logo

(8) فتاوى على القناة السعودية

مشاهدة من الموقع

المقدمة

المقدم: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

طبتم وطاب مساؤكم بالخير والمسرات.

مرحبًا بكم مشاهدينا الكرام إلى حلقة جديدة مباشرة من برنامجكم “فتاوى”، والذي يأتيكم عبر قناة السعودية، رحبوا معي في مطلع هذا اللقاء بمعالي شيخنا الشيخ: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء، حياكم الله يا شيخ سعد.

الشيخ: أهلًا، حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المشاهدين.

المقدم: بارك الله فيكم، أسعد مشاهدينا الكرام باستقبال أسئلتكم واستفتاءاتكم تباعًا على هاتف البرنامج، أو عبر أدوات التواصل الاجتماعي.

حياكم الله يا شيخ سعد.

حكم بطاقات جمع النقاط عند الشراء

ورد مجموعة من الأسئلة يا شيخ سعد، حول البطاقات التي تضعها بعض الصيدليات، أو بعض السوبر ماركات الكبيرة التي هي بجمع النقاط، مدى جواز مثل هذه البطاقات؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأسأل الله تعالى أن يبارك في هذا اللقاء، وأن يوفقنا؛ لأن نقول ما يرضيه جل وعلا.

هذا النوع من البطاقات إذا كان المتعامل بهذه البطاقات إما غانم وإما سالم فلا بأس بها، أما إذا كان المتعامل بها إما غانم، وإما غارم، فإنها تدخل تحت الميسر.

ووجه ذلك: أن المتعامل بهذه البطاقات إذا كان لا يدفع رسمًا، والصيدلية أو المحل التجاري عمومًا يبيع بسعر السوق، لا يزيد في السعر لأجل هذه النقاط أو البطاقات، فهذا لا بأس به، بل هو في الحقيقة تخفيض بطريق غير مباشر، تخفيض وضع له شروط معينة، ولا أحد يمنع البائع من أن يخفض من سلعته، سواء أكان ذلك بصفة مباشرة أو بغير مباشرة. فهذا صاحب الصيدلية مثلًا يريد أن يخفض، لكن بطريقة غير مباشرة، قال: أنا أريد أن أخفض للزبائن الذين يتعاملون معي كثيرًا، أعطيهم بطاقات، أو أضع لهم نقاطًا، وإذا جمعوا عددًا أكبر من البطاقات أو النقاط فأنا أعطيهم حوافز، أعطيهم هدايا، أخفض لهم، هذا لا بأس به؛ وذلك لأنه لا يترتب على هذا مفسدة، ولا يدخل تحت قاعدة الميسر، وليس فيه جهالة، ولا غرر، وإنما هو تخفيض من صاحب المحل لكن بطريقة غير مباشرة.

 أما إذا كان الذي يحصل على البطاقة أو النقاط يدفع عوضًا، فهذا يدخله تحت قاعدة الميسر؛ لماذا؟ لأنه إذا بذل عوضًا فيكون مترددًا بين الغُنم والغُرم، بين الربح والخسارة، دفع مثلًا خمسمائة ريال ما ندري، هل سيستفيد من الخمسمائة أو يستفيد أضعافها أو أقل منها أو لا يستفيد منها شيئًا؟ هو ما يدري هو دفع مبلغًا وما يدري ماذا يحصل له في المستقبل هذا من الغرر، وهذا يدخله تحت قاعدة الميسر، وهذا لا يجوز.

وهكذا لو كان صاحب الصيدلية رفع السعر، أو صاحب المحل التجاري رفع السعر لأجل هذه النقاط أو لأجل هذه البطاقات؛ فمعنى ذلك أن هذه البطاقات لها ثمن، لها رسم، لكن أيضًا بطريق غير مباشر، وهو يعني القدر الزائد على الثمن على سعر السوق، فهذا أيضًا لا يجوز، إذن مثل هذا النوع من البطاقات ومثل النقاط ونحوها نقول: يجوز بشرطين:

  • الشرط الأول: أن يكون المتعامل يعني الزبون مثلًا لا يدفع أي: عوض للحصول على هذه النقاط، أو البطاقات.
  • الشرط الثاني: أن المحل التجاري يبيع بسعر السوق، فإذا تحقق هذان الشرطان فلا بأس بالحصول على هذا النوع من البطاقات أو النقاط.

ومثل ذلك أيضًا محطات الوقود التي تعطي من يعبئ عندها وقودًا هدايا كمناديل مثلًا ونحوها؛ هذه لا بأس بها لأن هذا تخفيض بطريق غير مباشر.

وهكذا أيضًا أصحاب المحلات الكبيرة الذين يضعون مثلًا جوائز كالسيارات، أو هدايا قيمة، أو حتى هدايا بسيطة أيضًا لا بأس بمثل هذا، بهذين الشرطين:

  • ألا يدفع المتعامل معهم عوضًا لأجل هذه الجوائز.
  • وأن يبيعوا بسعر السوق.

فإذا تحقق هذان الشرطان فلا بأس بهذه الجوائز، ولا بأس بهذه الهدايا، وهي في الحقيقة تخفيض بطريق غير مباشر، وتسويق بطريقة جائزة، ولا بأس بها.

