المقدم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأهلًا وسهلًا بكم مشاهدينا الكرام، مشاهدي شبكة قنوات المجد الفضائية في برنامجكم “مسائل في الحج”، والذي نسعد فيه باستضافة صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
صاحب الفضيلة أهلًا وسهلًا بك.
الشيخ: أهلًا وحياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الإخوة المشاهدين.
المقدم: الله يبارك فيك شيخنا، شيخنا هناك أعمال بقيت لمن لم يتعجل، وهي لعلك تشير إلى الرمي، ثم نأتي إلى ما هو الحج المبرور؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالمتأخر يبيت بمنى ليلة الثالث عشر، فإذا زالت الشمس من اليوم الثالث عشر، فإنه يرمي الجمرات الثلاث، كما رماها في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، مبتدئًا بالصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى.
والسُّنة أن يدعو الله تعالى بعد ما يرمي الصغرى، يأخذ ذات اليمين، ويستقبل القبلة، ويدعو طويلًا، ثم إذا رمى الوسطى، أخذ ذات الشمال، مستقبلًا القبلة، ودعا طويلًا، ثم إذا رمى جمرة العقبة لم يقف عندها، ولم يدع.
بعد ذلك يطوف طواف الوداع، النبي كان متأخرًا، لم يكن متعجلًا؛ ولما زالت الشمس من اليوم الثالث عشر، وكان يوم الثلاثاء، الثالث عشر من شهر ذي الحجة من السنة العاشرة من الهجرة، رمى النبي الجمرات الثلاث، ثم سار عليه الصلاة والسلام إلى الأبطح، وبقي في الأبطح صلى بها الظهر، يعني رمى الجمرات قبل صلاة الظهر، صلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
المقدم: هذا في اليوم الثالث عشر.
الشيخ: في اليوم الثالث عشر.
المقدم: قبل الزوال.
الشيخ: رمى قبل الزوال، رمى قبل صلاة الظهر بعد الزوال.
المقدم: بعد الزوال.
الشيخ: بعد الزوال قبل صلاة الظهر، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء في الأبطح، وألحت عليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عائشة رضي الله عنها أتاها الحيض في مكان قريب من مكة يقال له: سرف، دخل عليها النبي وهي تبكي، قال: ما يبكيك، لعلك نفست؟ يعني: حضت، كان عليه الصلاة والسلام من أعظم الناس فراسة، عرف لماذا تبكي، وكأنها -والله أعلم- أتاها الحيض في غير وقته؛ لأنها تفاجأت، والمرأة مع التعب قد يأتيها الحيض في غير وقته.
المقدم: يسبق الأيام.
الشيخ: نعم، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يطمئنها بكلمات، قال: افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت، إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم والإنسان إذا عرف أن هذا شيء قد كتبه الله عليه، يعني يخف تأثره بهذا، ويستسلم لأمر الله ، ثم قال: افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت [1].
وعائشة رضي الله عنها استمر بها الحيض حتى أدركها عرفة ولم تطهر، فأمرها النبي أن تقلب التمتع إلى قران ففعلت، أصحبت الآن قارنة، بقية أزواج النبي كن متمتعات، وكان عند عائشة رضي الله عنها حرص على الخير، فقالت: “ترجع صويحباتي بحج وعمرة، وأنا أرجع بحج” [2]، فقال لها النبي : طوافك بالبيت أو بالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك [3]، يعني: أنك أيضًا ترجعين بعمرة وحج، فالقارن يرجع بعمرة وحج، والمتمتع أيضًا يرجع بعمرة وحج، لكنها رضي الله عنها رأت أنه مهما كان، فالتمتع أفضل من القران، وهو كذلك لا شك أن التمتع أفضل من القران.
فلم تطب نفسها، وقال جابر: وكان النبي رجلًا هينًا، إذا هوت الشيء طاوعها عليه، عليه الصلاة والسلام كان عليه الصلاة والسلام أكمل الناس خلقًا، ورجلًا هينًا لينًا سمحًا، فألحت على النبي عليه الصلاة والسلام في أن يأذن لها في أن تأتي بعمرة، فأذن لها، وأمر أن يذهب معها أخوها عبدالرحمن بن أبي بكر، فذهب معها إلى التنعيم، إلى مكان يسمى الآن مسجد عائشة، فأحرمت بالعمرة من هناك.
