logo

(2) فتاوى على القناة السعودية

مشاهدة من الموقع

المقدمة

المقدم: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

طبتم وطابت أوقاتكم بالخير والمسرات، مرحبًا بكم مشاهدي الكرام إلى حلقة جديدة مباشرة من برنامج “فتاوى”، والذي يأتيكم عبر قناة السعودية، رحبوا معي في مطلع هذا اللقاء بمعالي شيخنا الشيخ/ سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء، حياكم الله يا شيخ سعد.

الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المشاهدين.

المقدم: بارك الله فيكم شيخنا، أسعد مشاهدينا الكرام باستقبال أسئلتكم واستفتاءاتكم تباعًا على هاتف البرنامج أيضًا عبر الميديا.

أسباب ضعف الإيمان وعلاجه

حياكم الله يا شيخ سعد، وبارك فيكم، في مجموعة من الإخوان والأخوات يا شيخ سعد أرسلوا مجموعة من الأسئلة من أمس، لكن تدور حولها بمجملها حول ضعف الإيمان، خصوصًا مع تراكم هذه الأحداث، مع تراكم الفتن وتنوعها بشكل كبير، يشعر البعض أن علاقته بالله باتت ضعيفة جدًّا، باتت بعيدة حتى كان بعض الإخوان والأخوات يكتب أنه حتى في الصلاة لم يعد للصلاة لذة، ولم يعد للصلاة طعم، ولم يعد حتى للحياة بشكل عام، لا أدري هل هو قنوط أم هو عدم تفاؤل؟

لعلنا نبدأ هذه الحلقة يا شيخ سعد بالحديث عن هذا الأمر.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فالإيمان عند أهل السنة والجماعة يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، فليس الإيمان له حد ثابت لا يزيد عليه ولا ينقص عنه، بل هو عند أهل السنة والجماعة يزيد وينقص؛ ولهذا قال : وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2] هذا يدل على أن الإيمان يزيد وينقص؛ ولذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على أن يأتي بالأسباب التي تزيد من الإيمان، ونحن في هذا العصر الذي نعيش فيه انفتحت فيه الدنيا على الناس، واتصل العالم بعضه ببعض، وأصبح كما يقال: كالقرية الصغيرة، وتعلَّق كثير من الناس بالحياة المادية، وإذا تعلَّق الإنسان بالمادة، وتعلَّق بأمور الدنيا، فلا بد أن يغفل، ولا بد أن يذهل، ولا بد أيضًا أن يقسو قلبه، وأن يفتقد روح العبادة، والخشوع في العبادة، وطعم العبادة أو لذة الإيمان وحلاوة الإيمان؛ ولذلك أذكر باختصار أسباب زيادة الإيمان:

من أعظم أسباب زيادة الإيمان ما ذكره الله تعالى في قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2]؛ تدبر القرآن الكريم استماعًا وتلاوة، فالقرآن العظيم هو كلام الله ، وهذا القرآن العظيم جعله الله تعالى هو الآية لنبينا محمد ، فإنه ما من نبي إلا وقد أُعطي من الآيات على ما مثله آمن البشر، فآية موسى مثلًا العصا، وآية عيسى يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، بإذن الله، وآية صالح الناقة، وما هي آية نبينا محمد عليه الصلاة والسلام؟ آيته هذا القرآن العظيم، هذا القرآن العظيم من تدبره، فإن إيمانه يزيد، سواء كان هذا التدبر عن طريق التلاوة، أو كان عن طريق الاستماع، وليس السماع الاستماع، وهناك فرق بين السماع والاستماع، الاستماع أن يقصد الاستماع ويتأمل ويتدبر فيما يقوله القارئ، وأما السماع فلا يقصد الاستماع، وإنما مر مرورًا عابرًا، أو سمع كلامًا عابرًا من غير أن يقصد الاستماع؛ ولهذا قال : وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2]؛ إذا الارتباط بالقرآن الكريم من أسباب زيادة الإيمان.

أيضًا الإكثار من ذكر الله ؛ لأن الإنسان إذا أكثر من ذكر الله سبحانه قوي تعلقه بالله وبالدار الآخرة، وضعف تعلُّقه بالدنيا وبالأمور المادية، وهذا مما يرفع مستوى الإيمان لديه؛ ولهذا قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۝وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42].

وجاء رجل إلى الحسن البصري قال: يا أبا سعيد أشكو قسوة في قلبي، يعني أرى الناس تبكي، وأنا ما أبكي، أرى الناس تخشع، وأنا ما أخشع، أرى الناس ترق قلوبهم، وأنا ما يرق قلبي، فما هو العلاج؟ قال الحسن رحمه الله: “أذب قسوة قلبك بكثرة ذكر الله ؛ لأن ذكر الله سبحانه وتعالى يربط الإنسان بالله ، وهذا من شأنه أن يزيل القسوة، أو يذيب القسوة، أو يُقلِّل على الأقل من قسوة القلب؛ فيرق القلب، ويجد الإنسان خشوعًا، ويجد لذة في العبادة؛ ولهذا مثلًا يجد الإنسان في العشر الأواخر من رمضان وفي مواسم العبادة من الخشوع ما لا يجده في غيرها؛ لأن ارتباطه بالعبادة أكثر، وأما إذا كان حديث الإنسان في الأمور المادية، مجالسه في الأمور المادية في الدنيا، مجالسه في الدنيا، وحديثه في الدنيا، وكل كلامه في الدنيا، هنا يقسو قلبه ويغفل ويذهل.

فإذن الإكثار من ذكر الله أيضًا المجالس مجالس الذكر هذه مما تزيد من الإيمان؛ ولهذا كان الصحابة إذا لقي بعضهم بعضًا قال: اجلس بنا نؤمن ساعة، يعني نتذاكر نؤمن يعني نتذاكر ساعة فيما يهمنا في أمور ديننا، فيتذاكرون ويقوى إيمانهم، ويزيد يقينهم، فينبغي في كل مجلس أن يعطر بشيء من ذكر الله ، وإما مثلًا بآيات تتلى أو بحديث من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، أو موعظة، أو نحو ذلك، هذا أيضًا من شأنه أن يزيد من مستوى الإيمان.

