المقدم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا وسهلًا بكم مشاهدينا الكرام، مشاهدي شبكة قنوات المجد الفضائية، أهلًا بكم في لقاء جديد من برنامجكم “مسائل في الحج”، الذي نصحب فيه صاحب الفضيلة شيخي الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
صاحب الفضيلة أهلًا وسهلًا بك.
الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المشاهدين.
المقدم: الله يبارك فيك شيخنا الكريم، وصلنا إلى يوم عظيم يباهي فيه الله ملائكته، ويدحر فيه الشيطان دحرًا عظيمًا، يوم عرفة، ما يوم عرفة؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيوم عرفة يوم عظيم من أيام الله تعالى المشهودة، وهو يوم يباهي الله تعالى الحجيج ملائكته، ويقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء، أتوني شعثًا غبرًا ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم [1].
هذا اليوم تتنزل فيه الرحمات، وتستجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتكفر فيه الخطايا والسيئات، جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أنّ النبي قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو بهم، فيباهي بهم ملائكته، ويقول: ما أراد هؤلاء؟ [2].
فتأملوا هذا الحديث العظيم، ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة أي: أنه في هذا اليوم يكثر العتق من النيران، يعتق الله تعالى فيه عبيدًا كثيرًا من النار.
وهذا يدل على عظيم الرحمات التي تتنزل في هذا اليوم؛ ولهذا ما رُئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة، إلا ما رُئي يوم بدر؛ لما يَرى من عظيم تنزل رحمة الله تعالى على عباده، فيكثر عتق الله للحجيج من النار في هذا اليوم العظيم وإنه ليدنو بهم وإن الرب وهو العلي الأعلى يدنو بالحجيج دنوًا يليق بجلاله وعظمته، وهذا الدنو عند أهل السنة والجماعة دنو حقيقي على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته، وهو كسائر أفعاله، وكسائر صفاته جل وعلا على الوجه اللائق به لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
ويباهي بهم ملائكته تحصل المباهاة بالحجيج، فيقول الله للملائكة: ما أراد هؤلاء؟ هؤلاء الحجيج المجتمعون بلباس واحد، قد زالت الفروق بينهم، أتوا إلى هذا المكان من كل حدب وصوب، من جميع أقطار الدنيا أتوا إلى هذا المكان، في هذا الزمان، بلباس واحد، لغرض واحد، وهدف واحد، أتوا مختارين، بل مشتاقين ومتلهفين، ماذا يريد هؤلاء؟ ماذا أراد هؤلاء من هذا الاجتماع؟ ولماذا أتوا لهذا المكان؟ أتوا يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا؛ ولهذا يقول الرب للملائكة: انظروا إلى عبادي هؤلاء أتوني شعثًا غبرًا ضاحين يعني: قد كشفوا عن رؤوسهم، أشهدكم أني قد غفرت لهم.
وتحصل المباهاة أيضًا؛ لأن الله تعالى قال للملائكة لما أراد أن يخلق البشر، أخبر الملائكة: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:30].
فالله تعالى يقول للملائكة: ألستم قلتم: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30]؟ انظروا إلى عبادي هؤلاء، ماذا أراد هؤلاء؟ ولأي غرض اجتمعوا؟ انظروا إليهم شعثًا غبرًا ضاحين، رافعين أكفهم بالدعاء، وبالضراعة إلى الله ، وبالتلبية، ما أراد هؤلاء؟ فيقول: انظروا إلى هؤلاء، ألم أقل لكم: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:30].
هذه من حكمة خلق الله تعالى للبشر أن يجعل منهم صالحين، ويجعل منهم عبادًا، ويصطفي منهم أنبياء وأولياء وشهداء وصدقين وصالحين، هذا المظهر الحقيقة أنه مظهر عجيب جدًّا، هذا المظهر مظهر اجتماع الحجيج في عرفات من المظاهر المشرقة، ومن المظاهر العظيمة جدًّا في الأمة.