ولهذا من كان في مكة وأهل مكة، وأرادوا أن يأخذوا عمرة لا بد أن يخرجوا خارج حدود الحرم.
المقدم: أدنى الحل.
الشيخ: خارج حدود الحرم إلى الحل، أدنى الحل أقرب الحل هو التنعيم، ثم إن عائشة رضي الله عنها أتت بعمرة، والنبي بقي بالأبطح، ثم لما كان من آخر الليل من ليلة الأربعاء، الرابع عشر من شهر ذي الحجة، من السنة العاشرة من الهجرة، ذهب عليه الصلاة والسلام إلى المسجد الحرام، وطاف طواف الوداع، وصلى بالناس صلاة الفجر في المسجد الحرام، ثم رجع عليه الصلاة والسلام إلى المدينة بعد صلاة الفجر، فجر يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر ذي الحجة، من السنة العاشرة من الهجرة.
إذن يكون آخر أعمال الحاج طواف الوداع؛ لقول النبي : لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت [4]، لا ينفرن؛ ولذلك جميع الحجاج ما عدا أهل مكة يجب عليهم طواف الوداع.
فلو أن أحدًا أراد أن يذهب، ثم يرجع بعد ما يخف الزحام لأجل أن يطوف طواف الوداع، نقول: لا يجوز، بعض مثلًا أهل جدة، بعض أهل الطائف، يقولون: بعدما رموا من اليوم الأخير نريد أن نذهب إلى جدة، أو إلى الطائف، أو إلى أي بلد آخر، حتى يخف الزحام، ثم نأتي ونطوف طواف الوداع، هل هذا يجوز؟ نقول: لا يجوز؛ لأن النبي أمر بأن يكون طواف الوداع هو آخر أعمال الحاج.
طيب لو أراد أحد أن يذهب إلى جدة في اليوم العاشر، أو اليوم الحادي عشر يجوز، لكن إذا فرغ من أعمال النسك، ليس له أن يذهب، حتى يطوف طواف الوداع، فلاحظ الفرق بين المسألتين.
المقدم: حتى يكون آخر عهده بالبيت.
الشيخ: يكون آخر عهده بالبيت، لو أن رجلًا من أهل جدة قال: أريد أن أذهب إلى جدة في يوم العيد، نقول: لا بأس يجوز، في اليوم الحادي عشر يجوز، لكن لما…
المقدم: لكن لا يبيت يعني نهار.
الشيخ: لما فرغ من أعمال النسك، قالوا: إذن نذهب حتى يخف الزحام، نقول: لا يجوز، ليس لك أن تنفر حتى تطوف طواف الوداع، إلا أهل مكة فيسقط عنهم طواف الوداع.
المقدم: هنا بعد أن يعني أتينا على طواف الوداع، وكان إكمال هذا النسك، متى ينتهي طواف الوداع، يعني من كان من الحجاج الذين أتوا من الآفاق باقون في فنادقهم وسكناتهم، يقول: أؤخره إلى نهاية ذي الحجة، أو إلى بداية محرم على موعد رحلته إلى بلده، هل يجوز تأخير طواف الوداع إلى بعد ذي الحجة؟
الشيخ: نعم، طواف الوداع هو آخر أعمال الحاج، فإذا كان الحاج مثلًا سيبقى إلى نهاية ذي الحجة، يجعل طواف الوداع نهاية ذي الحجة، لو افترضنا أن بعض الحجاج سيبقى مثلًا إلى منتصف محرم، يجعل طواف الوداع منتصف محرم، فإذًا يجعل طواف الوداع آخر أعماله.
المقدم: يعني الحج لا ينتهي بشهر ذي الحجة.
الشيخ: لا ينتهي بشهر ذي الحجة، نعم، فطواف الوداع يستمر معه إلى أن يكون آخر أعماله.