الضوابط الشرعية لتخفيضات المحلات

المقدم: أبو بدر يسأل عن التخفيضات التي تقوم بها بعض المحلات التجارية الكبيرة، هل هذه التخفيضات لها ضوابط شرعية معينة أم أن الأمر يتعلق بوزارة التجارة؟

الشيخ: التاجر حر في تجارته بشرط ألا يلحق الضرر بالآخرين، وألا يكون غش ولا ضرر، لكن من جهة أنه يريد أن يخفض الثمن، فالأصل في هذا الجواز، أمور التجارة من قديم الزمان قائمة على هذا، لكن بعض أصحاب المحلات التجارية يغررون بالناس يضعون تخفيضات وهمية، فيأتي هذا المستهلك ويشتري من هذا المحل بناء على المعلن على أنه تخفيضات، لكن هذا المحل لم يخفض في الحقيقة، حقيقة الأمر أنه رفع السعر ثم خفض، هذا غش، ولا يجوز.

ولهذا وزارة التجارة هنا تمثل ولي الأمر تتدخل فتجعل التخفيضات بتصريح من وزارة التجارة، حتى تعرف السعر الحقيقي لهذه السلع والتخفيض الحقيقي يعني هل التخفيض حقيقي أو أنه وهمي؛ ولذلك لا بد في مثل هذه التخفيضات من الالتزام بضوابط وزارة التجارة وتعليمات وزارة التجارة نظرًا لأن الوزارة في الحقيقة تعمل لصالح المستهلك؛ لأجل محاربة التغرير والغش والخداع للمستهلك، وحينئذٍ فهذا الأمر التنظيمي داخل في طاعة ولي الأمر؛ لأن وزارة التجارة تمثل في هذا المجال ولي الأمر، وطاعة ولي الأمر تجب بالمعروف، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].

فهذه التنظيمات هنا نقول: يتعين الالتزام بها؛ لأنها من ولي الأمر، وزارة التجارة تمثل ولي الأمر في هذا، ثم أيضًا فيها مصلحة عامة، فبعض المحلات التجارية تغرر بالناس تضع تخفيضات وهمية، والواقع أنها لم تخفض؛ فوزارة التجارة تشرف على هذه التخفيضات.

هل يأثم التاجر الذي يستورد البضاعة المحرمة؟

المقدم: أحسن الله إليكم، نختم موضوع التجارة يا شيخ سعد: هل يأثم التاجر الذي يستورد البضاعة المحرمة، سواء كانت ألبسة يعني نسائية، أو كانت مثل تجارة التدخين أو التبغ أو الشيشة أو غير ذلك، ثم يقول: أنا أضع التجارة والإثم على من يشتري؟

الشيخ: من تسبب في إيقاع غيره في الإثم فإنه يشترك معه في الإثم، والدليل لهذا قول النبي : من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه [1]، أخرجه مسلم في صحيحه، وهذه قاعدة الشريعة: أن من تسبب في هداية غيره يكون له من الأجر مثل أجور من تبعه، ومن تسبب في إضلال غيره أو في إيقاع غيره في الإثم يكون عليه من الآثام مثل آثام من تبعه أو من فعل هذه المعصية، بل حتى وهو ميت يعني حيًّا وميتًا من تسبب في هداية غيره يلحقه الأجر وهو ميت، ومن تسبب في إضلال غيره يلحقه الإثم وهو ميت، وهذه هي الآثار التي ذكرها الله تعالى في قوله: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12]، فبيّن الله ​​​​​​​ أن الإنسان يكتب له أمران:

  • الأمر الأول: ما قدمته يداه، ما عمل من صلاة وصيام وزكاة وأعمال صالحة.
  • الأمر الثاني: الآثار التي خلفها بعد مماته، إن خلف آثارًا حسنة كتب له أجرها ما دام ينتفع بها، وإن خلف آثارًا سيئة كتب عليه وزرها أيضًا.

فإذن يكتب للإنسان هذان الأمران: ما قدمت يداه والآثار، إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12].

ويتفرع عن هذا السؤال، الإجابة عن السؤال وهو أن من باع أمرًا محرمًا فإنه لا شك أنه يأثم؛ لأنه تسبب في إيقاع غيره في الإثم، فكل من باع أمرًا محرمًا، فإنه بهذا البيع يكون آثمًا، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].

هل يجوز دفع الزكاة في فرش المساجد وترميمها؟

المقدم: يسأل عن دفع الزكاة في أبواب الخير مثل فرش المساجد وترميمها، وغير ذلك؟

الشيخ: مصارف الزكاة تولَّى الله تحديدها بنفسه جل وعلا، ولم يجعل ذلك إلى اجتهاد الناس، وإنما تولى الله تعالى تحديدها بنفسه، قال : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ثمانية مصارف فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60]، أي: أن هذا إنما صدر عن علم وعن حكمة.

ولاحظ كيف أن الآية صدرت بأداة الحصر إِنَّمَا وهذا فيه إشارة إلى أن الزكاة لا تدفع لغير هذه المصارف الثمانية.

