logo
الرئيسية/دروس علمية/دورة في علم الفرائض من المسجد الحرام/(4) كتاب: تسهيل حساب الفرائض- قسمة التركات والمُناسخات وميراث الخُنْثَى المُشْكِل

(4) كتاب: تسهيل حساب الفرائض- قسمة التركات والمُناسخات وميراث الخُنْثَى المُشْكِل

مشاهدة من الموقع

جدول المحتويات

الشيخ: يقول النبي : مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنة [1].

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلَّا ما علَّمتنا، إنَّك أنت العليم الحكيم.

اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

ربنا آتنا من لدنك رحمةً، وهيِّئ لنا من أمرنا رشدًا.

أهمية التَّطبيق العملي في تعلُّم علم الفرائض

طيب، سبق أن أشرتُ في جميع الدروس السابقة إلى أنَّ تَعَلُّم الفرائض يختلف عن غيره من العلوم، وأنَّ مَن أراد أن يضبط علم الفرائض لا بدَّ أن يأخذ الورقة والقلم ويقسم بنفسه، وبدون ذلك لا يمكن أن يضبط ويُتْقِن هذا العلم، ولا بدَّ من حفظ الشروط التي ذكرناها.

البنت تستحقُّ النصف بكم شرطٍ؟ والأمُّ تستحقُّ الثلث بكم شرطٍ؟ وهكذا.

هذه الشروط لا بدَّ أن تُحْفَظ، ويستحضرها الذي يريد ضبط الفرائض، ثم يقسم ويُصحِّح لنفسه.

وهذا الكتاب وغيره من الكتب مليئةٌ بالأمثلة التَّطبيقية، فلا بدَّ أن يكون هناك استكمالٌ للتَّعلُّم في البيت، لا يكفي الحضور هنا، لا بدَّ أن تأخذ هذه الأمثلة، وأيضًا تأخذ غيرها.

فهذا الكتاب وغيره من الكتب مليئةٌ بالأمثلة والتَّطبيقات، فتأخذها وتقسمها بنفسك عدة مراتٍ حتى تَضْبِط القسمة.

الأصول التي يدخلها العَوْل وبيان مرات عَوْلها

إذن نبدأ على بركة الله، وكنَّا قد وصلنا إلى قسمة التَّركات، وشرحنا في درس الأمس الحساب وما يتعلق بالتَّأصيل والعول والتَّصحيح.

يعني: نسأل أسئلةً خفيفةً:

قلنا: ما الأصول التي تعول؟

أحد الطلاب: .......

الشيخ: لا، هذه أصول المسائل، نريد الأصول التي تعول فقط.

أحد الطلاب: .......

الشيخ: أحسنت.

الأصول التي تعول ثلاثة أصولٍ فقط: ستةٌ، واثنا عشر، وأربعةٌ وعشرون فقط، أمَّا غيرها فلا يعول.

طيب، سبب العول ما هو؟

أحد الطلاب: .......

الشيخ: الازدحام في الفروض.

سبب العول هو الازدحام في الفروض.

طيب، أصل ستةٍ يعول كم مرة؟

أحد الطلاب: .......

الشيخ: نعم، هل هناك إجابةٌ أفضل؟

أحد الطلاب: .......

الشيخ: أربع مراتٍ، وهي إلى: سبعةٍ، وثمانيةٍ، وتسعةٍ، وعشرةٍ.

أصل اثني عشر يعول كم مرة؟

أحد الطلاب: .......

الشيخ: ثلاث مراتٍ إلى: ثلاثة عشر، وخمسة عشر، وسبعة عشر.

أصل أربعةٍ وعشرين يعول كم مرة؟

أحد الطلاب: .......

الشيخ: مرةً واحدةً إلى سبعٍ وعشرين.

طيب، بارك الله فيكم.

طيب، إجاباتٌ جيدةٌ، وآمل مُتابعة قسمة الأمثلة والتَّطبيقات في البيت.

قسمة التَّركات

وصلنا إلى قسمة التَّركات.

معنى "قسمة التَّركات" لغةً واصطلاحًا

القسمة معناها في اللغة: التَّجزئة، والقَسْم هو الحَظُّ والنَّصيب.

ومعناها اصطلاحًا: حلُّ المقسوم إلى أجزاء مُتساويةٍ، عدَّتُها كعدَّة آحاد المقسوم عليه.

القسمة معروفةٌ؛ أنَّك تقسم -مثلًا- هذا العدد إلى قسمين، عشرة اقسمها إلى قسمين: تصير خمسةً وخمسةً، تسعة اقسمها إلى ثلاثة أقسامٍ: ثلاثة وثلاثة وثلاثة، وهكذا.

قلنا: قسمة التَّركات، والتَّركات جمع تَرِكَةٍ، وتُطلق في اللغة على الشيء المتروك، وتركة الرجل: ميراثه.

ومعناها اصطلاحًا هي: ما يُخلِّفه الميت من مالٍ أو حقٍّ أو اختصاصٍ.

"ما يُخلِّفه الميت من مالٍ" يعني: جميع الأموال التي يُخلِّفها حتى لو كانت قليلةً.

طيب، هل أثاث المطبخ يدخل في التَّركة؟

نعم، يدخل.

طيب، الملابس الشخصية والأمتعة الشخصية للميت تدخل في التَّركة؟

تدخل.

كلُّ شيءٍ يدخل حتى الإبرة، كلُّ ما يُخلِّفه الميت من مالٍ يدخل في التَّركة.

"أو حقٍّ" يعني: جميع الحقوق التي له أيضًا تُورث: كحقِّ القصاص -مثلًا- يُورث، وحقِّ الشُّفعة -على القول الرَّاجح- يُورث أيضًا.

"أو اختصاصٍ" يعني: ما لا يجوز بيعه، لكن يختصُّ به، مثل: الكلب المُعلَّم.

فهذا كلُّه يدخل في الإرث.

والمراد بقسمة التَّركات: إعطاء كلِّ وارثٍ ما يستحقُّه شرعًا من مال مُورِّثه.

وهي -في الحقيقة- الثمرة المقصودة من علم الفرائض، قسمة التَّركات هي الثمرة المقصودة من علم الفرائض.

يعني: هي التي تُوصلك لأن تقول: هذا الوارث يأخذ كذا ريالٍ، وهذا الوارث يأخذ كذا ريالٍ، وهذا لا يرث، وهذا يرث، ومقدار ما يرث كذا.

إذن ما سبق من الحساب هي وسيلةٌ لهذه الثمرة.

أقسام التَّركة

تنقسم إلى قسمين:

  • ما يمكن قسمته.
  • وما لا يمكن قسمته.

"ما يمكن قسمته" يعني: فرزه إمَّا بالعَدِّ، أو الكيل، أو الوزن، أو الذَّرْع؛ لكونه مستوي الأجزاء، ومن ذلك: المبالغ النَّقدية، فالمبالغ النَّقدية تمكن قسمتها، والأراضي الكبيرة أيضًا، والمزارع الكبيرة تمكن قسمتها، والأشياء المنقولة تمكن قسمتها.

القسم الثاني: ما لا يمكن قسمته؛ لكونه غير مستوي الأجزاء: كالعقار الصغير، فالعقار الصغير لو قسم كم سيأخذ كل وارثٍ؟

يأخذ شيئًا يسيرًا، صغيرًا، لا ينتفع به.

أيضًا لو لم يُخلِّف الميت إلا سيارةً واحدةً، كيف تُقسّم هذه السيارة؟

ما تمكن قسمتها.

لو لم يُخلِّف إلا بعيرًا واحدًا، ونحو ذلك.

إذن القسم الأول: ما يمكن قسمته، والثاني: ما لا يمكن قسمته.

طرق قسمة التَّركات

هناك عدة طرقٍ لقسمة التَّركات، من أبرزها: طريق النسبة.

طريق النسبة في قسمة التَّركة ومُعادلته

هذا الطريق هو أفضل الطرق وأهمها؛ لكونه صالحًا لقسمي التَّركة، يعني: ما يمكن قسمته، وما لا يمكن قسمته، بينما بعض الطُّرق الأخرى لا تصلح لِمَا لا يمكن قسمته.

ومعنى طريق النسبة: أن تنسب سهام كلِّ وارثٍ إلى أصل المسألة، ثُم نعطيه من التَّركة بمثل تلك النسبة.

وله مُعادلةٌ احفظوها: السِّهام ÷ المسألة × التَّركة = نصيب الوارث.

لاحظوا المعادلة الموجودة الآن على الشاشة، واحفظوها حفظًا، فهذه تَرِد معك في كل مسألةٍ فَرَضِيَّةٍ: السِّهام ÷ المسألة × التَّركة = نصيب الوارث.

إذن هذه معادلة طريق النسبة: "السِّهام ÷ المسألة" يعني: على أصل المسألة "× التَّركة = نصيب الوارث".

وسنُوضِّح هذا بعد قليلٍ بالمثال.

في حال المُناسخات بالطريقة المُطوَّلة تضع بدل "المسألة" "الجامعة"، يعني تكون: السِّهام ÷ الجامعة × التَّركة = نصيب الوارث.

هذا على الطريقة المُطوَّلة، أمَّا على الطريقة المُختصرة التي سنُبَيِّنها فإننا لا نحتاج لهذا، وتكفينا الطريقة الأولى.

أمثلةٌ توضيحيةٌ على استخدام طريق النسبة في قسمة التَّركة

نأخذ أمثلةً نُوضِّح بها هذا الكلام:

  • هالكةٌ عن: زوجٍ، وأختٍ شقيقةٍ، وأمٍّ، وأخٍ لأمٍّ، وأختٍ لأبٍ.

نريد -أولًا- أن نقسم المسألة قسمةً عاديةً على ما درسنا.

عندنا الزوج يأخذ إمَّا النصف أو الربع، فكم يأخذ هنا؟

النصف.

والأخت الشقيقة تأخذ هنا النصف؛ لانطباق الشروط التي سبق أن ذكرناها.

والأمُّ إمَّا الثلث أو السدس، وتأخذ هنا السدس؛ لماذا؟

لوجود الجمع من الإخوة.

والأخ لأمٍّ: هل المسألة كلالةٌ؟

نعم، كلالةٌ: لا ولد ولا والد ذكرًا؛ إذن يأخذ السدس أيضًا.

والأخت لأبٍ -شرحناها بالأمس- تأخذ السدس تكملة الثلثين؛ لوجود أختٍ شقيقةٍ أخذت النصف فرضًا، والأخت لأبٍ مُكمِّلةٌ لها فتأخذ السدس.

هذه الآن قسمةٌ عاديةٌ.

طيب، نريد تأصيل هذه القسمة على ما درسنا في درس الأمس، فعندنا مقامات الفروض: 2 و2 و6.

2 و2 مُماثلةٌ.

طيب، 2 و6 مُداخلةٌ، نكتفي بالأكبر فيكون معنا 6.

6 و6 مُماثلةٌ، 6.

6 و6 مُماثلةٌ، 6.

إذن يكون أصل المسألة 6، لكن هذه المسألة فيها عَوْلٌ؛ لأننا لو جمعنا السِّهام نجد: النصف 3، والنصف 3، 3 + 3 = 6، والسدس 1 = 7، والسدس 1 = 8، والسدس 1 = 9، فتعول المسألة من 6 إلى 9.

وذكرنا في درس الأمس أنَّ العول يخرج معك مباشرةً، تلقائيًّا، فتعول إذن المسألة من 6 إلى 9.

يعني: هذا الآن ليس فيه جديدٌ، هذا على ما درسنا.

الجديد هو: كيف نعطي كلَّ وارثٍ نصيبه من التَّركة؟

التَّركة المُفترضة في هذه المسألة 900 ريالٍ.

يعني: اخترنا رقمًا صغيرًا حتى يكون أسهل في الحساب.

طيب، نُطبِّق على هذه القسمة طريق النسبة الذي ذكرناه قبل قليلٍ.

طريق النسبة: السهام ÷ أصل المسألة × التَّركة.

الزوج كم سهامه؟

3، وأصل المسألة 9، ودائمًا أصل المسألة ثابتٌ، وهنا في هذه المسألة 9، يعني: المقام في جميع الفروض 9، لكن الذي يتغير هو السهم.

فللزوج إذن: 3 ÷ 9 × التَّركة، وهي 900.

طبعًا هنا الذي يعرف الرياضيات يمكن أن يختصر 9 مع 9، ويخرج 100، 3 × 100 = 300.

إذا كان عندك ضَعْفٌ في الرياضيات، ولا تريد أن تختصر يمكن أن تستخدم الآلة الحاسبة، لكن لا بدَّ أيضًا أن تعرف كيف تستخدم الآلة الحاسبة؛ لأنَّ بعض الناس ما يعرف كيف يستخدم الآلة الحاسبة.

طيب، إذا أردنا أن نستخدم الآلة الحاسبة: 3 ÷ 9 × 900 كيف نستخدمها؟

نقول: 3 × 900 ÷ 9.

يمكن أن نُطبِّقها الآن بالآلة الحاسبة بالجوال: اضرب 3 × 900 ÷ 9.

كم تخرج؟

تخرج 300.

يعني: لا بد أن تعرف كيف تستخدم الآلة؛ لأن 900 هي الأصل ÷ 1.

3 × 900، والنَّاتج ÷ 9، فيكون نصيب الزوج 300 ريالٍ.

ننتقل لنصيب الأخت الشقيقة: كم سهامها؟

3، وأصل المسألة 9، فتكون 3 ÷ 9 × 900 أيضًا 300 ريالٍ.