المقدم: نعم، هنا بعد هذه الرحلة العظيمة، والتي كان فيها طواف الوداع، وكان هذا آخر العهد بالبيت، يأتي السؤال: الكل يطمح إلى هذا الحج المبرور أن تغفر ذنوبه، أن يعود كيوم ولدته أمه، ما الحج المبرور؟ وهل الحج يكفر الكبائر؟
الشيخ: الحج المبرور يقول النبي عنه: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة [5]، والحج المبرور يكفر جميع الذنوب حتى الكبائر، سبحان الله! يعني ليس هناك عبادة تكفر جميع الذنوب، ويرجع الإنسان كيوم ولدته أمه إلا الحج، الصلاة لا تكفر الكبائر، الزكاة لا تكفر الكبائر، الصيام لا يكفر الكبائر، إذن ما هي العبادة التي تكفر الكبائر؟ الحج.
الدليل على أن الصلاة لا تكفر الكبائر، قول النبي : الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر [6]، أخرجه مسلم في صحيحه.
أما الحج فظاهر الأدلة أنه يكفر جميع الذنوب؛ الصغائر والكبائر، ومن هذه الأدلة قول النبي : من حج فلم يرفث، ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه [7]، هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، وهما أصح كتابين بعد كتاب الله .
الذي يرجع كيوم ولدته أمه، هل عليه ذنوب صغائر أو كبائر؟ لا، ما عليه شيء، كالمولود يرجع الإنسان كالمولود.
المقدم: صفحة بيضاء.
الشيخ: صفحة بيضاء، ما عليه خطيئة، وليس عليه ذنوب، ويقول عليه الصلاة والسلام في قصة إسلام عمرو بن العاص في صحيح مسلم، أتى عمرو بن العاص يريد أن يسلم، فقال للنبي : أبسط يدك أبايعك، فبسط النبي يده، قبض عمرو يده، قال عليه الصلاة والسلام: لم يا عمرو؟ قال: أردت أن أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قال: أشترط أن يغفر لي، فقال له النبي : أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله [8].
المقدم: وهذا ظاهر الدلالة.
الشيخ: الحج يهدم ما كان قبله من الذنوب والمعاصي، الصغائر والكبائر، فإذن الحج المبرور يكفر جميع الذنوب الصغائر والكبائر، وهذه هي العبادة الوحيدة التي تكفر الكبائر.
لكن يبقى النظر، هل الحج يكفر ما كان متعلقًا بحقوق العباد، أو فقط بالمعاصي التي بين العبد وبين ربه فقط؟
الجواب: أن الحج لا يكفر ما كان متعلقًا بحقوق العباد، حقوق العباد لا يكفرها شيء، إلا أن تتحلل من هؤلاء.
المقدم: أو ترد المظالم.
الشيخ: نعم، تتحلل منهم إما برد المظالم لأهلها، أو بأن تستسمح منهم، وتتحلل منهم، حقوق العباد أمرها عظيم جدًّا، حتى الشهيد الذي باع نفسه لله تعالى، قتل في سبيل الله؛ لما أتى رجل للنبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله تغفر لي ذنوبي؟ قال: إن قتلت وأنت مقبل غير مدبر، حطت عنك ذنوبك ثم قال: إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك [9]، فإذا كان هذا في الشهادة في سبيل الله تعالى فيمن باع نفسه لله ، فكيف بغيره؟
فحقوق العباد تبقى لأصحابها، فالحج لا يكفر ما كان متعلقًا بحقوق العباد؛ ولهذا عظّم النبي حقوق العباد في أعظم مجمع، في خطبة عرفات، قال: أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد [10].
وأيضًا جاء في صحيح مسلم وغيره أن النبي قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد لقي الله وهو عليه غضبان وفي الرواية الأخرى: فقد حرم الله عليه الجنة [11] قالوا: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرًا، قال: وإن كان قضيبًا من أراك [12].
فحقوق العباد تبقى لأصحابها، حقوق العباد مبناها على المشاحة، بينما حقوق الله مبناها على المسامحة، فما كان متعلقًا بحقوق العباد، هذه لا يكفرها شيء، لا يكفرها لا الصلاة، ولا الصيام، ولا الحج، ولا حتى الشهادة في سبيل الله ما تكفرها، تبقى لأصحابها يوم القيامة.
