جدول المحتويات
- كتاب الأطعمة
- تعريف الأطعمة وبيان أن الأصل فيها الحِلُّ
- ضابط ما يُباح من الأطعمة وما يَحْرُم
- تحريم أكل النَّجاسات
- ما يَحْرُم من حيوان البَرِّ
- ما يَحْرُم من الطير
- يَحْرُم من الطير ما يأكل الجِيَف
- حِلُّ ما تولَّد من مأكولٍ طاهرٍ
- حِلُّ بهيمة الأنعام
- حكم أكل الخيل
- حكم أكل الضَّبُع
- إباحة أكل الزرافة والأرنب
- حكم أكل الغُرَاب
- حكم حيوان البحر
- حكم الجلَّالة
- الأطعمة المكروهة
- أكل الميتة للمُضطر
- انتفاع المُضطر بمال الغير أو أكله
- أكل المارّ من البستان واحتلابه الماشية
- أحكام الضيافة
هذا الدرس يُعتبر مجلس علمٍ، والنبي يقول: مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة [1]، فالذي يُتابع مثل هذه الدروس ويحتسب الأجر عند الله هو في عبادةٍ.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتَّبع سُنَّته إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف:10].
كتاب الأطعمة
الدرس في التعليق على "السلسبيل في شرح الدليل" سيكون في "كتاب الأطعمة" إن شاء الله.
تعريف الأطعمة وبيان أن الأصل فيها الحِلُّ
الأطعمة جمع طعامٍ، والطعام: اسمٌ لما يُؤْكَل ويُشْرَب.
أما كونه اسمًا لما يُؤْكَل فهذا ظاهرٌ، لكن ما يُشْرَب يُسمَّى أيضًا طعامًا، ويدل على ذلك قول الله عن طالوت: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي [البقرة:249]، وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ يعني: يَطْعَم ماءَ النهر، فعبَّر بالطعم مع كون ما يُتناول ماءً، وهذا يدل على أن ما يُشْرَب يَصحُّ أن يُطْلَق عليه طعامًا.
وقال النبي عن زمزم: إنها مُباركةٌ، إنها طعامُ طُعْمٍ [2]، فجعل ماء زمزم طعامًا، وإن كان الغالب إطلاق الطعام على ما يُؤْكَل دون ما يُشْرَب.
والمراد بالطعام: ما يأكله الإنسان ويتغذَّى به من الأقوات وغيرها ويشربه.
والأطعمة الأصل فيها الحِلُّ، وهكذا الأصل في الأشياء الحِلُّ والإباحة؛ لقول الله : هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وجاءت هذه الآية على سبيل الامتنان: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13]، وهذا يدل على أن الأصل فيما خلقه الله تعالى في الأرض الحِلُّ والإباحة، ومن ذلك الأطعمة.
وورد في الأطعمة بخصوصها قول الله سبحانه: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [المائدة:93]، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32].
ضابط ما يُباح من الأطعمة وما يَحْرُم
قال:
الأطعمة إما أن تكون أطعمةً حيوانيةً، أو أطعمةً غير حيوانيةٍ.
والأطعمة غير الحيوانية لها ثلاثة أوصافٍ، قد بدأ بها المُصنِّف رحمه الله، بدأ بالأطعمة غير الحيوانية، وذكر لها ثلاثة أوصافٍ قال: "طعام، طاهر، لا مَضرَّة فيه".
الوصف الأول: "طاهر"، فإن كان نجسًا فهو مُحرَّمٌ، والقاعدة في هذا: أن كل نَجِسٍ مُحرَّمٌ، وليس كل مُحرَّمٍ نجسًا.
فجميع النَّجاسات يَحْرُم تناولها، وأما المُحرَّمات فليست كلها نَجِسةً، فقد يكون الشيء مُحرَّمًا وليس نَجِسًا مثل: التَّبغ -الدخان- مُحرَّمٌ شربه وتناوله، لكنه ليس نَجِسًا، ويدل على هذا الوصف قول الله : قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145].
والوصف الثاني أشار إليه المُصنِّف بقوله: "لا مَضرَّة فيه"، فإن كان الطعام فيه مَضرَّة حرم أكله مثل: السُّم؛ لأن في هذا إلقاءً للنفس إلى التَّهْلُكَة.
والوصف الثالث لم يذكره المؤلف، وأُضيف في "السلسبيل"، وهو: ألَّا يكون مُسْكِرًا، فإن المُسْكِرات كلها حرامٌ، وكل مُسْكِرٍ حرامٌ.
يعني: أنه يَحِلُّ.
هذا تمثيلٌ للطعام الخالي من الضَّرر؛ لأن عبارة المُصنِّف لو قرأناها من أولها، قال: "يُباح كلُّ طعامٍ طاهرٍ لا مَضرَّة فيه، حتى المسك ونحوه"، يعني: يُباح، فهو معطوفٌ على قوله: "كل طعام"، فالمِسْك يَحِلُّ أكله، وإن كان لا يُؤْكَل عادةً.
ولما سُئل الإمام أحمد عن المِسْك يُجْعَل في الدواء ويُشْرَب، قال: لا بأس.
تحريم أكل النَّجاسات
وهذا بالإجماع؛ لقول الله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ.
يعني: يَحْرُم تناول البول والرَّوَث.
أما إذا كان البول والرَّوَث لغير طاهرٍ فهذا مُحرَّمٌ بالإجماع؛ لكونه نَجِسًا، لكن إذا كان البول والرَّوَث طاهرين كبول بهيمة الأنعام، فالمؤلِّف يقول: إنه يَحْرُم تناولهما؛ لاستقذارهما لغير ضرورةٍ، لكن إذا احتاج إليهما فيُباحان؛ لقصة العُرَنِيِّين الذين رخَّص لهم النبي أن يأتوا إلى إبل الصدقة ويشربوا من ألبانها وأبوالها [3].
ولما سُئل الإمام أحمد عن شرب أبوال الإبل قال: "أما من عِلَّةٍ فنعم، وأما رجلٌ صحيحٌ فلا يُعْجِبني".
فإذا كان شُرْب بول بهيمة الأنعام للتداوي فلا بأس، أما إذا كان لغير التداوي فَيُكْرَه، لكن لا يصل إلى درجة التَّحريم، هذا هو الأقرب في هذه المسألة.
ما يَحْرُم من حيوان البَرِّ
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للنوع الثاني من الأطعمة، وهو الأطعمة الحيوانية، والأصل فيها الحِلُّ.
قال:
يعني: الأصل في الأطعمة الحيوانية الحِلُّ إلا الحُمُر الأهلية، وهذا بالإجماع.
وقد كان يُباح أكله في صدر الإسلام، ثم حُرِّم، ونهى النبي يوم خَيبر عن الحُمُر الأهلية.
