logo

(6) فتاوى على القناة السعودية

مشاهدة من الموقع

المقدمة

المقدم: أيها الإخوة المشاهدون، أيها الأخوات المشاهدات.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

حياكم الله إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم “فتاوى”، والتي أسعد وإياكم بها في استضافة معالي الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء، مطلع هذه الحلقة أرحب بكم شيخنا الفاضل.

الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المشاهدين.

الأحكام التي يحتاجها الناس في موضوع البرد والشتاء

المقدم: أيضًا نسعد باتصالات واستفتاءات الإخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات عبر هاتف البرنامج، وريثما تصل إلينا أسئلة الإخوة والأخوات المشاهدات، لعلنا أن نبتدئ فضيلة الشيخ حقيقة بالواقع المعايش الذي نعايشه الآن في إقبال هذا البرد، وأيضًا في هذا الفصل الذي نعايشه سنتكلم حقيقة عن بعض الأحكام وبعض التنبيهات التي يحتاجها الناس في هذا الأمر، موضوع البرد والشتاء فضيلة الشيخ لا شك أنه من ضمن حكمة الله تعالى في تقلب الأيام، وأيضًا جعلها خلفة للذكرى والعبرة.

الشيخ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد كان بعض السلف الصالح يفرحون بقدوم فصل الشتاء، ويسمونه الغنيمة الباردة، ويقولون: مرحبًا بالغنيمة الباردة، قصر نهاره فسهل صيامه، وطال ليله فسهل قيامه.

أي: أن قصر النهار…

أربعًا وعشرين ساعة إن كان مقيمًا، وثنتين وسبعين ساعة إن كان مسافرًا، وهكذا وردت السنة بهذا التحديد ليس فيه مجال للاجتهاد؛ هذا بالنسبة للمسح.

يشترط أيضًا للمسح أن يلبسها على طهارة ليشرع المسح عليها، وأيضًا عند جمهور الفقهاء يشترط أن يكون الجوربان صفيقين، فلا يصح عندهم المسح على الجوارب الخفيفة، وإن كان هناك قول آخر لبعض أهل العلم أنه يصح، ولكن الأقرب هو ما عليه جماهير الفقهاء؛ وذلك لأن الخفاف المعروفة عند العرب هي التي تقي من البرد؛ ولذلك كانوا يسمونها التساخين، وقد جاء في حديث ثوبان: “أُمرنا أن نمسح على العصائب والتساخين” [1]، التساخين هي الخفاف سميت تساخين؛ لأنه يحصل بها تدفئة الرجل، هذه هي الخفاف المعروفة عند العرب؛ ولهذا فالأقرب أنه إنما يمسح على الجوربين إذا كانا صفيقين ساترين للرجْل، وأما ما نرى الآن في الأسواق من بعض الجوارب الخفيفة جدًّا التي لا تقي من البرد، وإنما تلبس لأجل الزينة، فهذه الأقرب أنه لا يمسح عليها، وإنما يمسح على الجوارب التي تقي من البرد، والتي تحصل بها التدفئة والتي كما جاء وصفها بالتساخين هذه يعني ضابطها أنها لا تصف لون البشرة.

وأما الخروق التي تكون في الجوارب، فإن كانت يسيرة فيتسامح فيها، ويُعفى عنها؛ لأن غالب خفاف فقراء الصحابة لا تخلو من ذلك، لا تخلو من خروق يسيرة، ومع ذلك لم يرد عن النبي أنه نهى عن المسح على الخفاف إلا أن تكون سالمة من الخروق.

أما الخروق الكبيرة فإنها تمنع من المسح على الخفين أو الجوربين؛ وذلك لأن الخرق إذا كان كبيرًا عرفًا فنرجع للأصل، والأصل أن ما ظهر من الرجل ففرضه الغسل، والآن يعني هذا الجزء الكبير من الرجل ليس مغسولًا، ولا ممسوحًا، فهذا يؤثر على صحة الطهارة، وإذا كان النبي لما رأى رجلًا وفي قدمه قدر الظفر لم يصبه الماء أمره أن يعيد الوضوء والصلاة كما في صحيح مسلم [2].

وجاء عند أبي داود: والوضوء أيضًا، أمره أن يعيد الوضوء والصلاة وهو في حديث عمر أن النبي رأى رجلًا وفي قدمه قدر الظفر، فأمره أن يعيد الوضوء هذا في مسلم، وعند أبي داود أمره أن يعيد الوضوء والصلاة [3].

مع أنه فقط قدر ظفر، فهذا يدل على أنه ينبغي العناية بهذه المسائل المتعلقة بالطهارة خاصة، وأن الأثر المترتب على ذلك كبير، وإن كان هناك قول لبعض أهل العلم: لكن ما عليه الأكثر هو الأحوط، وكما ذكرت الأثر المترتب كبير، فإن أكثر أهل العلم يرون عدم صحة الطهارة، وبالتالي عدم صحة الصلاة، لو لبس مثلًا جوارب خفيفة، أو كانت الخروق كبيرة، فينبغي مراعاة مثل هذه الأمور وخاصة الناس الآن يسر الله تعالى عليهم أمور اللباس.

أيهما أفضل المسح على الخفين أم خلعهما وغسل الرجلين؟

المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، ونفع بعلمكم الإسلام والمسلمين، حقيقة مثل هذا الحديث يجرنا إلى بعض الأسئلة، بعض الإخوة يعني يلبس الخفاف، ولكنه إذا جاء عند كل صلاة خلعها، ثم غسل الرجلين ثم لبسها، هل هذا موافق للسُّنة؟!

الجواب: هذا الفعل جائز، لا نستطيع أن نقول: إنه ارتكب أمرًا محرمًا، ولكن من حيث الأفضلية إذا لبس الجوربين على طهارة، وكان الجوربان ساترين للرجلين، فإن الأفضل المسح على الجوربين.

ولذلك ذكر ابن القيم رحمه الله أن الأفضل هو اللائق بحال الرجل، فإن كانت الرجل مكشوفة، فالأفضل الغسل، وإن كانت الرجل عليها جورب، فالأفضل المسح طبعًا إذا توفرت الشروط.

