logo

(9) فتاوى على القناة السعودية

مشاهدة من الموقع

المقدمة

المقدم: أيها الإخوة المشاهدون، أيها الأخوات المشاهدات:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

حياكم الله إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم “فتاوى”، والذي نسعد فيه وإياكم باستضافة معالي الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.

في مطلع هذه الحلقة أُرحب بشيخنا الفاضل مرحبًا فضيلة الشيخ سعد.

الشيخ: أهلًا حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المشاهدين.

الأحكام التي يحتاج إليها المسلم الذي يخرج إلى البرية

المقدم: أيضًا نحيي الإخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات في استفساراتهم واتصالاتهم، سواء عبر هاتف البرنامج، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وريثما تأتي الأسئلة أحب أن أستفتح فضيلة الشيخ حقيقة اعتدال الأجواء هذه الأمطار، وهذا الخير والبركة الذي نزل على الناس، دعا كثير من الناس، وأنه قد صادف إجازة ما بين الفصلين إلى الاستمتاع بهذه الأجواء ما بين رحلات ونزهات برية لأولياء الأمور وللطلاب وللأسر في مقصد الترفيه عن النفس، لكنا نريد يا فضيلة الشيخ حقيقة أن نسأل عما يتعلّق بالصلوات القصر الجمع مثل هكذا أحكام يحتاج إليها المسلم الذي يخرج إلى البرية لعل فضيلتكم يعطي إيضاحًا لهذا، بارك الله فيكم.

الشيخ: الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيكثر مثل هذا السؤال هذه الأيام، والحكم في ذلك أن المسافة إذا كانت مسافة سفر، فإنه يترخص بجميع رخص السفر، ومسافة السفر اختلف العلماء في أقل مسافة للسفر، على أقوال كثيرة، والأقرب -والله أعلم- هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، من أنّ مسافة السفر تعادل ثمانين كيلو متر فأكثر، وهي المذكورة في قول النبي : لا يحل لامرأة تُؤمن بالله واليوم الآخر أن تُسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم [1]، أخرجه البخاري ومسلم.

كأنه عليه الصلاة والسلام يقول: لا يحل لامرأة مؤمنة أن تسافر أدنى مسافة سفر إلا ومعها ذو محرم، لكنه عدل عن ذكر أدنى مسافة السفر بالتحديد باليوم والليلة، فما معنى مسيرة يوم وليلة؟

مسيرة يوم وليلة كان العرب قديمًا يسيرون على الإبل المحملة، وكانت الإبل تسير في النهار المعتدل أربعين كيلو متر، فمعنى يوم وليلة إذن ثمانين كيلو متر، وهي المقصودة بالأربعة بُرد الوارد في قول ابن عمر وابن عباس: “يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد” [2].

والبريد: أربعة فراسخ، فمعنى ذلك أن أربعة بُرد تكون ستة عشر فرسخًا، وتعادل ثمانية وأربعين ميلًا، وتعادل بالتقديرات المعاصرة ثمانين كيلو متر فأكثر، هذه هي أدنى مسافة سفر، ولكن كيف تحسب هذه المسافة؟

هذا أيضًا سؤال مهم؛ لأن بعض الناس يعتمد على اللوحات الموجودة على الشوارع، ومن خلال التجربة والاستقراء والتتبع اللوحات الموجودة على الشوارع تحسب المسافة من وسط المدينة، والمطلوب شرعًا، هو أن يبدأ في حساب المسافة من مفارقة العمران، وليس من وسط المدينة، يعني مثلًا لو قدمت إلى الرياض، قبل أن تدخل الرياض يقول مثلًا: باقي على الرياض مائة كيلو أو أقل أو أكثر، المقصود مئة كيلو إلى وسط المدينة، وليس إلى أول عمران الرياض؛ ولذلك ينبغي التنبه لهذه القضية، والأحسن في مثل هذا إذا كانت المسافة مقاربة، ويخشى أن تكون أقل من مسافة سفر، أنه إذا فارق العمران يعني فارق آخر حي من أحياء البلد الذي هو فيه أن يضع تبلون عداد السرعة يضعه على صفر، ويبدأ في الحساب، فإذا كانت المسافة ثمانين كيلو متر فأكثر فهي مسافة سفر، يترخص فيها بجميع رخص السفر، من قصر الصلاة الرباعية ركعتين، ومن أيضًا الجمع مع أن ترك الجمع أفضل، لكنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وكذلك أيضًا مدة المسح على الخفين تصبح ثلاثة أيام بلياليهن، كل هذه يعني رخص للمسافر.

