logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح أبواب من صحيح مسلم/(16) تتمة فضائل عمر بن الخطاب- من حديث: “بينا أنا نائم..”

(16) تتمة فضائل عمر بن الخطاب- من حديث: “بينا أنا نائم..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف:10].

فضائل عمر بن الخطاب

هذا هو الدرس السادس عشر في شرح كتاب الفضائل من “صحيح مسلمٍ”، في هذا اليوم: الثلاثاء 17 ربيع الأول (1442هـ).

وكنا قد وصلنا إلى (فضائل عمر بن الخطاب )، وبدأنا في أحاديث فضائل عمر، ووصلنا إلى حديث أبي سعيدٍ .

رؤيا النبي لعمر وعليه قميصٌ يجره

قال الإمام مسلمٌ:

حدثنا منصور بن أبي مُزاحِمٍ، حدثنا إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح بن كيسان، ح، وحدثنا زهير بن حربٍ والحسن بن عليٍّ الحلواني وعبد بن حُميدٍ -واللفظ لهم- قالوا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالحٍ، عن أبي شهابٍ، حدثني أبو أمامة بن سهلٍ، أنه سمع أبا سعيدٍ الخدري  يقول: قال رسول الله : بينا أنا نائمٌ؛ رأيت الناس يُعرَضون وعليهم قُمُصٌ؛ منها ما يبلغ الثُّدِيَّ، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر عمر بن الخطاب وعليه قميصٌ يَجرُّه، قالوا: ماذا أوَّلْت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدِّين.

هذه رؤيا رآها النبي ؛ رأى الناسَ يُعرضون وعليهم قُمُصٌ، جمع قميصٍ، والقميص: هو الثوب الذي له أكمامٌ، فهذا الذي نلبسه ونسميه ثوبًا، هذا هو القميص.

وهذه القُمُص متفاوتةٌ في حجمها؛ فمنها القصير، ومنها الطويل، ومنها المتوسِّط؛ فمنها ما يبلغ الثُّدِيَّ، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومرَّ عمر بن الخطاب وعليه قميصٌ يَجُّره، فقالوا: كيف عبَّرت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين.

ومعنى ذلك: أن عمر ذو دِينٍ متينٍ، ودينٍ عظيمٍ، وورعٍ وتقوى.

فالقميص يُفسَّر إذا رئي في المنام بالدِّين؛ لأن القميص يستر عورة الإنسان، ويحجبه عن وقوع النظر إليها، وكذا الدِّين يستره عن النار، ويحجبه عن كل مكروهٍ.

فإذنْ هذه من قواعد التعبير، المعبر الذي يعبر الرؤى لا بد من أن يتأمل في الرموز التي تدل لها هذه الرؤى، وهذا التعبير يحتاج إلى فراسةٍ ودقَّةٍ في الاستنباط، وأيضًا إلى علمٍ؛ ولهذا فإن يوسف  أعطاه الله تعالى علم التعبير.

فهل هو مكتسبٌ، أو أنه يكون هبةً؟

منه ما هو هبةٌ، ومنه ما هو مكتسبٌ.

وأعني بالهبة: أن الله يهب هذا المُعبِّر الدقة في الاستنباط، والقدرة على فهم هذه الرموز التي تدل لها الرؤيا.

ففي هذا الحديث: “القميص” عبَّره النبي -إذا رُئي في المنام- بالدِّين، فإذا كان القميص قصيرًا؛ فيكون هذا الإنسان الذي رئي فيه عنده رقةٌ في الديانة، وإذا كان طويلًا؛ فعنده متانةٌ في الديانة.

وقوله : وعليه قميصٌ يَجرُّه: هذا من أمثلة ما يُحمد في المنام ويذم في اليقظة شرعًا؛ فجَرُّ القميص مذمومٌ في اليقظة، لقوله : مَن جرَّ ثوبه خُيَلاء؛ لم ينظر الله إليه يوم القيامة [1]، لكنه في المنام يُعتبر مَحمودًا، فالقميص كلما طال؛ دلَّ ذلك على متانةٍ في الدين.

ودلَّ هذا الحديث على فضل عمر بن الخطاب ، فهذه الرؤيا فيها ثناءٌ عليه وتزكيةٌ له بأنه ذو تقوى ودِيانةٍ متينةٍ.

وتأويل “القميص” بالدِّين يدل على أن الرؤيا لا تُحمَل على ظاهرها، حتى وإن كانت رؤيا الأنبياء، ورؤيا الأنبياء من الوحي، لكن منها ما يُحمَل على ظاهره، ومنها ما لا يُحمَل على ظاهره، وأكثر الرؤى لا تُحمَل على ظاهرها، وقد يكون في عددٍ قليلٍ منها تُحمل على ظاهرها.

رؤيا شرب النبي للَّبن وإعطاؤه الباقي لعمر

قال الإمام مسلمٌ:

حدثني حرملة بن يحيى: أخبرني ابن وهبٍ: أخبرني يونس: أن ابن شهابٍ أخبره، عن حمزة بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه، عن رسول الله قال: بينا أنا نائمٌ؛ إذ رأيت قدحًا أُتيت به فيه لبنٌ، فشربت منه حتى إني لأرى الرِّيَّ يجري في أظفاري، ثم أَعطيتُ فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم.

هذه أيضًا رؤيا أخرى رآها النبي ، فرأى  في المنام أن قدحًا أُتِيَ به، وهذا القدح فيه لبَنٌ، فشرب منه حتى إنه رَوِيَ وأصبح يرى الرِّيَّ يجري في أظفاره، وبقي في هذا القدح فضلةٌ فأعطاها عمرَ بن الخطاب، قالوا: ما أوَّلت ذلك؟ قال: أوَّلتُ ذلك بالعلم.

وهذا يدل على أن اللبن إذا رُئي في المنام؛ يُؤوَّل بالعلم؛ ووجه تأويله بالعلم: لاشتراك اللبن مع العلم في كثرة النفع، وفي أنهما سبب الصلاح، فاللبن غذاءٌ للأطفال، وسبب صلاحهم، وقوتٌ للأبدان، والعلم سببٌ لصلاح الدنيا والآخرة.

وهذا يدل على فضل عمر بن الخطاب ؛ إذ إن النبيَّ خصه بهذه الفضلة من اللبن، والتي أوَّلها بالعلم.