فنقول: إذا لبستَ الجوربين على طهارة، فالأفضل أن تمسح عليهما، هذه هي السُّنة، والسنة في ذلك متواترة عن النبي .

قال الإمام أحمد: “ليس في قلبي شيء من المسح على الخفين، فيه أربعون حديثًا عن النبي “.

ولذلك عدت أحاديث المسح على الخفين من الأحاديث المتواترة، كما قال الناظم [4]:

مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتًا واحتسب
ورؤية وشفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض

حكم المسح على البسطار أو الكنادر

المقدم: أحسن الله إليك يا فضيلة الشيخ، بعض الناس قد يكون عليه مثل العسكريين، أو رجال الأمن عليهم البسطار، أو بعض الناس قد يكون عليهم شبه الكنادر، هل هذه يمسح عليها؟

الشيخ: هذا فيه تفصيل:

إن كان البسطار ساترًا للرجل مع الكعب فلا بأس بأن يمسح عليها بشرط ألا يخلعها، فإن كان سيخلعها فليس له المسح، لكن إذا كان هذا العسكري لبس هذا البسطار على طهارة، وهذا البسطار الذي نعرفه أنه يغطي الرجلين والكعبين، وأيضًا أطراف الساقين، فهذا يصدق عليه وصف الخف هو في معنى الخف، فيشرع المسح على هذا البسطار بشرط عدم خلعه، بشرط ألا يخلعه، فإن خلعه فإنه ليس له أن يمسح عليه.

وأما بالنسبة إلى ما يسمى بالكنادر أو الجزمة، فهذه الغالب أنها لا تغطي الكعبين، ما دام أنها لا تغطي الكعبين، لا يشرع المسح عليها إلا إذا لبس تحتها جوربين، فإذا لبس تحتها جوربين، فننظر إن كان لن يخلع هذه الكنادر، أو الجزمة لم يخلعها، فإنها تصبح هذه الكنادر مع الجورب كالجورب الواحد، فيشرع المسح على الكنادر مع الجورب بشرط ألا يخلعها، أما إذا كان سيخلعها كما هي حال كثير من الناس إذا أراد أن يدخل مجلسًا إذا أراد أن يدخل مكانًا خلعها، فليس له أن يمسح على الكنادر، وإنما يمسح على الجوربين فقط.

حكم اختلاف النية بين الإمام والمأموم

المقدم: الأخ علي سأل عن مسائل تتعلق بالسفر.

الشيخ: نعم هو يقول: إنهم يدخلون مسجدًا ثم يصلون المغرب، ويريدون أن يصلوا العشاء، فيجدون من يصلي المغرب، فالآن دخل من يصلي العشاء خلف من يصلي المغرب، وهذا الذي يصلي العشاء مسافر، يعني صلاته ركعتان فقط، فهنا نقول: لا بأس أن تصلي خلف من يصلي المغرب، وأنت تصلي العشاء، وإذا قام الإمام للركعة الثالثة فلا تقم معه، وإنما أكمل لنفسك، وانصرف وسلِّم، وإن شئت فابق في التشهد، إلى أن تدرك الإمام، وتسلِّم معه أنت بالخيار، فهذا لا يضر، مثل هذا الاختلاف لا يضر، والاختلاف في النية بين الإمام والمأموم لا يضر، وإنما الذي يضر هو الاختلاف في الأفعال، النبي يقول: إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه [5].

ثم فسر هذا الاختلاف قال: فإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا سجد فاسجدوا… [6] فذكر أفعالًا، فدل ذلك على أن الاختلاف المنهي عنه هو اختلاف الأفعال.

ومما يدل لذلك أيضًا أن معاذ بن جبل  كان يصلي مع النبي صلاة العشاء، ثم يرجع إلى قومه وهم ينتظرونه، فيصلي بهم إمامًا صلاة العشاء أيضًا، لكنها في حقه نافلة، وفي حقهم فريضة. [7].

واختلفت النية بين الإمام والمأموم، ومع ذلك أقره النبي على هذا، فدل هذا على أن اختلاف النية بين الإمام والمأموم لا يضر، فصلاة من يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء أو العكس أو صلاة من يصلي الظهر خلف من يصلي العصر، لا بأس بها، ولا تضر.

وأما اختلاف الركعات هنا، فنقول: إذا قام الإمام للركعة الثالثة للمغرب، فاجلس واقرأ التشهد، وسلِّم، لك أن تسلم، أو تنتظر الإمام حتى تدركه في التشهد، أنت بالخيار في هذا، ولا يقال في هذه الحال: إن عليك أن تصلي أربع ركعات؛ وذلك لأن صلاة المغرب أصلًا هي غير مقصورة، صلاة المغرب ثلاث ركعات، وليست رباعية حتى يقال: أتم أربعًا، فهو لا يخلو: إما أن يصلي أربعًا، أو يصلي ركعتين، فإن صلى ركعتين جلس للتشهد، وأكمل لنفسه وسلّم، وإن صلى أربعًا سيأتي بركعة بعدما يُسلّم الإمام، فالمسألة خلافية بين أهل العلم لكن الأقرب، هو أنه يصلي ركعتين، ثم يُسلِّم.

حكم طواف الوداع في العمرة

المقدم: أم سعود سألت عن العمرة، هل لا بد لها من طواف وداع؟

الشيخ: العمرة ليس لها طواف وداع في قول أكثر أهل العلم، وهو القول الراجح؛ وذلك لأن النبي اعتمر أربع عمر، ولم ينقل عنه أنه طاف طواف الوداع، ولم ينقل أنه أمر أحدًا من الصحابة أن يطوف طواف الوداع للعمرة؛ ولأن العمرة مكونة من طواف وسعي وحلق وتقصير، فهي لا تحتاج إلى طواف وداع أصلًا، وإن كان هناك قول آخر لبعض أهل العلم أنه إذا بقي في مكة بعدما أتى بالعمرة، فلا بد أن يطوف طواف وداع، لكن هذا القول قول مرجوح ليس عليه دليل ظاهر، وعليه فالأقرب -والله أعلم- أن العمرة ليس لها طواف وداع.

