عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
التكبير في عيد الفطر
فهذه الليلة هي الليلة الأخيرة من شهر رمضان ليلة الثلاثين من رمضان، وسبحان الله كنا بالأمس القريب نستقبل شهر رمضان، ويهنئ بعضنا بعضًا بقدومه، وها نحن الآن نودعه، وكما وصفه ربنا : أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184].
ونحن في هذه الليلة الأخيرة من هذا الشهر المبارك، والله يقول: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]، فنحن في هذا اليوم الأخير الذي نكمل به عدة شهر رمضان، وينبغي لنا أن نكبر الله سبحانه كما أرشدنا ربنا .
والتكبير المشروع في هذه الليلة هو صباح العيد يسميه الفقهاء: التكبير المطلق، ويبتدئ من غروب الشمس ليلة العيد، ويمتد إلى وقت صلاة العيد.
صفة التكبير
والتكبير ورد فيه صفتان:
- تثليث التكبير، بأن تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
- أو تثنية التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
وإن قلت: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا؛ فحسن.
فينبغي أيها الإخوة أن تلهج ألسنتنا بالتكبير، وأن نمتثل ما أرشدنا إليه ربنا سبحانه في قوله: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، فهذه السنة، أعني سنة التكبير يغفل عنها كثير من الناس، فرحم الله من أحيا هذه السنة بقوله وفعله.
ينبغي أن تلهج ألسنتنا هذه الليلة، وصباح يوم العيد أن تلهج بالتكبير، وأن يعج الناس في المسجد الحرام، وفي كل مكان، أن يعج المسلمون بالتكبير، ممتثلين أمر ربهم: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
حكم تخصيص ليلة العيد بالعبادة
أيها الإخوة: وسيأتي بعد هذا اليوم بعدما نكمل العدة ثلاثين يومًا بعد غد يكون يوم العيد، ويوم العيد هو اليوم الأول من شهر شوال، يبتدئ يوم العيد بغروب الشمس من اليوم الثلاثين من شهر رمضان إن كان الشهر تامًا، أو من اليوم التاسع والعشرين إن كان الشهر ناقصًا، والليلة تسمى ليلة العيد.
ولم يثبت عن النبي أن فيها عبادة معينة، وإنما هي كسائر الليالي، وما روي من أحاديث في إحياء ليلتي العيدين فهي أحاديث ضعيفة لا تثبت من جهة الصناعة الحديثية.
حكم صلاة العيد
وتشرع صلاة العيد، ومن أهل العلم من قال: إن صلاة العيد فرض عين، وجمهور أهل العلم على أنها ليست بفرض عين على خلاف بينهم هل هي سنة، أو فرض كفاية؟
والأقرب والله أعلم أن صلاة العيد فرض كفاية، فهي سنة متأكدة، ومن فروض الكفاية، إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
فعليك أخي المسلم أن تحرص على صلاة العيد، كون بعض أهل العلم يقول بوجوبها على الأعيان، هذا يدل على تأكد هذه العبادة، فينبغي أن نحرص على أداء صلاة العيد.
سنن العيد وآداب
والسنة لمن خرج للعيد: أن يفطر قبل ذلك على تمرات، وأن يقطعها على وتر، ولعل الحكمة في هذا والله أعلم أن في هذا تحقيقًا للفطر يوم العيد، فإن يوم العيد يحرم صومه، ويجب فطره.
فالسنة إذن: أن يفتتح الإنسان يوم العيد قبل الصلاة بأن يفطر على تمرات، وأن يقطعها على وتر، وأيضًا السنة: أن المسلم يأخذ كامل زينته عند الذهاب لصلاة العيد، فقد كان النبي كان يلبس أحسن ملابسه، والناس يختلفون في أعرافهم في ملابس الزينة، فعلى الإنسان أن يأخذ زينته عندما يذهب لصلاة العيد.
وصلاة العيد ركعتان: الركعة الأولى تكون سبع تكبيرات مع تكبيرة الإحرام، وهذه التكبيرات يسميها العلماء تكبيرات الزوائد، وهي مستحبة، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات غير تكبيرة الانتقال، أي: أنه يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية ست تكبيرات، ثم بعد ذلك تكون خطبة العيدين.
ولا بأس أن يهنئ المسلمون بعضهم بعضًا يوم العيد، يهنئونهم بأن الله تعالى أنعم عليهم ببلوغ شهر رمضان، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة، وكان كثير من السلف إذا لقي بعضهم بعضًا يوم العيد هنأه، وقال: تقبل الله منا ومنكم، ومن أفضل الصيغ في التهنئة أن تقول: تقبل الله منا ومنكم، ولا بأس بأن يؤتى بأية صيغة مناسبة للمقام كأن يقول: عيدكم مبارك، أعاده الله علينا وعليكم بالخيرات، ونحو ذلك من العبارات المناسبة.