ويدل هذا أيضًا على غزارة علم عمر ، وأن علمه أخذه من النبي ، فهو أعلم الصحابة بعد أبي بكرٍ .

رؤيا النبي في الاستقاء من البئر

قال الإمام مسلمٌ رحمه الله، ساقه بإسنادٍ آخر ثم قال:

حدثنا حرملة: أخبرنا ابن وهبٍ: أخبرنا يونس، عن ابن شهابٍ، أن سعيد بن المسيَّب أخبره: أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله يقول: بينا أنا نائمٌ؛ رأيتني على قَليبٍ عليها دلوٌ، فنَزَعتُ منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بِها ذَنُوبًا أو ذنوبين، وفي نَزْعه -واللهُ يغفر له- ضَعْفٌ، ثم استحالت غَرْبًا فأخذها ابن الخطَّاب، فلم أرَ عبقريًّا من الناس يَنزع نزع عمر بن الخطاب، حتى ضرب الناسُ بِعَطَنٍ.

ثم ساق هذا الحديث بعدة رواياتٍ، فساقه أيضًا بروايةٍ أخرى عن أبي هريرة، قال:

بينا أنا نائمٌ؛ أُريت أني أَنزِع على حوضي أسقي الناس، فجاءني أبو بكرٍ فأخذ الدلو من يدي ليُرَوِّحني، فنزع دلوين -وفي نزعه ضعفٌ والله يغفر له- فجاء ابن الخطاب فأخذ منه، فلم أرَ نَزْعَ رجلٍ قط أقوى منه، حتى تولَّى الناس والحوض ملآن يتفجر.

ثم ساقه أيضًا بلفظٍ آخر من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال:

أُرِيت كأني أَنزع بدلوِ بَكرةٍ على قَلِيبٍ، فجاء أبو بكرٍ فنَزَع ذَنوبًا أو ذنوبين، فنزع نزعًا ضعيفًا -والله تبارك وتعالى يغفر له- ثم جاء عمر فاستَقَى، فاستحَالَت غَرْبًا، فلم أرَ عبقريًّا من الناس يَفْرِي فَرْيَه، حتى رَوِي الناسُ وضربوا العَطَن.

هذه أيضًا رؤيا ثالثةٌ تدل على فضل عمر بن الخطاب ، رآها النبي فقال: رأيتُنِي على قليبٍ، البئر غير المطوية تُسمَّى “قَلِيبًا”، عليها دلوٌ، فنزعتُ منها، “الدلو”: هي المملوءة ماءً.

قال: فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة يعني: أبا بكرٍ الصديق ، فنزع منها ذَنُوبًا؛ يعني: دلوًا أو دلوين، وفي نَزْعِه -واللهُ يغفر له- ضعفٌ، ثم استحالت غَرْبًا، و”الغَرْب”: هو الدلو العظيمة؛ يعني: تحولت هذه الدلو الصغيرة إلى دلوٍ كبيرةٍ وعظيمةٍ.

فأخذها ابن الخطاب: يعني عمر بن الخطاب ، فلم أر عبقريًّا من الناس ينزع نزع عمر، “العبقري”: هو كل ما يُتعجب من كماله وقوَّته وحِذْقِه، وأصله نسبةٌ إلى أرضٍ تسكنها الجن يقال لها: “عبْقَر”، فصارت مثلًا لكل منسوبٍ إلى شيءٍ رفيعٍ، ومن ذلك قول الله : وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ [الرحمن:76]، فالعرب كانت تسمي الشيء الذي يُتعجب من كماله وقوته وحِذقه: عبقريًّا، ويقولون: “العبقري”: هو الذي ليس فوقه شيءٌ، فعنده كمالٌ وقوةٌ وحذقٌ، وليس فوقه شيءٌ.

وتأويل هذه الرؤيا كما قال العلماء: هذا مثالٌ لأبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، في خلافتهما وحسن سيرتهما، وظهور آثارهما، وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذٌ من النبي ، ومن بركته وآثار صحبته، فكان النبي هو صاحب الأمر، وقام به أكمل قيامٍ، وقرَّر قواعد الإسلام، وأكمل الله به الدين، وأتَمَّ به النعمة.

ثم لَمَّا توفِّي، خَلَفه أبو بكرٍ الصديق سنتين وأشهُرًا، وهذا هو المراد بقوله: فأخذ ذَنوبًا أو ذنوبين، والمراد: ذنوبان، يعني: دَلْوان، كما جاء مُصرَّحًا به في الرواية الأخرى، وحصل في خلافته خيرٌ عظيمٌ للمسلمين، وقام بقتال أهل الرِّدة وقطع دابرهم، واتسع في عهده الإسلام، لكن خلافته لَم تَطُل، بل بقيت سنتين وبضعة أشهرٍ، وهذا معنى الضعف المذكور في الحديث؛ يعني: قِصَرَ خلافته، وليس فيه تنقيصٌ لأبي بكرٍ ، ولا إشارةٌ إلى ذنبٍ، وإنَّما لأن ولاية أبي بكرٍ الصديق قصيرةٌ مقارنةً بولاية عمر ؛ فإن ولاية عمر عشر سنين وستة أشهرٍ، بينما ولاية أبي بكرٍ سنتان وأشهرٌ، فهذا هو الضعف المراد في الرؤيا.

وقوله: والله يغفر له، هذا ليس فيه تنقيصٌ لأبي بكرٍ ، ولا إشارةٌ إلى معصيةٍ أو ذنبٍ ارتكبه، وإنما هي كلمةٌ تقولها العرب، يدعمون بها كلامهم، فتقول: فلانٌ -اللهُ يغفر له- كان كذا وكذا، فلانٌ نسأل الله أن يغفر لنا وله، فهذه من عادة العرب أنهم يدعون للإنسان -خاصةً طيب الذكر- عندما يُذكر اسمه، يدعى له بالمغفرة أو بالرحمة أو بأي دعاءٍ.

فهنا في قول النبي : وفي نَزْعه -والله يغفر له- ضعفٌ، هذا دعاءٌ له، وليس فيه تنقيصٌ لأبي بكرٍ ، والضعف المشار إليه: هو قصر ولايته.