يبقى النظر في صلاة الجمعة، هل يجب على الذين يذهبون للمنتزهات البرية أن يصلوا صلاة الجمعة، أن يأتوا البلد، ويصلوا مع الناس هذه المسألة يكثر السؤال عنها هذه الأيام، والفقهاء قد ذكروا هذه المسألة وذكروا أن من كان داخل البلد يجب عليه أن يصلي صلاة الجمعة، حتى ولو لم يسمع النداء إذا كان داخل البلد، كما ذكر ذلك ابن قدامة وغيره، وأما من كان خارج البلد، فإن كانت المسافة قريبة يعني أقل من فرسخ، أقل من خمسة كيلو أيضًا يجب عليه أن يجيب النداء، ويصلي مع الناس صلاة الجمعة.

إذا كانت المسافة أكثر من فرسخ، يعني أكثر من خمسة كيلو مترات، يعني ذهب لمنتزه بري خارج مدينة الرياض مثلًا، هذا المنتزه يبعد عن الرياض أكثر من خمسة كيلو، هنا لا يجب عليه أن يصلي الجمعة، ما لم يتخذ ذلك حيلة، يجوز له أن يصليها ظهرًا، أن يصليها ومن معه ظهرًا، ولا يجب عليهم أن يدخلوا البلد، ويذهبوا إلى أقرب جامع، ويصلوا الجمعة، لا يجب عليهم ذلك، وإن كان الأفضل فعله، وإن كان الأفضل أن يذهبوا إلى أقرب مسجد جامع، ويصلوا الجمعة، هذا هو الأفضل، لكننا نحن الآن نتكلم عن الحكم، فلا تجب عليهم الجمعة في هذه الحال.

لكن بشرط ألا يتخذ هذا حيلة، يعني بحيث إنه كل ما أتت جمعة ذهب للمنتزهات البرية، وقال: إنها تسقط عني صلاة الجمعة، وهذا يُؤدي إلى تفويت صلاة الجمعة عليه على الدوام، فهذا يمنع منه إذا كان حيلة لإسقاط صلاة الجمعة، وأما إذا كان عرضًا يعني في إجازة صيفية، أو في إجازة ربيعية، مثل هذه الإجازة، أو نحو ذلك، وحصل هذا بصفة عارضة، فيسقط عنه وجوب صلاة الجمعة، ويصلونها ظهرًا في هذه الحال.

وهنا أُنبّه إلى أن بعض الناس ربما يجتهد اجتهادًا خاطئًا، يكونون في المخيم أو في المنتزه خارج البلد ويقيمون جمعة، وهذا لا يجوز؛ إذ أن من شروط صحة إقامة الجمعة الاستيطان، أن يكون مستوطنًا ببلد لا يظعن عنه لا صيفًا ولا شتاء، يكون مقيمًا فيه إقامة دائمة، أو شبه دائمة، أما منتزهات برية، فهذه إقامة عارضة مؤقتة، لا يجوز معها إقامة الجمعة، ولو أقيمت الجمعة فيها فهي لا تصح، فهذه أيضًا من النقاط التي نحب أن نُنبّه عليها، وعلى الإنسان أن لا يجتهد في مثل هذا، وإنما يسأل أهل العلم، لكن يبقى النظر في مدة الإقامة؛ لأننا ذكرنا الآن إذا كانت المسافة أكثر من ثمانين كيلو فهي مسافة سفر.

مدة الإقامة إذا أقام المسافر في بلد فكم له من المدة حتى يترخص برخص السفر؟

هذه المسألة في الحقيقة هي من أشكل مسائل الفقه، والقول بإطلاق المدة، وأنه ليس هناك مدة محددة قول مشكل جدًّا، لا بد من تحديد المدة؛ لأن القول بالإطلاق يترتب عليه لوازم خطيرة، يعني مثلًا عندنا في المملكة كم من مقيم غير مواطن؟ عدد كبير قد يصل عشرة ملايين أو أكثر، فيترتب على القول بعدم تحديد المدة أن هؤلاء يفطرون في نهار رمضان، ويقصرون ويجمعون، بل في بعض الدول نسبة كبيرة نسبة غير المواطنين كبيرة جدًّا، فهل يقال: إن هؤلاء يفطرون في نهار رمضان ويقصرون؟ لا تأتي بمثل هذا الشريعة ولهذا لا بد من التحديد.

كم المدة المحددة التي إذا أقامها المسافر أصبح لا يصدق عليه أنه مسافر، وإنما يجب عليه أن يتم؟

جمهور أهل العلم على أنها أربعة أيام، ولكن هذا ليس عليه دليل ظاهر، إلا مجرد فعل النبي في حجة الوداع، مع أنه عليه الصلاة والسلام أقام عشرة أيام، وليست أربعة أيام، فإنه قدم في صبيحة رابعة ذي الحجة، وانصرف من الحج في فجر اليوم الرابع عشر، كما قال أنس وغيره: إن النبي عليه الصلاة والسلام أقام عشرة أيام، لكنهم ربما يحسبون أنه أقام في الأبطح أربعة أيام، ثم ذهب إلى منى، ثم عرفات، ثم مزدلفة، ربما تحسب بهذه الطريقة، لكن لم يثبت عن أحد من صحابة النبي أنه رأى التحديد بأربعة أيام.