المقدم: شيخنا هل يمكن أن يُقال في مثل هذا الموضع: أن الذي يجعل الذنوب التي بين العبد وربه، أنّ الله يتجاوز عنها بأعمال من بينها الحج؛ لأن الله غني، بمجرد أن تقبل عليه أعطاك، لكن العبد لفقره يعني محتاج أن ترجع إليه حقوقه، أليس كذلك؟
الشيخ: نعم، هذا صحيح، وأيضًا حقوق الله تعالى مبناها على المسامحة، الله تعالى قد يغفر لهذا العبد.
المقدم: وغني عنه.
الشيخ: نعم، يتسامح، لكن هذا العبد المسكين هو بحاجة، كما أنك بحاجة لعمل صالح، هو بحاجة أيضًا لعمل صالح، فحقوقه مبنية على المشاحة؛ ولهذا ينبغي أن يكون المسلم في تعامله مع الآخرين أن يكون حذرًا، لا يظلم أحدًا، لا يأكل حق أحد، لا يتعدى على أحد؛ لأن حق هؤلاء سيبقى لهم يوم القيامة.
المقدم: بما أنه أشرنا شيخنا إلى الحج المبرور، وأن الحج يكفر هذه الكبائر، الإشارة كذلك إلى معاني هذه التربية الإيمانية، فالإسلام عقيدة وعبادة وسلوك، يعني ولا انفكاك لهذا عن ذاك، الأخلاق التي قد تسوء في الحج، يعني بعض الحجاج يأتي وكأنه يمن على ربه.
الشيخ: ينبغي أن يستفيد الحاج من مدرسة الحج، مدرسة الحج مليئة بالدروس، ومليئة بالعبر، ومليئة بالعظات، ومليئة بالفوائد، ومليئة بالمنافع، والله تعالى قال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج:27-28].
ومن هذه المنافع أن يكتسب الحاج مكارم الأخلاق، وأن يترك مساوئ الأخلاق، يكتسب مثلًا صفة الرفق بإخوانه المؤمنين، أن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، أن يكتسب مثلًا صفة الحلم الذي هو سيد الأخلاق، أن يكتسب صفة الصبر، وكل هذه الأخلاق تكتسب بالتمرن وبالتدريب، وإنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم.
فينبغي أن تكون حال الحاج بعد الحج خيرًا من حاله قبل الحج، ينبغي أن يستشعر المسلم وقت الحج أنه في مدرسة الحج، وفي أطهر بقعة، ولو أخطأ عليه مثلًا إنسان يتحمل ويصبر، ولا ينفعل يحلم عليه، ويتعاطى أخلاق المؤمنين، ينبغي أن تسود أخلاق المؤمنين في كل وقت، وبخاصة في وقت الحج، وفي البلد الحرام، ينبغي بين الحجاج أن تشيع أخلاق المؤمنين من المودة والرحمة، وأن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، والنصيحة، وجميع أخلاق المؤمنين.
القاعدة العظيمة في هذا وهو في الحقيقة أحسن ما قيل في حد حسن الخلق: أن تعامل إخوانك بمثل ما تحب أن يعاملوك به، عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به، تحب أن الناس يعاملوك باحترام احترمهم، تحب أن الناس يرفقوا بك ارفق بهم، تحب أن الناس يتكلموا معك بالطيب من القول افعل معهم هذا، عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به.
المقدم: هناك كذلك شيخنا ترد بعض المسائل لعلنا نأخذها كأسئلة: الحج لمن لم تجد محرمًا، ما حكم حجها؟
الشيخ: من لم تجد محرمًا لا يجب عليها الحج؛ لأن الله تعالى إنما أوجب الحج على المستطيع، فقال: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، ولكن هل يجوز لها أن تحج إذا وجدت الرفقة المأمونة؟
هذا محل خلاف بين الفقهاء، والقول الراجح أنه لا بأس أن تحج بشرط أن تجد الرفقة المأمونة، والدليل لهذا ما جاء في صحيح البخاري وغيره: أن أزواج النبي بعد وفاته في عهد عمر حججن بدون محرم، وكان هذا كالاتفاق من الصحابة على جواز ذلك.