ثم بعد ذلك عَهْد عمر ، فعمر خلف أبا بكرٍ ، واتسع الإسلام في زمنه، وتقرَّر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله، ودَوَّن الدواوين، ومَصَّر الأمصار، واتسعت رقعة بلاد المسلمين في عهده، وكثرت الأموال من الغنائم والفتوحات، وله أعمالٌ عظيمةٌ وخدمةٌ جليلةٌ للإسلام والمسلمين، فهذا معنى كون هذه الدلو استحالت غَرْبًا، يعني: إلى دلوٍ عظيمةٍ.

فأخذها ابن الخطاب وكان قويًّا في الحق، شديدًا على أهل الباطل؛ ولهذا قال : فلم أَرَ عبقريًّا من الناس ينزع نَزْع عمر؛ ففي عهده نَعِمَ المسلمون بالأمن والأمان، وبالرخاء وبالاستقرار.

قوله: حتى ضرب الناس بعَطَنٍ: ظاهره أنه عائدٌ إلى خلافة عمر، وقيل: إنه يعود إلى خلافة أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما؛ لأنه بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين، تم هذا الأمر وضَرَب الناسُ بعطنٍ؛ لأن أبا بكرٍ قَمَع أهل الرِّدة، وجمع شَمل المسلمين وألَّفَهم، وابتدأ الفتوح، وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب .

وضرب الناس بعَطَنٍ؛ معناه: أَرْوَوا إبلهم، ثم آوَوْها إلى عَطَنها، وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السَّقي لتستريح؛ هذه كلمةٌ تقولها العرب للدلالة على الاستقرار والسَّعَة في العيش وراحة الناس؛ فمعنى ذلك: أن الناس أَرْوَوا إبلهم، ثم آوَوها إلى عَطَنها الذي تساق إليه.

فهذه الرؤيا تدل على فضل أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما.

والقوة المذكورة في الحديث: إشارةٌ إلى طول ولاية عمر مقارنةً بأبي بكرٍ ، ففيه فضيلة عمر ، وإنما حصل له الفضل لطول أيامه وما فتح الله ​​​​​​​ له من البلاد والأموال والغنائم في عهده.

ودل هذا الحديث أيضًا على أن من رأى أنه يَستخرج من بئرٍ ماءً؛ فإنه يَلِي ولايةً جليلةً، وتكون مدته بحسب ما استخرج قِلَّةً وكثرةً.

إذنْ، هذه الأحاديث الثلاثة فيها ثلاث رؤًى عَبَّرها النبي :

  • الأولى: “القميص”، وعبَّره بالدِّين، وقِصَر القميص يدل على رقَّة الديانة، وطول القميص يدل على متانة الديانة.
  • والرؤيا الثانية: “اللبن”، وفسره النبي بالعلم، فمن رأى أنه يشرب لبنًا في المنام؛ فمعنى ذلك: أنه يطلب علمًا، وعلمًا يُحمد عليه.
  • والرؤيا الثالثة: في الاستقاء من البئر، فمن رأى أنه يستقي من بِئرٍ ماءً؛ فإنه يلي ولايةً جليلةً، وتكون مدته بحسب استخراجه الماء من البئر قلةً وكثرةً.

فهذه ثلاث رؤًى عبَّرها النبي ، ولا أحسن ولا أكمل من تعبيره .

ننتقل بعد ذلك أيضًا لرؤيا أخرى.

كل هذه الأحاديث الآن في الرؤى، وهي تدل على فضل عمر بن الخطاب .

هذه الرؤى الثلاث فيها مدحٌ لعمر؛ وهذا يدل على جواز الثناء والمدح إذا لم يُخش على الممدوح من العُجب ومن الفتنة.

أما إذا خُشي عليه من العُجب ومن الفتنة؛ فقد ورد النهي عن المدح في هذه الحال، وأمر النبي بأن يُحثى في وجوه المدَّاحين التراب [2]، وقال للذي مدح أخاه في وجهه: قطعت عنق صاحبك [3]، هذا إذا كان يخشى عليه من العجب ومن الفتنة، أما إذا كان الممدوح لا يُخشى عليه من ذلك؛ فلا بأس بمدحه والثناء عليه بحضرته؛ ففي هذه الأحاديث مَدَحَ النبي عمر .

رؤيا النبي لقصر عمر في الجنة

ننتقل بعد ذلك أيضًا لرؤيا رابعةٍ، قال:

وحدثنا زهير بن حربٍ -واللفظ له- حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر وعمروٍ، عن جابرٍ، عن النبي قال: دخلت الجنة فرأيت فيها دارًا أو قصرًا، فقلت: لمن؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخل فذكرت غيرتك، فبكى عمر، وقال: أي رسول الله، أَوَعليك يُغار؟!

وساق المصنف الحديث بروايةٍ أخرى، ومن طريقٍ أخرى عن أبي هريرة  عن رسول الله  أنه قال:

بينا أنا نائمٌ؛ إذ رأيتُني في الجنة، فإذا امرأةٌ تَوَضَّأُ إلى جانب قصرٍ، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غَيْرَة عمر فولَّيْت مدبرًا، قال أبو هريرة: فبكى عمر ونحن جميعًا في ذلك المجلس مع رسول الله ، ثم قال عمر: بأبي أنت يا رسول الله، أعليك أغار؟!

هذه أيضًا رؤيا رابعةٌ، وهي أن النبي دخل الجنة، وهذا بطريق الرؤيا، وجاء تفسير هذا في الرواية الأخرى.

الرواية الأولى ليس فيها إشارةٌ للرؤيا، في حديث جابرٍ : دخلت الجنة فرأيت فيها دارًا، لكن في حديث أبي هريرة  قال: بينا أنا نائمٌ؛ إذ رأيتُني في الجنة؛ فإذا امرأةٌ تَوَضَّأُ إلى جانب قصرٍ، وهذا يُفسِّر الرواية السابقة؛ والروايات يفسر بعضها بعضًا؛ وهذا يدل على أن هذا الذي رآه النبي رؤيا، لكن رؤيا الأنبياء حقٌّ، ورؤيا الأنبياء وحيٌ.

فرأيت فيها دارًا أو قصرًا، فقلت: لمن؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخل، فذكرت غيرتك، وهي غيرةٌ محمودةٌ، فبكى عمر لما سمع كلام النبي وقال: “أيْ رسول الله، أوَعليك يُغار؟!”، وفي الرواية الأخرى أنه قال: رأيت امرأةً تَوَضَّأُ إلى جانب قصرٍ، ثم قلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرة عمر فولَّيت مدبرًا، فبكى عمر وقال: “بأبي أنت يا رسول الله! أعليك أغار؟!”.