طيب الآثار عن الصحابة في هذه المسألة روي عن أنس اثني عشر يومًا، وروي عن ابن عباس أنها تسعة عشر يومًا.

فالذي يظهر أن المدة إذا كانت في هذه الحدود يعني في حدود تسعة عشر يومًا فأقل، فإنه يترخص برخص السفر، أما إذا زادت على ذلك فإنه لا يترخص؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري: أقام رسول الله في تبوك تسعة عشر يومًا، فنحن إذا أقمنا تسعة عشر يومًا قصرنا، فإذا أقمنا أكثر من ذلك أتممنا، هذا هو الأقرب في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

المقدم: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، بعض الناس بالنسبة للنزهات البرية أحيانًا قد تكون مثل هذه المناطق قد اتصلت مثلًا الطرقات الآن ونقاط التفتيش قبل عقد من الزمن، كانت بعض القرى القريبة من المدن في حكم البعيدة، وأما الآن تقاربت البنيان والمخططات مثل الخرج الآن، ومثل بعض المناطق القريبة من شمال الرياض، وأيضًا قرب الرياض وجنوب الرياض، وهكذا فهل هذه يصدق عليها حتى لو كانت في ثمانين كيلو؟

الشيخ: هو العبرة بمسمى البلد، فبالفعل الآن اتصلت بعض المدن، فمثلًا الرياض الآن اتصلت بالخرج، والدمام اتصلت الآن بالخُبر، واتصلت بالجبيل، ومكة شبه متصلة بجدة، العبرة بمسمى البلد، فمثلًا لو أخذنا مثالًا مدينة الرياض، إذا فارق آخر حي من أحياء مدينة الرياض يبدأ يحسب المسافة، ولو كان ما بعده معمورًا، ولو كان عمرانًا قائمًا لا يضر، مثلًا مدينة الدمام والخُبر لو كان ساكنًا في الخُبر، ثم انتهى آخر حي من أحياء الخُبر، وبدأ في مسمى الدمام هنا يبدأ بحساب المسافة، فهنا يعني أحلوها بهذه الطريقة أن ينظر إلى مسمى البلد الذي هو مقيم فيه، ويبدأ في حساب المسافة من بعد مفارقة مسمى البلد.

المقدم: أحيانًا يا شيخنا قد يذهب الإنسان ويعود في نفس اليوم، هل له أن يجمع ويقصر ويترخص برخص السفر؟

الشيخ: هذا ينبني على الخلاف السابق الذي ذكرناه في أقل مسافة للسفر، وهي مسألة اختلف فيها العلماء اختلافًا كثيرًا، ولكن الأقرب هو قول الجمهور الذي أشرت إليه، وهو التحديد بثمانين كيلو متر، وعلى ذلك فلا فرق بين أن يقطع هذه الثمانين كيلو متر في يوم ويرجع، أو أيام، المهم هو قطع هذه المسافة، وأما قول من قال من أهل العلم: إنه لو قطعها في يوم، ثم رجع لا يعد مسافرًا، فهذا مبني على قول آخر، وهو أن المرجع في ذلك للعرف، لكن العرف لا ينضبط في هذه المسألة خاصة في زمننا هذا العرف مطرد، ولا ينضبط في مسائل السفر؛ ولذلك فالأقرب هو ما عليه جماهير أهل العلم خاصة، وأنه مؤيد بآثار عن الصحابة، والصحابة هم أعلم الناس بشريعة الله، وأعلم الناس بلغة العرب، وأعلم الناس بمعنى السفر في الشرع وفي اللغة.

هل الصدقة من أسباب دفع البلاء؟

المقدم: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذا أبو خالد يسأل ويقول: هل الصدقة من أسباب دفع البلاء أم الدعاء؟، وهل يشرع دفع الصدقة عند الذهاب لصلاة الاستسقاء؟

الشيخ: لا شك أن الصدقة من أسباب دفع البلاء؛ لأن الصدقة إحسان، والله تعالى يقول: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60] فالإنسان إذا أحسن إلى غيره، فإن الله تعالى يحسن إليه إذا أحسن إلى الفقراء والمساكين، فإن الله يحسن إليه والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه [3].

وقد روي في ذلك حديث عن النبي : داووا مرضاكم بالصدقة [4] وبعض أهل العلم يُحسِّنه، وبعضهم يضعفه، في سنده مقال، لكن معناه: صحيح، فإن الصدقة هي إحسان، فهي تدفع البلاء، وهي من أسباب تكفير الذنوب والخطايا، والمسلم كثير الصدقة على خير عظيم، فإنه محسن، والله تعالى يُحب المحسنين، مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].

ينبغي أن تكون يد المسلم يدًا معطاءة، وأن يحرص المسلم على الاتصاف بصفة الإحسان، وأن يكثر من البذل، وأن يكثر من الصدقة، وأن يكثر من الإنفاق، حتى يكون محسنًا، فإنه إذا كان محسنًا، فإن الله يحب المحسنين، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245].

ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: والصدقة برهان [5]، يعني: برهان على صدق إيمان المتصدق خاصة إذا اقترن بها الإخلاص إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان:9].

كان أحد السلف الصالح لا يمر عليه يوم إلا تصدق فيه لله بصدقة، ذات يوم لم يجد، بحث وبحث ما وجد شيئًا، لم يجد إلا بصلًا، أخذ هذا البصل، ووضعه على رأسه، وذهب يريد أن يتصدق به، ولقيه أحد الناس، وقال: هذه صدقة تطوع، يعني: لم يكلفك الله بهذا لم تجد شيئًا إلا بصلًا لم يوجب الله عليك أن تتصدق، قال: لا، إني أردت ألا يمر علي يوم إلا تصدقت فيه لله بصدقة؛ لأنه بلغني عن رسول الله أنه قال: إن المؤمن يكون في ظل صدقته يوم القيامة [6]، فهذه من الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم.

والعجب أن بعض الناس لا يتصدق، ويأمر غيره بالبخل إذا رأى الناس يريدون أن يتصدقوا على فقير، أو على مسكين بدأ يشككهم، وهذا ربما كذا، وهذا ربما كذا، فإذا كان لا يتصدق يترك الناس تتصدق، يترك الناس تعمل الخير، يَصْدُق على هؤلاء أنهم يبخلون، ويأمرون الناس بالبخل.

فأقول: ينبغي للمسلم إن يُعوّد نفسه على البذل، وعلى الإنفاق، وعلى الصدقة ولو بالقليل، فالنبي ذكر من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله، يوم لا ظل إلا ظله، رجلًا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه [7].

الصدقة قد تكون صدقة قليلة، لكن اقترن بها إخلاص عظيم، بحيث لو قدر أنّ اليد الشمال تبصر ما استطاعت أن ترى اليد اليمين من شدة الإخفاء؛ لأنه لا يريد إلا الجزاء من الله لا يريد رياء، لا يريد سمعة، لا يريد جزاء، لا يريد شكرًا، حتى إن بعض أهل العلم يقول: إذا تصدقت على فقير فلا تطلب منه الدعاء، لا تقل له: ادع لي؛ لماذا؟ حتى يكون أجرك كاملًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان:9]، وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذا بعثت غلامها بالصدقة، تقول: انظر إلى ما يدعون لنا به فادعُ لهم بمثله، فإذا قالوا: بارك الله فيكم، فقل: وفيكم بارك؛ لماذا؟ لأنها تريد أن يكون الأجر كاملًا؛ ولهذا الإنسان إذا تصدق لا يتبع صدقته لا بمنة ولا بأذى ولا بأي شيء، وإنما يبتغي الأجر كاملًا من الله ؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالًا فسلّطه على هلكته في الحق [8].

تأمل قوله: هلكته كأن هذا المال أهلكه، انقطعت صلته به، يعني بعض الناس قد يعتري البذل والإنفاق الرياء، وبعضهم قد لا يعتريه الرياء قد يكون مخلصًا، لكن يعتريه المنة، يبدأ يمتن على هذا الفقير، أو هذا المعطى، بطريق مباشر وغير مباشر، فهذا مما ينقص أجر المتصدق.

وأما الدعاء فهو الدعاء كذلك أيضًا الدعاء مما يرفع البلاء، ومما يحصل به الخير العظيم، والله تعالى أمر بالدعاء، فقال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

هل أبناء بنت الأخت يكونون محرمًا لها؟

المقدم: سؤالها الأول تقول: أبناء بنت الأخت هل يكونون محرمًا لها؟

الشيخ: نعم، أولًا بنت أختك أنت خالتها، وابن بنت أختك أيضًا أنتِ خالته؛ لأنك خالة أمه، فأنت خالته أيضًا، إذا كنت خالة أمه فأنت خالته، وعلى ذلك يكون محرمًا لك، فهو ابن الأخت، وأنت خالته، وكذلك أيضًا ابن ابن الأخت، أنتِ خالة أمه، فيكون محرمًا.

توجيه في الاعتناء بصلة الأرحام

المقدم: أحسن الله إليك يا فضيلة الشيخ، سؤالها الثاني تقول: إن ابنتها ما تأتي إليها مع أن الحق كما تقول لها، بسبب وجود بعض الخلافات، ما التوجيه في هذا؟

الشيخ: هو لا شك الحق للأم، لكن ينبغي أن تسعى لحل هذه المشكلة ما دام أنها يترتب على هذا الأمر القطيعة، فالذي أنصح به أن تذهب إليها، وهي إذا ذهبت إليها مرة أو مرتين، فسيأتون إليها، وتتواضع، وتفعل ذلك لله ، وإن كان الحق لها، لكن تفعل ذلك لله ، وهي بذلك على خير، والنبي يقول: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها [9] هذا هو الواصل الحقيقي.