الجمع والقصر في السفر

المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخنا، قبل قليل المتصل علي سأل عن أحكام السفر حقيقة السفر له في الشتاء أحوال من يذهبون إلى التنزه، أو يخرجون خارج المدن، أو خارج القرى للتنزه أو للصيد، أو للترفيه، أو شيء من هذا القبيل حكمه في مسائل الجمع والقصر؟

الشيخ: ننظر لمسافة السفر، فإن كانت تصل إلى ثمانين كيلو متر فأكثر فهو سفر؛ وذلك لقول النبي : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم [8] أخرجه البخاري ومسلم.

فحدد النبي أقل مسافة للسفر، يعني كأنه قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر أدنى سفر، لكنه عبر عن ذلك بأقل ما يسمى سفرًا، وهو يوم وليلة، ويوم وليلة هذه بسير الإبل المحملة قديمًا، ويقولون: إن الإبل في سيرها تسير في النهار 40 كيلو متر، فمعنى ذلك يوم وليلة، تعادل 80 كيلو متر، وهذا هو المنقول عن الصحابة ، وقد روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما كانا يقولان: يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد، وأربعة برد تعادل ستة عشر فرسخًا تعادل 48 ميلًا، وتعادل بالتقديرات المعاصرة 80 كيلو متر، فالأقرب -والله أعلم- في تحديد مدة السفر، وهو قول جماهير أهل العلم، أنها ثمانون كيلو متر.

لكن أنبه هنا كيف تحسب المسافة؟ لأن بعض الناس يحسبها من بيته، وهذا غير صحيح.

إذن كيف يحسبها؟ يحسبها من مفارقة العمران من آخر عمران البلد، يبدأ يحسب المسافة، فإن كانت ثمانين كيلو فأكثر فهي مسافة سفر، يعني مثلًا لو أخذنا مدينة الرياض، نقول: خذ آخر حي من أحياء مدينة الرياض، فلو كنت مثلًا متجهًا جهة الغرب ذاهبًا إلى مكة، يعني بعد حي العريجاء بعدما ينتهي حي العريجاء، هنا تبدأ وهو آخر أحياء الرياض يبدأ يحسب المسافة، أو مثلًا جهة الجنوب آخر حي، هو حي العزيزية، يبدأ يحسب المسافة، وهكذا بالنسبة لبقية البلدان وبقية المدن.

إذن تحسب من مفارقة العمران من آخر عمران البلد، وتحسب ثمانين كيلو مترًا، والآن يمكن حسابها عن طريق السيارة، بأن يضع تبلون السيارة يصفره ويبدأ بحساب المسافة، طبعًا هذه في المسافات المحتملة مثل الثمانين وما حولها.

إذن المسافة إذا كانت ثمانين كيلو فأكثر بهذه الطريقة التي ذكرنا، فإنها مسافة سفر، هنا أُنبِّه إلى أن اللوحات الموجودة على الشوارع من خلال الاستقراء والتتبع لها هي تحسب المسافة إلى وسط المدينة، من وسط المدينة إلى وسط المدينة، فإذا قال: بقي على الرياض مثلًا مائة كيلو، يقصد إلى وسط مدينة الرياض، وهنا عندما نحسب المسافة في السفر نحسبها من مفارقة العمران إلى أول عمران البلد الذي تريد أن تذهب إليه، فإذا كانت ثمانين كيلو مترًا فأكثر، فهي مسافة سفر، لك أن تترخص بجميع رخص السفر من القصر من الجمع من كون مدة المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، ولا يختلف الحكم عن كونه سفر طاعة كسفر حج أو عمرة أو سفر نزهة أو سفرًا مباحًا، أو حتى على القول الراجح، حتى وإن كان سفر معصية، فإنه على القول الراجح يباح الترخص فيه برخص السفر، وإن كانت هذه مسألة خلافية، لكن القول الراجح أن حتى سفر المعصية يباح فيه الترخص برخص السفر، وإن كان يأثم بالمعصية، لكن يبقى سفرًا يصدق عليه أنه سفر لغة وعرفًا وشرعًا هو سفر، فإذن ما دام أنه قد فارق بلده من مفارقة العمران مسيرة ثمانين كيلو متر، فأكثر فهو يعتبر سفرًا ويترخص فيه برخص السفر.

الترخص في الفطر في السفر

المقدم: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، بعض الناس يا شيخ انت قلت: ثمانين ما يبدأ في الفطر، أو ما يبدأ في الترخص إلا بعدما يتجاوز الثمانين.

الشيخ: لا، هذا غير صحيح، النبي كان إذا أنشأ سفرًا، فكان إذا سار ثلاثة أميال قصر الصلاة، يعني مجرد أنه يفارق العمران، مجرد مفارقة العمران يبدأ الترخص، لكن نحن نقول: قرر أولًا هل أنت مسافر أو غير مسافر؟

إذا قال: والله أنا مسافة السفر مثلًا 100 كيلو، إذن أنت مسافر، من حين أن تفارق العمران تبدأ بالترخص برخص السفر من حيث المفارقة، ولو كيلو متر واحد، تبدأ بالترخص برخص السفر.

حكم دفن الميت عقب صلاة العصر

المقدم: سؤال الأخت من جازان سألت عن دفن الميت عقب صلاة العصر؟

الشيخ: دفن الميت بعد صلاة العصر لا بأس به؛ وذلك لأن النهي إنما ورد عن الدفن في ثلاثة أوقات فقط، كما جاء في حديث عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات نهانا رسول الله عن أن نصلي فيهن، أو أن نقبُر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب.

يعني وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، وحين يقوم قائم الظهيرة قبيل أذان الظهر، هذه النهي عن الصلاة فيها شديد؛ ولذلك نهي عن الصلاة فيها يعني صلاة النافلة وأيضًا عن دفن الأموات في هذه الأوقات الثلاثة.

