مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ [المائدة:103]؛ “البحيرة” يعني: التي بُحِرت أذنها: شُقَّت وخُرِمت أذنها، وهي الناقة التي وَلَدَتْ خمسةَ أَبْطُنٍ فأكثر؛ فإنهم إذا ولدت الناقة خمسة أبطن فأكثر شَقُّوا أُذُنَها وتُرِكت فلا يمسها أحد. ويعني ابتدعوا هذا في دين الله .
وأما “السائبة” فتكون من النذور للأصنام، فتُسيَّب فلا يركبها أحد؛ وهذا معنى قوله: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ [المائدة:103].
قال:
ولاحِظ أن هذا كله إنكارٌ على التحريم؛ يعني حرَّموا عليهم البَحِيرة، وحرموا عليهم السائبة، وحرموا الوَصِيلة، وحرموا الحامِيَ؛ فتجد أن معظم ما ذكره الله في سورة “المائدة” و”الأنعام” في الإنكار على مَن حرَّم ما أحل الله.
وهذا يدل على أن تحريم الحلال أنه مثل تحليل الحرام، وربما يكون تحريم الحلال أشد؛ لأنه نَقْلٌ عن الأصل، الأصل هو الحل وبراءة الذمة.
ولذلك؛ فالمسلم عليه ألا يقول على الله بغير علم، لا يقول: هذا حلال وهذا حرام، إلا بعلم؛ لأن بعض الناس يعتقد أن تحريم الحلال أن فيه نوعَ احتياطٍ؛ ولذلك يتجرؤون على تحريم الحلال أكثر من تَجَرُّئِهم على تحليل الحرام، وهذا خطأ.
فلو تأملنا سورة “المائدة” و”الأنعام” وجدنا الإنكار الشديد على من حرم ما أباح الله؛ فـ”البحيرة” هذه ناقة أباحها الله تعالى، فحرموها على أنفسهم. السائبة كذلك، الوصيلة، الحامي: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [الأعراف:32].
فالتحليل والتحريم إلى الله وليس إلى البشر؛ فلا يجوز تحليل ما حرمه الله، ولا تحريم ما أحله الله.
لكن -الذي- أوَّل مَن سيب السوائب هو عمرو بن لُحَيٍّ أيضًا، وهو الذي جلب الأصنام لمكة، وهو الذي تسبَّب على أهل مكة في هذه العقائد الشِّركية، فكان ذنبه عظيمًا وجُرْمه كبيرًا.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 2856. |
---|