عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، ونسألك اللهم الفقه في الدين.
تكلمنا في الدرس السابق عن جملة من المسائل المتعلقة بالنوازل في العبادات، وفي هذا الدرس سوف نتكلم إن شاء الله عن ثلاث مسائل، أو ثلاث نوازل أخرى في العبادات.
- المسألة الأولى: هي القسطرة، وما يسمى بالشرج الصناعي، وأثر ذلك على الطهارة، وعلى صحة الصلاة.
- المسألة الثانية: الأذان عن طريق المسجل، حكمه، وهل تشرع متابعة المؤذن عن طريق المسجل في الإذاعة والتلفاز، ونحو ذلك؟ وحكم إجابة المؤذن إذا نقل الأذان على الهواء مباشرة، والسامع قد أدى الصلاة أو لم يؤد الصلاة؟
- المسألة الثالثة: حكم توزيع المياه في المقبرة على المشيعين للجنازة، وحكم الشرب من ذلك الماء.
هذه ثلاث مسائل سوف نتكلم عنها إن شاء الله تعالى في هذا الدرس.
المسألة الأولى: القسطرة وأثرها على الطهارة
فنبدأ بالمسألة الأولى: وهي ما يسمى بالقسطرة، أو الشرج الصناعي، ونحو ذلك، وأثره على الطهارة، وعلى صحة الصلاة.
معنى القسطرة
فنقول: أولًا: نريد أن نبين معنى القسطرة.
القسطرة معناها: أن يوضع للمريض في مجرى البول قسطار، ومعنى القسطار ماسور بلاستيكي، حتى يخرج البول عن طريقه، وذلك لأسباب منها: احتباس البول، وعدم خروجه، خاصة ممن يعاني من مرض البروستات ونحو ذلك، أو بسبب خروج البول دون إرادة المريض، فلا يتحكم بخروج البول منه، أو لغير ذلك من الأسباب.
فهذه القسطرة توضع للذي لا يتبول تبولًا طبيعيًّا، إما لأجل انحباس البول، أو لأجل عدم التحكم فيه، فيوضع هذا القسطار في ذكره، ويكون متصلًا بكيس يتجمع فيه هذا البول، ويكون هذا الكيس معلقًا بسرير المريض أو حوله بصفة دائمة.
وأما ما يسمى بالشرج الصناعي، فذلك يكون حينما يصاب الإنسان بمرض في أمعائه، ومن أشهر الأمراض التي يستخدم معها الشرج الصناعي: سرطان القولون، فيستأصل معه القولون وما حوله، ويفتح في جدار البطن فتحة كي يخرج البراز عن طريقه، ويكون هناك علبة يجتمع فيها هذا الغائط، ويزال ما بين فترة وأخرى، ويزال من حين لآخر، هذا هو المقصود بالقسطرة والشرج الصناعي.
افتراض فقهاء الحنفية لهذه المسألة
وبعد أن تصورنا المسألة وعرفنا المقصود بهما، نأتي للحكم الفقهي فيهما من جهة الطهارة:
أولًا: نقول: إن هذه المسألة هي تعتبر في حقيقة الأمر نازلة، وإن كان بعض فقهاء الحنفية قد ذكروها، قد ذكر بعض فقهاء الحنفية المتقدمون أشاروا لهذه المسألة على سبيل الافتراض، فافترضوا هذه المسألة.
قالوا: لو أن رجلًا لم يستطع أن يتبول عن طريق فتحة البول أو الغائط، ففتحت له فتحة في بطنه، فكيف يكون الحكم؟
والفقهاء رحمهم الله يفترضون أحيانًا مسائل لم تكن واقعة في زمنهم، وربما يستبعد الإنسان في زمنهم أن تقع، ولكنها تقع في المستقبل، يفترضون ذلك حتى يكون طالب العلم على تصور لهذه المسائل لو وقعت كما في هذا المثال، وأيضًا من باب تمرين الأذهان على فهم تلك المسائل.
وهذا يدل على علو كعب الفقه الإسلامي، وعلى عظمته، ويدل على أن بعض المسائل التي يفترضها الفقهاء أنها قد تقع في المستقبل، ولهذا استفدنا من افتراضات الفقهاء رحمهم الله السابقون في بعض المسائل لكونها قد وقعت وتحققت في زمننا هذا.
