عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه الليلة هي ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان، وأتحدث معكم في هذه الليلة عن زكاة الفطر، وعن أبرز مسائلها وأحكامها.
حكم زكاة الفطر
زكاة الفطر فرضها رسول الله على المسلمين، فرضها على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، فهي واجبة أوجبها رسول الله في ختام هذا الشهر، فتجب على الإنسان وتلزمه، ويجب عليه أيضًا أن يخرجها عمن تلزمه نفقته من الزوجة والأولاد ونحوهم.
الحكمة من مشروعية زكاة الفطر
والحكمة من مشروعيتها: أن فيها إحسانًا للفقراء والمساكين، لكي يشاركوا الأغنياء فرحهم بالعيد، فيكون يوم العيد يوم فرح للجميع، فإن الفقير أو المسكين قد لا يجد يوم العيد ما يأكله، وما يشارك به الغني فرحته بالعيد، فشرعت زكاة الفطر لأجل مواساة هؤلاء الفقراء والمساكين، كي يشاركوا الأغنياء فرحهم بالعيد، ويكون يوم العيد يوم فرح وسرور للجميع.
ومن حكم مشروعية زكاة الفطر: أن فيها جبرًا لما قد يكون من النقص والخلل من الصائم، فإن الإنسان في شهر رمضان يعتري صومه ما قد يعتريه من النقص والخلل، وكل معصية تقع من الصائم تنقص من أجر صومه، فشرعت زكاة الفطر جبرًا لهذا النقص والخلل الذي قد يقع من الصائم.
وإن كان هذا قد يرد عليه أنها تخرج عن الصغير، والصغير غير مكلف، حتى لو كان هذا الصغير عمره يوم واحد، وهو غير مكلف ومرفوع عنه القلم، لكن نقول: إن هذا يعني خرج مخرج الغالب، فنقول: إن هذه الحكمة بناء على ما هو الغالب، وأن الغالب أن الزكاة الفطر تخرج عن المكلفين.
أيضًا من حكم مشروعية زكاة الفطر: أنها من باب شكر نعمة الله للمسلم أن الله تعالى بلغه رمضان، ويسر له فعل ما تيسر من الأعمال الصالحة من الصيام والقيام، وكثير من الأعمال الصالحة، وهو يشكر الله على هذه النعمة.
إخراج زكاة الفطر من غالب قوت البلد
وزكاة الفطر فرضها رسول الله طعامًا؛ كما جاء عن أبي سعيد قال: “أمرنا رسول الله أن نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام” [1]، وكان الطعام عند الصحابة في زمن النبي : التمر، والبر، والشعير، والزبيب، والأقط، فكانت هذه الأصناف الخمسة هي الطعام السائد في زمن النبي .
لكن قال أهل العلم: إن الواجب في إخراجها أن تخرج من الطعام الذي يقتاته الناس، والذي هو من غالب قوت أهل البلد، ولذلك فلا بأس أن تخرج في وقتنا الحاضر من الأرز؛ لأنه قوت يقتاته الناس، وطعام طيب.
والسنة أن تخرج طعامًا، وهل يجوز أن تخرج من القيمة، يعني تخرج نقودًا؟
أكثر أهل العلم على أنه لا يجزئ أن تخرج نقودًا، وإنما يجب إخراجها طعامًا، وهذا هو المذهب عند المالكية والشافعية والحنابلة، والمذاهب الأربعة هي المذاهب والمدارس المتبوعة في العالم الإسلامي.
فثلاثة من هذه المذاهب: مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة، يرون وجوب إخراجها طعامًا، ولا يرون أنه يجزئ إخراجها نقودًا، خلافًا للحنفية الحنفية هم الذين أجازوا إخراجها نقودًا.
والصواب ما عليه جمهور أهل العلم، وما عليه أكثر العلماء من أنها تخرج طعامًا، وليس نقودًا؛ وذلك لأن النبي إنما أمر بإخراجها طعامًا، وأيضًا حتى تبرز هذه الشعيرة، وتتميز عن زكاة المال، وعن غيرها.
فإخراجها طعامًا تظهر به هذه الشعيرة، ويراها الناس يراها الصغير والكبير، ويراها الناس، وتكون هذه الشعيرة ظاهرة في المجتمع، بخلاف ما إذا أخرجت نقودًا لا يصبح فرق بينها وبين زكاة المال.
ولهذا نجد أن البلدان التي تخرج فيها نقودًا لا تظهر فيها هذه الشعيرة، بخلاف البلدان بلدان العالم الإسلامي التي تخرج زكاة الفطر فيها طعامًا، نجد أن هذه الشعيرة تكون ظاهرة وبارزة.
قد يقول بعض الناس: إن إخراجها نقودًا أنفع للفقير؛ لأن الفقير إذا أعطي نقدًا يستطيع أن يشتري به ما شاء، بخلاف ما إذا أعطي طعامًا.
نقول: إن هذا الإيراد أيضًا وارد حتى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، لماذا لم يقل النبي للصحابة أخرجوها مثلًا دينارًا، أو أخرجوها درهمًا، أو دراهم.
وهذا الذي يقوله بعض الناس إنها أنفع للفقير، طيب نقول: حتى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أنفع للفقير، إذا أعطي نقدًا أنفع له، ومع ذلك النبي عليه الصلاة والسلام أمر بإخراجها طعامًا.
