السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأهلًا وسهلًا بكم مشاهدينا الكرام، مشاهدي شبكة قنوات المجد الفضائية في حلقة جديدة من برنامجكم “مسائل في الحج”، مع صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
صاحب الفضيلة أهلًا وسهلًا بك.
الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المشاهدين.
المقدم: الله يبارك فيك شيخنا كان حديثنا في حلقة سبقت عن أعمال يوم العاشر يوم النحر، الآن اليوم الحادي عشر.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأولًا قبل أن ننتقل لليوم الحادي عشر، اليوم العاشر هو يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر، وعند بعض أهل العلم أنه أفضل من يوم عرفة، قد جاء عند سنن أبي داود: أفضل الأيام عند الله يوم النحر [1].
وابن القيم رحمه الله في زاد المعاد قال: إن يوم النحر أفضل أيام السنة، وقال: إنه أفضل حتى من يوم عرفة؛ لأن معظم أعمال الحج تكون في يوم النحر، وأيضًا الأضاحي تكون في يوم النحر.
وذكرنا في الحلقات السابقة الأعمال الخمسة ليوم النحر، وهي: رمي جمرة العقبة، ثم الذبح أو النحر، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة، ثم السعي، والسنة ترتيبها على هذا النحو، فإن قدم شيئًا، قدم بعضها على بعض فلا حرج؛ لأن النبي ما سُئل عن شيء قُدّم ولا أُخّر، إلا قال: افعل ولا حرج [2].
بعد ذلك السُّنة أن يبيت الحاج بمنى ليلة الحادي عشر، والقدر الواجب أن يبيت أكثر من نصف الليل، وإذا أردنا أن نحسب نصف الليل، فنحسب المدة الزمنية ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ونقسمها على اثنين، فيخرج لنا منتصف الليل.
المقدم: يعني: مثل هذه المسألة حتى في معرفة ثلث الليل الأخير.
الشيخ: حتى كذلك في معرفة ثلث الليل الأخير، نعم.
المقدم: من المغرب إلى طلوع الفجر، ويقسم على ثلاثة.
الشيخ: ويقسم على ثلاثة، نعم، الواجب هو أن يبيت أكثر من نصف الليل، وهنا أنبه الإخوة الحجاج الذين يريدون أن يذهبوا إلى مكة، بعضهم يذهب مثلًا من العصر، أو بعضهم من بعد المغرب، ولا يرجع إلا متأخرًا ربما بسبب الزحام، فيذهب عليه أكثر الليل، وهو خارج منها، فيكون قد أخل بهذا الواجب، وهو واجب من واجبات الحج، لكن لا يترتب عليه الدم إلا إذا أخل بالليالي كلها.
أما إذا أخل بليلة واحدة، لا يجب عليه دم.
المقدم: ولو كانت كل الليالي يأتي بعض الساعات فقط، يعني هي ثلاث، يأتي هنا ساعتين، هنا مثلًا في الليلة الثانية ثلاث، وبعضها أربع يجزئ هذا؟
الشيخ: لا يجزئ، لا بد أن يبيت بمنى أكثر من نصف الليل، إذن تلك الليلة، قلنا: إنه يبيت بمنى، وهو بمنى يصلي الصلاة الرباعية قصرًا، يقصرها ركعتين، فيصلي الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب لا تقصر ثلاث ركعات، والعشاء ركعتين، ويصلي الفجر أيضًا كما هو معلوم ركعتين، فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر ابتدأ وقت الرمي لليوم الحادي عشر، ووقت الرمي لليوم الحادي عشر، يبتدئ من زوال الشمس، وزوال الشمس هو بداية وقت الظهر، يعني وقت أذان الظهر.
والسنة أنه بعد زوال الشمس يرمي الجمرات الثلاث، السنة أن يذهب للجمرات ماشيًا إن تيسر، النبي ذهب لجمرة العقبة يوم العيد راكبًا، وأما للجمرات الثلاث في أيام التشريق كان يذهب إليها ماشيًا، ولعل الحكمة أن جمرة العقبة أتاها من مزدلفة كان على بعيره.
المقدم: مسافة يعني.
