عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
هذه الليلة هي ليلة الخامس والعشرين من شهر رمضان، وسيكون الحديث تكملة لما تحدثت عنه بالأمس من آداب الدعاء، تكلمنا عن أهمية الدعاء وعن فضله، وعن جملة من آدابه.
تتمة آداب الدعاء:
-
الحرص على أسباب الإجابة
أيضًا نستكمل الحديث عن بقية آداب الدعاء، فمن أسباب إجابة الدعاء: أن يحرص المسلم على طيب المكسب، فإن المكسب الخبيث من موانع إجابة الدعاء، وقد ذكر النبي : الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له [1] رواه مسلم، فهنا ذكر النبي جملة من أسباب إجابة الدعاء، ثم ذكر مانعًا من الإجابة.
أما أسباب الدعاء: ذكر الرجل يطيل السفر، وهذا الإنسان في السفر دعاؤه حري بالإجابة، وقد ذكر في قوله عليه الصلاة والسلام: يطيل السفر أشعث أغبر، هذا من أسباب الإجابة: أن الإنسان يكون في سفر طويل، وقوله: أشعث أغبر إشارة إلى تضرعه، وانطراحه، وأنه شعره أشعث ومغبر، فهو منطرح بين يدي الله .
-
رفع اليدين
يمد يديه إلى السماء: وهذا فيه إشارة إلى أدب عظيم من آداب الدعاء، وهو رفع اليدين عند الدعاء. فالأصل أن رفع اليدين أنه من آداب الدعاء، ولهذا قال: يمد يديه إلى السماء، كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يدعو رفع يديه إلى السماء هكذا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: إن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرًا [2]، أي: خائبتين.
-
الدعاء بربوبية الله
فهنا اجتمعت هذه الأسباب أسباب إجابة الدعاء: هذا رجل مسافر، أطال السفر، أشعث أغبر، رفع يديه إلى السماء، أيضًا أتى بسبب آخر من أسباب الإجابة، يقول: يا رب، ودعاء الله بهذا الاسم: “يا رب” من أسباب الإجابة.
ولهذا عندما نتأمل أدعية الأنبياء نجد أنهم يدعون بالربوبية: يا رَبِّ، رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38]، رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا [نوح:28].. رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89].
عندما نتأمل أدعية الأنبياء يدعون بـــ رَبِّ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا [الأعراف:23]، آدم وحواء أيضًا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا [الأعراف:23]، فعندما تتأمل أدعية الأنبياء يبتدئون أدعيتهم بــــ رَبِّ، أو يا رَبِّ، فالدعاء بــ يا رَبِّ من أسباب الإجابة.
حتى إن بعض أهل العلم قال: إنه هو اسم الله الأعظم، فالدعاء بالربوبية يا رَبِّ، ويا رَبِّ.
-
موانع إجابة الدعاء
هذا الرجل اجتمعت عنده هذه الأسباب من أسباب الإجابة، ومع ذلك لم يستجب دعاؤه، لماذا؟
لأنه قد وجد عنده مانع عظيم من موانع الإجابة، وهو: خبث المكسب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟.
فاحرص أخي المسلم على طيب المكسب، وعلى أن تبتعد عن المال الحرام بجميع أشكاله وصوره، فإن المال الحرام وجوده من موانع إجابة الدعاء.
-
الدعاء بالمأثور
ينبغي للداعي أن يحرص على أن يدعو بالمأثور، وبما صح عن النبي ، ولا بأس أن يدعو بأدعية ينشئها من نفسه، مثلًا يدعو الله بأن يرزقه الصحة والعافية، بأن يبارك له في ماله وولده، ونحو ذلك.
لكن ينبغي أولًا أن يركز على أن يدعو بالمأثور، وأذكر جملة من الأدعية المأثورة التي كان النبي يكثر منها، أو يحث عليها.
ما أكثر دعوة كان يدعو بها النبي ؟
الصحابة كانوا يراقبون النبي عليه الصلاة والسلام في أدعيته، في تصرفاته، في كل شيء، حتى وصفوا ونقلوا للأمة اضطراب لحيته في الصلاة، فلا بد أن الصحابة يعرفون ما هو أكثر دعاء يدعو به النبي .
والصحابة نقلوا لنا أن أكثر دعاء كان يدعو به النبي : ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار [3]، هذه الدعاء أكثر دعاء كان يدعو به النبي .