بالنسبة لبناء المساجد وترميمها وفرش المسجد، هل يدخل في هذه المصارف الثمانية؟

من أهل العلم من أدخله في مصرف في سبيل الله، ولكن هذا محل نظر؛ إذ أن المقصود بقوله: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني: الجهاد في سبيل الله، وهذا يشمل جهاد السلاح، ويشمل أيضًا في أرجح قولي العلماء جهاد الدعوة، لكن يكون هذا فيما تمحض في الدعوة إلى الله لأن الغرض من الجهاد في سبيل الله هو نشر الدعوة إلى الله تعالى، والدفاع عن دين الله، وعن المسلمين.

فما تمحض في الدعوة يمكن أن يقال بجواز دفع الزكاة فيه مثل مثلًا مكاتب الدعوة، ونحو ذلك.

أما بناء المساجد وفرش المساجد وترميم المساجد، لا يدخل في هذه المصارف الثمانية، وعلى هذا فلا يجوز دفع الزكاة فيها، وإنما يدفع فيها من التبرعات من الصدقات ونحوها من الأوقاف، وأما الزكوات فهي خاصة بهذه المصارف الثمانية، وليس منها بناء المساجد، ولا ترميمها، ولا فرشها.

حكم شراء أشياء عينية للفقير من مال الزكاة

المقدم: يا شيخ سعد، أحيانًا شراء أشياء عينية للفقير، يعني: هذا فقير يستحق الزكاة، فبدل أن أعطيه نقودًا أشتري له ثلاجة، أشتري له فرشًا، أشتري له شيئًا عينيًا للبيت مثل هذا الأمر جائز أم لا بد أن أعطيه نقودًا؟

الشيخ: الأصل أن الفقير يُملَّك الزكاة نقدًا هذا الأصل، فيما يتعلق بزكاة النقدين والأوراق النقدية وعروض التجارة، الأصل أن الفقير يُملَّك الزكاة، والله تعالى قال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ يعني: الزكوات لِلْفُقَرَاءِ اللام هنا للتمليك للفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60]، فالأصل أن الفقير يعطى هذه الزكاة، وهو حُرٌّ فيها، يشتري بها ما شاء، ولا يمتنِ المعطي عليه، ولا يقول له: افعل كذا، أو لا تفعل كذا، هو حُرٌّ فيها، لكن بشرط أن يكون هذا المستحق للزكاة عاقلًا رشيدًا.

أما إذا كان مسرفًا ومبذرًا أو سفيهًا، فإذا أعطيته الزكاة ذهب واشترى بها دخانًا، واشترى بها أمورًا محرمة، أو أنه ما يحسن تدبير المال، فهنا يجوز أن يشترى له بها حوائج عينية، ينظر ما الذي يحتاج، يقال مثلًا: أعطنا قائمة مما تحتاج إليه، ومما تحتاج إليه عائلتك، أو مثلًا يتفق مع صاحب مواد غذائية، ويقال لهذا الفقير: اذهب وخذ من المواد الغذائية بقدر مثلًا خمسمائة ريال، أو أكثر أو أقل، فهذا لا بأس به متى؟ عند وجود المصلحة الراجحة، عندما يقال: إن هذا الفقير أنه ما يحسن تدبير المال، فهنا لا بأس بأن يشترى له بها أمورًا عينية، لكن إذا كان يحسن تدبير المال، إنسان عاقل رشيد، لكن ابتلي بالفقر، فقير لكنه إنسان ذو عقل، ويحسن تدبير المال، فالأصل أنه يُملَّك الزكاة، الأصل أنه يعطى الزكاة، وهو حُرٌّ فيها، ولا يكون لهذا المعطي للزكاة وصاية عليه، ولا يكون له أيضًا منة، أيضًا ما يجوز أن يمتن بالزكاة، إنما يعطيه إياها طيبة بها نفسه من غير منة ولا أذى.

أذكار الطواف والسعي

المقدم: سؤال نايف الأول والثاني تقريبًا قريبة من بعض، الأذكار التي أوردها فيما يخص الطواف، هل هناك أذكار معينة أيضًا للسعي يا شيخ سعد؟

الشيخ: نعم، هو جميع ما أورده صحيح، لكن لم يرد في أشواط الطواف ولا أشواط السعي دعاء أو ذكر مخصص، لم يثبت في هذا عن النبي شيء، إلا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود، أن يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

وأيضًا ما أشار إليه أنه عندما يصل إلى الصفا يقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، قبل ذلك قبل أن يصل إلى الصفا، جاء في حديث جابر : فلما دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، أبدأ بما بدأ الله به [2].

