logo
الرئيسية/مقاطع/اختلاف المطالع

اختلاف المطالع

مشاهدة من الموقع

هنا مسألةٌ يذكرها بعض الفقهاء، وهي مسألة: اختلاف المطالع، هل هي مؤثرةٌ أو غير مؤثرةٍ؟

يعني مثلًا: لو رُئي الهلال عندنا في المملكة، هل يَلزم الناسَ في أستراليا أو في أمريكا أن يصوموا بصومنا، أو لكل أهل بلدٍ رؤيتهم؟

أما اختلاف المطالع حقيقةً: فهو مؤثرٌ، أما شرعًا: فهو محل خلافٍ؛ فمثلًا: قد يغيب القمر قبل الشمس في الشرق، في أستراليا مثلًا أو في نيوزيلاندا مثلًا أو إندونيسيا، لكن عندنا في المملكة يَغرب الهلال بعد الشمس، فالناس هنا في المملكة يـمكن أن يروا الهلال، والذين في بلاد الشرق لا يـمكن أن يروا الهلال، ومن باب أولى في البلاد الغربية؛ مثل أمريكا، يـمكن أن يروا الهلال من باب أولى، وبلاد المغرب العربي؛ لأنه كلما تأخر الهلال؛ كلما تـهيأت الفرصة لرؤيته أكثر؛ لأنه بعدما ينفصل عن الشمس -وهو ما يسمى بالاصطلاح الفلكي: “ولادة الهلال”- يبدأ يزداد فيه الضوء شيئًا فشيئًا.

فاختلاف المطالع واقعٌ حسًّا، لكن هل هو معتبرٌ شرعًا؟

هذا محل خلافٍ بين الفقهاء:

  • فمنهم من قال: إنه غير معتبرٍ شرعًا، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وكان شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله يرجحه، إذا رُئي الهلال في أي بلدٍ؛ يَلزم المسلمين جميعًا في جميع البلدان الصيام أو الفطر.
  • والقول الثاني: أن اختلاف المطالع معتبرٌ شرعًا، وهذا هو القول الراجح، ويدل لذلك: قصة ابن عباسٍ رضي الله عنهما لـمَّا صام الناس في الشام، والناس في المدينة لـم يصوموا، فسُئل ابن عباسٍ عن ذلك، قيل: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: “لا، هكذا أمرنا رسول الله [1]؛ وذلك لأن دمشق تقع شرق المدينة، فمطلع المدينة يختلف عن مطلع دمشق؛ فلهذا ابن عباسٍ ومن معه من الصحابة  اعتبروا اختلاف مطلع الهلال.

فالأظهر -واللّه أعلم- أن اختلاف المطالع معتبرٌ شرعًا، ولكن هل اتفاق المسلمين في جميع بلدان العالـم على أن يصوموا في يومٍ واحدٍ، هل هو أمرٌ مقصودٌ شرعًا؟

ما من دليلٍ يدل على أنه أمرٌ مقصودٌ شرعًا؛ مثل اختلافهم في الصلاة، أليس المسلمون يختلفون في الصلاة؟ الناس في الشرق يصلون، ثم يصلي مَن بعدهم، ثم الذين في الغرب يصلون؛ فكذلك أيضًا اختلافهم في الصيام، فلا يضر، لكن المهم ألا يكون هذا الاختلاف كثيرًا، يعني: الفارق يكون يومًا واحدًا، وأيضًا ألا يختلف أهل البلد الواحد؛ فاتفاق الناس داخل البلد الواحد في الصوم وفي الفطر مقصودٌ شرعًا داخل البلد الواحد، ما الدليل؟ قول النبي عليه الصلاة والسلام: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون [2].

داخل البلد الواحد ينبغي ألا يختلف المسلمون، لكن من بلدٍ إلى بلدٍ مع اختلاف المطالع لا يضير الاختلاف، لكن لا يكون اختلافًا كبيرًا؛ لأنه حصل في سنواتٍ مضت اختلافٌ كبيرٌ، أذكر مرةً في أحد المؤتـمرات، أنا تكلمت عن مسألة الاختلاف، وقلت: أنه حصل في بعض السنوات أن الاختلاف وصل إلى ثلاثة أيامٍ، فرد عليَّ أحد الحاضرين، قال: لا، بل بعض السنوات وصل إلى أربعة أيامٍ، ناسٌ صاموا السبت، وناسٌ ما صاموا إلا الأربعاء، وهذا اختلافٌ لا شك أنه يورث إشكالًا كبيرًا، هذا غير مقبولٍ، لكن أن يكون الفرق يومًا؛ هذا حصل في زمن الصحابة ، مثلًا ناسٌ تصوم السبت، وناسٌ تصوم الأحد، هذا حصل في زمن الصحابة ، هذا مقبولٌ، لكن لا يكون أكثر من يومٍ، إذا كان أكثر من يومٍ معنى ذلك أنه يوجد خطأٌ في فهم المسألة.

وأيضًا لا يختلف المسلمون داخل البلد الواحد، فإذا كان البلد إسلاميًّا؛ يتبع الناس ولي الأمر، إذا اعتمد ولي الأمر رأيًا؛ لا يختلف الناس عليه، لا ينازعونه، يتبعون ولي الأمر فيما يقرره، البلاد غير الإسلامية ينبغي أن يتفق المسلمون، يكون لهم مراكز، يكون لهم جمعياتٌ.

مع الأسف! يوجد اختلافٌ ليس داخل البلد، يقولون: أحيانًا داخل البيت الواحد، هذا صائمٌ رمضان، وهذا مفطرٌ، هذا مفطرٌ العيد، وهذا صائمٌ، هذا لا ينبغي أن يكون داخل البلد الواحد، فضلًا عن البيت الواحد.

فإذنْ: حتى نعرف مقصود الشارع، نقول: الدليل دل على أن اجتماع المسلمين في الصوم أو الفطر داخل البلد الواحد أمرٌ مقصودٌ شرعًا، أما جميع البلدان ما من دليلٍ يدل على أنه ينبغي أن يتفقوا في يومٍ واحدٍ، بل ظاهر المنقول عن الصحابة  أنه لا يضير اختلافٌ ليومٍ واحدٍ بسبب اختلاف المطالع.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1087.
^2 رواه أبو داود: 2324، والترمذي: 697، واللفظ له، وابن ماجه: 1660، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
مواد ذات صلة
zh