فأقول لأختي الكريمة: هنا الصلة الحقيقية أنكِ تذهبين لابنتك ولو كانت ابنتكِ لا تأتي إليكِ، هذه هي الصلة الحقيقية، وهذا هو الاختبار الحقيقي لكِ، فأنصحك بأن تذهبي لها، وأن تتلطفي معها، وأن تجبري خاطرها، ومع مرور الوقت هي ستأتي إليكِ.

هل يجوز الدعاء على الظالم؟

المقدم: فضيلة الشيخ سؤالها الثالث تقول: إنها ظُلمت، فهل تدعو على من ظلمها؟

الشيخ: يقول الله : لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: أي لا يحب الله أن يدعو بعضكم على بعض إلا المظلوم، فيجوز له أن يدعو على ظالمه، فإذا كانت مظلومة بالفعل فيجوز لها الدعاء على ظالمها، وأما غير المظلوم لا يجوز له أن يدعو على غيره من المسلمين، تجد بعض الناس على لسانه الدعاء على المسلمين، وربما يدعو عند أتفه سبب، وهذا لا يجوز، هذا من الجهر بالسوء الذي لا يحبه الله ، على الإنسان أن يكون عفيف اللسان، يتكلم بالطيب من القول، وأن يستبدل هذه العبارات السيئة، وهذه الأدعية على الناس يستبدلها بعبارات حسنة، الدعاء لهم بالهداية، الدعاء لهم بالتوفيق، الدعاء لهم بالصلاح، لكن بعض الناس تعود على هذا، تجد الدعاء على لسانه، يدعو على أولاده، يدعو على زملائه، يدعو على من يلاقيه، وربما حتى لو أخطأ أحد في الطريق ربما بغير قصد بالسيارة قام يدعو عليه ويسبه، هذه ليست من أخلاق المؤمنين، لكن في حالة واحدة وهي المظلوم، فيجوز له الدعاء على ظالمه، وإن كان الأفضل ألا يفعل، لكن من حيث الحكم الشرعي يجوز للمظلوم أن يدعو على ظالمه بقدر مظلمته.

ما واجبنا تجاه إخواننا المسلمين في سوريا؟

المقدم: أبو خالد يقول: ما واجبنا تجاه إخواننا المسلمين خاصة في مضايا [10]، فما الواجب تجاه هؤلاء؟

الشيخ: المسلمون كالجسد الواحد يشد بعضه بعضًا، وكالبنيان المرصوص، والمسلمون كالجسد الذي يتداعى بالسهر والحمى، أرأيت الجسد عندما يصاب في أي عضو من أعضائه، فإن بقية أجزاء الجسد تتداعى معه بالحمى وبالسهر وبالألم، هكذا أيضًا المسلمون هم كالجسد الواحد، فإذا أصيب المسلمون في أي قطر فعلى إخوانهم المسلمين أن يسعوا لنصرتهم ونجدتهم وإغاثتهم بكل ما يستطيعون، وحال إخواننا المسلمين في “مضايا” حال الحقيقة محزنة، عندما يرى الإنسان هذه الصور يعني القلب يكاد يتفطر عندما يرى هذه المناظر، وهذه الصور؛ ولذلك على المسلمين جميعًا أن يسعوا إلى إغاثتهم، وأن يبذلوا جميع الأسباب، ويتأكد ذلك على من بيدهم القرار، ومن بيدهم الحل السياسي، ومن بيدهم القدرة على ذلك، المسلمون فيهم خير، والأمة الإسلامية تريد إغاثتهم، لكن تريد الطريق إلى إغاثتهم، فعلى المسلمين أن يهبوا لمساعدتهم ونجدتهم بكل ما يستطيعون، وعلى كل مسلم أن يسعى بكل ما يستطيع لإغاثة إخوانه المسلمين، ولو بالدعاء، يعني: إذا لم يستطع أن يغيثهم بطريق مباشر، فيدعو لهم، بأن الله تعالى يجعل لهم فرجًا ومخرجًا.

المقدم: أيضًا فضيلة الشيخ هناك الحملة الوطنية لإغاثة إخواننا من الشعب السوري عن طريق الجهات الرسمية المعتمدة، ولها أيضًا حسابات منشورة ومعلنة، ولله الحمد والمنة، فهذا إن شاء الله تعالى باب من أبواب الخير.

الشيخ: نعم.

