|categories

(11) مسائل في الحج

مشاهدة من الموقع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا وسهلًا بكم مشاهدينا الكرام، مشاهدي شبكة قنوات المجد الفضائية في حلقة جديدة من برنامجكم “مسائل في الحج”، والذي نسعد فيه باستضافة صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

صاحب الفضيلة أهلًا وسهلًا بك.

الشيخ: أهلًا وحياكم الله، وبارك فيكم، ومرحبًا بالإخوة المشاهدين.

المقدم: رفع الله مقامك شيخنا، ونشكرك على ما تنثر بين أيدينا من دُرر.

الشيخ: بارك الله فيكم.

المقدم: اليوم الثاني عشر من أيام الحج، الأعمال التي فيه.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فتكلمنا في الحلقة السابقة عن أعمال اليوم الحادي عشر، وبعد ذلك يبيت بمنى ليلة الثاني عشر، والمبيت بمنى ليلة الثاني عشر واجب، المبيت بمنى عمومًا هو واجب من واجبات الحج، والمقدار الواجب هو أن يبيت بمنى أكثر من نصف الليل.

وسبق أن بينا طريقة معرفة نصف الليل، ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر يقسمه على اثنين، يخرج له منتصف الليل، والأفضل أن يبقى بمنى ليلًا ونهارًا، كما فعل النبي .

لكن الحد الأدنى، والمقدار الواجب أن يبيت بمنى أكثر من نصف الليل، أقول هذا؛ لأن بعض الناس ربما يكون مثلًا في شقة، أو يعني يسكن في مكة، أو في فندق، أو في غير ذلك، ويريد أن يأتي إلى منى في الليل، فنقول: القدر الواجب أن تمكث في منى أكثر من نصف الليل.

المقدم: لا يشترط أوله، يعني لو أتى قبل منتصف الليل إلى الفجر أجزأه؟

الشيخ: نعم، لا يشترط أوله، فمثلًا لو أتى من غروب الشمس إلى منتصف الليل أجزأ، أو أتى من منتصف الليل إلى طلوع الفجر أجزأه، وسبق أن قلنا: إن هذا المصطلح المبيت بمنى من كلام الفقهاء، وإلا لو لم يبت، ومكث في منى حصل المقصود، المقصود بالمبيت في منى يعني المكث.

المقدم: لا يشترط أن ينام.

الشيخ: لا يشترط أن ينام، والوقوف بعرفة لا يشترط أن يكون واقفًا، لكن هذه تعبيرات من الفقهاء للتوضيح، بعد ذلك يصلي بمنى الصلوات الخمس، مع قصر الصلاة الرباعية ركعتين.

المقدم: والجمع.

الشيخ: من غير جمع، الأفضل أن يقصر من غير جمع، لكن لو جمع فلا بأس، بعض الحجاج مثلًا في مخيماتهم يكون الماء عندهم قليلًا مثلًا، أو العدد كبير.

المقدم: أو يريد أن ينام.

الشيخ: نعم، فيرون أن الحاجة قائمة للجمع، فيجمعون بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، لا بأس.

المقدم: نعم، هل القاعدة صحيحة يا شيخنا: إذا جاز القصر؛ جاز الجمع، لكن لا يعني جواز الجمع أن يجوز القصر؟

الشيخ: نعم، هذه قاعدة صحيحة مطردة، إذا جاز القصر جاز الجمع؛ لأنه حينئذٍ مسافر، لكن لا يلزم من جواز الجمع جواز القصر، فالمريض مثلًا يجوز له الجمع عند وجود الحرج بتركه، لكن من غير قصر.

اليوم الثاني عشر هو يوم النفر الأول، يسميه الفقهاء يوم النفر الأول، ويريدون بذلك أنه يجوز للمتعجل النفر في هذا اليوم؛ لقول الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203].

والأيام المعدودات هي أيام التشريق، لا يدخل فيها يوم العيد وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] هي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، وبعض الناس يفهم الآية خطأ.

ولذلك يأتي بعض الناس في اليوم الحادي عشر، ويسأل هل يجوز لي أن أتعجل؟ فنقول: لا، فإن قلنا: لا، قال: إن الله يقول: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] وهو قد أخطأ في فهم الآية فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ [البقرة:203] يعني اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، وليس اليوم العاشر، فيوم العيد لا يدخل في الأيام المعدودات، لا يدخل في الأيام المعدودات المذكورة في الآية.