وقد رُوِيَ عن ابن عباسٍ أنه أباح أكله، يعني: بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن أنكر عليه الصحابة إنكارًا شديدًا، وممن أنكر عليه عليٌّ وغلَّظ عليه، ويُقال: إن ابن عباسٍ رجع عن قوله، فصار تحريم الحُمُر الأهلية إجماعًا.
وقول المؤلِّف: "الحُمُر الأهلية" يُفْهَم منه أن الحُمُر الوحشية ليست مُحرَّمةً، وهو كذلك، فالحُمُر الوحشية صيدٌ يُباح أكله.
قال:
يعني: فَيَحْرُم أكله.
ومثَّل المؤلِّف لهذا بأمثلةٍ:
"ما يَفْتَرِس بنابه" فلا بد أن يجمع هذين الوصفين:
الوصف الأول: أن يَفْتَرِس.
والوصف الثاني: أن يكون له نابٌ.
فإن كان له نابٌ لا يَفْتَرِس به لم يَحْرُم؛ لحديث أبي هريرة : أن النبي قال: كلُّ ذي نابٍ من السِّباع فَأَكْلُهُ حرامٌ [4]، وفي حديث أبي ثعلبة : نهى رسول الله عن أكل كل ذي نابٍ من السِّباع [5].
فيدخل في ذلك جميع ذوات الأنياب، فَيَحْرُم أكلها، ومن ذلك ما مثَّل به المؤلِّف من الأسد، والنمر، والفهد، والكلب، والقرد، ونحوها.
والحكمة من تحريم أكلها: أن للغذاء تأثيرًا على المُتغذِّي به، فإذا تغذَّى الإنسان بهذا النوع من الحيوانات، ومن طبعها الأذية والعدوان، فربما اكتسب من طباعها وصفاتها.
وأيضًا يحتمل أن يكون في أكلها ضررٌ على الصحة، والله تعالى لا يُحَرِّم شيئًا إلا لحكمةٍ، ولا يمنع شيئًا إلا لحكمةٍ جلَّ وعلا، فيحتمل أيضًا أن في أكلها ضررًا صحيًّا.
أيضًا من أمثلة الحيوانات التي تَحْرُم قال:
الدُّبُّ معروفٌ، يَحْرُم أكله؛ لأنه من ذوات الأنياب.
النِّمْس: حيوانٌ في حجم القِط، قصير اليدين والرِّجْلَين.
وهو نوعٌ من الكلاب البَرِّية، والعامَّة تُسميه: الواوي.
ابن عِرْس: دُوَيْبَة تُشبه الفأرة، مُستطيل الجسم، أصلع الأُذُنين.
السِّنَّوْر: هو القِطُّ أو الهِرُّ.
فالقِطُّ يَحْرُم أكله حتى لو كان بريًّا.
وهو حيوانٌ أكبر من الجُرْذ.
السَّمُّور: الذي يظهر أنه ليس في بيئتنا، لكنه يعيش في بلاد التُّرْك، ويُشبه ابن عِرْسٍ.
هذه أمثلةٌ للحيوانات المُحرَّمة التي لها نابٌ ويَحْرُم أكلها.
ما يَحْرُم من الطير
قال:
يَحْرُم من الطير ما يصيد بِمِخْلَبِه
إذن يَحْرُم كل ذي نابٍ من السِّباع، ويَحْرُم أيضًا كل ذي مِخْلَبٍ من الطير، له مِخْلَبٌ يصيد به؛ لحديث ابن عباسٍ: نهى رسول الله عن كلِّ ذي نابٍ من السِّباع، وعن كلِّ ذي مِخْلَبٍ من الطير [6]، وكذا أيضًا حديث أبي ثعلبة.
والمؤلِّف مثَّل لهذا بأمثلةٍ قال: "كعُقَاب" وهو طائرٌ من الطيور الجارحة، له مِخْلَبٌ قويٌّ، ويُشبه الصقر.
والبَازِي: حيوانٌ أو طائرٌ طويل الذَّيل، جارحٌ، يُصاد به.
"وصَقْر" الصقر معروفٌ.
"وباشِق" الباشق: طائرٌ جارحٌ، صغير الحجم، قصير الجناح.
"وشاهين" طائرٌ من جنس الصقر، لكنه طويل الجناحين.
"وحِدَأَة" ويقال لها: الحُدَيَّة، وهي طائرٌ من الجوارح له مِخْلَبٌ قويٌّ يَعْدُو به.
"وبُومَة" البُومَة: طائرٌ جارحٌ من الطيور الجارحة، وينشط -في الغالب- في الليل، ويُبْصِر في الظلام، وحاسة السمع عنده قويةٌ.
هذه الحيوانات كلها أو هذه الطيور كلها مُحرَّمةٌ.
إذن يَحْرُم كل ذي نابٍ من السباع، وكل ذي مِخْلَبٍ من الطير.
يَحْرُم من الطير ما يأكل الجِيَف
أيضًا يَحْرُم ما يأكل الجِيَف، ومثَّل له المؤلف بأمثلةٍ، ومقصود المُصنِّف ما يأكل الجيف من الطيور:
النَّسْر يَحْرُم أكله؛ لأنه يأكل الجِيَف.
كذلك الرَّخَم يأكل الجِيَف، وهو طائرٌ غزير الريش، أبيض اللون، له منقارٌ طويلٌ، ويأكل الجِيَف.
أيضًا طائرٌ مائيٌّ طويل العُنُق.
الغُرَاب: ستأتينا بعد قليلٍ أنواع الغربان بالتَّفصيل، وأنها ثلاثة أقسامٍ، لكن الغراب الأسود الكبير هذا مُحرَّمٌ، وهو مقصود المُصنِّف.
الخُفَّاش أيضًا مُحرَّمٌ، وهو معروفٌ.
كذلك معروفٌ.
حشرةٌ تُشبه النَّحل.
هذه معروفةٌ.
أيضًا الهدهد معروفٌ.
وهو طائرٌ يُشبه العُصفور، ويُسميه بعض الناس: عصفور الجنة، وعصافير الجنة، هو الخُطَّاف.
هذه -إذن- كلها مُحرَّمةٌ؛ لأنها تأكل الجيف.
حكم أكل القُنْفُذ
القُنْفُذ: حيوانٌ صغيرٌ مُغطًّى بشوكٍ، إذا أحسَّ بأحدٍ انكمش وأدخل رأسه ورِجْلَيه في هذا الشَّوك، فلا يَقْدِر عليه إلا حيوانٌ واحدٌ يُقال له: الحِدَأَة، والحِدَأة إذا أمسكتْ به رفعته إلى السماء، ثم ألقته على الأرض، فحينئذٍ يخرج من الجلد الذي فيه الشوك، وتستطيع أن تأخذه، أو أن تأكله وتفترسه.
ولكن ما حكم أكل القُنْفُذ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يَحْرُم.
وهذا قول الحنفية والحنابلة، واستدلوا بحديث ابن عمر قال: ذُكِرَ القُنْفُذ عند رسول الله فقال: خبيثةٌ من الخبائث [7].
