المقدم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا وسهلًا بكم مشاهدينا الكرام، مشاهدي شبكة قنوات المجد الفضائية في حلقة جديدة من برنامجكم “مسائل في الحج”، والذي نسعد فيه باستضافة صاحب الفضيلة شيخي الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
صاحب الفضيلة أهلًا وسهلًا بك.
الشيخ: أهلًا، حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المشاهدين.
المقدم: الله يبارك فيك شيخنا، في حلقة سبقت كان حديثنا عن يوم عرفة ذلك اليوم العظيم المهيب، والآن هذه النفرة من عرفات إلى مزدلفة.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فبعدما يقف الحاج بعرفات، والسنة أن يقف إلى غروب الشمس، بعدما تغرب الشمس ينفر الحجيج إلى مزدلفة، والنبي ركب ناقته، وأردف خلفه أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وجعل الناس يسرعون، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يرفع يده، ويقول: أيها الناس السكينة السكينة [1].
ثم إنه عليه الصلاة والسلام في الطريق نزل من راحلته، وبال وتوضأ وضوءًا خفيفًا، ثم سار حتى وصل إلى المشعر الحرام، وجاء في بعض الروايات، أنه قال: وقفت ها هنا، وجمع كلها موقف [2]؛ وجمع هي من أسماء مزدلفة، تسمى جمع، وتسمى مزدلفة، وتسمى المشعر الحرام، والله تعالى يقول: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، والمراد به مزدلفة.
بعدما يصل الحاج إلى مزدلفة، فالسنة أن يصلي المغرب والعشاء، يصلي المغرب ثلاث ركعات من غير قصر، والعشاء ركعتين جمعًا يجمعهما.
المقدم: ويكون تأخيرًا.
الشيخ: ويكون تأخيرًا؛ لأنه في الغالب لن يصل إلا بعد دخول وقت العشاء، لكن أصبح بعض الحجيج الآن يصلون قبل أذان العشاء، فيكون جمع تقديم، والسنة أن يؤذن أذانًا واحدًا لهما، ثم يقام لصلاة المغرب، ثم يقام بعدها لصلاة العشاء، والنبي أمر المؤذن فأذن، ثم أقيمت صلاة المغرب، ثم بعد صلاة المغرب أمر بحط الرِّحال، ثم أقيمت صلاة العشاء، فصلوا العشاء، فكان بين المغرب والعشاء حط الرحال.
بعد ذلك يبقى الحاج بمزدلفة، والقدر الواجب إلى منتصف الليل، والأفضل أن يبقى إلى طلوع الفجر والإسفار، والنبي في تلك الليلة بعدما صلى المغرب والعشاء جمعًا، نام تلك الليلة، ولم ينقل أنه عليه الصلاة والسلام أحياها.
المقدم: لم يقم بالليل؟
الشيخ: نعم، لم ينقل أنه أحياها، لكن هل أوتر، أم لا؟ هذا محل خلاف بين العلماء، فمن العلماء من قال: إنه عليه الصلاة والسلام أوتر، لكنه لم ينقل؛ لأنه معلوم أن من هدي النبي أنه كان لا يترك الوتر، لا سفرًا ولا حضرًا، ومن أهل العلم من قال: إنه لم يوتر؛ لأنه لو أوتر لنقله الصحابة، والأقرب أنه أوتر عليه الصلاة والسلام، وأنه يشرع الوتر في تلك الليلة.
المقدم: لعموم النصوص.
الشيخ: لعموم النصوص، وأيضًا لما هو معروف من هدي النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يترك الوتر، لا سفرًا ولا حضرًا، هناك بعض الأمور في الحج لم ينقلها الصحابة؛ لأنها معلومة، فمثلًا: لم يقل عليه الصلاة والسلام في منى: يا أهل مكة أتموا؛ لأن هذا كان أمرًا معلومًا متقررًا عندهم أن أهل مكة يتمون ولا يقصرون.
فإذن السنة أن يوتر الحاج، أن يصلي صلاة الوتر تلك الليلة.
المقدم: ثم ينام.
الشيخ: أو أنه ينام، ثم يقوم ويوتر في آخر الليل، وهو أفضل؛ لماذا نام النبي تلك الليلة، لم ينشغل فيها مثلًا بذكر، لم ينشغل بتلبية، لم ينشغل بتكبير، لم…، لماذا؟ لأنه مقبل على أعمال عظيمة يوم النحر.
