جدول المحتويات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
ربنا آتنا من لدنك رحمةً، وهيء لنا من أمرنا رشدًا.
أيها الإخوة، شرحنا في الدرس السابق: أصحاب الثلث، وأصحاب السدس، وأحكام الحجب والتعصيب.
أحب أن أطرح أسئلةً في بعض ما شُرح؛ لأجل التأكُّد من ضبط ما تم شرحه:
سؤالٌ: يشترط لإرث الإخوة لأمٍّ أن تكون المسألة كَلَالةً؛ فما معنى "كلالة"؟
نعم، من لا ولد له، ولا والد ذكرٌ، من لا ولد له، سواءٌ كان ذكرًا أو أنثى، ولا والد ذكرٌ.
طيب، وقلنا: إن قول الله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].
قلنا: إن المراد بالأخ والأخت هنا: الإخوة لأمٍّ؛ فما الدليل لذلك؟ نعم، قراءة سعد بن أبي وقاصٍ ، قد يُعترض عليها بأنها ليست من القراءات المتواترة.
هل هناك دليلٌ آخر؟ الإجماع، أجمع العلماء على أن المقصود بالأخ والأخت هنا: الإخوة لأمٍّ.
ذكرنا من قواعد الحجب والحرمان: أن مَن أدلى بواسطةٍ؛ حُجبته تلك الواسطة، لكن هذه القاعدة يُستثنى منها مسألتان، ما هما؟
نعم، أولاد الأم يرثون مع الأم، مع أنهم أَدْلَوا بها.
والمسألة الثانية: أم الأب، ترث مع الأب مع كون الأب هو الذي أدلى بها.
تتمة باب الحجب
طيب، نكتفي بهذا القدر، وننتقل بعد ذلك للمسألة المشرَّكة:
المسألة المشرَّكة
وهذه المسألة يضبطها القواعد التي ذكرناها، لكنَّ الفرضيِّين يخصُّونها بالذكر؛ لأهميتها من جهةٍ، ولغرابتها من جهةٍ أخرى، خاصةً على القول بأن الإخوة الأشقاء لا يرثون، وأن الإخوة لأمٍّ يرثون.
هذه المسألة تُسمَّى "المُشَرَّكة"، وتسمَّى أيضًا "المشترَكة"، وأيضًا تسمَّى بـ"الحماريَّة"، وتسمَّى بـ"اليَمِّيَّة"، وتسمَّى بـ"الحَجَريَّة".
"المشرَّكة" و"المشترَكة"؛ لأن من العلماء من قال بالتشريك بين الإخوة الأشقاء والإخوة لأمٍّ.
و"الحماريَّة" لِما روي أن الإخوة الأشقاء أتوا -قيل: لزيد بن ثابتٍ، وقيل: لعمر رضي الله عنهما- فقالوا: هب أن أبانا كان حِمارًا [1]، يعني: اعتبِرنا إخوةً لأمٍّ، لا تعتبرنا إخوةً أشقاء، هب أن أبانا كان حمارًا.
وسمِّيت: "يَمِّيَّةً"؛ لأنهم قالوا: هَبْ أنَّ أبانا أُلقي في اليم، وسمِّيت: "حجريَّةً"؛ لأنهم قالوا: هب أن أبانا كان حجرًا، وهذه القصة: "هب أن أبانا كان حمارًا"، "هب أن أبانا كان حجرًا"، "هب أن أبانا ألقي في اليم" لا تثبت عن عمر بن الخطاب ، فقد رُويت عن عمر لكن بسندٍ ضعيفٍ.
رُوي عن عمر أنه أولًا ورَّث الإخوة لأمٍّ، ولم يورِّث الأشقَّاء، فأتى إليه الإخوة الأشقاء وقالوا له: اعتبرنا إخوةً لأمٍّ، وهب أن أبانا كان حمارًا، وهب أن أبانا كان حجرًا، وهب أن أبانا ألقي في اليم.
فهذه القصة لا تثبت، وأن عمر رجع لمَّا قالوا هذا الكلام وقال بتشريكهم، هذه القصة لا تثبت.
والمحفوظ عن عمر أنه قال بالتشريك ابتداءً.
ما هي "المسألة المشرَّكة"؟
"المسألة المشرَّكة" لها أربعة أركانٍ:
- زوجٌ.
- وذات سدسٍ، يعني أُمًّا أو جدةً، ذات سدس: إما أمٌّ، وإما جدةٌ.
- وإخوةٌ لأمٍّ.
- وإخوةٌ أشقاء (أخٌ شقيقٌ فأكثر).
إذنْ: زوجٌ، وذات سدسٍ (إمّا أمٌّ، وإما جدةٌ)، وإخوةٌ لأمٍّ، اثنان فأكثر، وأخٌ شقيقٌ فأكثر.
مذاهب العلماء في قسمة المشرَّكة
طيب، مذاهب العلماء في قسمة هذه المسألة المشرَّكة:
للفقهاء فيها قولان مشهوران:
- القول الأول: أن الإخوة الأشقاء يَسقطون في هذه المسألة ولا يرثون شيئًا، وهذا هو المذهب عند الحنفية والحنابلة.
فتكون قسمة المسألة عندهم: الزوج كم يأخذ؟ النصف، وذات السدس (الأم أو الجدة): السدس، والإخوة لأمٍّ: يأخذون الثلث.
إذا أخذ الإخوة لأمٍّ الثلث؛ ما تبقَّى في المسألة شيءٌ؛ معنى ذلك: أن الأخ الشّقيق أو الإخوة الأشقاء لا يرثون شيئًا؛ لأننا أعطينا الزوج النصف، فبقي النصف، أعطينا الأم أو الجدة السدس، ما يتبقَّى في المسألة إلا ثلثٌ؛ إذا أخذه الإخوة؛ لم يتبقَّ شيءٌ للإخوة الأشقاء.
فأصحاب هذا القول يقولون: إن الإخوة الأشقاء يَسقطون، والإخوة لأمٍّ يرثون.
- القول الثّاني في المسألة: أن الإخوة الأشقاء يشتركون مع الإخوة لأمٍّ في الثلث، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية، وهذا هو المحفوظ عن عمر -كما ذكرنا- وعن عامة الصّحابة؛ كابن مسعودٍ وزيد بن ثابتٍ وعثمان وابن عباسٍ ، بل هو المنقول عن جميع الصحابة ، إلا روايةً رُويت عن عليٍّ أنه قال بعدم التشريك، ولكن هذه الرواية سندها ضعيفٌ [2].
إذنْ القول الثاني -وهو القول بالتشريك- يكاد يكون إجماعًا من الصحابة ، وهو أيضًا المنقول عن عامة التابعين، فيكاد يكون إجماعًا من الصحابة ومن التابعين.
استدل القائلون بأن الأشقاء يَسقطون في هذه المسألة؛ قالوا: يدل على ذلك عموم الأدلة الدالة على إعطاء أصحاب الفروض فروضهم، والباقي لأَولَى رجلٍ ذَكَرٍ؛ ومنها: قول النبي : أَلْحِقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأَوْلَى رجلٍ ذَكَرٍ [3]، قالوا: فإذا ألحقنا الفرائض بأهلها في هذه المسألة؛ فإن الزوج: له النصف، والأم أو الجدة: السدس، والإخوة لأمٍّ: الثلث، ولا يبقى شيءٌ لأَولَى رجلٍ ذكرٍ، فنحن طبقنا الحديث.
وقالوا: إن قواعد الميراث تقتضي أن العاصب يَسقط عند استغراق فروض التركة، وفي هذه المسألة استُغرقت الفروض التركة؛ فيسقط الإخوة الأشقاء؛ لكونهم عصبةً.
أما أصحاب القول الثاني -وهم القائلون بالتشريك بين الإخوة الأشقاء والإخوة لأمٍّ- فقالوا: إن هذا القول إجماعٌ من الصحابة والتابعين، وهم أعلم الناس بشريعة الله، وأعلم الناس بمراد الله ومراد رسوله ، بل لم يُنقل عن أحدٍ من الصحابة أنه قال بإسقاط الإخوة الأشقاء، سوى روايةٍ عن عليٍّ ، وهي ضعيفةٌ لا تصح، وهو أيضًا المنقول عن عامة التابعين، وهذا من أقوى أدلتهم، كما ترون هذا الدليل دليلٌ قويٌّ.
وأيضًا عللوا فقالوا: إن الإخوة الأشقاء هم إخوة للميت من أمه وأبيه، والإخوة لأمٍّ إخوةٌ للميت من أمه؛ فكلهم إخوةٌ للميت لأمه، ويزيد الأشقاء بأنهم إخوته لأبيه، وذلك لا يزيدهم إلا قربًا.
ثم أيضًا قالوا: إن الإخوة الأشقاء أقرب للميت من الإخوة لأمٍّ، وأي إنسانٍ بفطرته السليمة لو قيل له: هل الأقرب لك إخوتك الأشقاء أو الإخوة لأمٍّ؟ فبماذا سيجيب؟ الإخوة الأشقاء.
الإخوة الأشقاء أقرب للإنسان من الإخوة لأمٍّ، فإسقاط الإخوة الأشقاء وتوريث الإخوة لأمٍّ لا يتفق مع ما هو معلومٌ من الشريعة من أن الوارث كلما كان أكثر قربًا من الميت؛ كان أحق بالإرث ممن هو أبعد منه.
والراجح -والله أعلم- في هذه المسألة: هو القول الثاني، وهو القول بالتشريك؛ لأن هذا هو قول عامة الصحابة والتابعين، بل حُكي الإجماع عليه، ولا شك أنهم أعلم الأمة بقواعد الميراث وأصوله، ولن يكون أحدٌ ممن يأتي بعدهم أعلم منهم بذلك.
ثم أيضًا هو المحفوظ عن عمر ، وهو أحد الخلفاء الراشدين ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين [4].
ثمّ إن هذا هو الذي تقتضيه الفطرة السليمة: أن الأشقاء أقرب للإنسان من إخوته لأمه، فكيف يرث الإخوة لأمٍّ، ويسقط الإخوة الأشقاء؟! هذا بعيدٌ.
فالأقرب -والله أعلم- هو القول بالتشريك، فنعتبر الإخوة الأشقاء كأنهم إخوةٌ لأمٍّ، فيشتركون جميعًا في الثلث بالتساوي؛ يتساوى ذَكَرهم وأنثاهم في ذلك.
وهذه المسألة -أيها الإخوة- من المسائل التي لم يَرِد فيها نصٌّ صريحٌ، وينبغي لطالب العلم في المسائل التي يقع فيها الخلاف، ولا يَرِد فيها نصٌّ يحسمها من الكتاب أو السنة؛ أن يرجع لفهم الصحابة والتابعين؛ لأن الصحابة والتابعين هم أعلم الأمة بشريعة الله، وأعلم الناس بمراد الله ومراد رسوله ، وهم أيضًا أعلم الأمة بمقتضى اللغة العربية، وهم أعلم الأمة أيضًا بقواعد الميراث وبأصول الميراث.
فكون عامة الصحابة والتابعين يذهبون لهذا الرأي؛ لا شك أن هذا يعطيه قوةً، وأن ما عَلل به أصحاب القول الأول لا يقف في مقابلة هذه الآثار الكثيرة عن الصحابة والتابعين.
على هذا: نريد أن نقسِّم المسألة على القولين، لكن يبقى القول الأول قولًا قال به فقهاء كبارٌ، ونحترمهم، وأيضًا نحترم قولهم، ونريد أن نقسِّم المسألة على القولين؛ على القول الأول بعدم التشريك، وعلى القول الثاني بالتشريك.
فعلى القول الأول بعدم التشريك:
- الزوج يكون له النصف، والأم أو الجدة: السدس، والإخوة لأمٍّ: الثلث، والإخوة الأشقاء يسقطون.
طيب، نريد أن نقسم المسألة على القول الثاني، وهو القول بالتشريك:
- الزوج كم له؟ النصف، والأم أو الجدة: السدس، والإخوة لأمٍّ: يشتركون مع الإخوة الأشقاء في الثلث، نعتبر الأشقاء والإخوة لأمٍّ كأنهم إخوةٌ لأمٍّ جميعًا.
وتكون مقولة: هب أن أبانا كذا من حيث الأصل صحيحةً، نعتبرهم كأنهم إخوةٌ لأمٍّ، هذا هو الأقرب والتحقيق في هذه المسألة.
وكنت أنا فيما سبق على القول الأول، وهو القول بعدم التشريك، حتى وقفت على هذه الآثار الكثيرة فعجبت من كثرتها، وأنها تكاد تكون إجماعًا من الصحابة والتابعين، فأصبحت أرجح بعد ذلك القول الثاني، وهو القول بالتشريك؛ نظرًا لهذه الآثار؛ لأنها كلها -كل الآثار- على التشريك، ولا شك أن فهم الصحابة والتابعين الأقرب للصواب ممن جاء بعدهم.
هذا حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
مسألة: ميراث الجد مع الإخوة
بقي معنا في فقه المواريث وفقه الفرائض: مسألةٌ واحدةٌ، وهي: مسألة ميراث الجد مع الإخوة.
وهذه المسألة تابعةٌ لباب الحجب، لكنَّ الفرضيِّين يُفردونها ببابٍ لأهميتها ولكثرة الخلاف فيها.