أيضًا من أسباب زيادة الإيمان المجالسة لأهل الخير والصلاح، فإن هذه تزيد مستوى الإيمان؛ لأن الإنسان بطبعه يتأثر بمن يجالسهم، والإنسان مدني بطبعه، متأثر بمن حوله، فإن جالس أهل الخير والصلاح فإن هؤلاء يعينونه إذا ذكر، ويذكرونه إذا نسى، ويسددونه، أما إذا جالس أهل الشر والسوء، فإن هؤلاء يتسببون في ضعف مستوى إيمانه شيئًا فشيئًا، ويقودونه إلى الردى، وإلى المهالك، فالمجالس لا شك أن لها أثرًا عظيمًا على الإنسان؛ ولهذا عندما يتقدم إنسان لخطبة امرأة تجد أن أهل المرأة يسألون عن مجالسيه، من يجالس؟ لو قالوا: إنه يجالس مثلًا أهل العلم وأهل الخير، ومجالسيه طبقة محترمة، فإنهم يثقون فيه، ويقبلون به، لكن لو قالوا: إنه ما يجالس إلا السفهاء، أو يجالس الفسقة، ستجد أن أهل هذه الفتاة يتوقفون في قبوله زوجًا لابنتهم، فالمجالسة لها أثر عظيم على الإنسان، فينبغي للإنسان أن يجالس من يعينه، ويرقى بمستواه، ويزيده خيرًا وإيمانًا وقربة إلى الله ، وأن يبتعد عن مجالسة أهل الشر والسوء، فهذه تقريبًا هي أبرز الأسباب، والكلام عن هذا الموضوع يطول، لكن هذا باختصار.

هل ضعف الإيمان من علامات سوء الخاتمة؟

المقدم: هذه أخت شروق تقول: يا شيخ سعد السلام عليكم ورحمة الله، فيما لو استمر ضعف إيماني، هل ممكن أن يكون سبب من أسباب سوء الخاتمة؟

الشيخ: من أكثر من شيء ختم له به، وهذا ليس دائمًا، وإنما غالبًا، لكن هناك الواجبات الشرعية هذه لا بد منها، وأما بالنسبة للنوافل، فالنفس لها إقبال وإدبار، أحيانًا النفس تقبل، فيكثر الإنسان من النوافل، وأحيانًا تدبر النفس، فيكتفي بالفرائض، أو ببعض النوافل، فينبغي إذا أقبلت النفس أن يستكثر الإنسان من النوافل، ولكن الفرائض والواجبات هذه خط أحمر، كما يقال، هذه لا بد من المحافظة عليها في جميع الأحوال، وجميع الأوقات، وأما النوافل فيستكثر عند إقبال النفس.

وأما مسألة حسن الخاتمة وسوء الخاتمة، فهذه إلى الله ، لكن الله سبحانه وتعالى برحمته بعباده المؤمنين أن الإنسان إذا نشأ على خير وعلى صلاح، فإنه يختم له بالخاتمة الحسنة.

حكم شراء بطاقات سوا ثم بيعها للبائع

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا فارس يقول: يا شيخ أنا أقوم ببيع بطاقات سوا، وأنهي العقد مع الزبون، ثم يسألني يقول: كيف أبيعه فأدله على بعض العملاء الموجودين قريبًا مني؟ أنا أضيف لهذه شيخنا أيضًا ما يحسب بعض المعارض أحيانًا لما أشترى السيارة، ويأخذ السيارة، وممكن يبيعها مرة أخرى على المعرض؟

الشيخ: إذا وقع هذا عن مواطأة واتفاق، أو عن عُرف قائم بين هؤلاء المتبايعين، فإن هذا يكون من العينة الثلاثية، ولا يجوز مثل هذا العمل…، مؤجل، ثم هذا المشتري يبيعه على طرف ثالث، له علاقة بالبائع الأول، والطرف الثالث يرجع ويبيعه على البائع الأول، فتكون بطاقة سوا تذهب وترجع، فهذه فيها حيلة على الربا، وهي شبيهة بالعينة، ولا تجوز مثل هذه الصورة.

إذن ما هو المخرج؟ المخرج أنه إذا باع بطاقة سوا بثمن مؤجل يبيعها المشتري على شخص ليس له علاقة بالبائع، بحيث لا ترجع مرة أخرى إلى البائع عن مواطأة وعن اتفاق، فيقول: هذه بطاقة سوا، أنا بعتك هذه البطاقات مثلًا بخمسة عشر ألف ريال، فيملكها المشتري، وهو بعد ذلك حر فيها، يبيعها على من شاء، لكن كونه يدله على مشترٍ لا بأس، بشرط ألا يكون هناك مواطأة على أن ترجع إلى البائع الأول؛ لأنها إذا رجعت إلى البائع الأول هذه تكون من قبيل عينة الثلاثية.

أما إذا كان من باب المساعدة له مساعدة يقول له: أدلك على زبائن على مشترين لهذه البطاقات، ولم يكن هناك مواطأة أو حيلة، أو اتفاق على أنها ترجع إليه مرة أخرى، فلا بأس بذلك؛ لأن الأصل أن هذا بيع، والله تعالى يقول: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275].

المقدم: حتى لو كان يأخذ نسبة يا شيخ سعد مثلًا أنا أدلك على فلان إذا راح ترى من طرفي مثلًا يأخذ 2% أو 3% لكونه من طرفي أنا؟

الشيخ: إذا كان بهذا الشرط بألا يكون ذلك عن مواطأة وعن حيلة واتفاق فلا بأس؛ لأنه إنما يأخذ هذه النسبة على سبيل السمسرة، ويقول: أدلك على مشترٍ، ومن دل على مشترٍ، فهذا يعتبر سمسرة، وله أن يأخذ عليها أجرًا.