والقول الثاني: أنه يجوز أكل القُنْفُذ.
وهذا مذهب المالكية والشافعية، وعلَّلوا لذلك قالوا: الأصل الحِلُّ والإباحة، ولم يرد ما يدل على تحريم أكل القُنْفُذ، والحديث المروي: أنه خبيثةٌ من الخبائث حديثٌ ضعيفٌ، ثم هو يتغذى بالنباتات، وليس من ذوات الأنياب، ولما سُئِل ابن عمر عن القُنْفُذ قرأ قول الله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ [الأنعام:145].
وهذا هو القول الراجح: أنه يُباح أكل القُنْفُذ، وقد اختاره شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى.
وهو من أنواع القُنْفُذ، لكنه ضخمٌ، والراجح أيضًا هو حِلُّ أكله.
يَحْرُم أكل الحَيَّة؛ لأن النبي أمر بقتلها في الحِلِّ والحَرَم، ولو كانت مُباحةً لما أمر بقتلها في الحَرَم، فلا يجوز قتل صيدٍ مأكولٍ في الحَرَم.
يعني: يَحْرُم أكل الحشرات؛ لأنها مُسْتَخْبَثةٌ؛ ولهذا أكثر العلماء على تحريمها، وإن كان مرويًّا عن الإمام مالك أنه كرهها من غير تحريمٍ، لكن الرواية الأخرى عن الإمام مالك أنها مُحرَّمةٌ.
والصواب ما عليه أكثر العلماء من تحريم أكل الحشرات؛ لأنها مُسْتَخْبَثةٌ.
حِلُّ ما تولَّد من مأكولٍ طاهرٍ
يعني: الحشرات التي تتولَّد من طعامٍ طاهرٍ مثل: ذُباب الباقِلَّاء، ومثل: دود الخَلِّ والجُبْن، فيقولون: هذه يَحِلُّ أكلها مع الطعام الذي تولَّدتْ فيه تبعًا؛ وذلك لعُسْر تمييزها وإخراجها، ولكن لا يَحِلُّ أكلها مُنفردةً، إنما تُؤْكَل مع الطعام تبعًا؛ لأنه يَثْبُت تبعًا ما لا يَثْبُت استقلالًا.
حِلُّ بهيمة الأنعام
قال المُصنِّف رحمه الله:
يعني: ما عدا ما ذُكِرَ مما سبق.
وهي: الإبل والبقر والغنم، كما قال الله تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ [المائدة:1]، وقال: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ .. إلى آخر الآيات [الأنعام:143].
حكم أكل الخيل
الخيل مُباحٌ، والمسألة فيها قولان للفقهاء:
القول الأول: أنه يُباح أكل الخيل، وهو المذهب عند الحنابلة.
والقول الثاني: أنه يَحْرُم، وهو مذهب الحنفية.
القائلون بِحِلِّ أكل الخيل استدلوا بحديث جابرٍ : أن النبي أَذِنَ في لحوم الخيل يوم خيبر [8]، رواه مسلمٌ.
وأيضًا جاء في الصحيحين عن أسماء رضي الله عنها قالت: نَحَرْنَا على عهد النبي فرسًا فأكلناه [9]، وأيضًا هذا الحديث رواه البخاري ومسلمٌ.
وهذه الأحاديث صحيحةٌ صريحةٌ بِحِلِّ أكل الخيل.
الحنفية استدلوا بحديث خالد بن الوليد : أن رسول الله نهى عن أكل لحوم الخيل [10]، لكن هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ، أخرجه أبو داود والنَّسائي وابن ماجه، وقال النَّووي: اتَّفق العلماء من أئمة الحديث وغيرهم على أنه حديثٌ ضعيفٌ.
وعلى هذا فالقول الراجح هو القول الأول، وهو قول الجمهور، وهو أنه يُباح أكل لحم الخيل؛ وذلك لقوة دليله.
حكم أكل الضَّبُع
قال:
أي: يُباح أكل الضَّبُع.
والضَّبُع حيوانٌ معروفٌ، وقد اختلف الفقهاء في حكم أكله على ثلاثة أقوالٍ:
- القول الأول: تحريم أكل الضَّبُع، وهذا هو مذهب الحنفية، واستدلوا بعموم حديث أبي ثعلبة : نهى رسول الله عن أكل كل ذي نابٍ من السِّباع [11]، وما جاء في معناه.
قالوا: والضَّبُع له نابٌ يفترس به، فيدخل في عموم هذا الحديث. - القول الثاني: يُكْرَه أكله ولا يَحْرُم، وهذا مذهب المالكية، قالوا: هو من السِّباع التي لا تَعْدُو بنابها، بخلاف الأسد والنَّمِر، فيكون مكروهًا؛ لكونه له نابٌ، ولا يكون مُحرَّمًا؛ لكونه لا يعدو بنابه.
- والقول الثالث: أنه يُباح أكل الضَّبع، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، واستدلوا بحديث ابن أبي عمَّارٍ قال: قلتُ لجابرٍ: الضَّبُع أصيدٌ هي؟ قال: نعم. قلتُ: آكُلُها؟ قال: نعم. قلتُ: أقاله رسول الله ؟ قال: نعم [12]، أخرجه أصحاب السنن، وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
فقالوا: جَعْلُ الضَّبُع صيدًا يدل على حِلِّ أكله.
والراجح -والله أعلم- هو القول الأول، وهو تحريم أكل الضَّبُع؛ لقوة دليله، فإن الضَّبُع له نابٌ يَفْتَرِس به، فيدخل في عموم الأدلة التي فيها تحريم أكل كل ذي نابٍ من السباع، كحديث أبي ثعلبة الذي قيل: إنه مُتواترٌ.
وابن القيم رحمه الله قال: "إن الضَّبُع له نابٌ، لكن لا يَفْتَرِس به، وأنه ليس من السِّباع العادية".
وهذا غير مُسلَّمٍ، بل له نابٌ يَفْتَرِس به، وهو من أشدِّ الحيوانات افتراسًا، ونابه من أقوى أنياب السِّباع، بل يقولون: إن نابه أقوى أنياب السِّباع، وهو شديد الافتراس، يفترس الإنسان والحيوان، ويأكل الجِيَف، فكيف يُقال بِحِلِّ أكله؟!
وأما حديث جابرٍ فلا يَثْبُت من جهة الصناعة الحديثية، قال الحافظ ابن عبدالبر: "ليس حديث الضَّبُع مما يُعارَض به حديث النَّهي عن أكل كل ذي نابٍ من السباع؛ لأنه حديثٌ انفرد به عبدالرحمن بن أبي عمَّار، وهو ليس بمشهورٍ بنقل العلم، ولا ممن يُحْتَجُّ به إذا خالفه مَن هو أثبت منه".
فالأقرب -والله أعلم- أن أكل الضَّبُع مُحرَّمٌ.
