الإنسان عندما يصاب بـمصيبةٍ فله واحدةٌ من أربع حالاتٍ:
- الحالة الأولى: أن يجزع ويتسخط، ويتشكَّى، فهذا محرمٌ، بل من الكبائر؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ليس منِّا من لطم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية [1]، ولعن النائحة، وقال فيها إذا لـم تتب: يُـجاء بـها يوم القيامة وعليها سِربالٌ من قَطِرانٍ، ودِرعٌ من جَرَبٍ [2]، فالتسخُّط بالقول أو الفعل أو بكليهما، ومن ذلك: ضرب الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعر، والاعتراض على قضاء الله وقدره، هذا محرمٌ، بل من الكبائر.
- الحالة الثانية: الصبر، ولو لـم يرضَ، لكن يصبر، بأن يحبس نفسه عن الجزع، ولسانه عن التشكي، وجوارحه عن الأفعال المـحرمة، وهذا حكمه: الوجوب، فيجب على الإنسان إذا وقعت له مصيبةٌ أن يصبر.
- الحالة الثالثة: الرضا، وهي مرتبةٌ أعلى من الصبر، أن تقع له المصيبة، ويرضى بقضاء الله وقدره، يرضى بذلك ليقينه بأن ما عند الله خيرٌ وأبقى، وأن المقام في هذه الدنيا قصيرٌ، وأنـها دار مـمرٍّ وعبورٍ، فيرضى بقضاء الله تعالى وقدره، وهذه المرتبة -مرتبة الرضا- لا يستطيع أن يصل إليها كل أحدٍ، بل لا يستطيع أن يصل إليها أكثر الناس؛ ولهذا كان القول الراجح في حكمها أنـها مستحبةٌ، وليست واجبةً، كما هو اختيار جمعٍ من المـحققين من أهل العلم، فلو صبر الإنسان لكنه لـم يرضَ؛ لـم يكن عليه أثـمٌ، أما إذا صبر ورضي؛ كان أجره عظيمًا، وثوابه جزيلًا.
ولذلك: قال علقمة وغيره في قول الله : وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11]، قال: “هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنـها بقضاء الله وقدره، فيرضى ويسلِّم؛ فيرزقه الله هدايةً في قلبه“، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ.
- المرتبة الرابعة مرتبة الشكر، وهي أعلى من مرتبة الرضا، يعني: تقع له المصيبة، يبدأ يحمد الله ويشكره، فيرضى ويحمد الله ويشكره؛ لأنه سينال على هذه المصيبة درجاتٍ، هدايةً ورحمةً: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:156-157]، فيحمدون الله على قضائه وقدره، فهي مرتبة الحمد والشكر.
إذا قلنا: إن مرتبة الرضا مستحبةٌ؛ فمن باب أولى أن تكون مرتبة الحمد والشكر على المصيبة مستحبةً من باب أولى.
فتلخَّص من هذا: أن حال الإنسان إذا وقعت المصيبة لا يخلو من أربع حالاتٍ:
- الحالة الأولى: التسخُّط بالقول أو بالفعل أو بكليهما، وهذا محرمٌ، بل من الكبائر.
- الحالة الثانية: الصبر، وهذا واجبٌ.
- الحالة الثالثة: الرضا، وهذا مستحبٌّ.
- الحالة الرابعة: الشكر، وهذه المرتبة مستحبةٌ.