المقدم: نبدأ هذه الحلقة بوقفاتٍ يسيرةٍ مع شهر رمضان، شهر القرآن.
الشيخ: الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتَّبع سُنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فشهر رمضان هو شهر القرآن، كما قال ربنا سبحانه: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]، وقال: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:3]، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1].
فهذا القرآن العظيم، وهذا القرآن المبارك نزل في شهر رمضان، وقد اكتسب وقتُ نزوله شرفًا عظيمًا، وهو ليلة القدر التي هي في رمضان، والتي جعلها الله خيرًا من ألف شهرٍ.
ولذلك ينبغي أن يُعْنَى المسلم بالقرآن العظيم في هذا الشهر المبارك: تلاوةً ومُدارسةً، فقد كانت للنبي عنايةٌ بمُدارسة القرآن في رمضان، وكان يُدارسه جبريل كل ليلةٍ من ليالي رمضان [1].
وأخذ أهل العلم من هذا: أنه ينبغي للمسلم أن يتدارس القرآن، وأن يتعاهد حفظه، وكذلك يُكثر من تلاوة القرآن في شهر رمضان، فإن شهر رمضان هو شهر القرآن، وينبغي أن يختم القرآن ختمةً على الأقل.
وقد كان السلف الصالح لهم عنايةٌ عظيمةٌ بتلاوة القرآن في هذا الشهر المبارك؛ فكان عثمان يختم القرآن كل يومٍ في رمضان.
وكان الإمام مالك إذا دخل شهر رمضان أوقف دروس العلم، وأقبل على تلاوة القرآن.
وكان الإمام الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين ختمةً، أي: أنه في اليوم والليلة يختم مرتين، وهذا مُتيسرٌ في حقِّ الحافظ المُتقن الماهر الذي يجري القرآن على لسانه.
ورُوِيَ أيضًا عن أبي حنيفة نحو ما رُوِيَ عن الشافعي.
وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: "إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام".
فينبغي الاقتداء بهؤلاء السلف، والإكثار من تلاوة القرآن في هذا الشهر المبارك، وكما أخبر النبي : مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها [2].
وقد حسب بعض أهل العلم ضربوا عشرةً في عدد حروف القرآن، فكانت النتيجة لمَن ختم القرآن ختمةً أنه يُرجى أن ينال أكثر من ثلاثة ملايين حسنة.
إذا ختمتَ القرآن مرةً واحدةً فيُرجى أن يُكتب لك بها أكثر من ثلاثة ملايين حسنة؛ لأنك تنال بكل حرفٍ عشر حسناتٍ، وفضل الله واسعٌ.
وهذه المسألة بخصوصها قد جاء الحساب فيها في الحديث السابق: مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها.
ولذلك ينبغي أن يحرص المسلم على الإكثار من تلاوة القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك، وأن يكون له أكثر من ختمةٍ إن تيسر، أو على الأقل ختمة واحدة، وينال بذلك أجرًا عظيمًا، فإن له بكل حرفٍ عشر حسناتٍ، وربما يتضاعف ذلك في شهر رمضان، فإن العبادة كما تَفْضُل وتَشْرُف بشرف المكان، فهي كذلك تَفْضُل وتَشْرُف بشرف الزمان.