المقدم: تحتاج راحة.
الشيخ: فكانت الحكمة تقتضي أن يرتاح تلك الليلة، حتى يتهيأ لتلك الأعمال الكبيرة والكثيرة، والتي تكون في يوم النحر، فالحكمة تقتضي أن يعطي النفس حظها من الراحة؛ ليستعد لأعمال يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر.
المقدم: وهذا من فقه النفس وسياستها.
الشيخ: نعم، هذا صحيح، وأذن عليه الصلاة والسلام للضعفاء تلك الليلة أن يدفعوا من مزدلفة آخر الليل، وأيضًا..
المقدم: يعني قبل المنتصف؟
الشيخ: لا، بعد المنتصف، آخر الليل.
المقدم: يعني القدر الواجب إلى المنتصف سواء على الضعفاء أو النساء.
الشيخ: نعم، فآخر الليل: اختلف العلماء في المقصود به، فمنهم من قال: إنه بعد المنتصف، ومن الفقهاء من قال: إنه بعد غروب القمر؛ لحديث أسماء أنها كانت تأمر مولاها تقول: هل غاب القمر؟ هل غاب القمر؟ فلما قال: إنه قد غاب القمر، دفعت من مزدلفة [3].
وعند جمهور الفقهاء: أن الدفع يكون بعد منتصف ليلة مزدلفة، وأما بالنسبة للأقوياء فالأفضل أن يبقوا إلى طلوع الفجر، وبعض العلماء يرى أن هذا واجب، لكن أكثر العلماء وهو قول الجمهور يروا أن القدر الواجب إلى منتصف الليل للضعفة وللأقوياء جميعًا، هذا هو قول جماهير أهل العلم.
المقدم: نعم، هنا ترد بعض المسائل شيخنا كان القدر بين صلاة المغرب وصلاة العشاء بقدر حط الرحل، فهل الفاصل إذا كان بين الصلاتين يعني ما يؤثر على الجمع؟
الشيخ: لا يؤثر على الجمع في أرجح أقوال أهل العلم، وهذا يقودنا إلى مسألة: هل تشترط الموالاة بين الصلاتين المجموعتين أم لا؟ من الفقهاء من اشترط هذا، والقول الثاني: أنها لا تشترط؛ لعدم الدليل؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على هذا الشرط، وهذا هو القول الراجح.
المقدم: نعم، أهل مكة يقصرون في ليلة مزدلفة؟
الشيخ: أهل مكة لا يقصرون.
المقدم: حتى العشاء.
الشيخ: نعم، حتى العشاء لا يقصرون على القول الراجح.
المقدم: لكن سيضطرون إلى جمعها.
الشيخ: الجمع نعم، الجمع يجوز للحاجة، لا بأس بالجمع، وأما القصر فمحل خلاف بين أهل العلم، لكن الراجح هو أنهم لا يقصرون، وقد تكلمنا عن هذا بالتفصيل في حلقة سابقة.
إذن ليلة مزدلفة لا ينشغل فيها الحاج إلا فقط بصلاة الوتر، وينام تلك الليلة لأجل أن يتهيأ ليوم العيد، بعض الحجاج من حين أن يصل إلى مزدلفة ينشغل بالتقاط الحصى، ويعتقد أن هذا سنة، وهذا ليس بصحيح، وليس هذا بسنة، الحصى تلتقط من أي مكان.
المقدم: لكن لو جمع لا إشكال في ذلك.
الشيخ: نعم، الحصى يلتقط من أي مكان، يلتقط من مزدلفة، يلتقط من منى، يلتقط من الطريق، بل ظاهر هدي النبي أن الحصيات إنما التقطت في الطريق من مزدلفة إلى منى، فينبغي للحاج ألا يشغل نفسه بهذه المسألة.
لكن بعض الناس يحرص على التقاط الحصيات من مزدلفة، ليس لأنه سنة، وإنما لأنه أيسر بالنسبة له؛ لأن وجود الحصيات في مزدلفة أكثر من وجودها في منى، منى أصبحت مسفلتة، وربما يعني يصعب على بعض الناس أنهم يجدون الحصيات، وبخاصة حصى اليوم مثلًا الحادي عشر والثاني عشر؛ لأن مجموع الحصى للمتأخر يصل إلى سبعين حصاة، فيقول: أنا التقطها من مزدلفة باعتبار أنها أيسر، هذا لا بأس به، فسواء التقطها من مزدلفة، من منى، من الطريق، لا بأس بهذا.