فالسُّنة أن يقول ذلك، متى؟ إذا دنا من الصفا، وليس إذا وصل إلى الصفا قبل أن يصل إليها بقليل، إذا دنا من الصفا يقرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:58]، ولا يكملها هكذا وردت الرواية: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، أبدأ بما بدأ الله به ثم يقول: لا إله إلا الله، يستقبل القبلة، ويرفع يديه: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو، ثم يكرر هذا الذكر، ثم يدعو، ثم يكرر هذا الذكر، فمعنى ذلك أنه أتى بهذا الذكر ثلاث مرات، ودعا بينهما يعني مرتين، أقصد في المرة عندما أتى للصفا، ورفع يديه، وقال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، قلنا: يكررها ثلاث مرات، ويدعو بين ذلك، إذا قلنا بين ذلك معنى ذلك أنها مرتين؛ لأنه يأتي بهذا الذكر، ثم يدعو، ثم يأتي بالذكر، ثم يدعو، ثم يأتي بالذكر، فأصبح يأتي بالذكر ثلاث مرات، ويدعو مرتين.

ثم ينطلق حتى إذا صار بين العلمين الأخضرين يسرع بقدر ما يستطيع بالنسبة للرجل، وأما المرأة فلا تفعل ذلك، ثم يأتي المروة ويفعل عندها ما فعل عند الصفا يفعل ذلك سبع مرات.

المقدم: شيخ سعد، الآن بعض الناس لا يقول من هذه الأذكار شيئًا، يطوف ويسعى لكن ما يقول أي ذكر من هذه الأذكار، هل طوافه وسعيه صحيح؟

الشيخ: طوافه وسعيه صحيح؛ لأن الإتيان بهذه الأذكار مستحب، وليس واجبًا، هو الأفضل وهو الأكمل، لكن لو لم يأت به، فطوافه صحيح، وسعيه صحيح.

ضوابط الرقية الشرعية

المقدم: أحسن الله إليكم، ضوابط الرقية الشرعية؟ وهل الشخص عندما يرقي نفسه أفضل من أن يأتي بشخص يرقيه؟ ومتى يلجأ الإنسان إلى شخص يرقيه؟

الشيخ: الرقية الشرعية تكون بالقرآن الكريم، أو بالأدعية النبوية، أو بما كان معناه واضحًا مفهومًا، أما ما كان شركيًّا أو كان معناه غير واضح وغير مفهوم فإنه لا تجوز الرقية به، لا بد أن تكون الرقية بأمور واضحة، تكون بآيات من القرآن، تكون بأدعية من السُّنة، لا بأس بأن يأتي بأدعية حتى غير مأثورة، لكنها صحيحة في معناها ليس فيها تعد، لكن لا يأتي باستغاثة بالشياطين، أو دعاء لغير الله ، أو حتى كلام غير مفهوم؛ لأن هذا يفعله بعض المشعوذين يأتي بكلام غير مفهوم، يتمتم، ويدخل أحيانًا معها آيات قرآنية، هذا لا يجوز، لا بد أن تكون جميع الرقية واضحة ومعروفة ومفهومه، والأفضل أن الإنسان يرقي نفسه بنفسه، ولا يطلب الرقية من غيره، والدليل لهذا ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي ذكر أن سبعين ألفًا من أمته يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب، ثم دخل البيت عليه الصلاة والسلام، فخاض الصحابة في من هم؟ قال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام، وقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا النبي وذكروا أوصافًا عديدة، فخرج عليهم النبي وهم يخوضون، فقال: ما شأنكم قالوا: قلت الذي قلت، يا رسول الله، فنحن نتحدث في هؤلاء السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فذكر النبي لهم أربعة أوصاف، قال: هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون [3].

  • الوصف الأول: لا يسترقون ما معنى لا يسترقون؟ يعني: لا يطلبون من أحد أن يرقيهم، ما يأتي الإنسان ويقول: اقرأ عليّ، طيب هل هذا محرم؟ لا، هذا جائز، لا بأس أن تذهب إلى إنسان، وتقول: اقرأ علي الفاتحة، اقرأ على آية الكرسي، اقرأ على ما تيسر، لكن هؤلاء لكمال توكلهم على الله وتعلقهم بالله سبحانه، لا يطلبون من أحد أن يرقيهم؛ خشية أن يشفى بسبب تلك الرقية، فيتعلق قلبه بالراقي، فيكون ذلك مؤثرًا على كمال توكله على الله ، وعلى تعلقه بالله سبحانه.
  • وهكذا أيضًا في قوله: ولا يكتوون الاكتواء لا بأس به، كان معروفًا عند العرب، لكن هؤلاء أيضًا لكمال توكلهم على الله وقوة تعلقهم بالله لا يطلبون من أحد أن يكويهم خشية أن يشفى بسبب ذلك الكي فيتعلق قلبه بمن كواه، فيؤثر هذا على توكله على الله .
  • ولا يتطيرون يعني: لا يتشاءمون لا بزمان ولا بمكان، ولا بأصوات ولا بغير ذلك؛ لأن قلوبهم متعلقة بالله على يقين بأن كل ما يحدث في هذا الكون إنما هو بقضاء الله تعالى وقدره، وأنه لا أثر لهذه الأزمان ولا الأماكن ولا الأصوات ولا الطيور ولا غيرها، ليس لها تأثير في قضاء الله تعالى وقدره كل ذلك بتقدير الله فقلوبهم متعلقة بالله  فهم لا يتطيرون.
  • ثم ذكر الوصف الرابع الذي تفرعت عنه الأوصاف الثلاثة السابقة، فقال: وعلى ربهم يتوكلون والتوكل هو من أعظم الأعمال القلبية، التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله في جلب المنافع، ودفع المضار مع فعل الأسباب المؤذون فيها.
    والله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] والله تعالى يحب المتوكلين، فكلما قوي إيمان العبد كلما قوي توكله على الله .