ننتقل لنصيب الأمِّ: كم سهام الأمِّ؟

1، سهام الأمِّ 1، وأصل المسألة 9، إذن 1 ÷ 9 × 900.

طيب، كيف نستخدم الآلة هنا؟

يعني: نضرب 1 × 900 = 900 ÷ 9 = 100.

ومثلها أيضًا الأخ لأمٍّ: 1 ÷ 9 × 900 = 100.

ومثلها الأخت لأبٍ: 1 ÷ 9 × 900 = 100.

بعض الإخوة عندما يريد أن يستخدم الآلة يقسم 3 ÷ 9، ثم تخرج معه كسورٌ، ثم يضربها بـ 900، فما تخرج معه النتيجة الصحيحة.

طريقة استخدام الآلة تكون بهذه الطريقة التي ذكرتُ: تضرب البَسْط في البَسْط، ثم النتيجة تقسمها على المقام.

فلا بدَّ أن تتمرَّن على كيفية استخدام الآلة الحاسبة، مع أنَّ هذه الأرقام التي عندنا الآن صغيرةٌ، فيمكن أن تختصر 9 مع 9 فتكون 100، وتكون 3 × 100 = 300، والتي بعدها: 1 × 100 = 100.

يعني: هذه -كما ترون- الآن كأننا في درس رياضيات، والفرائض مُرتبطةٌ بالرياضيات والحساب ارتباطًا وثيقًا.

طيب، الآن استطعنا أن نُعطي كلَّ وارثٍ حقَّه بدقَّةٍ، وعرفنا كم يأخذ كلُّ وارثٍ من المال، المهم أنَّك تضبط القاعدة.

أُعيد مرةً أخرى: تقسم المسألة قسمةً عاديةً، وتُأَصِّل المسألة، وإذا كانت عائلةً تُعِيل المسألة، وبعد ذلك يتكوَّن عندك أصل المسألة أو عول المسألة، وسهام كلِّ وارثٍ.

تأخذ السهم على أصل المسألة أو عول المسألة، وتضربه في التَّركة؛ تخرج لك النتيجة، لكن عند استخدام الآلة الحاسبة تضرب البَسْط في البَسْط، والنتيجة تقسمها على المقام، أو أنك تختصر هنا، تختصر المقام مع البَسْط، يعني: 9 مع 9 تختصرها، لِمَن يعرف الاختصار.

يعني: بعض الإخوة يقول: ما أعرف الاختصار.

إذن استخدم الآلة الحاسبة، والآلات الحاسبة الآن موجودةٌ في جميع الجوَّالات.

طيب، لو أخذنا المثال نفسه، لكن لِمَا لا يمكن قسمته، ولنفترض أنَّ التَّركة سيارةٌ.

معنى ذلك أننا نقول: نصيب الزوج: 3 ÷ 9 × التركة، وهنا التركة سيارةٌ، فنقول: 3 ÷ 9 من السيارة.

كذلك نصيب الأخت الشقيقة: 3 ÷ 9 من قيمة السيارة.

والأخت لأبٍ: 1 ÷ 9 من قيمة السيارة.

والأم: 1 ÷ 9 من قيمة السيارة.

والأخ لأمٍ: 1 ÷ 9 من قيمة السيارة.

فلو افترضنا أنَّهم باعوا السيارة يُعطون كلَّ واحدٍ حقَّه بناءً على هذا.

طيب، لو افترضنا -مثلًا- أنَّ السيارة بِيعَتْ بثلاثين ألفًا.

3 ÷ 9 تعني: 3 ÷ 3 = 1، و9 ÷ 3 = 3، يعني: الثلث.

فيكون للزوج ثلث الثلاثين، كم؟

عشرة آلافٍ، ومثل ذلك للأخت الشقيقة: عشرة آلافٍ.

طيب، 1 ÷ 9 × 30.

يعني: 30000 ÷ 9.

اقسمها بالآلة الحاسبة، كم؟

3333، نعم.

فمعنى ذلك: أنها إذا بِيعَتْ بهذه القيمة نقسمها بهذه الطريقة؛ نأخذ قيمة السيارة ونُطبِّقها على هذه الأرقام.

طيب، إن قالوا: لا، ما نريد بيع السيارة.

نقول: أنت أيها الزوج تملك الثلث: 3 ÷ 9، وأنتِ أيتها الأخت الشقيقة تملكين الثلث: 3 ÷ 9، والأخت لأبٍ تملك السدس من هذه السيارة، وهكذا.

إن قالوا: نُؤجِّر السيارة.

نقول: الأجرة أيضًا تُقسَّم بناءً على هذا.

هذا فيما لا يمكن قسمته.

طيب، نأخذ مثالًا آخر:

  • هالكٌ عن: أبٍ، وأمٍّ، وبنتٍ، وزوجةٍ.

هنا ليست الشرائح موجودةً، لكن نسألكم، فقد درسنا فيما سبق فقه الفرائض، ودرسنا التَّأصيل والتَّصحيح والعَوْل.

أبٌ، وأمٌّ، وبنتٌ، وزوجةٌ.

دعونا نأخذ -أولًا- نصيب الأم.

الأم هنا: إمَّا السدس، وإمَّا الثلث، كم تأخذ؟

السدس، الأم هنا تأخذ السدس.

طيب، للبنت النصف؛ لاستكمال الشروط.

للزوجة الثمن أو الربع؟

الثمن؛ لوجود الفرع الوارث، والأب له الباقي.

فعندنا الآن: سدسٌ ونصفٌ وثمنٌ.

يعني: الآن 8 و2 مُداخلة الـ 8.

8 و6، دائمًا نقول: 8 و6 إذا وُجِدَتْ في مسألةٍ يكون أصلها 24.

يكون أصل المسألة 24.

سدس الـ 24 نصيب الأم: 4، يعني: 24 ÷ 6 = 4.

نصف الـ 24 نصيب البنت: 12.

ثُمن الـ 24 يعني: 24 ÷ 8 = 3.

فأصبحت 3 + 12 = 15 + 4 = 19.

كم بقي للأب؟

5، بقي للأب 5.

طيب، إذا أردنا أن نُطبِّق على طريق النسبة: نأخذ نصيب الأب 5 ÷ 24 "أصل المسألة" × التركة.

ولنفترض -مثلًا- أن التركة 12 ألفًا.

نقول: 5 ÷ 24 × 12000 = 2500.

نصيب الأم: 4 ÷ 24 × 12000 = 2000.

نصيب البنت: 12 ÷ 24 × 12000، نصيب البنت النصف، يعني: كم يكون نصف الـ 12000؟

هو 6000.

نصيب الزوجة: 3 ÷ 24 × 12000 = 1500.

هكذا بهذه الطريقة، والمهم أن تضبط القاعدة.

القاعدة: السِّهام ÷ أصل المسألة × التركة.

هذا طريق النسبة: السِّهام ÷ أصل المسألة × التركة، يخرج لك نصيب الوارث.

طَبِّقْهُ على أيِّ مسألةٍ، فلا بدَّ إذن من حفظ هذه المُعادلة: السِّهام ÷ أصل المسألة × التركة، يخرج لك نصيب الوارث.

طبعًا على أصل المسألة أو على عَوْلها يخرج لك نصيب الوارث.

وهذا الطريق -طريق النسبة- هو أفضل الطرق؛ لكونه يصلح لجميع أنواع التركة؛ ولأنَّه أسهل الطرق أيضًا؛ ولذلك الذي أنصح به: أنَّك تعتمد طريقةً واحدةً؛ لأنَّك لو أخذتَ أكثر من طريقةٍ تُسبب لك إرباكًا.

هناك عدة طرقٍ: طريقة القيراط، وهناك طريقة أنك تقسم التركة على أصل المسألة، ثم تضربها في السَّهم.

فهناك عدة طرقٍ، لكن الذي أنصح به حتى لا تُخطئ: أنَّك تقتصر على طريقةٍ واحدةٍ، بحيث تتمرن عليها، ولا تذهب لغيرها.

أحسن الطرق وأيسر الطرق طريق النسبة، فاعتَمِدْهُ واترك غيره، وبذلك يكون حاضرًا معك في جميع المسائل، وسيأتي معنا في بقية الأبواب، وسنُطبِّق -إن شاء الله- في بقية الأبواب.

المُناسخات

ننتقل بعد ذلك إلى المُناسخات.

المُناسخات هي نوعٌ من تصحيح المسائل، لكنَّها بالنسبة إلى مَيِّتَين فأكثر، وما سبق إنَّما هو إلى ميتٍ، لكن لو أنَّه قبل أن تُقسم التركة مات ميتٌ آخر، أو ميتان، أو ثلاثةٌ، كيف تكون القسمة؟

هنا تأتي قضية المُناسخات.

وكثيرٌ من طلاب العلم يعتبرون باب المُناسخات هو أصعب الأبواب، لكن سنشرحه لكم -إن شاء الله- بطريقةٍ مُبَسَّطةٍ، وسترون أنَّه سيكون أيسر الأبواب؛ لأن الطرق المُطوَّلة التي ذُكرتْ لا داعي لها: جداول وشِبَاكٌ كلها لا داعي لها، وإنَّما هناك طريقةٌ مُبَسَّطةٌ هي أقرب لطريقة القرآن والسُّنة، وأقرب لطريقة الصحابة أيضًا، ولا تحتاج معها إلى جداول أو شِبَاكٍ أو حالةٍ أولى أو ثانيةٍ أو ثالثةٍ.

أُعطيكم هذه الطريقة التي ذكرتُها في هذا الكتاب، ولم أقف على مَن سبقني إليها، فهي طريقةٌ مُبتكرةٌ، وسنشرحها -إن شاء الله- ونُوضِّحها لكم، وسترون أنَّها طريقةٌ سهلةٌ.

تعريف المُناسخات لغةً واصطلاحًا

أولًا: نُقدِّم بتعريفٍ للمُناسخات.

المُناسخات جمع: مُناسخةٍ، مُشتقَّةٌ من النَّسخ.

والنَّسخ يُطلق على عدة معانٍ، وقد ذكره الله تعالى في القرآن في أكثر من موضعٍ، ذكره في قوله: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29]، فالنَّسخ هنا بمعنى: النَّقل، فـنَسْتَنْسِخُ يعني: ننقل ونكتب جميع أعمالكم التي عملتُموها في الدنيا: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

وذُكرتْ أيضًا هذه الكلمة في قول الله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106]، بمعنى: نُبَدِّلها، نَنْسَخْ يعني: نُبَدِّل، وذلك بتبديل تلاوتها، أو تبديل حُكْمِها على أنواع النَّسخ: نسخ التِّلاوة والحُكْم، أو نسخ التِّلاوة دون الحُكْم، أو نسخ الحُكْم دون التِّلاوة.

ومن معاني النَّسخ أيضًا: التغيير، يُقال: نَسَخَتِ الرياح آثار الدِّيار، أي: غيَّرتها عن هيئتها.

ومن معاني النَّسخ في اللغة: الإزالة، نَسَخَتِ الشمسُ الظلَّ؛ أزالته.

أما معنى النَّسخ في اصطلاح الأصوليين: فإن عامة كتب الأصوليين تذكر أن النَّسخ المقصود به: رَفْع الحُكْم الشَّرعي الثابت بنصٍّ شرعيٍّ آخر مُتَرَاخٍ عنه.

مثلًا: لو أردنا أن نأخذ مثالًا لآيةٍ منسوخةٍ في القرآن، مَن يُعطينا مثالًا؟

أحد الطلاب: .......

الشيخ: "الشيخ والشيخة ..." هل هي آيةٌ من القرآن؟

ما ثَبَتَ، الحديث ضعيفٌ، وفيه نكارةٌ أيضًا في مَتْنِه، وفي سنده.

ولماذا الشيخ والشيخة؟!

الشَّاب أقرب للزنا من الشيخ والشيخة.

يعني: هذه لم يثبت أنَّها آيةٌ أصلًا، وإنَّما كانت هناك آيةٌ أخرى لم تُنْقَل، والله أعلم بالحكمة في هذا، ونُسِخَت التلاوة، وبقي الحكم، لكن ليست هي: الشيخ والشيخة.

أحد الطلاب: .......

الشيخ: يعني: نسخ القبلة: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة:142].

طيب، هناك شيءٌ أوضح.

أحد الطلاب: .......

الشيخ: نعم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة:12].

أحسنت.

فَنُسِخَتْ بعدم الوجوب بالآية التي بعدها: فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [المجادلة:13].

أحد الطلاب: .......

الشيخ: في الخمر قد يُقال: التَّدرج في التَّحريم.

أحد الطلاب: .......

الشيخ: في الصيام، أول ما فُرِضَ الصيام كان على التَّخيير: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184]، كان المسلم مُخيَّرًا بين أن يصوم أو يُطْعِم، لكن الصيام خيرٌ من الإطعام، ثم نُسِخَ ذلك بقول الله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، إلى غير ذلك من الأمثلة.

المُناسخات وطريقة قسمة التركة بالتتابع

طيب، في اصطلاح الفَرَضِيِّين معنى المُناسخات: أن يموت شخصٌ، فلا تُقسم تركته حتى يموت ورثته أو بعضهم.

وسُمِّيت بـ"المناسخات" لأنَّ الأيادي تناسخت المال، أي: تناقلته، أو لأنَّ الجامعة في مسائل المُناسخات مُزيلةٌ ومُغيِّرةٌ للمسائل التي قبلها.

طيب، كما أشرتُ قبل قليلٍ: أنَّ عمل المُناسخات في عامة كتب الفرائض على طريقة الجداول والشِّبَاك، ويذكرون الحالة الأولى، والحالة الثانية، والحالة الثالثة.

