كيف نجمع بين قول الله : وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164] وقول النبي : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه؟
مشاهدة من الموقع
السؤال
كيف نجمع بين قول الله : وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164] وقول النبي : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه؟
الجواب
أولًا: من أهل العلم من أنكر حديث: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه [1]، وهذا قد ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولكن الحديث في “الصحيحين”، أخرجه البخاري ومسلمٌ، الحديث صحيحٌ، وقد ورد عن عددٍ من الصحابة ، فالحديث ثابتٌ عن النبي [2].
بعض العلماء حمل ذلك على من أوصى بأن يناح عليه، فإن قوله عليه الصلاة والسلام: يعذب ببكاء أهله عليه، المقصود بالبكاء هنا: النياحة، وليس المقصود مجرد البكاء مع خفض الصوت، فإن هذا مباحٌ، ولا بأس به، أو الذي تدمع معه العين، لكن المقصود بالبكاء في الحديث: النياحة، فبعض العلماء حمل هذا الحديث على من أوصى بأن يناح عليه [3]، كما كان معروفًا في الجاهلية، كما قال طرفة بن العبد:
فإن مت فانعنيني بما أنا أهله | وشقي عليَّ الجيب يا ابنة معبدِ[4] |
كان هذا معروفًا في الجاهلية.
ولكن أيضًا حَمْلُ الحديث على هذا مع قلة من يفعل ذلك، هذا محل نظرٍ، يعني: كم في الناس من يوصي بأن يناح عليه؟ هذا قليلٌ، فحمل الحديث على هذا محل نظرٍ.
والأقرب -والله أعلم- هو ما ذهب إليه جمعٌ من المحققين من أهل العلم، من أن العذاب ليس عقوبة؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: السفر قطعةٌ من العذاب [5]، فهل المسافر يعاقب بالسفر؟ إنما يتألم بما يجده من متاعب، وليس عقوبةً.
ويقول بعض الناس: عذبني ضميري، يعني: تألمت، فيقصدون بالعذاب: يعني الألم، وقد روي في ذلك حديثٌ حسَّن إسناده بعض أهل العلم: إن أحدكم إذا بكى على صاحبه؛ استعبر له صاحبه [6]، يعني: أنه يتألم، وكأن هذا الميت -والله أعلم- يُخبَر، أو يعلم بنياحة أقاربه عليه، فيتألم لأجل ذلك، فيكون هذا من هذا الباب، وعلى هذا فلا يكون قول النبي : ليعذب ببكاء أهله عليه، أن هذا عقوبةٌ، وإنما هو يعني: أن هذا الميت يعلم بنياحة أهله عليه فيتألم لأجل ذلك.
ولهذا ينبغي الإنكار على من ينوحون على الميت، ويقال لهم: إن هذا الميت يعذب بنياحتكم عليه، وأن الذي ينبغي الصبر والاحتساب.
وإذا بكى الإنسان بكاءً بصوتٍ منخفضٍ ليس مرتفعًا، وأيضًا مع دمع العين وحزن القلب، هذا كله معفوٌّ عنه، كما قال عليه الصلاة والسلام: إن القلب يحزن، وإن العين تدمع، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون [7].
لكن النياحة التي تكون برفع الصوت، أو بشق الجيب، أو بقص الشعر، أو بندب الميت، ونحو ذلك، هذا هو المحرم، فهذا هو الأقرب -والله أعلم- في الجمع بين الحديث والآية؛ وبذلك لا يكون بينهما تعارض، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، وهذا الميت إنما تألم لما أُعلِم بنياحة أهله عليه.
الحاشية السفلية