والمقصود بالجد في هذه المسألة: الجد الصحيح الذي لم يدخل في نسبته للميت أنثى، وإنما قلنا بذلك؛ احترازًا من الجد غير الصحيح، وهو من كان في نسبته للميت أنثى؛ كأب الأم، فأب الأم غير وارثٍ، يُعتبر من ذوي الأرحام، ليس عاصبًا، وإنما هو من ذوي الأرحام، وهو غير مقصودٍ في هذه المسألة.
وإذا عرفنا المقصود بالجد: الجد الصحيح الذي لم يدخل في نسبته للميت أنثى.
طيب، ما المراد بالإخوة في هذا الباب؟
المراد بالإخوة في هذا الباب: الإخوة الأشقَّاء والإخوة لأبٍ، ولا يدخل في ذلك الإخوة لأمٍّ؛ فإنهم محجوبون بالجد بالإجماع، وهذه المسألة لمَّا وقعت في عهد الصحابة تَحَرَّج كثيرٌ منهم من الفتيا فيها، لكنَّ علماء الصحابة رأوا أنه لا بد من إفتاء الناس فيها.
أقوال العلماء في ميراث الجد مع الإخوة
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
- القول الأول: أن الجد يُسقِط جميع الإخوة من جميع الجهات، سواءٌ أكانوا أشقَّاء أو لأبٍ أو لأمٍّ، ذكورًا كانوا أو إناثًا، أيْ أننا نعتبر الجد كالأب تمامًا؛ فلا إرث للإخوة مع الجد، وهذا القول مأثورٌ عن أبي بكرٍ الصديق، وعن ابن عباسٍ وابن الزبير ، قال البخاري في "صحيحه": "وقال أبو بكرٍ وابن عباسٍ وابن الزبير: الجد أبٌ.."، قال البخاري: "ولم يُذكر أن أحدًا خالف أبا بكرٍ في زمانه وأصحابُ النبي متوافرون" [5]؛ ولذلك عُدَّ إجماعًا من الصحابة في زمن أبي بكرٍ على أن الجد كالأب وأنه يُسقِط جميع الإخوة.
ولكن الواقع: أن الخلاف مشهورٌ بين الصحابة ، فقد اشتَهر عن زيد بن ثابتٍ، وكذلك عن علي بن أبي طالبٍ وابن مسعودٍ أنهم قالوا باشتراك الإخوة الأشقاء مع الجد؛ ولهذا كان ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: "أَلَا يتقي اللهَ زيدٌ؟! يجعل ابن الابن ابنًا، ولا يجعل أبا الأب أبًا!"، وهذا يدل على أن زيد بن ثابتٍ كان يخالف في هذه المسألة؛ فلا تصح حكاية الإجماع. - القول الثاني: أن الجد لا يحجب الإخوة الأشقَّاء أو لأبٍ، بل يرثون معه على تفاصيل في ذلك، وهذا قد رُوي عن علي بن أبي طالبٍ، وعن ابن مسعودٍ، وعن زيد بن ثابتٍ ، وهذا القول أيضًا هو الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، بينما القول الأول قال به الحنفية فقط.
القول الأول -أن الجد كالأب يُسقِط الإخوة- قال به الحنفية، وروايةٌ عند الحنابلة، لكن القول الثاني قال به الجماهير من المالكية والشافعية والحنابلة في الرواية المشهورة.
نأتي للأدلة:
- استدل أصحاب القول الأول، وهم القائلون بأن الجد كالأب يُسقِط جميع الإخوة، قالوا: إن الله سبحانه سمَّى الجدَّ أبًا؛ كما في قوله سبحانه: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [الحج:78]، وكما في قوله عن يوسف : وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ [يوسف:38]، فسمَّى الله الجد أبًا؛ وهذا يجعل الجد كالأب في حجب الإخوة.
- ثانيًا: قول الله تعالى في آخر سورة النساء: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، وهذه الآية نزلت في الإخوة الأشقَّاء والإخوة لأبٍ.
وجه الدلالة: أن الآية اشترطت في إرثهم كون المسألة كلالةً، والكلالة كما مر معنا: مَن لا ولدَ له ولا والدَ ذَكَرٌ، فيكون هذا حينئذٍ، ويَدخل في ذلك الجد، فيكون هذا شرطًا لإرث الإخوة.
- أيضًا استدلوا بقول النبي : أَلْحِقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأَوْلَى رجلٍ ذَكَرٍ [6]، والحديث في "الصحيحين".
قالوا: فإذا اجتمع عندنا جدٌّ وأخٌ؛ فإن الجد يُعتبر أَوْلى رجلٍ ذكرٍ؛ فهو أولى من الأخ؛ بدليل المعنى والحُكم؛ أما المعنى: فلأن له قرابة إيلاجٍ بعضيَّةً، وأما الحكم: فإن الفروض إذا استغرقت التركة؛ سقط الأخ، بخلاف الجد فإنه لا يَسقط، بل يُفرض له السدس. - أيضًا من أدلتهم: ما أشار إليه ابن عباسٍ رضي الله عنهما في قوله: "أَلَا يتقي الله زيدٌ؟! يجعل ابن الابن ابنًا، ولا يجعل أبا الأب أبًا!"، قالوا: إن ابن الابن يُنزَّل منزلة الابن؛ فأب الأب ينبغي أن يُنزَّل منزلة الأب ولا فرق بينهما؛ فهُما عمودَا النَّسب.
- وأيضًا استدلوا بالإجماع، إجماع الصحابة في زمن أبي بكرٍ ، وهذا ناقشناه وقلنا: إنه لا تصح حكاية الإجماع.
أما أصحاب القول الثاني -القائلون بأن الإخوة يشتركون في الميراث مع الجد وهم الجمهور- فقالوا: إن الإخوة ثبت إرثهم في الكتاب؛ فلا يُحجبون إلا بنصٍّ أو إجماعٍ أو قياسٍ، ولا يوجد شيءٌ من ذلك.
وقالوا أيضًا: الإخوة والجد تساووا في سبب الاستحقاق؛ فيتساوون في الاستحقاق؛ لأن الجد والأخ يُدلِيَان بالأب؛ فالجد أبوه، والأخ ابنه، وقرابة البنوَّة لا تَنقص عن قرابة الأبوَّة.
والأقرب -والله أعلم- والراجح في هذه المسألة: القول الأول، وهو أن الجد كالأب، وأنه يحجب الإخوة؛ لقوة أدلته، وكما ترون أدلتهم أولًا أدلةً من القرآن ومن السنة، وأيضًا الإجماع الذي ذُكر في زمن أبي بكرٍ الصديق .
وأما أصحاب القول الثّاني فأدلتهم -كما ترون- أقْيِسَةٌ وتعليلاتٌ؛ فقولهم: إن ميراث الإخوة ثبت بالكتاب فلا يُحجبون إلا بنصٍّ من كتابٍ أو إجماعٍ أو قياسٍ؛ فيجاب عنه بأنه قد دل القرآن والقياس على أن الجد أبٌ -كما سبق- فيُنزَّل منزلة الأب، وقولهم: إنهم تساوَوا في سبب الاستحقاق، فلا يُسلَّم بذلك؛ فإنه ليس كل تعصيبٍ تتساوَى معه العَصَبة في الإرث.
وعلى هذا فالقول الراجح: هو القول الأول، وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه "أعلام الموقعين" عشرين دليلًا في ترجيح القول الأول: وهو أن الجدّ كالأب، وأنه يُسقط الإخوة، فهذا هو القول الراجح.
على هذا: إذا جاءت مسألةٌ فيها جدٌّ وإخوةٌ؛ نُسقِط الإخوة تمامًا، يعني لا يرث الإخوة شيئًا، نعتبر الجد كأنه أبٌ، فلا يرث الإخوة سواءٌ كانوا أشقَّاء أو لأبٍ أو لأمٍّ، لا يرثون مع الجد شيئًا، هذا هو الأقرب، وهو المختار عند كثيرٍ من المحققين من أهل العلم، وهو عندنا في المملكة العربية السعودية هو المفتَى به، وهو الذي عليه العمل أيضًا في المحاكم.
أما كيفية توريث الإخوة مع الجد عند القائلين بالتوريث عند أصحاب القول الثاني: فقد اختلفوا، وهذا مما يُضعِف هذا القول، يعني ليسوا على طريقةٍ واحدةٍ؛ فهناك طريقة علي بن أبي طالبٍ، وهناك طريقة ابن مسعودٍ، وهناك طريقة زيد بن ثابتٍ، رضي الله عنهم، هناك عدَّة طرقٍ في التوريث، وإن كانت المذاهب الثلاثة: المالكية والشافعية والحنابلة، أخذوا بطريقة زيد بن ثابتٍ، لكن تبقَى طريقة عليٍّ وطريقة ابن مسعودٍ أيضًا، وعليٌّ أحد الخلفاء الراشدين، وابن مسعودٍ من كبار فقهاء الصحابة .
وتفاصيل هذه الطرق موجودةٌ في كتب الفرائض، والوقت لا يتسع لشرحها، لكنها موجودةٌ، وما دمنا رجَّحنا القول بعدم التشريك؛ فلا نحتاج إلى أن ندخل في تفاصيل تلك الطرق؛ لأن تفاصيل تلك الطرق بناءً على القول المرجوح، لكن من أراد الاستزادة؛ فهي موجودةٌ في عامة كتب الفرائض، والوقت في هذه الدورة محدودٌ.
ونكتفي بهذا القدر في عرض هذه المسألة، ومن أراد مزيدًا من التفصيل ومعرفة هذه الطرق؛ فليرجع لكتب الفرائض، فسيجدها مفصَّلةً فيها.
إذنْ نَخلُص من هذا إلى أن الجد يَحجب الإخوة، وأنه كالأب تمامًا، فلا يرث الإخوة مع الجد شيئًا.
بهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن فقه الفرائض.
حساب الفرائض
وننتقل بعد ذلك إلى حساب الفرائض، وهو الجانب التطبيقي، وهو الذي يعطينا الثمرة من دراستنا لفقه الفرائض.
وهذا الجانب أو القسم -حساب الفرائض- هو الذي ذكرته في هذا الكتاب: "تسهيل حساب الفرائض"، وإن شاء الله لعل فقه الفرائض يضاف له بإذن الله في كتابٍ قادمٍ يشمل الفقه والحساب بإذن الله تعالى.
تعريف الحساب لغةً واصطلاحًا
فنبدأ على بركة الله في حساب الفرائض، نبدأ أولًا بتعريف الحساب:
و"الحساب": مصدر حَسَبَ يَحسُب حِسَابًا، ويطلق على العدد والإحصاء، ومنه قول الله تعالى: وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن:5].
وفي الاصطلاح العامِّ: قواعد وأصولٌ يُتوصل بها إلى استخراج المجهولات العددية؛ كالجمع والطرح والضرب والقسمة.
أما معنى الحساب في اصطلاح الفرضيِّين: فهو تأصيلُ مسائلِ الفرائض، وتصحيحها، وقسمة التَّرِكات.
وهذا العلم علمٌ مهمٌّ له أهمِّيَّته، خاصةً في علم الفرائض؛ ولذلك من أراد أن يتقن علم الفرائض؛ فلا بد أن يتعلم علم الحساب، ومن ذلك: أن يحفظ جدول الضرب، حِفْظه مهمٌّ، وإن كان في الوقت الحاضر أصبحت تُغني عنه الآلة الحاسبة، لكن كونه يَحفظ جدول الضرب؛ يجعله يقسم المسألة مباشرةً.
موضوع علم الحساب
موضوع علم الحساب: هو العدد؛ من حيث التحليل والتركيب، وموضوعه هذا في الاصطلاح العام.
أما موضوعه في اصطلاح الفرضيِّين: فهو المسائل؛ من حيث تأصيلها وتصحيحها وقسمة التركات.
وعلم الحساب لا تختص فائدته بالفرائض، وإنما يستفاد منه أيضًا في معرفة مواقيت الصلاة، والآن مواقيت الصلاة، المؤذِّنون يعتمدون على التقاويم، والتقاويم معتمدةٌ على الحساب، حساب أوقات الصلاة؛ فوقت الفجر له معادلةٌ، ووقت الظهر له معادلةٌ، ووقت العصر له معادلةٌ، ووقت المغرب له معادلةٌ، ووقت العشاء له معادلةٌ، فهذا الحساب يعتمد على معادلاتٍ حسابيَّةٍ، توضع فيها خطوط الطول والعرض والوقت، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن:5].
وكذلك الصّيام؛ فالصيام يَبتدئ من أول الشهر، والشهر يكون إما تسعةً وعشرين أو ثلاثين، هذا مرتبطٌ بالحساب.
وأيضًا الحساب يُستأنس به في ضبط دخول الشهر؛ لأن الحسابات الفلكية أصبحت علومًا قائمةً، فيُستأنس بها في ضبط الشهادة برؤية الهلال.
كذلك أيضًا في الحج، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189].
كذلك في حساب الشهور والأيام؛ معرفة مثلًا: الأيام البيض، ومعرفة حساب الزكاة، والزكاة تحسب: بالتاريخ الهجري القمري، أو التاريخ الشمسي الميلادي؟ بالهجري القمري.
كذلك أيضًا آجال الحيض والنِّفاس، وآجال الدُّيون وغيرها، فالحساب يدخل في مسائل كثيرةٍ.