فوائد من حديث رؤيا النبي لقصر عمر في الجنة:

  • وهذا الحديث يدل على فضل عمر بن الخطاب ، وعلى أنه من أهل الجنة، وهذا قد جاء في أحاديث أخرى، أن النبي شهد له بالجنة [4]، فهو من العشرة المبشرين بالجنة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ورأى النبي عليه الصلاة والسلام القصر له.
  • وأيضًا دلَّ هذا على أن الغيرة على محارم الله أنها محمودةٌ، فهي مما يمدح عليها الإنسان، وتعتبر من مناقبه، بخلاف من لا يغار على محارمه، فإن هذه الغيرة إذا زالت ربما تتحول إلى دِياثةٍ، فيكون دَيُّوثًا، وهذا مذمومٌ، المطلوب من المسلم أن يكون لديه غيرةٌ على محارمه، فإن هذا مما يُحمد شرعًا وعرفًا.
  • أيضًا من فوائد هذا الحديث: جواز أن يقال: “بأبي أنت وأمي يا رسول الله”، يعني: أَفديك بأبي وأمي، فإن عمر قال: “بأبي أنت يا رسول الله”، وورد عن الصحابة أنهم كانوا يقولون: “بأبي أنت وأمي يا رسول الله”، فنحن نَفدي رسول الله بأنفسنا وبآبائنا وبأمهاتنا، وهو أحبُّ إلينا من أنفسنا عليه الصلاة والسلام.

إذنْ هذه أربع رؤًى مرَّت معنا، وهي تدل على فضل عمر :

  • الرؤيا الأولى: رؤيا القميص في المنام، وتأويلها: الدين، وإذا قَصُر القميص؛ دل على رقة الديانة، وإذا طال دل على متانة الديانة.
  • الرؤيا الثانية: اللبن، وتدل على العلم، فمن شرب لبنًا في المنام؛ يدل على أنه يطلب العلم، ويكون علمًا نافعًا مباركًا.
  • الرؤيا الثالثة: استقاء الماء من البئر، وهذا يدل على أن من رأى ذلك، فإنه يلي ولايةً جليلةً، وتكون مدة هذه الولاية بحسب استقائه من البئر كثرةً وقلةً.
  • وأما الرؤيا الرابعة: فهي رؤيا على ظاهرها، رأى النبي قصرًا لعمر في الجنة، فهذه الرؤيا الرابعة على ظاهرها، وكما ذكرنا أن بعض الرؤى تكون على ظاهرها، وبعضها تحتاج إلى تأويلٍ وتعبيرٍ.

من مناقب عمر : هروب الشيطان منه

ثم ساق المصنف رحمه الله بسنده:

عن سعد بن أبي وقاصٍ، قال: استأذن عمر على رسول الله وعنده نساءٌ من قريشٍ يكلمنه ويستكثرنه، عاليةً أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله ، ورسول الله يضحك، وقال عمر: أضحك الله سِنَّك يا رسول الله، فقال رسول الله : عجبتُ من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك؛ ابتدرن الحجاب!، قال عمر: فأنت -يا رسول الله- أحق أن يَهَبْنَ، ثم قال عمر: أَيْ عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله ؟! قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظُّ من رسول الله ، قال رسول الله : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فَجًّا إلا سلك فجًّا غير فجك.

ثم ساق المصنف هذا الحديث أيضًا بروايةٍ أخرى:

 عن أبي هريرة: أن عمر جاء إلى رسول الله وعنده نسوةٌ رفعن أصواتهن على رسول الله ، فلما استأذن عمر؛ ابتدرن الحجاب..، فذكر نحو حديث الزهري.

هذه قصةٌ وقعت: أن نساءً من قريشٍ كن عند النبي يكلمنه ويستكثرنه؛ يعني: يطلبن كثيرًا من كلامه وفتاواه، وقضاء حوائجهن، فكنَّ يسألنه ويستفتينه، وأكثرن الكلام عليه، وكانت أصواتهن مرتفعةً؛ ولهذا قال: “عاليةً أصواتُهنَّ”.

ورَفْعُ الصوت بحضرة النبي قد نهى الله ​​​​​​​ عنه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات:2]، لكن قال القاضي عياضٌ: “يحتمل أن هذا قبل النهي عن رفع الصوت، ويحتمل أن علو أصواتهن إنما كان باجتماعها، لا أن كلام كل واحدةٍ بانفرادها أعلى من صوته “، ومن المعلوم أنه إذا اجتمع عددٌ وتكلموا؛ ارتفعت الأصوات، فيحتمل هذا وهذا.

فدخل عمر ، فلما دخل عمر؛ سكتن ووضعن الحجاب عليهن، والنبي ضحك، وسأله عمر؛ قال: أضحك الله سِنَّك! مم تضحك؟ قال : عجبتُ من هؤلاء النسوة كن عندي، لما سمعن صوتك؛ ابتدرن الحجاب، قال عمر: يا رسول الله، أنت أحق أن يهبْنَ، ثم عاتبهن عمر وقال: أَيْ عدواتِ أنفسهن، هذه كلمةٌ جاريةٌ عند العرب: “يا عدو نفسه”؛ إذا أراد الإنسان أن يعاتب آخر يرى أنه قد أخطأ؛ يقول: “يا عدو نفسه”؛ لأن الإنسان يكون عدوًّا لنفسه إذا ارتكب خطأً؛ لأن المفترض أن الإنسان يسعى لمصلحة نفسه.

قال : أتَهَبْنني ولا تهبن رسول الله؟! قلن: أنت أغلظ وأفظُّ، يعني: أن رسول الله كان هينًا لينًا، حليمًا رفيقًا، فكنَّ يأخذن راحتهن معه في الحديث، وفي الاستفتاء، وفي الكلام، أما عمر فكان عنده قوةٌ، ووصفن ذلك بالغلظة والفظاظة، لكنها في الحق، كان قويًّا في الحق .