وقد سبَّب ذلك إشكالًا لدى كثيرٍ من الطلاب، حتى استغلق على بعضهم فَهْم المُناسخات، وحتى لو ضبطوها سرعان ما يَنْسَون الطريقة.

وهناك طريقةٌ أخرى من خلال النظر والتَّأمل، وأيضًا من خلال تدريس الطلاب والمُبَاحَثَة مع بعض أهل العلم أرى أنَّها أيسر بكثيرٍ، وأيضًا أسلم من الوقوع في الخطأ، ولا تحتاج إلى استحضارٍ مثل: طريقة الشِّباك والجداول، وهي طريقة قسمة التركة بالتتابع.

وحاصلها: أننا نأخذ تركة الميت الأول ونقسمها على جميع ورثته قسمةً كاملةً.

نعتبر جميع ورثة الميت الأول كلهم أحياء، فنقسمها قسمةً كاملةً على ورثة الميت الأول.

ثم نأخذ نصيب الميت الثاني ونقسمه على ورثته قسمةً كاملةً، ونأخذ نصيب الميت الثالث ونقسمه على ورثته قسمةً كاملةً، وهكذا.

فَكَّكنا المسائل، وما نحتاج إلى جداول أو شِبَاكٍ أو أيِّ شيءٍ آخر، هذه هي الفكرة.

إذن الفكرة مرةً أخرى: أننا نأخذ المسألة الأولى ونقسمها على جميع ورثته، ونعتبر أنَّهم كلهم أحياء، وتُقسم قسمةً كاملةً؛ بحيث نُعطي كلَّ واحدٍ نصيبه بالريال -مثلًا- أو ما يُعادله من العملات.

طيب، قالوا: نفترض أنَّ أحد الورثة مات.

نأخذ تركة هذا الميت الثاني ونقسمها على ورثته قسمةً كاملةً، ولو مات أيضًا أحد ورثته نأخذ نصيب هذا الميت ونقسمه على ورثته.

إذا كان في المسألة ثلاثة أمواتٍ:

  • الميت الأول نأخذ تركته ونقسمها على ورثته.
  • الميت الثاني نأخذ تركته ونقسمها على ورثته.
  • الميت الثالث نأخذ تركته ونقسمها على ورثته.

وبذلك لا نحتاج إلى شِبَاكٍ أو جداول أو غير ذلك.

أمثلةٌ على المُناسخات في قسمة التركة

نُوضِّح هذا بالمثال، نأخذ المثال الأول:

  • هالكٌ عن: زوجةٍ، وأختين شقيقتين، وعمٍّ.

ولم تقسم التركة حتى ماتت إحدى الأُختين عن ابنين، وماتت الثانية عن: زوجٍ، وابنٍ.

علمًا بأن التركة اثنا عشر ألف ريالٍ.

طبعًا قِسْمَتُها بالطريقة المُطوَّلة تحتاج منَّا إلى وقتٍ طويلٍ، يعني: نحتاج على الأقل نصف ساعةٍ حتى نشرحها ونُوضِّحها، لكن سننتقل مباشرةً للطريقة المُبَسَّطة المُختصرة، ومَن أراد الطريقة المُطوَّلة فهي موجودةٌ في الكتاب.

نقسم المسألة الأولى قسمةً كاملةً.

المسألة الأولى ما هي؟

هي: زوجةٌ، وأختان شقيقتان.

وفي المُناسخات ما نقول: أختان شقيقتان، نفصلهما: أختٌ شقيقةٌ، وأختٌ شقيقةٌ؛ ليكون أوضح.

فزوجةٌ، وأختٌ شقيقةٌ، وأختٌ شقيقةٌ، وعمٌّ.

نقسمها قسمةً عاديةً على ما درسنا.

طيب، للزوجة هنا الربع أو الثمن؟

الربع؛ لعدم الفرع الوارث.

للأختين الشقيقتين الثلثان.

وللعمِّ الباقي.

طيب، نريد تأصيل المسألة: عندنا 4، وعندنا 3، مُباينة؛ اضرب 4 × 3 = 12، فيكون أصل المسألة 12.

طيب، ربع الـ12 = 3.

ثلثا الـ 12 = 8، لكن نُوزِّعها على الأختين: 4 و4، والباقي 1.

إذن هذا ليس فيه جديدٌ، قسمنا المسألة وأصَّلناها وأعطينا كلَّ وارثٍ سهمه.

طيب، نحن قلنا: قسمةً كاملةً، فنُطبِّق طريق النسبة على المسألة.

طريق النسبة ما هو؟

السِّهام ÷ المسألة × التركة.

نأخذ الزوجة: كم سهامها؟

3، وأصل المسألة 12، والتركة المُفترضة 12000.

طبعًا لو تعرف الاختصار تختصر: 12 مع 12 يخرج لك ألفٌ، 3 × 1000 = 3000.

إذا كنت لا تعرف الاختصار استخدم الآلة الحاسبة: اضرب 3 × 12000 والنَّاتج اقسمه على 12.

كم النَّاتج؟

النتيجة 3000.

طيب، هذا نصيب الزوجة.

نصيب الأخت الشقيقة: سهامها 4، وأصل المسألة 12، نضربها في التركة 12000.

4 × 12000 ÷ 12 = 4000 ريالٍ.

نصيب الأخت الشقيقة الثانية أيضًا مثلها: 4000 ريالٍ.

العم سهمه واحدٌ، وأصل المسألة 12 × التركة التي هي 12000.

1 × 12000 ÷ 12 = 1000 ريالٍ.

إذن قسمنا المسألة الأولى قسمةً كاملةً.

طيب، في السؤال: زوجةٌ، وأختان شقيقتان، وعمٌّ، ولم تُقسم التركة حتى ماتت إحدى الأختين عن ابنين.

طيب، نفترض أن هذه الأخت الأولى ماتت عن ابنين، فنضع المسألة الثانية.

المسألة الثانية: امرأةٌ -التي هي هذه الأخت الشقيقة- ماتت عن ابنين، وكم تَرِكتُها؟

12000 أو 4000؟ 4000.

انتبهوا لهذا، فهذا من مواضع الأخطاء: أن بعض الطلاب يجعل التركة 12000.

لا، اجعل التركة نصيب الأخت الذي هو 4000.

ظهرتْ لنا مسألةٌ جديدةٌ نقسمها قسمةً عاديةً كاملةً، فتكون المسألة:

  • امرأةٌ هالكةٌ عن: ابنين، والتركة 4000.

ابنان لكلِّ واحدٍ 1، فالمسألة من 2، فنُطبِّق عليها طريق النسبة: 1 ÷ 2 × 4000 يعني: نصف الـ4000 كم؟

ألفان، 1 ÷ 2 × 4000 = 2000.

إذن كل ابنٍ من ابني الأخت الشقيقة التي ماتت ثانيًا -يعني: ماتت بعد الميت الأول- يأخذ ألفي ريالٍ.

طيب، لم نَنْتَهِ بعد.

في السؤال: وماتت الأخت الثانية عن: زوجٍ، وابنٍ.

نضع المسألة الثالثة، نقول: المسألة الثالثة: هالكةٌ عن: زوجٍ، وابنٍ.

طيب، للزوج إمَّا الربع وإمَّا النصف، كم يأخذ هنا؟

الربع، وللابن الباقي.

فعندنا ربعٌ وباقٍ، كم يكون أصل المسألة؟

4، وربع الأربعة واحدٌ، والباقي 3.

نُطبِّق طريق النسبة عليها:

عندنا السِّهام: الزوج واحدٌ، وأصل المسألة 4 × التركة: 12000 أو 4000؟

4000، انتبه.

فنقول: 1÷ 4 × 4000، يعني: ربع الـ4000 كم؟

ألف ريالٍ.

طيب، نصيب الابن: سهامه ثلاثةٌ، وأصل المسألة أربعةٌ: 3 ÷ 4 × 4000 = 3000 ريالٍ.

تختصر الأربعة مع الأربعة يخرج لك ألفٌ، 3 × 1000 = 3000.

أو بالآلة الحاسبة إذا كنت لا تعرف الاختصار: اضرب 3 × 4000، والنَّاتج اقسمه على أربعة، تخرج لك ثلاثة آلاف ريالٍ.

لاحظ هنا أننا استطعنا أن نُعطي كلَّ وارثٍ حقَّه، ولو أردنا أن نُقارن بين هذه الطريقة المُبَسَّطة والطريقة المُطوَّلة نجد التَّطابق التَّام في النتيجة.

الطريقة المُطوَّلة موجودةٌ في الكتاب معكم، فلاحظوا التَّطابق التَّام: فالزوجة أخذت ثلاثة آلافٍ، والعم أخذ ألفًا، وابن الأخت الشقيقة أخذ ألفي ريالٍ، والابن الثاني أخذ ألفي ريالٍ، وزوج الأخت الشقيقة الثانية أخذ ألفًا، وابن الأخت الشقيقة الثانية أخذ ثلاثة آلافٍ.

لاحظوا التَّطابق التَّام 100% بين الطريقة المُطوَّلة والطريقة المُبَسَّطة، وبهذه الطريقة لا نحتاج للجدول، ولا نحتاج للشِّبَاك.

وهذا تظهر فائدته أكثر في الأرقام الكبيرة والمسائل الشَّائكة، فأحيانًا يكون عدد الأموات كبيرًا، ليس واحدًا أو اثنين، أحيانًا يكون عشرة أمواتٍ بعد الميت الأول، فلو استخدمتَ الشِّباك أو الجدول ربما تتعقد المسألة، ويحصل فيها الخطأ.

أيضًا قد لا يستحضر طالب العلم الطريقة المُطوَّلة، يمكن أن تضبطها وتفهمها الآن، لكن تنساها بعد شهرٍ، أما الطريقة المُبَسَّطة -تفكيك المسائل- فلا يمكن نسيانها: تقسم المسألة الأولى قسمةً كاملةً، وتأخذ تركة الميت الثاني وتقسمها على ورثته، وتأخذ تركة الميت الثالث وتقسمها على ورثته، وانتهينا.

فهذه هي الطريقة المُبَسَّطة، وكنتُ من أوائل الذين ذكروا هذه الطريقة -والحمد لله- والآن أصبحت هي المُطبَّقة عند كثيرٍ من طلبة العلم، وكثيرٌ من الجامعات الآن يُطبِّقونها، لكن أنصح المُتخصصين -طلاب كليات الشريعة- بأن يضبطوا الطريقة المُطوَّلة؛ حتى تبقى حاضرةً في الذهن لدى طلاب العلم، وأيضًا تُفْهَم كتب الفقهاء وكتب الفَرَضِيِّين، فينبغي أن يضبط المُتخصصون الطريقة المُطوَّلة، لكن عامَّة طلاب العلم تكفيهم الطريقة المُبَسَّطة؛ لأن الهدف واحدٌ، وهو الوصول للنتيجة الصحيحة، والنتيجة الصحيحة تُحققها الطريقة المُطوَّلة والطريقة المُبَسَّطة.

طيب، نأخذ مثالًا آخر:

  • هالكٌ عن: زوجةٍ، وثلاثة أبناء.

ولم تُقسم التركة حتى مات أحد الأبناء عن: ثلاثة أبناء، وبنتٍ.

ومات الثاني عن: ابنين، وثلاث بناتٍ.

علمًا بأن التركة ثمانيةٌ وأربعون ألفًا.

أولًا: نأخذ المسألة الأولى ونقسمها قسمةً كاملةً.

ما المسألة الأولى؟

المسألة الأولى: زوجةٌ، وثلاثة أبناء.

للزوجة إمَّا الثمن وإمَّا الربع، كم تأخذ هنا؟

الثمن، وللأبناء الباقي.

إذن أصل المسألة: ثُمنٌ وباقٍ، 8، وثُمن الثمانية واحدٌ، والباقي سبعةٌ.

طيب، نُطبِّق عليها طريق النسبة: السِّهام ÷ المسألة × التركة.

الزوجة سهامها: واحدٌ، وأصل المسألة: ثمانيةٌ.

يعني: 1 ÷ 8 × التركة 48000.

1 ÷ 8 × 48000، فإذا ضربتها بالآلة الحاسبة تخرج لك 6000: 48000 ÷ 8 = 6000.

للأبناء: 7 ÷ 8 × 48000، لو استخدمت الآلة الحاسبة ضربت 7 × 48000، والنَّاتج قسمته على 8، يكون النَّاتج 42000، لكل ابنٍ أربعة عشر ألفًا.

انتبه لهذا، لكل ابنٍ أربعة عشر ألفًا، نضع تحتها خطًّا؛ لأننا سنحتاج لها في المسألة الثانية والثالثة.

طيب، ننتقل بعد ذلك للمسألة الثانية:

المسألة الثانية: لم تُقسم التركة حتى مات أحد الأبناء عن: ثلاثة أبناء، وبنتٍ.

إذن المسألة الثانية:

  • هالكٌ عن: ثلاثة أبناء، وبنتٍ.

نقسمها قسمةً كاملةً: ثلاثة أبناء يعني: ابنًا، وابنًا، وابنًا، وبنتًا.

إذا اجتمع إناثٌ وذكورٌ يكون للذَّكر اثنان، وللأنثى واحدٌ، يعني: ابنًا يأخذ اثنين، وابنًا يأخذ اثنين، وابنًا يأخذ اثنين، وللبنت واحدٌ.

كم المجموع؟

سبعةٌ.

اثنان واثنان واثنان وواحدٌ = سبعةٌ.