ولهذا لو أن إعلام الأمة الإسلامية غطّى هذا المظهر تغطية عالية، ونقله إلى غير المسلمين؛ لحصل من ذلك خير عظيم، وحصل من جراء ذلك تأثر كبير من غير المسلمين، وفي هذا يعني هذا المظهر الحقيقة يظهر علو دين الإسلام على سائر الأديان، والله تعالى يقول: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33].
أعطني دينًا من الأديان أو ملة من الملل تجمع هذه الجموع الغفيرة؟ تجمعهم من جميع أقطار الدنيا، من جميع البلدان، من أقصى الشرق، ومن أقصى الغرب، ومن أقصى الشمال، ومن أقصى الجنوب، يأتون من جميع البلدان، وبعضهم فقراء ما يملك إلا شيئًا يسيرًا.
المقدم: إلا نفقة حجه.
الشيخ: وبعضهم يجمع الدرهم فوق الدرهم لأجل الوصول إلى هذه الأماكن، ومع ذلك يأتون مشتاقين متلهفين، وتجد الفرحة العارمة العظيمة على الإنسان إذا تيسر له الوصول إلى هذه البقاع الطاهرة.
فهذا الدين الذي جمع هذه الجموع الغفيرة لا نظير له في الوقت الحاضر، هؤلاء المسلمون اجتمعوا بدين الله إخوانًا في هذا المكان، قد زالت بينهم الفوارق، فهذا من أعظم المظاهر، هذا في الحقيقة هو مظهر مصغر للأمة الإسلامية، مؤتمر عظيم للمسلمين، يجتمعون فيه في هذا المكان، يقولون للناس، ويقولون للعالم: انظروا إلى حال الإسلام، هؤلاء هم أهل الإسلام، انظروا إلى حال المسلمين، انظروا إلى حال الأمة الإسلامية على رغم ما فيها من الجراح، وما حل بها من المصائب والخطوب، إلا أنهم اجتمعوا في هذا المكان استجابة لنداء الخالق، نداء الرب العظيم ، فيتبين بهذا عظمة هذا الدين، وعلو قدره ومكانته ومنزلته.
المقدم: نعم، أنا صراحة ما كنت أريد أن أقطعك في مثل هذه المشاعر، وهذه الأشواق التي تفيض منها دموع الأحداق، يوم عرفة بعد هذه التوطئة الجميلة منكم شيخنا الكريم، متى يبدأ يومه، ومتى ينتهي؟ وما القدر الذي يعد به المرء قد وقف بعرفة؟
الشيخ: يبتدئ وقت الوقوف بعرفة، أولًا إذا قلنا: الوقوف، بعض العامة يعتقد أن الوقوف أنه يظل واقفًا، هذا فهم غير صحيح، وإنما قلت هذا؛ لأن ورد في أسئلة، بعض العامة يعتقد كلمة وقوف أنه يظل واقفًا، وبعض الناس يعتقد أيضًا أن المبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى أنه لا بد أن ينام، وهذا كلها غير صحيح، المقصود المكث بعرفة، المكث بمنى، المكث بمزدلفة، هذا هو المقصود، سواء نام أو لم ينم، سواء وقف أو قعد، فهذا هو المقصود بالوقوف.
الوقوف بعرفة يبتدئ من زوال الشمس، يعني من وقت أذان الظهر، وهذا هو قول أكثر أهل العلم، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عند الحنابلة، وعده ابن المنذر وابن عبد البر إجماعًا، وإن كانت المسألة ليست فيها إجماع، فمذهب الحنابلة معروف أن وقت الوقوف يبدأ من طلوع الفجر، والقول الراجح هو قول الجماهير، وأن وقت الوقوف إنما يبتدئ من زوال الشمس؛ لأن النبي إنما وقف من بعد الزوال، فقد قال: لتأخذوا عني مناسككم [3].