ثم إن حديث جابرٍ الذي فيه حِلُّ أكل الضبع، قلنا: إنه ضعيفٌ، ولو ثَبَتَ فغاية ما يُفيده أنه صيدٌ يُفْدَى في الإحرام، ولا يَلْزَم من ذلك حِلُّ أكله، وهذا الثعلب يُقْصَد بالصيد للانتفاع بجلده، ومع ذلك يَحْرُم أكله.
ولما سُئل الإمام أحمد عن مُحْرِمٍ قَتَلَ ثعلبًا، قال: "عليه جزاءٌ"، فهو صيدٌ، مع أنه لا يُؤْكَل.
إباحة أكل الزرافة والأرنب
قال:
يعني: يُباح أكل الزرافة والأرنب.
الزرافة لم يرد فيها شيءٌ، وإنما حلَّتْ تبعًا للأصل، وهو: أن الأصل في الحيوانات الحِلُّ والإباحة.
والأرنب مُباحةٌ بالإجماع، وقد كانت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، جاء في حديث أنسٍ قال: أَنْفَجْنَا -يعني: نَفَّرْنَا- أرنبًا بِمَرِّ الظَّهْرَان، فَسَعَوا عليها حتى لَغِبُوا -يعني: حتى تَعِبُوا- فسعيتُ عليها حتى أخذتُها، فجئتُ بها إلى أبي طلحة، فَبَعَثَ إلى النبي بِوَرِكها وفخذيها فَقَبِلَه [13].
إذن أكل الأرنب حلالٌ بالإجماع.
إباحة أكل الوَبْر واليَرْبُوع
الوَبْر: حيوانٌ في حجم الأرنب تقريبًا، قصير الذَّنَب والأذنين.
واليَرْبُوع -وتُسميه بعض العامة: الجربوع- حيوانٌ صغيرٌ على هيئة الجُرْذ، قصير اليدين، طويل الرِّجْلَين.
إذن يُباح أكل الوَبْر واليَرْبُوع.
إباحة البقر الوحشي والحمار الوحشي
قال:
أي: البقر الوحشي والحمار الوحشي حلالٌ، ويدل على ذلك الأصل، وهو: أن الأصل الحِلُّ، ولم يرد ما يدل على تحريمه.
وأيضًا جاءت أحاديث فيها حِلُّ الحُمُر الوحشية، ومنها حديث أبي قتادة لمَّا صاد حمارًا وحشيًّا، فسألوا عنه النبي ، فقال لهم: هو حلالٌ فَكُلُوه [14]، متفقٌ عليه.
وأيضًا حديث الصَّعْب بن جَثَّامَة المشهور: أنه أهدى للنبي حمارًا وحشيًّا وهو بالأبواء، فردَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه، أو أنه تغيَّر وجهه قال: إنَّا لم نَرُدَّه عليك إلا أنَّا حُرُمٌ [15]، متفقٌ عليه.
إذن الحمار الوحشي والبقر الوحشي حلالٌ.
إباحة الضَّبِّ والظِّبَاء
الضَّبُّ مُباحٌ بالإجماع، ويدل على ذلك حديث خالد بن الوليد قال: أُتِيَ النبي بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأَهْوَى إليه لِيَأْكُل، فقيل له: إنه ضَبٌّ. فأمسك يده، فقال خالدٌ: أحرامٌ هو؟ قال: لا، ولكنه لا يكون بأرض قومي؛ فأجدني أعافه، فأكل خالدٌ، ورسول الله ينظر [16].
ظِبَاء جمع ظَبْيٍ، والظَّبْي هو الغزال، وهو حلالٌ بالإجماع.
يعني: حلال.
هذه كلها حلالٌ بناءً على الأصل، وهو: أن الأصل الحِلُّ والإباحة.
والدَّجاج وَرَدَ في بعض الأحاديث، كحديث أبي موسى قال: رأيتُ النبيَّ يأكل دجاجًا [17].
الزَّاغ: غرابٌ نحو الحمامة، أسود، برأسه غُبْرَةٌ.
حكم أكل الغُرَاب
والغُراب ينقسم إلى ثلاثة أقسامٍ:
القسم الأول: الغُراب الأَبْقَع، وهو نوعٌ من الغِرْبَان توجد به بقعةٌ بيضاء في رأسه، ويعتدي على الحيوانات، فهذا يَحْرُم أكله.
القسم الثاني: الغُراب الأسود الكبير المعروف، وهذا أيضًا يَحْرُم أكله؛ لأنه يأكل الجِيَف.
والقسم الثالث: غُراب الزرع، وهو غرابٌ نحو الحمامة، أحمر المنقار والأَرْجُل، ولا يأكل الجِيَف، ويتغذَّى على الزرع، وعلى الحبوب، فهذا يُباح أكله؛ لأنه لا يأكل الجِيَف، ويتغذى على الزروع والحبوب.
إذن عندنا الغِرْبان تنقسم إلى ثلاثة أقسامٍ:
- الغُراب الأَبْقَع، وهو مُحرَّمٌ.
- والغُراب الأسود الكبير، وهو مُحرَّمٌ.
- وغُراب الزرع حلالٌ.
والظاهر أن غُراب الزرع هو الزَّاغ نفسه، كما قَرَّر ذلك الدَّمِيريُّ في كتابه "حياة الحيوان الكبرى"، مع أنه يُفْهَم من عبارة المُؤلِّف أنهما طائران؛ لأنه قال: "وزاغٍ وغُرابِ زرعٍ"، فمفهوم عبارة المؤلف أنهما طائران مختلفان، لكن الأقرب -والله أعلم- أن الزَّاغ هو غُراب الزرع، كما أشار إلى ذلك الدَّمِيريُّ في "حياة الحيوان الكبرى".
حكم حيوان البحر
قال:
البحر معروفٌ، يشمل جميع المياه المالحة، لكن أيضًا يدخل في البحر: مياه الأنهار والعيون والمياه الحلوة، تدخل في مُسمَّى البحر.
فحيوانات البحر الأصل فيها الحِلُّ والإباحة؛ لقول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة:96].
حكم أكل الضّفدع والحية
الضِّفْدع مُحرَّمٌ، ولا يجوز أكله.
وقد جاء في حديث عبدالرحمن بن عثمان: أن طبيبًا سأل النبيَّ عن ضِفْدعٍ يجعلها في دواءٍ، فنهاه النبيُّ عن قتلها [18]، أخرجه أحمد وأبو داود والنَّسائي بسندٍ صحيحٍ.
فَنَهْي النبي عن قتل الضِّفْدع يدل على وجوب استبقائها وعدم التَّعرض لها، وعلى ذلك فلا يجوز قتل الضِّفْدع إلا إذا آذتْ كسائر الحيوان.
إذن الضِّفْدع يَحْرُم أكله.