فأصل المسألة سبعةٌ.

نُطبِّق عليها طريق النسبة: السِّهام ÷ أصل المسألة × التركة.

2 ÷ 7 × كم؟

48000 أو 14000؟

14000، انتبهوا.

2 ÷ 7 × 14000، فإذا ضربنا 2 × 14000 ÷ 7 = 4000 ريالٍ.

للابن الثاني نفس الشيء: 4000، وللابن الثالث: 4000.

للبنت 1 ÷ أصل المسألة 7 × 14000 تكون النتيجة: ألفي ريالٍ.

انتهينا من القسمة الثانية أو المسألة الثانية.

المسألة الثالثة: مات الابن الثاني عن: ابنين، وثلاث بناتٍ.

فتتشكل عندنا الآن المسألة الثالثة: 

  • هالكٌ عن: ابنين، وثلاث بناتٍ.

معنى ذلك: للذَّكر اثنان، وللأنثى واحدٌ.

يعني: ابنًا يأخذ اثنين، وابنًا يأخذ اثنين، وبنتًا تأخذ واحدًا، وبنتًا تأخذ واحدًا، وبنتًا تأخذ واحدًا، كم المجموع؟

سبعةٌ.

طيب، نُطبِّق طريق النسبة: 2 ÷ 7 × كم؟

14000 أو 48000؟

14000، 2 × 14000 ÷ 7 = 4000، وأيضًا للابن الثاني: 4000.

ولكل بنتٍ: 1 ÷ 7 × 14000 = 2000 ريالٍ.

استطعنا بهذه الطريقة أن نُعطي كلَّ وارثٍ حقَّه.

قارن النتيجة مع الطريقة المُطوَّلة التي في الكتاب تجد التَّطابق التَّام في النتيجة.

طيب، لو أخذنا مثالًا آخر يختلف نسبيًّا عن هذه المسائل:

  • هالكٌ عن: زوجةٍ، وأُختين شقيقتين، وعمٍّ.

ولم تُقسم التركة حتى ماتت إحدى الأختين عن: زوجٍ، وبنتٍ، ومَن يرثها في المسألة الأولى.

هذا هو الجديد: ومَن يرثها في المسألة الأولى.

هذه بالطريقة المُطوَّلة تُعتبر الحالة الثالثة، لكن بالطريقة المُبَسَّطة لا نحتاج للتَّفصيل، لا حالة أولى، ولا ثانية، ولا ثالثة.

علمًا بأنَّ التركة 12000 ريالٍ.

طيب، نقسم المسألة الأولى قسمةً كاملةً: زوجةٌ، وأُختان شقيقتان، وعمٌّ.

للزوجة إمَّا الربع، وإمَّا الثمن، فكم تأخذ هنا؟

الربع.

وللأختين الشقيقتين الثلثان، وللعمِّ الباقي.

يعني: عندنا الآن المقامات 4 و3، كم يكون أصل المسألة؟

12، وربع الـ 12 = 3.

ثلثا الـ 12 = 8، لكن نُوزِّعها، في المُناسخات نُوزِّعها: للأخت الشقيقة 4، وللأخت الشقيقة 4، وللعمِّ الباقي.

نطبِّق طريق النسبة:

الزوجة سهامها: 3 ÷ أصل المسألة الذي هو كم؟

12 × التركة 12000.

3 × 12000 ÷ 12 = 3000 ريالٍ.

للأخت الشقيقة: 4 سهامٍ ÷ أصل المسألة 12 × التركة 12000.

فنضرب 4 × 12000 ÷ 12 = 4000 ريالٍ، ومثلها للأخت الشقيقة الثانية.

العم: السِّهام 1 ÷ أصل المسألة 12 × التركة 12000.

يعني: 1 × 12000 ÷ 12 = 1000 ريالٍ.

إذن قسمنا المسألة الأولى قسمةً كاملةً.

المسألة الثانية ما هي؟

ماتت إحدى الأُختين عن: زوجٍ، وبنتٍ -هذا واضحٌ- ومَن يرثها في المسألة الأولى.

ننظر: مَن الذي يرثها في المسألة الأولى؟

الأخت الشقيقة الأولى هي الميتة.

أما زوجة أخيها -لأن الميت أخوها- فليس لها بها علاقةٌ.

طيب، مَن الذين لهم علاقةٌ بها؟

أختها وعمُّها.

معنى ذلك: أن مَن يرثها في المسألة الأولى هم: أختها وعمُّها.

أهم شيءٍ طريقة تكوين المسألة الثانية، سواء على الطريقة المُطوَّلة، أو على الطريقة المُبَسَّطة.

نحن قلنا: زوجٌ، وبنتٌ، ومَن يرثها في المسألة الأولى.

نكتب: زوجًا، ونكتب: بنتًا، ونكتب مَن يرثها في المسألة الأولى، وهم: أختٌ شقيقةٌ، وعمٌّ.

لماذا لم نكتب: زوجة؟

لأنَّها زوجة أخيها، ما لها علاقةٌ بها.

فما بقي إلا أختٌ شقيقةٌ، أختها؛ أخت أخيها أُختها، وعم أخيها عمُّها.

فنكون قد استطعنا أن نُكوِّن المسألة الثانية بالطريقة الصحيحة: زوجٌ، وبنتٌ، وأختٌ شقيقةٌ، وعمٌّ.

إذن خرجتْ لنا مسألةٌ جديدةٌ كاملةٌ نقسمها.

عندنا الزوج: إمَّا الربع، وإمَّا النصف، كم يأخذ هنا؟

الربع.

وللبنت النصف.

والأخت الشقيقة والعمّ: هذه مَرَّتْ معنا، أختٌ شقيقةٌ وعمٌّ، أيّهما أولى بالباقي؟

أحد الطلاب: .......

الشيخ: نعم، الأخت الشقيقة تُسمَّى: عصبةً مع الغير.

هل تذكرون العصبة مع الغير؟

ما معنى العصبة مع الغير؟

مَرَّتْ معنا في درس الأمس، وهي الأخوات مع البنات أو بنات الابن.

هنا أختٌ شقيقةٌ مع بنتٍ؛ إذن تأخذ الباقي، وهي أولى من العمِّ.

معنى ذلك: أنَّ العمَّ يسقط.

فتكون قسمة المسألة: للزوج الربع، وللبنت النصف، وللأخت الشقيقة الباقي، والعمُّ لا شيء له.

طيب، نُؤَصِّل المسألة بعدما قسمناها: عندنا 4 و2، كم يكون أصل المسألة؟

4، وربع الـ 4 = 1، ونصف الـ 4 = 2، والباقي 1.

نُطبِّق عليها طريق النسبة: السِّهام ÷ أصل المسألة × التركة.

الزوج سهامه: 1، وأصل المسألة: 4.

يعني: 1 ÷ 4 × 4000، كم ربع الـ 4000؟ 1000.

البنت: 2 ÷ 4، سهام البنت: 2، وأصل المسألة: 4.

2 ÷ 4 × 4000 = 2000 ريالٍ.

الأخت الشقيقة: 1 ÷ 4 × 4000، يعني: ربع الـ 4000 = 1000 ريالٍ.

لكن نلاحظ هنا أنَّ بعض الورثة ورث في المسألتين.

مَن الوارث الذي ورث في المسألة الأولى والثانية؟

الطلاب: .......

الشيخ: الأخت الشقيقة -ما شاء الله- أنتم مُركِّزون معنا.

الأخت الشقيقة ورثتْ في المسألتين، فكم نصيبها في المسألة الأولى؟

4000، ونصيبها في المسألة الثانية 1000، فمعنى ذلك: أن الأخت الشقيقة تأخذ 5000.

العم هل ورث في المسألتين؟

لا، في المسألة الأولى فقط: 1000 ريالٍ.

يعني: تكون القسمة بهذه الطريقة، لو طابقتَ بينها وبين نتيجة المُطوَّلة تجد النتيجة مُتطابقةً 100%.

هذه طريقة قسمة المُناسخات.

مميزات الطريقة المُبَسَّطة بالتتابع

أرأيتم كيف أنَّا لَمَّا سلكنا هذه الطريقة أصبحت من أيسر الأبواب؟

فالمُناسخات من أيسر الأبواب وأسهلها بهذه الطريقة: تفكيك المسائل، طريقة التتابع.

تقسم المسألة أولًا قسمةً كاملةً، وتأخذ تركة الميت الثاني وتُعطيها لورثته، ثم تأخذ تركة الميت الثالث وتُعطيها لورثته، وانتهينا، ولا تحتاج إلى جداول أو شِبَاكٍ أو أيِّ شيءٍ آخر.

يعني: بهذا نكون قد ضبطنا طريقة المُناسخات، وهذه الطريقة لا يمكن أن تنساها، بينما الجداول أو الشِّباك تحتاج منك إلى استحضار النَّظر بين السِّهام والرُّؤوس، والنَّظر بين المسألة والسِّهام، والنَّظر بالنسبة للمُباينة والمُوافقة.

يعني: تحتاج إلى ضبطٍ، وأحيانًا ربما لو مضتْ مدةٌ تنسى، لكن الطريقة المُبَسَّطة ما يمكن أن تنساها، وهي طريقة تفكيك المسائل، فتأخذ تركة الميت الثاني وتُعطيها لورثته، وتركة الميت الثالث تُعطيها لورثته، وانتهينا، وإذا كان هناك ميتٌ رابعٌ أو خامسٌ أو سادسٌ تأخذ تركة كل ميتٍ وتُعطيها لورثته.

وقد يرث بعض الورثة في المسألتين، وقد يرث في ثلاث مسائل، ما يُمنع هذا.

فهذه إذن طريقة المُناسخات.

ميراث الخُنْثَى المُشْكِل

ننتقل بعد ذلك إلى ميراث الخُنْثَى المُشْكِل.

هل أحدٌ منكم رأى خُنْثَى مُشْكِلًا في حياته؟

لم يَرَه أحدٌ منكم، وأنا سأُبَيِّن لكم.

أنا كلما ألقيتُ درسًا في الفرائض طرحتُ هذا السؤال، ولا أجد واحدًا يقول: رأيتُ خُنْثَى مُشْكِلًا، والسَّبب سأُبَيِّنه لكم بعد قليلٍ.

تعريف الخُنْثَى المُشْكِل

أولًا: نأخذ مُقدمةً في التَّعريف:

الخُنْثَى على وزن "فُعْلَى" مُشتقٌّ من "التَّخَنُّث"، ومعناه: التَّثَنِّي، أو من "الخِنَاث" وهو الاشتباه، وهذا هو الأقرب للمعنى الاصطلاحي.

والمراد بالخُنْثَى عند الفَرَضِيين: مَن له آلة ذكرٍ وآلة أنثى، أو ثقبٌ لا يُشبه واحدًا منهما.

ويُقسم الفَرَضِيُّون الخُنْثَى إلى: خُنْثَى غير مُشْكِلٍ، وخُنْثَى مُشْكِلٍ.

أمَّا الخُنْثَى غير المُشْكِل فهو: مَن ظهرتْ فيه علاماتٌ تُميِّز ذُكوريته؛ فيُعتبر ذكرًا، أو علاماتٌ تُميِّز أُنوثته؛ فيُعتبر أُنثى.

وأمَّا الخُنْثَى المُشْكِل -وهو الذي يعنينا-: مَن لا توجد فيه علاماتٌ تُميِّز ذُكوريته من أُنوثته.

حالات الخُنْثَى المُشْكِل

له حالتان:

الخُنْثَى المُشْكِل الذي يُرْجَى اتِّضاح حاله، وهو الصغير الذي لم يبلغ؛ لأنَّه إذا بلغ سيتَّضح أمره، إذا كان أنثى -مثلًا- تبرز لها أثداء؛ فيتَّضح أمرها، وإذا كان -مثلًا- ذكرًا سيَنْبُت شعر الشَّارب واللحية.

فهذا القسم الأول الذي يُرْجَى اتِّضاح حاله.

الحالة الثانية: الخُنْثَى المُشْكِل الذي لا يُرْجَى اتِّضاح حاله، وهو مَن مات صغيرًا، أو بلغ سنَّ البلوغ ولم يتَّضح أمره.

والجهات التي يوجد فيها الخُنْثَى المُشْكِل أربع جهاتٍ: البُنوة، والأُخوة، والعمومة، والولاء.

لا يمكن أن يكون الخُنْثَى المُشْكِل أبًا أو جدًّا؛ لماذا؟

لو كان أبًا كان ذكرًا، نعم.

ولا يمكن أن يكون أُمًّا أو جدَّةً؛ لأنَّها لو كانت كذلك كانت أُنثى.

ولا يمكن أن يكون زوجًا أو زوجةً؛ لأنَّه لا يصح زواجه حتى يتَّضح حاله.

كيف يتزوج؟! هل يتزوج على أنه ذكرٌ أو أنثى؟ ما اتَّضح حاله.

التَّمييز الطبي الحديث للخُنْثَى

ذكر الفقهاء السابقون: أنَّ من أبرز العلامات التي يتَّضح من خلالها أمر الخُنْثَى البول؛ لكونه من أهمِّ العلامات، ويكون من الصغير والكبير، فإن بال من آلة الذَّكَر فهو ذكرٌ، وإن بال من آلة الأنثى فهو أنثى، وإن بال من الآلتين جميعًا فالحكم للأسبق منهما؛ لأنَّ سَبْقَ البول يدل على أنه العضو الأصلي، فإن استويا في السَّبْق يُعتبر الأكثر، الأكثر بَوْلًا هو المُعْتَبَر.