الشيخ: فكان في مسافة طويلة، لكن أيام التشريق كان عليه الصلاة والسلام مقيمًا في منى، مقيمًا في مكان مسجد الخيف الآن، والجمرات قريبة، كان يذهب إليها ماشيًا عليه الصلاة والسلام، يذهب للجمرات مبتدئًا بالجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى.
فعلى الحاج أن يتأكد، فلو أنه بدأ بالكبرى، ثم الوسطى، ثم الصغرى، لم يجزئه إلا الصغرى فقط، ويلزمه أن يعيد الوسطى والكبرى، وهي قد وضعت عليها لوحات بعدة لغات.
المقدم: نعم، واضحة يعني.
الشيخ: إي نعم، يأتي للجمرة الصغرى ويرميها بسبع حصيات متعاقبات، ويكبر الله مع كل حصاة، والأفضل أن يجعل منى عن يمينه، ومكة عن يساره؛ لحديث ابن مسعود أنه أتى الجمرات، وجعل منى عن يمينه، ومكة عن يساره، وقال: هكذا رمى الذي أُنزلت عليه سورة البقرة [3].
الواجب كما ذكرنا في حلقات سابقة هو أن تقع الحصاة في الحوض، ولا يلزم أن تصيب الشاخص، بل إذا ضرب الشاخص، وارتدت، ولم تقع في الحوض، لم تجزئ، يكبر مع كل حصاة، يقول: الله أكبر، من غير زيادة بسم الله، فإذا رمى الجمرة الصغرى أخذ ذات اليمين.
المقدم: منى تكون عن يمينه.
الشيخ: نعم إذا أخذ ذات اليمين يجعل الجمرة الصغرى عن يساره، مستقبلًا القبلة، رافعًا يديه، يدعو طويلًا، يدعو بما يحضره من خيري الدنيا والآخرة، وهذه سُنة قلَّ من الحُجاج من يفعلها، هي ولله الحمد تُفعل، لكن من يفعلها مقارنة بعدد الحجيج قليل، فينبغي إحياء هذه السُّنة، وحث الناس عليها.
ثم بعد ذلك يذهب للجمرة الوسطى، ويرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر الله مع كل حصاة.
المقدم: أين تكون جهته؟
الشيخ: الأفضل أن يجعل منى عن يمينه، ومكة عن يساره.
المقدم: نفس الأولى؟
الشيخ: نفس الأولى، وإن رماها من أي جهة أجزأ، ثم يأخذ ذات الشمال، بحيث يجعل الجمرة الوسطى عن يمينه.
المقدم: عكس الأولى.
الشيخ: عكس الصغرى، ورافعًا يديه مستقبلًا القبلة، ويدعو طويلًا بما يحضره من خيري الدنيا والآخرة، ثم بعد ذلك يذهب لجمرة العقبة، وهي الجمرة الكبرى، ويرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر الله مع كل حصاة، ولا يقف عندها، ولا يدعو.
واختلف العلماء في الحكمة من كونه عليه الصلاة والسلام لم يقف عند جمرة العقبة، ولم يدع، والمشهور عند أهل العلم أنه لضيق المكان؛ لأن مكانها كان ضيقًا، وكانت ملتصقة بجبل، والآن قد أزيل هذا الجبل.
المقدم: لكن يبقى على السنة.
الشيخ: يبقى الحكم على ما هو عليه، وجمرة العقبة هي حدود منى من جهة مكة، هي آخر منى من جهة مكة.
إذن هذه هي صفة الرمي.
المقدم: ما الحكمة شيخنا من الرمي؟
الشيخ: الحكمة من الرمي التعبد لله ، أن الله تعالى أمر الحاج بأن يرمي حجرًا، فهو استجاب لأمر الله ، هو في الحج يرمي حجرًا بأمر الله، ويقبل حجرًا بأمر الله، يقبل الحجر الأسود، ويرمي الجمرات، فيرمي حجرًا، ويقبل حجرًا، وهذا بأمر الله، وهذا بأمر الله، وهنا يظهر أثر العبودية لله .