أما ما بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وهكذا ما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، فهذا النهي عن الصلاة فيه لسد الذريعة، من باب سد الذريعة، حتى لا يتمادى المصلي فيصلي إلى أن يصل إلى وقت طلوع الشمس، أو إلى وقت غروبها؛ ولذلك فلم يرد فيه النهي عن دفن الأموات، وإنما ورد النهي عن دفن الأموات في الأوقات الثلاثة التي النهي فيها شديد، وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، وحين يقوم قائم الظهيرة.

وعلى ذلك فلا بأس بدفن الأموات بعد صلاة العصر، ولا بأس بدفن الأموات بعد صلاة الفجر، مع ملاحظة أنه ينبغي أن يفرغ الدافنون للميت قبل وقت النهي الشديد، يعني قبل أن تضيّف الشمس للغروب، وقبل أن تقترب الشمس من الطلوع بالنسبة للفجر، فإذا دفنوها بعد صلاة العصر مباشرة فلا بأس بذلك؛ لأنه لم يرد في هذا نهي من النبي .

المقدم: إذا حصل زحام في الجنازة، أو تعطلوا مثلًا في السير، وقد جاء وقت النهي أن ينتظروا بعد صلاة المغرب؟

الشيخ: لو افترضنا مثلًا أنه حصل زحام، ولم يتيسر أن يصلوا إلى المقبرة إلا قبيل غروب الشمس، فنقول: انتظروا لا تدفنوها حتى تغرب الشمس؛ لأن هذا وقت ورد النهي فيه عن دفن الأموات.

توجيه حول التمور التي تتساقط وتطأها الأرجل

المقدم: يا شيخ أنا أرغب في كلمة من فضيلتكم حول التمور التي في الشوارع تتساقط وتطأها الرجل والسيارات، وفيها إهانة للطعام، ودي بكلمة من الشيخ للأمانات للاهتمام بالأمر هذا، جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: لا شك أن ما كان مطعومًا ينبغي احترامه، وعدم الاستهانة بأمر النعمة، بل احترامها، وأن توضع للآدميين، أو على الأقل للبهائم، لكن لا ترمى، ولا تمتهن هذه النعمة.

شرح حديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث..

المقدم: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، الأخ عبدالمجيد المحمود يسأل: لماذا نسبت الأشياء الثلاثة بعد ممات الإنسان أنها تبقى من عمله، مع أن ظاهر الحديث وهو الصدقة الجارية، والعلم المنتفع به، والولد الصالح الذي يدعو له يفهم أنها من أعمال الغير، فنرجو التوضيح؟

الشيخ: الله ​​​​​​​ يقول: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ أمرين:

  • الأمر الأول: ونكتب مَا قَدَّمُوا
  • والأمر الثاني: وَآثَارَهُمْ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12] فالله ​​​​​​​ أخبرنا بأنه يكتب للإنسان أمرين:

الأمر الأول: ما قدمت يده أعماله التي يعملها من الصلاة ومن الصيام ومن الزكاة، الأعمال الصالحة كلها التي قدمها وعملها في الدنيا.

هناك أمر ثانٍ يكتب للإنسان: وهو الآثار التي خلَّفها، فإن كانت آثارًا حسنة كُتب له أجرها وثوابها بعد مماته، وإن كانت آثارًا سيئة كُتب عليه وزرها وآثامها بعد مماته.

فهذه قضية مهمة بعض الناس يظن أنه لا يكتب للإنسان من الأعمال الصالحة إلا فقط الذي عمله بيده لا، هناك الآثار تكتب بنص الآية: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12].

ولهذا ينبغي للمسلم أن يُخلِّف آثارًا حسنة، يعني بعض الناس ما له في الدنيا أي أثر إذا مات انقطعت آثاره ما عنده أوقاف، ما عنده صدقة جارية، ما عنده علم ينتفع به، ما عنده أولاد صالحين يدعون له، فينقطع عمله بمجرد موته، فينبغي أن يكون للمسلم آثار، فإذا كان يسر الله تعالى له أعطاه مالًا ينبغي أن يوقف أوقافًا، فإن الصدقة الجارية يلحق ثوابها الميت بعد مماته ما دام ينتفع بها، كم من إنسان الآن هو في قبره وهذه الصدقة الجارية تدر عليه حسنات وهو في قبره، فانتفع بماله حيًا وميتًا، وبعض الناس ربما يملك أضعاف أضعاف ما يملكه هذا، لكنه لم يوفق لهذا الخير، فأدعو الموسرين، ومن أعطاه الله ​​​​​​​ مالًا وثراء أن يبادر؛ لأن يضع له صدقة جارية يجري له ثوابها وحسناتها بعد مماته، تدر عليه حسنات بعد الممات يفرح بها، ويسر بها.

فالذي يلحق الميت بعد مماته يقول النبي : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية.. [9].

الصدقة الجارية هي الوقف، ما دام أن هذا الوقف ينتفع به فيجري أجره وثوابه لهذا الميت.

والأمر الثاني: أو علم ينتفع به سواء خلّف مثلا طلابًا بعده، أو كتبًا، أو مؤلفات، أو أي علم ينتفع به، أو مثل هذه البرامج مثلًا إذا بقيت ينتفع بها بعد ممات الإنسان يجري له أجرها وثوابها.

أو ولد صالح يدعو له هذا أيضًا مما يلحق الإنسان أجره وثوابه بعد مماته، وهذا يدل على أن دعاء الولد الصالح للإنسان بعد مماته ينفعه، ويستفيد منه، فهذه إذن من الآثار التي تكتب للإنسان بعد مماته، فقول الأخ السائل: كيف تكتب له وهو لم يعملها؟

نقول: إن الذي يُكتب للإنسان أمران: يكتب له ما قدَّم، ويكتب له آثاره إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12] فأقول: ينبغي للمسلم وللمسلمة أن يجعل له في هذه الدنيا آثارًا، أن يجعل له صدقة جارية، أن يجعل له ما ينفعه بعد مماته، من آثار حسنة، من تربية أولاد صالحين يدعون له بالخير، ويدعون له بعد مماته.