حكم أخذ الأجرة على الرقية

المقدم: طيب يا شيخ سعد، القعود للرقية وأخذ الأجر عليها؟

الشيخ: هذا سُئل عنه النبي في قصة النفر من الصحابة الذين نزلوا في حي من أحياء العرب، وكان من عادة العرب ما كان عندهم فنادق أو شقق، وإنما كانوا إذا سافروا ينزلون على غيرهم أضيافًا، فنزل نفر من الصحابة على حي من أحياء العرب؛ لكي يستضيفوهم فأبوا أن يضيفوهم، ثم لُدغ سيدهم، فلما لُدغ سيدهم بحثوا له عن علاج، قالوا: إن هنا نفرًا من العرب نزلوا عندنا ذهبوا وأتوا إليهم، وقالوا: هل عندكم من راقٍ؟ هل عندكم من طب؟ فقال أحد الصحابة وكان لا يعرف أصحابه أنه يرقي: والله إني لأرقي، لكنكم لم تضيفونا، ولم تقرونا، فلا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلًا، قالوا: نجعل لك جعلًا قطيعًا من غنم، فأتى هذا الصحابي إلى سيد أولئك القوم، وقرأ سورة الفاتحة فقط، سبحان الله! انظر إلى عظيم تأثير القرآن، مع أنه لدغته العقرب، ونفذ سم العقرب في دمه، فلما قرأ عليه الفاتحة شُفي تمامًا، وهو غير مسلم، وقام، وكأنما نشط من عقال، وفي رواية: “ما به من قَلَبة” [4]، ما يشتكي من شيء، سبحان الله!

انظر إلى عظيم تأثير القرآن، والرقية الشرعية.

فأعطوهم هذا القطيع من الغنم على حسب الاتفاق، ثم إن الصحابة تشاوروا واستشكلوا هذا، كيف نأخذ يعني جعلًا، ونأخذ غنمًا على رقية؟ قالوا: إذن نذهب نستفتي النبي ؟ فذهبوا إلى النبي ، وأخبروه بالقصة، فقال عليه الصلاة والسلام للراقي: وما يدريك أنها رُقية؟ يعني: ما يدريك أن سورة الفاتحة رقية، هي أعظم ما يكون من الرقية خذوه خذوا هذا الجُعل واضربوا لي معكم بسهم يعني: يريد أن يُؤكد الحل واضربوا لي معكم بسهم، إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله [5]، هذه القصة أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما.

وهذه القصة فيها فوائد، منها:

عظيم تأثير القرآن، وبخاصة سورة الفاتحة، ينبغي للإنسان إذا احتاج أن يرقي نفسه بنفسه لا يتعلق بالرقاة يرقي نفسه بنفسه.

وابن القيم رحمه الله يقول: إنه كان إذا أصابه وجع أخذ ماء زمزم، وقرأ عليه الفاتحة سبع مرات، أو أكثر فيرى الأثر العجيب في الشفاء بإذن الله ، لكن لا بأس أن يذهب لمن يرقيه، لا بأس، يعني: ذهابه للراقي لا بأس.

الراقي كونه ينتصب للناس، ويرقي الناس أيضًا لا بأس به؛ الناس يحتاجون لمن يرقيهم، يحتاجون، كونه يأخذ أيضًا الجُعل لا بأس به أيضًا لهذه القصة؛ لقول النبي : إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله ولا نلزم الراقي بأن يرقي الناس مجانًا، وعندنا هذه القصة والنبي عليه الصلاة والسلام، يقول: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله لكن ينبغي ألا يأخذ الراقي الطمع، وألا يستغل حاجات إخوانه المسلمين، وألا يجعلها تجارة أيضًا ويستغل حاجات الناس بهذه الطريقة؛ ولهذه ينبغي أن يكون عليها إشراف من الجهات المعنية في الدولة، ينبغي أن يكون هناك إشراف على الرقية، وتنظيم وترتيب لها؛ لأن هناك تجاوزات من بعض الرقاة، حيث بلغني أن يأتي بعض الرقاة يأتي إلى خزان الماء، ويقرأ فيه، ثم يطلب من العمال أن يعبئوا عبوات ويبيعها بأسعار كبيرة، هذا استغلال، فالاستغلال موجود، وأي مجال الإنسان ضعيف ويحب المال وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20] فلا بد من رقابة، ولا بد من إشراف ومتابعة، فلو يكون هناك إشراف ورقابة من الجهات المعنية، وتنظم أمر الرقية الشرعية يكون هذا حسنًا، لكن من حيث الأصل أخذ الأجر على الرقية جائز لهذا الحديث، ولكن ينبغي ألا يكون هناك توسع واستغلال واتخاذها أيضًا تجارة وحرفة، وإنما يقصد الراقي بذلك الإحسان لإخوانه المؤمنين، ونفع المسلمين.