ويتأكد معايدة الأرحام، فإن هذا يدخل في صلة الرحم؛ لأن صلة الرحم تشمل كل ما أدخل السرور على الرحم، وعلى رأسهم الوالدان والإخوة والأخوات، والأخوال والخالات، والأعمام والعمات.
وكذلك أيضًا: الأبناء والبنات، والأحفاد والأجداد والجدات هؤلاء الأرحام الذين تجب صلتهم، يدخل في ذلك معايدتهم، فإن المعايدة تدخل في صلة الرحم.
وهكذا أيضًا: معايدة سائر من تعرفه، ومن تلقاه من المسلمين، كالجيران والزملاء والأصدقاء، ونحو ذلك، وكل ما أدخل السرور على نفس أخيك المسلم فهو مطلوب شرعًا.
وينبغي أن تغتنم هذه المناسبة مناسبة العيد في إزالة الشحناء بين المسلمين، وإذا كان بينك وبين أحد من المسلمين قطيعة أو هجر أو شحناء، فينبغي أن تسعى لإزالته، فقد أخبر النبي بأنه تفتح أبواب الجنة يومي الاثنين والخميس، فيغفر لكل من لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا [1]، فينبغي أن نسعى لإزالة الشحناء بين المسلمين، وأن يكون هذا العيد عيد فرح ومحبة ومودة بين المسلمين.
استمرار العمل بعد رمضان
وأقول: أيها الإخوة لئن انقضى شهر رمضان فإن عمل المسلم لا ينقضي إلا بالموت، كما قال الله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فلئن انقضى صيام رمضان، فصيام النافلة لا يزال مشروعًا ولله الحمد طيلة أيام السنة، ما عدا الأيام التي نهى الشارع عن صومها في يومي العيدين وأيام التشريق، وأعلى درجات صيام النافلة: أن يصوم يومًا، وأن يفطر يومًا.
ولئن انقضى قيام رمضان، فقيام بقية ليالي السنة لا يزال مشروعًا ولله الحمد، لا يزال القيام مشروعًا في جميع ليالي السنة، وقد أخبر النبي أن ربنا ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، كل ليلة، وينادي عباده: هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ وذلك كل ليلة [2].
فينبغي أن نواصل الأعمال الصالحة بعد رمضان، سئل بعض السلف عن قوم يجتهدون في العبادة في رمضان، فإذا انقضى رمضان رجعوا إلى ما كانوا عليه من التقصير، والوقوع في المحرمات قبل رمضان، قال: بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.
فينبغي أن نستمر على ما كنا عليه من الأعمال الصالحة في شهر رمضان، فإن رب رمضان هو رب شوال، ورب سائر الشهور.
اختتام رمضان بالتوبة
أيها الإخوة: وينبغي أن نختم هذا الشهر الكريم بالتوبة إلى الله ، وبكثرة الاستغفار، وبالتكبير، والتوبة مطلوبة من المسلم في جميع الأوقات، لكنها تتأكد في مثل هذا الوقت الفاضل، فبعدما منَّ الله علينا بصيام هذا الشهر وقيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة، ينبغي أن نختم ذلك بتوبة نصوح، بتوبة صادقة.
والتوبة يشترط لها ثلاثة شروط:
- الشرط الأول: الإقلاع عن الذنب.
- الشرط الثاني: الندم على ما فعل من الذنب.
- الشرط الثالث: العزم على ألا يعود إليه مرة أخرى.
لا بد من هذه الشروط الثلاثة.
الإقلاع عن الذنب، فإن لم يقلع عن الذنب، وإنما هو مستمر فيه، لا تصح توبته، والندم لا بد أن يندم، حتى يكون صادقًا في التوبة؛ لأن من يقول: تبت إلى الله، وهو غير نادم على الذنب وعلى المعصية، لا يكون صادقًا، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: التوبة ندم،
والشرط الثالث: العزم على ألا يعود إليه مرة أخرى، فإنه إذا عزم على أن يعود إليه مرة أخرى لا يكون صادقًا في توبته.
وإذا كانت المعصية متعلقة بحقوق الآدميين فيضاف الشرط الرابع، وهو: التحلل من ذلك الآدمي، وإلا لم تتم توبته.
أسأل الله تعالى أن يختم لنا شهر رمضان برضوانه.
اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك، اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك.
اللهم اجعلنا ممن تغفر لهم في هذا الشهر، اللهم اجعلنا ممن صام هذا الشهر وقامه إيمانًا واحتسابًا.
اللهم اجعلنا من عتقائك من النار.
اللهم وأعد علينا هذا الشهر أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة على طاعتك ومرضاتك، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.