المقدم: حتى لو أخذها من مدينته قبل من غير مكة؟
الشيخ: الأمر في هذا واسع، المهم أنه يرمي بحصيات.
المقدم: هنا شيخنا فقط ترد مسألة عند النفرة من عرفات إلى مزدلفة بحكم الزحام الآن، والأعداد الكبيرة ما شاء الله، قد يتأخر البعض، ويخشى أن يصل عليه منتصف الليل، في هذه الحالة يصلون، أم ما هو حد وقت خروج العشاء؟
الشيخ: وقت خروج العشاء هو يبتدئ من مغيب الشفق الأحمر، وهو نهاية وقت المغرب، وينتهي الوقت الاختياري لصلاة العشاء بمنتصف الليل؛ لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي قال: وقت العشاء إلى منتصف الليل الأوسط [4]، هذا هو الوقت الاختياري.
لكن العشاء لها وقت ضروري في أرجح أقوال الفقهاء، وهو مذهب عند الحنابلة أن لها وقت ضروري، وهذا الوقت الضروري يمتد إلى طلوع الفجر؛ لحديث أبي قتادة أنّ النبي قال: ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى [5]، أخرجه مسلم في صحيحه.
وهذا يدل على أن أوقات الصلوات متوالية، فالظهر يمتد إلى العصر، والعصر يمتد إلى المغرب، والمغرب يمتد إلى العشاء، وأيضًا العشاء يمتد إلى الفجر، وما بين الفجر والظهر خرج بالإجماع، هذا هو دليل من قال: بأن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر.
المقدم: لكن الفجر لا يمتد إلى الظهر؟
الشيخ: بالإجماع لا يمتد إلى الظهر.
المقدم: بالإجماع؟
الشيخ: إي، نعم، ومن جهة النظر أن منتصف الليل قد لا يدركه بعض الناس، وبخاصة في الأزمنة السابقة، فالفلاح في مزرعته، والأعرابي وغيرهم، ما يستطيع أن يحدد وقت منتصف الليل بدقة، فمن جهة النظر أيضًا هذا يعني يرجح القول بأن نهاية وقت العشاء الضروري إلى طلوع الفجر.
وعلى هذا فإذا دفع الحجاج من عرفات، وأدركهم منتصف الليل في الطريق، لا حرج عليهم أن يؤخروا صلاة العشاء حتى يصلوا إلى مزدلفة، بشرط أن يصلوها قبل طلوع الفجر، وأقول هذا؛ لأن بعض الحجاج يتحرج، يدركه منتصف الليل، وهو في الطريق، فلا يستطيع إيقاف الحافلة.
المقدم: وبعضهم يصلي في الحافلة.
الشيخ: باعتبار سير الطريق فيكونون في حرج، فمنهم من ينزل من الحافلة، وربما يضيع، وربما لا يدرك الحافلة، ومنهم من يريد أن يصلي داخل الحافلة، فيقعون في الحرج، لكن على هذا القول يرتفع الحرج، فنقول: وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر، وقت العشاء الضروري.
المقدم: نعم، بالنسبة للصلاة في الحافلة البعض ربما يعتقد أنه إذا جاز له الصلاة جالسًا، سواء في الحافلة، أو في الطائرة، يعني لا يأتي بأي ركن يقدر عليه، يعني لا يقوم لا لتكبيرة الإحرام ولا للفاتحة، أم أن هذه ضرورة، يعني لو سلمنا جدلًا أنه الآن يريد أن يصلي في الحافلة، من البداية من تكبيرة الإحرام يصلي جالسًا؟
الشيخ: إذا كان يصلي في الحافلة يأتي بالصلاة بجميع أركانها وشروطها ما استطاع سبيلًا، فيمكن مثلًا يصلي في ممر الحافلة مثلًا.
المقدم: لكن… مثل الطائرة مثلًا.
الشيخ: نعم، إذا أمكن نقول: إذا أمكن أن يصلي في ممر الحافلة يصلى.
المقدم: لكن القيام لتكبيرة الإحرام والفاتحة.