أقوال العلماء في صاحب الحدث الدائم
هذه المسألة أو هذه النازلة يمكن أن تبنى على مسألة أخرى تكلم عنها العلماء، وهي: مسألة صاحب الحدث الدائم، صاحب الحدث الدائم السلس، سلس البول، وكالمرأة المستحاضة، ونحو ذلك، هل يجب عليهما الوضوء لكل صلاة؟
هذه المسألة أعني مسألة صاحب الحدث الدائم اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:
- القول الأول: وهو أشد المذاهب الأربعة، وهو مذهب الشافعية: أن صاحب الحدث الدائم يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة، لاحظ هنا لكل صلاة، وليس لوقت كل صلاة، وإنما لكل صلاة.
- يقابله القول الثاني: وهو مذهب المالكية، وهو أن صاحب الحدث الدائم لا يجب عليه الوضوء لكل صلاة، ولا ينتقض وضوء صاحب الحدث الدائم إلا إذا خرج منه حدث آخر، فمثلًا: المستحاضة لا ينتقض وضوؤها إلا إذا خرج منها ريح ونحوه.
- القول الثالث في المسألة: وهو وسط بين القولين، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، وهو أن صاحب الحدث الدائم يجب عليه الوضوء لوقت كل صلاة.
القول الثالث: مذهب الحنفية والحنابلة، بينما القول الأول: الشافعية، والثاني: المالكية، فالقول الثالث: قلنا: هو مذهب الحنفية والحنابلة، وهو وسط بين القولين: وهو أن صاحب الحدث الدائم يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة.
ما الفرق بين القول الأول والثالث؟
الفرق أن القول الأول أنه يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة، والثالث لوقت كل صلاة، فالقول الأول أنه متعلق بالصلاة، فلا يصلي بذلك الوضوء إلا فريضة واحدة، لا يصلي به أكثر من فريضة، سواء كانت مؤدَّاة أو مقضية، بينما القول الثالث متعلق ليس بالصلاة، وإنما بوقت الصلاة، فله أن يصلي في هذا الوقت الفريضة المؤدَّاة، وله أن يصلي في هذا الوقت ما شاء من الفوائت.
وأما النوافل فعلى كلا القولين يصلي ما شاء، لكن الفرض لو وجد صلوات فوائت، وأراد أن يقضيها فعلى القول الأول ليس له ذلك، إنما يصلي فريضة واحدة فقط، والقول الثالث له أن يصلي ما شاء ما دام في الوقت.
فالقول الأول متعلق بالصلاة، والقول الثالث متعلق بالوقت، والأقرب من هذه الأقوال -والله أعلم- هو القول الثالث، وهو أن صاحب الحدث الدائم يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة.
ويدل لذلك: أن النبي أمر المستحاضة بأن تتوضأ لوقت كل صلاة، كما جاء عند أبي داود من حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وأصله عند البخاري، قد جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها إلى النبي فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا، إنما ذلك دم عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي [1].
قال هشام بن عروة بن الزبير : قال أبي: ثم توضئي لكل صلاة، حتى يجيء ذلك الوقت، “ثم توضئي لكل صلاة”، وهذا هو موضع الشاهد: ثم توضئي لكل صلاة، حتى يجيء ذلك الوقت، وبين الحافظ ابن حجر رحمه الله في “الفتح” صحة إسناد هذه الرواية موصولة إلى النبي ، وأنه ليست موقوفة على عروة بن الزبير ؛ كما قال بعض أهل العلم، صوب الحافظ ابن حجر رحمه الله صحة هذه الرواية موصولة إلى النبي ، وليست معلقة كما قال بعضهم، وليست موقوفة على عروة كما قال آخرون.
ومحل الشاهد قوله: ثم توضئي لكل صلاة، حتى يجيء ذلك الوقت، وحملها ذلك الحنفية والحنابلة على المقصود: ثم توضئي لوقت كل صلاة؛ كما جاء ذلك في سنن أبي داود.
القول الراجح
فهذا هو القول الأظهر في هذه المسألة: وهو أن صاحب الحدث الدائم أنه يتوضأ لوقت كل صلاة، وأخذنا هذا الحكم من هذا الحديث، فصاحب الحدث الدائم يقاس على الاستحاضة، فإن المستحاضة تعتبر صاحبة حدث دائم، فيقاس عليها صاحب السلس ونحوه.