وهذه العلامات التي ذكرها الفقهاء السابقون لا نحتاج لها في الوقت الحاضر؛ لأنَّه في الوقت الحاضر مع تقدم الطب أصبح الأطباء يُميِّزون الخُنْثَى المُشْكِل من غيره، بل أصبح الخُنْثَى لا يكون مُشْكِلًا أصلًا؛ وذلك لوجود الأشعة بأنواعها والأجهزة الطبية التي يمكن من خلالها تمييز الخلايا، وتمييز أمورٍ لا تُرى بالعين المُجردة، فكيف بالخصية والمِبْيَض؟

فأصبح الأطباء عن طريق الأشعة يعرفون هذا الإنسان، فإذا كانت له خصيةٌ فهو ذكرٌ، وإذا كان له مِبْيَضٌ فهو أنثى، وبذلك ليس هناك خُنْثَى مُشْكِلٌ؛ لأنَّ الأطباء يكشفون على هذا الشخص عن طريق الأشعة، فإذا رأوا له خصيتين قالوا: هذا ذكرٌ، وإذا رأوا له مِبْيَضًا قالوا: هذا أنثى، وهذا ميسورٌ الآن في عالم الطبِّ.

لكن هل يمكن أن يوجد إنسانٌ تكون عنده خصيةٌ ومِبْيَضٌ أو لا يمكن؟

نحن قلنا: الآن الأطباء يكشفون على هذا عن طريق الأشعة؛ فإن كانت له خصيتان فهو ذكرٌ، وإن كان له مِبْيَضٌ فهو أنثى.

طيب، يعني: بالطريقة المنطقية العقلية تقول: يمكن أن يكون إنسانٌ تجتمع له الخصية والمِبْيَض، هل هذا يمكن عقلًا أو غير ممكنٍ؟

عقلًا ممكنٌ، وواقعًا أيضًا موجودٌ، لكنه أندر من النَّادر؛ ولذلك لمَّا طرحتُ السؤال قبل قليلٍ: هل أحدٌ منكم رأى خُنْثَى مُشْكِلًا؟ ما رفع يده أحدٌ.

يقولون: في كل مئة مليون واحدٌ، ويمكن الكرة الأرضية كلها ما فيها إلَّا واحدٌ، أو اثنان، أو ثلاثةٌ، كونه تجتمع له خصيةٌ ومِبْيَضٌ، لكنَّه قد يوجد، يعني: ليس مُستحيلًا عقلًا، فقد يوجد هذا الذي يجمع الخصية والمِبْيَض، لكنَّها حالاتٌ أندر من النَّادر.

يعني -كما ذكرتُ-: يمكن الأرض كلها ما فيها إلَّا واحدٌ، أو اثنان، أو ثلاثةٌ.

الخُنْثَى المُشْكِل في الفقه النَّظري والتَّطبيق الواقعي

أصبح الآن الخُنْثَى المُشْكِل -يعني- يكاد يكون لا وجود له، فندرسه الآن من الناحية النظرية فقط؛ لأنَّه مع تقدم الطب يعرفون هل هو ذكرٌ أو أنثى؟

بينما كان قديمًا تبرز أحيانًا آلة الأنثى؛ فيشتبه أهلها: هل هو ذكرٌ أو أنثى؟ يكون فيه تضخُّمٌ في آلة الأنثى، أو يكون فيه ضمورٌ في آلة الذَّكر، تَضْمر عنده؛ فيشتبه عندهم: هل هو ذكرٌ أو أنثى؟ فيتعاملون معه على أنَّه خُنْثَى، وهو في الحقيقة إمَّا ذكرٌ وإمَّا أنثى.

وربَّما هو نفسه يُصاب بعقدةٍ نفسيةٍ من نظرة المجتمع له، وهو في الحقيقة ذكرٌ، أو في الحقيقة أنثى.

فكان هذا في السابق موجودًا بكثرةٍ؛ لأنَّه ليست هناك أشعةٌ موجودةٌ -مثلًا- يستطيعون التَّمييز بها: هل هذا ذكرٌ أو أنثى؟ لكنَّهم ينظرون للآلة فقط، والآلة أحيانًا تَضْمُر، وأحيانًا تتضخم؛ تتضخم لدى الأنثى، وتَضْمر لدى الذَّكَر؛ فيحصل الاشتباه.

لكن في الوقت الحاضر أصبحت معرفة كونه ذكرًا أو أنثى ميسورةً جدًّا، فأيُّ مستشفى يستطيع أن يقطع هل هذا ذكرٌ أو أنثى؟

إذن يكاد يكون الخُنْثَى المُشْكِل لا وجود له في الوقت الحاضر، فندرسه الآن من الناحية النَّظرية، وحتى لو وُجِدَ يمكن أن يوجد في الأرض كلها واحدٌ، أو اثنان، أو ثلاثةٌ، يعني: هذا أندر من النَّادر، والفقهاء يقولون: النَّادر لا حكم له.

يعني: لو وُجِدَ واحتاج إلى قسمة الميراث سيجد مَن يقسم ميراثه.

لكن نُشير لبعض المسائل المهمة في هذا الباب؛ لأننا الآن ندرسه من الناحية النَّظرية.

فلا يخلو الخُنْثَى المُشْكِل: إمَّا أن يُرْجَى اتِّضاح حاله، كما قلنا: يكون صغيرًا لم يبلغ، فالأولى تأخير القسمة، فإن لم يقبل الورثة تأخير القسمة فإن التَّركة تُقسم، ويُعامل الخُنْثَى ومَن معه بالأَضَرِّ، وذلك بأن يُعطى كل واحدٍ منهم اليقين، ويُوقف الباقي إلى حين اتِّضاح أمره.

وإذا كان لا يُرْجَى اتِّضاح حاله، وهو مَن مات صغيرًا، أو بلغ ولم يتَّضح أمره، ولم تنكشف حالته؛ فيُعطى الخُنْثَى ومَن معه نصف ميراثه في حالتي الخُنْثَى إن ورث فيهما مُتفاضلًا، وإن ورث في إحدى الحالتين أُعْطِيَ نصف ما ورثه في تلك الحالة، أمَّا إن تساوى ميراثه فيُعطى نصيبه كاملًا.

وهذا الكلام نضرب عليه أمثلةً تطبيقيةً موجودةً لديكم في الكتاب، لكن -كما ذكرنا- باعتبار أنَّ الخُنْثَى لا يكاد يكون له وجودٌ في الوقت الحاضر، فلا داعي لأن يستغرق منَّا وقتًا على حساب مسائل أهم.

يعني: نكتفي بهذا القدر، ومَن أراد المسائل فهي موجودةٌ في الكتاب، والأمثلة التَّطبيقية والمسائل موجودةٌ في الكتاب، لكن يكاد يكون الخُنْثَى لا وجود له في الوقت الحاضر.

وفقه السلف رحمهم الله أنهم كانوا يُعْنَون بالفقه الواقعي العملي؛ ولذلك كان إذا سألهم السائل يُقال للسائل: هل وقعتْ هذه المسألة؟ فإن قال: لا. قالوا: إذا وقعتْ فاسأل.

فهذا هو المنهج الصحيح لطالب العلم: أن يُركِّز على الفقه العملي الواقعي، أما غير الواقعي فهو يُحيط به، لكن لا يُمْضِي فيه وقتًا كثيرًا؛ لأنَّ هذا سيكون على حساب مسائل أهم، مثل: مسائل الخُنْثَى المُشْكِل، ومسائل الرِّق، لا يدخل في تفاصيله، فالرِّق الآن غير موجودٍ، لكن يأخذ الأصول العامة فيها -يعني: المحاور الرَّئيسة فيها- من غير دخولٍ في التَّفاصيل.

ميراث الحمل

ننتقل بعد ذلك إلى ميراث الحمل.

أثر التَّقدم الطبي على أحكام ميراث الحمل

ميراث الحمل أيضًا مع تقدم الطبِّ أصبحت الحاجة إليه قليلةً؛ وذلك لأنَّه عن طريق الأشعة يمكن معرفة الحمل: هل هو واحدٌ أو أكثر؟ وهل هو ذكرٌ أو أنثى؟ لكن إلى أيِّ حدٍّ يمكن معرفة الحمل؟ يعني: متى يستطيع الأطباء أن يعرفوا الحمل؟ في أيِّ شهرٍ؟

في الشهر الرابع، ومعنى ذلك: أنَّ عملنا كله ينحصر في الشهر الأول والثاني والثالث، والغالب أنَّ الورثة لا يحتاجون لهذه المسائل؛ لماذا؟

ثلاثة أشهرٍ تُعتبر قصيرةً، وحتى يستخرجوا صكَّ حصر إرث الميراث والأمور النِّظامية إذا بهذه الثلاثة الأشهر قد انتهتْ، واتَّضح أمر الحمل.

لكن لو افترضنا أنَّ الورثة استعجلوا واستخرجوا الأمور النِّظامية بسرعةٍ، وقالوا: لا، ما نريد أن ننتظر ثلاثة أشهرٍ حتى يتَّضح أمر الحمل، اقسموها لنا.

إذن نحتاج إلى أن نضع القواعد، وأن نقسم التركة.

كيف نتعامل مع هذا الحمل؟

إذن أصبحت الحاجة إلى هذا الباب أقلَّ من العصور السابقة، في العصور السابقة كانت الحاجة كبيرةً؛ وذلك لأنَّ الحمل يبقى تسعة أشهرٍ في بطن أُمِّه، لكن الآن تقلَّصت الحاجة إلى ثلاثة أشهرٍ فقط، وفي الشهر الرابع يتَّضح الحمل ما هو، هل هو ذكرٌ أو أنثى أو ذَكَرَان؟ يعني: أكثر من مولودٍ.

فالحاجة الآن إلى هذا الباب أصبحت أقلَّ.

وهذه المسائل ينبغي -أيها الإخوة- أن يفطن لها طالب العلم، يعني: إذا أردتَ أن تدرس هذه الأبواب التي ذكرها الفقهاء السابقون لا بدَّ أن تُقارن بينها وبين الواقع، ما الواقع؟ لماذا؟

حتى تزن المسائل، يعني: المسائل الواقعة تُعطيها جهدًا كبيرًا، فتضبطها، وتُأَصِّلها، وتستحضرها، والمسائل غير الواقعة تضبط أصولها فقط، ما تُعطيها جهدًا كبيرًا.

يعني: مسائل نظرية، أشبه بالنَّظرية؛ الخُنْثَى المُشْكِل -كما ذكرتُ- كلها نظريةٌ، لكن الحمل قد نحتاج إليه في الأشهر الثلاثة الأولى، فلا بد أن نضبط مسائله.

تعريف الحمل لغةً واصطلاحًا

طيب، تعريف الحمل:

أولًا: تعريفه في اللغة: يُطلق على الولد في البطن، وعلى ثمرة الشجرة عليها.

واصطلاحًا: ولد الآدمية المُتوفَّى عنه وهو في بطنها ممن يَرِثُ أو يَحْجُب في جميع التَّقادير أو بعضها.

لا بدَّ أن يكون ولد آدميةٍ تُوفِّي عنه مُوَرِّثه وهو في بطن أمه، وهو إمَّا يَرِث أو يَحْجُب.

شروط إرث الحمل

الحمل في بطن أُمِّه يَرِث لكن بتحقق الشروط.

ما الشروط؟

أجمع العلماء على أنَّ الحمل يرث إذا تحققت الشروط، ويُشترط لإرث الحمل شرطان:

  • الشرط الأول: تحقق وجوده في الرحم حين موت المُورِّث ولو نطفةً.
  • الشرط الثاني: أن يُولد الحمل حيًّا، ويحيا حياةً مُستقرةً.
    فلو أنَّه وُلِدَ ميتًا لم يَرِث، لا بدَّ أن يُولد ويحيا حياةً مُستقرةً، وسنُبيِّن معنى الحياة المُستقرة بعد قليلٍ.

الشرط الأول: تحقق وجوده في الرحم حين موت المُورِّث ولو نطفة

طيب، قلنا: الشرط الأول: تحقق وجوده في الرحم حين موت المُورِّث ولو نطفةً، كيف نعرف هذا؟

قال الفَرَضِيُّون: يتحقق ذلك بأحد أمرين: إمَّا أن يُولد لأقلّ من ستة أشهرٍ من موت المُورِّث، فحينئذٍ نتحقق من أنَّ هذا الحمل موجودٌ حين موت المُورِّث.

أقل مدة الحمل

فإذا وُلِدَ لأقلّ من ستة أشهرٍ من حين موت المُورِّث تحقَّق هذا الشرط؛ لماذا؟

لأنَّ أقلَّ مدة الحمل ستة أشهرٍ، والدليل من القرآن: عندنا دليلان مُرَكَّبان، هو دليلٌ واحدٌ لكنه مُرَكَّبٌ من آيتين: قول الله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، "فصاله" يعني: إرضاعه ثلاثون شهرًا، مع قول الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، الحولان الكاملان كم شهرًا؟

أربعةٌ وعشرون شهرًا، والحمل والفِصَال ثلاثون شهرًا.

إذا طرحنا 30 - 24 = 6 أشهرٍ، يكون الفِصَال حولين: أربعةً وعشرين شهرًا، ويبقى الحمل ستة أشهرٍ.