ما معنى العبودية؟ العبودية هي الانقياد والاستسلام لله ، والعبودية لا يكون الإنسان عبدًا لله إلا مع كمال الذل وكمال الحب.
المقدم: ليس كل شيء تعرف حكمته.
الشيخ: ولهذا يقال: طريق معبد، وطريق مذلل، إذا كان مذللًا، فلا يظهر كمال العبودية، عبودية المسلم لربه ، إلا مع كمال الذل وكمال الحب لله .
فأنت أيها الحاج أمرك الله تعالى برمي حجر ففعلت، وأمرك بتقبيل حجر ففعلت، فعلت هذا بأمر الله، وفعلت هذا بأمر الله، لا تقبّل الحجر تعظيمًا للحجر وإنما تعبدًا لله ؛ ولهذا قال عمر ، لما أراد أن يقبل الحجر الأسود: “والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك”.
فأنت تقبل الحجر الأسود بأمر الله ، وترمي الجمرات بأمر الله ، وهنا يظهر أثر العبودية، فأنت استسلمت لله ، ولا يكون الإنسان عبدًا لله تعالى إلا إذا استسلم وانقاد لربه سبحانه، فهو يكون عبدًا لله تعالى، يفعل ما أمره الله تعالى به، سواء علم الحكمة أو لم يعلمها، ويترك ما نهى الله عنه، سواء علم الحكمة أو لم يعلمها؛ لأنه على يقين بأن الله حكيم عليم، لا يأمر بشيء إلا لحكمة، ولا ينهى عن شيء إلا لحكمة.
أما إذا كان الإنسان سيعرض الشيء على عقله وعلى هواه، فإن اقتنع فعله، وإن لم يقتنع لم يفعله، فهذا في الحقيقة ليس عبدًا لله، هذا عبد لهواه، والله تعالى يقول: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23]، فبعض الناس عبد لهواه، يعني إذا هوت نفسه شيئًا فعل ذلك، فهو في الحقيقة عبد لهواه.
يعني انظر إلى كيف أن الهوى يصل بالإنسان إلى هذه المرحلة، أن يجعل الإنسان عبدًا له، وبعض الناس يكون عبدًا للشيطان: يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا [مريم:44]، فالإنسان يكون عبدًا لله ، ينبغي أن يكون الإنسان عبدًا لربه سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].
تجد مع الأسف بعض المسلمين إذا لم يقتنع بشيء يقول: لماذا نفعل كذا؟ لماذا نرمي الجمرة؟ لماذا نُقبّل الحجر؟ لماذا؟ طيب أنت عبد لله ، الله تعالى هو الذي أمرك، أنت عبد لله ، وأنت على يقين بأن الله حكيم عليم، لا يمكن أن يأمرك الله تعالى بشيء عبثًا، أو بشيء فيه مضرة، لا يأمر الله تعالى بشيء إلا لحكمة، ولا ينهى عن شيء إلا لحكمة.
فقوله حكمة الحِكَم، وأمره حكمة الحِكَم، ونهيه حكمة الحِكَم جل وعلا، وهو أحكم الحاكمين، فينبغي أن تترسخ هذه المعاني في النفوس؛ ولهذا من منافع الحج أنه يظهر أثر العبودية على المسلم، فيرمي حجرًا بأمر الله، ويُقبّل حجرًا بأمر الله، يطوف بالبيت بأمر الله ، يسعى بين الصفا والمروة بأمر الله ؛ لأن الله هو الذي أمره بهذا، فيظهر أثر العبودية لله على الحاج.
المقدم: نعم، هنا يا شيخ ترد مسألة بما أن حديثنا عن الرمي، من يوكلون في الرمي، أو دعنا بعبارة أخرى ما سُمي اليوم بحج الترفه، بعضهم قد يأتي فقط اليوم التاسع يقف بعرفة، ثم من بكرة يظن أن القضية قضية مال، فيدفع، أو يوكل بدون أي ضابط، ما ضابط التوكيل؟ ومتى يجوز التوكيل؟
الشيخ: هذا الذي يأتي يوم عرفة، ثم يدفع أموالًا ويوكل، هذا في الحقيقة هذا من التلاعب بالحج، من التلاعب بحدود الله ، وليس هذا هو الحج الذي أمر الله تعالى به، الله تعالى غني عنك وعن مالك، إذا كنت ستحج بهذه الطريقة، فلا بد أن الإنسان يفعل الحج، كما أمره الله ، ويتعبد لله تعالى بأعمال الحج، ويحرص على السنة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، هذا هو المطلوب.