فإذا توضأ مثلًا لصلاة الظهر، فإنه يستمر على طهارته، إلا إذا خرج منه حدث آخر غير هذا الحدث الدائم، لو كان مثلًا عنده سلس بول، نقول: توضأ بعد دخول الوقت، فإذا توضأ بعد دخول الوقت يستمر على طهارته، ولو خرج منه البول، إلا إذا خرج منه ناقض آخر من نواقض الوضوء كالريح مثلًا.
وعلى ذلك تخرّج هذه النازلة، فنقول: إن صاحب القسطرة، وكذلك صاحب الشرج الصناعي، أو الفتحة التي تكون في جدار البطن يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة؛ لأن حدثه دائم، فيكون حكمه حكم المستحاضة، وحكم صاحب السلس، ولا حرج عليه في أن يصلي، ولو كان كيس البول معلق فيه، أو العلبة التي يكون فيها الغائط أيضًا متصلة به ومعلقة فيه.
وذلك للضرورة؛ لأن هذا الكيس لا يمكن أن ينفك عن المصلي، وحينئذ فلا بأس أن يصلي وهو حامل لذلك الكيس، أو معلق به، لكن يلزمه أن يتوضأ لوقت كل صلاة، هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه النازلة.
المسألة الثانية: الأذان عن طريق المسجل
المسألة الثانية التي بين أيدينا هي الأذان عن طريق المسجل، وقد يستغرب البعض بعض الإخوة طرح مثل هذه المسألة، وأقول: إنها موجودة في بعض البلدان، فيكون الأذان عن طريق المسجل، وأذكر أنه قبل أشهر طرحت هذه المسألة في برنامج فقه العبادات في إذاعة القرآن، ونقلت رأي المجمع الفقهي فيه أنه لا يصح الأذان عن طريق المسجل.
ثم ورد لي اتصال من بعض المسلمين في تلك الدولة بأنهم كانوا يؤذنون عن طريق المسجل، وأنه لما سمعوا هذه الحلقة كان لها أثر كبير عليهم، وتحولت كثير من المساجد إلى الأذان عن طريق المؤذنين مباشرة، وتركوا الأذان عن طريق المسجل.
فأقول: إن هذا موجود في بعض البلدان، بل إنه في الوقت الحاضر وجد من يطرح هذه المسألة كفكرة، ويقول: لماذا لا تربط المساجد كلها بمسجل يؤذن في نفس الوقت، ولا حاجة للمؤذنين، ما دام أن المقصود هو الإعلام بدخول الوقت، فيؤتى بمسجل وتربط به جميع المساجد، وإن كان هذا قد وجد في بعض الدول، لكن ليس عن طريق المسجل في مصر من قبل شهر في بعض المدن أقر أن يكون الأذان موحدًا، ليس عن طريق المسجل، وإنما يؤذن أحد المؤذنين في مسجد، وينقل لبقية المساجد في المدينة.
لكن مسألتنا هي الأذان عن طريق المسجل خاصة، كان من أوائل من تكلم عن هذه المسألة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، المتوفى سنة ألف وثلاثمائة وتسع وثمانين للهجرة، تكلم عنها لما خرجت المسجلات أول ما خرجت في زمنه.
وورد استفتاء أحد الإخوة في بلاد المغرب العربي للشيخ رحمه الله، فتكلم عن هذه المسألة، وشدد فيها، وبين يدي الآن فتوى الشيخ رحمه الله، وجاء فيها: أن الأذان من أفضل العبادات القولية، ومن فروض الكفايات، ومن شعائر الإسلام الظاهرة التي إذا تركها أهل بلد وجب قتالهم، وهو واجب للصلوات الخمس المكتوبة، كان هو العلامة الفارقة بين بلاد المسلمين وبلاد الكفر؛ لأن النبي كان إذا أراد الإغارة على قوم انتظر حتى تحضر الصلاة، فإن سمع الأذان كف عنهم، وإلا أغار عليهم.
قال: وللأذان شروط منها: النية، ولهذا فلا يصح من النائم والسكران والمجنون لعدم وجود النية، والنية: أن ينوي المؤذن عند أدائه الأذان أن هذا الأذان لهذه الصلاة الحاضرة التي دخل وقتها، ومن أين للاسطوانات؟ يعني المسجل، أن تؤدي هذه المعاني السامية، قال النبي : إذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم [2]، متفق عليه، فهل الاسطوانة تعتبر كواحد من المسلمين؟
قال: والحقيقة أننا نستنكر استبدال الأذان بالاسطوانات، وننكر على من أجاز ذلك، لما تقدم، ولأنه يفتح على المسلمين باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم، وقد قال : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد [3]، وفي رواية: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد [4].