والخلفاء الراشدون من بعده إنما كانوا يقفون بعرفة من بعد الزوال، فوقت الوقوف إذن على القول الراجح وهو قول أكثر أهل العلم إنما يبتدئ من بعد الزوال.
ولهذا إذا أتى الحاج إلى عرفات مبكرًا، فينبغي أن يرتاح، ويتهيأ للوقوف، أقول هذا؛ لأن بعض الحجيج يصل لعرفات من الصباح، ويبدأ بالدعاء ويجتهد في الدعاء، فإذا أتى بعد الزوال وهو وقت الوقوف، إذا هو متعب فنام عن وقت الوقوف.
المقدم: وهو وقت الغنائم.
الشيخ: نعم، كان يفترض العكس، أول ما يصل لعرفات يرتاح ويتهيأ، حتى إذا زالت الشمس، هنا يجتهد في الدعاء، يجتهد في الذكر، وأفضل عمل يعمله الحاج في يوم عرفة هو الدعاء: لماذا؟ لأن النبي في يوم عرفة إنما اشتغل بالدعاء فقط، فإنه عليه الصلاة والسلام أول ما أتى نزل بنمرة إلى زوال الشمس، ثم ذهب إلى وادٍ، وخطب بالناس خطبة عرفة، ثم أمر المؤذن فأذن، ثم أقيمت صلاة الظهر فصلاها ركعتين، ثم أقيمت صلاة العصر فصلاها ركعتين، ثم سار عليه الصلاة والسلام إلى أقصى عرفات عند الصخرات عند الجبل هو جبل هلال الذي يُسمى جبل الرحمة.
طيب هل نزل عليه الصلاة والسلام؟ هل كان له مخيم؟ هل كان له خيمة؟ أبدًا، ذهب بناقته وأناخ ناقته، وجعل راكبًا على ناقته، مستقبلًا القبلة رافعًا يديه، يدعو طيلة الوقت.
لاحظ أنه وقت طويل، يعني من بعد الظهر إلى غروب الشمس، يعني كم ساعة؟ يعني: ما يقارب ست ساعات على الأقل، طيلة هذا الوقت لم ينشغل عليه الصلاة والسلام بأي عمل إلا بالدعاء، رافعًا يديه يدعو، حتى إن خطام ناقته سقط، فأخذه بإحدى يديه، وهو لا يزال رافعًا باليد الأخرى.
وشك الصحابة هل كان النبي صائمًا؟ لأنهم رأوه طيلة الوقت وهو يدعو، ما انشغل بأي شيء آخر، فأراد الصحابة أن يختبروه، فأرسلت إليه أم الفضل بلبن بعد العصر، فشرب منه، والناس ينظرون، فعرفوا أنه كان مفطرًا، ولم يكن صائمًا.
لكن حصلت قضية: وهو أن رجلًا وقصته ناقته، وهو محرم في يوم عرفة، ويعني هذا يدل على أنه كان في حوادث في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، لكن حوادث قليلة، يعني أشبه بحوادث السيارات عندنا الآن، وقصته ناقته فمات، فأتوا النبي في عرفات وهو يدعو، فقطع النبي عليه الصلاة والسلام دعاءه وأفتاهم، وقال: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمِّروا رأسه، ولا تحنّطوه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا [4].
المقدم: من عاش على شيء مات عليه.
الشيخ: نعم، ثم أكمل عليه الصلاة والسلام دعاءه؛ ولذلك يا أخي الحاج أفضل عمل تشتغل به يوم عرفة الدعاء، احرص على الدعاء.
طيب قد يقول قائل: بماذا أدعو؟ ادع الله تعالى بما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة، الدعاء في هذا المقام، وفي هذا الزمان حري بالإجابة، ادع الله تعالى، اسأل الله تعالى الجنة، استعذ بالله من النار، ادع الله تعالى بمغفرة الذنوب، ادع الله تعالى، أكثر دعاء كان يدعو به النبي عليه الصلاة والسلام: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار [5].