هل يشترط أن يكون للزوجة بيت شرعي خاص؟

المقدم: من أسئلة أخونا عثمان من جدة: هل الزوجة يشترط أن يكون لها بيت شرعي خاص؟

الشيخ: هذا السؤال مجمل، هل المرأة مثلًا اشترطت على الزوج؟ هو الأصل أن الزوجة تنتقل إلى بيت زوجها، ويهيئ لها المكان المناسب لها، سواء سكنت مع أهله، أو سكنت مثلًا في بيت مستقل، لكن إن اشترطت عليه عند العقد اشترطت عليه تهيئة بيت مستقل، فيلزم الوفاء بهذا الشرط، أما إن لم تشترط عليه، فله أن يسكنها في أي سكن مناسب لها.

هل تلزم الزوج نفقة البنات بعد الطلاق؟

المقدم: يسأل عن نفقة البنات بعد الطلاق هل تلزم الزوج؟

الشيخ: نعم نفقة البنات قبل الطلاق وبعد الطلاق، هم بناته؛ البنات والأبناء يجب على أبيهم أن ينفق عليهم، حتى لو كانوا عند أمهم يجب عليه أن ينفقهم عليهم، هناك تقصير من بعض الناس إذا طلق المرأة لم ينفق على أولاده منها، وهذا لا يجوز؛ ولذلك لو أن هذه المرأة رفعت أو حتى أبناؤه أو بناته رفعوا قضية عليه في المحكمة تُلزمه المحكمة بدفع جميع النفقات، يعني الطلاق ليس مؤثرًا في قطع النفقة عن أبنائه وبناته، هو ملزم والملزم بالنفقة هو الأب، وليس الأم، حتى لو كانوا عند أمهم، هو الأب ملزم بأن ينفق على أبنائه وبناته.

تفسير قوله تعالى: يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى

المقدم: إبراهيم من حائل يا شيخنا، يسأل عن يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود:3] ما المقصود بالمتاع الحسن هنا؟

الشيخ: نعم، هذه جاءت في أول سورة هود: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود:3] ذكر من فوائد الاستغفار المتاع الحسن إلى أجل مسمى، يعني هذا في الدنيا، إلى أجل مسمى إلى أن تلقوا الله ، فمن فوائد الاستغفار: أن الإنسان يمتع المتاع الحسن؛ وذلك بأن يعيش العيشة الهنيئة والسعادة، فهي كقول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] الحياة الطيبة هي بمعنى المتاع الحسن، وهي تعني السعادة، أن يعيش الإنسان سعيدًا في هذه الحياة الدنيا يعني بعضهم يفسرها بالزوجة الصالحة، وبعضهم يفسرها بالمركب الهنيء، وبعضهم بالدار الواسعة، وكل هذه أمثلة، وهي ترجع باختصار إلى السعادة، أن الإنسان يعيش في هذه الحياة الدنيا سعيدًا بعيدًا عن الغموم، وبعيدًا عن الهموم، قرير العين، منشرح الصدر، هذه كلها من آثار الطاعة، ومن آثار الإنابة إلى الله ، والإقبال على الله ، واستغفاره جل وعلا.

فضل دعاء سيد الاستغفار

المقدم: من أسئلة أخونا إبراهيم من حائل: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همًّا فرجًا [6] يقول: هل سيد الاستغفار يدخل في هذا الحديث؟

الشيخ: أولًا هذا الحديث في سنده مقال، ضعيف من جهة الصناعة الحديثية، لا يثبت عن النبي ، لكن وردت نصوص أخرى تُبيّن فضل الاستغفار، وعظيم ثمرته، ومن ذلك قول الله تعالى عن نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ۝يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ۝وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].

والاستغفار هو طلب المغفرة من الله ، أنّ الله تعالى يغفر الذنوب والخطايا، والذنوب والخطايا هي سبب المصائب، وسبب الهموم والغموم، كما قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] ولذلك فإن الاستغفار هو سبب لإزالة الهموم، وحتى وإن قلنا: هذا الحديث ضعيف، هو سبب لإزالة الهموم؛ لأن الاستغفار به تحصل مغفرة الذنوب التي هي سبب المصائب، وسبب الهموم، وسبب الغموم، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] فمعناه: صحيح، وإن كان الحديث لا يثبت عن النبي .

هل يجب السؤال عن حِل اللحوم في بلاد الكفر؟

المقدم: باسل من بريطانيا، يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن مجموعة من المبتعثين نذهب إلى كثير من المطاعم وفيها كثير من اللحوم نحن في الغالب لا نسأل عن هذه اللحوم، هل يجب علينا أن نسأل عن هذه اللحوم؟

الشيخ: إذا كانوا قد ابتعثوا إلى دولة المنتشر والشائع فيها هي ديانة أهل الكتاب، وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، فالأصل هو حل ذبائحهم، فلو كانوا مثلًا كما ذكر مثلًا بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا، هذه كلها دول السائد فيها هو ديانة أهل الكتاب؛ ولذلك فالأصل هو حل ذبائحهم، والأصل أنك إذا ذهبت إلى مطعم أنك لا تسأل بناء على هذا الأصل المتقرر.

وقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قومًا أتوا النبي فقالوا: يا رسول الله، إن قومًا من أهل الكتاب يأتوننا بلحم، ولا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي : سموا أنتم وكلوا [7].

يعني: لا تسألوا، سمّ أنت وكُل، ما داموا أنهم أهل كتاب، أما إذا كانوا في بلد ليست الديانة المنتشرة والشائعة فيها ديانة أهل الكتاب، كأن يكون في بلد الديانة المنتشرة فيها البوذية مثلًا، أو الهندوسية، فهذا الأصل عدم حل أكل ذبائحهم، فلا بد أن تسأل من الذابح لهذه الذبائح، هل هو مسلم أو كتابي، إن كان مسلمًا أو كتابيًّا حلت ذبائحهم وإلا فلا؛ هذا من جهة الحكم.

أما من جهة الورع فالمسلم يحتاط لدينه ويتورع، والمسلمون في جميع بلدان العالم قد رتبوا أمورهم تجد هناك أماكن مخصصة لذبائح المسلمين، وهناك أيضًا من يذبح من المسلمين، فتجد أن المسلمين قد رتبوا أمورهم، لكن المهم أن الإنسان يهتم ويسأل وسيجد ذبائح ذبحها مسلمون أو أهل كتاب.

ما صحة حديث: “الحجر الأسود يمين الله في الأرض”؟

المقدم: أبو أميمة من ليبيا يا شيخ يسأل عن حديث: “الحجر الأسود يمين الله في الأرض” صحة هذا الحديث؟

الشيخ: لا يصح مرفوعًا إلى النبي ، وإنما هو موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما، وتتمته: “من صافحه فكأنما صافح الله” [8].

وهذا كقول الله تعالى في سورة الفتح: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] يعني: هذا أيضًا كذلك أيضًا الحجر الأسود يمين الله تعالى، هو من هذا المعنى، يعني من أتى وقبَّل هذا الحجر واستلمه؛ لأنه يشرع استلامه وتقبيله، فكأنما صافح الله ، هو ليس حقيقة، لكن من باب التشبيه، فهو كقول الله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، هذا على تقدير ثبوته وإلا هو لا يصح مرفوعًا إلى النبي .

حكم التصوير الفوتوغرافي وتصوير الشخص بغير إذنه

المقدم: أبو علي من الرياض سأل عمن يخرجون إلى رحلات يقوم البعض بتصويرهم تصوير الأشخاص بدون إذنهم، يبدون أن هنا الوضع طبيعي، لكن تصوير الشخص بدون إذنه وإرسالها؟

الشيخ: أولًا هو يسأل عن حكم التصوير الفوتوغرافي، وهذا مختلف فيه بين العلماء المعاصرين، وإن كان التصوير تصوير ذوات الأرواح محرم بالإجماع، لكن الخلاف في التصوير الفوتوغرافي هو خلاف في تحقيق المناط، هل هذا التصوير الفوتوغرافي هو التصوير المحرم شرعًا، أو ليس هو التصوير المحرم شرعًا؟

التصوير المحرم شرعًا هو الذي تحققت فيه علة النهي عن التصوير، طيب ما هي علة النهي عن التصوير؟ علة النهي عن التصوير أتت منصوص عليها في قول النبي : قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، يضاهؤون خلق الله [9].

فالعلة هي المضاهاة لخلق الله، يعني: المحاكاة والتقليد لخلق الله .

طيب هل التصوير الفوتوغرافي فيه محاكاة لخلق الله ؟ الواقع أنه ليس فيه محاكاة لخلق الله، وإنما هي صورة الإنسان حقيقية كصورته في المرآة، لكنها بحكم التقنية الحديثة، ثبتت في الصورة الفوتوغرافية، وسرعت في الصورة التلفزيونية، وإن سماه الناس تصويرًا هو في حقيقة الأمر ليس تصويرًا؛ ولذلك عندنا في المملكة العربية السعودية كانوا قديمًا أنا أذكر قديمًا أن الناس كانوا يسمونه عكس وعكوس، وهذا في الحقيقة هو الوصف الدقيق لها، هي في الحقيقة عكس ليست صورة، فكون الناس يسمونها صورة، لا يُغيّر الحكم، فهذا من حيث التأصيل لهذه القضية، فالذي يظهر -والله أعلم- أن هذه لا تدخل في الصور المحرمة شرعًا.

لكن يبقى قضية أن الإنسان لا يصور أحد بغير إذنه؛ لأن هذه أمور خاص به يعني ينبغي للإنسان أن يحترم خصوصيات الآخرين، فإذا كان من معه في الرحلة لا يرضون بذلك، فليس له أن يصورهم، لكن إذا رضوا بذلك فالأصل في هذا الجواز إن شاء الله، إن أراد أن يصورهم مثلًا بجواله، فالأصل في هذا الجواز إن شاء الله تعالى.