التوكيل يمكن أن يصار إليه في الرمي عند العجز عن الرمي، أو عند وجود المشقة الكبيرة، فإذا كان الإنسان مريضًا يوكّل، أو كبيرًا في السن مثلًا يشق عليه أن يرمي بنفسه يوكّل، امرأة مثلًا حامل توكّل، أما إذا كان الإنسان قويًّا قادرًا على أن يرمي بنفسه، فالأصل أنه يتولى الرمي بنفسه.
المقدم: لكن شيخنا ما هو ضابط هذه المشقة؟ الكل يقول: أنا تعبان، هل التعب مشقة؟
الشيخ: ليس الضابط هو التعب، وإنما الضابط المشقة غير المعتادة، المشقة الطارئة الزائدة غير المعتادة، يعني كإنسان مريض مثلًا، إنسان مثلًا مصاب بفشل كلوي، أو مثلًا عنده سكر، أو يعني السكر مرتفع، أو حمى، أو امرأة حامل، أو كبير في السن، أو نحو ذلك، فتكون يعني مشقة كبيرة ويُعذر، يعني بعض العامة يتوكل عن النساء، أي امرأة يتوكل عنها، مع أن المرأة قوية قادرة على أن ترمي بنفسها، فمثل هذا التوكيل لا يصح ولا يجزئ، بعض النساء تكون قوية وقادرة على أن ترمي بنفسها، فلماذا يتوكل عنها الرجل؟ هذا من الأخطاء لدى بعض العامة.
المقدم: لو فعلت هذا القادر لم يرم، ووكّل ماذا يترتب عليه؟
الشيخ: يترتب عليه دم؛ لأن هذا التوكيل لا يصح.
المقدم: على كل يوم؟
الشيخ: إذا كانت امرأة قادرة على أن ترمي بنفسها، فلماذا يتوكل عنها محرمها؛ لماذا؟
المقدم: يترتب دم عن كل يوم؛ لنفرض أنها وكلت كل الأيام.
الشيخ: من ترك الرمي يترتب عليه دم.
المقدم: واحد.
الشيخ: دم واحد، نعم، عن جميع الأيام، لكن هنا يعني أنا أنصح بأن الحاج يتولى أمور الحج بنفسه، ومن ذلك رمي الجمرات ولا يوكل؛ لأنه يلاحظ على بعض العامة التساهل في التوكيل.
وأما المشقة التي يجدها الحاج، المشقة لا بد منها، النبي سمى الحج جهادًا، لما قالت له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ يعني النساء، قال عليه الصلاة والسلام: عليكن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة [4]، فانظر كيف اعتبر النبي الحج جهادًا، جهادًا بالنسبة خاصة للنساء.
وإذا تأملنا آيات الحج التي في سورة البقرة، نجد أنها أتت بعد آيات الجهاد، وفي هذا إشارة إلى أن الحج نوع من الجهاد، وأيضًا من حِكم مشروعية الحج: تدريب النفس على الصبر، وعلى التحمل، تحمل المشاق، فيعني المشقة لا تنفك عن الحج.
ولهذا ينبغي للحاج أن يتحمل، وأن يصبر، وأن يصبّر نفسه، وأن يدرب نفسه على الصبر، ويعني يستفيد من مدرسة الحج التربوية، الحج في الحقيقة مدرسة تربوية عظيمة، يكتسب منها المسلم كثيرًا من الأخلاق الكريمة، ومنها: خلق الصبر الذي يقول عنه النبي : ما أُعطي أحد عطاء خيرًا، ولا أوسع من الصبر [5]، أخرجه مسلم في صحيحه.
تأمل هذا الحديث: ما أعطي أحد عطاء خيرًا، ولا أوسع من الصبر أعظم عطاء يعطاه الإنسان الصبر، أن يكون الإنسان عنده قدرة على الصبر، وعلى التحمل، بعض الناس عنده جزع، يعني أدنى مشقة تجده يتبرم ويتسخط ويتشكى، ويعيش في قلق، وفي توتر.