ادع الله تعالى بالإعانة على طاعته، ادع الله تعالى لوالديك ولأسرتك ولأولادك بالصلاح، وللأمة الإسلامية بالنصر، ادع الله تعالى بما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة.
ولا بأس أن يتحدث الإنسان مع أصحابه، لكن لا يكون هذا هو الغالب على وقته.
المقدم: حتى يعني فقط يعيد نشاطه، ثم يرجع للدعاء.
الشيخ: يلاحظ على بعض الناس أنهم ينشغلون بالسواليف والأحاديث الجانبية في يوم عرفة، وسبحان الله كأن السواليف ما تحلو إلا في ذلك اليوم، وبعضهم ينام، وأيضًا كأن النوم ما يحلو إلا في ذلك المكان.
المقدم: والأصل أن كان يتهيأ من ليلة البارحة، يعني ليلة عرفة كان الأصل أن ينام لا يحييها.
الشيخ: نعم، يستعد لهذا المقام، ويستعد لهذا الموقف العظيم، فينبغي أن يغتنم الحاج هذا الوقت الثمين من العمر، هذه السويعات ما بين زوال الشمس إلى غروبها من يوم عرفة، هذه أعتبرها من أثمن أوقات العمر، أثمن أوقات عمر الإنسان هو هذا الوقت، فينبغي أن يغتنمه في الدعاء، يضرع إلى الله في الدعاء بما يحضره من خيري الدنيا والآخرة.
المقدم: متى ينتهي وقت الوقوف بعرفة؟
الشيخ: ينتهي وقت الوقوف بعرفة بطلوع الفجر، فمن أدرك عرفة قبل طلوع الفجر، ولو بلحظة فقد أدرك الحج، ولكن السنة من وقف بعرفة نهارًا أن يدفع بعد غروب الشمس، لكن وقت الوقوف بعرفة يمتد إلى طلوع الفجر.
المقدم: الذي وقف نهارًا يبقى إلى الغروب، لكن الذي وقف ليلًا ما مقدار المكث؟
الشيخ: الذي وقف ليلًا يكفيه ولو وقف لحظة.
المقدم: ولا يترتب عليه…
الشيخ: لا يترتب عليه شيء.
المقدم: أما الذي وقف نهارًا، وخرج قبل غروب الشمس يترتب عليه؟
الشيخ: من وقف نهارًا، ودفع من عرفة قبل غروب الشمس، فإنه عند الجمهور عليه دم؛ لأنه ترك واجبًا من واجبات الحج، وبعض الفقهاء يشدد في هذا، وبعضهم يتسامح أيضًا، لكن القول الوسط هو أن عليه دمًا؛ لأن الواجب عليه إما أن يقف بعرفات ليلًا، أو يجمع بين الليل والنهار، والأكمل أن يقتدي بالنبي ، وأن يقف بعرفات من بعد الزوال إلى غروب الشمس.
المقدم: بحكم الزحام بعض الحملات ربما تبدأ تتهيأ قبل ساعة ربما من الغروب، وتبقى الحافلات كلها في حدود عرفة، ثم مع الغروب تكون قد خرجت، يعني هذا التهيؤ في الحافلات لا إشكال فيه؟
الشيخ: لا إشكال فيه؛ لأنهم هم الآن داخل حدود عرفة، لكن ينبغي لمن كان داخل الحافلة أن يشتغل بالدعاء؛ لأن بعض الناس يظن أنه إذا ركب الحافلة، وهو لا زالت لم تغرب الشمس، ولا زالت الحافلة في حدود عرفة يظن أنها قد انقضت يعني أعمال يوم عرفة، هذا غير صحيح، يدعو وهو في الحافلة يرفع يديه ويدعو إلى أن تغرب الشمس.