ما هو ضابط قاطع الرحم؟

المقدم: أيضًا فضيلة الشيخ هذا أبو خالد يسأل يقول: ما هو ضابط قاطع الرحم؟

الشيخ: قطيعة الرحم الضابط فيها أو المرجع فيها إلى العُرف، ليس هناك ضابط محدد شرعًا، ولا حتى في اللغة، والقاعدة الشرعية أن ما ورد مطلقًا، وليس له حد في الشرع، ولا في اللغة، فالمرجع فيه إلى العُرف، وعلى ذلك فالقطعية ضابطها العرف، والناس في عرفهم يفرقون بين القاطع والواصل، فيقولون: فلان قاطع لرحمه، وفلان واصل لرحمه، فالإنسان مثلًا الذي لا يعرف رحمه لا يعرفهم لا بزيارة ولا بسلام ولا بكلام، ولا يدري عنهم منقطع عنهم، هذا يعتبر قاطعًا، وكذلك من أساء إليهم من باب أولى أنه قاطع، من أساء إليهم إساءة بالقول أو بالفعل، أو بهما معًا، هذا قاطع، هذا لا إشكال فيه، لكن أيضًا من ترك الإحسان والصلة لهم، فإنه يعتبر قاطعًا، فإذا كان مثلًا الإنسان له أخ، أو له أب، أو له ابن، ولا يعرفه، منقطع عنه مدد طويلة لا يعرفه لا بزيارة ولا باتصال ولا بأي شيء هذه تعتبر قطيعة رحم، فإذن المرجع في تحديد صلة الرحم وقطيعة الرحم هو العُرف.

ما علاج الوسواس القهري؟

المقدم: هذا أحد السائلين يا فضيلة الشيخ أرسل بسؤاله يقول: ما هو علاج الوسواس القهري أفتونا مأجورين؟

الشيخ: الوسواس في أول أمره يمكن علاجه بتقوية الإرادة، وزيادة التبصر في الدين، وبخاصة المسألة التي حصل فيها الوسواس كالطهارة مثلًا، إذا كان الوسواس في الطهارة يتبصر في أحكام الطهارة، وفي مسائل الطهارة، وفي كلام أهل العلم فيها مع تقوية الإرادة، لكن إذا انتقل الوسواس إلى مرحلة متقدمة، بحيث وصل إلى مرحلة الوسواس القهري، فهنا قد لا تنفع النصائح، ولا تنفع الإرشادات، ولا المواعظ في هذه الحال، وإنما لا بُد من العلاج، فيكون العلاج من أهل الاختصاص، وهم الأطباء النفسانيون، فإذا وصل إلى مرحلة الوسواس القهري ننصحه بأن يذهب إلى الطبيب النفسي كي يساعده، إما بعقاقير هذه نفعت مع بعض الناس، عقاقير في هذا، أو بجلسات نفسية، أو بهما معًا، مع أيضًا الاستئناس أيضًا بالنصائح وبالإرشادات والتوجيهات في هذا.

حكم صلاة صاحب الحدث الدائم

المقدم: فضيلة الشيخ سنأخذ أسئلة الأخت أسماء، سؤالها الأول تسأل عن القولون، لديها قولون ومسالك، عافاها الله وجميع المسلمين، يعني تستطلق الظاهر في الريح، أو شيء من هذا القبيل، حكم الصلاة يا فضيلة الشيخ؟

الشيخ: حكمها حكم صاحب الحدث الدائم، حكم صاحب السلس، كل من يخرج منه ناقض من نواقض الوضوء بغير اختياره، فلا شيء عليه هو يتوضأ المرة الأولى، ثم بعد ذلك لا يضره خروج هذا الحدث الدائم، ولا يجب عليه، حتى أن يتوضأ لوقت كل صلاة، وإنما ذلك يستحب في أرجح قولي الفقهاء، أنه ليس هناك دليل ظاهر يدل على وجوب الوضوء لوقت كل صلاة، وأما ما جاء في حديث عائشة ثم توضئ لوقت كل صلاة [11]، فهي غير محفوظة عن النبي ، وإنما مدرجة من قول عروة بن الزبير، كما أشار إلى ذلك الإمام مسلم في صحيحه، وأشار إلى ذلك أيضًا الحافظ ابن رجب في فتح الباري، وغيرهم.

وعلى ذلك فصاحب الحدث الدائم يتوضأ أول مرة، ولا يضره ما خرج بعد ذلك إلا أن ينتقض وضوؤه بحدث آخر فالأخت الكريمة تقول: إنها يخرج منها الريح بغير اختيارها، نقول: إذا توضأت لا يضرك خروج الريح، لكن لو خرج منك، لو انتقض وضوؤك بالغائط مثلًا، أو بناقض آخر، هنا تعيدين الوضوء، أما إذا خرج منك الريح فقط، فلا يضرك باعتباره حدثا دائمًا.

وهكذا أيضًا ما ذكرت من التهاب المسالك البولية، لو كان البول يخرج منكِ بصفة مستمرة تتوضئين مرة واحدة، ولا يضرك خروج البول بعد ذلك، وهكذا نقول لصاحب الحدث الدائم عمومًا من به سلس مثلًا، أو خروج ريح أو أي حدث دائم، أو امرأة مثلًا معها استحاضة، فنقول: توضأ المرة الأولى ولا يضرك خروج هذا الحدث الدائم بعد ذلك، وإنما ينتقض الوضوء إذا حصل منك حدث آخر غير الحدث الدائم.