إذن نقول: إنه لا يجوز ولا يصح الأذان عن طريق المسجل، والشيخ اعتبره بدعة، ولهذا ختم فتواه بهذا الحديث: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد [5]، ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد [6].
قرار مجمع الفقه الإسلامي في المسألة
أيضًا المجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بحث هذه المسألة في دورته التاسعة، وأصدر بشأنها قرارًا جاء فيه: بأن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة عن طريق المسجل أنه لا يجزئ ولا يجوز، ولا يحصل به الأذان المشروع.
ونقل قريبًا من كلام الشيخ محمد رحمه الله، ومنها: أن النية من شروط الأذان، والنية لا توجد في الأذان عن طريق المسجل، وأن الأذان عبادة بدنية، قال الموفق ابن قدامة: “وليس للرجل أن يبني على أذان غيره؛ لأنه عبادة بدنية، فلا يصح من شخصين كالصلاة”.
وأن في توحيد الأذان للمساجد بواسطة المسجل عدة محاذير، منها: أنه يفتح على المسلمين باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم لما يفضي إليه من ترك الأذان بالكلية والاكتفاء بالتسجيل، ولأنه يرتبط بمشروعية الأذان، أن لكل صلاة في كل مسجد سننًا وآدابًا، ففي الأذان عن طريق التسجيل تفويت لها، وإماتة لنشرها، مع فوات شرط النية فيها.
ثم جاء في القرار بناء على ذلك فإن مجلس المجمع الفقهي يقرر أن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا يجزئ، ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقت من أوقات الصلوات في كل مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبينا محمد إلى الآن.
فهذه المسألة إذن الحكم فيها ظاهر، وهو أن الأذان عن طريق المسجل أنه لا يجوز، ولا يجزئ، وغير مشروع، بل هو من البدع المنكرة، إذا كان يستعاض به عن الأذان عن طريق أحد الناس، ويفتح باب التلاعب بالدين.
حكم الأذان المسجل من أجل التذكير
ولكن قد يقول قائل: هل معنى هذا أنه لا يجوز الأذان عن طريق المسجل مطلقًا؟
نقول: نحن الذي قصدناه أن يستعاض بالأذان عن طريق المسجل عن الأذان من أحد الناس في المساجد، هذا هو الذي قصدناه في بحث هذه النازلة، لكن لو جعل الأذان عن طريق المسجل في بعض الأماكن العامة كالمطارات والمستشفيات، وبعض الدوائر الحكومية.
نقول: هذا لا بأس به إذا كان يقصد به التذكير، لكن لا بد أن يؤذن أحد الناس، إذا كان ذلك المستشفى فيه مسجد أو مصلى، أو المطار، أو ذلك المرفق فيه مسجد أو مصلى، فلا بد أن يؤذن أحد الناس، ولا يكتفى بالأذان عن طريق المسجل.
لكن لو أنه أذيع الأذان عن طريق المسجل من باب التذكير، فلا بأس بذلك، فليس معنى قولنا: إنه لا يجوز ولا يجزئ الأذان عن طريق المسجل أنه لا يجوز إذاعته في مثل هذه المرافق، وإنما الذي قصدناه أن يستعاض بالأذان عن طريق المسجل عن أن يؤذن أحد الناس في المساجد، ويكتفى بالأذان عن طريق المسجل، كما هو موجود وواقع في بعض الدول.
أما لو أذيع الأذان للتذكير، لكن في ذلك المسجد، أو في مسجد ذلك المرفق، أو في مصلاه يؤذن أحد الناس فلا حرج في ذلك، كما مثلنا بذلك في المستشفيات وفي المطارات وفي الطائرة أيضًا.
ومثل ذلك أيضًا: أن بعض الناس يضع في الهاتف المنقول يضع برنامج الأذان، أو في الحاسب الآلي يضع برنامج الأذان من باب التذكير، هذا لا حرج فيه ولا بأس به، ولكن الممنوع هو أن يستعاض بالأذان عن طريق المسجل عن أن يؤذن أحد الناس في ذلك المسجد.
