شيء من صلاة التراويح، نقول: فضل الله واسع، فيرجى أن يدخل معهم في هذا الفضل، وأن يكتب له أجر قيام ليلة.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا يقول: شخص كان يعمل العادة السرية، ولا يعلم أنها توجب الغسل، وكان يصوم ويصلي، وبقي على هذه الفترة مدة طويلة، فماذا يلزمه الآن؟ علمًا بأنه لم يعملها وهو صائم، ولكنه يعملها ليلًا، ويبقى جنبًا بجهالة.

الجواب: كون هذه المدة الطويلة يصلي وهو يتوضأ فقط، ولم يغتسل، الأصل أن صلاته لا تصح، لكن هذا غريب أن مثل هذا السائل يكون هنا بيننا، والعلم منتشر، والعلماء موجودون، ومع ذلك يجهل مثل هذا الحكم، فعلى كل حال إذا كان هذا مثله يجهل، فالجاهل الذي لم يبلغه الشرع لا يؤمر بقضاء تلك العبادات التي تركها بسبب جهله، والدليل لهذا أدلة كثيرة، وأقر هذا المعنى الإمام ابن تيمية رحمه الله، ودل لهذا أدلة كثيرة، منها: قصة المسيء صلاته الذي أتى ونقر صلاته، وأتى النبي قال: ارجع فصل، فإنك لم تصل حتى ردده ثلاث مرات، قال: لا أحسن غير هذا، فعلمني، فعلمه النبي كيف يطمئن في صلاته [12]، لكنه لم يأمره بقضاء تلك الصلوات التي كان يصليها على هذه الكيفية.

وأيضًا المرأة التي كانت تستحاض، قالت: يا رسول، إني أستحاض فلا أطهر، فأدع الصلاة؟ فبيّن لها النبي أن الاستحاضة لا تمنع من الصلاة، ولم يأمرها بالقضاء [13].

كذلك أيضًا عدي بن حاتم  لما نزل قول الله : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] أتى بخيط حسي أبيض، وخيط أسود حسي، ووضعهما عند رأسه، كان يأكل ويشرب حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فقال النبي : إن وسادك إذًا لعريض، إن ذاك بياض النهار، من سواد الليل [14]، كون الإنسان يأكل ويشرب، حتى يتبين الخيط الحسي الأسود من الأبيض، هذا يدل على أنه أكل وشرب بعد طلوع الفجر، ومع ذلك لم يأمره النبي بالقضاء.

فأخذنا من هذا قاعدة، وهي أن من كان يتعبد لله بعبادة، ولم يبلغه الشرع في هذا، ويعني بأن كان جاهلًا يعتقد أن هذا هو دين الله ، فإنه لا يؤمر بالقضاء، وعلى ذلك فالأخ السائل لا يؤمر بقضاء تلك الصلوات التي صلاها إن شاء الله ، لكن عليه أن يكثر من النوافل؛ لأن المسألة أيضًا محل خلاف بين أهل العلم، نعم، لكن الراجح أنه لا يؤمر بالقضاء.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا سؤال مهم في الحقيقة، يقول: أتعبني الوسواس بدأ بالوضوء، وانتهى بي الوسواس إلى أني شككت في حق الله ، حتى بدأت أشك في إيماني، وأقول في نفسي: وصلت مرحلة لم يصلها أحد قبلي، وثم أقوم أردد آمنت بالله ورسله، والاستعاذة، فما رأيكم؟ أحسن الله إليكم.

الجواب: أولًا: الوساوس العارضة التي تعرض للإنسان حتى فيما يتعلق بذات الله هذه الوساوس معفو عنها، وقد اشتكى بعض الصحابة للنبي قالوا: يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به، قال وجدتموه قالوا: نعم، قال ذلك صريح الإيمان [15].

يعني: هذا دليل على قوة الإيمان، حتى إن بعضهم يقول: إني لأجد في نفس ما أن أخِر من السماء إلى الأرض ما أتكلم به، فكان بعض الصحابة يجد مثل هذه الوساوس، وأرشد النبي إلى الإعراض عنها، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن يقول: آمنت بالله ورسله، وأيضًا جاء في بعض الـروايات، يقرأ سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد [الإخلاص:1] ولا تضره، بل هي دليل على قوة الإيمان؛ ولهذا لما علم اليهود بذلك أتوا ابن عباس رضي الله عنهما فقالوا: لا نجد هذه الوساوس، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: وماذا يفعل الشيطان بالبيت الخرب [16].