فالحاج إذا أراد أن يتعجل، فيتعجل في اليوم الثاني عشر، وبعدما يرمي الجمرات يرمي الجمرات الثلاث مبتدئًا بالصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى، ويفعل كما فعل في اليوم الحادي عشر، أي: أنه يأتي للجمرة الصغرى ويرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر الله مع كل حصاة.

ثم السُّنة أن يأخذ ذات اليمين، ويستقبل القبلة، ويدعو طويلًا، ثم يرمي الجمرة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات، يكبر الله مع كل حصاة، ثم يأخذ ذات الشمال، ويدعو طويلًا مستقبلًا القبلة، ثم يذهب للجمرة الكبرى جمرة العقبة، ويرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر الله مع كل حصاة، ولا يقف عندها، ولا يدعو.

فإذا أراد أن يتعجل فلا بد أن يخرج من منى قبل غروب الشمس، فإن غربت عليه الشمس، وهو في منى، لزمه التأخر، وجمرة العقبة هي حد منى، مما يلي مكة، فإذا كان متعجلًا، ورمى جمرة العقبة يخرج من منى قبل غروب الشمس.

المقدم: مقدار الخروج من منى، البعض يقول: إنه إذا رميت وأراد أن يتعجل، ما هي إلا بضع أمتار تتعداها من منى، ويكون قد تعجل.

الشيخ: نعم، بمقدار مفارقة حد منى، قلنا هو الجمرة، إذا تعدى جمرة العقبة ولو بمتر واحد، يكون خرج من منى.

المقدم: يعني: ما هي إلا أمتار، أو أقل.

الشيخ: نعم، حتى لو شبر، ما دام أنه تعدى حدود منى، يعتبر خرج من منى.

المقدم: لكن يشترط أن يكون نوى التعجل.

الشيخ: نوى التعجل، نعم.

المقدم: لو لم ينوه، حتى لو خرج من منى، لا يعتبر متعجلًا، لو غربت عليه الشمس؟

الشيخ: نعم، لا بد أن ينوي التعجل، بعد ذلك يجعل آخر أعماله الطواف بالبيت، وهو طواف الوداع، يطوف طواف الوداع، فلو أنه أراد البقاء في مكة، يعني نوى التعجل، وأراد أن يبقى في مكة يومًا، أو يومين أو ثلاثة، أو أكثر أو أقل، لا بأس، ثم يجعل طواف الوداع آخر أعمال الحج.

المقدم: لكن لا يطوف الوداع، وهو ناوي البقاء في مكة؟

الشيخ: نعم، لا يطوف الوداع، وهو باقي في مكة، لو فعل ذلك لزمه أن يعيد طواف الوداع، يجعل طواف الوداع آخر أعمال النسك، لكن يجوز له أن يتعجل، ويخرج من منى، ويبقى في مكة، لا حرج عليه، إن كان قد أخر طواف الإفاضة يجعله مع طواف الوداع، وينويه طواف إفاضة، ويكفي عن طواف الوداع، وإن نواه طواف إفاضة ووداع أيضًا أجزأ.

المقدم: نعم، شيخنا مع التعجل لمن اتقى، وكذلك من أراد ألا يتعجل، هل هناك أفضلية؛ لأن اليوم الثالث عشر سيزيد أعمالًا، أم أنه هو على الأصل؟

الشيخ: التأخر أفضل من التعجل، أولًا: لأنه هو فعل النبي ، فإنه عليه الصلاة والسلام قد تأخر إلى اليوم الثالث عشر، ولم يتعجل، ثانيًا: أنه بالتأخر يزيد أعمالًا، فيزيد البيتوتة بمنى ليلة الثالث عشر، ورمي الجمار في اليوم الثالث عشر، وما يتبع ذلك من أعمال، فهو يزيد أعمالًا صالحة على المتعجل.