حكم الأذان في غير أوقات الصلاة
الأذان في غير أوقات الصلوات، ما حكمه، كما لو دخل الإنسان مكانًا موحشًا وأذن، أو جعل الأذان عن طريق المسجل؟
بعض أهل العلم كره هذا، والظاهر -والله أعلم- أنه لا يكره، وأنه لا بأس به إذا وجد له حاجة من تعليم ونحوه، وذلك لأنه قد ورد في السنة الأذان في أذن المولود اليمنى، وإن كان في سنده مقال، إلا أن له طرقًا متعددة يقوي بعضها بعضًا، ويرتقي بها إلى درجة الحسن.
فما دام أنه قد ورد الأذان في أذن المولود، هذا يدل على أنه لا بأس أن يؤذن لغير أوقات الصلوات إذا وجد له حاجة، كأن يكون للتعليم، كأن يكون معلم يعلم الطلاب الأذان، فيؤذن أو يطلب من أحد الطلاب أن يؤذن، أو أن يدخل مكانًا موحشًا.
ومثل ذلك ما يستخدمه بعض القراء في رقية بعض المرضى، فيريد طرد الشياطين بذلك الأذان؛ لأنه قد ورد في السنة: أن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين [7]، فالشياطين تنفر وتكره الأذان، ولهذا فإنها تهرب إذا أذن المؤذن.
فلو أتى به لطرد الشياطين في ذلك المكان الموحش، أو في الرقية على مريض، أو لأجل التعليم فلا بأس به؛ لأن لذلك أصلًا في السنة، وهو الأذان في أذن المولود.
متابعة الأذان المنقول عبر الإذاعة
قلنا: متابعة المؤذن سنة، وقد أمر النبي بمتابعة المؤذن أن يقول السامع مثل ما يقول المؤذن إلا في حي على الصلاة حي على الفلاح، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم السنة أن يصلي على النبي ، ثم يأتي بالذكر الوارد: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمد الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، وأما زيادة: فإنك لا تخلف الميعاد، فغير محفوظة.
وأيضًا جاء في صحيح مسلم: من قال حين يسمع النداء: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا ورسولًا، غفر له ما تقدم من ذنبه [8]، ومحل ذلك بعد قول المؤذن: أشهد أن محمدًا رسول الله، وليس بعد الأذان.
عند المحققين محل ذلك عند الشهادتين، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، إذا قال: وأشهد أن محمدًا رسول الله، قال: وأنا أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا ورسولًا.
متابعة المؤذن إذا نقل الأذان عن طريق الإذاعة والتلفاز، ونحوهم:
نقول: إنه لا يخلو هذا الأذان من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون الأذان منقولًا على الهواء مباشرة، والسامع له لم يؤد الصلاة بعد، كأن يكون الأذان مثلًا هنا في مدينة الرياض منقولًا على الهواء مباشرة، ولنقل أذان المغرب أنه ينقل على الهواء مباشرة في إذاعة القرآن، ولم تصل بعد صلاة المغرب، وسمعت الأذان ينقل عن طريق الإذاعة.
فهنا يشرع إجابة المؤذن، في هذه الحال تشرع إجابة المؤذن؛ لأنه أذان منقول على الهواء مباشرة تسمعه في اللحظة نفسها، وأنت لم تؤد الصلاة بعد، فحينئذ نقول: السنة في هذه الحال إجابة المؤذن، ولا فرق بين أن تسمع مؤذن المسجد القريب منك عن طريق مكبر الصوت، أو المسجد البعيد عنك عن طريق الإذاعة ونحوها.
القسم الثاني: أن يكون الأذان منقولًا على الهواء مباشرة، والسامع قد أدى الصلاة، مثال ذلك: يكون الأذان منقولًا في الإذاعة أو التلفاز من مكة من المسجد الحرام في مكة المكرمة، وأنت قد صليت الصلاة، ولنقل مثلًا صلاة الظهر أو العصر أو المغرب، فلما صليت الصلاة في المسجد خرجت، ففتحت المذياع فسمعت المؤذن يؤذن، وقد نقل الأذان من المسجد الحرام بمكة المكرمة على الهواء مباشرة، فهل تشرع إجابة المؤذن في هذه الحال؟
نقول: إنها لا تشرع، لا تشرع إجابة المؤذن في هذه الحال، لكون السامع قد أدى الصلاة، وقد نص على ذلك جمع من الفقهاء، قالوا: إن الإنسان إذا أدى الصلاة، ثم سمع مؤذنًا يؤذن فلا تشرع له إجابة المؤذن في هذه الحال.
