في هذا الحديث ذِكر بعض أوصاف أهل الجنة وبعض أوصاف أهل النار، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ألا أخبركم بأهل الجنة؟؛ يعني: بأوصاف أهل الجنة كل ضعيف؛ يعني: متواضع متذلل، بعيد عن الكبر وعن العجب والفخر.
متضعَّف أو متضعِّف، قال النووي -رحمه الله- قال: ضبطوا “مُتَضَعَّفٍ” بفتح العين، و”مُتَضَعِّفٍ” بكسرها، ثم قال النووي: والمشهور الفتح “مُتَضَعَّفٍ”[2].
ومعنى “متضعف”؛ يعني: يستضعفه الآخرون ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا. وأما رواية: مُتَضَعِّفٍ بكسر العين؛ فالمقصود أنه متواضع، أنه متواضع متذلل.
وكلا المعنيين صحيح، فأهل الجنة تجد فيهم الخشوع والتواضع، وربما أن بعضهم يستضعف، ربما أن بعضهم يستضعف.
لو أقسم على الله لأبره؛ يعني: لو حلف بالله تعالى طمعًا في كرم الله وحسن ظن به؛ لأبر الله قسمه وحقَّق ما حلف عليه، لو قال: “والله ليحصلن كذا”، إكرامًا له يَبَرُّ الله بقَسَمه ويحصل كذا، مع أنه عند الناس ليس له كبير قيمة، لكنه عند الله له منزلة رفيعة، بحيث لو أقسم على الله لأبره.
ثم قال: ألا أخبركم بأهل النار؟ قالوا: بلى، قال: كل عتل. العُتُلُّ: هو الجافي الشديد الخصومة بالباطل، الغليظ، شديد الخصومة بالباطل.
قال: كل عتل جَوَّاظٍ. الجَوَّاظ: هو الجَمُوع المَنُوع، يجمع ويحرص على المال بشدة، ويمنع، ما يعطي أحدًا شيئًا ولا يخرج الواجب عليه، جَمُوع منوع، هذا يقال له: جواظ.
وفي الرواية الأخرى: زَنِيم؛ ومعنى زنيم، يعني: دَعِيٌّ في النَّسَب، مُلصِقٌ نفسَه بقومٍ وهو ليس منهم، وقيل: إن معنى “زنيم” يعني: اللئيم، وهذا أقرب، اللئيم المعروف بلؤمه وشره.
كل عتل جواظ مستكبر، وفي الرواية الأخرى: كل جواظ زنيم متكبر. متكبر، “الكبر” فسره النبي وعرفه بتعريف جامع مانع، ما تعريف الكبر؟ بطر الحق، وغمط الناس[3]، هذا هو الكبر. “بطر الحق” يعني: عدم قبول الحق، و”غمط الناس”: احتقار الناس. هذا هو الكبر.
ولما سئل النبي عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، هل هذا من الكبر؟ قال: لا، إن الله جميل يحب الجمال[4]. هذا من الجمال الذي يحبه الله، التجمل في الملبس، التجمل في المركب، التجمل في المسكن، التجمل في كل شيء. هذا من الجمال الذي يحبه الله، وليس من الكبر في شيء.
الكبر شيء متعلق بالقلب، هو رَدُّ الحق وعدم قبوله ممن جاء به، وأيضًا: احتقار الناس وازدراؤهم. هذا هو الكبر.
فينبغي أن يحرص المسلم على التخلق بأخلاق أهل الجنة، يحرص على التواضع، التواضع في كل شيء، يتواضع لإخوانه المؤمنين، يتعامل معهم كما قال الله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة:54]؛ أذلة كأنه ذليل لكن مع عُلُوِّه، ما قال: أذلة للمؤمنين، وإنما قال: عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛ يعني: مع علوه لكن يتعامل معهم بالتذلل وبالتواضع، وبخفض الجناح، وبالرحمة، وبالمحبة، وبالمودة؛ هذه صفات أهل الجنة.
أما الذي يتعامل مع إخوانه المؤمنين بعكس ذلك، يتعامل معهم بالكبر، وبالقسوة وبالجفاء وبالغلظة وباللؤم وبالكذب؛ هذه من صفات أهل النار.