logo
الرئيسية/مقاطع/من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه

من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه

مشاهدة من الموقع

هذه القاعدة وهذه السنة من سنن الله : أنه ما ترك عبدٌ لله شيئًا فوجد فقده قط.

فلا يجد المشقة إذا ترك الشيء لله، بشرط أن يترك هذا الشيء لله، يعني: مخلصًا لله تعالى، لا لسببٍ آخر، إذا ترك هذا الشيء لسببٍ آخر فسيجد فقده، وسيجد مشقةً كبيرةً في فقده؛ لأنه قد اعتاده، لكن إذا تركه لله يتقرَّب بذلك إلى الله ، فإنه لا يجد المشقة الكبيرة، ولا الألم إلا في أول الأمر، يجد مشقةً ليست كبيرةً؛ لأجل اختبار كونه صادقًا أو غير صادقٍ، فإن كان صادقًا؛ فإنه سيتحمل تلك المشقة؛ لأنه ترك هذا الشيء لله، وإن كان غير صادقٍ فسيعود إلى ما كان عليه.

وإذا ترك الشيء لله، وصبر على تلك المشقة قليلًا؛ فإن تلك المشقة تستحيل إلى لذَّةٍ، وإلى انشراحٍ في الصدر، وإلى أنسٍ بالله ، وهذا أمرٌ يجده المسلم إذا ترك شيئًا لله وأصرَّ على ذلك، فإنه يجد لذةً لذلك، ويجد انشراحًا للصدر؛ ولهذا كان شُرَيحٌ يحلف بالله ما ترك عبدٌ لله شيئًا فوجد فقده. 

وأيضًا: من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه، وهذا المعنى قد جاء في حديثٍ صحيحٍ أخرجه أحمد بسندٍ صحيحٍ، أن النبي قال: إنك لن تدع شيئًا لله إلا بدَّلك الله به ما هو خيرٌ لك منه [1].

وهذا العِوَض -من ترك لله شيئًا عوَّضه الله خيرًا منه- أنواعٌ:

وأجل وأعظم ما يُعوَّض به المسلم -كما قال ابن القيم وغيره- هو الأنس بالله تعالى ومحبته، هذا أعظم ما يعوض به الإنسان، ولا يلزم أن يكون التعويض بشيءٍ محسوسٍ، قد يكون بشيءٍ محسوسٍ، وقد يكون بغير محسوسٍ، قد يكون بانشراحٍ في الصدر، قد يكون بزيادةٍ في الإيـمان، قد يكون بأمورٍ معنويةٍ، وقد يكون التعويض بشيءٍ محسوسٍ.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أمثلةً لهذا التعويض، قال:

“لما عقر سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام الخيل التي أشغلته عن الصلاة في القصة التي ذكرها الله تعالى في سورة (ص): إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ يعني: بعد العصر الصَّافِنَاتُ يعني: الخيل فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ يعني: حب الخيل عَنْ ذِكْرِ رَبِّي يعني: عن الصلاة حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ يعني: حتى غربت الشمس؛ لأنه كان يحب الخيل محبةً شديدةً، فانشغل بـها عن الصلاة حتى غربت الشمس، فقال سليمان: مالٌ أشغلني عن الصلاة لا خير فيه، رُدُّوهَا عَلَيَّ ردوا هذه الخيل عليَّ، فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ [ص:31-33]، ذبحها كلها، وأمر بأن يُتصدق بـها على الفقراء، فتركها لله مع محبته الشديدة للخيل.

الخيل لها مكانةٌ عظيمةٌ عنده، لدرجة أنه انشغل بـها حتى غربت الشمس، فلما انشغل بـها قال: شيءٌ أشغلني عن طاعة الله لا خير فيه، فأمر بذبحها كلها، ذكر الله تعالى هذا في معرض الثناء عليه، رُدُّوهَا عَلَيَّ فطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ.

يقول ابن القيم: “إن الله تعالى قد عوَّضه بدلًا عنها -عن هذه الخيل- أن الله سخَّر له الريح تجري بأمره رُخاءً حيث أصاب، تسير حيث أراد.

ولـمَّا ترك المهاجرون ديارهم وأوطانهم عوضهم الله ، وفتح عليهم الدنيا، وملَّكَهم مشارق الأرض ومغاربها، وهذه سنةٌ من سنن الله : أن من ترك لله شيئًا؛ عوَّضه الله خيرًا منه.

وقد يكون التعويض في الآخرة، لا يلزم أن يكون في الدنيا، قد يكون التعويض في الآخرة، لكن هذه أيضًا من سنن الله : أن من ترك لله شيئًا؛ عوَّضه الله خيرًا منه[2].

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أحمد: 23074.
^2 ينظر: روض المحبين لابن القيم: (ص 600)، ط عطاءات العلم.
مواد ذات صلة
zh