من الآثار الحسنة التي تبقى علم ينتفع به بأية صورة من صور هذا الانتفاع، فهذه من الآثار الحسنة التي تبقى للإنسان بعد مماته.

ونسأل الله العافية، هناك أناس تُكتب عليهم آثام بعد مماتهم، ذنوب ومعاصٍ بعد مماتهم بسبب الآثار السيئة التي خلَّفوها، إما مثلًا بتأليف كتب ضلالات وزندقة، أو مثلًا بأنهم خلفوا أغاني مثلًا تستمتع لها ويسمعها الناس بعد مماتهم يكتب عليهم إثمها وأوزارها، أو تسببوا في إيجاد وسائل تتسبب على الناس في إيقاعهم في المعاصي من أجهزة أو غيرها، فبعض الناس يكتب عليه ذنوب ومعاصٍ بعد مماته بسبب الآثار السيئة.

وبعض الناس يكتب لهم حسنات بسبب الآثار الحسنة؛ ولذلك يقول النبي : من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا يعني: حيًا وميتًا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا [10]، يعني: حيًّا وميتًا.

حكم زكاة الحُلي

السائلة: يا شيخ عندي مجوهرات ولا أستخدمها يا شيخ كيف الزكاة عليها؟

الشيخ: طيب ما هو الغرض من وجودها عندكِ؟ هل الغرض مثلًا لبسها في المناسبات؟

السائلة: نعم يا شيخ.

الشيخ: المجوهرات أو الحلي عمومًا المعد للاستعمال وليس للتجارة اختلف العلماء في حكم وجوب زكاته على قولين:

  • القول الأول: أنه ليس فيه زكاة، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وهو مأثور عن عدد من أصحاب النبي .
  • القول الثاني: أنه تجب فيه الزكاة، وهذا هو مذهب الحنفية.

والقائلون بوجوب الزكاة فيه استدلوا بأحاديث هي ضعيفة لا تصح من جهة الصناعة الحديثية، مثل حديث: المرأة التي أتت النبي وفي يد ابنتها مسكتان، فقال: أتؤدين زكاة هذه؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار فألقتهما، وقالت: هما لله ورسوله [11] هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي .

وهكذا أيضًا حديث عائشة أنه كان في يدها فتخات من وَرِق، فقال عليه الصلاة والسلام: هل تؤدين زكاة هذه؟ قالت: لا، قال: هو حسبك من النار [12]، أيضًا هذا حديث ضعيف.

وحديث أم سلمة حديث الأوضاح من الفضة أيضًا حديث ضعيف؛ ولهذا قال الترمذي رحمه الله: “لا يصح في هذا الباب شيء”.

وعلى ذلك ما دام أنه لا يصح في هذا الباب شيء، فنرجع للقواعد العامة للشريعة، والقواعد العامة للشريعة أن ما كان معدًا للاستعمال والقنية، فلا زكاة فيه، وبهذا يتبيّن أن القول الراجح هو قول جمهور الفقهاء، وهو أنه لا تجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال؛ لأن ما كان معدًا للاستعمال لا تجب الزكاة فيه، كما قال النبي : ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة [13]، متفق عليه؛ ولذلك لا تجب الزكاة على الإنسان في بيته الذي يسكنه، ولا في سيارته، ولا في أواني المطبخ، ولا في الأِشياء المعدة للاستعمال عمومًا، وهكذا أيضًا منها الحلي المعد للاستعمال والقنية، وليس معدًا للتجارة، هذا لا زكاة فيه، وهذا قد روي أيضًا عن خمسة من أصحاب النبي ، كما قال الإمام أحمد: “خمسة من أصحاب النبي يرون أن زكاة الحلي عاريته”، يعني: أنه لا زكاة فيه، لكن يُعار، لكن ينبغي إعارته.

فعلى هذا نقول: القول الراجح هو قول أكثر أهل العلم وهو أنه لا تجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال.

هل تجب الزكاة في الديون المؤجلة؟

المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، ونفع بعلمكم، وهذا سؤال وردنا من أحد الإخوة عبر الواتس آب يسأل فضيلة الشيخ، يقول: أنا عندي استفسار عن الزكاة، أنا أقسط سيارات من سنتين ونصف تقريبًا، وأريد أن أعرف كيف أحسب الزكاة؟ هل هي على رأس المال أم رأس المال زائد الربح، علمًا أنني ما أشتري السيارات كاش -هكذا يقول يا شيخ- الذي أقصده أني آخذها مهلة شهر أو شهرين أو ثلاثة إلى أن أجمع أقساطي، وأسدد للمعرض، فأرجو إفتائي في هذا، بارك الله فيكم.

الشيخ: نعم، هذا الأخ السائل يتعامل بالتجارة، لكن في بيع السيارات بالتقسيط، وهذه المسألة الديون التي للإنسان في ذمم الآخرين، وهي الديون المؤجلة، هل تجب الزكاة فيها أو لا تجب؟ هذه درست في مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في الدورة قبل الأخيرة، وأيضًا في معايير مجلس هيئة المراجعة والمحاسبة للمعاملات المالية المصرفية، واتفقت كلها المعايير مع المجمع على أنه تجب الزكاة في رأس المال، مع ربح السنة الحالية دون أرباح بقية السنوات، وهذا هو أعدل الأقوال، أوضح هذا هو أعدل الأقوال، رأس المال مع ربح السنة الحالية، يعني: ربح السنة التي هو فيها ربح سنة واحدة، دون أرباح بقية السنوات، فلو قلنا: إنه قسط سياراته لنفترض أن رأس مالها خمسون ألف ريال، ولنفترض أنه قسطها على أربع سنوات، وأن ربح كل سنة خمسة آلاف، فمعنى ذلك أنه في السنة الأولى إذا أراد أن يزكيها يزكي كم يا شيخ محمد؟ رأس المال مع ربح السنة الأولى يعني خمسة وخمسين ألف، السنة الثانية طبعًا رأس المال سينقص؛ لأنه سيخصم القسط السابق، فرأس المال سينقص يزكي ما تبقى من رأس المال، مع ربح السنة الثانية التي هي خمسة آلاف، السنة الثالثة كذلك ما تبقى من رأس المال مع ربح السنة الثالثة، ثم ما تبقى من رأس المال مع ربح السنة الرابعة، وهكذا.