فمثلًا على سبيل المثال: يُوجد بعض الخدم يأتون مثلًا إلى هذه البلاد، وترغب في أن تحج، وليس عندها محرم، ويغلب على الظن أنها لو رجعت إلى بلادها، فإن فرصة كونها تحج فرصة ضعيفة جدًّا، يمكن أقل من واحد بالمائة، فهي تريد أن تكسب تواجدها هنا في الحج. هنا لا بأس أن تحج، لكن مع رفقة مأمونة لا بأس بذلك، وهذا هو القول الراجح، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية، وجمع من المحققين من أهل العلم: أن المرأة لا بأس أن تحج مع الرفقة المأمونة.
المقدم: المرأة التي لم يأذن لها زوجها بأن تحج حجة الإسلام يجوز لها أن تخالفه؟
الشيخ: إذا كان حج الفريضة فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ لأن الحج ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائض الدين، ولا طاعة للزوج في هذا، فإذا رفض الزوج، وقال: لا تحجي حج الفريضة، لا تطعه، لا تطيعه زوجته، ويجوز لها، بل يجب عليها أن تحج، وتعصيه في هذا، لكن مع وجود محرم، كأن يكون مثلًا محرمها أخوها مثلًا، أو نحو ذلك.
المقدم: هل يجب على الزوج أن يحجج زوجته؟
الشيخ: لا يجب على الزوج أن يحجج زوجته، أو أن يكون محرمًا معها، وإنما هو تكرم من عنده.
المقدم: من المعروف.
الشيخ: نعم؛ لأننا لو قلنا: إنه يجب لأوجبنا على الإنسان الحج في عمره أكثر من مرة، وهذا خلاف الإجماع، لكن لا شك أن من حسن العشرة، ومن المروءة، ومن مكارم الأخلاق أن الزوج يحج بزوجته.
المقدم: وكذلك الأبناء يعني إذا لم يأذن لهم مثلًا الوالد، ولم يحجوا يعني يؤجل لهم أنه ستحجون السنة المقبلة، وتوفر عندهم المال، يحجون من غير إذنه؟
الشيخ: إذا كان حج الفريضة فنعم، يحجون ولو لم يأذن أبوهم؛ لأنه أيضًا بعض الآباء وبعض الأمهات عندهم تخوف مبالغ فيه، كلما أتى موسم الحج يعني يخشى أن يقع شيء في الحج، يخشى من كذا، يخشى من كذا، فيطلب من ابنه أن يؤجل الحج.
فنقول: لا، لا تؤجل الحج، أنت لا تضمن أن تعيش، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف، طاعة الوالدين في المعروف، وليس من المعروف أنك تؤخر الحج، مع أنك مستطيع للحج، هذا إذا كان حج الفريضة، أما حج النافلة فيطيع والديه، إذا قال والده أو والدته: لا تحج..
المقدم: يستجيب.
الشيخ: نعم؛ لهم المصلحة في ذلك، فيطيعهما في هذا، ولا يحج.
المقدم: رفع الله مقامك شيخنا، وأشكرك في ختام هذا اللقاء.
الشيخ: بارك الله فيكم، وشكرًا لكم وللإخوة المشاهدين.
المقدم: الله يبارك فيك، والشكر كذلك موصول لكم أنتم مشاهدينا الكرام، كان معنا صاحب الفضيلة شيخي أستاذي الدكتور سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، أطيب المنى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 305، ومسلم: 1211. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 1762، بنحوه. |
^3 | رواه مسلم: 1211. |
^4 | رواه مسلم: 1327. |
^5 | رواه البخاري: 1773، ومسلم: 1349. |
^6 | رواه مسلم: 233، بنحوه. |
^7 | رواه البخاري: 1521. |
^8 | رواه مسلم: 121. |
^9 | رواه الترمذي: 1712، وقال: هذا حديث حسن صحيح. |
^10 | رواه البخاري: 1742، ومسلم: 66. |
^11 | رواه مسلم: 137. |
^12 | رواه البخاري: 2356، ومسلم: 138. |