يعني: إنما يتسلط على من كان قلبه عامرًا بالإيمان، لكن المطلوب هو الإعراض عنها، وعدم الاسترسال فيها، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، هذه تعرض لبعض الصالحين، والنبي يقول -واستمعوا يا إخواني إلى هذ الحديث الذي هو بشارة للمسلم-: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم [17] حديث النفس كله معفو عنه، إلا إذا تكلمت أو عملت، وهذا يا إخوان بشرى للمسلم، يعني: كل حديث النفس هذا ما تؤاخذ عليه إلا بكلام أو عمل.

وهذا يريح الأخ السائل يعني الذي يجد هذه الوساوس نقول: استعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تضرك، ولا تحاسب عليها، ولا تكتب عليك، ما لم تتكلم أو تعمل، هذا من حيث الأصل، لكن هناك يا إخوان بعض الناس قد يكون الوسواس عنده مرضًا، ويتنوع هذا المرض، فبعض الناس يكون عنده وسواس في مثل ما ذكر الأخ السائل، بعضهم يكون عنده وسواس في الطهارة، وبعضهم يكون عنده وسواس في الصيام، في البلغم، وفي الريق، ونحوه، وبعض الناس يكون عنده وسواس في الطلاق، حتى إن الرجل طلق كل ما تزوج طلق بسبب الوسواس، يعتقد أنه طلق، ثم يبدأ يشكك ويوسوس، ومن أعجب ما مر علي أن رجلًا عنده وسواس في الزكاة، حتى إنه قال: إنه ربما سيصرف يعني معظم أمواله في الزكاة.

فالوساوس متنوعة، لكن إذا غلب الوسواس على الإنسان، بحيث أصبح لا يتحكم في نفسه، فمعنى ذلك أنه قد أصبح مريضًا، فيذهب لأطباء نفسانيين، وحينئذٍ يتسبب في العلاج، والأطباء النفسانيون عندهم علاج لهذه الوساوس، قد يكون لديه مشكلة يعني في الدماغ، تسبب له هذه الوساوس، وأنا أذكر أن رجلًا سمع هذه النصيحة، ويقول: إنه ذهب لطبيب نفسي، وأخذ منه علاجًا، وأنه قد شُفي تمامًا، وطلب مني أن أنقل هذه التجربة لغيره، فهذه قد تكون مرضًا، ولها علاج وعقاقير ويستخدمها ويشفى بإذن الله ، إذا وصل إلى هذه المرحلة المتقدمة، وأما إذا كان في البدايات فكما ذكرنا نرشده لما ورد في السنة من الإعراض والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن هذه الوساوس لا تضره.

السؤال: هذا سائل يقول: الجمع والقصر في حال السفر في شهر العسل لمدة سبعة أيام، هل هذا جائز أو لا؟

الجواب: إذا كان ضاربًا في الأرض يعني: سائرًا في الطريق هذا يترخص بالإجماع، لكن إذا أقام يعني مثلًا أقام في مكة سبعة أيام، أو عشرة أيام أو أكثر أو أقل، فهل له أن يترخص برخص السفر أم لا؟

فأقول: أما في حدود أربعة أيام فأقل فهذا يترخص، يعني: إذا كانت إقامته في حدود أربعة أيام فأقل، فهذا يترخص برخص السفر في قول عامة أهل العلم، ما زاد على أربعة أيام، فهذا محل اختلاف كثيف، وهذه من المسائل الشائكة في الفقه الإسلامي في نظري؛ لأن الأدلة فيها مختلفة وغير واضحة، والآثار كذلك، غير ظاهرة، فالقول بأنه يترخص من غير تحديد المدة من غير إشكال لو أخذنا بهذا القول، فعندنا مثلًا في المملكة من الإخوة المقيمين غير المواطنين أكثر من سبعة ملايين، فمن لوازم هذا القول أن هؤلاء يفطرون في نهار رمضان، هل ترد مثل هذا الشريعة؟ بل إن بعض الدول نسبة غير المواطنين تصل إلى 90% فهذا القول مشكل، طيب لا بد من التحديد، إذا حددنا التحديد يحتاج إلى دليل؛ ولذلك فالأحوط والأقرب هو ما عليه جمهور أهل العلم، وهو أنه إذا كانت إقامته في حدود أربعة أيام فأقل فيترخص برخص السفر، إذا كانت أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص، هذا القول هو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وهو الأحوط في المسألة، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم، وعلى ذلك فهذا الأخ الذي إقامته أكثر من أربعة أيام، نقول: لا يترخص برخص السفر.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا يقول: هل يجوز الإنزال بعد أذان الفجر ومدته، وهو ما بين الأذان والإقامة عشرين دقيقة؟ هل يجوز الإنزال بعد أذان الفجر ومدة ما بين الأذان والإقامة عشرين دقيقة؟