هذا هو أعدل الأقوال في هذه المسألة.

وهو قول وسط بين من قال بأنها تجب الزكاة مطلقًا هذا يشكل عليه أنها ربما أن الزكاة تقضي على الأرباح، يعني لو كان التقسيط 25 عامًا، أو 30 عامًا، لو قلنا: يزكي هذه الأرباح للسنوات هذه كلها، ربما قضت على الأرباح.

والقول بعدم إيجاب الزكاة فيها أيضًا مشكل؛ لأن هذه عروض تجارة، كيف لا تجب فيها الزكاة؟ هو الآن يتاجر، فهي أعدل الأقوال، وهو القول الوسط أنه يجب عليه أن يزكي رأس المال، مع ربح السنة الحالية التي هو فيها، ودون أرباح بقية السنوات، هذا هو الذي أقره مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، وهو الذي أيضًا أقرته المعايير الشرعية.

حكم الصدقة عن الميت

السؤال: يسأل عن الميت والصدقة عنه؟

الشيخ: نعم، الميت عندما يموت الإنسان، فإن روحه تفارق بدنه، وروحه تصعد إلى أعلى عليين، إن كان من أهل الجنة أو إلى سجين إن كان من أهل النار، يبقى هذا البدن، هذا البدن يغسل ويكفن ويصلى عليه، يصلى على الروح والبدن طبعًا، لكن هذا البدن يدفن يوضع في التراب إذا وضع في التراب يأكله الدود، يبدأ أولًا بطنه بالانتفاخ، ثم سبحان الله تبدأ الديدان تنهش في هذا البدن، انظر إلى ضعف الإنسان هذا البدن الذي يهتم به وبنظافته في الدنيا تأكله الديدان، تبدأ الديدان تنهش هذا البدن وتأكله شيئًا فشيئًا إلى ألا يبقى منه شيء، يصبح ترابًا، فلا يبقى منه إلا عجب الذنب، وهو العصعص آخر العمود الفقري، وهو شيء يسير لا يُرى بالعين المجردة، هذا هو الذي يركب منه الخلق يوم القيامة، طيب هذا الإنسان أين ذهب؟ هذا ذهبت الروح، فالإنسان الآن بروحه، فالعذاب والنعيم يقع على الروح، وإن كان له نوع اتصال بالبدن بعد الدفن خاصة، وعلى ذلك فعندما يأتي الإنسان طبعًا هذا يستثنى من هذا الكلام الذي ذكرته أجساد الأنبياء، ومن شاء الله تعالى من الصديقين والشهداء، فإن أجساد الأنبياء حرم الله تعالى على الأرض أن تأكل أجسادهم، ومن شاء الله تعالى من الصديقين والشهداء عندما يأتي الإنسان لزيارة المقبرة، أنت الآن تريد أن تزور قريبك طيب قريبك هذا أين هو؟ قريبك هذا الآن روحه صعدت ارتفعت الآن الروح فهو ليس الآن هذا البدن المدفون هذا البدن سيصبح ترابًا مع الوقت سيصبح ترابًا، فإذن الغرض الأساس من زيارة القبور هو الاعتبار؛ ولهذا النبي : كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة [14].

فالغرض الأساس من زيارة القبور هو تذكر الآخرة، والاعتبار والاتعاظ، وأن يرى الإنسان هذه القبور التي كان أهلها على ظهر الأرض هم الآن في باطنها.

وأما إذا قصد الإنسان نفع الميت فليس نفع الميت بزيارة المقبرة؛ لأن هذا الآن روحه ليست موجودة الآن هنا، روحه ذهبت إلى أعلى عليين، أو أسفل سافلين، وهذا البدن الذي دفن في هذه الحفرة الآن سيصبح ترابًا مع مرور الوقت، فإذا أردت أن تنفع الميت ادع له في أي مكان، لا يتقيد الدعاء بأن تأتي المقبرة ادع له، تصدق عنه، لا بأس أن تحج عنه وتعتمر عنه، أن تجعل له آثارًا، نحن قلنا قبل من الآثار: يلحق الإنسان ثوابها بعد مماته، سواء عملها الإنسان بنفسه، أو عملت له، اجعل لهذا الميت آثارًا، صدقة جارية مثلًا، أو علم ينتفع به، توزع كتب نافعة، أو بالدعاء له.

فالدعاء للميت لا يشترط أن تدعو له عند المقبرة، أن تذهب وتزوره عند المقبرة إذا أردت أن تنفع الميت ليس بأن تزوره في قبره، هو الآن روحه صعدت وذهبت ما بقي عندنا إلا هذا البدن الذي سيصبح بعد سنين ترابًا، بدأ الدود يأكل وينهش في هذا الجسد، سيصبح ترابًا، فيعني بعض الناس عندهم اهتمام بهذه القضية، تجد أنه يزور قبر قريبه، بعضهم يقول: كل أسبوع، بل بعضهم أقل من هذا، ويظن أنه يحسن إلى الميت بهذه الزيارة لا، إذا أردت أن تحسن للميت فتصدق عنه، إذا أردت أن تحسن للميت فادع له، هذا إذا أردت أن تحسن للميت قدِّم له آثارًا: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، ودعاء له، وحج وعمرة عنه، هذا هو الذي ينفع الميت، وهذا هو الذي يستفيد منه الميت، لكن مع ذلك من أراد أن يذهب لزيارة المقبرة لأجل الاعتبار والاتعاظ وسلّم على قبر قريبه، فلا بأس، لا نقول: إن هذا ممنوع، لكن أنا أنبه على أن من أراد نفع قريبه الميت، فيكون بهذه الأمور التي ذكرت بالصدقة بالدعاء بجعل آثار له، علم ينتفع به، مثلًا هذه الأمور التي تنفعه يصل ثوابها له بعد مماته، هذه إذا أردت الإحسان لهذا الميت أما كونك تذهب له في المقبرة، وتزوره، فيعني هذا الغرض منه الاعتبار إن أردت أن تذهب وتعتبر، وأن تسلم على قبره أيضًا لا بأس بهذا، لكن ليس هو هذا الذي ينفع الميت، الذي ينفع الميت هو ما ذكرنا من الصدقة والدعاء.

