وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- قصةً، وهي: أن سليمان -عليه الصلاة والسلام- لما رأى حرص النملة وشدة ادخارها للغذاء، طلب إحضار نملة، وكان سليمان أعطاه الله تعالى معرفة لغة الحيوانات؛ ولهذا خاطب النملة: فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا [النمل:19]؛ يعرف لغة النمل، فطلب إحضار نملة، وسألها: كم تأكل النملة من الطعام كل سنة؟ قالت: ثلاث حبات من الحنطة. يعني: البُر، فأمر بإلقائها في قارورة، وسد فم القارورة، وجعل معها ثلاث حبات حنطة، وطلب مراقبة القارورة أيضًا والنملة، وتركها سنة، وهي تأكل من هذه الحبات من الحنطة، ثم بعد سنة أمر بها فأتي بهذه القارورة، فأمر بفتحها فوجد النملة ومعها حبة ونصف من الحنطة، فقال لها: أين زعمك أن قُوتَك في السنة ثلاثُ حبَّات من الحنطة؟ فقالت: نعم، لما رأيتك مشغولًا بمصالح أبناء جنسك، اقتصرت على نصف القوت لأعيش وأبقى[1].
فتعجب منها سليمان! فهي رأت أن الذي فعل ذلك سليمان، وأن سليمان مشغول عنها، كأنها تقول: ليس مهتمًّا بها، فرأت بدل ما تأكل ثلاث حبات أن تأكل في السنة حبة ونصفًا، فتقتصر على نصف قوتها.
فكان هذا عجبًا! طبعًا هذه من قصص بني إسرائيل، لكن معناها صحيح، وسليمان -عليه الصلاة والسلام- علَّمه الله تعالى لغة الطير ولغة الحيوانات.
فهذا من آيات الله ، وهذه المخلوقات عوالم عجيبة، وهي تدل على عظيم قدرة الله : كيف أنه سبحانه هو الذي هداها وألهمها لهذه الأفعال وهذه التصرفات.
^1 | "شفاء العليل": ص70. |
---|