قال:
أي: يُستثنى من حيوانات البحر: الحيَّة، فَتَحْرُم؛ لأنها من المُسْتَخْبَثات، ولكن هذه العِلة التي قالها بعض الفقهاء محلُّ نظرٍ، فليس كل ما يُسْتَخْبَث في البَرِّ يكون نظيره في البحر مُسْتَخْبَثًا؛ ولهذا ذهب بعض الفقهاء إلى أن حيَّة البحر مُباحةٌ؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على حِلِّ حيوانات البحر، وهذا هو القول الراجح؛ لقول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ، حتى وإن سُمِّيتْ حيَّةً إلا أنها تبقى من الحيوانات البحرية.
فعلى هذا، فالقول الراجح أن حيَّة البحر حلالٌ.
حكم أكل التِّمساح
أي: أن التِّمساح يَحْرُم أكله.
والتِّمساح حيوانٌ معروفٌ يُشْبِه الضَّبَّ إلا أنه أكبر منه.
وللفقهاء في حكم أكله قولان:
القول الأول: القول الذي قرَّره المؤلف، وهو: أنه يَحْرُم أكله، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، يعني: قول الجمهور.
والقول الثاني: أنه يجوز أكله، وهذا مذهب المالكية.
القائلون بالتحريم استدلوا بأن التمساح له نابٌ يَفْتَرِس به، فَيَفْتَرِس الحيوان، بل حتى يَفْتَرِس الإنسان، وقد نهى النبي عن كل ذي نابٍ من السباع، فهو من الحيوانات المُفترسة، ومُسْتَخْبَثٌ عند كثيرٍ من الناس.
والقائلون بالجواز -وهم المالكية- استدلوا بأنه من حيوانات البحر، والأصل في حيوانات البحر الحِلُّ والإباحة؛ لقول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ.
والراجح -والله أعلم- هو قول الجمهور، وهو: أن أكل التمساح مُحرَّمٌ؛ لقوة دليله، فهو حيوانٌ له نابٌ يَفْتَرِس به، فيشمله عموم النَّهي.
وأمَّا ما ذكره المالكية من أن التمساح من حيوانات البحر فلا يُسلَّم بذلك، بل التمساح من الحيوانات البرمائية، وليس من حيوانات البحر، فهو يعيش في البَرِّ، ويعيش في البحر، ويضع بيضه في البَرِّ، وربما يكون وجوده في البَرِّ أكثر من وجوده في البحر، فلا يُقال: إنه من الحيوانات البحرية، فهو إذن من الحيوانات البرمائية كالضِّفْدع، وعلى ذلك فيشمله النَّهي عن أكل كل ذي نابٍ من السباع، ولا يدخل في عموم الأدلة الدالة على حِلِّ أكل حيوانات البحر؛ لأن التمساح ليس من حيوانات البحر، وإنما هو من الحيوانات البرمائية.
في الحقيقة هنا تصوُّر بعض المسائل مهمٌّ جدًّا.
أنا رأيتُ بعض الفتاوى التي تُبيح أكل التمساح، وجاء في تعليل الفتوى أن التمساح من حيوانات البحر، والله تعالى يقول: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، ولكن هذا التَّصور غير صحيحٍ، فالتمساح ليس من حيوانات البحر، وإنما هو من الحيوانات البرمائية، ويضع بيضه في البَرِّ، وليس في البحر، فإذا كان كذلك فلا يَصْدُق عليه أنه من حيوانات البحر، ويشمله عموم النَّهي عن أكل كل ذي نابٍ من السباع.
حكم الجلَّالة
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن الجلَّالة.
قال:
وعرَّفها المُصنِّف قال:
تعريف الجلَّالة
الجلَّالة: هي الدابة التي تأكل النَّجاسات، تأكل العَذِرَة والنَّجاسة حتى تكون النَّجاسة أكثر علفها، فإذا كان أكثر علفها النَّجاسة حَرُمَ لَحْمُها ولبنُها عند الحنابلة، أما إذا كان أكثر علفها الطَّاهر لم يَحْرُم أكلُها ولا لبنُها.
خلاف العلماء في حكم أكل الجلَّالة
اختلف الفقهاء في حكم أكل الجلَّالة على ثلاثة أقوالٍ:
القول الأول: أنه يَحِلُّ أكلها، وهو مذهب المالكية، ويَرَوْن أن ما تتناوله الجلالة من النَّجاسات يستحيل إلى دمٍ ولحمٍ وغير ذلك مما ينمو به الجسم، فلا يكون للنَّجاسة أثرٌ على لحم هذا الحيوان أو على لبنه؛ فيُباح أكلها من غير كراهةٍ.
القول الثاني: يُكْرَه أكل لحم الجلَّالة إذا تغيَّرتْ رائحتها، وهذا مذهب الحنفية والشافعية، قالوا: إن النهي الوارد فيها لأجل تغيُّر رائحة لحمها، لكنَّ ذلك لا يُوجِب التحريم، وإنما الكراهة، كما لو أنتن اللحم المُذَكَّى وتغيَّرت رائحته؛ فأكله مكروهٌ، ولكنه ليس حرامًا.
القول الثالث: أنه يَحْرُم أكل لحم الجلَّالة وشُرْب لبنها، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو من المُفردات، واستدلوا بأحاديث رُوِيَتْ في ذلك، منها حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: نهى رسول الله عن لحوم الحُمُر الأهلية، وعن الجلَّالة، وعن ركوبها وأكل لحومها [19].
وجاء في حديث ابن عباسٍ: أن النبي نهى عن لبن الجلَّالة [20].
قالوا: هذه الأحاديث وما في معناها فيها النَّهي عن أكل الجلَّالة وشُرْب لبنها، والنَّهي يقتضي التَّحريم.
لكن أصحاب هذا القول يقولون: إن الجلالة إذا حُبِسَتْ ثلاثة أيامٍ وأُطْعِمَت الطاهر فإنه يَحِلُّ أكلها بعد ذلك.
القول الراجح -والله أعلم- هو القول الأول -قول المالكية- وهو: أنه يَحِلُّ أكل الجلَّالة، لكن يُقيَّد بذلك: بما إذا لم يظهر أثرٌ للنَّجاسة في لحمها؛ وذلك لقوة دليل المالكية، فإن النَّجاسة التي يأكلها الحيوان تستحيل إلى لحمٍ ودمٍ، ولا تظهر على اللحم، ولا على اللبن، فإذا أكل الحيوان هذا القَذَر فإن جسمه يُحيله إلى لحمٍ ودمٍ وغير ذلك مما ينمو به الجسم.
وأما ما استدلَّ به الحنابلة من الأحاديث التي فيها النَّهي عن أكل الجلَّالة وشُرْب لبنها، فهذه الأحاديث ضعيفةٌ، كلها ضعيفةٌ، جميع ما رُوِيَ في الجلَّالة ضعيفٌ، ولا يَثْبُت منها شيءٌ من جهة الصناعة الحديثية.