منزلة الحساب من علم المواريث
ومنزلة الحساب من علم المواريث هو جزءٌ من علم المواريث؛ لأن علم الفرائض أو علم المواريث هو العلم بفقه المواريث وحسابها، فالحساب جزءٌ رئيسٌ من ذلك.
النِّسب الأربع
أول ما نبتدئ به في حساب الفرائض: مسألةٌ مهمةٌ تدخل في جميع المسائل، وهي: النِّسب الأربع، فلا بد من ضبط هذه النسب الأربع، ولا يغني عنها القاسم المشترك الأكبر، أو المضاعف المشترك الأصغر؛ لا تغني عنها؛ لأننا في بعض المسائل نحتاج إلى النظر بين الرءوس والسِّهام بنسبتي المبايَنَة والموافَقَة؛ فلذلك لا بد من ضبط هذه النِّسب، وهي سهلةٌ.
النِّسب الأربع هي: المُماثَلة، والمُداخَلة، والمُبايَنة، والمُوافَقة.
-
معنى المُماثَلة
ما معنى المماثلة؟
المماثلة: من التَّماثل -يعني التساوي- مثل: اثنين اثنين، ثلاثةٍ ثلاثةٍ، أربعةٍ أربعةٍ، خمسةٍ خمسةٍ، هذا معنى المماثلة.
ولغةً: هي التشابه والتساوي في الصورة والشكل.
طبعًا المماثلة: هي تساوي العددين إذنْ أو الأعداد في المقدار.
-
معنى المُداخَلة
المداخلة في اللغة: مشتقةٌ من الدخول، وهو ضد الخروج.
واصطلاحًا: انقسام أكبر العددين على أصغرهما من غير كسرٍ.
يعني: ينقسم العدد الأكبر على الأصغر من غير كسرٍ؛ مثلًا: ستّةٌ وثلاثةٌ، ستّةٌ تقسيم ثلاثةٍ: اثنان، ثمانيةٌ وأربعةٌ، ثمانيةٌ تقسيم أربعةٍ: اثنان، عشرةٌ وخمسةٌ، تسعةٌ وثلاثةٌ..، هذه تسمَّى "مداخلةً"، يعني: ينقسم الأكبر على الأصغر من غير كسرٍ، تسمَّى "مداخلةً".
-
معنى المُبايَنة
المباينة لغةً: التباعد.
واصطلاحًا: ألا يَتفق العددان بجزءٍ من الأجزاء، بل يختلفان.
المباينة من التّباين، والمعنى: ألا ينقسم أحد العددين على الآخر، ولا ينقسما على عددٍ آخر، يعني: بينهما التباين، اختلافٌ في كل شيءٍ، ليس بينهما أي اشتراكٍ؛ مثل: اثنين وثلاثةٍ، ثلاثةٍ وخمسةٍ، سبعةٍ وتسعةٍ، تسعةٍ وأحد عشر..، وهكذا، وكل عددين متواليين فهُما متباينان، ما عدَا واحدًا واثنين.
-
معنى المُوافَقة
الموافقة -يا إخوان- هي التي تحتاج تركيزًا، ركِّزوا معي، فأكثر ما يقع الخطأ في الموافقة.
الموافقة معناها لغةً: الاتفاق.
واصطلاحًا: أن يتَّفق العددان في القسمة على عددٍ آخر -طبعًا سوى الواحد- ولا ينقسم الأكبر على الأصغر.
يعني: هي مثل المُداخَلة، لكن الفرق: أنه لا ينقسم الأكبر على الأصغر إلا بكسرٍ، بينما المُداخَلة ينقسم الأكبر على الأصغر بدون كسرٍ؛ مثال ذلك: أربعةٌ وستةٌ، يتفقان في القسمة، عَلَامَ يتفقان؟ على اثنين، لكنَّ الستة لا تنقسم على الأربعة، هذه تسمَّى "موافقةً"، ومثل ستةٍ وثمانيةٍ، ثمانيةٌ لا تنقسم على ستةٍ، لكن يتفقان في القسمة على اثنين.
مثل: عشرةٍ وخمسةٍ، صحيحٌ؟ لا، أنا أختبركم الآن، عشرةٌ وخمسةٌ غير صحيحٍ.
طيب عشرةٌ وستةٌ، صحيحٌ؛ لا تنقسم العشرة على ستةٍ، لكن يتفقان في القسمة على اثنين، هذي تسمَّى "موافقةً"؛ فهناك محل الاتفاق، يعني: العدد الذي ينقسمان عليه، وهناك الوَفق: حاصل قسمة أحد العددين على محل الاتفاق؛ فمثلًا: عشرةٌ وستةٌ: يتفقان في القسمة على كم؟ على اثنين، طيب: ما هو وَفق العشرة؟ عشرةٌ تقسيم اثنين: خمسةٌ، ووَفق الستة: ستّةٌ تقسيم اثنين: ثلاثةٌ، انتبه! كلمة "وَفق" سنحتاج لها في التصحيح، وسنحتاج لها أيضًا في المناسَخات.
طيب، تُستعمل النِّسب الأربع في النَّظر بين الرؤوس مع بعضها، وأيضًا بين المسائل مع بعضها، وبين مقامات الفروض كما سيأتي.
وتُستعمل الموافقة والمباينة خاصةً في النظر بين الرؤوس والسهام، وبين المسائل والسهام.
وهذه مع التَّمرُّس تأتي معك تلقائيًّا، يعني: لا تحتاج أن تحفظها، ستأتي معك تلقائيًّا.
كيفية استخدام النِّسَب الأربع
أما بالنسبة للمُماثَلة -يعني: اثنين واثنين، ثلاثةً وثلاثةً- فنكتفي بأحد العددين: اثنين واثنين، يعني: اثنين، ثلاثةً وثلاثةً: ثلاثةً، أربعةً وأربعةً: أربعةً، هذه واضحةٌ.
المُداخَلة: إذا كان بين العددين مداخلةٌ؛ يُكتفى بالأكبر، ثلاثةٌ وستةٌ: ستةٌ، أربعةٌ وثمانيةٌ: ثمانيةٌ، خمسةٌ وعشرةٌ: عشرةٌ..، وهكذا.
الموافقة: هذه تحتاج إلى تركيزٍ، إذا كانت النسبة موافَقةً؛ فنأخذ وفق أحدِهما ونضربه في العدد الآخر.
أُعيد: نأخذ وفق أحدهما ونضربه في كامل العدد الآخر.
طيب مثلًا: ستةٌ وثمانيةٌ، يتفقان في القسمة على ماذا؟ على اثنين، نقسم ستةً تقسيم اثنين: ثلاثةٌ، في ثمانيةٍ: أربعة وعشرون، واضحٌ؟
إذنْ النتيجة: أربعةٌ وعشرون، أو العكس؛ ثمانيةٌ تقسيم اثنين، كم؟ أربعةٌ، أربعةٌ ضرب ستةٍ: أربعةٌ وعشرون، نفس النتيجة.
فإذنْ الموافقة: أن نَقسِم أحد العددين على محل الاتفاق، والناتج نضربه في كامل العدد الآخر.
طيب، نأخذ مثالًا آخر: أربعةٌ وستّةٌ، من يعطينا نتيجة أربعةٍ وستةٍ بالموافقة؟ تفضَّل، ارفع صوتك.
أربعةٌ وستةٌ يتفقان، القسمة على كم؟ على اثنين.
طيب، لو قسمنا أربعةً على اثنين؟ اثنان ضرب ستةٍ: اثنا عشر، أو ستةٌ على اثنين: ثلاثةٌ، ثلاثةٌ ضرب أربعةٍ: اثنا عشر، نفس النتيجة، هذا معناه موافقةٌ.
المُبايَنة: إذا كان بين العددين "مباينةٌ"؛ نضرب أحدهما في الآخر: اثنان وثلاثةٌ، يعني نضرب اثنين ضرب ثلاثةٍ، كم؟ ستةٌ، ثلاثةٌ وأربعةٌ، نضرب ثلاثةً ضرب أربعةٍ، كم؟ اثنا عشر..، وهكذا.
طيب، كيفية استخدام النِّسب الأربع لأكثر من عددين:
إذا كان هناك أكثر من عددين؛ تنظر أولًا لاثنين، وحاصل النظر تنظر به مع الثالث، وحاصل النظر تنظر به مع الرابع..، وهكذا.
فمثلًا: خمسةٌ، وستةٌ، وخمسةَ عشرَ، وأربعون.
طيب، خمسةٌ وستةٌ، النسبة بينهما "مبايَنةٌ"؛ إذنْ نضرب: خمسةً في ستةٍ، كم؟ ثلاثون، طيب ثلاثون، هذي النتيجة مع خمسة عشر، ثلاثون وخمسة عشر، النسبة "مداخلةٌ"، نكتفي بالأكبر الذي هو ثلاثون؛ إذنْ بقي النظر بين ثلاثين وأربعين، النسبة "موافقة"، طيب، يتفقان في القسمة على أكثر من عددٍ، لكن نأخذ الأكبر، لو أخذت الأصغر تصح، لكنها تَطُول من غير فائدةٍ.
فيتفقان، القسمة على اثنين، وعلى أيضًا خمسةٍ، وعلى عشرةٍ، نأخذ العشرة، فنقول إذنْ: محل الاتفاق: عشرة، ثلاثون تقسيم عشرةٍ، ثلاثةٌ ضرب أربعين: مئةٌ وعشرون، أو أربعون تقسيم عشرةٍ: أربعةٌ، ضرب ثلاثين: مئةٌ وعشرون، النتيجة واحدةٌ.
وهذه -كما ذكرت لكم- يضبطها طالب العلم مع كثرة حل الأمثلة والتطبيقات، ومع التمرُّس تصبح سهلةً لديه، لكن أهم شيءٍ: أن تُكثر من الأمثلة والتطبيقات.
إذا أشكل عليك شيءٌ؛ ترجع لهذا الباب، هي كلها سهلةٌ، ربما "الموافقة" تحتاج إلى شيءٍ من التركيز؛ تنظر محل الاتفاق، وتقسم محل العَددية على محل الاتفاق، والناتج تضربه في كامل العدد الآخر.
القاسم المشترك الأكبر ينوب عن هذه النِّسب، لكن في بعض المسائل لا ينوب، يعني: القاسم المشترك الأكبر هذا في علم الرياضيات الحديثة يقوم على تحليل الأعداد؛ مثلًا: أربعةٌ وستةٌ نحللهما بالقاسم المشترك الأكبر، فتكون أربعةً وستةً على اثنين، اثنين، ثلاثة، اثنين، واحد، ثلاثةً، اثنين ضرب اثنين ضرب ثلاثةٍ، نفس النتيجة: اثنا عشر.
فمن أراد أن يستخدم قاعدة القاسم المشترك الأكبر؛ فله ذلك، لكن ستَرِد علينا في مسائل المفقود والحمل في النظر بين الرؤوس والسهام، يعني لا تصلح معنا قاعدة: القاسم المشترك الأكبر، بينما النِّسب الأربع تدخل معك في جميع المسائل، وهذه فائدتها.
طيب، نحن الآن شرحنا هذه النِّسب الأربع، ربما أن بعضكم لم يُتقنْها (100%)، لكنه سيتقنها -إن شاء الله- فيما يأتي أثناء قسمة الأمثلة والتطبيقات.
وأكرِّر ما ذكرته في الدروس السابقة: أن طريقة تعلُّم الفرائض تختلف عن غيرها من العلوم؛ لا يكفي أن تأتي للدرس أو الدورة مستمعًا، بل لا بد أن تأخذ هذه الأمثلة والتطبيقات، وتقسمها في البيت بعدما تحفظ الشروط، تقسم هذه الأمثلة مرَّةً، مرتين، ثلاث مراتٍ، وتختبر نفسك، بغير هذا لا تتقن الفرائض، هي مثل دراسة الرياضيات، ربما أنتم درستم الرياضيات في مراحل التعليم العامِّ، فلا بد، لا يمكن أن تتقن الرياضيات إلا إذا قسمت المسائل؛ هكذا أيضًا حساب الفرائض، لا بد من أن تأخذ الورقة والقلم وتقسم بنفسك، وإذا أخطأت؛ تعرف الخطأ، يعني: تأتي إلى أمثلةٍ محلولةٍ، وعامة كتب الفرائض فيها أمثلةٌ محلولةٌ، فتختبر نفسك بالمثال، ثم تصحح لنفسك، تُخطِئ مرَّةً وتنتبه للخطأ، مرتين، ثلاثًا، أربعًا، خمسًا، حتى تتقن الفرائض، لا بد أن تبذل جهدًا في هذا.
ننتقل بعد ذلك إلى التأصيل:
مسألة: التأصيل
و"التأصيل" معناه لغةً: التأسيس ووضع الأصل، والأصل: ما يُبنى عليه غيره.
ومعنى "التأصيل" اصطلاحًا: تحصيل أقل عددٍ يَخرج منه فرض المسألة أو فروضها بلا كسرٍ.
وتنقسم أصول المسائل إلى نوعين:
- النوع الأول: إذا كانوا كلُّهم عَصَباتٍ، وأصول مسائل العصبة غير محصورةٍ؛ لأن مسألتهم من عدد رءوسهم إذا كانوا ذكورًا، وإذا كانوا ذكورًا وإناثًا؛ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ [النساء:176].