تجد أن معظم وقته متوترًا، لكن لو أنه نمّى لديه خلق الصبر، وأصبح مستوى الصبر عنده قويًّا، يزول عنه هذا التوتر، ويزول عنه هذا القلق، وتتغير حياته كلها.
المقدم: من يوكلون في الرمي من أصحاب الأعذار والمشقة، كالمرأة الحامل وغيرها؟ من جاء يرمي عنهم، هل إذا رمى عن نفسه، يرمي عنهم مباشرة؟ يبدأ بنفسه، أم بهم، أم ينبغي أن يذهب بعد أن يرمي عن نفسه الجمرات كلها، يبدأ من جديد ليرمي عن موكله؟
الشيخ: من يتوكل عن غيره، يرمي عن نفسه، ثم يرمي عن موكله في نفس المكان.
المقدم: في نفس الجمرة.
الشيخ: في نفس المكان في أرجح أقوال الفقهاء، ولا يلزمه أن يرمي عن نفسه أولًا جميع الجمرات، ثم يرجع ويرمي عن موكله؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على إيجاب هذا، فلا بأس أن يرمي عن نفسه، ثم يرمي عن موكله بعد ذلك.
المقدم: وينطق بالنية، اللهم هذا رمي عن فلان.
الشيخ: لا يتلفظ بالنية، النية محلها القلب، لا داعي أن يتلفظ الإنسان بالنية في جميع الأمور، الله تعالى يعلم بك، ويعلم السر وأخفى، ويعلم ما في الصدور، لا داعي لأن تنطق بالنية، تقول: نويت كذا…
المقدم: إلا في الحج والعمرة، لبيك حجًا.
الشيخ: حتى الحج والعمرة ليس هذا نطقًا بالنية، هذا إهلال بالنسك، لبيك حجًا، لبيك عمرة وحجًا، هذا إهلال بالنسك، وليس تلفظًا بالنية.
المقدم: وإلا الأصل أن النية محلها القلب، حتى في مثل هذا.
الشيخ: النية محلها القلب، نعم.
المقدم: شيخ هنا تأتي مسألة أخرى بعد أن تم هذا الرمي، يعني مثل ما ذكرنا في السنن التي سبقت، من أخل بالتكبير مثلًا، أو أخل بالدعاء بعد رمي الجمرات، ينافي هذا الحج المبرور؟
الشيخ: من أخل بذلك فليس عليه شيء؛ لأنه ترك أمرًا مستحبًا، ولم يترك أمرًا واجبًا، فليس عليه شيء، لكن ربما يُؤثّر على صفة الحج المبرور؛ لأن الحج المبرور: هو الذي أتى به صاحبه على الوجه الأكمل، ولم يقع منه فيه إثم ولا معصية.
ولهذا إذا أراد الحاج أن يكون حجه مبرورًا، فعليه أن يحرص على أن يأتي به على الوجه الأكمل، يحرص على أن يأتي بالسنن فيه، فضلًا عن الواجبات، ويحرص على اتباع السنة ما أمكن، فمثلًا يعني ذكرنا أن من السنن أنه بعد رمي الجمرة الصغرى يأخذ ذات اليمين ويدعو، وبعد رمي الجمرة الوسطى يأخذ ذات الشمال ويدعو، يأتي بهذا حتى يكون حجه مبرورًا.
المقدم: خصوصًا أنه باقٍ في نفس المكان يعني.
الشيخ: نعم، يعني ما الذي يعجله، هو باقٍ في منى أصلًا، فينبغي أن يحرص على الإتيان بالسنن ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
المقدم: نعم، رفع الله مقامك شيخنا.
الشيخ: وبارك الله فيكم، وشكرًا لكم وللإخوة المشاهدين.
المقدم: الشكر كذلك موصول لكم أنتم مشاهدينا الكرام بعد شكر الله ، كان معنا صاحب الفضيلة الشيخ سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، حلقة قادمة بإذن الله، أطيب المنى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.