logo
الرئيسية/مقاطع/التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح

التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح

مشاهدة من الموقع

جاء في قصة أصحاب الصخرة، وهي في "الصحيحين" عن النبي في ثلاثةِ نفرٍ خرجوا يتماشَون، فأصابهم المطر فذهبوا إلى غارٍ يجلسون فيه، فانحدرت عليهم صخرةٌ لا يستطيعون الخروج من هذا الغار، فقالوا: إنه لن يُنجيكم من هذا إلا أن تتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالكم، فكل واحدٍ منهم توسَّل إلى الله تعالى بعملٍ صالحٍ:

أما الأول: فتوسل إلى الله ​​​​​​​ بعظيم بره بوالديه، وقال: إنه ذات مرةٍ نأى به طلب الشجر، فتأخر عليهما ومعه الغَبُوق -يعني حليب الإبل- فأتى ووجد والديه نائمين، ووجد الصِّبية -يعني أطفاله- يَصيحون، يريدون أن يشربوا من هذا اللبن، فلم يشأ أن يُقدِّم أولاده على والديه، ولم يشأ أن يوقظ والديه، فبقي طوال الليل واقفًا على رأس والديه حتى أصبحا وشربا من هذا اللبن، قال: اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرُج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلًا، غير أنهم لا يستطيعون الخروج.

وأما الآخر: فتوسل إلى الله تعالى بعفته عن الزنا مع قدرته عليه، وذكر أن له ابنة عم يحبها محبةً شديدةً، كأشد ما يحب الرجال النساء، وطلبها ذات مرةٍ فأبت، حتى ألمَّت بها حاجةٌ فوافقت، فلما تمكن منها؛ قالت له: اتق الله، ولا تَفُضَّ الخاتَمَ إلا بحقِّه، فتركها وترك الذي أعطاها إياه، قال: اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلًا، غير أنهم لا يستطيعون الخروج.

وأما الثالث: فتوسل إلى الله بأمانته العظيمة، وذكر أنه استأجر أُجَراء، وأعطى كل واحدٍ أجره، إلا أجيرًا واحدًا خرج ولم يأخذ أجره، قال: فأخذتُ أجره فثَمَّرته له -يعني نمَّيته- فأتى بعد حينٍ من الدهر وقال لي: يا عبدالله، اتق الله وأعطني حقي، فقلت: لك ما ترى من الإبل والبقر والغنم، فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي، قلت: والله لا أستهزئ بك -يعني هذا هو نماءُ مالِكَ- فأخذه كله ولم يُبْقِ لي شيئًا، اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون [1].

هؤلاء الثلاثة لما وقعوا في هذه الكربة؛ توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم؛ فينبغي لك أخي المسلم أن تتوسل إلى الله تعالى بصالح أعمالك، خاصةً إذا وقعتَ في شدةٍ أو في كربةٍ أو في مصيبةٍ ونحو ذلك، فإن هذا من أسباب تفريج الكروب.

وينبغي أن يكون لك خبيئة عملٍ صالحٍ، بحيث لو وقعت في شدةٍ؛ تتوسل إلى الله بها كما فعل هؤلاء الثلاثة.

وكذلك أيضًا التوسل إلى الله سبحانه بالعمل الصالح عمومًا هذا مشروعٌ، ودل لذلك أدلةٌ كثيرةٌ؛ منها: قول الله عن المؤمنين أنهم يقولون: رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:16]؛ فسألوا الله تعالى أن يغفر لهم ذنوبهم، وأن يقيهم عذاب النار، وتوسلوا إلى الله بإيمانهم.

فالتوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة مشروعٌ [2]، فهذا من أنواع التوسل المشروع: أن تتوسل إلى الله تعالى بصالح أعمالك، تقول: يا رب، إني عملت كذا وكذا، أتوسل إليك به أن تقضي حاجة كذا، أو أن تستجيب دعوتي في كذا، وخاصةً عند الشدة وعند الكروب.

فالتوسل إلى الله تعالى بصالح الأعمال عند المصائب والكروب والشدائد من أسباب تفريج الكروب.

^1 رواه البخاري: 5974، ومسلم: 2743.
^2 ينظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2/ 312).
zh