- النوع الثاني: إذا كانوا كلهم من أصحاب الفروض، فأصول مسائل أصحاب الفروض محصورةٌ.
وتذكرون لمَّا ذكرنا الفروض المقدَّرة في كتاب الله، كم؟ ستةٌ، كذلك أيضًا هنا أصول المسائل: اثنان، وثلاثةٌ، وأربعةٌ، وستةٌ، وثمانيةٌ، واثنا عشر، وأربعةٌ وعشرون، هذا القسم الأول، وهي أصولٌ متفقٌ عليها.
أعيدها مرَّةً أخرى: اثنان، وثلاثةٌ، وأربعةٌ، وستةٌ، وثمانيةٌ، واثنا عشر، وأربعةٌ وعشرون، سبعة أصولٍ.
هناك قاعدةٌ لطيفةٌ ذكرها بعض الفَرَضيِّين؛ حتى لا تَنسى هذه الأرقام؛ يقول: الاثنان وضِعفُها، وضعفُ ضعفِها، والثلاثة وضعفُها، وضعفُ ضعفِها، وضعفُ ضعفِ ضعفِها.
طيب، نحلِّل هذه القاعدة: الاثنان وضعفها، كم ضعف الاثنين؟ أربعةٌ، وضعف ضعفها: ثمانيةٌ؛ إذنْ عندنا: اثنان، أربعةٌ، ثمانيةٌ، والثلاثة ضعفُها: ستةٌ، وضعفُ ضعفِها -ضعف الستة- اثنا عشر، وضعفُ ضعفِ ضعفِها: أربعةٌ وعشرون.
فتحفظها بهذه الطريقة.
طيب، قال بعضهم (فذلكةً): نعكسها، نقول: ثمانيةٌ ونِصفُها، ونصفُ نصفِها، وأربعةٌ وعشرون ونصفُها، ونصفُ نصفِها، ونصفُ نصفِ نصفِها.
طيب، نحلِّلها: ثمانيةٌ، نصفها كم؟ أربعةٌ، نصف نصفها: اثنان، أربعةٌ وعشرون نصفها: اثنا عشر، نصف نصفها: ستّةٌ، نصف نصف نصفها: ثلاثةٌ.
فتحفظها إما بهذه الطريقة، أو بهذه الطريقة.
هناك أصولٌ مختلَفٌ فيها؛ وهي: ثمانية عشر، وستٌّ وثلاثون، وهذه لا توجد إلا في باب ميراث الجد مع الإخوة، على القول بتوريث الجد مع الإخوة، أما إذا رجَّحنا القول بأن الجد كالأب، والإخوة لا يرثون معه شيئًا؛ لا يَرِد معنا هذان الأصلان: ثمانية عشر، وستٌّ وثلاثون.
كيفية التأصيل
طيب: كيفية التأصيل؟
لا يخلو نوع الوَرَثة من ثلاث حالاتٍ:
الحالة الأولى
الحالة الأولى: أن يكون جميع من في المسألة عَصَبةً، ولا يكون معهم صاحب فرضٍ، والحكم حينئذٍ: أن أصل المسألة من عدد الرءوس، لكن إذا كان مع الذكور إناثٌ؛ يُفرض لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ [النساء:11].
نوضّح هذا بالمثال:
- هالكٌ عن: ثلاثة أبناءٍ كلهم عصبةٌ؛ إذنْ أصل المسألة من كم؟ من ثلاثةٍ.
- هالكٌ عن: خمسة أبناءٍ؟ خمسةٌ.
- هالكٌ عن: عشرة أبناءٍ؟ عشرةٌ.
طيب، إذا كان ذكورٌ وإناثٌ:
- هالكٌ عن: ابنين وبنتين، نفرض كل ابنٍ عن اثنين: (2+2+1+1)، كم؟ (6).
طيب..
- هالكٌ عن: ابنٍ وبنتٍ؟ ثلاثةٌ؛ الابن عن اثنين، والبنت عن واحدٍ، هذي الحالة الأولى.
الحالة الثانية
الحالة الثانية: أن يكون في المسألة صاحب فرضٍ واحدٌ، فأصل المسألة من مَخرج -يعني من مقام- ذلك الفرض.
مثال ذلك:
- هالكةٌ عن: زوجٍ، وعمٍّ.
فالزوج: كم يأخذ؟ النصف، والعم: الباقي.
إذنْ عندنا فرضٌ واحدٌ، تكون المسألة من المقام، مقام الفرض، يعني: مقام النصف: اثنان، فيكون أصل المسألة من اثنين؛ النصف: واحدٌ، والباقي: واحدٌ.
مثالٌ آخر:
- هالكٌ عن: أمٍّ، وأبٍ.
الأم: كم تأخذ؟ الثلث، والأب: الباقي.
إذنْ عندنا فرضٌ واحدٌ فقط، والقاعدة تقول: إن أصل المسألة يكون من مقام ذلك الفرض، الثلث يعني: تكون مِن ماذا؟ من ثلاثةٍ، ثلث الثلاثة: واحدٌ، والباقي: اثنان، كما أمامكم على الشاشة.
مثالٌ آخر:
- هالكةٌ عن: زوجٍ، وابنٍ.
الزوج كم يأخذ هنا؟ الربع، والابن: الباقي.
إذنْ عندنا فرضٌ واحدٌ، والقاعدة تقول: إذا كان لا يوجد إلا فرضٌ واحدٌ؛ فأصل المسألة من مقام ذلك الفرض، فيكون أصل المسألة من كم؟ أربعةٍ، رُبع الأربعة: واحدٌ، والباقي: ثلاثةٌ.
مثالٌ آخر:
- هالكٌ عن: جدةٍ، وأخٍ شقيقٍ.
الجدة كم تأخذ؟ السدس، والأخ الشقيق: الباقي.
إذنْ ما عندنا إلا فرضٌ واحدٌ، والقاعدة تقول: أصل المسألة من مقام ذلك الفرض، فيكون أصل المسألة من كم؟ من ستةٍ، سدس الستة: واحدٌ، والباقي: خمسةٌ.
- هالكٌ عن: زوجةٍ، وابنٍ.
الزوجة كم؟ الثُّمن، والابن: الباقي.
طيب: إذنْ ما عندنا إلا فرضٌ واحدٌ، والقاعدة تقول: أصل المسألة من مقام ذلك الفرض، فتكون المسألة من كم؟ من ثمانيةٍ، ثُمن الثمانية: واحدٌ، والباقي: سبعةٌ للابن.
طيب، مثالٌ آخر:
- هالكٌ عن: زوجةٍ، وأخٍ لأبٍ.
الزوجة كم تأخذ؟ الربع، والأخ لأبٍ: الباقي، إذنْ القاعدة تقول: إذا لم يوجد إلا فرضٌ واحدٌ؛ فأصل المسألة: مقام ذلك الفرض، فيكون أصل المسألة من كم؟ من أربعةٍ، رُبع الأربعة: واحدٌ، والباقي: ثلاثةٌ، هذه الحالة الثانية.
الحالة الثالثة
الحالة الثالثة: أن يكون في المسألة أكثر من صاحب فرضٍ، فيُستخرج أصل المسألة بالنظر بين مقامات الفروض بالنِّسب الأربع، وحاصل النظر: هو أصل الجامعة، أو على الطريقة الحديثة: بالقاسم المشترك الأصغر لتلك المقامات.
نأخذ أمثلةً تطبيقيةً لهذا:
- هالكةٌ عن: زوجٍ، وأختٍ شقيقةٍ.
هذا مثالٌ للمماثَلة، الزوج كم يأخذ؟ النصف، والشقيقة؟ النصف.
طيب، عندنا الآن أكثر من فرضٍ، المقامات: اثنان واثنان، فالنسبة "مماثلةٌ"؛ إذنْ يكون أصل المسألة من اثنين، نصف الاثنين: واحدٌ، ونصف الاثنين: واحدٌ؛ إذنْ اثنان: واحدٌ وواحدٌ، كما في المثال.
مثالٌ آخر:
- هالكةٌ عن: زوجٍ، وبنتٍ، وعمٍّ.
هذا مثال المُداخَلة، الزوج كم يأخذ: الربع أو النصف؟ الربع؛ لوجود الفرع الوارث، والبنت: النصف، والعم: الباقي.
طيب، عندنا الآن فرضان: ربعٌ، ونصفٌ، المقامات: أربعةٌ، واثنان، فما النسبة؟ "مداخلةٌ"، والقاعدة تقول: نأخذ بالأكبر، وهو أربعةٌ، فيكون أصل المسألة: أربعةٌ، طيب، رُبُع الأربعة: واحدٌ، نصف الأربعة: اثنان، والباقي: واحدٌ.
مثالٌ آخر:
- هالكةٌ عن: أربع أخواتٍ شقيقاتٍ، وثلاثة إخوةٍ لأمٍّ.
طيب، عندنا الأخوات الشقيقات كم يأخذن؟ الثلثين، والإخوة لأمٍّ: الثلث، هذا مثال أيضًا للمماثلة، ثلاثةٌ وثلاثةٌ: ثلاثةٌ، ثلثا الثلاثة: اثنان، وثلث الثلاثة: واحدٌ.
طيب، نأخذ مثالًا للموافقة، الموافقة هي أهمُّ النِّسب التي تحصل فيها الأخطاء:
- هالكةٌ عن: زوجٍ، وأمٍّ، وابنٍ.
الزوج: الربع أو النصف؟ الربع؛ لوجود الفرع الوارث، والأم: السدس أو الثلث؟ السدس؛ لوجود الفرع الوارث، والابن: الباقي.
فأصبح عندنا: أربعةٌ، وستةٌ، شرحناها قبل قليلٍ، ما النسبة بينهما؟ "موافَقةٌ".
طيب، إذا كانت موافقةً؛ يَتَّفِقان في القسمة على اثنين، نقسم أحد العددين على اثنين، والنتيجة نضربها في كامل الآخر، يعني: ستةٌ تقسيم اثنين: ثلاثةٌ، ضرب أربعةٍ: اثنا عشر، أو أربعةٌ تقسيم اثنين: اثنان، ضرب ستةٍ: اثنا عشر، فيكون أصل المسألة: اثني عشر.
عرفتم كيف جاءت اثنا عشر؟ حاصل الموافقة، يعني: عندما ننظر بين أربعةٍ وستّةٍ، يعني طالب العلم يتمرَّس، مباشرةً إذا قرأ المسألة أربعةً وستّةً؛ مباشرةً يضع أصلها: اثني عشر، هذه تأتي مع التمرس.
طيب، مثالٌ أيضًا للموافقة:
- هالكٌ عن: زوجةٍ، وجدةٍ، وابنٍ.
الزوجة: إما الثُّمن أو الربع، تأخذ هنا الثُّمن أو الربع؟ الثُّمن، والجدة دائمًا ميراثها: السدس، والباقي للابن.
فأصبح عندنا: ثمانيةٌ، وستةٌ -شرحناها قبل قليلٍ- ما النسبة بينهما؟ "موافقةٌ" في القسمة على اثنين؛ إذنْ نقسم إما ثمانيةً أو ستّةً على اثنين، والناتج نضربه في كامل العدد الآخر.
طيب، ثمانيةٌ تقسيم اثنين: أربعةٌ، ضرب ستةٍ: أربعةٌ وعشرون، أو ستةٌ تقسيم اثنين: ثلاثةٌ، ضرب ثمانيةٍ: أربعةٌ وعشرون.
لاحظ هنا الضرب، هذا يبيِّن لنا أهمية حفظ جدول الضرب، وأنتم ربما من الأوَّل الابتدائي والمعلمون يوصونكم بحفظ جدول الضرب، حفظ جدول الضرب مهمٌّ هنا، إذا كنت تحفظ جدول الضرب؛ لا تحتاج لآلةٍ حاسبةٍ، لكنَّ الذي لا يحفظ جدول الضرب يحتاج لآلةٍ حاسبةٍ.
عندما أقول مثلًا: ثلاثةٌ ضرب ثمانيةٍ، أربعةٌ ضرب ستةٍ؛ يعني ينبغي.. حتى الآن من منكم لا يحفظ جدول الضرب؟ إذا أراد أن يتقن الفرائض؛ ينبغي أن يحفظ جدول الضرب.
العَوْل
ننتقل بعد ذلك إلى العَوْل:
طيب، نعطي فكرةً مبسطةً عن العول قبل أن نبدأ به:
لو أن هالكةً هلكت عن: زوجٍ، وأختين شقيقتين، لو أعطينا الزوج النصف؛ ما بقي للأختين الشقيقتين الثلثان، ولو أعطينا الأختين الشقيقتين الثلثين؛ ما بقي للزوج النصف، حصل هنا ازدحامٌ، هذه فكرة العول؛ معنى ذلك: أننا نُدخل النقص على الجميع؛ نُدخل النقص على الزوج، ونُدخل النقص على الأختين.
معنى العول لغةً واصطلاحًا
فالعول معناه في اللغة: يطلق على معانٍ؛ منها:
- الزيادة والارتفاع: يقال: عالَ الماءُ، إذا زاد.
- ويطلق أيضًا على المَيل، ويقال: عال الميزانُ.
- وأيضًا على الاشتداد: عال الأمر، إذا اشتد.
- وأيضًا على الظلم، ومنه قول الله تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُو [النساء:3]، على تفسير الجمهور، يعني: ألا تجوروا.