هل يشعر الميت إذا زاره قريبه أو حبيبه؟

المقدم: يعني هل الميت إذا زاره قريبه أو حبيبه هل يشعر بهذه الزيارة أو يحس مثل ما يقول بعض العامة؟

الشيخ: لا أعلم أنه قد ثبت في هذا شيء عن النبي هذه من الأمور الغيبية التي إنما تعلم عن طريق الوحي، ولا مجال للعقل البشري فيها، هذه لا مجال للاجتهاد فيها، لا مجال للعقل البشري فيها، هذه تعلم عن طريق الوحي، ولم يثبت فيما أعلم عن النبي في هذا شيء روي في ذلك حديث، لكنه ضعيف من حيث الصناعة الحديثية لا يصح عن النبي .

وعلى ذلك فالظاهر -والله أعلم- أنه لا يشعر؛ لأنه كما ذكرنا روحه صعدت ذهبت روحه الآن هذا الجسد مع مرور الوقت سيصبح ترابًا، يبدأ الدود يأكل هذا الجسد، ثم بعد كذا سنة يصبح ترابًا، ما يبقى منه إلا عجب الذنب، والقول بأنه يشعر به، أو أن الأموات يعرفون أعمال الأحياء يحتاج إلى أدلة صحيحة، لا أعلم أن هذا قد ثبت في ذلك، هو روي نعم روي، لكنها ضعيف، لكن لا أعلم أنه قد ثبت عن النبي شيء في هذا.

حكم الزراعة بجوار قبر الميت وتعاهد ذلك بالسقي

المقدم: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ أيضًا على ذكر كلامك في هذا الأمر، هذا أحدهم يقول: أحد إخوانهم الصغار تُوفي في منطقة من مناطق المملكة في حادث ويذهب بعض إخوانه القريبين منه في السن، يذهبون إلى القبر، ويرشونه، ويتعاهدون الزرع الأخضر الذي عليه، هل هذا العمل مشروع؟

الشيخ: هذا العمل غير مشروع، بل هذا يقرب من أن يكون بدعة، تعاهد الزرع كأنهم يرون أن هذا الميت هو الآن في هذا القبر ويريدون بهذه الأعمال أنها تنفعه، هذا من البدع، لا يشرع مثل هذا العمل، وكما ذكرنا أن الميت روحه ذهبت إذا أردتم أن تنفعوا الميت يعني ذهبت، وإما إلى عليين، وإما إلى سجين، فإذا أردتم أن تنفعوا الميت ادعوا له، وتصدقوا عنه، حجوا عنه، واعتمروا عنه، وأما ان يذهبوا إلى قبره ويرشوا عليه، ويضعوا عليه الزرع الأخضر، هذا من البدع، هذا عمل غير مشروع، من أراد أن يذهب للمقبرة ويقتصر على ما وردت به السنة، يسلّم على أهل القبور، يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم، ويعتبر ويتعظ لا بأس، لكن بحدود ما ورد فقط، ولا يزيد على ذلك بأن يفعل ما ذكر في السؤال هذا من البدع، وينبغي الإنكار على هؤلاء، وأن يقال لهم: ما دمتم تريدون نفع قريبكم فتصدقوا عنه، وادعوا له كل يوم، هذا هو الذي ينفعه.

فضل تحفيظ القرآن

المقدم: تسأل عن حفظ القرآن، وأيضًا الانخراط في مدارس تحفيظ القرآن، أو تعليمها، أو حلقها بعض الناس قد يأتيه الشيطان من هذا الباب، ويقول: أخشى أن يكون حجة علي، فيترك هذا الطريق.

الشيخ: ننصح الأخت الكريمة بأن تستمر في دار التحفيظ، تحفيظ القرآن الكريم، وما ذكرته هذه من وساوس الشيطان، الشيطان لما رآها أقبلت على خير، وأقبلت على عمل صالح يريد أن يصدها عن هذا الخير، فأتى لها بهذه الأمور، قال: إن القرآن سيكون حجة عليك، ونحو ذلك، هذا كله من تلبيس الشيطان، بل نقول: اذهبي لدار تحفيظ القرآن الكريم، واجتهدي في الطاعة، واجتهدي في الخير، وحفظ القرآن شرف للإنسان ومنقبة؛ النبي يقول: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران [15].

فإياك أن تتركي ما أنت فيه الآن لأجل هذه الوساوس، هذا الوسواس من الشيطان الرجيم، الشيطان يريد أن يصدك عن هذا الخير، فلا تستجيبي له، واستمري على ما أنت فيه من الخير، النبي يقول: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده [16]، أخرجه مسلم في صحيحه.

هذا شرف عظيم، وخير كبير لمن اجتمعوا على تدارس كتاب الله ​​​​​​​، تحفهم الملائكة، وتنزل بهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتحفهم الملائكة، ويذكرهم الله تعالى فيمن عنده، هل هناك شيء أشرف من هذا؟ هذا شرف عظيم، وعمل كبير، فالشيطان الرجيم لما رآكِ مقبلة على هذا الخير، أراد أن يصدك عنه بهذه الوساوس، هذه الوساوس من الشيطان الرجيم، وهذه الدور دور تحفيظ القرآن الكريم هي من أعظم ما يُعين على صلاح المؤمنات، وعلى تثبيتهن على الخير، فأنصحكِ بأن تستمري على هذا الخير الذي وفقك الله تعالى له، ولا تلتفتِ لهذه الوساوس، فإنها من الشيطان الرجيم.