المقدم: هذا حد عرفة زمانيًّا، فما حده مكانيًّا؟
الشيخ: حده مكانيًّا العلماء من قديم عنوا بحدود المشاعر عناية كبيرة؛ ولذلك وضعت علامات على عرفة، والآن عليها لوحات واضحة بداية عرفة، نهاية عرفة، ورُوعيت فيها الأحاديث الشرعية ارفعوا عن بطن عرنة [6].
يعني: لم يدخل فيها بطن عرنة، وحددت تحديدًا دقيقًا، فهذه يعني العلامات واللوحات الموجودة هي جهود أو ثمرة جهود كبيرة لعلماء قاموا بهذا، فعلى الحاج أن يلتزم بأن يكون داخل حدود عرفة، فيتأكد من أنه داخل حدود عرفات، ينظر إلى اللوحة بداية عرفة، وأنه قد دخل عرفات؛ لأن بعض الحجاج يقف خارج حدود عرفة.
المقدم: جبل الرحمة من عرفة.
الشيخ: بعض الحجاج الحقيقة عنده لا مبالاة غير مهتم، يرى الحجاج في عرفات، ويقف خارج حدود عرفة، لا يكلف نفسه أن يرفع رأسه وينظر إلى اللوحة بداية عرفة، ومن لم يقف بعرفة فلا حج له، حجه غير صحيح؛ لأن الوقوف بعرفة هو آكد أركان الحج الحج عرفة [7].
المقدم: ولو وقتًا يسيرًا؟
الشيخ: ولو وقتًا يسيرًا، لكن يعني بعض الناس عنده لا مبالاة، لا يبالي، فمن لم يقف بعرفة فلا حج له، وأما جبل الرحمة، أولًا تسميته جبل الرحمة يعني من تسمية بعض العامة، وهو جبل هلال، لكن سموه بجبل الرحمة، يعني تفاؤلًا بتنزّل الرحمة على الناس في ذلك المكان، هو جبل هلال، لكن هل يشرع صعود الجبل؟ لا يشرع، لماذا؟ لأن النبي لم يصعد الجبل، ولم يأمر أحدًا من أصحابه بصعود الجبل.
المقدم: وهذا من المشقة.
الشيخ: ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك، وأكمل الهدي هدي النبي ، وهدي أصحابه ، فصعود الجبل هذا ليس مشروعًا، والنبي عليه الصلاة والسلام وقف عند الجبل مستقبل الصخرات، رافعًا يديه يدعو، هذه هي السنة، أما صعود الجبل فهذا غير مشروع.
وأيضًا بعض الناس يتمسح بالقرن الموجود في الجبل، وهذا من البدع، وبعض الناس يتمسح حتى بالتراب، وبالرمل الموجود على الجبل، هذا أيضًا من البدع، والنبي يقول: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد [8]، ويقول: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد [9]، فأنت يا أخي المسلم أتيت لهذه الأماكن تبتغي فضلًا من الله ورضوانًا، فعليك أن تتبع ولا تبتدع.
المقدم: من لم يسمع خطبة الخطيب في يوم عرفة.
الشيخ: من لم يسمع خطبة الخطيب فلا شيء عليه، والسنة أن يخطب الخطيب خطبة، ويصلي بالناس صلاة الظهر والعصر قصرًا وجمعًا، ومن كان في المخيمات، فإذا كانت المخيمات قريبة من المسجد، فإنهم يصلون معهم، وإذا كانت بعيدة فإنهم يصلون وحدهم مستقلين، وينبغي أن يستمعوا لخطبة عرفة، أن يستمع الحجيج لخطبة عرفة، والآن يتيسر نقلها عبر الإذاعة مثلًا، فيمكن أن يؤتى بالمذياع مثلًا، ويسمع الحجيج داخل المخيم، ثم يؤذن وتصلى صلاة الظهر جمعًا وقصرًا.