- وأيضًا كثرة العيال، على تفسير الشافعي: ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُو، قال في تفسيرها: ألا تَكثر عيالكم، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3]، الشافعي قال: معنى أَلَّا تَعُولُوا، يعني: ألا تكثر عيالكم، والجمهور قالوا: لا، يعني: ألا تجوروا، وقول الجمهور أقرب؛ لأن كثرة العيال مُرَغَّبٌ فيها مع القدرة، قال عليه الصلاة والسلام: تزوَّجوا الودود الولود؛ فإني مُكاثِرٌ بكم الأمم يوم القيامة [7]، إلا مع عدم القدرة، فقد يكون هذا من جهد البلاء، فسَّر ابن عمر رضي الله عنهما وبعض السلف قول النبي عليه الصلاة والسلام جهد البلاء، اللهم إني أعوذ بك من جَهْدِ البلاء، ودَرَكِ الشَّقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء [8].
قالوا: جهد البلاء: قلة المال وكثرة العيال، ولكن هذا مثالٌ لجهد البلاء، فليس منحصرًا في ذلك، وإِلا فقد يكون جهد البلاء مثلًا: العمل الشاق الذي يَستغرق أكثر وقت الإنسان، هذا من جهد البلاء، الأمر الشديد يشغل ذهن الإنسان وفكره مدةً طويلةً، هذا من جهد البلاء.
فإذنْ على تفسير الجمهور: ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا يعني: تظلموا، وعلى تفسير الشافعي: ألا تَكثُر عيالكم. - وأيضًا: يطلق على الغَلَبة، في اللغة العربية: عاله الشيء، يعني: غلبه.
- ويطلق على الفقر، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:8]، يعني: النبي عليه الصلاة والسلام كان في أول الأمر لم يكن غنيًّا؛ كما تقول عائشة رضي الله عنها: كان يمرُّ الشهران والثلاثة ولا يوقد في بيته نارٌ [9]، لكنه في آخر حياته عليه الصلاة والسلام لمَّا كثرت الفتوحات، وكثرت الغنائم؛ أغناه الله .
ولمَّا أتاه لَقِيط بن صَبِرة ؛ قال رسول الله للراعي:أَوَلَدَتْ؟ قال: نعم، قال: ماذا؟ قال: بَهْمَةٌ، قال: اذبح مكانها شاةً، ثم أَقْبَلَ عَلَيَّ فقال: لا تحسبنَّ أنَّا إنما ذبحناها مِن أجلك، لنا غنمٌ مئةٌ، لا نحب أن تزيد، فإذا حَمَلَ الراعي؛ ذبحنا مكانها شاةً [10]، وهذا الحديث في "سنن أبي داوود" وسنده صحيحٌ.
فأغناه الله في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، وأيضًا أغناه الله غِنى النفس، وهو الغِنى الحقيقي. - وأيضًا منها: كفاية العيال، ابدأ بنفسك ثمَّ بمن تعول.
وأما معنى العَوْل اصطلاحًا: فهو زيادة فروض المسألة على أصلها، أو الزيادة في السهام والنقص في الأنصبة.
كما مثلنا بـ: زوجٍ، وأختين شقيقتين.
الزوج: النصف، والشقيقتان: الثلثان، فهنا زادت السهام، ونقصت الأنصبة، السهام زادت؛ لأن سهام النصف: ثلاثةٌ، والثلثان: أربعةٌ، (3+4=7)، زادت على أصل المسألة: ثلاثةٌ، وترتَّب على هذا النقصُ في نصيب كل وارثٍ.
سبب العول
وسبب العول: هو الازدحام في الفروض.
ولم يقع العول في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولا في عهد أبي بكرٍ الصديق ، وإنما وقع في عهد عمر ، حينما وردت إليه مسألةٌ فيها: زوجٌ، وأختان شقيقتان أو لأبٍ، فقال عمر : "فرض الله للزوج النصف، وللأختين الثلثين، فإن بدأتُ بالزوج؛ لم يبق للأختين حقُّهما، وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج حقُّه".
فاستشار عمر الصحابة ، وكانت هذه طريقة الصحابة عند حدوث النوازل، أنهم يجتمعون ويتشاورون ويجتهدون اجتهادًا جماعيًّا، ثم يَصدرون عن رأيٍ واحدٍ، وهذه أفضل طريقةٍ للتعامل مع النوازل، أفضل طريقة للتعامل مع النوازل: هي الاجتهاد الجماعي، وهي طريقة الصحابة ، وهذا يمثِّل في الوقت الحاضر الهيئات العلمية والمجامع الفقهية، فهذه آراؤها في النوازل الفقهية أقرب للحق من الآراء الفردية، إذا كانت مسألةٌ معاصرةٌ أو نازلةٌ؛ فابحث عن رأي هذه المجامع وهذه الهيئات العلمية؛ لإن هذا هو منهج الصحابة والتابعين.
فاستشار عمر الصحابة ، فأشاروا عليه بالعول؛ قياسًا على حقوق الغرماء إذا ضاقت التركة، ولم يظهر مخالفٌ في زمن عمر، فكان إجماعًا، ثم بعد وفاة عمر أظهر ابن عباسٍ خلافه، وقال: المسائل لا تَعُول، قيل: إذا كانت لا تعول؛ فماذا تفعل؟ قال: "أُقدِّم من قدَّمه الله، وأؤخر من أخره الله"، واشتد الخلاف على ابن عباسٍ حتى طلب المباهَلة بهذه المسألة، وقيل: إن ابن عباسٍ رجع عن قوله، وقيل: إنه لم يرجع.
لكن قال الموفق بن قدامة رحمه الله في "المغني"، قال: "ولا نعلم اليوم قائلًا بمذهب ابن عباسٍ، ولا نعلم خلافًا بين فقهاء الأمصار في القول بالعول بحمد الله ومَنِّه"، يعني: انعقد الإجماع قبل ابن عباسٍ وبعد ابن عباسٍ رضي الله عنهما، هو اجتهد، لكن انعقد الإجماع قبله وبعده؛ فإذنْ أجمع العلماء على الأخذ بالعول.
الأصول العائلة
طيب، ما هي الأصول العائلة؟
ثلاثة أصولٍ فقط، وهي: ستةٌ، واثنا عشر، وأربعةٌ وعشرون، هذه الأصول العائلة.
قبل أن ندخل في الأصول: الستة، والاثني عشر، والأربعةٍ والعشرين؛ الأصول العائلة تنقسم بالنسبة للعول وعدمه إلى قسمين:
- أصولٌ تعول، وهي: ستّةٌ، واثنا عشر، وأربعةٌ وعشرون.
- وأصولٌ لا تعول: بقية الأصول، وهي: اثنان، وثلاثةٌ، وأربعةٌ، وثمانيةٌ، وعلى القول بتشريك الإخوة مع الجد: ثمانية عشر، وستٌّ وثلاثون.
أولا: الستة
طيب، أصل ستةٍ، قلنا: الأصول العائلة الثلاثة: ستّةٌ، واثنا عشر، وأربعةٌ وعشرون.
أصل ستةٍ يعول أربع مراتٍ وِترًا وشفعًا، يعول إلى سبعةٍ، وإلى ثمانيةٍ، وإلى تسعةٍ، وإلى عشرةٍ.
طيب، نأخذ أمثلةً للعول في كل واحدةٍ:
نأخذ مثالًا للعول إلى سبعةٍ:
- هالكةٌ عن: زوجٍ، وأختين شقيقتين.
كم للزوج؟ النصف، والأختان: الثلثان، عندنا الآن: اثنان وثلاثةٌ "مباينة"، نضرب اثنين في ثلاثةٍ، كم؟ ستةٌ، يكون أصل المسألة من ستةٍ، طيب، نصف الستة: ثلاثةٌ، ثلثا الستة: أربعةٌ، احفظها، طيب، ثلث الستة: الثلث اثنان، ثلثا الستة: أربعةٌ، احفظها، ثلث الستة: اثنان، ثلثا الستة: اثنان واثنان: أربعةٌ؛ إذنْ أصبح عندنا: نصفٌ وثلثان؛ نصف الستة: ثلاثةٌ، وثلثا الستة: أربعةٌ، إذا جمعنا (3+4=7)، وتكون المسألة عالت من ستةٍ إلى سبعةٍ؛ معنى ذلك: أن النقص سيدخل على الجميع بدل أن يأخذ ثلاثةً من ستةٍ؛ يأخذ ثلاثةً من سبعةٍ، نَقُص نصيبه.
الأختان بدل أن تأخذا أربعةً من ستةٍ؛ تأخذان أربعةً من سبعةٍ، نَقص نصيبهما، فدخل النقص على الجميع، هذا معنى العول.
طيب، مثالٌ للعول إلى ثمانية:
- هالكةٌ عن: زوجٍ، وأختٍ شقيقةٍ، وأخوين لأمٍّ.
الزوج: إما الربع، وإما النّصف، ماذا يأخذ هنا؟ النصف؛ لعدم الفرع الوارث، الأخت الشقيقة: النصف؛ لتحقُّق الشروط، الأخوان لأمٍّ: الثلث؛ لأن المسألة كَلَالَةٌ، فأصبح عندنا: اثنان واثنان وثلاثةٌ؛ اثنان واثنان "مماثلةٌ"، واثنان وثلاثةٌ "مباينةٌ"، اضرب اثنين ضرب ثلاثةٍ: ستةٌ.
وإذا تمرَّستَ في الفرائض؛ مباشرةً بحسِّك تعرف، اثنان وثلاثةٌ مباشرةً أصلها: ستةٌ، فيكون أصل المسألة: ستةً، نصف الستة: ثلاثةٌ، ونصف الستة أيضًا: ثلاثةٌ، وثلث الستة: اثنان، نجمع (3+3=6+2=8)، عالت إذنْ من ستةٍ إلى ثمانيةٍ.
نأخذ مثالًا لعول الستة إلى تسعةٍ:
- هالكةٌ عن: زوجٍ، وأختين شقيقتين أو لأبٍ، وأمٍّ، وأخٍ لأمٍّ.
الزوج هنا: إما النصف، وإما الربع، يأخذ كم هنا؟ النصف، أختان شقيقتان أو لأبٍ: الثلثان، الأم: السدس أو الثلث؟ السدس؛ لوجود الجمع من الإخوة، والأخ لأمٍّ: المسألة كَلالةٌ: السدس.
طيب، عندنا: ستةٌ، وستةٌ، وثلاثةٌ "مداخلة"، تكون ستةً واثنين "مداخلة"، تكون ستةً.
إذنْ أصل المسألة من كم؟ من ستةٍ، نصف الستة: ثلاثةٌ، ثلثا الستة: أربعةٌ، سدس الستة: واحدٌ.
إذنْ نجمعها: (3+4=7+1=8+1=9)، أصبحت تعول إلى تسعةٍ.
نأخذ مثالًا أيضًا آخر لعولها إلى تسعةٍ:
- هالكةٌ عن: زوجٍ، وأختين شقيقتين، وأخوين لأمٍّ.
الزوج: الربع أو النصف؟ النصف، الأختان: الثلثان، الأخوان لأمٍّ: المسألة كَلالةٌ: الثلث.
طيب، عندنا اثنان وثلاثةٌ وثلاثةٌ وثلاثةٌ، ثلاثةٌ "مماثلة"، ثلاثةٌ واثنان "مباينةٌ"، يعني: اضرب اثنين ضرب ثلاثةٍ: ستةٌ، يكون أصل المسألة من ستةٍ، نصف الستة: ثلاثةٌ، ثلثا الستة: أربعةٌ، ثلث الستة: اثنان، نجمع: (3+4=7+2=9).
نأخذ مثالًا لعول الستة إلى عشرةٍ:
- هالكةٌ عن: زوجٍ، وأختين شقيقتين، وأمٍّ، وثلاثة إخوةٍ لأمٍّ.
الزوج: نصفٌ أو ربعٌ؟ نصفٌ، الأختان: الثلثان، الأم: سدسٌ أو ثلثٌ؟ سدسٌ، الإخوة لأمٍّ: المسألة كلالةٌ: ثلثٌ.
طيب، عندنا ثلاثةٌ وثلاثةٌ "مماثلة"، وستّةٌ "مداخلة"، ستةٌ واثنان "مداخلةٌ"، إذنْ يكون أصل المسألة كم؟ ستةً.
طيب، نجمع السهام: نصف الستة: ثلاثةٌ، ثلثا الستة: أربعةٌ، سدس الستة: واحدٌ، ثلث الستة: اثنان، نجمعها: (3+4=7+1=8+2=10)، فعالت المسألة من ستةٍ إلى عشرةٍ.
طيب، هناك مسألةٌ يسميها الفرضيون: مسألة "أمِّ الفُروخ"، وسميت بذلك؛ لكثرة ما فرَّختْ من العيال، وهي: زوجٌ، وأمٌّ، وأختان لأمٍّ، وأختان شقيقتان أو لأبٍ.
الزوج: النصف أو الربع؟ النصف، الأم: السدس أو الثلث؟ السدس، أختان لأمٍّ: المسألة كلالةٌ: الثلث، أختان شقيقتان: الثلثان.