فإن قال قائلٌ: كيف تقولون: إنَّ أقلَّ مدة الحمل ستة أشهرٍ، ونحن نجد في المستشفيات أطفالًا خُدَّج يُولدون لخمسة أشهرٍ ونصف، أو خمسة أشهرٍ وأكثر من النصف، يعني: بين النصف وستة أشهرٍ؟

فكيف نُجيب عن هذا؟

هذا واقعٌ، فالآن في المستشفيات يوجد أطفالٌ خُدَّجٌ يُولدون لخمسة أشهرٍ ونصف، فهل هذا يُعَكِّر على ما قرره الفقهاء من أنَّ أقلَّ مدة الحمل ستة أشهرٍ؟

أحد الطالب: .......

الشيخ: طيب، هل هناك جوابٌ أفضل من هذا وأوضح؟

أحد الطلاب: .......

الشيخ: لا، حياةٌ مُستقرةٌ، توجد حياةٌ مُستقرةٌ.

هناك أناسٌ الآن -ما شاء الله- مشايخ كبار، وكانت ولادتهم بعد خمسة أشهرٍ ونصف، وعاشوا -ما شاء الله- والآن هم من المُؤثِّرين في المجتمعات.

أحد الطلاب: .......

الشيخ: لا، مضبوطةٌ، لا، لا، من حيث الضبط مضبوطةٌ بدِقَّةٍ، حتى في الحمل.

الطالب: .......

الشيخ: لا، لا، يعني: نستبعد هذا، فالأطباء الآن يضبطون مدة الحمل، ويقولون: وُلِدَ لخمسة أشهرٍ ونصف.

أحد الطلاب: .......

الشيخ: لا، لا، على توقيتٍ واحدٍ، ليست مشكلةً.

أحسن جوابٍ أن نقول كما قلنا قبل قليلٍ: هذا نادرٌ، والنَّادر لا حكم له.

لا يوجد جوابٌ أحسن من هذا، هل أحدٌ عنده جوابٌ أحسن من هذا؟

لا يوجد إلا أجوبةٌ مُتكلَّفةٌ كما سمعتم؛ سمعنا أنَّ هذا ليس مضبوطًا، وأنَّ هذا كذا، هذه كلها فيها تكلُّفٌ، لكن أحسن جوابٍ أن نقول: هذا نادرٌ، والنَّادر لا حكم له، خاصةً إذا أخذنا الفترة الزمنية بين وقتنا الحاضر مع تقدم الطبِّ والقرون الماضية، فنحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري، يعني: هذا ما وُجِدَ إلَّا في وقتنا الحاضر، فهذا نادرٌ، والنَّادر لا حكم له، فهذا أحسن جوابٍ.

طيب، يتحقق الشرط الأول.

قلنا: بأمرين:

  1. بأن يُولَد لأقلّ من ستة أشهرٍ.
  2. الأمر الثاني: أن يُولَد لأكثر من ستة أشهرٍ، ودون أكثر مدة الحمل.

وهذا يقودنا أيضًا لإشكالٍ آخر:

أكثر مدة الحمل

ما أكثر مدة الحمل؟

هذه مسألةٌ شائكةٌ: أكثر مدة الحمل، اختلف فيها الفقهاء اختلافًا كثيرًا.

وأنا كنتُ كتبتُ فيها بحثًا بناءً على طلبٍ من المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي؛ لأنَّ المجمع ناقشها، وشاركتُ مع مشايخ في مناقشة هذا الموضوع، وكتبتُ فيه بحثًا، ففيها أقوالٌ كثيرةٌ:

قيل: تسعة أشهرٍ. وهذا قول ابن حزمٍ ومَن وافقه.

وقيل: إنها سنةٌ.

وقيل: سنتان.

وقيل: أربع سنين. وهذا قول الجمهور: أنها أربع سنين؛ ولذلك الإمام مالكٌ يقول: هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان تحمل أربع سنين قبل أن تلد.

وقال الشَّافعي: محمد بن عجلان بقي في بطن أمه أربع سنين.

وقال أحمد: نساء بني عجلان يحملن لأربع سنين.

لكن يَرِدُ على هذا: أنَّه وُجِدَ حَمْلٌ أكثر من أربع سنين، فبعض العلماء قال: لا حدَّ لأكثر مدة الحمل؛ لأنَّ التَّحديد بابه التَّوقيف.

أمَّا الأطباء في الوقت الحاضر فيرون أنَّ الحمل لا يمكن أن يزيد على سنةٍ، يقولون: الحمل ينمو، ولو زاد على سنةٍ انفجر البطن، ما يمكن.

فقيل لهم: ماذا تقولون في نساء بني عجلان؟ وهؤلاء العلماء -أحمد ومالكٌ والشافعي- علماء ثقاتٌ.

قالوا: هذا ليس حملًا حقيقيًّا، هو حَمْلٌ كاذبٌ؛ ينقطع الحيض عن المرأة، وينتفخ بطنها، وتظن أنَّها حاملٌ، وهي ليست حاملًا، ثم بعد ذلك في التسعة الأشهر الأخيرة تحمل وتَلِد.

هكذا فسَّر الأطباء ذلك.

يعني: ما أدري، هل هذا الجواب مُقْنِعٌ أو غير مُقْنِعٍ؟ لكن هكذا فسَّروه.

والمجمع الفقهي قرَّر قال: أكثر مدة الحمل سنةٌ من تاريخ الفُرْقَة بين الزوجين؛ لاستيعاب احتمال ما يقع من خطأ في حساب الحمل، وأيُّ ادِّعاءٍ يزيد على سنةٍ يُحال إلى القاضي للبَتِّ فيه مُستعينًا بلجنةٍ شرعيةٍ طبيةٍ.

يقولون في الوقت الحاضر: إذا وصل الحمل -ليس لسنةٍ- لعشرة أشهرٍ يتدخل الأطباء ويعملون للمرأة عمليةً قيصريةً، فلا يوجد حملٌ يصل إلى سنةٍ؛ لذلك قال المجمع: إذا وصل إلى أكثر من سنةٍ، أيُّ ادِّعاء بأكثر من سنةٍ يُحال إلى القضاء، وإلى لجنةٍ طبيةٍ شرعيةٍ.

لكن تبقى المسألة -حقيقةً- مشكلةً، يعني: هل لهذا علاقةٌ بما ذُكِرَ من أنَّ النبات أحيانًا يَضْمُر، ثم فجأةً يَنْبُت، أحيانًا عندك النبات يبقى أصفر مدةً طويلةً، ثم فجأةً ينمو، فهل له علاقةٌ بهذا الشيء؟

وأيضًا ما ذُكِرَ من تجميد بعض البُويضات، وتجميد الحيوانات المنوية، وأنها تبقى مدةً طويلةً، ثم بعد ذلك يمكن أن يحصل التَّلقيح، فهل الحمل الذي تزيد مدته له علاقةٌ بهذا؟

الله أعلم، تبقى المسألة -حقيقةً- محلَّ إشكالٍ ونظرٍ، لكنَّ المجمع الفقهي أخذ رأيًا وسطًا في هذه المسألة المُشْكِلة.

إذن هذا هو الشرط الأول، قلنا: يتحقق الشرط الأول: إمَّا بأن يُولد الحمل لأقلّ من ستة أشهرٍ، أو يُولد لأكثر من ستة أشهرٍ وأقلّ من مدة الحمل ونتركها، أكثر مدة الحمل نتركها مفتوحةً، وقلنا لكم: في الوقت الحاضر لا بدَّ أن يتدخل الطبُّ إذا وصل الحمل إلى عشرة أشهرٍ.

الشرط الثاني: أن يُولد الحمل حيًّا حياةً مُستقرةً

أمَّا الشرط الثاني فهو: أن يُولد حيًّا حياةً مُستقرةً، حتى يَرِثَ الحمل لا بدَّ أن تلده أمُّه حيًّا، ويحيا حياةً مُستقرةً.

ما معنى: الحياة المُستقرة؟

يعني: يظهر من هذا الحمل ما يدل على حياته بعد ولادته؛ كالصُّراخ والبكاء والعطاس والرضاع والحركة الكثيرة، هذه كلها تدلُّ على الحياة المُستقرة، ويدل لهذا قول النبي : إذا اسْتَهَلَّ المولود وُرِّثَ أخرجه أبو داود، وسنده جيدٌ [2].

فلا بدَّ إذن أن يُولد هذا الحمل -يخرج من بطن أُمِّه- ويظهر عليه ما يدل على الحياة المُستقرة: إمَّا صُرَاخٌ، وإمَّا رضاعٌ، وإمَّا حركةٌ كثيرةٌ، وإمَّا عطاسٌ.

يعني: لو أنه خرج من بطن أُمِّه يصرخ، ثم مات، يرث أو لا يرث؟

يرث.

لو خرج من بطن أُمِّه ورضع، ثم مات؛ يرث.

لو خرج من بطن أُمِّه وعطس، ثم مات؛ يرث.

لكن لو خرج وما خرجتْ منه أيَّة علامةٍ؛ خرج وما عطس، ولا بكى، ولا صرخ، ولا رضع، وجدناه ميتًا، هنا لا يرث، لا بدَّ أن يظهر من المولود ما يدل على الحياة المُستقرة.

فلا بدَّ إذن من تحقق هذين الشرطين لإرث الحمل:

  1. تحقق وجوده في الرحم حين موت المُوَرِّث ولو نطفةً.
  2. وأن يحيا حياةً مُستقرةً.

كيفية تقسيم التركة إذا كان فيها حملٌ

طيب، ننتقل بعد ذلك لتقسيم التركة إذا كان فيها حملٌ.

قلنا: إنَّ هذا في الوقت الحاضر تقلَّصت الحاجة إليه، أو أصبحت الحاجة إليه قليلةً بسبب تقدم الطبِّ، وأن الأطباء يستطيعون معرفة جنس الجنين ونوعه من الشهر الرابع، لكن لو أن الورثة مُستعجلون على القسمة ويقولون: ثلاثة أشهرٍ علينا ضررٌ، وفي ثلاثة أشهرٍ لو استثمرنا التركة لَحَقَّقتْ أرباحًا، اقسموها لنا يا مشايخ، نريد أن تقسموها لنا. فهنا يُجاب طلبهم.

إذا رضي الورثة بالتَّأخير هذا هو الأولى؛ احتياطًا لنصيب الحمل، وخروجًا من الخلاف.

أمَّا إذا لم يَرْضَ الورثة بتأجيل القسمة، وطالبوا بها، فهل يُمَكَّنون من ذلك؟

في هذا قولان للفقهاء:

  • منهم مَن قال: إنَّهم لا يُجابون لذلك، وإنَّما ينتظرون. هذا مذهب المالكية.
  • والقول الثاني هو قول الجمهور: أنَّ الورثة يُمَكَّنون من القسمة، ويُوقف المشكوك فيه إلى حين وضع الحمل، وهذا هو مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو القول الراجح.

والقول بأنَّهم ينتظرون قولٌ غير صحيحٍ، فهذا حقُّهم، وثلاثة أشهرٍ ربما تكون التركة كبيرةً، ولو استثمروها لكانت عليها عوائد كبيرةٌ.

فالقول الراجح إذن هو القول بأن التركة تُقسم، ويُوقف المشكوك فيه لحين وضع الحمل.

طيب، هنا كيف تُقسم التركة إذا كان فيها حملٌ؟

عامة كتب الفرائض وكتب الفقه تذكر ستة تقادير، يقولون: احتمالات الحمل ستةٌ:

  1. كونه ميتًا.
  2. وكونه ذكرًا.
  3. وكونه أنثى.
  4. وكونه ذكرين.
  5. وكونه أُنثيين.
  6. وكونه ذكرًا وأنثى.

طيب، أَلَا يحتمل أن يكون الحمل أكثر من ذلك؟ يمكن ثلاثة ذكورٍ، أو أربعةٌ، أو خمسةٌ.

يقولون: نعم، ويُجيبون بالجواب الذي ذكرتُه قبل قليلٍ، يقولون: هذا نادرٌ، والنَّادر لا حكم له.

لكنه في الزمن السابق نادرٌ، لكن في وقتنا الحاضر مع وجود المُخَصِّبات أصبح ليس نادرًا.

الآن نسمع من حينٍ لآخر: أنَّ امرأةً ولدتْ ثلاثةً أو أربعةً؛ لأن المرأة إذا أُعْطِيت المُخَصِّبات يمكن أن يتعدد الحمل.

لكن عندما ننظر لهذه التَّقادير الستة، يعني: تأمَّلتُ فيها كثيرًا، وقلتُ: لماذا نجعل ستة تقادير؟

الغرض من هذه التَّقادير الستة: الاحتياط لنصيب الحمل.

طيب، ما دام أنَّ هذا هو الغرض فنأخذ أعلى تقديرٍ ويكفي هذا، فلماذا نقول: كونه ذكرًا؟ طيب، يُغْنِي عنه كونه ذَكَرَين، ولماذا نقول: كونه أنثى؟ يُغني عنه كونه أُنْثَيين، ولماذا نقول: كونه ميتًا؟ ونحن نريد الآن الاحتياط لنصيب الحمل، ولماذا نقول: كونه ذكرًا وأنثى؟ يُغْنِي عنه كونه ذَكَرَين.

ولذلك أنا ذهبتُ إلى طريقةٍ مُختصرةٍ في كتابي، قلتُ: لا داعي لهذه التَّقديرات الستة، يمكن أن نختصرها في تقديرين فقط:

  1. كونه ذَكَرَين.
  2. وكونه أُنْثَيين.

هل هناك تقديرٌ أكثر من هذين التَّقديرين؟

لا يوجد.

تأمَّل التَّقديرات الستة التي ذكرها الفقهاء: ميتًا، ذكرًا، أنثى، ذَكَرَين، أُنْثَيين، ذكرًا وأنثى.

لا يمكن أن يزيد الميراث على نصيب ذَكَرَين، أو نصيب أُنْثَيين.

