logo
الرئيسية/مقاطع/قواعد مهمة في التعامل مع الناس

قواعد مهمة في التعامل مع الناس

مشاهدة من الموقع

هذه من قواعد العلاقات بين البشر: 

أن الإنسان لا بد أن يُعوِّد نفسه على الصبر، وعلى التغاضي عن الهفوات؛ وذلك لأن البشر يبقون بشرًا، ويغلب عليهم ما يغلب على البشر من الهفوات ومن الأخطاء، فإذا أردت صاحبًا خاليًا من الأخطاء؛ لا يـمكن أن تجد؛ ولذلك قيل: إن أردت صاحبًا من غير عيبٍ؛ فعِش واحدًا من غير صاحبٍ، لا يـمكن؛ لأن طبيعة البشر هكذا، لا بد أن تقع منهم أخطاءٌ وهفواتٌ؛ ولهذا قيل للإمام أحمد: إن فلانًا يقول: العافية عشرة أجزاءٍ، تسعةٌ منها في التغافل، قال: “أخطأ، بل العافية عشرة أجزاءٍ كلها في التغافل”.

التغافل: من الأخلاق العظيمة، من الأخلاق الحميدة، التغافل وليس الغفلة؛ ولذلك يقولون: من عجائب الأخلاق أن الغفلة مذمومةٌ، وأن استعمالها محمودٌ، فالغفلة هي موضع ذمٍّ في الإنسان، لكن الإنسان الذي يكون متيقظًا، ويَظهر وكأنه غافلٌ لكنه متغافلٌ، هذا محمودٌ؛ وذلك لأن الإنسان إذا تغافل ولـم يغفل؛ يستطيع أن يتعايش مع الناس، ويستطيع أن يكون له أصحابٌ، لكن إذا كان غافلًا، فهذا موضع ذمٍّ، وذمٍّ شديدٍ، وإذا كان أيضًا يدقق على كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، فهذا لن يجد له صاحبًا:

إذا أنت لـم تشرب مرارًا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه[1]

فالمطلوب إذنْ ليس التدقيق والمـحاسبة على كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، وليس أيضًا الغفلة، وإنما التغافل: بأن يكون الإنسان يقظًا، لكنه يستعمل خلق التغافل، مثال ذلك: كلمةٌ غير مناسبةٍ قيلت لك في مجلسٍ، فأنت بين أن تدقق في هذه الكلمة وتحاسب عليها، وتُقِيم الدنيا ولا تقعدها، أو أنك تتغافل، وكأنك لـم تسمعها، فكونك تتغافل ولا تسمعها، فهذا هو الأمر المـحمود.

ولذلك: التغافل يعتبر من الأخلاق الحسنة، ومن الأخلاق الكريـمة، أن الإنسان يتغافل عن الهفوات، ويتغافل عن العيوب، وأصل هذا في القرآن، في قول الله سبحانه: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، ومعنى خُذِ الْعَفْوَ: يعني خذ ما عفا وصفا لك من أخلاق الناس، ولا تكلفهم ما لا يطيقون، وهذا التعامل بـهذه الطريقة -أن الإنسان يأخذ ما عفا وصفا له من أخلاق الناس- هذا يجعل الإنسان يعيش كريـمًا، ويعيش حسن التعامل مع الجميع؛ مع والديه، ومع أولاده، ومع زوجته، ومع جيرانه، ومع زملائه، فيأخذ ما صفا له من أخلاق الناس، هذا الإنسان فيه هذا العيب، تقبَّلْه كما خلقه الله، لا تقل: مفترضٌ أنك تفعل كذا، وأنك تكون كذا، لا تضع معايير صارمةً لتعامل الناس معك، إنما اقبلهم على ما هم عليه، مثلًا: والدك شديد الغضب، اقبله على ما هو عليه، تعامل معه، تعايش معه، لكن لا تقل: لماذا والدي شديد الغضب؟ إذنْ لماذا كذا؟ تقع في العقوق بهذا، وهكذا في التعامل مع الزوجة، ومع الأبناء، ومع الزملاء، كما لو كان مثلًا: إنسانٌ عنده إصبعٌ زائدٌ مثلًا، فيه عيبٌ خَلْقيٌّ، أيضًا لو كان فيه عيبٌ خُلُقيٌّ؛ تعامل معه كما تتعامل معه لو كان فيه عيبٌ خَلْقيٌّ.

فهذه قاعدةٌ عظيمةٌ في الأخلاق، وهذه قواعد في الأخلاق مهمةٌ للمسلم، خاصةً لطالب العلم؛ لأن بعض الناس يجهلها فيقع في حماقاتٍ، ويقع في مشاكل كثيرةٍ، وربما تعيقه عن طلب العلم؛ لأنك لا بد أن تجد في المجتمع طبقةً غير محترمةٍ، لا بد، وقد تبتلى بأن هذه الطبقة غير المـحترمة أنهم أقارب لك، قد يكون من والديك، قد يكون من أولادك، قد يكون من إخوانك، قد يكون زوجةً، فكيف تتعامل معهم؟! لا بد أن تستعمل هذه القواعد.

هذه القواعد في الأخلاق تعين الإنسان وتساعده على كيفية التعامل مع من عنده عيبٌ، أو حتى مع الطبقات غير المـحترمة، كذلك أيضًا البيئة في العمل، لكن ليس معنى هذا أن الإنسان يتنازل عن أمور دينه، لكن المعنى العيوب التي تكون في أمور التعامل فقط، يعني: بعض الناس يعيش ساخطًا متسخطًا، (يتشرَّى) على كل أحدٍ، وليس راضيًا عن أحدٍ، ويرى أن الناس فسدوا، وأن الحياة ليست كما كانت، ويبقى يعيش في هذه الدوامة، فهذا خطأٌ، ينبغي أن تتعايش مع واقعك، وأن تتغاضى عن الهفوات، وأن تحسن التعامل مع الآخرين، وأن تتقبلهم كما خلقهم الله ​​​​​​​، لكن ليس معنى هذا أن الإنسان يتنازل عن أمور دينه، يحافظ عليها، لكن كلامنا فيما يتعلق بأمور التعامل فقط.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 ديوان المعاني لأبي هلال العسكري: (2/ 196)، ط دار الجيل.
مواد ذات صلة
zh