طيب، أصل المسألة: ستةٌ؛ لأن اثنين وستةً وثلاثةً وثلاثةً، كلها ترجع إلى ستةٍ "مداخلة"؛ نصف الستة: ثلاثةٌ، سدس الستة: واحدٌ، ثلث الستة: اثنان، ثلثا الستة: أربعةٌ، نجمعها: (3+1=4+2=6+4=10).
إذن هذا هو أصل ستةٍ يعول أربع مراتٍ إلى سبعةٍ وثمانيةٍ وتسعةٍ وعشرةٍ، احفظها.
ثانيًا: اثنا عشر
ننتقل إلى أصل اثني عشر، ويعول ثلاث مراتٍ وترًا إلى ثلاثة عشر، وإلى خمسة عشر، وإلى سبعة عشر.
نأخذ مثالًا لعول اثني عشر إلى ثلاثة عشر:
- هالكٌ عن: زوجةٍ، وأختين شقيقتين، وجدةٍ.
الزوجة: الثُّمن أو الربع؟ الربع؛ لعدم الفرع الوارث، والأختان: الثلثان، والجدة: السدس.
إذنْ عندنا: أربعةٌ وثلاثةٌ وستةٌ، يكون أصلها طبعًا ستةً وثلاثةً "مداخلةٌ"، أربعةٌ وستةٌ شرحناها قبل قليلٍ "موافقة"، حاصل النظر: اثناعشر؛ ستةٌ وأربعةٌ تنقسم على اثنين، نقسم ستةً على اثنين: ثلاثةٌ ضرب أربعةٍ: اثناعشر، فيكون أصلها من اثني عشر.
طيب، رُبُع الاثني عشر كم؟ ثلاثةٌ، وثلثا الاثني عشر: ثمانيةٌ.
طيب، ثلث اثني عشر؟ ثلثٌ، واحدٌ، أربعةٌ، ثلثا اثني عشر احفظها: ثمانيةٌ، سدس الاثني عشر: اثنان، نجمعها: (3+8=11+2=13)؛ إذنْ يعول اثنا عشر إلى ثلاثة عشر.
مثالٌ آخر لعول اثني عشر إلى خمسة عشر:
- هالكٌ عن: زوجةٍ، وأختين شقيقتين، وجدةٍ، وأخٍ لأمٍّ.
الزوجة: الربع أو الثُّمن؟ الربع، أختان شقيقتان: الثلثان، الجدة: السدس، الأخ لأمٍّ: السدس أيضًا.
طيب، عندنا: ثلاثةٌ، وستةٌ، وستةٌ، هذه كلها: ستةٌ "مداخلةٌ"، ستةٌ وأربعةٌ دائمًا: اثني عشر، حاصل النظر إلى ستةٍ وأربعةٍ: اثنا عشر "موافقة".
ربع الاثني عشر: ثلاثةٌ، طيب: ثلثا الاثني عشر: ثمانيةٌ، سدس الاثني عشر: اثنان، سدس اثني عشر أيضًا: اثنان، نجمعها: (3+8=11+2=13+2=15)؛ إذنْ يعول من اثني عشر إلى خمسة عشر.
مثالٌ آخر لعول اثني عشر إلى سبعة عشر:
- هالكٌ عن: زوجةٍ، وأختين شقيقتين، وجدةٍ، وأربعة إخوةٍ لأمٍّ.
الزوجة: الربع أو الثُّمن؟ الربع؛ لعدم الفرع الوارث، الأختان: الثلثان، الجدة: السدس، الإخوة لأمٍّ، المسألة كلالةٌ: الثلث.
فعندنا الآن: ثلاثةٌ، وستةٌ، وثلاثةٌ، هذا يعني: ستةً، طيب، ستةٌ وأربعةٌ حاصل النظر "موافقة": اثنا عشر.
طيب، ربع الاثني عشر: ثلاثةٌ، ثلثا الاثني عشر: ثمانيةٌ، سدس الاثني عشر: اثنان، ثلث الاثني عشر: أربعةٌ، هذه مع التمرُّس تخرج معك تلقائيًّا.
طيب، نجمعها: (3+8=11+2=13+4=17)؛ إذنْ اثنا عشر يعول إلى سبعة عشر.
طيب، هناك مسألةٌ تسمَّى مسألة "أم الأرامل"؛ وذلك لكثرة الأرامل فيها، وتسمَّى أيضًا بـ"أم الفُروج"؛ لأن جميع ورثتها أصحاب فروجٍ، وتسمَّى "الدِّيناريَّة الصغرى"؛ لأنه لو كانت التركة فيها سبعة عشر دينارًا؛ لأخذت كل أنثى دينارًا.
صُورتها: ثلاث زوجاتٍ، وجدتان، وأربع أخواتٍ لأمٍّ، وثماني أخواتٍ شقائق أو لأبٍ.
طيب، ثلاث زوجاتٍ: الربع أو الثُّمن؟ الربع؛ لعدم الفرع الوارث، جدتان: السدس، أربع أخواتٍ لأمٍّ: الثلث، المسألة كَلالةٌ، ثماني أخواتٍ شقائق أو لأبٍ: الثلثان.
طيب، نؤصل المسألة:
عندنا: ثلاثةٌ، ثلاثةٌ، ثلاثةٌ، وستّةٌ: ستةٌ "مداخلة"، ستةٌ، وأربعةٌ "موافقةٌ"، حاصل النظر بين ستةٍ وأربعةٍ: اثنا عشر، فيكون أصل المسألة هو: اثنا عشر.
ربع الاثني عشر: ثلاثةٌ، سدس اثني عشر: اثنان، ثلث الاثني عشر: أربعةٌ، ثلثا الاثني عشر: ثمانيةٌ.
نجمع: (3+2=5+4=9+8=17).
الثالث: أربعة وعشرون
ننتقل للأصل الأخير: أربعةٍ وعشرين، ويعول مرَّةً واحدةً إلى سبعٍ وعشرين؛ ولذلك يسمَّى "البخيل"؛ لقلة عَوله.
مثاله:
- هالكٌ عن: زوجةٍ، وأمٍّ، وأبٍ، وبنتَي ابنٍ.
الزوجة كم تأخذ: ثُمنًا أو ربعًا؟ ثُمنًا، والأم: السدس؛ لوجود الفرع الوارث، والأب: السدس، والبنتان أو بنتا الابن: الثلثين.
فأصلها من كم؟ عندنا: ثلاثةٌ، وثلاثةٌ، وستةٌ، وستةٌ: ستةٌ، ستةٌ وثمانيةٌ، شرحناها قبل قليلٍ: "موافقة"، دائمًا دائمًا حاصل النظر بين ستةٍ وثمانيةٍ: أربعةٌ وعشرون، دائمًا حاصل النظر بين أربعةٍ وستةٍ: اثنا عشر، احفظها! فيكون أصل المسألة من أربعٍ وعشرين، ثُمن الأربعة والعشرين، يعني: أربعةٌ وعشرون تقسيم ثمانيةٍ؟ ثلاثةٌ.
طيب، سدس الأربعة والعشرين، يعني: أربعةٌ وعشرون تقسيم ستةٍ؟ أربعةٌ، سدس الأربعة والعشرين، يعني أيضًا: أربعةٌ، ثلثا الأربعة والعشرين: أوَّل شيءٍ: ثلث الأربعة والعشرين: ثمانيةٌ؛ أربعةٌ وعشرون تقسيم ثلاثةٍ: ثمانيةٌ، طيب: نضربها في اثنين، ثلثا الأربعة والعشرين: ستة عشر، اضبطوها يا إخوان.
طيب، ثلثا الستة: أربعةٌ، ثلثا الثمانية: ستةٌ، ثلثا الاثني عشر: ثمانيةٌ، ثلثا الأربعة والعشرين: ستة عشر، هذه مع التمرُّس تحفظها، تضبطها؛ تخرج معك تلقائيًّا.
طيب، نجمعها: (3+4=7+4=11+16=27)، فيعول إلى سبعٍ وعشرين.
طيب، مثالٌ أخير في مسألةٍ تسمَّى بـ"المسألة المنبرية"، وسمِّيت بذلك؛ لأن علي بن أبي طالبٍ سُئل عنها وهو يمشي للمنبر، يريد أن يخطب الجمعة، فسألته امرأةٌ عن هذه المسألة، فخطب فقال: "الحمد لله الذي يحكم بالحقِّ قَطعًا، ويجزي كل نفسٍ بما تسعى، وإليه المآب والرُّجعَى، صار ثُمن المرأة تُسعًا".
انظر -ما شاء الله- سرعةَ البديهة كيف قسمها؟!
طيب، ما هي؟ سنعود لنرى ثُمن المرأة تُسعًا، سنوضِّحها بعد قليلٍ.
هي: زوجةٌ، وبنتان، وأمٌّ، وأبٌ.
الزوجة: الثُّمن أو الربع؟ الثُّمن، البنتان: الثلثان، الأم: السدس أو الثلث؟ السدس، الأب: الباقي، وهو السدس، ما يتبقَّى له شيءٌ إلا فرضه فقط، وهو السدس.
فعندنا: ستةٌ، وستةٌ، وثلاثةٌ: ستةٌ، طيب ستةٌ وثمانيةٌ، قلنا دائمًا: أربعةٌ وعشرون، ثُمن الأربعة والعشرين كم؟ يعني: أربعةٌ وعشرون تقسيم ثمانيةٍ: ثلاثةٌ، ثلثا الأربعة والعشرين: ستة عشر، سدس الأربعة والعشرين، أربعةٌ وعشرون تقسيم ستةٍ: أربعة، سدس الأربعة والعشرين: أربعةٌ.
نجمعها: (3+16=19+4=23+4=27).
طيب، نرجع لعبارة عليٍّ : "صار ثُمن المرأة تُسعًا"، يعني: المقصود بالمرأة: الزوجة، والزوجة لها الثُّمن، ما هو الثُّمن؟ قال: تُسعًا.
ما معنى "تُسعًا"؟ يعني: ثلاثةٌ من سبعٍ وعشرين، وثلاثةٌ من سبعٍ وعشرين: تعادل تُسع المال.
هذا معنى قول عليٍّ : "صار ثُمن المرأة تُسعًا"، يعني: ثلاثةً من سبعةٍ وعشرين؛ لأن ثلاثةً من سبعةٍ وعشرين تعادل تُسع المال.
فانظر إلى سرعة البديهة عند عليٍّ ! كيف أن المرأة سألته مباشرةً أجاب، وأتى بهذه العبارة، والمرأة أيضًا فهمت المقصود، والصحابة فهموا الجواب مباشرةً، يعني: على الفطرة، سبحان الله! كيف قال هذه العبارة الموجزة، وفهمت المرأة الجواب، وفهم الصحابة الجواب؟! فهذا يدل على أن عقول الصحابة من أفضل العقول وأزكاها، عندهم سرعة بديهةٍ، وإن كان كثيرٌ منهم من الأميين؛ لكن عندهم ذكاءٌ وزكاءٌ، واصطفاهم الله لأنْ يكونوا صحابة رسوله ؛ حتى ينقلوا للأمة الشريعة، رضي الله عنهم وأرضاهم.
فَهِمْتم ما معنى "صار ثُمن المرأة تُسْعًا"؟ قد نضع فيها سؤالًا، اضبطوها!
أقسام الأصول بالنسبة إلى العول والعدل والنقص
طيب، أقسام الأصول بالنسبة إلى العول والعدل والنقص، يعني: هذه مسألةٌ نظريةٌ، لكن نذكر هنا:
- ما يمكن أن يجتمع فيه العول والعدل والنقص: وهو ستةٌ.
"العول": الزيادة.
و"العدل" يعني: تكون المسألة ليس فيها زيادةٌ ولا نقصٌ.
"النقص": يكون فيها باقٍ، معنى النقص: يكون فيها باقٍ.
فالأصل الذي يجتمع فيه العول والعدل والنقص: هو ستةٌ.
- القسم الثاني: ما لا يكون إلا ناقصًا، وهو: أربعةٌ، وثمانيةٌ، هذا دائما فيها باقٍ، أيُّ مسألةٍ أصلها أربعةٌ أو ثمانيةٌ دائمًا فيها باقٍ.
وأيضًا ثمانية عشر، وستٌّ وثلاثون عند من يُورِّث الإخوة مع الجد، وكلُّ مسألةٍ فيها معصِّبٌ له باقٍ فهي ناقصةٌ. - القسم الثالث: ما يكون عادلًا وناقصًا ولا يكون عائلًا، وهو: اثنان، وثلاثةٌ.
- القسم الرابع: ما يكون عائلًا وناقصًا ولا يكون عادلًا، وهو: اثنا عشر، وأربعٌ وعشرون.
طيب، هل يلزم أن أحفظ هذه الأرقام في باب العول؟ الجواب: لا، فهي تَخرج معك تلقائيًّا، هذه الأرقام تخرج معك تلقائيًّا، لكن حفظها وضبطها يجعلك تستأنس بصحة الحل.
يعني: خرج معك العول مثلًا: سبعةً، تعرف أن الأصول ستةٌ، سبعةٌ، أو ثمانيةٌ، أو تسعةٌ، أو عشرةٌ، أو خرج معك العول مثلًا ثلاثة عشر، أو خمسة عشر، أو سبعة عشر، أو خرج العول معك أربعةً وعشرين، أو سبعةً وعشرين تطمئن لصحة الجواب.