الغالب طبعًا أن نصيب الذَّكَرَين هو الأكثر، لكن في بعض المسائل قد يكون نصيب الأُنْثَيين هو الأكثر.

فيمكن أن نُقلص هذه التقادير الستة إلى تقديرين.

وهذه -من باب الأمانة والإنصاف- أشار إليها شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله في كتابه "تسهيل الفرائض"، أشار لهذه الطريقة: أنه يمكن أن يُكْتَفى بتقديرين.

أمثلةٌ تطبيقيةٌ على قسمة التركة في مسائل الحمل

طيب، نأخذ مثالًا على ذلك:

  • هالكٌ عن: زوجته حاملًا، وعمٍّ.

علمًا بأن التركة 4800 ريالٍ.

كيف تكون المسألة؟

المسألة تكون: زوجةً، وحَمْلًا، وعَمًّا.

طيب، على الطريقة المُختصرة نضع تقديرين: ذَكَرَين وأُنْثَيين.

فإذا قدَّرنا الحمل بِذَكَرَين، كيف تكون المسألة؟

تكون زوجةً وأيش؟

زوجته حاملٌ، أيش يكون؟

أحد الطلاب: .......

الشيخ: زوجةٌ، وابنان، أحسنتَ.

زوجةٌ، وابنان، وعمٌّ.

وإذا قدَّرنا الحمل بأُنْثَيين، كيف تكون المسألة؟

زوجةٌ، وبنتان، وعمٌّ. واضحٌ؟

أهمُّ شيءٍ في ميراث الحمل: أنَّك تتصور المسألة، وإذا أشكلتْ عليك خُذْ هذه الفائدة: إذا أشكلتْ عليك أيُّ مسألةٍ في الفرائض طبِّقها على نفسك.

يعني: قُلْ: أنا لو متُّ -بعد عمرٍ طويلٍ- عندي زوجةٌ، وعندي كذا، وعندي كذا، فكيف تكون المسألة؟

مباشرةً تتضح لك صورة المسألة.

إذا طبَّقتها على نفسك اتَّضحتْ لك صورة المسألة؛ لأنَّ بعض الإخوة يُشكل عليهم التَّصور، فزوجتي حاملٌ، وعمٌّ، يعني: زوجتك حاملًا، وعمًّا، كيف تكون المسألة بعد وفاتك، بعد عمرٍ طويلٍ إن شاء الله؟

إذا قدَّرنا ذَكَرَين: زوجةً، وابنين، وعمًّا.

طيب، نقسمها: زوجةٌ، وابنان، وعمٌّ.

وزوجةٌ، وبنتان، وعمٌّ.

الخطوة الأولى: قسمة المسألتين قسمةً كاملةً.

طيب، زوجةٌ، وابنان، وعمٌّ.

كم نصيب الزوجة؟

إمَّا الثمن، وإمَّا الربع، فكم تأخذ؟

الثمن؛ لوجود الفرع الوارث.

وللابنين الباقي، والعم يسقط، ما له شيءٌ.

الابن أقوى الورثة، ومَرَّتْ معنا قاعدةٌ: لا إرثَ للحواشي مع ذَكَر الفروع.

إذن أصبحت المسألة 8، يعني: 1 و8 عند المقامات، المقامات: ثُمنٌ وباقٍ.

من كم يكون أصل المسألة؟

من 8، ثمن الـ 8 = 1، والباقي 7.

انتهينا من المسألة الأولى.

نضع بجوارها في جدولٍ المسألة الثانية، ونفترض أنَّ الحمل أُنْثَيان، يعني: زوجةً، وبنتين، وعمًّا.

الزوجة كم تأخذ؟ إمَّا الثمن أو الربع، ماذا تأخذ؟

الثمن.

وللبنتين الثلثان، وللعمِّ الباقي.

وأصبحت المسألة: ثمنًا، وثلثين، وباقيًا.

المقامات 8 و3 نسبة مُباينة؛ تكون 24، 8 × 3 = 24.

طيب، كم ثُمن الـ 24؟

3، والثُّلثان 16.

دائمًا ثلثا الـ 24 احفظها 16.

طيب، 3 + 16 = 19، كم يبقى للعمِّ؟ 5.

إذن وضعنا مسألتين.

طيب، القاعدة تقول: يُنْظَر بين أصول المسألتين بالنِّسب الأربع، وحاصل النَّظر هو الجامعة.

طيب، أصل المسألة الأولى: 8، وأصل المسألة الثانية: 24.

طيب، 8 و24، ما النسبة بينهما؟

مُداخلة.

إذن تكون الجامعة 24.

طيب، الخطوة التي بعدها: تُقسم الجامعة على أصل كلِّ مسألةٍ من أجل استخراج جزء سهمها.

طيب، نقسم الآن الجامعة على أصل كلِّ مسألةٍ، يعني: 24 نقسمها على 8، و24 نقسمها على 24.

المسألة الأولى: 24 ÷ 8 كم؟

3، هذا جزء سهم هذه المسألة.

المسألة الثانية: 24 ÷ 24 = 1، هذا جزء هذه المسألة.

طيب، ماذا نعمل بعد ذلك؟

"من أجل استخراج جزء السهم" استخرجناه، "ثم تُضرب سهام المسألة في جزء سهمها فيخرج لك استحقاق صاحبها".

طيب، معنى ذلك: أننا نضرب جزء السهم في السِّهام.

هذه القاعدة احفظوها، فسنحتاج لها في درس غدٍ في المفقود، وأيضًا في الرَّدِّ وذوي الأرحام: مَن ورث في جميع المسائل مُتساويًا أخذ نصيبه كاملًا، ومَن ورث مُتفاضلًا أُعْطِيَ الأقلَّ، ومَن ورث في حالٍ دون حالٍ لم يُعْطَ شيئًا.

هذه هي القاعدة: مَن ورث -يعني: في المسألتين- مُتساويًا أخذ نصيبه كاملًا، ومَن ورث مُتفاضلًا أُعْطِيَ الأقلَّ، ومَن ورث بإحدى المسألتين، ولم يَرِثْ في المسألة الثانية؛ لم يُعْطَ شيئًا.

طيب، نُطبِّق هذا.

الآن قلنا: جزء السهم في المسألة الأولى: 3، والزوجة سهامها: 1، 3 × 1 = 3.

طيب، الزوجة في المسألة الثانية: جزء السهم 1، وسهامها 3، معنى ذلك: أنها ورثَتْ في المسألتين مُتساويًا أو مُتفاضلًا؟

مُتساويًا، 3 × 1 = 3، و1 × 3 = 3.

إذن تأخذ 3، تأخذ في حقل الجامعة 3.

أُعيد مرةً أخرى: الجامعة 24 قسمناها على 8 خرج لنا 3، جزء السَّهم.

وقسمنا 24 ÷ 24 في المسألة الثانية خرج لنا 1.

نضرب هذه النتيجة لجزء السَّهم في سهام الوارث.

الزوجة سهامها في المسألة الأولى 1، نضربه في 3 -جزء السهم 3- 3 × 1 = 3.

وفي المسألة الثانية جزء السَّهم 1 نضربه في سهم الزوجة 3.

إذن ورثت الزوجة في المسألتين مُتساويًا؛ فتأخذ 3.

طيب، ننتقل للعمِّ.

العم هل ورث مُتساويًا، أو مُتفاضلًا، أو في حالٍ دون حالٍ؟

في حالٍ دون حالٍ؛ إذن يسقط العمُّ، ما يأخذ شيئًا، نضع علامة (x).

الباقي يبقى للحَمْل موقوفًا: 24 - 3 = 21.

نُطبِّق عليها طريق النسبة فنقول: للزوجة 3 ÷ 24 × التركة التي هي 4800.

3 ÷ 24 × 4800 = 600، نصيب الزوجة 600.

الموقوف 21 ÷ 24 × 4800، يمكن أن تستخدم الآلة الحاسبة، فيخرج لك 4200، هذه موقوفةٌ إلى حين أن يتبين وضع الحمل، فإذا تبين وضع الحمل تُعاد القسمة مرةً أخرى.

هذه طريقة قسمة الحمل.

طيب، نأخذ مثالًا آخر، وإذا ما اتَّضحتْ هذه المسألة تتضح -إن شاء الله- في المثال الثاني:

  • هالكٌ عن: أُمِّه حاملًا من أبيه، وأخٍ لأمٍّ.

علمًا بأن التركة 9000 ريالٍ.

طيب، أولًا: حتى نتصور المسألة: أمك حاملٌ من أبيك، وهذا الحمل ماذا يكون بالنسبة لك؟

أخًا إذا كان ذكرًا، وأختًا إذا كانت أنثى، واضحٌ؟

فنضع مسألتين، ونفترض في المسألة الأولى أنَّ الحمل ذكران، وفي المسألة الثانية أنَّ الحمل أُنْثَيان.

فإذا افترضنا أنَّ الحمل ذَكَرَان في المسألة الأولى تكون المسألة: أُمًّا، وأخوين شقيقين، وأخًا لأمٍّ.

للأمِّ إمَّا السدس وإمَّا الثلث، كم تأخذ هنا؟

السدس؛ لماذا؟

لوجود الجمع من الإخوة.

ننتقل للأخ لأمٍّ: الأخ لأمٍّ يأخذ السدس؛ لأن المسألة كلالةٌ، لا ولد ولا والد ذكر.

والباقي للأخوين الشقيقين.

فتكون المسألة: للأمِّ السدس، وللأخ لأمٍّ السدس، والحمل له الباقي.

6 و6، من كم يكون أصل المسألة؟

6، سدس الـ 6 = 1، وللأخ لأمٍّ سدس الـ 6 = 1، وكم الباقي؟

4، لكل واحدٍ من الأخوين 2.

هذه المسألة الأولى.

المسألة الثانية: نفترض أن الحمل أُنْثَيان، يعني: أُختين شقيقتين، فكيف تكون المسألة؟

أمًّا، وأختين شقيقتين، وأخًا لأمٍّ.

فالأم كم تأخذ؟ سدس أو ثلث؟

سدس؛ لوجود الجمع من الإخوة.

وللأختين الشقيقتين الثلثان، وللأخ لأمٍّ السدس؛ لأنَّ المسألة كلالةٌ.

6 و3 و6، كم يكون أصل المسألة؟

سدس الـ 6 = 1، وثلثا الـ 6 = 4، وسدس الـ 6 = 1.

هل المسألة فيها عولٌ؟

ما فيها عولٌ، يعني: المسألة من المسائل العادلة.

طيب، إذن أصبحت عندنا مسألتان: المسألة الأولى أصلها 6، والمسألة الثانية أصلها 6 أيضًا.

ننظر لأصلي المسألتين من النسب الأربع: 6 و6 مُماثلة، إذن كم تكون الجامعة؟

6، نقسم الجامعة على أصل كلِّ مسألةٍ: 6 ÷ 6 = 1، 6 ÷ 6 = 1.

نُطبِّق القاعدة: مَن ورث في المسألتين مُتساويًا أخذ نصيبه كاملًا، ومَن ورث في المسألتين مُتفاضلًا أخذ الأقلَّ، ومَن ورث في حالٍ دون حالٍ لم يأخذ شيئًا.

نُطبِّقه على نصيب الأم: كم تأخذ؟

قلنا: 6 ÷ 6 = 1، 1 × 1 = 1، في المسألة الأولى تأخذ واحدًا.

المسألة الثانية: 6 ÷ 6 = 1، 1 × 1 = 1.

إذن نصيب الأمِّ في المسألتين مُتساوٍ، وهو واحدٌ.

طيب، الأخ لأمٍّ: أيضًا 6 ÷ 6 = 1، 1 × 1 = 1، وفي المسألة الثانية نفس الشيء: 6 ÷ 6 = 1، 1 × 1 = 1، أيضًا نصيبه في المسألتين مُتساوٍ؛ فيأخذ واحدًا.

فعندنا الأم أخذتْ واحدًا، والأخ لأمٍّ أخذ واحدًا، فكم يُوقَف للحمل؟

أربعةٌ.

نُطبِّق عليها طريق النسبة:

الأمُّ: 1 ÷ الجامعة 6 × التركة 9000 = 1500 ريالٍ للأمِّ.

الأخ لأمٍّ: 1 ÷ 6 × 9000 = 1500 ريالٍ.

الباقي: 4 ÷ 6 × 9000 = 6000 ريالٍ، هذه نُوقِفها حتى يتبين وضع الحمل، ثم تُعاد القسمة مرةً أخرى، فنُعطي الحمل نصيبه، وإذا بقي في المسألة باقٍ نُوزِّعه على بقية الورثة.

هذه طريقة توريث الحمل.

معنى ذلك: أننا نحتاط لنصيب الحمل، فقد نفترض أنَّ الحمل ذَكَرَان أو أُنْثَيان، يعني: نُقدِّر أعلى تقديرٍ ممكنٍ.

طيب، لو قال قائلٌ: إذا افترضنا هذا الافتراض، وقدَّر الله أنَّ هذه المرأة أنجبتْ ثلاثة أبناء توائم، ونحن الآن أعطينا الورثة كلَّ واحدٍ حقَّه، فكيف نعمل؟

نرجع على الورثة مرةً أخرى، نقول: أعطونا الذي أعطيناكم، ونُعيد القسمة من جديدٍ، فيرجع الحمل على الورثة، وتُعاد القسمة من جديدٍ، ويُصبح دَيْنًا على الورثة، لكن هذا نادرٌ، والنَّادر لا حكم له كما ذكرنا.