حكم الصلاة في الحدائق العامة

المقدم: أحسن الله إليك، جنان يا شيخنا تسأل تقول: نحن نصلي في كثير من الحدائق العامة، ونحن نسمع أنها ربما تسقى بماء نجس، فما حكم الصلاة عليها مباشرة؟

الشيخ: لا بأس بالصلاة في هذه الحدائق، الأصل في أي مكان الطهارة إلا إذا تحقق الإنسان من نجاسته فهذه الحديقة نقول: الأصل أن أرضها طاهرة إلا إذا تحققت من أن هذا المكان بعينه نجس، فلا تصل فيه، أما مجرد أن كلام تسمعه فهذا لا يكفي، الأصل هو الطهارة، ثم أيضًا لو سقيت هذه الحدائق بماء نجس كما ذكرت السائلة، ووضع الإنسان سجادة مثلًا صلى عليها فصلاته صحيحة؛ لأن الفقهاء يقولون: لو طين أرضًا نجسة بشيء طاهر، فتصح الصلاة عليه، فلا يضر مثل هذا، فلذلك نقول: الأصل في الصلاة في مثل هذه الحدائق أنها صلاة على أرض طاهرة، بل أي مكان هذا المكان مثلًا الاستوديو الذي نحن فيه الآن، لو أردنا أن نصلي نقول: الأصل الطهارة، لو قال: أحد يحتمل أن يكون في نجاسة، نقول: لا نلتفت لهذا الاحتمال، الأصل الطهارة؛ ولهذا لما طلب عوف بن مالك من النبي يأتي إليه، ويصلي في بيته، قال: أين تريد أن أصلي؟ يعني هذا يدل على أن الأصل الطهارة أين تريد أن أصلي؟ [1]، أي: أصلي لك في أي مكان؟ لأن الأصل في الأماكن الطهارة.

المقدم: مقولة شيخ سعد: إنه إذا مستها الشمس فإنها تطهر، هل هي صحيحة؟

الشيخ: الشمس تطهر النجاسة، والريح تطهر، والقول الراجح من أقوال الفقهاء: أن النجاسة لا يتعين لإزالتها الماء، وإنما تزول بأي مزيل، وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد، وهو مذهب الحنفية، واختيار أبي العباس ابن تيمية، وجمع من المحققين من أهل العلم، أن النجاسة تزول بأي مزيل، فقد تزول بالشمس، وقد تزول بالريح، وقد تزول بأي مزيل، وفي الوقت الحاضر مثلًا مياه الصرف الصحي الآن إذا عولجت، وزالت النجاسة فيها، بحيث لم يبق للنجاسة فيها أثر من طعم ولا لون ولا رائحة، فإنها تكون مياه من القسم الطهور، وقد صدر في هذا قرار من هيئة كبار العلماء، وكذلك مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بأن هذه المياه إذا عولجت وأصبحت ليس فيها أثر للنجاسة لا من لون ولا من طعم ولا من رائحة، فإنها ترجع لحالتها الأولى، وهي أنها مياه طاهرة، ولا بأس بالتطهر بها، أو مياه بالمصطلح الفقهي طهور من القسم الطهور، ولا بأس بالتطهر منها.

حكم من قطع السيل متعمدًا فمات

المقدم: أحسن الله إليك، هذا رائد يا شيخنا يسأل يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لي صديق قام بقطع أحد السيول متعمدًا، وقد جرفه السيل، وتوفي رحمه الله، هل يعتبر هذا منتحرًا؟

الشيخ: القول بأنه منتحر محل نظر؛ لأن كونه يقطع هذا السيل يحتمل أن ينجو، وهو ما فعل ذلك ألا وهو يغلب على ظنه النجاة، فالمنتحر هو الذي يعمد إلى وسيلة، ويغلب على ظنه الهلاك، أو ربما يقطع بالهلاك كأن يأتي مثلًا بمسدس ويرمي نفسه مثلًا أو بالسكين، ويطعن نفسه، أو نحو ذلك، فهذا هو المنتحر، وأما إنسان يأتي إلى أمر فيه مخاطرة، قد ينجو، وقد لا ينجو، وهو يغلب على ظنه النجاة، هو ما قطع هذا الوادي إلا يغلب على ظنه النجاة، فهذا لا يعتبر منتحرًا، لكنه قد أخطأ وغامر بهذا العمل، ويبقى مسلمًا، يصلى عليه ويغسّل ويكفّن ويدفن في مقابر المسلمين، ويدعى له بالمغفرة والرحمة، وهو مثل ما يفعل بعض سائقي السيارات عندما يتهور ويقود السيارة بسرعة عالية جدًّا، بعضهم مثلًا قد يقودها بسرعة مائتين أو أكثر، فهذا من هذا القبيل، ويعني يغلب على ظنه أنه سوف ينجو، لكن يُسبِّب هذا التهور وهذه المخاطرة في وقوع الحادث، فنحن نقول: إنه قد أخطأ في هذا، لكن لا نستطيع أن نصفه بوصف المنتحر، أو قاتل نفسه.

حكم حكاية القبائح والسيئات من باب التندُّر

المقدم: راجية عفو ربها هكذا كتبت تقول: يا شيخ سعد من يتحدث عن ماضيه، وما فعل فيه من قبائح وسيئات من باب التندر والتنكيت، هل هذا من المجاهرة بالمعصية؟

الشيخ: نعم، هذا يدخل في المجاهرة بالمعصية إذا كنت قد فعلت معاصٍ وسترك الله فاستر على نفسك، واحمد الله تعالى، وتب إلى ربك فيما بينك وبين الله ؛ ولهذا قال النبي : كل أمتي معافى إلا المجاهرين [2]، فالمجاهر هو الذي يعمل الذنب، ويبيت وقد ستره ربه، ثم يصبح ويقول: قد فعلت البارحة كذا وكذا، وقد فعلت كذا وكذا، فهذه من المجاهرة، ولا شك أن هذا يدخل في المجاهرة، على الإنسان الذي ستر الله تعالى عليه أن يستتر بستر الله ، ولا يتحدث في هذه المعاصي التي وقعت منه، وإنما يتوب إلى الله سبحانه وتعالى منها حتى يعافى.