وذلك لأن المؤذن يدعو السامع إلى الصلاة، فالمؤذن يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وهذا السامع قد أدى الصلاة، فكيف يجيبه وقد أدى الصلاة؟ لأنه إذا أجابه فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، معنى ذلك أنه سأل الله الإعانة على صلاة قد أداها.
ولهذا نقول: إذا كان الأذان منقولًا على الهواء مباشرة، وأنت قد أديت الصلاة، فإنه لا تشرع إجابة المؤذن في هذه الحال.
القسم الثالث: أن يكون الأذان مسجلًا، وليس منقولًا على الهواء مباشرة، وذلك يحصل في الإذاعة أو التلفاز، الإذاعة مثلًا أذان الظهر والعصر في مدينة الرياض لا ينقل على الهواء مباشرة، وإنما يذاع الأذان مسجلًا.
ففي هذه الحال لا تشرع إجابة المؤذن؛ لأنه ليس أذانًا حقيقيًّا، وإنما هو تسجيل لصوت رجل قد أذن من قبل، وقد يكون هذا الرجل ميتًا، وقد يكون غائبًا، فهو إذن حكاية صوت، وليس أذانًا حقيقيًّا، وإنما هو شيء مسموع لأذان سابق.
ولهذا نجد أنه في بعض الإذاعات يؤتى بالأذان بصوت الشيخ محمد المنشاوي، والشيخ عبد الباسط، وهما قد ماتوا منذ سنوات رحمهما الله، وقد مات منذ سنوات، فقد يؤتى بالأذان عن طريق المسجل لإنسان قد مات، أو لإنسان غائب، فهو في الواقع حكاية صوت، وشيء مسموع لأذان سابق.
فنقول في هذه الحال: لا تشرع إجابة المؤذن، هذا هو أحسن ما قيل في هذه المسألة، وهذا التقسيم الذي نقلته لكم هو تقسيم الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، فتكون هذه المسألة على هذه الأقسام الثلاثة.
ونلخص الكلام فيها، فنقول: إن الحال التي تشرع فيها إجابة المؤذن: أن يكون الأذان منقولًا على الهواء مباشرة، والسامع لم يؤد الصلاة بعد، وأما ما عدا ذلك فإنه لا تشرع إجابة المؤذن، كما لو كان الأذان عن طريق المسجل، فلا تشرع إجابة المؤذن، وكذا لو كان منقولًا على الهواء مباشرة، والسامع قد أدى الصلاة، فإنه لا تشرع في هذه الحال إجابة المؤذن، هذا ما يتعلق بهذه المسألة.
المسألة الثالثة: توزيع المياه في المقابر على المشيعين
المسألة الثالثة معنا في هذا الدرس: هي توزيع المياه ونحوها في المقبرة على المشيعين للجنازة:
وقد برزت هذه المسألة، أو كثر السؤال عنها في السنوات الأخيرة خاصة، فأصبح بعض الناس يحضر المياه، ويوزعها على المشيعين للجنازة، خاصة في وقت شدة الحر، كهذه الأيام، وبعض الناس ينكر مثل هذا، فهل هذا الإنكار في محله؟
أقول: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يكره إحضار الماء إلى المقبرة، وتوزيعه على المشيعين، قالوا: لأن الحكمة من حضور من تشييع الجنازة وزيارة المقبرة هو القيام بحقوق هذا الميت ودفنه، وتذكر الموت، والتخلي عن الدنيا، والتعلق بها من اللباس والطعام والشراب.
قالوا: فالمقبرة لم تجعل للأكل والشرب، ونحو ذلك، وإنما شرع اتباع الميت للقيام بحقه، والتذكر، وانتفاع الميت بالدعاء، وإحضار الماء ونحوه مصادم لهذه الحكمة، فعللوا بهذا التعليل.
القول الثاني: قال بعض أهل العلم: إنه لا بأس بإحضار الماء ونحوه مما يحتاج الناس له، لا بأس بإحضاره إلى المقبرة عند تشييع الجنازة ودفن الميت، خاصة في وقت شدة الحر، قالوا: فهذا جائز ولا بأس به من غير كراهة؛ لأن هذا من باب الإحسان إلى الناس.