الجواب: إذا كان يعني المقصود الجماع في نهار رمضان، الجماع في نهار رمضان محرم، لكن ربما أن الأخ يعني يقصد وقت الأذان اعتبارًا يعني أن المؤذن ربما تقدم بالأذان الذي أنصح به -أيها الإخوة- وهو الإمساك مع الأذان، الإنسان إذا أذن المؤذن يمسك عن الأكل وعن الشرب والجماع، وبالنسبة لصلاة الفجر لا تقام إلا بعد عشرين دقيقة، ووزارة الشؤون الإسلامية عممت على المساجد ألا تقام الصلاة إلا بعد خمس وعشرين دقيقة في رمضان وفي غير رمضان، فينبغي الالتزام بتعليمات الوزارة في هذا.

يعني: بالنسبة للجماع في نهار رمضان محرم، كما ذكرنا، تكلمنا عن هذا، الله أباح هذا الأمر في الليل، أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187] الليل ينتهي بطلوع الفجر، إذا طلع الفجر فلا يجوز الجماع في نهار رمضان، ولا يجوز ارتكاب أي مفطر من مفطرات الصيام.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا يقول: مداعبة الزوجة في نهار رمضان دون خلع الملابس مع الإنزال، فما الحكم؟

الجواب: الإنزال يفسد الصوم، سواء كان مع الزوجة أو بدون الزوجة، بالإجماع هذا العمل محرم ومن كبائر الذنوب؛ لأن إفساد الصوم من كبائر الذنوب؛ لكون الإنسان يأكل في نهار رمضان أو يشرب أو ينزل أو يجامع، هذا كله من كبائر الذنوب، هذه من الأمور المحرمة، هذا كله لا يجوز، وإنما الذي ورد فيمن يملك نفسه ويضمن عدم الإنزال، فهذا قد كان النبي يقبل وهو صائم، فمثل القبلة ونحوها تجوز لمن يملك نفسه؛ ولهذا تقول عائشة رضي الله عنها: كان أملككم لإربه [18] وحال كثير من الناس أنهم لا يصلون لهذه المرتبة، هذا ينبغي للمسلم وكما سمعتم كثرة الأسئلة عن الجماع في نهار رمضان والتي تبدأ أولًا بمثل هذه المقدمات؛ ولهذا ينبغي للمسلم الاحتياط، وألا يفعل مثل هذه الأمور، ما دام أنه لا يملك نفسه، وأنه ربما يقع في المحظور ربما على الأقل يحصل منه إنزال فيفسد صومه، وربما يقع في الجماع، فيترتب عليه الأمور العظيمة التي ذكرناها، ومنها الكفارة المغلظة، ينبغي يا إخوان للمسلم أن يعظم شأن الصيام، يعظم حرمات الله ذلك، وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] حرمات الله ينبغي أن يجعلها كما يقال: يعني خط أحمر، هذا الأمر لا يقربه، ولا يفكر فيه أصلًا يعني: الجرأة على مثل هذه الأمور تدل على استهتار، تدل على استهانة، تدل على قلة المبالاة، فلا تجعل الله أهون الناظرين إليك.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا يقول: والدة أمي لا تستطيع الصيام لمرض قد أصابها، مع العلم أن أحد أبنائها يطعم عنها، فهل يجوز أن أطعم عنها زيادة على إطعامه الذي يطعمه عنها؟

الجواب: لما ذكر الله الإطعام، وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] قال: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [البقرة:184] فإذا أراد أن يتطوع لا بأس من تطوع خيرًا، فهو خير له، ويعني: وهو يؤجر على ذلك إن شاء الله.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا يقول: قراءة القرآن بدون تحريك الشفتين، أي: بالعين فقط، هل هو جائز أو لا؟

الجواب: قراءة القرآن بدون تحريك اللسان هذه ليست قراءة، ولو قرأ الفاتحة بهذه الطريقة لم تصح صلاته، انتبهوا يا إخوان، هذه مسألة خطيرة، بعض الناس تجد أنه يقرأ الفاتحة في نفسه، ما يحرك لسانه، هذه ليست قراءة، هذه ما تسمى قراءة لا لغة ولا شرعًا، ولا تبرأ بها الذمة، يعني: لا تصح بها الصلاة، وإذا قرأ القرآن ما يسمى قارئًا للقرآن، هذا مجرد يتأمل ويفكر هذا تفكير وتأمل، إذًا ما هو الضابط في القراءة؟ الضابط هو تحريك اللسان، وليس الشفتين، الشفتين ليس لها علاقة بالموضوع، تحريك اللسان، كما قال الله : لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة:16].