لكن لو مثلًا أصله ستةٌ، وخرج العول معك أحد عشر؛ تعرف أنه يوجد خطأٌ، أو مثلًا أصلها اثنا عشر، وخرج العول معك تسعة عشر؛ تعرف أن فيها خطأً، أو أصلها أربعةٌ وعشرون، وخرج العول معك تسعةً وعشرين، أو ثمانيةً وعشرين؛ تعرف أن فيها خطأً، وإلا فهي تخرج معك تلقائيًّا، يعني: لا تحتاج أن تحفظ هذه الأرقام، إذا قسمت؛ تخرج معك المسألة بالعول، إذا جمعت الأرقام؛ تخرج معك تلقائيًّا، لكن حفظها وضبطها يفيدك في أنك تطمئن لصحة القسمة.
التصحيح
ننتقل بعد ذلك إلى التصحيح:
تعريف التصحيح لغةً واصطلاحًا
والتصحيح معناه لغةً: من الصحة ضد السُّقْم.
واصطلاحًا: تحصيل أقل عددٍ ينقسم على الورثة بلا كسرٍ.
يعني: الغرض من التصحيح: أن نَخرج من الكسر، نَقسم العدد بدون كسورٍ.
تحصيل أقل عددٍ ينقسم على الورثة بلا كسرٍ.
والمَصَحُّ لغةً: هو مكان الصحة أو زمانه.
وهو اصطلاحًا: أقل عددٍ ينقسم على الورثة بلا كسرٍ.
سبب التصحيح
سبب التصحيح: هو الانكسار، أي أن سهام الورثة عندما نقسمها على مستحقِّيها أو على بعضهم؛ يكون هناك كسرٌ، فنلجأ للتصحيح؛ للتخلص من الكسر.
معنى الانكسار
طيب، ما معنى الانكسار؟
الانكسار: هو عدم انقسام السهام على الورثة أو على بعضهم إلا بكسرٍ، يقابل الانكسار الانقسام؛ يعني: المسألة تكون منقسمةً، تنقسم السهام على الورثة بدون كسرٍ، فإذا كانت المسألة منقسمةً؛ لا تحتاج إلى تصحيحٍ، وإذا كانت منكسرةً؛ تحتاج إلى تصحيحٍ، يعني مثلًا:
- هالكةٌ عن: زوجٍ، وثلاثة أعمامٍ.
الزوج كم يأخذ؟ نصفًا، والأعمام: الباقي، يعني: أصل المسألة من كم؟ من اثنين، النصف واحدٌ، والباقي واحدٌ.
طيب، واحدٌ كيف نقسمه على ثلاثة أعمامٍ؟ هنا يوجد كسرٌ، كيف نقسم واحدًا على ثلاثةٍ؟ نحتاج الى التصحيح.
هذه فكرة الانكسار.
وسيأتينا مصطلح "الفريق" و"الرُّءوس"، وهما بمعنًى واحدٍ، وهم الجماعة المشتركون في نوعٍ من الإرث فرضًا أو تعصيبًا، يقال: فريقٌ أو رءوسٌ.
كيفية التصحيح
طيب، كيفية التصحيح هي موجودةٌ كيفية التصحيح نظريًّا، نريد أن نطبقها عمليًّا على المثال.
طيب، المثال:
- هالكٌ عن: زوجةٍ، وأخوين شقيقين.
نقسمها أولًا قسمةً عاديةً.
الزوجة كم تأخذ: ربعًا أو ثمنًا؟ ربعًا، والأخوان الشقيقان: الباقي.
إذنْ عندنا: أربعةٌ، والباقي، يكون أصل المسألة كم؟ أربعةً، رُبُع الأربعة: واحدٌ، هذا ليس فيه إشكالٌ، الزوجة تأخذ واحدًا، الذي هو الربع، الإشكال: أن الباقي ثلاثةٌ، والأخوان اثنان، هنا سيحصل انكسارٌ بين الثلاثة والاثنين، كيف يتم التصحيح؟ نقول: إذا كان انكساره على فريقٍ واحدٍ كما في هذا المثال؛ أولًا: تُقسَم المسألة وتؤصَّل وتُعال، إن كانت عائلةً؛ قسمناها، يُنظر بين السهام والرءوس التي انكسرت عليها سهامها، يعني: بين الثلاثة والاثنين، بأي شيءٍ يُنظر؟ بنسبتي "المباينة" و"الموافقة" فقط، طيب لماذا لم نقل: و"المماثلة" و"المداخلة"؟
أحسنت؛ لأنه لو كانت "مماثلةً" أو "مداخلةً"؛ ما وُجد انكسارٌ، منقسمةٌ، لا يكون انكسارٌ إلا إذا كانت النسبة "مباينةً" أو "موافقةً".
فننظر إذنْ بين السهام، يعني التي هي في هذا المثال: ثلاثةٌ، والرءوس التي هي اثنان، بنسبتي "المباينة" و"الموافقة"، فإن باينت السهام الرءوس، كما في هذا المثال، لاحظ: ثلاثةٌ واثنان "مباينةٌ".
القاعدة: أخذتَ جميع الرءوس، يعني: تأخذ الرقم الذي هو عدد الرءوس وهو في هذا المثال كم؟ اثنان، أَخَوان، أخذت جميع الروءس، وجُعلت جزءَ سهمٍ يُضرب في أصل المسألة، أو عَولِها إن كانت عائلةً، وما خرج فهو المَصَحُّ.
الآن أخذنا جميع الرءوس، وهو اثنان، نضربه في أصل المسألة، وهو أربعةٌ؛ معنى ذلك: نضرب اثنين ضرب أربعةٍ، كم؟ ثمانيةٌ، هذا هو المَصَحُّ، ولا نكتفي بهذا، نضرب جميع المسألة كلها في اثنين، واحدٌ ضرب اثنين، ثلاثة ضرب اثنين.
إذنْ أعيدها مرةً ثانيةً، عندنا المثال الآن: زوجةٌ، وأَخَوان.
الزوجة: الربع، والأخوان: الباقي.
المسألة من أربعةٍ، الربع واحدٌ، والباقي ثلاثةٌ، عندنا انكسارٌ بين ثلاثةٍ واثنين، طيب، النسبة بين ثلاثةٍ واثنين: إما "مباينة" أو "موافقة"؟ "مباينةٌ".
إذا كانت "مباينةً"؛ خذِ الرقم الموجود الذي في عدد الرءوس، وهو اثنان، اضربه في أصل المسألة؛ معنى ذلك: اثنان ضرب أربعةٍ تكون ثمانيةٌ، ثمانيةٌ هذا هو المصحُّ، ونضرب أيضًا السهام كلها في اثنين، يعني: أربعةٌ ضرب اثنين، واحدٌ في اثنين، ثلاثةٌ في اثنين، لاحظ هنا تم التصحيح.
لمَّا قلنا: ثلاثةٌ في اثنين: ستة؛ لكل أخٍ ثلاثةٌ.
طيب، نأخذ مثالًا آخر أيضًا:
- هالكٌ عن: أمٍّ، وخمسة أعمامٍ.
الأم: إما ثلثًا أو سدسًا، كم تأخذ؟ ثلثًا، والأعمام: الباقي.
المسألة من كم؟ ثلاثةٍ، ثلث الثلاثة: واحدٌ، والباقي: اثنان، أين الانكسار؟ في نصيب الأعمام؛ سهامهم اثنان، رءوسهم خمسةٌ.
القاعدة تقول: ننظر بين السهام والرءوس بالنسبة لمباينِهم، أو موافقِ اثنين وخمسةٍ، "مباينةٌ" أو "موافقةٌ"؟ "مباينةٌ"؛ إذنْ نأخذ الرقم خمسةً ونضربه في أصل المسألة، خمسةٌ ضرب ثلاثةٍ: خمسة عشر، ونضرب أيضًا السهام في خمسة؛ واحدًا في خمسةٍ، اثنين في خمسةٍ: عشرةٌ؛ لكل عمٍّ اثنان.
تأخذ هذا المثال في البيت، وتَحُله مرةً، مرتين، ثلاث مراتٍ، حتى تفهمه جيدًا.
طيب، نأخذ مثالًا أيضًا على المباينة، نكثر من الأمثلة؛ لأن القاعدة كلما أكثرت من الأمثلة والتطبيقات؛ كان ذلك أقرب لضبط الفرائض.
مثالٌ آخر:
- هالكةٌ عن: ثلاث جداتٍ، وزوجٍ، وأختٍ شقيقةٍ.
الجدات: يأخذن السدس، والزوج: النصف أو الربع؟ النصف، والأخت الشقيقة: النصف.
لاحِظ هنا: السدس واحدٌ، والنصف ثلاثةٌ، والنصف ثلاثةٌ، تعول المسألة من ستةٍ إلى سبعةٍ.
أين الانكسار عندنا؟ هل الزوج في نصيبه انكسارٌ؟ لا، واحدٌ، الأخت الشقيقة واحدةٌ، الانكسار في نصيب الجدات؛ سهامهن واحدٌ، وهن ثلاثةٌ، واحدٌ وثلاثةٌ ما النسبة بينهما؟ "مباينةٌ" دائمًا واحدٌ وأيُّ عددٍ "مباينةٌ"، واحدٌ وثلاثةٌ "مباينةٌ".
القاعدة في المباينة: خذ جميع الرءوس التي هي ثلاثةٌ، اضربه في أصل المسألة؛ معنى ذلك: نضرب ثلاثةٌ في سبعةٍ: واحدٌ وعشرون، ونضرب أيضًا واحدًا في ثلاثةٍ: ثلاثةٌ في ثلاثةٍ، ثلاثة في ثلاثة.
فيعني: إذا قلنا في الجدات: واحدٌ في ثلاثة: ثلاثة، لكل جدةٍ واحدٌ، هذا بالنسبة المباينة.
ننتقل للموافقة:
- هالكٌ عن: زوجةٍ، واثنتي عشرة بنتًا، وعمٍّ.
الزوجة: الثُّمن أو الربع؟ الثُّمن، واثنتا عشرة بنتًا: الثلث، والعمُّ: الباقي.
طيب، نريد تأصيل المسألة: ثمانيةٌ، وثلاثةٌ "مباينة"، نضرب ثمانيةً ضرب ثلاثةٍ: أربعةٌ وعشرون مباشرةً.
ثُمن الأربعة والعشرين: ثلاثةٌ، ثلثا الأربعة والعشرين: ستة عشر، والعمُّ له الباقي: خمسةٌ، أين الانكسار؟ الانكسار في نصيب البنات: سهامهن ستة عشر، وعدد رءوسهن اثنا عشر، فننظر إذنْ بين ستة عشر واثني عشر بنسبتي "المباينة" و"الموافقة"، النسبة ما هي؟ "موافقةٌ".
القاعدة تقول: خذ وَفْق الرءوس، انتبه! الرءوس وليس السهام، خذ وَفْق الرءوس، واضربه في أصل المسألة.
وضعنا: اثني عشر وستة عشر، علام يتفقان في القسمة؟ على أربعةٍ، أحسنت!
طيب، اثني عشر تقسيم أربعةٍ: ثلاثةٌ، ثلاثةٌ هذا هو الوَفْق، وهو جزء السهم، يسمَّى "وَفْقًا" و"جزء السهم".
الثلاثة هذه نضربها في أصل المسألة: أربعة وعشرين، وفي ثلاثةٍ، وفي ثلاثة عشر، وفي خمسةٍ.
أُعيد مرةً أخرى: قسمنا المسألة؛ الزوجة: الثُّمن، اثنتا عشرة بنتًا: الثلثان، العم: الباقي.
أصل المسألة: ثمانيةٌ، وثلاثةٌ: أربعة وعشرون، أين الانكسار؟ الانكسار في نصيب البنات؛ سهامهن ستة عشر، ورءوسهن اثنا عشر.
القاعدة تقول: خذْ وَفق الرءوس، ليس أيَّ وَفقٍ، ليس وَفق السهام، بل وَفق الرءوس.
طيب، نقول: ستة عشر، واثنا عشر محل اتفاقٍ، نضعه في دائرةٍ أربعةٍ، طيب: وَفق الرءوس كم؟ اثنا عشر، اثنا عشر تقسيم أربعةٍ: ثلاثةٌ، ثلاثةٌ هذا هو جزء السهم، نضربه في أصل المسألة: ثلاثةٌ في أربعةٍ وعشرين: اثنان وسبعون، ثلاثةٌ في ثلاثةٍ: تسعةٌ، ستة عشر في ثلاثةٍ: ثمانيةٌ وأربعون، لكل بنتٍ أربعةٌ، فصحَّحنا الانكسار، خمسةٌ في ثلاثةٍ: خمسة عشر.
طيب، مثالٌ آخر:
- هالكٌ عن: جدةٍ، وست بناتٍ، وعمٍّ.
الجدة: سدسٌ، البنات: ثلثان، والعم: الباقي؛ إذنْ أصل المسألة من ستةٍ "مداخلة"، أين الانكسار؟ الانكسار في نصيب البنات؛ سهامهن أربعةٌ، ورءوسهن ستّةٌ، النسبة "موافقةٌ".
القاعدة تقول: خذْ وَفق الرءوس واضربه في أصل المسألة.