متى يبدأ ثلث الليل؟

المقدم: أحسن الله إليك، هي تسأل عن ثلث الليل، متى يبدأ؟ خاصة هذه الأيام إذا كان يؤذن المغرب خمس وخمسة وعشرين دقيقة، والفجر خمس وعشرين دقيقة، هكذا.

الشيخ: ثلث الليل يبدأ بقسمة المدة الزمنية التي بين غروب الشمس وطلوع الفجر على ثلاثة، إذا قسمت المدة الزمنية على ثلاثة، فيكون الثلث الأول، ثم الثلث الثاني، ثم الثلث الثالث، إذا قسمتها على ثلاثة، فإذا كانت مثلًا إذا قسمت على ثلاثة، يعني: لو كانت مثلًا المدة اثنا عشر ساعة، وقسمت 12 قسمة 3، معنى ذلك 4 ساعات فتكون أربع ساعات الثلث الأول، ثم أربع ساعات التي بعدها الثلث الثاني، ثم الأربع ساعات الأخيرة الثلث الأخير، فطريقة القسمة إذن هي أن تقسم المدة الزمنية ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، تُقسم على 2، يخرج منتصف الليل، وتقسم على 3، فيخرج ثلث الليل.

حكم هدايا الموظفين

المقدم: هذا أبو إلياس يسأل عبر تويتر يقول: أنا موظف بالكلية، وتتقدم لدينا شركات لتوظيف الخريجين تكون مهمتي هي عقد لقاء بين الشركة والخريجين، يتم فيه توقيع العقود مع الراغبين في العمل، وهذا الدور أقوم به مع كل الشركات بدون تفرقة، ولا أطلب أي امتيازات أو مقابل، في المرة الأخيرة حضرت إلينا إحدى الشركات، وتم توظيف خريجين معهم، وبعد توقيع العقود بأسبوعين أرسلوا لي بطاقة تأمين طبي كشكر على الدور الذي بذلته، يقول: هل يجوز لي استخدام هذه البطاقة أم لا يجوز؟ والله يحفظكم ويرعاكم.

الشيخ: لا يجوز استخدام هذه البطاقة؛ وذلك لأنها بسبب منصبه، والنبي لما أرسل رجلًا لجمع الصدقات، فلما جمع الصدقات من الناس، أهدوا له هدايا، فأتى للنبي عليه الصلاة والسلام، وقال: هذه لكم، يعني هذه الزكوات، وهذا أهدي إليّ، فعظَّم النبي هذه المسألة، وخطب على المنبر، وقال: ما بال الرجل نستعمله، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إليّ، أفلا جلس وهذه هي القاعدة في هذا الباب أفلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى إليه شيء أم لا؟ [12].

هذه هي القاعدة إذا أشكل عليك شيء في هذه المسألة، فطبق هذه القاعدة العظيمة أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه شيء أم لا؟ فنقول للأخ الكريم: لو كنت في بيت أبيك وأمك، هل ستأتي هذه الشركة، وتعطيك بطاقة تأمين طبي؟

أبدًا لم تعطك هذه البطاقة لسواد عينيك، ولا أعطتك محبة في الله، ولا أعطتك لأنك فلان ابن فلان، أعطتك لأنك في هذا المنصب الوظيفي، فإذن لا يجوز قبول مثل هذه الهدية، وينبغي أن يشيع ذلك في أوساط المجتمع، وأن من يعمل في أي منصب وظيفي لا يجوز له أن يقبل من الناس هدايا، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى إليه شيء أم لا؟، هذا معدود من الرشوة، ومن الفساد الذي لا يجوز شرعًا.

المقدم: توجيه هذه الشركات أو الأشخاص الذين يهدون الموظفين أحيانًا، قد يعجبك أداؤه، أو لأنه يسر بعد تيسير الله عليك المعاملة توجيه لمثل هذه الشركات والمؤسسات والمندوبين الذين يهدون.

الشيخ: والقاعدة العظيمة هي الحديث السابق أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه شيء أم لا؟، فإذا كان هذا الشخص لو لم يكن في هذا المنصب سيهدى إليه، فلا بأس بقبول الهدية، وأما إذا أهدي إليه لأجل منصبه الوظيفي، هذا لا يجوز، ومسألة هدايا الشركات هذه الحقيقة شائعة ومنتشرة، وخاصة الشركات الطبية، وشركات الأدوية، هذه تهدي للأطباء، وتهدي للصيادلة، وأيضًا بعض الشركات في بعض القطاعات الوظيفية تهدي لهم هدايا، هذه الهدايا كلها داخلة في الرشوة، وكلها غير جائزة، وإذا أشكل عليك شيء في هذه الهدايا طبق عليها القاعدة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام: أفلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى إليه شيء أم لا؟.