هل يجوز إعمال العقل في كل شيء؟

المقدم: أحسن الله إليك، هذا الأخ أبو داود من فرنسا يقول: هل يجوز إعمال العقل في كل شيء؟ وهل هناك حدود معينة لإعمال العقل خصوصًا فيما يتعلَّق بالدين الإسلامي؟

الشيخ: العقل مثل سائر الحواس البصر له حدود معينة، لا يمكن للإنسان أن يصل فوق مستوى هذا الحد، والسمع له حد معين؛ ولذلك تجد الحيوانات تسمع ما لا يسمعه الإنسان، وترى وتبصر ما لا يبصره الإنسان، فالإنسان له قدرات محدودة كذلك العقل، بل حتى السمع له حدود معينة للأعلى وللأدنى؛ ولذلك هم يقولون: إن الإنسان يسمع إذا كانت الذبذبات ذبذبات معينة، فإذا زادت على هذه الذبذبات أصبح الصوت مزعجًا جدًّا، ما يستطيع الإنسان أن يسمعه بوضوح، وإذا قل عن هذا المستوى من الذبذبات لا يستطيع أن يسمعه أيضًا، العقل كذلك له حد لا يمكن أن يتجاوزه، يبقى عقل الإنسان قاصرًا ومحدودًا، بل إن عقل الإنسان البشري لا يستطيع أن يعرف إلا شيئًا من ظاهر عالم المادة فقط، كما قال الله تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] من الحياة المادية فقط، وأما العوالم الأخرى غير الحياة المادية ما يستطيع العقل البشري أن يعرفها؛ ولهذا لما سُئل النبي عن الروح والروح ليست من عالم المادة، هي من عالم آخر، وتوقف ما عنده فيها شيء، فأنزل الله تعالى قوله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].

فالروح ليست من عالم المادة، فأنتم أيها البشر لا تعرفون حقيقة الروح، ولا زال الناس إلى الآن ما يعرفون حقيقة الروح، الإنسان الآن يظل عاجزًا عن معرفة حقيقة الروح التي بين جنبيه؛ لأنها ليست من عالم المادة، هي من عالم آخر، فالعوالم الأخرى العقل البشري يقف عاجزًا عنها، لا يعرف عنها أي شيء إلا عن طريق الوحي، يعلم شيئًا من ظاهر عالم المادة فقط بما أطلعه الله تعالى عليه: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]؛ ولهذا يعجب الإنسان من الذين يعارضون بالعقل البشري المحدود الوحي، كيف تعارض أنت أيها الإنسان بعقلك البشري الصغير المحدود الوحي المنزل من رب العالمين خالق كل شيء جل وعلا، يبقى العقل البشري محدودًا، ويبقى له مستوى لا يستطيع أن يتجاوزه؛ ولذلك ينبغي أن يعرف الإنسان مقدار حدود عقله، وألا يتكلم في أمور لا يستطيع العقل البشري أن يصل إليها، أو أن يدرك كنهها.

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا استأذنكم باستقبال بعض الاتصالات، أم محمد من الدمام: السلام عليكم.

السائلة: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المقدم: هلا، حياك الله يا أم محمد.

السائلة: هلا، حياك الله أريد يا شيخ أسألك بالنسبة لواحدة تسأل عن زوجها؛ أن زوجها لما بدأ يتقاعد أخذ فلوس التقاعد واختفى، ولم يُؤمن مكانًا لها ولا لعيالها، ولما صلح الناس لها بيت، عرف أنهم صلحوا لها بيت، فجاء وسكن عندهم، حتى إنه ما يصرف علينا، ولا بريال واحد، وما يعطينا، ولسانه طويل في البيت، هذا الذي أريد أسأل عنه، هل يجوز أن يقعد عندنا في وسط البيت، يأكل من أكل الناس، والناس ليسوا راضين، عن ذلك، فإنهم لا يساعدوننا كثيرًا، والسبب يقولون: ما دام أنه موجود، ما نقدر نعينك على هذه الدنيا.

المقدم: طيب سؤالك الثاني؟

السائلة: فقط هذا السؤال.

المقدم: طيب شكرًا لكِ.

أبو حمزة السلام عليكم.

السائل: عليكم السلام ورحمة الله.

المقدم: حياك الله.

السائل: فضيلة الشيخ عندي سؤال بخصوص عندنا في حديث: لو يعلمون ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه [3]، معنى الحديث، وعندنا مجموعة في المسجد إذا في فراغ صغير مثلًا أنت ما تريد أن تتقدَّم في هذا الفراغ، حتى لا تؤذي المصلين الموجودين قبلك، ولا تريد أن تُضيِّع خشوعهم في موضوع أنهم يقرؤون القرآن وكذا، تجد أنه في مجموعة يتجاوزون الصفوف، ويأتون من الصف الرابع، ويوغرون صدور الناس بزعم أنهم يريدون أن يملؤوا هذه الفراغات، حتى وإن كان في أناس أولى منهم أحيانًا، يزاحمون الآخرين، ظاهرة منتشرة حقيقة.

توجيه للزوج الذي لا ينفق على أهله والواجب تجاهه

المقدم: سؤال أم محمد أن زوجها أخذ معاشات التقاعد، ثم هرب، تقول: والمحسنون يعطونها بعض الأموال، فإذا علموا أنه موجود ما يعطونها، تقول: وجوده معهم بهذه الصورة يا شيخ سعد.

الشيخ: عليها أن تصبر، ما دام أن هذه المرأة الآن عندها هذا الزوج، وما يظهر أيضًا لها منه أولاد وأسرة ما لها إلا الصبر، تصبر وتبذل له النصيحة لهذا الزوج منها هي أو ممن يقبل منه النصيحة، وما في بيت يخلو من مشاكل، كل البيوتات يكون فيها مشاكل، لا تصفو، حتى بيت النبوة، حتى بيت النبي عليه الصلاة والسلام لم يخل من المشاكل الزوجية، وقد هجر النبي أزواجه شهرًا كاملًا لما اجتمعن وطالبنه بالنفقة، هجر أزواجها شهرًا كاملًا لم يدخل عليهن، أقسم بالله العظيم ألا يدخل عليهن شهرًا كاملًا، وبقي في مشربة له في مكان يُؤتى له فيه بالطعام والشراب، فلما مضى الشهر أتى وخيرهن: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ۝وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:28-29].

فكلهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فأقول: إذا كان هذا هو بيت النبي عليه الصلاة والسلام؛ فننصح الأخت الكريمة بالصبر والتحمل، وأن تجتهد في نصيحته، أو في أن تطلب من أحد ممن يؤثر عليه أن يبذل له النصيحة.

حكم تخطي الصفوف لسد فرجة في الصف الأول

المقدم: أحسن الله إليك أبو حمزة يقول: إذا وجد فرجة صغيرة في الصف الأول، وجاء واحد من الصف الثاني أو الثالث تخطى الرقاب وآذى الناس، هل يأثم بإتيانه وسد هذه الفرجة؟

الشيخ: إذا كان يترتب على ذلك أذية الناس، فإن هذا لا يجوز؛ لأن أذية المؤمنين محرمة، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58]، والنبي عليه الصلاة والسلام أيضًا نهى عن تخطي الرقاب، وقال لمن تخطى الرقاب: اجلس فقد آذيت [4]؛ لكن إذا لم يكن في ذلك أذية، ولم يكن في ذلك تخطي للرقاب، ووجد الإنسان فرجة في الصف الأول فبادر إليها فلا بأس؛ لأن الصف الأول له مزية، والنبي يقول: لو يعلم الناس ما في النداء يعني: الأذان والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا [5]، أخرجه البخاري ومسلم، يعني ثم لم يجدوا إلا أن يقترعوا عليه من شدة تنافسهم عليه، وتزاحمهم على الصف الأول، لو يعلمون ما فيه من الأجر العظيم، والثواب الجزيل؛ لتسابقوا وتزاحموا، بحيث ما يفصل بينهم إلا القرعة، فهذا يدل على فضيلة الصف الأول، لكن من أراد الصف الأول فليبكر، من يأتِ متأخرًا ويريد الصف الأول فليس له ذلك، إلا أن يستطيع أن يصل الصف الأول من غير أذية، ومن غير تخطٍ للرقاب، ويجد فرجة فلا بأس.

أما ما ذكره الأخ السائل أن بعض الناس يأتي متأخرًا، ويريد أن يصلي في الصف الأول، هذا خطأ، إذا أتيت متأخرًا فاجلس حيث ينتهي بك المكان في المسجد، ولا تتخط الرقاب، وهذا أيضًا يلاحظ حتى في صلاة الجمعة، يأتي بعض الناس متأخرين، ثم يتخطون الرقاب إلى أن يأتوا للصف الأول، ثم يزاحموا الناس أيضًا، ويجلس في مكان غير مناسب، فيضايق من عن يمينه وعن يساره، ويزحمهم، فهو الآن أراد تحصيل سُنة، فوقع في محرم، ينبغي للإنسان أن يحترم مشاعر إخوانه المؤمنين وألا يؤذيهم بتخطي الرقاب وبمزاحمتهم ومضايقتهم، أما إذا وجد فرجة من غير أذية ومن غير تخطي الرقاب فلا بأس.

هل لخطيب الجمعة أمر الواقف بالجلوس؟

المقدم: الذي يأتي يوم الجمعة يا شيخ سعد، هل للخطيب أن يوقفه أو يقول: اجلس أو شيء؟

الشيخ: نعم، إذا كان قد آذى الناس بطريقة ملفتة للنظر، وربما يتكرر منه أيضًا؛ لأن بعض الذين يتخطون الرقاب يتكرر منهم، تجده كل جمعة يفعل هكذا، فللخطيب أن يتكلم عليه، ويرشده ويبيّن له، يقول له: اجلس، مثل ما قال النبي عليه الصلاة والسلام لمتخطي الرقاب: اجلس فقد آذيت يقول له مثل هذه العبارة.

هل يجوز الزواج مع اشتراط الزوج دفع الزوجة أجرة السكن؟

المقدم: أحسن الله إليك، أختنا تقول: السلام عليكم ورحمة الله، أنا حقوقي كلها ضاعت عند أهلي، حرموني من الزواج؛ لكي أجلس عند أمي، تقدم لي رجل للزواج بشرط أن أبقى في السكن، وأن أدفع الإيجار، تقول: هل يجوز هذا الزواج إذا رضيت أنا؟

الشيخ: سكن من؟

المقدم: هي ستبقى يعني عند أمها، ويبدو يستأجر هو شقة معينة، ثم تأتي إليه أحيانًا، وأحيانًا تبقى عند أمها، تدفع هي إيجار هذه الشقة هذا الذي فهمت من سؤالها.

الشيخ: إذا تحققت أركان وشروط هذا العقد فلا بأس إذا كان هذا العقد بولي وشاهدين، وتحقق الرضا، يعني هي راضية بالزواج بهذه الطريقة، وتنازلت عن بعض حقوقها على ما ذكرت، فلا بأس بهذا، يعني أحيانًا الزواج قد لا يكون هو الزواج المثالي المنشود، قد تكون مستوى ظروف معينة تتنازل فيه المرأة، ويتنازل فيه الرجل عن بعض الحقوق التي له، فإذا حصل التراضي واكتملت شروط العقد الأخرى، وأهمها: الولي، وشاهدان، فلا بأس بذلك إن شاء الله.

هل عدم طاعة الوالد في فسخ العقد يعد عقوقًا؟

المقدم: أم فارس تقول: تقدم إلي رجل ورضيته زوجًا، ووافق والدي، وكتبنا العقد، ثم تردد والدي في هذا الزوج، مع أنه ذو دين وخلق، هل يجوز لي أن أمضي في الزواج، أم أن ما سيفعله والدي خطأ، وإذا مضيت في الزواج هل هذا عقوق؟

الشيخ: أولًا: لا بد أن ننظر في السبب الذي تردد والدك في هذا الرجل من أجله، هل هو سبب معتبر شرعًا أم لا؟ فإن كان سببًا معتبرًا شرعًا، كأن يكون عنده يعني إشكاليات فيما يتعلق بدينه مثلًا، كأن يكون لا يصلي، أو نحو ذلك، فعليك أن تطيعي والدك، وأما إذا كان هذا التردد ليس لأمر معتبر شرعًا، فللمرأة أن تطلب فسخ الولاية من والدها، وتزوج عن طريق المحكمة، يعني تفسخ الولاية، وتزوج عن طريق المحكمة، إذا رضيت بهذا الرجل، وكان مرضي الدين والخلق؛ ولذلك لا بد من النظر في السبب الذي لأجله تردد، فإن كان سببًا معتبرًا شرعًا، فعلى المرأة أن تطيع والدها، وأما إذا كان غير معتبر، بعض الآباء يعني تكون عنده نفسيته غير سوية، عنده سوء ظن بالآخرين، وعنده إشكالات نفسية، فمثل هذا لا يسلط على هذه البنت، إذا كان تقدم لها مرضي الدين والخلق، وكان أبوها غير سوي من الناحية النفسية، فلها أن تطلب من المحكمة نزع ولايته، والمحكمة تنظر في طلبها، وتزوجها بمن تريد من مرضي الدين والخلق.