حكم الإحرام على شكل إزار أو تنورة

المقدم: سؤال أبي ناصر عن الإحرام على شكل إزار أو تنورة يا شيخ سعد؟

الشيخ: هذا مختلف فيه بين العلماء المعاصرين، لكن أكثر العلماء على أنه مخيط، وأنه ليس للمحرم أن يلبسه، هذا هو القول الراجح؛ وذلك لأنه في الحقيقة هو نوع من المخيط، وهو أشبه ما يكون بما سماه الفقهاء قديمًا بالنقبة أو بالسراويل بلا أكمام السراويل هي من المخيط بالإجماع، فهذه ما الفرق بينها وبين السراويل؟

وأيضًا وصف الفقهاء للنقبة هو قريب جدًّا، من هذا الإزار المخيط، فالأقرب -والله أعلم- أن هذا هو من المخيط، وأنه لا يجوز للمحرم أن يلبسه، وهذا هو الذي عليه فتوى أكثر أهل العلم المعاصرين.

حكم الصبغة السوداء

المقدم: من أسئلة أبي علي من الرياض: الصبغة السوداء؟

الشيخ: الصبغة السوداء ترجع إلى مسألة أيضًا مختلف فيها بين العلماء، وهو حكم الخضاب بالسواد، وللعلماء فيها ثلاثة أقوال:

  1. قول بالتحريم.
  2. وقول بالكراهة.
  3. وقول بالإباحة.

والقول بالتحريم هو وجه عند الشافعية، واختاره النووي، والقول بالكراهة هو قول الجمهور، ومنهم الحنابلة، والقول بالإباحة وهو قول أيضًا عند بعض أهل العلم، منهم بعض فقهاء المالكية، وهو أيضًا قول عند الحنابلة.

وسبب الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى الخلاف في ثبوت النهي عن النبي عن الصبغ بالسواد، وأبرز ما روي في ذلك حديثان:

  • الحديث الأول حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أنه أُتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق وشعره ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال النبي : غيِّروا هذا بشيء [10]، أخرجه الإمام مسلم بهذا اللفظ، ثم أخرجه برواية أخرى، وفيها زيادة: وجنبوه السواد [11]، فاختلف العلماء في هذه الزيادة، هل هي من كلام النبي أم لا؟ والأقرب من حيث الصناعة الحديثية أنها لا تثبت عن النبي ، والدليل لهذا أن هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من طريق أبي الزبير عن جابر وسئل أبو الزبير: هل سمعت جابرًا يقول: وجنبوه السواد؟ قال: لا، إذن الراوي ينفي أنه سمع هذه الزيادة، وهذا كاف في تضعيفها، وأيضًا قد قيل: إن الإمام مسلمًا رحمه إنما أورد هذه الزيادة من باب التنبيه على ضعفها؛ لأنه أخرج هذا الحديث بهذه الزيادة بعد الحديث بدون زيادة، وهذا قد أشار إليه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه.
  • الحديث الثاني حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بهذا السواد، كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة [12] أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وهذا الحديث ضعيف، لا يثبت، وإن كان ابن الجوزي قد عده من الموضوعات، لكن الحكم بأنه موضوع شديد، الأقرب أنه ضعيف لا يثبت.

وعلى هذا فلا يثبت في هذه المسألة شيء، يعني لا يثبت في النهي عن الخضاب بالسواد شيء عن النبي ؛ وعلى هذا فالقول الراجح -والله أعلم- هو القول بالإباحة.

ومما يدل لهذا ما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد عن تسعة من صحابة النبي أنهم كانوا يخضبون بالسواد، ولا شك أن الصحابة من أعظم الناس ورعًا وتقوى وديانة، وأيضًا أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وهذا من الأمور الظاهرة المعلنة، يعني: ليس أمرًا خفيًّا يعني حتى تقول: إنه اجتهاد صحابي، خضاب في لحية من الأمور الظاهرة، فلو كان مكروهًا فضلًا عن أن يكون محرمًا؛ لأنكر على هؤلاء يعني الخضاب بالسواد، فكيف وتسعة من الصحابة يخضبون بالسواد، وعلى ذلك فالقول الراجح هو القول بالجواز، هذا الذي يظهر لي في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

خاتمة البرنامج

المقدم: شكر الله لك يا شيخ سعد، انتهت هذه الحلقة على هذه الإجابات المسددة الموفقة، شكرًا لكم يا شيخ سعد.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المشاهدين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 2674، بنحوه.
^2 رواه مسلم: 1218.
^3 رواه البخاري: 6541، ومسلم: 220.
^4 أي: ما به من عيب، وأصله من القُلاَب، وهو داء يصيب الإبلَ.
^5 رواه البخاري: 2276، ومسلم: 2201.
^6 رواه أبو داود: 1518، وابن ماجه: 3819.
^7 رواه ابن ماجه: 3174.
^8 رواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه: 8919.
^9 رواه البخاري: 5953، ومسلم: 2111.
^10, ^11 رواه مسلم: 2102.
^12 رواه أبو داود: 4212، والنسائي: 5075، وأحمد: 2470.
zh