الشيخ: إذا ما أمكن فاتقوا الله ما استطعتم، لكن ما هو آكد أركان الصلاة؟ آكد أركان الصلاة حتى يعني نقول: إنه يحرص المصلي عليه، ولو فاتته الأركان الأخرى، آكد أركان الصلاة هو السجود؛ ولذلك يعني يقول بعض أهل العلم: إن ما قبل السجود من القيام والقراءة والركوع والرفع منه هو كالمقدمة للسجود، فالسجود هو آكد الأركان.
المقدم: وهذا يعني ما فائدة تحرير أن السجود آكد الأركان؟
الشيخ: فائدة هذا أنه إذا تعارض القيام مع السجود، قدِّم السجود على القيام، بعض الناس يقول: أنا أستطيع أن أسجد، لكن لا أستطيع أن أقوم، أو أنني إذا قمت لا أستطيع أن أسجد، فيقدم السجود على القيام؛ لأنه آكد.
إذن هذا بالنسبة قلنا للضعفة لهم الدفع بعد منتصف الليل.
المقدم: والمرافقين لهم.
الشيخ: والمرافقون لهم، الأقوياء القادرون يبقون إلى طلوع الفجر إلى أن يسفروا جدًّا، ثم يدفعوا إلى منى قبل طلوع الشمس، والسنة بعد صلاة الفجر أن يحرص الحاج على الدعاء رافعًا يديه مستقبلًا القبلة، وهذا هو هدي النبي ، بل إن بعض المفسرين فسر قوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، بهذا، وإن كان جمهور المفسرين على أن المراد بذلك صلاة المغرب والعشاء.
فإذن السنة أن يدعو بعد صلاة الفجر، وبعد أن يأتي بالأذكار، يرفع يديه مستقبلًا القبلة يدعو إلى أن يُسفر جدًّا، فإذا أسفر جدًّا، قبل طلوع الشمس دفع إلى منى، وقد كانت قريش في الجاهلية كانوا لا يدفعون إلا بعد شروق الشمس، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، ثبير جبل، يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، فخالفهم النبي فدفع قبل طلوع الشمس وبعد الإسفار.
إذا وصل إلى منى فيبدأ برمي جمرة العقبة، ويقول بعض أهل العلم: إن رمي جمرة العقبة يوم العيد هو تحية منى، والحاج ليس عليه صلاة عيد، وإنما يرمي جمرة العقبة وهي تحية منى، وكصلاة العيد بالنسبة لهم، ليس عليهم صلاة عيد.
المقدم: ارتباطه بالنسك.
الشيخ: نعم، إلا أن مثلًا يدركها في المسجد الحرام، فيصلي مع الناس لا بأس، لكن هو ليس عليه صلاة عيد.
يوم العيد يرمي فقط جمرة العقبة، فالصغرى لا ترمى، والوسطى لا ترمى، وإنما ترمى فقط جمرة العقبة.
المقدم: أين يقف أثناء الرمي؟
الشيخ: يرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر الله مع كل حصاة، وجمرة العقبة كانت ملتصقة بجبل، كان الناس يرمونها من جهة واحدة، وكان مكانها ضيقًا، لكنه في الدولة السعودية أزيل هذا الجبل من سنوات طويلة، أزيل هذا الجبل، وأصبح الناس يرمونها من جميع الجهات، هذا بالنسبة للرمي، وهو أول أعمال الحاج يوم النحر.
إذا رمى الحاج جمرة العقبة ينحر هديه أو يذبحه، والنحر يُقال للإبل، والذبح للبقر والغنم، والنبي كان قد أهدى في حجة الوداع أهدى مائة من الإبل؛ ولما رمى جمرة العقبة نحر بيده الشريفة ثلاثًا وستين، وأمر عليًّا فأكمل البقية.
طيب لماذا اختار النبي هذا الرقم، ها يا شيخ ناصر؛ لماذا؟ نحر ثلاثًا وستين فقط، ما نحر مثلًا سبعين، ما نحر خمسين.
المقدم: لعله السن الذي يعيشه .
الشيخ: نعم، كأنه أعلم عليه الصلاة والسلام بأن هذه سنوات عمره، فكأنه كل بدنة عن سنة، ثم أمر عليًّا فأكمل البقية، ثم أمر عليه الصلاة والسلام بأن يُؤخذ من كل بدنة بضعة لحم يعني قطعة لحم، فجمعت في قدر.