فالنبي لمَّا سمعهن يقلن ذلك؛ أكَّد هذا المعنى وقال: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجك، وهذه منقبةٌ عظيمةٌ لعمر : أن الشيطان ما لقيه في مكانٍ إلا سلك مكانًا غير هذا المكان؛ هربًا من عمر ، وهذا ضربه النبي  مثلًا لبُعد الشيطان وإغوائه لعمر ، وأن عمر مسدَّدٌ فيما يقول، بعيدٌ عن إغواء الشيطان، وهذا يدل على فضيلة عمر ؛ يعني: كون الشيطان يهرب ويخاف منه، وما لقيه سالكًا طريقًا إلا سلك طريقًا غير الطريق الذي فيه عمر ، هذا منقبةٌ عظيمةٌ لهذا الصحابي الجليل، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

فعمر كان عنده قوةٌ بدنيَّةٌ، وقوةٌ نفسيةٌ أيضًا؛ ولذلك كان مهابًا حتى في الجاهلية، ولمَّا أراد أن يهاجر؛ هاجر علنًا، وكان كثيرٌ من الصحابة يهاجر سرًّا، إلا عمر ، وقال: من أراد أن تَثكَله أمه؛ فليلحقني في هذا الوادي، وما لحقه أحدٌ، فكان في إسلامه عِزٌّ عظيمٌ للإسلام والمسلمين، وكما سبق فإنه عبقريٌّ، ومن عظماء التاريخ: جَمَع بين القوة البدنية والقوة العلمية، والقوة الذهنية وسداد الرأي، كما سيأتي.

ثم ساق المصنف رحمه الله بسنده، قال:

حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سَرْحٍ: حدثنا عبدالله بن وهبٍ، عن إبراهيم بن سعدٍ، عن أبيه سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة، عن النبي أنه كان يقول: قد كان يكون في الأمم قبلكم مُحَدَّثون، فإن يكن في أمتي منهم أحدٌ؛ فإن عمر بن الخطاب منهم.

قال ابن وهبٍ: تفسير مُحَدَّثون: مُلْهَمون.

واختلف العلماء في تفسير هذا اللفظ: “المُحدَّث”، أو “المُلْهَم”؛ فقيل: إن المعنى أنهم مصيبون، وإذا ظنوا فكأنما حُدِّثوا بشيءٍ، وقيل: إن الملائكة تكلمهم.

وقال البخاري: يجري الصواب على ألسنتهم، وهذا هو الأقرب: أن المعنى: أنه يجري الصواب على ألسنتهم؛ يعني: موفَّقون بما أعطاهم الله من قوة الفراسة وسداد الرأي والحكمة، فالأقرب في تفسير مُحَدَّثون: أنه يجري الصواب على ألسنتهم.

وأما القول بأنه “تُكلمهم الملائكة” فبعيدٌ؛ لأن هذا إنما يكون للأنبياء.

والصحيح: أن معنى مُحدَّثون: أنه يجري الصواب على ألسنتهم.

وهذا أيضًا حصل لأبي بكرٍ ، وقد كان من أعظم الصحابة فِراسةً، وكان إذا قال: أظنُّ كذا، وقع كما ظن.

موافقات عمر لربه سبحانه وتعالى

ثم ساق المصنف رحمه الله بسنده، قال:

حدثنا عُقبة بن مُكْرَمٍ العَمِّيُّ: حدثنا سعيد بن عامرٍ: قال جويرية بن أسماء: أخبرنا عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: قال عمر: “وافقتُ ربي في ثلاثٍ: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أُسارى بدرٍ”.

نحن قلنا في تفسير “المُحدَّثون”؛ يعني: الذين يجري الصواب على ألسنتهم، والدليل لهذا التفسير: أن عمر وافق الله تبارك وتعالى في عدة أمورٍ، وذكر في هذا الحديث ثلاثة أمورٍ: 

  • في مقام إبراهيم ، عندما قال: “يا رسول الله، لو اتخذتَ من مقام إبراهيم مصلًّى”، فنزل قول الله ​​​​​​​: وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]. 
  • والثاني: في الحجاب، قال: “يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتَهن بالحجاب”، فنزلت آية الحجاب. 
  • والثالثة في أُسَارَى بدرٍ، في القصة المشهورة، فكان عمر  يرى الإثخان وقتل هؤلاء الأسرى، وكان النبي  وأبو بكرٍ يَرَيَان عدم القتل، وأن يُفَادَوا، فنزل القرآن مؤيِّدًا رأيَ عمر. 

وهناك أيضًا موافَقاتٌ أخرى لعمر : 

  • من ذلك: أنه اجتمع نساء النبي  في الغَيْرة، فقال : عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5]، فنزلت الآية بهذا اللفظ، سبحان الله! 
  • وأيضًا من الموافقات: لمَّا أراد النبي  أن يصلي على رأس النفاق عبدالله بن أُبَيٍّ؛ إكرامًا لابنه ؛ لأن ابنه كان صحابيًّا من أفاضل الصحابة، وأتى يطلب قميص النبي  –كما سيأتي في الرواية الآتية- فأتى عمر  ووقف بين يدي النبي  وقال: “كيف تصلي عليه؟! كيف تصلي على رأس النفاق؟! لا تُصَلِّ عليه يا رسول الله”، فأنزل الله ​​​​​​​ قوله: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]. 
  • وأيضًا رأى تحريم الخمر، وأن يُمنع الناس منه؛ لضرره العظيم، فجاء القرآن موافقًا. 

فهذه ستة مواضع وافق فيها عمرُ القرآن؛ وهذا يدل على سداد رأيه، وعلى حكمته، وعلى أنه مُحدَّثٌ؛ يعني: يجري الصواب على لسانه، رضي الله تعالى عنه وأرضاه. 

قصة منع الصلاة على المنافقين، هنا ساقها المصنف في روايةٍ، قال: 

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أسامة: حدثنا عبيدالله، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: لمَّا توفي عبدالله بن أُبَيِّ بن سلولٍ؛ جاء ابنه عبدالله بن عبدالله إلى رسول الله ، فسأله أن يعطيه قميصه أن يُكفِّن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله  يصلي عليه، وقام عمر فأخذ بثوب رسول الله  فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟! فقال رسول الله : إنما خَيَّرني الله فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80]، وسأزيد على سبعين، قال عمر: إنه منافقٌ! فصلى عليه رسول الله ، وأنزل الله ​​​​​​​ قوله: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]. 