فإذا لم يَثْبُت في النَّهي عن الجلالة شيءٌ يبقى الأمر على الأصل، والأصل الحِلُّ والإباحة، وما تأكله من نجاسةٍ يستحيل إلى لحمٍ ودمٍ، هذا هو الأقرب، والله أعلم.
الأطعمة المكروهة
قال:
لأن هذه الأشياء تَضُرُّ بالصحة؛ فَيُكْرَه أكلها، لكن إذا ثبتت مَضرَّتها عند الأطباء المُختصين يَحْرُم أكلها؛ لأنه يَحْرُم على الإنسان تناول أي شيءٍ يضرّه.
يعني: يُكْرَه أكل أُذُن القلب، وهي جانب القلب الذي يجتمع فيه الدم، وقالوا: لأن ذلك مُسْتَخْبَثٌ.
والراجح -والله أعلم- أنه لا يُكْرَه؛ لأن جميع أجزاء الحيوانات المُباحة بعد التَّذكية حلالٌ، فهذا الحيوان الذي قد ذُكِّي يجوز أكل جميع أجزائه من غير كراهةٍ إلا الدم المسفوح فقط.
فما الدليل على أن أُذُن القلب يُكْرَه أكلها؟
الكراهة حكمٌ شرعيٌّ يحتاج إلى دليلٍ، وهذا حيوانٌ قد ذُكِّي، فلا يُقال بكراهة أكل جزءٍ منه إلا بدليلٍ.
وأما ما علَّل به المُوفَّق ابن قُدامة بأن النَّفس تعافه وتَسْتَخْبِثه، فهذا غير مُسلَّمٍ، فكون النفس تعافُ الشيء أو تَسْتَخْبِثه يختلف من شخصٍ إلى آخر، ولا يقوى هذا التعليل للجزم بكراهة أكله.
فالأقرب -والله أعلم- أن أُذُن القلب كغيرها من أجزاء الحيوان المُذَكَّى؛ يُباح أكلها من غير كراهةٍ.
قال:
يعني: يُكْرَه أكل البَصَل والثُّوم النِّيْءِ ونحوهما -يعني: مما له رائحةٌ كريهةٌ- لمَن أراد أن يُصلي مع الجماعة في المسجد؛ لحديث أبي أيوب قال: كان رسول الله إذا أُتِيَ بطعامٍ أَكَلَ منه، وبعث بفضله إليَّ، وإنه بعث إليَّ يومًا بفضلةٍ لم يأكل منها؛ لأنَّ فيها ثُومًا، فسألتُه: أحرامٌ هو؟ قال: لا، ولكنِّي أَكْرَهُهُ من أجل ريحه [21].
فَيُكْرَه إذن أكل البصل والثُّوم لمَن أراد أن يُصلي مع الجماعة في المسجد؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: مَن أكل من هذه الشجرة المُنْتِنَة يعني: البصل فلا يَقْرَبَنَّ مسجدنا، فإنَّ الملائكة تأذَّى ممَّا يتأذَّى منه الإنس [22] متفقٌ عليه.
لكن في الوقت الحاضر توجد مُزيلات للرائحة الكريهة، رائحة البصل والثوم، يوجد عند بعض الصيدليات بَخَّاخٌ إذا وضعه الإنسان في فمه زالت رائحة البصل والثوم، وقد توجد أيضًا بعض الأشياء التي تُوضَع في الفم أو تُؤْكَل، أو -مثلًا- تنظيف الفم بالفرشاة والمعجون ونحو ذلك مما يُذْهِب الرائحة الكريهة.
فإذا كان الإنسان يستطيع أن يُذْهِب الرائحة الكريهة للبصل والثوم فتزول الكراهة، ولا بأس أن يأكل البصل والثوم ويصلي مع الجماعة في المسجد، لكن بهذا الشرط: أنه إذا أكل البصل والثوم يُزيل هذه الرائحة الكريهة.
قال:
يعني: إذا طُبِخَ البصل والثُّوم زالت الكراهة؛ وذلك لزوال الرائحة.
أكل الميتة للمُضطر
قال المُصنِّف رحمه الله:
"مَن اضْطُرَّ" لأكل مُحَرَّمٍ من المُحرَّمات كالمَيْتَة "جاز له أن يأكل من المُحرَّم" يعني: كالمَيْتَة "ما يَسُدُّ رَمَقَه فقط"؛ لقول الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:173] أي: لا إثم عليه في أن يأكل المَيْتة.
والباغي: هو الذي يبغي الحرام مع قُدرته على الحلال.
والعادي: الذي يتجاوز القَدْر الذي يحتاج إليه.
وقوله: "ما يَسُدُّ رَمَقَه فقط" يدل على أنه لا يُباح له الشّبَع، وإنما يأكل لأجل سَدِّ الرَّمق فقط.
ومن الفقهاء مَن قال: ما دام أنه جاز له الأكل جاز له الشّبَع.
ومنهم مَن قال: إذا كان يَخْشَى استمرار الضرورة معه فَيَحِلّ له الشّبَع؛ لأنه لو اقتصر على سَدِّ الرَّمق فربما تعود ضرورته عن قُرْبٍ، أما إذا كان لا يَخْشَى الضرورة، أو أن الضرورة مرجوة الزوال؛ فلا يَحِلّ له أن يأكل إلا بِقَدْر سَدِّ الرَّمق، وهذا هو القول الراجح.
وعلى ذلك فالأصل أنه لا يأكل من المَيْتة إلا بقَدْر سَدِّ الرَّمق، لكن إذا كان يَخْشَى ألا يجد شيئًا يأكله، وأن تعود إليه الضرورة فيُمْكِن أن يَحْمِل معه من لحم المَيْتة في الطريق، وإذا اضْطُرَّ أكل مرةً أخرى.
حكم أكل المُضطر لحم آدمي مُباح الدم
قال:
هذه المسألة من المسائل نادرة الوقوع، لكن قد تقع في أيام المجاعات.
والحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله ذكر أنه في أواخر القرن السادس أصاب مصر غلاءٌ شديدٌ، لدرجة أن بعض الناس أصبح يأكل بعضًا! وبعض الناس يأكلون أولادهم الصغار! وأنه كان يُدْعَى الطبيب للدواء ثم يُؤْكَل!
فقد تحصل مثل هذه المجاعات.
فيقول المؤلف: إن المُضطر إذا لم يَجِد إلا آدميًّا معصومَ الدم لم يُبَحْ له قتله بالإجماع؛ وذلك لأنه يفعل ذلك لأجل استبقاء نفسه، فلا يَحِلُّ، لكن إذا وجد آدميًّا مُباح الدم، كما مثَّل المؤلِّف: "كحربيٍّ وزانٍ مُحْصَنٍ"، وأيضًا مُرتدّ، فيقول: "فله قَتْلُه وأَكْلُه"؛ لأن قَتْله أصلًا مُباحٌ.