ولكن العبرة بتقوى الله ، لو أنه اتقى الله تعالى في حجه، وتعجل كان حجه مبرورًا؛ ولذلك نتأمل الآية، الله تعالى يقول: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203]، ما معنى: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ؟ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ليس المعنى فلا حرج عليه، لو كان المعنى فلا حرج عليه، لم يكن مناسبًا أن يقول: من تأخر فلا حرج عليه؛ لأن التأخر هو الأفضل، إنما يقال للمتعجل: لا حرج عليك أن تتعجل، أما المتأخر ما يقال له: لا حرج عليك أن تتأخر، هو قد أتى بالأفضل.

ولهذا قال المفسرون: إن المقصود بالآية فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] أنه يرجع من الحج، وقد حطت عنه جميع الآثام، سواء تعجل أو تأخر إذا اتقى الله تعالى في حجه.

المقدم: إذن هذا من الآيات المفهومة خطأ.

الشيخ: نعم، فنعيد الآن قراءة الآية بعد ما وضحنا مفهومها وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] يعني: إذا حج واتقى الله في حجه، وتعجل في يومين، يرجع من ذنوبه، وقد حطت عنه جميع الآثام.

وأيضًا وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] لو تأخر في حجه، وقد اتقى الله في حجه، فإنه يرجع من ذنوبه، وقد حطت عنه جميع الآثام فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203]؛ لكن من تعجل، ومن تأخر يشترط لمغفرة الذنوب، وحط الآثام عنه تقوى الله  لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203] يعني: من اتقى الله في حجه، ووضح النبي المراد بهذا التقوى بقوله: من حج، فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه [1]، متفق عليه.

المقدم: ما معنى: لم يفسق هنا؟

الشيخ: لم يرفث: الرفث هو الجماع، وما يتعلق به، والفسوق: المعاصي، يعني لم يقع منه في حجه معصية، لا معصية قولية، ولا معصية فعلية، حفظ لسانه، لم يغتب أحدًا، لم يتكلم كلامًا محرمًا، حفظ بصره، حفظ جوارحه، اتقى الله، أتى بالحج على الوجه الأكمل، أو على القدر الذي يستطيع، هذا يرجع من ذنوبه، وقد حطت عنه جميع الآثام.

لكن الآية أيضًا تفيد أنه لا بأس بالتعجل، ولا بأس بالتأخر، فانظر سبحان الله إلى عظمة القرآن، كيف أن هذه الآية حوت جميع هذه المعاني.

المقدم: يعني: ما في أحد من المفسرين، قال: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] معناه: فلا حرج؟

الشيخ: هذا ذكره ابن جرير الطبري، وقال: إن المعنى لا يستقيم؛ لأن المتأخر أتى بالأفضل، كيف يقال: لا حرج عليه، وهو قد أتى بالأفضل، لو أنه قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] وسكت عن المتأخر، لكان تفسيرها بـــ فلا حرج عليه وجيهًا، لكن كونه قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203]، فدل على أن المقصود معنى آخر، وهو أيضًا يتضمن معنى نفي الحرج، وأنه يجوز التعجل، ويجوز التأخر.

المقدم: يعني: سواء تعجلتم أو تأخرتم، ما دام حققتم التقوى، فقد نلتم ما جئتم تصبون إليه من حط الآثام.

الشيخ: من حط الآثام، نعم، ثم انظر كيف أن الله تعالى ختم الآية بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [البقرة:203]، ختم آيات الحج في سورة البقرة بالإشارة للحشر؛ لماذا؟ ما علاقة الحشر بالحج؟

المقدم: المشابهة.

الشيخ: نعم، علاقة الحشر بالحج، أنه ينبغي لك أخي الحاج عندما ترى هذه الجموع الغفيرة، وتراها في مواطن الزحام، كل واحد مشغول بنفسه، أن تتذكر يوم الحشر، ويوم العرض الأكبر على الله تعالى، يوم يحشر الناس حفاة عراة غرلًا، يعني: غير مختونين، بُهمًا يعني: ليس معهم شيء، وكلٌّ يقول: نفسي نفسي، يرى الإنسان أمه وأباه وأخته وأخاه، ليس فقط يعرض عنهم، بل يفر منهم، يفر منهم؛ لماذا؟ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37]، كلٌّ يقول: نفسي نفسي، فالإنسان إذا رأى هذه الجموع الغفيرة من الحجيج تذكر يوم الحشر، ويوم القيامة، ويوم العرض الأكبر على الله .