يعني: الأحكام الشرعية ينبغي أن تستقرَّ، ولا تُبْنَى على أشياء نادرةٍ، وإلَّا لو فتحتَ باب الاحتمالات والنَّادر فهذا بحرٌ لا ساحل له.

هذه هي طريقة قسمة الحمل، وأرجو منكم -أيها الإخوة والأخوات اللَّاتي يُتابعن البَثَّ- أن تأخذوا هذه المسائل وغيرها المذكورة في الكتاب وتقسموها مرةً ومرتين وثلاثًا وأربع مراتٍ؛ حتى تُتْقِنوها، وقد فهمتم الفكرة، فالفكرة هي الاحتياط لنصيب الحمل.

وبَسَّطنا لكم المسألة، قلنا: بدل ستة تقديراتٍ يكفينا تقديران: كونه ذَكَرَين، وكونه أُنْثَيين فقط، يكفينا هذان التَّقديران.

ولذلك عندكم في الكتاب قُسمت المسائل على الطَّريقتين: على الطريقة المُطوَّلة، وعلى الطريقة المُختصرة.

طيب، بقيتْ معنا أربعة أبوابٍ: ميراث المفقود، والغَرْقَى، والردّ، وذوو الأرحام.

يعني: المفقود ربما يطول الكلام عنه.

ميراث الغَرْقَى ومَن ماتوا موتًا جماعيًّا

ننتقل للغَرْقَى؛ لأنَّ الغَرْقَى الكلام عنه ليس طويلًا، ويتبقَّى المفقود والردّ وذوو الأرحام لدرس غدٍ، إن شاء الله.

الغَرْقَى: جمع غريقٍ، والغريق: مَن مات بالغرق، والمراد بهم: جماعةٌ مُتوارثون الْتَبَسَ زمن موتهم، ولم يُعْلَم أيّهم مات أولًا.

يعني باختصارٍ: مَن يموتون موتًا جماعيًّا، كأن يموتون بحادثٍ عامٍّ: كحادث سيارةٍ -مثلًا- أو بغرقٍ، أو بحريقٍ، أو تحطُّم طائرةٍ، أو غرق سفينةٍ، أو قتلى معارك، ونحو ذلك.

فالمقصود بهذا الباب: كيف نقسم الميراث في حقِّ مَن يموتون موتًا جماعيًّا وهم مُتوارثون فيما بينهم؟

حالات الغَرْقَى من حيث ترتيب الموت

للغَرْقَى ونحوهم من حيث العلم بترتيب موتهم وعدمه خمس حالاتٍ:

انتبه لهذه الحالات الخمس، فهي مهمةٌ جدًّا.

الحالة الأولى: أن يُعْلَم موتهم جميعًا في آنٍ واحدٍ؛ فلا توارث بينهم بالإجماع؛ لعدم تحقق شرط الإرث وهو: تحقق حياة الوارث بعد موت المُوَرِّث، وهذا صعبٌ التَّحقق منه: أن يموتوا في نفس الثانية، في نفس اللحظة، هذا صعبٌ، لكنه احتمالٌ، فإذا عُلِمَ أنَّهم ماتوا جميعًا في آنٍ واحدٍ فلا توارث بينهم بالإجماع.

الحالة الثانية: أن يُعْلَم المُتأخِّر بعينه، ولا يُنْسَى، فالمُتأخِّر يرث المُتقدِّم بالإجماع، حتى لو كان التَّأخر بنصف دقيقةٍ.

مثلًا: في حادث سيارةٍ شهد شاهدان أن هذا مات بعد هذا بنصف دقيقةٍ، فالمُتأخِّر يرث المُتقدِّم، بل حتى لو كان بِثَوَانٍ المُتأخِّر يرث المُتقدِّم بالإجماع.

يبقى الإشكال في الحالة الثالثة، والرابعة، والخامسة.

الحالة الثالثة: أن يُعْلَم المُتأخِّر بعينه، ثم يُنْسَى.

الحالة الرابعة: أن يُعْلَم المُتأخِّر لا بعينه.

الحالة الخامسة: أن يُجْهَل الأمر -وهذا هو الغالب- فلا يُعلم المُتأخِّر من المُتقدِّم.

أقارب ماتوا في حادث سيارةٍ، وقيل لمَن حضر من الشهود: مَن الذي مات أولًا؟ قال: والله ما أدري، لكن أنا أعرف أنَّ بعضهم مات أولًا، ثم مات أناسٌ بعدهم. مَن؟ قال: والله نسيتُ، أو أنا ما أدري.

وهذا -يعني- قد يكون في موقع الحادث، لكن إذا وصل إلى المستشفى فالمستشفيات يعرفون مَن مات أولًا، يُحددونه بالدقيقة والثانية، لكن قبل أن يصل إلى المستشفى ربَّما يلتبس الأمر، وهذا هو الواقع.

ومثل: تحطُّم الطائرات ما يُدْرَى أيّهم مات أولًا، وغرق السفينة لا يُدْرَى أيّهم مات أولًا، والقتلى في المعارك لا يُدْرَى أيّهم مات أولًا.

إذن الخلاف إنَّما هو في الحالة الثالثة والرابعة والخامسة: أن يُعْلَم المُتأخِّر بعينه ثم يُنْسَى، أو يُعْلَم المُتأخِّر لا بعينه، أو يُجْهَل الأمر.

فهل يتوارثون -هؤلاء الأقارب- أو لا يتوارثون؟

رجلٌ وابنه في سيارةٍ حصل لهما حادثٌ، والابن يرث الأب، والأب يرث الابن، لكن لا يُعْلَم أيّهما مات أولًا، جُهِلَ الأمر، فهل يتوارثان أو لا يتوارثان؟

الخلاف الفقهي في التَّوارث بينهم

للفقهاء قولان في هذه المسألة:

القول الأول: أنَّهم يتوارثون، وهذا قد رُوِيَ عن عمر وعليٍّ وابن مسعودٍ ، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، وهو من المُفردات.

وإذا قيل: من المُفردات، ماذا يعني هذا المصطلح؟

أحد الطلاب: .......

الشيخ: انفرد به الحنابلة عن بقية المذاهب، معنى ذلك: أن الحنفية والمالكية والشافعية على قولٍ آخر.

القول الثاني: أنَّهم لا يتوارثون فيما بينهم، وإنَّما يكون ميراثهم لورثتهم الأحياء.

وقد رُوِيَ هذا القول عن أبي بكرٍ الصديق، وزيد بن ثابتٍ، وابن عباسٍ ، وهذا قول جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة.

أصحاب القول الأول -القائلون بأنَّهم يتوارثون- استدلُّوا بما رُوِيَ عن الشَّعبي كما في "السنن الكبرى" للبيهقي؛ روى البيهقي في "السنن الكبرى" عن الشعبي قال: وقع الطاعون بالشام عام عمواس، فجعل أهل البيت يموتون من آخرهم، فكتب عمر: أن وَرِّثوا بعضهم من بعضٍ [3]، ولكنَّ هذا الأثر ضعيفٌ، لا يصحُّ؛ ففيه انقطاعٌ، ولو صحَّ يُحْمَل على الحالة الثانية المُجْمَع عليها، وهي: أن يُعْلَم المُتأخِّر بعينه ولا يُنْسَى؛ لأنَّ هذا هو الظَّاهر عند الموت بالطاعون.

ورُوِيَ عن عمر أيضًا خلاف هذا القول، وليس أحد قوليه بأولى من القول الآخر؛ إذن لا يستقيم هذا الاستدلال.

ثانيًا: قالوا: إنَّ الأصل حياة كل واحدٍ منهما، وموته بعد صاحبه مشكوكٌ فيه، فلا يُترك الأصل المُتيقَّن لأمرٍ مشكوكٍ فيه؛ فيتوارثون.

وأُجيبَ عن هذا بأنَّ هذا الأصل مُعارَضٌ بأصلٍ آخر، وهو: أنَّ الأصل عدم التَّوارث.

أنتم تُعطوننا أصلًا فنُعطيكم أصلًا آخر أيضًا يُعارضه، وهو: أنَّ الأصل عدم التَّوارث، وسبب التَّوارث -وهو تأخر حياة أحدهما عن الآخر- مشكوكٌ فيه، فلا يُعْدَل عن الأصل المُتيقَّن لأمرٍ مشكوكٍ فيه، وليس أصلكم بأولى من أصلنا، أنتم ذكرتُم أصلًا، ونحن ذكرنا أصلًا.

الأقيسة العقلية من السَّهل ردُّها، والمُعوَّل عليه هو الأدلة من الكتاب والسنة، ثم الآثار عن الصحابة.

قالوا أيضًا: إنَّ في منع التَّوارث قطع توريث المُتأخِّر موتًا من المُتقدِّم موتًا، وهذا خطأٌ، ولا يستقيم.

وأُجيبَ بأنَّ تأخر موت أحدهما عن الآخر -على فرض وجوده- مجهولٌ، والمجهول كالمعدوم.

أمَّا الجمهور -الذين قالوا: إنَّهم لا يتوارثون- فقد استدلُّوا بأن قتلى المعارك في صدر الإسلام -مثل: معركة اليمامة وصفِّين والحرَّة- لم يُوَرَّث بعضهم من بعضٍ، بل جُعِلَ إرثهم لورثتهم الأحياء، وهذا أمرٌ قد استفاض عند الصحابة.

أيضًا استدلُّوا بأثرٍ أخرجه الدَّارمي والحاكم والبيهقي: أنَّ أمَّ كلثوم بنت علي بن أبي طالبٍ، مَن زوجها؟

زوجها عمر بن الخطاب، فعمر بن الخطاب تزوج بنت عليٍّ.

لاحظ العلاقة القوية بين عمر وعليٍّ رضي الله عنهما؛ فعليٌّ زوَّج بنته أمَّ كلثومٍ لعمر، فانظر إلى العلاقة القوية بين الصحابة .

فأمُّ كلثوم بنت عليِّ بن أبي طالبٍ تزوَّجها عمر، وأنجبتْ له ابنًا اسمه: زيدٌ، وتُوفيت هي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في يومٍ واحدٍ، ولم يُدْرَ أيّهما مات قبل؛ فلم ترثه، ولم يرثها [4].

وأيضًا علَّلوا قالوا: إنَّ من شروط الإرث: تحقق حياة الوارث بعد موت المُوَرِّث، وهذا الشرط غير مُتحققٍ هنا، بل مشكوكٌ فيه، ولا إرث مع الشَّك.

وأيضًا قالوا: إنَّ توريث بعضهم من بعضٍ يلزم منه التَّناقض؛ إذ مُقتضى كون أحدهما وارثًا أن يكون مُتأخِّرًا، ومُقتضى كونه مُوَرِّثًا أن يكون مُتقدِّمًا، فيكون كل واحدٍ منهما مُتأخِّرًا مُتقدِّمًا في الوقت نفسه، وهذا تناقضٌ.

التَّرجيح والعمل المعاصر

القول الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، وهو قول الجمهور، وهو: أنَّ مَن يموتون موتًا جماعيًّا، ويلتبس زمن موتهم: أنَّهم لا يتوارثون؛ لقوة دليله، فإنَّ هذا هو المُستفيض عند الصحابة .

وأيضًا ما ذكروه من التَّعليلات قويٌّ، فيُشترط للإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المُوَرِّث، وهذا الشرط غير مُتحقِّقٍ هنا.

واختار هذا القول المُوفَّق ابن قُدامة، واختاره المجد ابن تيمية -الجد- والحفيد أبو العباس ابن تيمية، واختاره أيضًا الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، واختاره أيضًا مشايخنا: شيخنا ابن باز، وشيخنا ابن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع.

وهذا القول الآن عندنا في المملكة العربية السعودية هو المُفْتَى به، وهو الذي عليه العمل أيضًا.

وعلى هذا إذا قلنا: إنَّهم لا يتوارثون؛ ينتهي هذا الباب، وما نحتاج إلى القسمة، إذا التبس زمن موتهم لا يتوارثون.

لكن على قول الحنابلة ومَن وافقهم: أنَّهم يتوارثون؛ هناك طريقةٌ يذكرونها شبيهةٌ بطريقة المُناسخات: يجعلون المال تِلَادًا؛ يعني: قديمًا وطريفًا -جديدًا- ولهم في هذا طريقةٌ في القسمة -يعني- مُطوَّلةٌ هي نفس طريقة المُناسخات المُطوَّلة.

ويمكن أن تُجْعَل منها طريقةٌ مُبَسَّطةٌ هي نفس طريقة المُناسخات المُبَسَّطة.

وهذه الطريقة تطبيقاتها موجودةٌ في الكتاب، لكن ما دُمْنَا رجَّحنا قول الجمهور، وترجيحه أيضًا بَيِّنٌ، يعني: الخلاف في هذه المسألة ليس قويًّا، وترجيح قول الجمهور ترجيحٌ ظاهرٌ وبَيِّنٌ، وعليه أكثر العلماء المعاصرين الآن، وعليه العمل، وعليه الفتوى في معظم بلدان العالم الإسلامي، فلا نحتاج إلى القسمة على القول الأول، ومَن أراد القسمة على القول الأول فهي موجودةٌ في الكتاب.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

^1 رواه مسلم: 2699.
^2 رواه أبو داود: 2920.
^3 رواه بهذا اللفظ سعيد بن منصور في "سننه": 232، ورواه البيهقي في "السنن الكبرى": 12381 بنحوه.
^4 رواه الدارمي في "مسنده": 3089، والحاكم في "مستدركه": 8247، والبيهقي في "السنن الكبرى": 12384.
zh