مدة الجمع والقصر في السفر

السؤال: شيخنا مسألة الجمع والقصر نبدأ بها.

الشيخ: هو فعلًا يعني ما ذكره الأخ الكريم من الاختلاف اختلاف المشايخ في مسألة المسافر إذا أقام كم المدة التي يعني يترخص من أجلها؟ هذه فيها خلاف شديد، وخلاف كثير…، أعتبرها هي أشكل مسألة فقهية مرت علي، أشكل مسألة فقهية؛ لأن يعني الأدلة فيها غير واضحة، فيما اطلعت عليه في نظري غير واضح بالنسبة لي، وأيضًا الآثار فيها مختلفة، والذي ثبت عن الصحابة في هذا عن ابن عمر أنه ثبت عنه تحديد الإقامة باثني عشر يومًا، وابن عباس بتسعة عشر يومًا، كما في صحيح البخاري، فهذا أقرب ما قيل في التحديد، والتحديد لا بد منه، وأما إطلاق المدة هكذا، فلا لا تنضبط المسألة يعني لو قلنا مثلًا: بأن أي شخص لم يجمع الإقامة له أن يترخص برخص السفر، فهذا يترتب عليه إشكالات كبيرة، يعني كم عندنا مثلًا في المملكة من مقيم؟ عدد كبير يعني لا يقل عن عشرة ملايين، هل هؤلاء يفطرون في نهار رمضان، ويقصرون ويجمعون؟ هل مثل هذا تأتي به الشريعة؟ هذا يبيّن لك ضعف هذا القول؟ فإذن لا بد من التحديد.

 التحديد أربعة أيام هو قول جمهور الفقهاء؛ لكنه لم يرد عن أحد من الصحابة؛ ولذلك فالأقرب -والله أعلم- هو أن المدة إذا كانت ما بين اثنا عشر يومًا إلى تسعة عشر يومًا، في هذا القدر، فلا بأس أن يترخص برخص السفر، وأما إذا طالت المدة يعني وصلت عشرين يومًا فأكثر، فليس له أن يترخص برخص السفر، يعني هذا هو الأقرب والأحوط فيما يظهر -والله أعلم-، هو الأحوط في هذه المسألة، والأخ أشار إلى أربعة أيام، أربعة أيام هو قول الجمهور، يحددون مدة الإقامة بأربعة أيام، ولكنها لم ترد عن أحد من الصحابة فيما وقفت عليه؛ ولذلك يعني الأقرب أنها في حدود عشرة أيام إلى تسعة عشر يومًا، الذي يظهر أنه له أن يترخص برخص السفر، فإن زاد على ذلك فليس له أن يترخص برخص السفر.

 وعلى هذا فالمبتعثون مثلًا في الخارج من أبنائنا ليس لهم الترخص برخص السفر، لا يأخذون حكم المسافرين، وإنما يأخذون حكم المستوطنين في تلك البلدان، وليس لهم الفطر في نهار رمضان، وليس لهم القصر، وليس لهم الجمع.

إذن هذا خاص فقط بمن كانت مدة إقامته قصيرة على خلاف بين العلماء في تحديد هذا القصر.

المسافة التي تبيح القصر في السفر

السؤال: شيخ سعد أيضًا في المسافة الآن مع قرب فصل الشتاء يكثر المتنزهين، ويعني أصحاب الكشتات هل مثلًا الذي يذهب مثلًا أكثر من ثمانين أو ثلاث وثمانين كيلو له أن يترخص برخص السفر، من حيث الجمع والقصر؟

الشيخ: المسافة ورد تحديدها في قول النبي : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم [6]، رواه مسلم.

فقوله: مسيرة يوم وليلة كانوا في الزمن السابق يقدرون المسافات بسير الإبل المحملة، وكانت الإبل تسير في اليوم أربعين كيلو مترًا، فيوم وليلة يعني ثمانين كيلو مترًا، وبعض الفقهاء يعبر بيومين قاصدين، والآثار عن الصحابة تؤيد هذا أيضًا، كما جاء عن ابن عمر وعن ابن عباس رضي الله عنهما، كانا يقولان: يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة بُرد، وأربعة بُرد تعادل ستة عشر فرسخًا، وتعادل ثمانية وأربعين ميلًا، وتعادل ثمانين كيلو مترًا، فإذن يعني أقل مسافة للسفر هي ثمانين كيلو مترًا، فمن سافر هذه المسافة، فأكثر فله أن يترخص برخص السفر، فإن كانت أقل فليس له الترخص برخص السفر.