انظر إلى هذه الرحمة العظيمة من هذا النبي بأمته! فهذا رأس النفاق الذي آذى النبي  أَذِيَّةً شديدةً، والله ​​​​​​​ قال: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11]، وهو ابن أُبَيٍّ، مع ذلك انظر كيف تعامل النبي معه بعد وفاته! استجاب لابنه، وأعطاه القميص ليُكفَّن فيه، وقام ليُصلي عليه، فما أعظم شفقة هذا النبي ، وما أعظم رحمته بأمته عليه الصلاة والسلام! 

فعبدالله بن أُبَيٍّ هو رأس النفاق، لكن ابنه كان ابنًا صالحًا من أفاضل الصحابة ، سبحان الله! يُخرج الله ​​​​​​​ الحي من الميت؛ فلما مات عبدالله بن أُبَيٍّ؛ أتى ابنُه وسأل النبي قميصه أن يُكفِّن فيه أباه؛ يعني: مهما كان يبقى أنه أبوه، حتى وإن كان فيه ما فيه، يبقى أنه أبوه، ثم سأله أن يصلي عليه؛ لعل الله ​​​​​​​ أن يعفو عنه بذلك، وعمر  انبهر؛ كيف تصلي -يا رسول الله- على هذا الرجل؟! على رأس النفاق؟! كيف تصلي عليه؟! 

وقام عمر فأخذ بثوب النبي : لا تُصَلِّ عليه، لا تصل عليه يا رسول الله، قال عمر: أتُصلي عليه وقد نهاك الله عن أن تصلي عليه؟! فقال : إنما خيَّرنِي الله، وقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80]، وسأزيد على سبعين. 

فما أعظم رحمة النبي  ! وما أعظم شفقته! عمر  لم يحتمل الموقف، فقال: يا رسول الله، إنه منافقٌ، كيف تصلي عليه؟! فصلى عليه النبي ، فنزل القرآن موافقًا لرأي عمر ، وأنزل الله ​​​​​​​ قوله: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]. 

فهذه القصة فيها فوائد؛ منها:

  • أولًا: حرص النبي على تطييب خواطر أصحابه ، فإنه إنما أعطاه قميصه وأراد أن يصلي عليه؛ تطييبًا لقلب ابنه، هذا الرجل الصالح؛ فإن ابنه كان صحابيًّا صالحًا. 
  • وأيضًا هذا الحديث يدل على عظيم مكارم أخلاق النبي ، فقد أعطى ابنه قميصه ليُكفَّن فيه أبوه، وصلى عليه، مع ما هو فيه من الأذى والأذية للنبي ، لكنه قابل ذلك بالحسنى، فألبسه قميصه كفنًا، وصلى عليه، واستغفر له، والله ​​​​​​​ يقول عن نبيه : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]. 
  • ودل الحديث على تحريم الصلاة والدعاء له بالمغفرة، والقيام على قبره، أما الكافر: فلا تجوز الصلاة عليه، وأما المنافق الذي ظهر منه النفاق والأذية للمؤمنين: فلا يُصلَّى عليه أيضًا إذا وُجدت القرائن الدالة على ذلك، وأنه تظهر منه عباراتٌ كفريةٌ، فهذا لا يصلَّى عليه؛ لأن الله ​​​​​​​ قال: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، لكن لا بد من القرينة الدالة على ذلك، وإلا فالأصل أن من أظهر الإسلام وأبطن الكفر، فإنه يُعامَل معاملة المسلمين: يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، لكن إذا ظهرت قرائن تدل على نفاقه، وعلى نطقه بالكفر ونحو ذلك؛ فهذا ينبغي ألا يصلى عليه، خاصةً من أهل العلم والفضل؛ لأن الله ​​​​​​​ نهى نبيه عن أن يصلي عليه. 
  • ودل أيضًا هذا الحديث على فضل الاستغفار سبعين مرةً؛ فإن الله ​​​​​​​ قال: إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80]، وهذا يدل على أن الاستغفار سبعين مرةً أمره عظيمٌ؛ يعني: حتى وإن فعلت هذا الأمر العظيم؛ فلن يغفر الله لهؤلاء المنافقين؛ فهذا يدل على فضل كثرة الاستغفار، وأنه ينبغي للمسلم أن يُكثر من الاستغفار، وأن يصل إلى هذا الرقم -سبعين مرةً أو أكثر- وقد كان النبي  يُعَدُّ له في المجلس الواحد قوله: ربِّ اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الغفور [5]. 
  • ودل هذا الحديث أيضًا على أنه يُشرع بعد دفن الميت أن يقام على قبره، ويُدعى له بالثبات والمغفرة؛ لقوله ​​​​​​​: وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، والنبي كان إذا دفن الميت قال: استغفروا لأخيكم وسلوا له بالتثبيت؛ فإنه الآن يسأل [6]، فإذا دُفن الميت؛ فيقام على قبره زمنًا، ويُدعى له بالمغفرة والرحمة، ويدعى له بالثبات، وهذا معنى الإقامة على قبره، يعني: أنه يقام على قبره بعد دفنه، ويدعى له بالمغفرة والرحمة والتثبيت. 

هذه هي فضائل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وله فضائل أخرى، فهو  من أفاضل الصحابة ، بل هو أفضل الصحابة بعد أبي بكرٍ الصديق ، على الرغم من أنه لم يكن من السابقين إلى الإسلام، وسبقه إلى الإسلام عددٌ كثيرٌ؛ أسلم في السنة الخامسة أو السادسة من البعثة، ولكن الأسبقية لا تدل دائمًا على الأفضلية، فقد يكون المتأخر أفضل من المتقدم، فها هو عمر  سبقه إلى الإسلام أناسٌ من الصحابة ، ولكنه فاقهم في الفضل. 

فضائل عثمان بن عفان

ننتقل بعد ذلك إلى فضائل عثمان بن عفان :

شدة حيائه

وذكر المؤلف فيه أحاديث كثيرةً، ابتدأها، قال المصنف رحمه الله: 

حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حُجْرٍ -قال يحيى بن يحيى: أخبرنا، وقال الآخرون: حدثنا- إسماعيل -يعنون: ابن جعفرٍ- عن محمد بن أبي حرملة، عن عطاءٍ وسليمان ابني يسارٍ وأبي سلمة بن عبدالرحمن: أن عائشة قالت: كان رسول الله مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو: ساقيه، فاستأذن أبو بكرٍ فأَذن له وهو على تلك الحال فتحدَّث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدَّث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله  وسوَّى ثيابه- قال محمدٌ: ولا أقول ذلك في يومٍ واحدٍ- فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تَهْتشَّ له ولم تُبَالِه، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك؟ فقال: ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة!.