واختلف الفقهاء هل يشترط في قراءة الفاتحة أن يسمع نفسه أو يكفي تحريك اللسان؟ المذهب عند الحنابلة أنه لا بد أن يسمع نفسه، ولكن القول الصحيح وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية وجمع من المحققين من أهل العلم: أنه يكفي تحريك اللسان؛ إذ لا دليل يدل على أنه يشترط أن يسمع نفسه؛ ولأنه أيضًا إذا رفع صوته حتى يسمع نفسه قد يشوش على الآخرين.

فالصحيح أنه يحرك لسانه، لا بد من تحريك اللسان بالقراءة.

ويعني مجرد النظر في المصحف هذه ليست قراءة، هذا تأمل وتفكير، والذي يقرأ في نفسه من غير تحريك اللسان لا تصح صلاته، حتى أنه قد ورد فتوى للجنة الدائمة: رجل يعني كان في فمه بلغم، وقرأ الفاتحة في نفسه، ولم يستطع أن يحرك لسانه بسبب البلغم، فأُفتي ببطلان صلاته، وأن عليه أن يعيدها، مسألة خطيرة يا إخوان.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا يقول: أحرمت من الرياض، وجاوزت الميقات، لكني نويت العمرة من الرياض.

الجواب: هذا فيه تفصيل، هل نويت أنك ستعتمر أم أنك أهللت بالنسك؟ كيف نعرف هذا؟ يعني: بعض الناس حتى لو سألته ربما ما يعرف الفرق بينهما، يعني: مثلًا لو أهديت طيبًا وأنت مثلًا في المطار، أو في الطائرة، أعطاك شخص طيبًا هل تمتنع منه وتقول: أنا محرم؟ إذًا تكون أحرمت من الرياض، وأما إذا كنت لم تجتنب محظورات الإحرام، وفي بالك أنك ستجتنبها عند الميقات، فمعنى ذلك أنك نويت أنك ستعتمر، ولم تحرم بعد، فرق بين مسألتين، فإذا كنت قد عقدت النية من الرياض ولو أحد أهدى لك طيبًا لامتنعت، وكذلك لا تغطي رأسك، وتجتنب جميع محظورات الإحرام، فعمرتك صحيحة، وليس عليك شيء.

أما إذا كنت تنوي أنك ستعتمر، ولو أحد أهدى لك طيبًا لقبلته، وربما تغطي رأسك، وفي بالك أنك ستهل بالنسك عند الميقات، لكنك لم تفعل، فمعنى ذلك أنك جاوزت الميقات بدون إحرام، فيجب عليك أن ترجع للميقات، وتحرم منه، فإن لم ترجع فيكون عليك دم.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا يقول: أنا أشتغل بالتجارة، وأحيانًا يأتي رمضان، ولا يوجد لدي شيء من أموالي، وأنا أريد إخراج الزكاة، كيف أخرجها؟ جزاكم الله خيرًا.

الجواب: ما دام أنه يشتغل بالتجارة، ينبغي أن يهتم بشأن الزكاة، ويستطيع أن يسيل بعض أمواله التي عنده، وحتى يخرج الزكاة، ينبغي يا إخوان أن نعظم أمور الدين، ونجعل أمور ديننا هي أول اهتماماتنا، لا نجعله على الهامش، يعني كما ترون الآن كثرة الأسئلة، الآن عن الجماع في نهار رمضان، وعن الزكاة، هذا بسبب قلة المبالاة، يعني يجعل أمور الدين كأنها شيء ثانوي، وأمور حياته ومتعه هذه يجعلها هي الأساس، فالزكاة ما دمت مشتغلًا بالتجارة، هيأ نفسك على أنك تزكي الزكاة في وقتها، وأن تبقي بعض المال الذي عندك حتى تزكي، اللهم إلا إذا كان يلحقك الضرر بهذا، هنا لا بأس بأن تؤخر الزكاة بالقدر الذي تستطيع أن تخرج فيه الزكاة؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة، وأما إذا كان لا يلحقك ضرر، فينبغي أن تهتم.