والقول الثاني: أنه يَحْرُم قتله.
وهذه من المسائل النَّادرة.
انتفاع المُضطر بمال الغير أو أكله
قال:
مَن اضطُرَّ إلى الانتفاع بمال غيره مع بقاء عين ذلك المال وجب على صاحبه أن يبذله مجانًا من دون عوضٍ.
مثلًا: كأن يكون هناك بئرٌ، وشخصٌ معه دَلْوٌ، ومُسْتَغْنٍ عنه، فيجب عليه أن يبذل هذا الدّلو، وأن يُعِيره لغيره لكي يستقي من هذا البئر؛ حتى تزول عنه الضَّرورة، والعارِيَّة تجب مع غناء المالك وحاجة المُستعير على القول الراجح.
والله تعالى ذمَّ الذين يمنعون الماعون، ومن ذلك: منع العارِيَّة مع غناء المالك وحاجة المُستعير.
لكن لو اضطُرَّ الإنسان إلى عين مال غيره، وليس إلى منفعة ماله، وإنما عين مال غيره، كأن يجوع ويضطر إلى طعام غيره، فهذا الغير إذا كان مُضطرًّا إلى طعامه فهو أحقُّ بطعامه من غيره، ولا يجوز للغير أن يأخذه منه، أما إذا كان هذا الغيرُ غيرَ مُضطرٍّ إليه وجب عليه أن يبذله للمُضطر وجوبًا، لكن هل يبذله مجانًا أم بالقيمة؟
قولان للفقهاء:
الحنابلة يقولون: يجب عليه أن يبذله له، وعلى المُضطر بذل القيمة؛ لأنه أتلف عين مال الغير فلزمه قيمته.
وقال بعض الفقهاء: إنه يجب على صاحب الطعام أن يبذل هذا الطعام للمُضطر مجانًا -وهذا اختاره ابن تيمية رحمه الله- قالوا: لأن إطعام الجائع من فروض الكفاية.
والراجح -والله أعلم- هو القول الأول، وهو: أنه يجب بذل هذا الطعام، لكن على المُضطر أن يدفع القيمة لمالكه؛ لأن الذَّم في قول الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7] يختص بما يُنْتَفع به مع بقاء عينه، فلا يشمل هذه الصورة.
أكل المارّ من البستان واحتلابه الماشية
قال:
"مَرَّ بثمرة بستانٍ" سواء كانت هذه الثمرة على الشجرة أو ساقطةً تحتها.
يقول المؤلف: يجوز لهذا المارِّ أن يأكل هذا الثمر مجانًا بثلاثة شروطٍ:
- الشرط الأول: أن يكون هذا الثمر بغير حائطٍ ولا حارسٍ.
يعني: أشجارًا لكنها مفتوحةٌ، ليس عليها حائطٌ، ولا سورٌ، ولا شبكٌ، ولا حارسٌ. - الشرط الثاني: ألا يصعد على شجرةٍ أو يرميها بحجرٍ.
- الشرط الثالث: ألا يَحْمِل معه شيئًا، إنما فقط يأكل.
وهذا هو المذهب عند الحنابلة، واستدلوا بحديث أبي سعيدٍ : أن النبي قال: إذا أتيتَ على حائطٍ فَنَادِ صاحبَه ثلاث مراتٍ، فإن أجابك وإلا فَكُلْ من غير أن تُفْسِدَ، وإذا أتيتَ على راعٍ فَنَادِه ثلاث مراتٍ، فإن أجابك وإلا فَاشْرَبْ من غير أن تُفْسِدَ [23].
وفي حديث عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن النبي سُئل عن الثَّمَر المُعلَّق، فقال عليه الصلاة والسلام: مَن أصاب من ذي حاجةٍ غير مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فلا شيء عليه [24].
هذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو من المُفردات.
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المارَّ لا يجوز له أن يأكل من ثمر هذا البستان شيئًا، ولو تحققت الشروط الثلاثة؛ لعموم الأدلة الدالة على تحريم الأخذ من مال الإنسان بغير حقٍّ، ومن ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ [25]، وأيضًا قوله عليه الصلاة والسلام: لا يَحْلِبَنَّ أحدٌ ماشية أحدٍ إلا بإذنه [26].
والأظهر -والله أعلم- هو ما ذهب إليه الحنابلة من جواز أكل المارِّ بالشروط الثلاثة المذكورة؛ وذلك لأن حديث أبي سعيدٍ الذي ذكرناه: إذا أتيتَ على حائطٍ .. حديثٌ خاصٌّ، وحديث أبي بكرة: إن دماءكم .. وحديث أبي هريرة: لا يَحْلِبَنَّ أحدٌ ماشية أحدٍ عامَّان، والخاص يقضي على العامِّ ويُخصِّصه.
وعلى هذا فمَن مرَّ على بستانٍ ليس عليه سورٌ ولا شبكٌ فله أن يأكل من ثمر هذا البستان من غير أن يحمل معه شيئًا، ومن غير أن يصعد شجرةً أو يرقى جدارًا.
لكن قال بعض العلماء: إنه يُستحب أن يُنادي؛ لأن هذا ورد في حديث أبي سعيدٍ السابق، يُنادي: يا صاحب البستان، ثلاث مراتٍ، فإن أجابه وإلا أكل.
وهكذا لو مَرَّ بماشيةٍ ليس عندها راعٍ، وليست في حوشٍ، وإنما مُطْلَقةٌ في البَرِّ -مثلًا- فله أن يَحْلِب ويَشْرَب، لكن بشرط: ألا يُوجَد لها حارسٌ، وألا تكون في حوشٍ.
قال:
يعني: يجوز لمَن مَرَّ بها أن يأكل بالشروط السابقة.
أحكام الضيافة
ثم انتقل المؤلِّف رحمه الله للكلام عن أحكام الضيافة.
قال:
معنى الضيافة
الضيافة معناها: أن يستضيف ويتلقَّى الإنسانُ مَن قَدِمَ إليه فَيُكْرِمه ويُنْزِله بيته، ويُقَدِّم له الطعام ونحو ذلك.
وهي من محاسن الشريعة الإسلامية، وقد كانت موجودةً لدى بعض الأمم السابقة، وذكر الله تعالى هذا عن إبراهيم أنه لما أتاه الملائكة على هيئة بَشَرٍ استضافهم وأتى بعجلٍ سمينٍ وقرَّبه إليهم، وقال: أَلَا تَأْكُلُونَ [الذاريات:27].
والناس قديمًا كانوا يحتاجون للضيافة أكثر من حاجتهم إليها في الوقت الحاضر؛ لأنه قديمًا لم تكن توجد هذه الفنادق والشقق ونحو ذلك، فالمسافر إذا سافر ينزل ضيفًا على أحد الناس، فَيَأْوِي إليه، ويَبِيتُ عنده، ويأكل عنده، وكان الناس مُحتاجين إلى الضيافة في تلك الأزمنة، أما في الوقت الحاضر فَقَلَّت الحاجة للضيافة.
