الشرح:
إن في الجنة لَسُوقًا، المقصود بالسوق: ليس السوق الذي يُباع فيه ويُشْتَرَى، وإنما المقصود هنا: مَجمعٌ يجتمعون فيه كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق.
قال: إن في الجنة لَسُوقًا يأتونها كل جمعةٍ، يعني: في مقدار كل أسبوعٍ مرةً، وليس هناك أسبوعٌ حقيقيٌّ؛ لفقد الشمس والقمر، الجنة ليس فيها شمسٌ ولا قمرٌ، وإنما يُقدَّر ذلك، أي: في مقدار كل جمعةٍ أو أسبوعٍ.
وقيل: إنه يكون هناك نورٌ يُضيء من تحت العرش، يعرفون به الليل والنهار، وإلا ليس هناك شمسٌ ولا قمرٌ، فالمعنى: أنهم في كل أسبوعٍ يأتون لهذا السوق.
وجاء في بعض الآثار: أنهم يأتون لرؤية الرب ، يأتون لرؤية الله سبحانه، يرون الله حقيقةً، وهذا هو مُعتقد أهل السنة والجماعة: أن أهل الجنة يرون الله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌإِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، فيجتمعون ويرون الله ، فما أُعْطُوا من النعيم شيئًا أحب إليهم من النظر إلى الله، سبحان الله! يعني: مع ما هم فيه من النعيم العظيم، الذي لا يخطر على قلب بشرٍ؛ إلا أن تَنَعُّمَهم بالنظر إلى الله أعظم من ذلك كله؛ ولهذا قال: فما أُعْطُوا من النعيم شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إلى وجه الله .
فيأتون كل جمعةٍ، فَتَهُبُّ ريح الشمال، وخُصَّتْ ريح الشمال بالذكر؛ لأنها ريح المطر عند العرب، ريح المطر عند العرب هي ريح الشمال، وكانت تَهُبُّ من جهة الشام، يأتي بها سحاب المطر، فكانت العرب تُحب هذه الريح، وهي تشترك معها في الاسم، وإلا فهي مختلفةٌ تمامًا في الحقيقة.
فَتَحْثُو في وجوههم وثيابهم، هذه الريح بهوائها العذب الطَّلْق الطيب، فيزدادون حسنًا وجمالًا، يزيد حسنهم عندما تَهُبُّ في وجوههم هذه الريح، وينظرون إلى الله ، ويكلمهم الله، يسلم الله عليهم: سلامٌ عليكم، تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ [الأحزاب:44]، فيردون عليه السلام ويقولون: أنت السلام، ومنك السلام، وجاء في بعض الآثار: أنهم عندما ينظرون إلى الله ويقول: سلامٌ عليكم، أن الله يقول لهم: "تَمَنَّوا ما شئتم"، فيلتفتون إلى العلماء، فيقولون: ماذا نتمنى؟ فيقولون: تَمَنَّوا كذا وكذا، قالوا: فهم يحتاجون إلى العلماء في الجنة؛ كما يحتاجون إليهم في الدنيا، يعني: هل نقصكم شيءٌ؟ الرب عندما ينظرون إليه، ويُسلم عليهم: هل تريدون شيئًا؟ هل تتمنون شيئًا؟ فَهُمْ لا يخطر ببالهم شيءٌ، فينظرون للعلماء ويقولون: ماذا نتمنى؟ فيقولون: تَمَنَّوا كذا وكذا [2].
ثم بعد ذلك: فيرجعون إلى أهليهم، إلى الحور العين، فيقول أهلوهم لهم، الحور العين تقول لهم: لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا، يرون أنهم قد تغيروا وازدادوا حسنًا وجمالًا من آثار هذه الريح -ريح الشمال- وأيضًا كونهم ينظرون إلى الرب ، ويتحدثون معه.
فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا أيضًا، الحور العين أيضًا تزداد حسنًا وجمالًا، لمَّا تركوهم هذه المدة ثم رجعوا إليهم؛ وهذا يدل على أن نعيم الجنة لا يزال في زيادةٍ أبدًا، أخذ العلماء من هذا: أن نعيم الجنة لا يزال في زيادةٍ أبدًا؛ لأن جمال أهل الجنة يزداد، وجمال الحور العين يزداد أيضًا، فالحور العين تقول لهم أهلوهم: لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا، وهم يقولون لهم: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا؛ فهذا يدل على أن نعيم الجنة في زيادةٍ، فنعيم الجنة يزيد، ليس ثابتًا، وإنما يزيد، وهذا من عظيم إكرام الله تعالى لأهل الجنة.