هل السنة الراتبة بعد صلاة العشاء تغني عن قيام الليل؟

المقدم: هذا يقول: هل السنة الراتبة بعد صلاة العشاء تغني عن قيام الليل؟

الشيخ: لا تغني عن قيام الليل، السنة الراتبة بعد صلاة العشاء شيء، وصلاة الوتر، وقيام الليل شيء آخر، وقيام الليل أكمله وأفضله أن يكون في الثلث الأخير من الليل، وأن يكون بعد نوم، وهو الناشئة التي ذكرها الله تعالى في قوله: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6]، ما معنى ناشئة الليل؟ ناشئة الليل هي الصلاة التي تكون بعد نوم، وتكون في حال صفاء النفس غالبًا، وفي حال النشاط؛ ولهذا قال: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا [المزمل:6]، يعني: أكثر مواطأة ما بين القلب واللسان، وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6]: أصوب قراءة، وأقرب إلى التدبر، وإلى الفهم، وإلى الخشوع، وإلى حصول حلاوة الإيمان، والتلذذ بالعبادة، فهذه الأكمل والأفضل أن تكون بعد النوم في الثلث الأخير من الليل، إن لم يتيسر فتكون قبل النوم، يصلي صلاة الوتر قبل النوم، وقد أوصى بهذا النبي بعض الصحابة كأبي هريرة  وإن لم يتيسر هذا ولا ذاك، فلا أقل من أن تكون بعد صلاة العشاء، لكن تكون بعد السُّنة الراتبة.

حكم التمويل لشراء بيت

المقدم: أنا أخذت قرضًا، واشتريت به بيتًا، ويقسطون راتبي كله، ولا يبقى إلا خمسمائة ريال، وأنا ذو عائلة، هل يصح منهم هذا الفعل أو لا يصح؟

الشيخ: هذا سؤال يعني ما أدري ماذا يريد صاحبه؟ هو أقدم على التمويل برغبة منه، وباختيار وهذه المسألة بيع وشراء، لكن إذا كانت مثلًا ظروفه صعبة، فهو لا يقترض، ولا يأخذ منهم إلا على قدر حالته الاجتماعية، هذا برنامج إفتاء، هو لم يذكر لنا مسألته؛ لكي نفتي فيها، أو سؤاله؛ لكي نجيب عنه، لكن هو يذكر بأنه أخذ تمويلًا من بعض الجهات، وهذه الجهات قائمة على التمويل، وعلى البيع والشراء، وليست جمعيات خيرية، فهو الذي ذهب إليهم، وهو الذي طلب منهم هذا التمويل، فاللوم ليس عليهم، وإنما ننصحه بأن يحسن تدبير المال، وأن يستعين بالله ، والله ​​​​​​​ هو الذي بيده الرزق، الله تعالى هو الرزاق، والرزق يكتب للإنسان وهو في بطن أمه قبل أن تنفخ فيه الروح، يرسل إليه الملَك، فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ [العنكبوت:17].

نقول: احرص على أن تطلب الرزق من الله ، وأن تبذل الأسباب، وأن تحسن تدبير المال أيضًا، وأيضًا ألا تُحمِّل نفسك ديونًا قدر المستطاع، لا تحمل نفسك ديونًا، فإن الدَّين قد استعاذ النبي منه، وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ بالله من الدَّين، فكان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن غلبة الدين وفي رواية: ضلع الدين، وقهر الرجال [13].

فكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من الدين، وبعض الناس يكون دخله محدودًا، لكن يُحمل نفسه ديونًا مثل حالة الأخ السائل يقول: ما بقي إلا خمسمائة ريال، نقول: لا تحمل نفسك ديونًا، احرص قدر المستطاع على ألا تحمل نفسك ديونًا، وأن تحسن تدبير المال، وأن تقلل من الكماليات، ويكون إنفاقك بقدر حالتك الاجتماعية، ووضعك الاجتماعي.

خاتمة البرنامج

المقدم: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء، الذي كان معنا مشكورًا في الاستديو، مجيبًا على أسئلة المشاهدين والمشاهدات، شكر الله لكم يا فضيلة الشيخ.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المشاهدين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1088، ومسلم: 1339.
^2 رواه الطبراني في الكبير: 11162، والدارقطني: 1447.
^3 رواه مسلم: 2699.
^4 رواه الطبراني في المعجم الكبير: 10196، والبيهقي في السنن الكبرى: 6593.
^5 رواه مسلم: 223.
^6 رواه أحمد: 17333.
^7 رواه البخاري: 1423، ومسلم: 1021.
^8 رواه البخاري: 73، ومسلم: 816.
^9 رواه البخاري:5991.
^10 مضايا: هي بلدة وناحية سوريّة تتبع منطقة الزبداني في محافظة ريف دمشق. تقع البلدة شمال غرب دمشق على السفح الشرقي لسلسلة جبال لبنان الشرقية، وتبعد عن العاصمة دمشق 45 كيلومتر.
^11 رواه البخاري: 228، ومسلم: 333.
^12 رواه البخاري: 6636، ومسلم: 1832.
^13 رواه البخاري: 6369.
zh