وهذه الدعاء ذكره ربنا سبحانه في قوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة:201-202]، هذا الدعاء إذا استجيبت لك، حصلت لك سعادة الدنيا والآخرة، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، أنت عندما تدعو تقول: رب آتني في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقني عذاب النار.
عندما تقول: رب آتني في الدنيا حسنة، ما هي الحسنة التي في الدنيا؟
فسرها بعض السلف بعضهم قالوا: بالزوجة الصالحة، وبعضهم بالمركب الهني، وبعضهم يعني ذكروا أمثلة، ولذلك الحسنة التي في الدنيا، أقول هي باختصار: السعادة، كأنك تقول: يا رب اجعلني أعيش في هذه الدنيا سعيدًا، وهذا يجمع الأمثلة التي ذكرها السلف، منها: الزوجة الصالحة، والمركب الهني، والدار الواسعة، ونحو ذلك، يعني: أن تعيش بسعادة، كأنك تقول: يا رب اجعلني أعيش في الدنيا بسعادة.
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، ما هي الحسنة التي في الآخرة؟
الجواب: الجنة.
وقني عذاب النار، يعني: يسر لي من الأعمال الصالحة ما أتقي به دخول النار، فانظر إلى عظيم شأن هذه الدعوة، ولهذا كان النبي يكثر منها.
فاحرص يا أخي المسلم على أن تدعو الله تعالى كل يوم بهذه الدعوة: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
أيضًا من الأدعية العظيمة: أن تسأل الله الجنة، وأن تستعيذ بالله من النار، وقد جاء عند الترمذي وغيره بسند صحيح: أن النبي قال: إذا سأل العبد ربه الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، وإذا استعاذ بالله من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أعذه من النار [4].
فاحرص يا أخي على أن تدعو الله تعالى كل يوم، تسأل الله الجنة على الأقل ثلاث مرات، وتستعيذ بالله من النار على الأقل ثلاث مرات، هذه الدعوة إذا استجيبت لك، فقد فزت الفوز العظيم، كما قال ربنا سبحانه: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185].
أيضًا من الأدعية المأثورة العظيمة: ما وصى به النبي معاذًا، قال: يا معاذ، والله إني لأحبك لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك، وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك [5]، دبر كل صلاة يعني: آخر كل صلاة، في التشهد الأخير، يعني بعد التشهد الأخير قبيل السلام، فإنه بعد التشهد الأخير قبيل السلام هذا موضع دعاء، ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه.
عندما تأتي بالتشهد، ثم تصلي على النبي ، بعد ذلك تتخير من الدعاء ما أعجبك، ومن ذلك: أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: “تأملت أنفع الدعاء، فوجدته سؤال العبد ربه أن يعنيه على طاعته، ثم تأملت فإذا هو مذكور في قول الله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]”؛ لأن الإنسان ضعيف لا يستطيع أن يعبد الله كما يحب الله إلا إذا أعانه الله ، وإذا وفقه.
فإن الصلاح والاستقامة ليسا فضلًا من العبد، وإنما هو محض فضل من الله سبحانه، ونعمة من الله، ولهذا قال سبحانه: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]، الله تعالى هو الذي أنعم عليهم بالصلاح والهداية والاستقامة.
فتقول: اللهم أعني على ذكرك، وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك.
كذلك أيضًا تدعو الله بما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة، ومن ذلك: تسأل الله المغفرة، وأن تسأله الرحمة، وأن تسأله البركة، البركة في وقتك، البركة في عمرك، والبركة في صحتك، والبركة في مالك، والبركة في زوجتك، والبركة في أهلك، والبركة في علمك، والبركة في كل شيء، تسأل الله تعالى البركة.
وتدعو الله بما أعجبك من خيري الدنيا والآخرة.
فاحرص يا أخي المسلم على أن تكثر من الدعاء، وأن تلح على الله تعالى بالدعاء، إن الله تعالى يحب من عبده أن يلح عليه في الدعاء، وألا يستعجل الإجابة.
كل يوم احرص على أن يكون لك دعوات تدعو الله بها، وبخاصة في هذه الليالي المباركة.
أسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره، وعلى شكره، وعلى حسن عبادته.
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار، نسألك اللهم الجنة، ونعوذ بك من النار، نسألك اللهم الجنة، ونعوذ بك من النار.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى من الأقوال والأعمال.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.