ينبغي يا إخوان للمسلم أن يجعل أمور الدين هي في قائمة اهتماماته، في أول اهتماماته؛ ولهذا يقول ربنا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9] هؤلاء أناس عندهم خلل في مسألة الأولويات، فألهتهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله، يعني جعلوا الأموال والأولاد هي المرتبة الأولى، وذكر الله في المرتبة الأخيرة، ما هي النتيجة؟ النتيجة هي الخسارة، لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9] مسألة ترتيب الأولويات لدى المسلم من الأمور المهمة جدًّا، مسألة الصلاة، الصلاة هذه يجعلها أول اهتماماته من حين يؤذن المؤذن يذهب للمسجد، لا يجعلها على الهامش، متى ما سمع المؤذن، المؤذن يقيم يذهب، وربما يدرك ركعة، وربما لا يدرك شيئًا، وبالنسبة للزكاة يجعل الزكاة على الهامش أيضًا تجارته هي المقدمة، والزكاة يقول: ما عندي شيء، كيف ما عندك شيء وأنت تعمل بالتجارة، وتشتغل في التجارة؟!

الصيام: يجعل المتعة هي في المقدمة؛ ولذلك يجامع امرأته في نهار رمضان، ولا يبالي بمسألة انتهاك حرمة الشهر، هذا نوع من تقديم هذه الأمور على ذكر الله لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9].

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا آخر سؤال هذا يقول: دخلت في صلاة فريضة العصر في الركعة الثالثة، وانتهيت من الصلاة، وكان الإمام قد دخل في صلاة الجنازة في التكبيرة الثانية، فما هي الطريقة الصحيحة للدخول وقضاء التكبيرة الأولى؟

الجواب: هو الأصل أن من دخل في صلاة، فما يدركه مع الإمام هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته، في أرجح قول العلماء في المسألة، لكن صلاة الجنازة وضعها يختلف؛ لأن صلاة الجنازة لو طبقنا عليها هذه القاعدة، يحصل فيها اختلال في أدائها، الذي يظهر أنه إذا دخل مع الإمام أنه يفعل ما يفعل الإمام، فإذا دخل مثل ما ذكر الأخ السائل كبر التكبيرة الثانية، يصلي على النبي ، فيفعل ما يفعل الإمام، ثم إذا كبر الثالثة يدعو، ثم إذا كبر الرابعة كذلك، يعني لا يسلم معه، يكبر هو تكبيرة رابعة، ويقضي الفاتحة، فبالنسبة لصلاة الجنازة لها وضع خاص، تختلف عن بقية الصلوات؛ وذلك لو أننا تعاملنا معها مثل بقية الصلوات لأدى هذا إلى اختلال في كيفيتها، فإذا دخل يفعل مثل ما يفعل الإمام، إذا كان الإمام يصلي على النبي يفعل مثله، وإذا كان يدعو للميت يفعل مثله، ثم يقضي بعد ذلك بعد فراغ الإمام يقضي ما فاته قبل أن ترفع الجنازة؛ ولذلك عليه أن يخفف، فإن صلاة الجنازة مبناها على التخفيف، يحرص على أنه يكبر مباشرة، ويقرأ الفاتحة أيضًا يعني لا يطيل حتى يتمكن من قراءتها قبل أن ترفع الجنازة.

ونسأل الله للجميع الفقه في الدين، والعلم النافع.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2996.
^2 الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 2/ 61.
^3 رواه البخاري: 1903.
^4 تفسير الطبري: 3/ 480.
^5 رواه مسلم: 1631.
^6 رواه البخاري: 617، ومسلم: 1092.
^7 بنحوه رواه البخاري: 1904، ومسلم: 1151.
^8 رواه أبو داود: 2367، والترمذي: 774، وأحمد: 8768.
^9 رواه البخاري: 1938، ومسلم: 1202.
^10 رواه أبو داود: 1375، والترمذي: 806، وأحمد: 21447.
^11 بنحوه رواه البخاري: 6408، ومسلم: 2689.
^12 رواه البخاري: 757، ومسلم: 397.
^13 رواه البخاري: 325.
^14 بنحوه البخاري: 4509، ومسلم: 1090.
^15 رواه مسلم: 132.
^16 بنحوه في مجموع الفتاوى: 22/608 عن بعض السلف.
^17 رواه البخاري: 5269، ومسلم: 127.
^18 رواه البخاري: 1927، ومسلم: 1106.
مواد ذات صلة
  • عناصر المادةحديث حذيفة  في التحذير من الفتنضعف الإنسان أمام الفتنأبرز أسباب الفتنالاستشراف للفتنةاتباع الهوىضعف التقوىفتنة التكفيرتحصين الشباب من فتنة…

  • عناصر المادةجزاء محبة الله للعبدمعنى محبة الله ومنزلتهاصفات من يحبهم الله كما في القرآن الكريمصفة الإحسانفيم يكون الإحسان؟صفة الصبرحقيقة الصبرصفة…