ولهذا في السنة أن تخرج طعامًا، ولا يجزئ إخراجها نقودًا، فينبغي لك أخي المسلم أن تحرص على تطبيق السنة، ولو لم يكن في إخراجها طعامًا إلا أن في هذا خروجًا من الخلاف، خاصة وأن أكثر العلماء يرون أنها لا تجزئ نقودًا، يعني أن المذاهب المتبوعة في العالم الإسلامي، مذهب الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنابلة هذه هي الأربع المدارس والمذاهب المتبوعة في العالم الإسلامي، ثلاثة منها يرون أنها لا تجزئ نقودًا، وإنما يجب أن تخرج طعامًا.
مقدار زكاة الفطر
ومقدارها صاع بصاع النبي ، والصاع كيل، يعني يملأ هذا الصاع بطعام، والناس الآن أصبحوا يتعاملون بالوزن، يتعاملون بالكيلو جرامات، فلو قلت لإنسان: أخرجها صاعًا، يقول: ما أدري كم مقدار الصاع؟ أخبرني كم؟ كم كيلو؟ كم كيلو أخرجها؟
ولذلك لا بد من تحويل هذا الصاع إلى الوزن بالكيلو جرامات، وهناك خلاف في تحويلها من صاع إلى كيلو جرامات، أقل ما قيل: هو كيلوان وأربعون جرامًا، أو كيلوان وخمسة وثلاثون جرامًا، وأكثر ما قيل ثلاثة كيلو جرامات، والذي يظهر أنها في حدود كيلوين وربع من الأرز إذا كانت ستخرج من الأرز، ولو احتاط الإنسان وأراد أن يخرجها ثلاثة كيلو جرامات باعتبار أن هذا هو الأحوط، وينوي أن الزائد صدقة، فيكون هذا حسنًا.
وقت الوجوب لزكاة الفطر
وأما وقت وجوبها فتجب بغروب الشمس ليلة العيد، هذا هو وقت الوجوب، وهذه المسألة يتفرع عنها مسائل:
فلو مات إنسان قبل غروب الشمس ليلة العيد، لم يجب إخراج زكاة الفطر عنه، ولو مات بعد غروب الشمس ليلة العيد، ولو بدقيقة واحدة فيجب إخراج زكاة الفطر عنه.
كذلك أيضًا: لو تزوج إنسان ودخل بامرأته قبل غروب الشمس ليلة العيد لزمه أن يخرج زكاة الفطر عنها، ولو كان بعد غروب الشمس ليلة العيد لم يلزمه.
كذلك أيضًا: لو ولد لإنسان مولود قبل غروب الشمس ليلة العيد، وجب إخراج زكاة الفطر عنه، أما لو ولد له بعد غروب الشمس ليلة العيد، لم يجب إخراج زكاة الفطر عنه، لكنه يستحب ذلك، لأنه يستحب إخراج زكاة الفطر عن الجنين الذي في البطن.
بشرط: أن يكون عمر الحمل أربعة أشهر فأكثر، أما قبل أربعة أشهر لا تخرج زكاة الفطر عنه؛ لأنه ليس بإنسان، لا زال نطفة أو علقة أو مضغة، والإنسان إنما يكون إنسانا بنفخ الروح فيه، فيكون مركبًا من جسد وروح، وهذا كما أخبر النبي إنما يكون بعد مضي أربعة أشهر.
فالحمل يستحب إخراج زكاة الفطر عنه إذا كان عمر الحمل أربعة أشهر فأكثر.
وهذا إذن هو وقت الوجوب.
وقت الجواز لزكاة الفطر
وأما وقت الجواز فيجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين، وعلى ذلك فيكون أول وقت لإخراج زكاة الفطر هو غروب الشمس اليوم الثامن والعشرين من رمضان، إذا غربت الشمس من اليوم الثامن والعشرين من رمضان يجزئ إخراج زكاة الفطر هذه الليلة ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان، هذا هو وقت لإخراج زكاة الفطر.
لكن لو أخرجها قبل ذلك ننظر إن كان الشهر ناقصًا تسعة وعشرين يومًا، وأخرجها مثلًا في اليوم الثامن والعشرين، أو في ليلة الثامن والعشرين أجزأ، أما إذا كان الشهر تامًا، فلا يجزئ ذلك عند طائفة من أهل العلم.
ويمتد وقت زكاة الفطر إلى صلاة العيد، والأفضل أن تخرج يوم العيد قبل الصلاة، أما إخراجها بعد صلاة العيد، فعند بعض الفقهاء أنه مكروه، وذهب آخرون إلى أنه لا يجزئ؛ لأنه ممنوع، يعني بعض العلماء يرون أنه مجزئ لكنه يكره، وكثير من أهل العلم يرون أنه لا يجزئ وهذا هو الأقرب، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: ومن أخرجها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات.
من أخرجها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، فآخر وقت لإخراجها هو صلاة العيد، والمستحقون لها هم الفقراء والمساكين.
كان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها من قبلها، من قبلها ولم يظهر عليه غنى، فلا بأس بأن يعطى إياها، ويجوز دفع عدد من الفطر لمسكين واحد، ويجوز دفع الفطرة إلى أكثر من مسكين؛ لأن النبي قدر المخرج وهو صاع، ولم يقدر عدد المساكين.
فينبغي للمسلم أن يحرص على إخراجها طيبة بها نفسه، ولا يتبعها بمنة ولا أذى، فإنها صاع واحد في العام، فينبغي أن يحرص على أن يخرجها، وأن يطبق السنة في ذلك بأن يخرجها من الطعام، وان يتحرى بإعطائها الفقراء والمساكين.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يعيننا على ذكره، وعلى شكره، وعلى حسن عبادته، وأن يختم لنا شهر رمضان برضوانه، وأن يجعلنا فيه من عتقائه من النار.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحاشية السفلية
^1 | بنحوه رواه البخاري: 1506، ومسلم: 985. |
---|