المقدم: من كل بدنة؟
الشيخ: من كل بدنة، ثم طبخت، فأكل من لحمها، وشرب من مرقها.
طيب بقية الإبل مائة من الإبل عدد كبير، أمر النبي بأن يتصدق بها على الحجاج، تصدق بلحومها وبجلالها وبجلودها وبكل شيء.
المقدم: على الحجاج.
الشيخ: على الحجاج.
المقدم: لا يشترط أن يكونوا فقراء.
الشيخ: لا يشترط أن يكونوا فقراء، نعم.
المقدم: هذا في الهدي.
الشيخ: نعم، تصدق بها عليهم، بعد ذلك الحلق أو التقصير، والحلق أفضل من التقصير، الأصل أن الحلق أفضل من التقصير، إلا في حالة واحدة يكون التقصير فيها أفضل من الحلق.
المقدم: وهي؟
الشيخ: وهي إذا قدم الحاج إلى مكة، وكان قدومه متأخرًا، وأراد أن يأتي بعمرة متمتعًا، كأن يأتي مثلًا رابع ذي الحجة أو في اليوم الخامس من ذي الحجة، أو السادس أو السابع، فالأفضل أن يقصر ولا يحلق؛ لماذا؟
لأجل أن يجعل الحلق للحج؛ لأن الحج آكد من العمرة، فلو أنه حلق للعمرة ما بقي شيء للحج؛ لأن الحج قريب، فإذا كان قدومه متأخرًا، فالأفضل أنه يقصر.
والدليل لهذا أن أصحاب النبي في حجة الوداع كان قدومهم رابعة ذي الحجة، فلم يحلقوا، وإنما قصروا، فهذه هي الحالة الوحيدة التي يكون التقصير فيها أفضل من الحلق، وإلا فالأصل أن الحلق أفضل من التقصير.
المقدم: بالنسبة للهدي الناس توكِّل الآن، يعني لا يقوم الحاج بذلك، هذا لا بأس به؟
الشيخ: التوكيل لا بأس به إذا كان الموكَّل ثقة لا بأس به.
المقدم: نعم، إذا رمى وحلق، أو قصر، هنا تحلل.
الشيخ: سنأتي للتحلل، سنأتي له بالتفصيل، لكن بالنسبة للهدي ينبغي أن يحرص المسلم على أن يكون الهدي أكمل وأحسن؛ لأن بعض الناس ربما اختار هديًا بثمن بخس، وبعض الناس يفر أصلًا من الهدي، تجد أنه يختار نسك الإفراد، حتى لا يكون عليه هدي.
أقول: ما تنفقه من نفقة في الحج فإن النفقة مخلوفة، والأجر عظيم، والثواب جزيل، والله تعالى يقول: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37]، والأفضل في كل جنس من بهيمة الأنعام أسمنه، وأغلاه ثمنًا.
المقدم: وهي نفس شروط الأضحية.
الشيخ: نفس شروط الأضحية، فإذًا هذا ما يتعلق بالهدي، بعد ذلك قلنا: الحلق والتقصير، والحلق أفضل من التقصير، والنبي لما رمى جمرة العقبة ذبح الهدي، وقلنا: إنه مائة من البُدن، وحلق رأسه عليه الصلاة والسلام، ثم تحلل من إحرامه، وطيبته عائشة رضي الله عنها، كان عليه الصلاة والسلام يحب الطيب، كانت رائحته طيبة، ويحب الطيب.
وبل إنه لم تشم رائحة كريهة من النبي قط، يحرص عليه الصلاة والسلام على النظافة.
المقدم: كأنه جونة عطار.
الشيخ: نعم، وعلى طيب الرائحة، ويحب الطيب عليه الصلاة والسلام، فتطيب بعدما تحلل من إحرامه التحلل الأول.
المقدم: تبقى هناك شيخنا مسائل نرجئها إلى حلقة قادمة.
الشيخ: إن شاء الله تعالى.
المقدم: بإذن الله.
رفع الله مقامك، وأشكرك شيخنا في ختام هذا اللقاء.
الشكر كذلك موصول لكم أنتم مشاهدينا الكرام بعد شكر الله ، كان معنا صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، أطيب المنى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.