حكم الضيافة
اختلف الفقهاء في حكم الضيافة على قولين:
- القول الأول: أنها مُستحبةٌ، وهذا قول الجماهير من الحنفية والمالكية والشافعية.
- والقول الثاني: أنها واجبةٌ، وهو المذهب عند الحنابلة، وهو من المُفردات.
الجمهور استدلوا بعموم النصوص الدالة على حُرمة مال المسلم، حديث: لا يَحِلُّ مال امرئٍ مسلمٍ إلا بطيب نفسه [27].
والحنابلة استدلوا على وجوب الضيافة بقول النبي : مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيُكْرِمْ ضيفه جائزته يومٌ وليلةٌ، والضيافة ثلاثة أيامٍ، فما بعد ذلك فهو صدقةٌ، ولا يَحِلُّ له أن يَثْوِيَ عنده حتى يُحْرِجَه [28] متفقٌ عليه.
قوله: فَلْيُكْرِمْ ضيفه هذا أمرٌ، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب.
وجاء في الحديث الآخر: ليلة الضيف واجبةٌ على كل مسلمٍ [29].
وقوله: واجبة هذا يدل على تأكُّدها، فالقول الراجح هو وجوب الضيافة.
أما ما استدلَّ به الجمهور من حديث: لا يَحِلُّ مال امرئٍ مسلمٍ .. فهذا عامٌّ، وما جاء في الضيافة من أحاديث تدل على الوجوب، فهي خاصةٌ.
ما ضابط إكرام الضيف؟
المرجع في ذلك إلى العُرْف، وهذا مما يختلف باختلاف الضيف واختلاف المُضَيِّف، فإذا كان المُضَيِّف غنيًّا فيكون الإكرام بما وسَّع الله عليه، وإذا كان فقيرًا فبما يتيسر.
وأيضًا الضيوف ليسوا سواء، فقد يكون الضيف له وجاهةٌ عند الناس، فيُكرمه بما يليق به، وقد يكون الضيف ليس بينه وبين هذا الإنسان علاقةٌ، فيُكرمه بما يُناسبه، وقد يكون الضيف من أوساط الناس، فيُكرمه بما يُناسبه.
شروط وجوب الضيافة
قول المُصنِّف رحمه الله:
أشار به إلى شروط وجوب الضيافة:
الشرط الأول: أن يكون الضيف مسلمًا، فلا تجب ضيافة غير المسلم.
ولقول النبي : مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيُكْرِمْ ضيفه، لكن هذا الحديث عامٌّ؛ ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الضيف يَعُمُّ المسلم وغير المسلم؛ لعموم الأحاديث، وهذا هو الأقرب -والله أعلم- أن الضيافة تَعُمُّ المسلم وغير المسلم بشرط: أن يكون غير المسلم معصوم الدم.
الشرط الثاني أشار إليه المُصنِّف بقوله:
القرى يعني: البلاد الصغيرة، و"دون الأمصار": المدن الكبيرة.
قالوا: لأن القُرى مَظِنَّة الحاجة، أما الأمصار فبلادٌ كبيرةٌ فيها أسواقٌ وفنادق وأشياء يُستغنى بها.
والقول الثاني: أن الضيافة كما تجب في القرى تجب في الأمصار، وهذا هو القول الراجح؛ لعموم الأدلة.
وقول المُصنِّف:
لتقييد ذلك في بعض الأحاديث، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيُكْرِمْ ضيفه جائزته يومٌ وليلةٌ.
تُستحب الضيافة ثلاثة أيامٍ
الضيافة -إذن- تجب يومًا وليلةً، وتُستحب ثلاثة أيامٍ، وما زاد على ذلك فهو صدقةٌ من الصدقات؛ ولهذا قال المُصنِّف رحمه الله:
يعني: تُستحب الضيافة ثلاثة أيامٍ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: والضيافة ثلاثة أيامٍ، فما بعد ذلك فهو صدقةٌ، لكن لا بد أن نعرف مَن هو الضيف؟
الضيف هو: الذي يَقْدُم من خارج البلد، أما الذي يكون داخل البلد فهذا زائرٌ، وليس ضيفًا.
أتاك شخصٌ من داخل البلد، هذا نقول له: زائر، ولا يُعتبر ضيفًا، ولا تَعُمُّه أحكام الضيافة، هذا زائرٌ، لكن الذي يَقْدُم من خارج البلد وينزل عندك في البيت هذا هو الضيف، وتجب ضيافته يومًا وليلةً، وتُستحب ثلاثة أيامٍ، وما زاد على ذلك فهو صدقةٌ.
بهذا نكون قد انتهينا من أحكام الأطعمة، ونقف عند "باب: الذَّكاة".
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
^1 | رواه مسلم: 2699. |
---|---|
^2 | رواه مسلم: 2473. |
^3 | رواه البخاري: 1501، ومسلم: 1671. |
^4 | رواه مسلم: 1933. |
^5, ^11 | رواه البخاري: 5530، ومسلم: 1932. |
^6 | رواه مسلم: 1934. |
^7 | رواه أبو داود: 3799، وأحمد: 8954. |
^8 | رواه البخاري: 5520، ومسلم: 1941. |
^9 | رواه البخاري: 5510، ومسلم: 1942. |
^10 | رواه أبو داود: 3790، والنسائي: 4332، وابن ماجه: 3198. |
^12 | رواه أبو داود: 3801، والترمذي: 851، والنسائي: 2836، وابن ماجه: 3236. |
^13 | رواه البخاري: 5489، ومسلم: 1953. |
^14 | رواه البخاري: 1823، ومسلم: 1196. |
^15 | رواه البخاري: 1825، ومسلم: 1193. |
^16 | رواه البخاري: 5400، ومسلم: 1946. |
^17 | رواه البخاري: 5517. |
^18 | رواه أبو داود: 3871، والنسائي: 4355، وأحمد: 15757. |
^19 | رواه أبو داود: 3811، والنسائي: 4447، وأحمد: 7039. |
^20 | رواه أبو داود: 3786، والترمذي: 1929 وقال: حسنٌ صحيحٌ. |
^21 | رواه مسلم: 2053. |
^22 | رواه البخاري: 854، ومسلم: 564. |
^23 | رواه ابن ماجه: 2300، وأحمد: 11812. |
^24 | رواه أبو داود: 1710، والترمذي: 1289 وقال: حسنٌ، والنسائي: 4958. |
^25 | رواه البخاري: 105، ومسلم: 1679. |
^26 | رواه البخاري: 2435، ومسلم: 1726. |
^27 | رواه الدارقطني في "سننه": 2885. |
^28 | رواه البخاري: 6135، ومسلم: 48. |
^29 | رواه أحمد: 17172، والطبراني في "المعجم الكبير": 623. |