حكم رقص النساء في الأفراح

السؤال الثاني: أحسن الله إليك، وهو حكم الرقص في الأفراح؟

الشيخ: رقص المرأة في الأفراح إذا خلا هذا الفرح من منكرات، فالأصل فيه الإباحة، الأصل في هذا الإباحة، ويجوز أيضًا في الأعراس ضرب الدف، وقد أمر به النبي إذا كان مقتصرًا على ضرب الدفوف، فلا بأس بحضور هذه الأفراح، وحتى أيضًا الرقص فيها، الأصل في هذا الجواز، الأصل في هذا الباب الجواز، ما لم يقترن بأمور منكرة، كأن يكون فيها معازف مثلًا وموسيقى، ونحو ذلك هذه محرمة، لكن إذا اقتصر على ضرب الدف ونحوه فلا بأس بذلك، ولا بأس أيضًا بالرقص في مثل هذا.

معنى إسباغ الوضوء على المكاره

المقدم: وهذا السائل فضيلة الشيخ يسأل عن إسباغ الوضوء على المكاره؟

الشيخ: إسباغ الوضوء على المكاره ورد في حديث أبي هريرة أن النبي قال: ألا أخبركم بما يمحو الله تعالى به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط [17]، أخرجه مسلم في صحيحه.

فذكر النبي أمورًا ثلاثة أخبر بأنه يمحو الله تعالى بهن الخطايا، ويرفع بهن الدرجات:

الأمر الأول: إسباغ الوضوء على المكاره، ما معنى إسباغ الوضوء على المكاره؟ إسباغ معناه: إتمام، الوضوء على المكاره، يعني على المشقة، هذا يكون عندما يكون الجو باردًا، ولا يجد الإنسان ما يسخن به الماء، فيتم وضوءه، ويسبغ الوضوء، ويكمله حتى مع المشقة مشقة البرد، فهذا مما يرفع الله تعالى به الدرجات.

وليس معنى هذا أن الإنسان إذا كان عنده سخانة يترك الماء الدافئ، ويتوضأ بالماء البارد، ليس هذا هو المقصود في الحديث، المقصود أنه إذا قُدر أنه ما عنده ما يسخن به الماء، كأن يكون مثلًا في البر، ما عنده ما يسخن به الماء، أو كما كان عليه حال الناس قديمًا وحان وقت الصلاة، وأراد أن يتوضأ للصلاة فهنا أسبغ الوضوء أكمله أتمه لم ينقصه مع شدة البرد مع المكاره، يعني مع المشقة، فهذا معناه: إسباغ الوضوء على المكاره.

وكثرة الخُطا إلى المساجد كل خطوة يخطوها المسلم إلى المسجد يرفع الله تعالى له بها درجة، ويحط عنه بها خطيئة.

وانتظار الصلاة بعد الصلاة يعني: إذا كان الإنسان منتظرًا للصلاة فهو في صلاة؛ فهذه الأمور الثلاثة مما يرفع الله تعالى بها الدرجات، ويكفر بها الخطايا.

توجيه في إسباغ الوضوء وغسل المرافق

المقدم: شيخنا، الله ​​​​​​​ يقول: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] الناس قد يلبسون يعني ثيابًا فوق الثياب، أو بعض البجامات أحيانًا قد يتساهل بعضهم في الحسر على ثيابه، وقد تكون هناك طبقات من الثياب التنبيه على هذا يا شيخ؟

الشيخ: نعم، أقول: ينبغي رفع مستوى الاهتمام في الطهارة والصلاة، لا يجعل الإنسان الطهارة والصلاة يعني موضوعًا هامشيًّا، ينبغي الاهتمام بها، عند الوضوء ينبغي أن يغسل اليد كاملة، يغسل الكف والذراع والمرفق إذا كان عليه ثياب يرفع هذه الثياب، لا بد من أن يرفع الثياب، وأن يغسل الكف والذراع والمرفق، وهكذا بالنسبة للرجل يغسل الرجل مع الكعبين؛ ولما رأى النبي قومًا يتوضؤون، وقد لاحت أعقابهم تلوح لم يمسها الماء نادى النبي  بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار [18]، أخرجه البخاري ومسلم.

هذا يدل على أنه لا بد من العناية بهذه الأمور، نحن ذكرنا في بداية الحلقة حديث أبي هريرة أن النبي رأى رجلًا وفي قدمه قدر الظفر فقط لم يمسه الماء، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة [19]، فإذن لا بد أن يتأكد المسلم من أن الماء وصل إلى جميع أعضاء الوضوء، لا بد من أن يتأكد من هذا، وأما التساهل في هذا فهذا يعرض الصلاة للبطلان، وعدم الصحة.

خاتمة البرنامج

المقدم: أحسن الله إليك صاحب الفضيلة معالي الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء، الذي أطل علينا مجيبًا على أسئلة المشاهدين والمشاهدات، شكر الله لكم شيخنا.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المشاهدين. 

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 148، وأحمد: 22383.
^2 رواه مسلم: 243.
^3 رواه أبو داود: 175.
^4 للعلامة التاودي كما في نظم المتناثر من الحديث المتواتر – الكتاني: ص 18.
^5 رواه البخاري: 722، ومسلم: 414.
^6 رواه أبو داود: 603.
^7 رواه البخاري: 6106، ومسلم: 465.
^8 رواه البخاري: 1086، ومسلم: 1339، واللفظ له.
^9 رواه مسلم: 1631.
^10 رواه مسلم: 2674.
^11 رواه أبو داود: 1563.
^12 رواه أبو داود: 1565.
^13 رواه البخاري: 1464، ومسلم: 982.
^14 رواه ابن ماجه: 1569.
^15 رواه البخاري: 4937، ومسلم: 798.
^16 رواه مسلم: 2699.
^17 رواه مسلم: 251.
^18 رواه البخاري: 60، ومسلم: 241.
^19 سبق تخريجه.
zh