المقدم: نعم، ذكرتم شيخنا أن المبيت بمنى واجب يسقط بالعذر وعدم القدرة، ما هو ضابط عدم القدرة؟ يعني بعض الناس قد يملك مالًا، يعني بإمكانه ربما أن يأتي في حملة، لكن يقول: الحملات غالية، فخلاص يقول: أنا الآن ما عندي حملة، فيسقط عني المبيت؟

الشيخ: من لم يستطع أن يبيت بمنى، يبيت في أقرب مكان يلي منى من جهة مزدلفة.

المقدم: يعني: العزيزية.

الشيخ: أو من جهة العزيزية، لا بد أن يبيت في أقرب مكان مما يلي منى؛ لأنه بهذا يكون قد اتقى الله تعالى ما استطاع.

المقدم: البعض يرجع إلى جدة ويجيء.

الشيخ: هذا لا بد أن يبيت في أقرب مكان إلى منى، أما أنه يقول: إنني لم أجد مكانًا في منى، ويذهب لفندق خمسة نجوم، ويبيت فيه، هذا لا يتوافق مع مقاصد الشريعة من الحج.

بقيت قضية المشتغلين بمنفعة الحجيج.

المقدم: السقاية.

الشيخ: نعم، هؤلاء يرخص لهم في ترك المبيت، من اشتغل بالمصلحة العامة للحجيج، فهؤلاء قد دلت السنة على أنهم يسقط عنهم المبيت، والعباس بن عبد المطلب كان منشغلًا بالسقاية، سقاية الحجيج من زمزم، ورخص له النبي في ترك المبيت ليالي منى، واستنبط العلماء من هذا أن من كان مشتغلًا بخدمة الحجيج فإنه يسقط عنه المبيت بمنى.

ولو أردنا أن نضرب أمثلة من واقعنا المعاصر مثلًا: رجال الشرطة، ورجال الدفاع المدني، ورجال المرور، والأطباء، وحتى الجزارين أيضًا، الجزارين أيضًا يسألون، فما دام أنهم مشتغلون بمصلحة الحجيج يسقط عنهم وجوب المبيت.

المقدم: هل يسقط عنهم؛ لأنهم منشغلون بخدمة الحجيج ولو نهارًا، أم أن يسقط المبيت إذا كانوا منشغلين ليلًا بتلك الخدمة؟

الشيخ: المقصود إذا كانوا منشغلين ليلًا بتلك الخدمة.

المقدم: أما إذا كانت أعمالهم تنتهي بالنهار فيأتي للمبيت.

الشيخ: نعم.

المقدم: بعضهم يأتي على الأرصفة، ويأتي في منى، فهذا ربما قد يسبب زحامًا ومشقة، سواء لسيارات الإسعاف أو الشرطة، ويقول: أنا أريد أن أحقق المبيت، ويأتي ربما بزوجته، فيعرضها للعورات، أو بأبنائه.

الشيخ: لا يجب عليه ذلك، لا يجب عليه أن يأتي، ويبيت في الأرصفة، الأرصفة ليست بمحل للمبيت، ولا بمحل للسكنى، وإنما يذهب إلى أقرب مكان يلي منى في مكان لائق ومناسب له.

المقدم: هنا الحج ركزت كثيرًا شيخنا في الحديث عن التقوى وتزكية النفس، بعض المظاهر التي ربما قد تحدث في منى من رمي بعض القاذورات أو الأوساخ، رسالة في ذلك.

الشيخ: أقول: ينبغي أن يستفيد الحاج من مدرسة الحج، وأن يحرص على أن يزكي نفسه، يزكي نفسه أولًا بالتقوى لله ، وكذلك أيضًا اكتساب الأخلاق الفاضلة، وأيضًا بمراعاة إخوانه المؤمنين، يراعيهم أولًا في مواطن الزحام، ويرحمهم، ويرفق بهم.

كذلك أيضًا يراعيهم في عدم تقذير المكان الذي يجلس فيه، وإذا جلس في مكان يقوم منه وهو نظيف؛ لأنه إذا قذر هذا المكان فقد آذى إخوانه المؤمنين، الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58]، ينبغي أن يكون يعني المبدأ الذي يسير عليه المسلمون: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه [2]، تعامل مع إخوانك المسلمين بهذا المبدأ، أحب لهم ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك.

