الرئيسية/مقاطع/أهمية العدل وفضله
|categories

أهمية العدل وفضله

مشاهدة من الموقع

المرء ينظر بهذه العيون الثلاث: غاشَّتين وصادقةٍ.

أما الغاشتان: فعين المودة التي تريه القبيح حسنًا، وعين الشنآن التي تريه الحسن قبيحًا، وكما قال الشافعي رحمه الله:

وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ ولكن عين السخط تبدي المساويا[1]

وعين العدل هي التي تريه حسنها حسنًا، وقبيحها قبيحًا، وهذا هو المطلوب من المسلم، أن ينظر للأمور بعين العدل وعين الإنصاف، فإنه على العدل قامت السماوات والأرض، والله تعالى يأمر بالعدل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ [النحل:90].

والإسلام دين العدل: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115]، أي: صدقًا في أخباره، وعدلًا في أحكامه.

وبهذا يتبين خطأ قول بعض الناس: الإسلام دين المساواة، ليس الإسلام دين المساواة؛ لأن المساواة بين المختلفات جورٌ، وإنما الإسلام دين العدل، الصواب في العبارة أن يقال: الإسلام دين العدل، أو العدالة، ولا يقال: المساواة؛ فالتسوية بين المختلفات لا تعتبر عدلًا، بل هي جورٌ، والله تعالى يحب من يتحرى العدل والقسط في أموره، وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع قوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة:42]، في ثلاثة مواضع في سورة المائدة، وفي سورة الحجرات، وفي سورة الممتحنة: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة:42].

من هم المقسطون؟

المقسطون: الذين يتحرون العدل في جميع أمورهم، وهؤلاء أيضًا لهم منقبةٌ عظيمةٌ ذكرها النبي ؛ كما جاء في “صحيح مسلمٍ” من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يقول عليه الصلاة والسلام: إن المقسطين عند الله على منابر من نورٍ، عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمينٌ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا [2]، بفتح الواو وضم اللام، وما وَلُوا أي: فيمن كانت له ولايةٌ فيعدل فيها، فالذي يتحرى العدل يكون من المقسطين الذين يحبهم الله، العدل في حكمه، العدل في أهله، العدل إذا كان ولي أي ولايةٍ صغيرةً كانت أو كبيرةً، مدير دائرةٍ، مدير جهةٍ، مسؤولًا عن شيءٍ، هذا نوعٌ من الولاية، فإذا تحرى العدل، وكثر منه العدل؛ فإنه يرجى أن يكون من المقسطين الذين يحبهم الله .

بل العدل مطلوبٌ حتى في الكلام الذي يتكلم به الإنسان؛ كما قال الله تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152].

فعلى المسلم أن يتحرى العدل، العدل في كلامه عن الأشخاص، في كلامه عن المذاهب، في كلامه عن الجماعات، في كلامه عن الطوائف، في كلامه حتى عن الأعداء، حتى عن أعدائه يتحرى العدل، فالذي يتحرى العدل يكون من المقسطين الذين يحبهم الله .

ولما بَعث النبي عليه الصلاة والسلام عبدالله بن رواحة  إلى يهود خيبر؛ لكي يجلب منهم ما اصطلح النبي عليه الصلاة والسلام مع اليهود عليه؛ فإنه قد صالحهم بشطر ما يخرج منها من زرعٍ أو ثمرٍ، وقام عبدالله من رواحة  لما خُرص التمر، قال: والله ما على وجه الأرض أحدٌ أحب إلي من رسول الله ، وما أحد على وجه الأرض أبغض إلي منكم، وما حبي لرسول الله  وبغضي لكم بحاملٍ لي على ألا أعدل فيكم، قالوا: على هذا قامت السماوات والأرض [3].

السماوات والأرض قامت على العدل وعلى القسط، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ [آل عمران:18].

فالله تعالى قائمٌ بالقسط، وجعل خلقه قائمًا بالقسط، وعلى العدل والقسط قامت السماوات والأرض، فينبغي أن يتحرى المسلم العدل، العدل في كل شيءٍ، ويحرص على ذلك، ويجاهد نفسه على تحقيقه، فإنه إذا تحرى ذلك، وكثر منه العدل والقسط؛ كان من المقسطين الذين يحبهم الله .

وبعض الناس إذا رضي عن أحدٍ؛ بالغ في مدحه وفي التغاضي عن هفواته وعيوبه، وإذا سخط على أحدٍ؛ قلب حسناته إلى هفواتٍ، وهذا ليس من العدل، إنما المطلوب: أن يكون الإنسان عادلًا، وأن يراقب الله ​​​​​​​ في ذلك، وأن يكون معتدلًا في أحكامه، عادلًا فيها، حريصًا على القسط فيها؛ حتى يكون من المقسطين الذين يحبهم الله تعالى.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 مقدمة ابن الصلاح: (ص 61)، ط ار الكتب العلمية.
^2 رواه مسلم: 1827.
^3 رواه أحمد: 14953.
مواد ذات صلة