طيب، لو وضعنا ستةً، وأربعةً، محل الاتفاق: اثنان، ستةٌ تقسيم اثنين: ثلاثةٌ، ثلاثةٌ نضربها في أصل المسألة: ستةٌ ضرب ثلاثةٍ: ثمانية عشر، واحدٌ ضرب ثلاثةٍ، أربعةٌ ضرب ثلاثةٍ، واحدٌ ضرب ثلاثةٍ، فالمَصَحُّ إذنْ: ثمانية عشر.
صحَّحنا الانكسار في نصيب البنات: أربعةٌ ضرب ثلاثةٍ: اثنا عشر، لكل بنتٍ اثنان.
طيب، مثالٌ آخر:
- زوجةٌ، وستة أعمامٍ.
الزوجة: الربع أو الثُّمن؟ الربع، الأعمام: الباقي، أصل المسألة: أربعةٌ، رُبُع الأربعة: واحدٌ، والباقي: ثلاثةٌ.
أين الانكسار؟ في نصيب الأعمام: ثلاثةٌ، وستّةٌ، لاحظ هنا أنا أتيت بهذا المثال قصدًا؛ حتى تعرف أنها ليست "مداخلةً"، هنا "موافقةٌ"، ستةٌ وثلاثةٌ هنا "موافقةٌ" في هذا الموضع، إي نعم؛ لأن هذه ثلاثةٌ، وهذه ستةٌ، ونحن نريد وَفق الرءوس، فثلاثةٌ وستةٌ علام يتفقان في القسمة؟ على ثلاثةٍ.
نحن نريد وَفق الرءوس، يعني: ستةً تقسيم ثلاثةٍ: اثنان، اثنان هو جزء السهم، فنضرب أربعةً في اثنين: ثمانيةٌ، واحدٌ في اثنين: اثنان، ثلاثةٌ في اثنين: ستةٌ، هذه ليست "مداخلةً"، وإنما "موافقةٌ"، يعني هذه مسألةٌ مستثناةٌ، انتبه لها!
طيب، الحالة الثانية، ولعلنا نختم بها:
الحالة الثانية: أن يكون الانكسار على أكثر من فريقٍ.
فتُقسَم المسألة وتُصحَّح، بعد ذلك يُنظر بين السهام والرءوس، كما ذكرنا بالنسبة للمباينة والموافقة.
لكن إذا حصل انكسارٌ في فريقٍ؛ نثبته ونضعه في مربَّعٍ، ثم انكسارٌ في فريقٍ ثانٍ؛ نثبته ونضعه في مربعٍ، ثم ننظر بين المربعات بالنِّسب الأربع، وحاصل النظر: هو جزء السهم، نضربه في أصل المسألة.
نوضح هذا بالمثال:
- هالكٌ عن: جدتين، وثلاث بناتٍ، وأخٍ شقيقٍ.
نقسم المسألة قسمةً عاديةً:
الجدتان كم؟ السدس، والبنات: الثلثان، والأخ الشقيق: الباقي.
ستّةٌ وثلاثةٌ، أصلها من كم؟ من ستةٍ، سدس الستة: واحدٌ، والثلثان: أربعةٌ، والباقي: واحدٌ، أين الانكسار؟ عندنا انكساران:
- انكسارٌ أولٌ في نصيب الجدات: واحدٌ، اثنان.
- وانكسار ثانٍ في نصيب البنات: أربعةٌ، وثلاثةٌ.
ننظر الانكسار الأول: واحدٌ، واثنان، ما النسبة؟ "مباينةٌ"، أيَّ شيءٍ تأخذ؟ اثنين، وضَعْها في مربعٍ واتركها.
ننتقل للانكسار الثاني: أربعةٌ، وثلاثةٌ، أيضًا "مباينةٌ"، نأخذ أيضًا في المباينة كامل الرءوس، يعني: ثلاثةً.
فأخذنا ثلاثةً في مربعٍ، كم أصبحت المربعات؟ مربعين:
- المربع الأول: اثنان.
- والمربع الثاني: ثلاثةٌ.
ننظر بين اثنين وثلاثةٍ بالنسب الأربع كلها؛ اثنان، وثلاثةٍ، فما النسبة؟ "مباينةٌ"، نضرب اثنين في ثلاثةٍ، كم؟ ستةٌ، إذنْ ستةٌ وجزء السهم يضرب في أصل المسألة وفي سهامها: ستةٌ في ستةٍ، واحدٌ في ستةٍ، أربعةٌ في ستةٍ، واحدٌ في ستةٍ؛ معنى ذلك: صحَّحنا الانكسار في نصيب الجدات وفي نصيب البنات.
مثالٌ آخر:
هالكٌ عن: زوجتين، وخمسة أبناءٍ.
الزوجتان: الثُّمن أو الربع؟ الثُّمن، والأبناء: الباقي؛ إذنْ المسألة من ثمانيةٍ، ثُمن الثمانية: واحدٌ، والباقي: سبعةٌ، أين الانكسار؟ في نصيب الزوجتين: واحدٌ، واثنان "مباينةٌ"، أحسنت! نأخذ الاثنين، كم نأخذ؟ نأخذ جميع الرءوس، وهو اثنان، هذا الانكسار الأول.
طيب، في نصيب أيضًا الأبناء انكسارٌ من سبعةٍ وخمسةٍ، أيضًا "مباينةٌ"، كم نأخذ؟ خمسةً، فأصبح عندنا مربعٌ ثانٍ؛ اثنان في المربع الأول، وخمسةٌ في مربعٍ ثانٍ، ننظر لها بالنِّسب الأربع؛ اثنان ضرب خمسة: عشرةٌ، نضرب المسألة كلها في عشرةٍ، ثمانيةٌ في عشرةٍ: ثمانون، مَصَحُّ المسألة: واحدٌ في عشرةٍ: عشرةٌ، لكل زوجةٍ خمسةٌ، وسبعةٌ في عشرةٍ: سبعون.
طيب، أمثلةٌ على الموافقة:
- هالكٌ عن: ثلاث زوجاتٍ، وتسعة أعمامٍ.
الزوجات: الربع أو الثُّمن؟ الربع، والأعمام: الباقي؛ إذنْ أصل المسألة من كم؟ من أربعةٍ، طيب، ربع الأربعة: واحدٌ، والباقي: ثلاثةٌ، كم انكسارًا؟ انكساران.
أولًا: نصيب الزوجات: واحدٌ وثلاثةٌ: "مباينةٌ" أو "موافقةٌ"؟ "مباينةٌ"؛ إذنْ نأخذ ثلاثةً، ونضعها في مربعٍ.
طيب، ثلاثةٌ وتسعةٌ "موافقةٌ"، يتفقان في القسمة على كم؟ على ثلاثةٍ؛ تسعةٌ تقسيم ثلاثةٍ: ثلاثةٌ، هذا المربع الثّاني.
فأصبح عندنا مربعان: ثلاثةٌ، وثلاثةٌ ثلاثةٌ، وثلاثةٌ: ثلاثةٌ "مماثلةٌ"؛ إذنْ جزء المسألة أو جزء السهم: ثلاثةٌ، نضرب الأربعةً في ثلاثةٍ: اثنا عشر، واحدٌ في ثلاثةٍ: ثلاثةٌ، ثلاثةٌ في ثلاثةٍ: تسعةٌ.
مثالٌ آخر للموافقة:
- هالكٌ عن: أربع زوجاتٍ، وأربع أخواتٍ شقائق، وتسعة إخوةٍ لأمٍّ، وثلاث جداتٍ.
طيب، الزوجات: الربع أو الثُّمن؟ الربع، والأخوات الشقائق: الثلثان، والإخوة لأمٍّ: الثلث، والجدات: السدس.
عندنا: أربعةٌ، وثلاثةٌ، وثلاثةٌ، وستةٌ، يكون أصلها كم؟ اثني عشر؛ لأن ستةً وثلاثةً "مداخلةٌ"، وستةً وثلاثةً "مداخلةٌ"، ستةٌ وأربعةٌ: اثنا عشر.
ربع الاثني عشر: ثلاثةٌ، والثلثان: ثمانيةٌ، والثلث: أربعةٌ، والسدس: اثنان.
أين الانكسار؟ عندنا الزوجات: ثلاثةٌ، وثلاثةٌ، هل يوجد انكسارٌ؟ كم زوجةً الآن عندنا؟ أربع زوجاتٍ نعم، ثلاثةٌ وأربعةٌ: فيها انكسار "مباينة".
إذنْ نثبت كم؟ أربعةً، أربعة ضعها في مربعٍ، طيب: عندنا أخواتٌ شقائق، عندنا ثمانيةٌ وأربع أخواتٍ شقائق، هل فيها انكسارٌ؟ ليس فيها انكسارٌ، منقسمةٌ، أحسنت!
طيب، عندنا إخوةٌ لأمٍّ: السهام أربعةٌ والرءوس تسعةٌ، يوجد انكسارٌ، نأخذ جميع الرءوس؛ لأنها "مباينةٌ"، تكون تسعةً، هذا المربع الثاني.
الجدات: السهام: اثنان، والرءوس: ثلاثةٌ، أيضًا فيها انكسارٌ "مباينة" نثبت ثلاثةً.
أصبحت المربعات المثبتة: أربعةً، وتسعةً، وثلاثةً، طيب، تسعةٌ وثلاثةٌ: تسعةٌ، تسعةٌ وأربعةٌ "مباينة"، نضرب الأربعة في تسعةٍ: ستةٌ وثلاثون، يكون ستةٌ وثلاثون هو جزء السهم، نضربه في أصل المسألة، والمسألة عالت إلى سبعة عشر، فنضرب سبعة عشر في ستةٍ وثلاثين: ستُّمئةٍ واثنا عشر، نضرب جميع المسألة في ستٍّ وثلاثين، فيتصحَّح الانكسار.
طيب، هل يمكن أن نستغني عن الانكسار؟ هل يمكن أن نستغني عن التصحيح؟
الحقيقة أنه يمكن في أكثر المسائل، يمكن في (95%) من المسائل، لا نحتاج أصلًا لهذا كله، لكن تبقى (5%) نحتاج فيها إلى التصحيح.
فيمكن الاستغناء عن التصحيح وتخرج معك المسائل تلقائيًّا، إلا في مسائل الحمل والمفقود، هذه نحتاج فيها للتصحيح كما سيأتي.
نحتاج حتى نعرف نصيب الحمل ونصيب المفقود؛ لأننا سنحتاط له، لكن ما عدا ذلك فالتصحيح ليس ضروريًّا، فلا نحتاج لهذا الكلام كله، هذا من التبسيط في حساب الفرائض، يعني لو قسمت من غير تصحيحٍ؛ تخرج معك القسمة مباشرةً، وجرِّبْ، لكن شرحتها لكم، ولم أُرِد أن أَذكُر لكم هذه المعلومة إلا بعدما ننتهي؛ حتى تركِّزوا وتَضبطوا هذا الباب؛ لأننا سنحتاج له في الحمل وفي المفقود، لو كنا لن نحتاجه في جميع الأبواب؛ لقلت لكم: ليس هناك داعٍ أن أشرحه، لكن ما دام أنه سنحتاج له في الحمل وفي المفقود؛ فلا بد من ضبطه.
طيب، هنا مسألةٌ نظريةٌ، وهي: أقسام الأصول بالنسبة للانكسار:
- ما لا يُتصور فيه الانكسار إلا على فريقٍ واحدٍ، وهو: اثنان، هذا لا يمكن إلا على فريقٍ واحدٍ.
- ما يُتصور فيه الانكسار على فريقٍ وفريقين، وهو: ثلاثةٌ، وأربعةٌ، وثمانيةٌ، وأيضًا ثمانية عشر، وستٌّ وثلاثون عند من يورِّث الإخوة مع الجد.
- ما يُتصور فيه الانكسار على ثلاث فِرَقٍ فما دونها، وهو: ستةٌ، وستةٌ وثلاثون عند من يورِّث أكثر من جدتين.
- ما يُتصور فيه الانكسار على أربع فرقٍ، وهو: اثنا عشر، وأربعةٌ وعشرون.
هذه مسائل نظريَّةٌ، يعني: لو لم تعلمها؛ لا تضرُّك، لكنها تُذكَر في باب الفرائض.
بهذا نكون قد انتهينا من التصحيح، ونقف عند قسمة التركات، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
| ^1 | ذكره ابن قدامة في المغني (9/ 24) عن عمر بهذا اللفظ، وأشار الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 194) إلى أن الطحاوي ذكره كذلك عنه ، ورواه الحاكم: 7969، عن زيد بن ثابت بلفظ: "هَبُوا أن أباهم كان حمارًا..". |
|---|---|
| ^2 | رواه ابن أبي شيبة: 31106. |
| ^3 | رواه البخاري: 6732، ومسلم: 1615. |
| ^4 | رواه أبو داود: 4067، والترمذي: 2676، وابن ماجه: 42، وأحمد: 17142، وقال الترمذي: حسن صحيح. |
| ^5 | البخاري: 8/ 151. |
| ^6 | سبق تخريجه. |
| ^7 | رواه النسائي: 3227، وأبو داود: 2050. |
| ^8 | رواه البخاري: 6347، بلفظ: كان رسول الله يتعوذ من جهد البلاء..."، ومسلم: 2707. |
| ^9 | رواه البخاري: 2567، ومسلم: 2972، بلفظ: إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أُوقِدت في أبيات رسول الله نار. |
| ^10 | رواه أبو داود: 142، والحاكم: 2914. |