المقدم: ذكرتم شيخنا أنه ينشغل الحاج بالدعاء، وربما بعض طلبة العلم يراها فرصة لأن يلقي بعض المواعظ، أو بعض الدروس، هل ترون في ذلك حرجًا؟
الشيخ: هذا أرى أنه غير مناسب؛ لأن المقام مقام دعاء، وأكمل الهدي هدي النبي ، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما اشتغل بالدعاء، وليس هناك أفضل من هدي النبي عليه الصلاة والسلام، والدروس والمواعظ لها مقام آخر، ولها وقت آخر، ومكان آخر، لكن يحث الناس على الدعاء.
المقدم: أو رأى منكرًا.
الشيخ: نعم، يحث الناس على الدعاء، يحث الناس مثلًا على اغتنام هذه الأوقات، يحث الناس على ما له صلة بالحج، على الاعتبار على..، لكن لا يجعل هذا يشغل حيزًا كبيرًا من الوقت، وإنما يجعل معظم الوقت في الدعاء، وينبغي لطالب العلم أن يكون قدوة لغيره من الحجاج بقوله وفعله، يحث الناس على الدعاء ويدعو، ويجعل معظم وقته للدعاء، ويقتدي بالنبي في هذا.
المقدم: وهذا يُبيّن أهمية الدعاء، البعض ربما يرى أنه الناس قد أتوا من الآفاق، ويرى عليهم بعض الأخطاء، فيقول: إن هذه هي الفرصة، لكن مثل ما ذكرتم أنه قضية الانشغال بالدعاء هو الأولى.
الشيخ: هو الحج الحقيقة فرصة، فرصة للدعوة إلى الله ، وفرصة أيضًا لتصحيح الانحراف الواقع في عقائد بعض الناس، ولكن يعني الحج وقته واسع، أما هذا الوقت سويعات ما بين زوال الشمس إلى غروبها يوم عرفة، هذا هو ينبغي أن يخصص للدعاء، لكن تعليم الحجاج ودعوة الحجاج، وموعظة الحجاج تكون في الأوقات الأخرى.
بل إن منطلق الدعوة الإسلامية هي في الحقيقة من الحج، النبي عليه الصلاة والسلام كان يغتنم الحج للدعوة إلى الله تعالى، وكان يعرض نفسه على قبائل العرب لأجل نصرته، وكان كلما عرض نفسه على قبيلة من قبائل العرب، مشى خلفه عمه أبو لهب، فإذا فرغ النبي عليه الصلاة والسلام من عرض نفسه على القبائل، قال أبو لهب: أنا عمه، وأنا أدرى الناس به، هذا مجنون لا تصدقوه.
لكن الله تعالى قيض الأنصار، فالأنصار كانوا في المدينة، كانت تسمى يثرب، وكان فيها اليهود، وكان اليهود عندهم في التوراة أنه سيخرج نبي، وأن هذا الزمان زمن النبي، فكانوا يهددون الأوس والخزرج، يقولون: إذا خرج هذا النبي سنتبعه، ونخرجكم من المدينة، فكان عندهم خلفية، يعني: الأوس والخزرج.
لما أتى النبي وعرض عليهم دعوته، وأن ينصروه، قالوا: هذا هو النبي الذي تهددكم به اليهود، لا تسبقكم إليه اليهود اتبعوه، فكانت نفوسهم متهيئة، فأسلموا وقبلوا دعوة النبي ، ثم هاجر إليهم النبي ، ومنذ ذلك الحين انطلقت الدعوة الإسلامية، وتكونت الدولة، فمنطلق الدعوة الإسلامية كانت في الحقيقة من الحج؛ ولهذا ينبغي اغتنام الحج في الدعوة إلى الله ، وفي تعليم الناس العلم الصحيح.
المقدم: نعم، رفع الله مقامك شيخنا، وأشكرك في ختام هذا اللقاء.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المشاهدين.
المقدم: الشكر كذلك موصول لكم أنتم مشاهدينا الكرام بعد شكر الله ، كان معنا صاحب الفضيلة شيخي الأستاذ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، لقاء قادم، أطيب المنى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.