وأيضًا ساق المصنِّف هذا الحديث من طريقٍ أخرى: 

“أن أبا بكرٍ استأذن على رسول الله وهو مضطجعٌ على فراشه لابسٌ مِرْطَ عائشة، فأذن لأبي بكرٍ وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنتُ عليه فجلس وقال لعائشة: اجمعي عليكِ ثيابكِ، فقضيتُ إليه حاجتِي ثم انصرفتُ، قالت عائشة: يا رسول الله، لم أرك فزعت لأبي بكرٍ وعمر كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله : إن عثمان رجلٌ حييٌّ، وإني خشيت -إن أَذِنتُ له على تلك الحال- ألا يبلغ إليَّ في حاجته. 

هذه القصة تدل على فضل عثمان ، حيث إن النبي كان في بيته متبسِّطًا؛ فالإنسان في بيته يتبسط في اللباس، ويتبسط في الحديث، فكان متبسِّطًا مضطجعًا كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه. 

وأخرج الطحاوي بلفظ: “كاشفًا عن فخذيه” [7]، من غير شكٍّ، بسندٍ صحيحٍ، وهذه الفائدة ستأتينا بعد قليلٍ: هل الفخذ عورةٌ أم لا؟ 

فاستأذن أبو بكرٍ  وهو على تلك الحال، وعمر  كذلك، فلما استأذن عثمان ؛ سوى النبي ثيابه وغطى فخذه، وعائشة رضي الله عنها سألت النبي : “دخل أبو بكرٍ ولَم تَهْتَشَّ له ولَم تُبَالِه”؛ يعني: لم تهتم ولم تكترث، ولم تحتفل بدخوله، وعمر كذلك، لكن لما دخل عثمان؛ جلست وسويت ثيابك! فقال : ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة. 

عثمان  كان رجلًا حييًّا؛ شديد الحياء، والإنسان إذا كان حييًّا؛ يُستحيا منه، بخلاف الإنسان الجريء غير الحيي، لا يستحيا منه كما يُستحيا من الحيي، فقال : ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة؛ وهذا يدل على أن الحياء صفةٌ من صفات الملائكة، وأنه من شدة حيائه فالملائكة نفسها تستحي منه، وهذه فضيلةٌ ومنقبةٌ ظاهرةٌ لعثمان ؛ لأن الحياء من الإيمان، والحياء صفةٌ من صفات الملائكة. 

وقوله: “على فراشه لابسٌ مِرْطَ عائشة”، المِرْط: هو كساءٌ من صوفٍ. 

هذه القصة تدل على أن النبي  يتعامل مع الصحابة معاملةً تليق بشخصية كل واحدٍ منهم، فلاحِظْ هنا أنه لما دخل عليه أبو بكرٍ ؛ بقي على حاله كاشفًا فخذيه، ولما دخل عليه عمر ؛ بقي على حاله، ولما دخل عليه عثمان ؛ جلس وسوى ثيابه وغطى فخذيه، لماذا؟ لأن عثمان  رجلٌ حييٌّ، فاستحيا منه النبي ؛ وهذا يدل على أنه ينبغي التفرُّس في شخصية من يخالطه الإنسان، وأن يعامله معاملةً تتناسب مع شخصيته. 

وفي الرواية الأخرى قال : إن عثمان رجلٌ حييٌّ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال -يعني: وأنا كاشف فخذي متبسِّطٌ- ألا يبلغ إليَّ في حاجته؛ من شدة حيائه. 

فالإنسان إذا كان يستحي ورأى منظرًا لم يألفه؛ ربَّما لا يستطيع أن يبلغ حاجته، ولا أن يُفصِح عما يريد؛ من شدة حيائه، بخلاف الإنسان الجريء، فهذا يتحدث ويتكلم حتى لو رأى منظرًا لم يألفه؛ فلا يتأثَّر، أما الحيي فقد ينكسر بسبب شدة الحياء، ولا يبلغ حاجته، ولا يفصح عما في نفسه. 

فالنبي  كان يَتفرَّس في نفوس أصحابه، ويعامل كل صحابيٍّ بما يتوافق مع شخصيته ومع طبيعته. 

هنا لاحِظ أن النبي في هذه القصة كان متبسطًا في جِلسته وفي لباسه، ودخل عليه أبو بكرٍ  فلم يغير تلك الهيئة، ودخل عليه عمر  فلم يغير تلك الهيئة، لكن لما دخل عليه عثمان ؛ غير تلك الهيئة وغطى فخذيه وسوى ثيابه؛ لأنه يعرف أن عثمان رجلٌ حييٌّ، ويخشى أيضًا أنه لا يبلغ حاجته، ولا يُفصِح عما في نفسه إذا رأى النبي على تلك الحال. 

وأيضًا، قال لأبي ذرٍّ : يا أبا ذَرٍّ، إني أراك ضعيفًا؛ فلا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يتيمٍ [8]، يعني: عَرَف شخصية أبي ذرٍّ ، وأن أبا ذرٍّ  كان عنده نوعٌ من التمسك بالرأي، هذه شخصيته، فكان يتمسك برأيه، والتمسك بالرأي لا يعتبر قوةً، يعتبر ضعفًا، ومعروفٌ من شخصية أبي ذرٍّ  أنه يتمسك برأيه؛ ولهذا كان  يَنهى عن الادخار بعد ثلاثٍ، وناقشه الصحابة  في ذلك، وتمسك برأيه، فاعتبر النبي أن التمسك بالرأي ضعفٌ؛ ولهذا قال: إني أراك ضعيفًا، فلا تأمَّرَنَّ على اثنين، الضعيف: الذي يتمسك برأيه، وليس عنده مرونةٌ، لا يستطيع أن يتأمر حتى على شخصين؛ لأن الإمارة والولاية تحتاج إلى مرونةٍ وأخذٍ وإعطاءٍ، وتقدير كل موقفٍ بما يستحقه؛ ولا تولَّيَنَّ مال يتيمٍ؛ لأنه كان يرى عدم جواز ادخار المال بعد ثلاثٍ. 