المقدم: هنا تأتي بعض المسائل ربما بعمومها، بما أنه ذكرنا يوم النحر، هل على الحاج أضحية؟

الشيخ: الحاج هو كغيره، كغير الحاج، تستحب في حقه الأضحية، وكونه قد أهدى إذا كان متمتعًا أو قارنًا، لا يمنع من أن يذبح أضحيته؛ لأن الهدي شيء، والأضحية شيء آخر، الهدي شعيرة، والأضحية شعيرة.

وإذا أراد الإنسان أن يجمع بينهما لا شك أن هذا هو الأفضل والأكمل، فيذبح الهدي هدي التمتع أو القران، ويذبح الأضحية، أو يوكل من يذبحها عنه في بلده، فإذن الحج لا يمنع من الأضحية.

المقدم: مسألة أخرى شيخنا في تغيير الأنساك، يعني البعض قد يأتي متمتعًا، ثم يريد أن يكون قارنًا، أو مفردًا أو العكس، متى يشرع أو يجوز تغيير النسك؟

الشيخ: إذا أراد أن ينتقل من مفضول إلى الأفضل فلا بأس، مثاله: أحرم مفردًا، ثم قيل له: إن الأفضل هو التمتع، فأراد أن يقلب نيته من مفرد إلى متمتع، فلا بأس بذلك، أو أحرم قارنًا، وقيل له: إن التمتع أفضل، أراد أن يقلبه إلى تمتع فهذا هو الأفضل.

لكن لو أنه أحرم متمتعًا، وأراد أن يقلبه إلى إفراد، فليس له ذلك، والنبي كان قارنًا، قال الإمام أحمد: لا أشك أن النبي كان قارنًا؛ لأنه قد ساق الهدي، وأمر من ساق الهدي من الصحابة بأن يكونوا قارنين، وأما بقية الصحابة الذين لم يسوقوا الهدي، فأمرهم النبي بالتمتع، وكان ذلك على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: أنه عند الميقات، عند ذي الحليفة أرشدهم مجرد إرشاد، فلما قربوا من مكة، هذه هي المرحلة الثانية أكد عليهم ذلك، فلما وصلوا إلى الحرم، وطافوا وسعوا ألزمهم بهذا عليه الصلاة والسلام.

فبعض الصحابة، قالوا: يا رسول الله، وأنت، يعني أنت لست متمتعًا، فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة [3]، يعني: لكنت متمتعًا، وكان عند بعض الصحابة اعتقاد كان موجودًا لدى أهل الجاهلية، وهي أنه لا تجوز العمرة في أشهر الحج، ويرون أن العمرة في أشهر الحج أنها من أفجر الفجور.

فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يبطل هذا المعتقد الجاهلي، فأمرهم بالعمرة، فقالوا: يا رسول الله، كيف نعتمر ثم نتحلل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: افعلوا ما آمركم به [4]، فأمرهم أمر إيجاب، ولهذا فالقول الصحيح: أن التمتع في حق الصحابة واجب، وفي حق غيرهم مستحب ليس واجبًا، وهذا اختيار أبي العباس ابن تيمية، وجمع من المحققين من أهل العلم.

ولهذا فما ورد من الأحاديث في حق الصحابة إنما هو خاص بهم؛ ولهذا قال أبو ذر وغيره: كانت خاصة لنا، يعني كانت خاصة بالصحابة.

المقدم: بأمر النبي .

الشيخ: لأن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يبطل هذا المعتقد الجاهلي الموجود لدى بعض الصحابة، وهو أنهم كانوا يعتقدون أن العمرة في أشهر الحج أنها من أفجر الفجور.

المقدم: نعم، رفع الله مقامك شيخنا، وأشكرك في ختام هذا اللقاء.

الشيخ: بارك الله فيكم، وشكرًا لكم، وللإخوة المشاهدين.

المقدم: الله يبارك فيك، والشكر كذلك موصول لكم أنتم مشاهدينا الكرام، كان معنا صاحب الفضيلة شيخي وأستاذي الدكتور سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، أطيب المنى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1521، ومسلم: 1350.
^2 رواه البخاري: 13، ومسلم: 45.
^3 بنحوه رواه البخاري: 1651، ومسلم: 1211.
^4 رواه مسلم: 1216.