لكن من أين تحسب المسافة؟ هذا سؤال مهم فبعض الناس يحسب المسافة ويعتمد على اللوحات الموجودة على الشوارع، وقد سبرت هذه اللوحات الموجودة على الشوارع هذه اللوحات تحسب لك المسافة من وسط المدينة، فعندما يقول مثلًا: بقي على الرياض خمسين كيلو مترًا يعني يقصد إلى وسط مدينة الرياض، والمسافة تحسب شرعًا من مفارقة العمران من آخر عمران البلد، فإذا أردنا أن نحسب المسافة نحسبها من آخر عمران البلد الذي الإنسان مقيم فيها، نحسب ثمانين كيلو مترًا فأكثر، فعلى سبيل المثال المسافة الآن ما بين الرياض والخرج لو حسبناها بهذه الطريقة من آخر أحياء مدينة الرياض من جهة الخرج مثلًا تكون أقل من ثمانين كيلو الآن نحسبها من آخر عمران الرياض إلى أول الخرج، تكون أقل من ثمانين كيلو، كذلك ما بين مكة وجدة أيضًا لو حسبناها من آخر عمران جدة إلى أول عمران مكة أصبحت أقل من ثمانين كيلو، وإن كانت في السابق تصل إلى ثمانين كيلو، لكن الآن اتسع العمران فإذن هذه طريقة حساب المسافة فإذا بلغت ثمانين كيلو مترًا من مفارقة العمران هنا ثمانين كيلو فأكثر من مفارقة العمران، فهذه مسافة سفر يباح للإنسان الترخص معها برخص السفر، من القصر والجمع والفطر في نهار رمضان.

المقدم: العمران يقصد به السكان؛ لأنه أحيانًا قد يكون فيه عمران، لكن متقطع، بينه مسافات؟

الشيخ: نعم العمران الذي فيه أحياء عامرة، وأما مجرد مثلًا محطة أو مجرد مزرعة، هذه لا تعتبر من العمران، وإنما الذي يعتبر من العمران المساكن المعمورة والأحياء التي فيها بيوت وعمران.

حكم خروج المرأة لزيارة أبيها في عدة الوفاة

المقدم: أختنا ثمرة في الحداد وترغب في الذهاب إلى والدها في الجنوب؟

الشيخ: هو الأصل أن المرأة المتوفى عنها زوجها تبقى في بيت الزوج؛ لقول النبي لفريعة بنت مالك: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله [7]، لكن إذا وجد حاجة لذهابها لبيت والدها فلا بأس بذلك إن شاء الله، فكونها تذهب لزيارة والدها المريض، وأيضًا هي ذكرت أنه تخشى من وفاته ولم تره، لا حرج عليها في هذا إن شاء الله تعالى؛ لأنها إنما ذهبت لوالدها وذهبت لحاجة وزيارة والدها المريض ولم تذهب لغير حاجة، فلا حرج عليها إن شاء الله.

المقدم: حتى لو بقيت فترة طويلة يا شيخنا حتى ينتهي الإحداد؟

الشيخ: هو إن أمكن أن ترجع لبيت زوجها هذا هو المطلوب، لكن إن لم يتيسر وبقيت في بيت والدها، فلا شيء عليها، مع اجتناب الأمور التي يلزم المرأة المحدة اجتنابها، تجتنب الزينة في البدن، والزينة في اللباس، والحلي، والكحل، والخروج من البيت لغير حاجة، تجتنب هذه الأمور حتى وإن كانت في بيت والدها.

حكم صبغ الشعر أو الحواجب بالبني

المقدم: من أسئلة أم محمد من حائل: صبغ الشعر أو الحواجب بالبني؟

الشيخ: لا بأس بذلك، والنبي قال: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم [8]، أخرجه البخاري ومسلم، فالصبغ بغير السواد هذا لا بأس به مطلقًا، وأما الصبغ بالسواد فمحل خلاف بين أهل العلم، والقول الراجح أيضًا أنه لا بأس به؛ لأن الحديث المروي في النهي عنه لا يثبت من جهة الصناعة الحديثية، وهو حديث جابر في قصة أبي قحافة، والد أبي بكر؛ لما أُوتي النبي وشعره كالثغامة، فقال: غيِّروا شعر هذا [9] هذا أخرجه مسلم بهذا اللفظ، ثم أخرجه مسلم برواية أخرى بزيادة: وجنبوه السواد [10]، وعبارة (جنبوه السواد) هذه غير محفوظة غير ثابتة؛ ولهذا الإمام مسلم روى هذا الحديث من طريق أبي الزبير عن جابر، وسُئل أبو الزبير: هل سمعت جابرًا يقول: وجنبوه السواد؟ قال: لا، هذا يدل على أن هذه الزيادة غير محفوظة، وبعض أهل العلم يقول: إن الإمام مسلمًا إنما أخرجها من باب التنبيه على ضعفها.

وأما حديث ابن عباس أنه يكون في آخر الزمان قوم يخضبون لحاهم بالسواد لا يريحون رائحة الجنة [11] هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، لكنه حديث ضعيف، لا يثبت عن النبي ؛ ولهذا عده ابن الجوزي من الموضوعات.

وأيضًا مما يدل لهذا ما ذكره ابن القيم رحمه الله في الهدي النبوي: أن تسعة من الصحابة كانوا يخضبون بالسواد، ولا شك أن الصحابة لن يقدموا على فعل هذا، وفيه نهي محفوظ عن النبي .

حكم تخبيب المرأة على زوجها

المقدم: أختها تزوجت من رجل، ثم ضغطت عليهم حتى طلقها، تقول: هناك من نقل إليها أنه سيئ السمعة، وغير ذلك، وهذا يحصل كثيرًا يا شيخ سعد بعدما يتم العقد يأتي من يقول: هذا الرجل فيه وفيه، وكل الناس عندهم من التقصير، لكن أحيانًا يضخمون بعض المسائل حتى يحصل الفراق.

الشيخ: أولًا: ينبغي التثبت من هذا الأمر، فليس كل ما يقال يكون صحيحًا، فكونها تقول: إنه لا يعرف الحلال والحرام، هذه كلمة ليست سهلة، هل هذا صحيح أم لا؟ فكان ينبغي ألا تستعجل في تخبيب أختها على زوجها الذي عقد عليها، وأن تتثبت من هذا، لكن إن كان بالفعل أن هذا الرجل غير مرضي الدين، وأنه عنده تجرؤ على الحرمات، فتكون قد بذلت النصيحة لأختها، ولا شيء عليها، وأما إن كان الأمر بخلاف ذلك فإنها تبوء بالإثم؛ لكونها قد تسببت في التفريق بين رجل وزوجته بكلام غير متحقق منه، وغير صحيح، وعليها التوبة إلى الله من هذا العمل.