فالنبي كان يعامل كل واحدٍ من أصحابه بما يناسب شخصيته. 

ونكتفي بهذا القدر، ونجيب الآن عما تيسر من الأسئلة:

الأسئلة

السؤال: أحيانًا أصلي من الليل وأجمعها في تسليمةٍ واحدةٍ، وأجلس للتشهد قبل الركعة الأخيرة، فهل فعلي هذا صحيحٌ؟

الجواب: نعم، فعلك هذا صحيحٌ، إذا كنت ستصلي سبع ركعاتٍ، أو تسع ركعاتٍ؛ تجلس في السادسة للتشهد، ثم تقوم وتأتي بالركعة السابعة، وكذلك إذا كنت ستصلي تسع ركعاتٍ؛ تجلس للتشهد في الثامنة، وتقوم وتوتر بالتاسعة، هاتان الصفتان وردتا عن النبي [9]، لكن الصفة الأشهر والأكثر والمتفق عليها: هي أن تصلِّي صلاة الليل مثنى مثنى، ثم توتر بواحدةٍ؛ لقول النبي : صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيتَ الصبح؛ فأوتر بركعةٍ واحدةٍ [10].

فينبغي أن تكون هذه الصفة هي الغالبة على حالك: أن تصلي مثنى مثنى، ثم توتر بواحدةٍ، لكن في بعض الأحيان لا بأس أن تسرد خمسًا بتشهُّد واحدٍ وسلامٍ واحدٍ، وسبعًا وتسعًا، وأيضًا سبعًا بتشهدين وسلامٍ واحدٍ، وتسعًا بتشهدين وسلامٍ واحدٍ؛ يعني: تأتي بصفةٍ من الصفات الواردة، لكن على غير الغالب، الغالب أن تكون مثنى مثنى، ثم توتر بواحدةٍ.

السؤال: إذا صلت النساء جماعةً؛ فهل يجوز أن أصلي منفردةً عنهن، أو لا يجوز؟

الجواب: يجوز أن تصلي المرأة منفردةً عن جماعة النساء؛ لأن الجماعة لا تجب على النساء، لكن الأحسن: أن تدخل مع جماعة النساء وتصلي معهن، ولو صلت منفردةً؛ فلا حرج.

السؤال: إذا أصر الإمام على الإتيان بركعةٍ خامسةٍ في الرباعية مع تنبيه الجماعة له، وانقسم الجماعة ما بين متابعٍ ومنتظرٍ في التشهد حتى يسلم مع إمامه؟

الجواب: هذا هو التصرف الصحيح: من كان يجزم بأن الإمام قد زاد ركعةً خامسةً؛ فلا يجوز له أن يتابعه في هذه الركعة الخامسة، وإلا بطلت صلاته، أما من لم يجزم بذلك، وكان عنده شكٌّ؛ فلا بأس أن يتابع الإمام.

فإذا جزمت بأن الإمام قام لركعةٍ زائدةٍ؛ فلا يحوز لك أن تتابعه، وإنما تجلس للتشهد منتظرًا الإمام حتى يصل إلى التشهد ثم تسلم معه.

السؤال: هل يوجد نهيٌ يوم الجمعة عند الزوال؟

الجواب: هذا محل خلافٍ بين العلماء؛ وجمهور العلماء على أنه يوجد نهيٌ قُبيل الزوال في يوم الجمعة كبقية الأيام.

والقول الثاني: أن يوم الجمعة مستثنًى، ليس فيه وقتُ النهي قُبيل الزوال، هذا قولٌ مشتهِرٌ عند الشافعية.

والقول الراجح: هو قول الجمهور، وهو أن يوم الجمعة كغيره، وأن فيه وقت نهيٍ؛ لعموم الأدلة، والأدلة لم تفرق بين يوم الجمعة وغيره.

ففي حديث عمرو بن عَبَسَة : “وحين يقوم قائم الظهيرة” [11]، ولم يقل: إلا يوم الجمعة؛ ففي حديث عقبة بن عامرٍ : “ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبُر فيهن موتانا..”، قال: “وحين يقوم قائم الظهيرة”، ولم يقل: إلا يوم الجمعة، فالأدلة أتت عامةً.

لكن القائلون باستثناء الجمعة، قالوا: إن الصحابة  لم يكونوا يخرجون من المسجد ليروا: هل أصبحت الشمس في كبد السماء، أم لا؟ وهذا الاستدلال محل نظرٍ؛ إذ إن مسجد النبي كان مسقوفًا بجذوع النخل وبالجريد، فكانوا يرون الشمس ويعرفون متى تكون الشمس في كبد السماء، ويحتمل: أن بعضهم يخرج ويرى ولم يُنقل ذلك، فهذا لا يقوى لاستثناء يوم الجمعة من عموم هذه الأدلة الصحيحة الصريحة.

فالقول الراجح: أن يوم الجمعة كغيره في وقت النهي قُبيل الزوال.

السؤال: يتزاحم المشيِّعون بشدةٍ على نثر التراب على قبر المتوفى بعد دفنه، هل لهذا أصلٌ؟

الجواب: نعم، ورد أنه يُحثَى على الميت ثلاث حَثَيَاتٍ [12]، فهذا قد ورد في السنة؛ ولذلك فمن تيسر له أن يشارك في الدفن، وإلا فيَحثي ثلاث حثياتٍ بالتراب؛ حتى يكون مشاركًا في دفن الميت.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 3665، ومسلم: 2085
^2 رواه مسلم: 3002.
^3 رواه البخاري: 2662، ومسلم: 3000
^4 رواه أبو داود: 4649، والترمذي: 3748.
^5 رواه الترمذي: 3434، وابن ماجه: 3814، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
^6 رواه أبو داود: 3221.
^7 رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1695.
^8 رواه مسلم: 1826
^9 الأولى رواها الدارمي: 1516، والثانية رواها مسلم: 746.
^10 رواه البخاري: 473، ومسلم: 749
^11 رواه مسلم: 831، من حديث عقبة بن عامر، ورواه أبو عوانة بمعناه: 1145، من حديث عمرو بن عبسة.
^12 رواه البيهقي: 7718.
zh