logo
الرئيسية/مقاطع/أحكام النيابة في الحج

أحكام النيابة في الحج

مشاهدة من الموقع

قال المصنف رحمه الله [1]:

إن عجز عن السعي لعذرٍ؛ ككِبَـرٍ أو مرضٍ لا يرجى برؤه؛ لزمه أن يقيم نائبًا.

إذا كان مريضًا مرضًا يرجى بُرؤه؛ فإنه لا يقيم من يحج عنه، وإنـما ينتظر حتى يَشفى، لكن إذا كان مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه، أو أنه عجز عن الحج لكِبَـر سنه، وكان قادرًا على الحج بـماله؛ فيلزمه أن يقيم من يحج عنه.

حرًّا، ولو امرأةً.

ويشترط في هذا النائب: أن يكون أولًا حرًّا، لا يكون رقيقًا، ولو امرأةً، يعني: يصح أن تحج المرأة عن الرجل، والرجل عن المرأة.

يَحج ويعتمر عنه.

كما جاء في “الصحيحين”: أن امرأةً خثعميةً أتت النبي ، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يجزئ أن أحج عنه؟ قال: نعم [2]؛ فدل هذا على أن من كان مستطيعًا للحج بـماله دون بدنه؛ يلزمه أن ينيب من يحج عنه؛ لأن هذه المرأة قالت: “إن فريضة الله أدركت أبي”، فقولها: فريضة الله أدركت أبي”، يدل على أن من كان قادرًا بـماله دون بدنه؛ يجب عليه أن يُنيب من يحج عنه؛ إذ لو كان الحج لا يجب على أبيها؛ لقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن أباك لا يجب عليه الحج، لكنه أقرَّها على هذا الفهم، وأن فريضة الله أدركت أباها، فوجب عليه الحج.

هنا المؤلف قيَّد أن يكون النائب من بلده فقال:

من بلده.

أي: من المكان الذي وجب على المستنيب أن يحج عنه، مثلًا: لو كان المستنيب في الرياض، فعلى كلام المؤلف يجب أن يكون النائب من الرياض، فلو أن النائب حج من جدة أو من مكة؛ لـم يصح، قالوا: لأن المنيب لو أراد أن يحج لنفسه؛ لحج من مكانه؛ فكذا نائبه.

وقال بعض أهل العلم: إنه لا يلزم النائب أن يحج من مكان المنيب، وإنـما له أن يحج من أي مكانٍ؛ لأن السعي لمكة ليس مقصودًا لذاته، وإنـما هو مقصود لغيره، وهذا هو القول الراجح، أنه لا يلزم أن يكون النائب من بلد المنيب؛ ولهذا لو أن هذا المنيب كان ذهب لمكة لأي غرضٍ من الأغراض، ثم بدا له أن يحج؛ فإنه يحج عند جميع العلماء من مكة، ولا يلزمه أن يرجع لبلده فيحج منه، فكذلك أيضًا النائب عنه، والقول بأنه يلزم النائب أن يحج من بلد المنيب هذا قولٌ ضعيفٌ.

قال:

ويجزئه ذلك ما لـم يَزُل العذر قبل إحرام نائبه.

يعني: تجزئه هذه النيابة، إلا إذا زال العذر قبل أن يحرم نائبه؛ لقدرته على المبدَل قبل الشروع في البدل، يعني: لو كان مثلًا مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه، وأناب من يحج عنه، ثم إن الله تعالى قدَّر في يوم التروية -في اليوم الثامن من ذي الحجة- أن الله تعالى شفاه، شفى هذا المريض، فيلزم هذا المريض أن يحج بنفسه، ولا يجزئ أن ينيب من يحج عنه.

وقوله: “قبل إحرام نائبه”، يفهم منه أنه لو زال العذر بعد إحرام نائبه؛ أجزأه الحج عنه، يعني: هذا مريضٌ مرضًا لا يرجى برؤه، وعنده قدرةٌ ماليةٌ، فقلنا: يجب عليك أن تنيب من يحج عنك، فأناب من يحج عنه، وحج عنه، ثم بعد أشهرٍ مثلًا أو بعد سنةٍ أو بعد سنتين شفاه الله تعالى، هل يلزم هذا المنيب أن يحج؟ نقول: لا، ذمتك قد برئت لكونك لـمَّا أنبت من يحج عنك؛ أنبته وأنت عاجزٌ عن الحج، فذمَّته قد برئت؛ لأنك قد اتقيت الله تعالى ما استطعت.

قال:

فلو مات قبل أن يستنيب؛ وجب أن يُدفع من تركته لمن يحج ويعتمر عنه.

يعني: لو أن القادر على الحج بـماله دون بدنه لـم يُنِب من يحج عنه حتى مات، فإنه يُـحَجَّج عنه ويُعتَمر عنه من تركته؛ لأن الحج والعمرة يعتبران دَينًا لله ​​​​​​​ على الإنسان، فيدخل ذلك في قول الله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11]، فالدَّين: إما أن يكون دَينًا لله، أو يكون دَينًا للآدميين، فالحج والعمرة يعتبران دينًا لله ​​​​​​​، فهما مقدمان على الميراث، ومقدمان على قسمة التركة.

لكن إن لـم يجد العاجز عن الحج مالًا لكي يحج به حتى مات؛ فإنه يسقط عنه وجوب الحج، ولا يجب أن يُـحجَّج عنه من تركته، هذا رجلٌ فقيرٌ لـم يستطع أن يحج، واستمر فقره معه إلى أن مات، فالحج غير واجبٍ عليه، ولا يلزم ورثته أن يُـحجِّجوا عنه.

قال:

ولا يصح مـمن لـم يحجَّ عن نفسه حجٌّ عن غيره.

أي أنه يشترط لمن أراد أن يحج عن غيره: أن يكون قد حج عن نفسه، وفي ذلك الحديث المشهور: حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي سـمع رجلًا يقول: لبيك عن شُبْرُمة، قال: من شبرمة؟، قال: أخٌ أو قريبٌ لي، قال: حججت عن نفسك؟، قال: لا، قال: حُجَّ عن نفسك، ثم حج عن شبرمة [3]، هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن خزيـمة، واختُلف في رفعه ووقفه، والصواب أنه موقوفٌ، ولا يصح مرفوعًا عن النبي  ولهذا الإمام أحمد قال: “رفعه خطأٌ”، قال ابن المنذر: “لا يثبت رفعه” [4]، لكن هذا الحديث العمل عليه عند أهل العلم، يعني: معناه صحيحٌ.

فليس للإنسان أن يحج عن غيره وهو لـم يحج عن نفسه؛ لأن الحج واجبٌ على الفور، ولو حج عن غيره وهو لـم يحج عن نفسه؛ انقلب حجه عن غيره حجًّا عن نفسه.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 دليل الطالب لمرعي الكرمي: (ص 101).
^2 رواه البخاري: 1854، ومسلم: 1335.
^3 رواه أبو داود: 1811، وابن ماجه: 2903، وابن خزيمة: 3039.
^4 التلخيص الحبير لابن حجر: (2/ 489)، ط دار الكتب العلمية.
zh