حكم من نذر ولم يتحقق ما نذر

المقدم: من أسئلة أم فيصل يا شيخنا، تقول: زوجها كان على معصية معينة، ثم ذهبت إلى بيت أهلها ونذرت ألا تعود حتى يتركها، ثم اتصل بها، وقال: الحمد لله تركت هذه المعصية، فلما عادت وجدته لا زال على المعصية، آخر السؤال ذهابها وبقاءها في بيت أهلها الفترة هذه حكمه وحكم كون أنها حلفت ثم وجدته على المعصية هل عليها شيء؟

الشيخ: أولًا كونها نذرت ولم يتحقق ما نذرت عليه عليها كفارة يمين؛ لأنها نذرت ألا يفعل زوجها هذه المعصية وفعلها، فعليها كفارة يمين، وكان ينبغي لها ألا تنذر، والنبي نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل [12]، فما دام أنها نذرت فتتحمل عليها الكفارة، ما دام أن زوجها قد فعل تلك المعصية التي نذرت ألا يفعلها، وأما من جهة ذهابها إلى بيتها، فإذا كان يحقق مصلحة من ردع الزوج عن هذه المعصية فلا بأس به، وأما إذا كان ليس له فائدة، وأنه يتسبب في زيادة المشاكل فلا تفعله.

حكم من ترك طواف الوداع جاهلًا

السؤال: أخونا محمد من وادي الدواسر، يقول: حج قبل أربعين عامًا ثلاث مرات، وهناك من أفتاه -يبدو من كبار السن- أن طواف الوداع هو فقط لمن جاء من خارج المملكة؟

الشيخ: طبعًا هذا الكلام الذي نقل له غير صحيح، طواف الوداع على من كان من غير أهل مكة، وليس من غير أهل المملكة، من غير أهل مكة، أهل مكة هم الذين ليس عليهم طواف وداع، أما من عداهم فعليهم طواف وداع، وما دام أنه من وادي الدواسر فعليه طواف وداع، لكنني أسأل الآن لماذا هذا السؤال ما أتى إلا متأخرًا بعد كم سنة الآن؟ أربعين سنة، أخشى أنها وسواس، فكيف الآن ما سأل إلا الآن؟ فإن كانت مجرد شكوك ووساوس فلا يتلفت إليها، وأما إذا كان متأكدًا من أنه ما طاف طواف الوداع، فهنا ننظر إن كان أخّر طواف الإفاضة لآخر أعمال الحج، يعني كان آخر أعمال الحج هو طواف الإفاضة، فليس عليه شيء؛ لأن طواف الإفاضة يكفي عن الوداع، وأما إن كان طواف الإفاضة يوم العيد أو اليوم الحادي عشر، ولم يكن طواف الإفاضة هو آخر أعماله، فعليه عن كل طواف وداع تركه عليه دم، وإن كان لا يدري، وهذا هو الغالب الآن من سؤال الأخ أربعين سنة، يقول: نسينا الآن ما يدري، إن كان لا يدري، فإن أراد أن يحتاط ويزيل عنه القلق الذي يظهر من السؤال أن عنده قلق، يزيل عنه القلق فيدفع دمًا عن كل مرة، وتبرأ ذمته بذلك إن شاء الله.

توجيه في المبالغة في رفع صوت الأذان

المقدم: أبو عبدالرحمن يسأل يقول: بعض الأئمة يرفع في مكبرات الصوت، ويضع فيها صدى، وهناك إشكالية أيضًا يا شيخ سعد أنه قد يكون بعض الناس عنده مشكلة مثلًا في أذنيه، وقد يكون الصوت طبيعيًّا، فهل مثلًا نأخذ بإجماع جماعة المسجد مثلًا يجمعون أم ما الضابط في هذه القضية؟

الشيخ: الإجماع في كثير من الأمور صعب، لكن الأغلبية، الأغلبية هي التي يعول عليها، فإذا كان أغلبية من في المسجد يقولون: إن الصوت مزعج، وأن هذا الصدى يتسبب في عدم وضوح الصوت، والتشويش على المصلين، وفي عدم خشوعهم، فمعنى ذلك أنهم محقون في هذا، ويجب على الإمام أن يجتنب هذه الأمور المشوشة، وهذه الأمور المزعجة وينبغي لجماعة المسجد أن يكلموه برفق، فإن قبل فالحمد لله، إن لم يقبل يتصلون بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المسؤولة عن هذه الأمور، وهي لها طريقتها الخاصة إذا لم يمتثل.

أما إذا كان مجرد رؤية شخص واحد، والأغلبية يرون أن الصوت غير مزعج، فلا يلتفت لهذا؛ لأن بعض الناس أيضًا أي صوت يزعجه قد يكون صوت الإمام طبيعيًّا ما فيه مشكلة، لكن هو عنده مشكلة في السمع، أو أنه لا يرتاح لبعض الأصوات، فالمشكلة متعلقة بهذا الشخص، فهنا لا يلتفت لرأيه، ويقال له: إن لم تعجبك الصلاة في هذا المسجد ابحث عن مسجد آخر، وأما إذا كان هو رأي الأغلبية، فلا بد من أن ينبه الإمام لمعالجة هذه المشكلة في الصوت.

خاتمة البرنامج

المقدم: أحسن الله إليك يا شيخ سعد، وشكر لك، انتهت هذه الحلقة المباركة، شكر الله لك على إجابة إخواننا وأخواتنا المشاهدين والمشاهدات.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المشاهدين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 425، ومسلم: 33، بنحوه.
^2 رواه البخاري: 6069، ومسلم: 2990.
^3 رواه البخاري: 615، ومسلم: 437، بنحوه.
^4 رواه أبو داود: 1118، وابن ماجه: 1115.
^5 سبق تخريجه.
^6 رواه مسلم: 1339.
^7 رواه أبو داود: 2300، وابن ماجه: 2031، والترمذي: 1204، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
^8 رواه البخاري: 3462، ومسلم: 2103.
^9, ^10 رواه مسلم: 2102.
^11 رواه أبو داود: 4212، والنسائي في السنن الكبرى: 9293، وأحمد: 2470.
^12 رواه البخاري: 6608، ومسلم: 1639.
zh