ومعلوم أن سقيا الناس خاصة في الأماكن التي يحتاجون فيها للسقيا من أفضل الأعمال، وفي المقبرة خاصة في أيام شدة الحر، يحتاج كثير من الناس إلى السقيا، خاصة أنه يوجد منهم من هو كبير في السن، أو مريض كأن يكون مصابًا بمرض السكر، ولا يتحمل مع شدة الحر العطش، ثم إنه لا مانع يمنع من سقيا الناس في المقبرة، فليس ثمة دليل يمنع من هذا، وليس ذلك ذريعة لأمر محرم.
وهذا القول الأخير هو الأقرب في هذه المسألة والله أعلم، وأنه لا بأس بإحضار الماء عند تشييع الجنازة، ولا بأس بالشرب من ذلك الماء من غير كراهة، وذلك لأنه ليس ثمة دليل يمنع من ذلك.
وما ذكره أصحاب القول الأول: أن هذا مصادم للحكمة التي من أجلها شرعت زيارة المقابر، واتباع الجنائز، فغير مسلّم، فليس في ذلك مصادمة للحكمة، إنما هذا إحسان للناس المشيعين لهذه الجنازة، خاصة أن بعضهم قد يتضرر مع شدة الحر وشدة العطش قد يتضرر، وربما يمتنع بعض الناس من تشييع الجنازة لأجل هذا.
فالأقرب -والله أعلم- هو أنه لا بأس بإحضار الماء، وتوزيعه على المشيعين، ولا بأس بالشرب منه من غير كراهة، ومن أبرز من قال بذلك من العلماء المعاصرين سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، قال لما سئل عن هذه المسألة، قال: لا حرج في جلب الماء البارد للشرب عند دفن الميت؛ لما في ذلك من الإحسان والمساعدة على الخير، فهذا هو الأظهر والأقرب في هذه المسألة.
وحينئذ نقول: لا وجه لإنكار من ينكر من بعض الإخوة على من يحضر المياه وتوزيعها على المشيعين للجنازة، وأيضًا لا يتحرج الإنسان من الشرب من ذلك الماء؛ لأنه ليس هناك ما يمنع من ذلك، بل إن هذا كما قال الشيخ عبدالعزيز رحمه الله من باب الإحسان، هذا من باب الإحسان إلى الناس، ويرجى أن يثاب على ذلك من يفعله؛ لأنه إحسان إلى الناس، والله تعالى يقول: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].
هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة، وإنما اعتبرناها نازلة؛ لأنها لم تكن موجودة من قبل بصورة ظاهرة برزت في الوقت الحاضر، خاصة في السنوات الأخيرة، فاعتبرناها يعني نازلة لأجل هذا.
ونكتفي بهذا القدر في عرض هذه المسائل.
نعم.. الأمر في ذلك واسع..
الأسئلة
السؤال: إذا سمع الشخص أكثر من أذان في وقت واحد عبر المكبرات، فمع من يردد؟
الشيخ: الفقهاء وسعوا في هذا، فقالوا: إنه، كثير منهم قالوا: أنه يردد مع من شاء، ولكن الأفضل أن يردد مع المسجد الذي سوف يصلي فيه؛ لأنه عندما يقول المؤذن: حي على الصلاة، يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيسأل الله الإعانة على تلك الصلاة، فهو يجيب المؤذن بذلك، ولذلك فالأولى أن يردد مع مؤذن المسجد الذي سوف يصلي فيه.
السؤال: هل يجوز التأمين على دعاء مسجل لشيخنا وغيره لدرس أو موعظة سابقة؟
الشيخ: الدعاء كالأذان هو في الحقيقة حكاية صوت، وقد يكون هذا الداعي ميتًا، ولهذا فإنه لا يؤمن على هذا الدعاء في هذه الحال؛ لأن هذا شيء مسموع لصوت سابق شيء سابق، فهو حكاية صوت، هذا الذي يسمعه هو حكاية صوت، ولهذا نقول فيه كما قلنا في الأذان.
السؤال: يقول: عمن ورد الأذان في أذن الصبي عن النبي أو عن أبي بكر؟
الشيخ: هو ورد عن النبي ، ولكن في سند ذلك الحديث مقال، لكن له طرق متعددة يرتقي بمجموعها إلى درجة الحسن، والإقامة في أذنه اليسرى، والوارد في الإقامة أضعف من الوارد في الأذان، لكن مجموع ما ورد في ذلك، يعني الحديث من مجموع طرقه وشواهده يرتقي به إلى درجة الحسن، فهو عن النبي ، وورد ذلك عن ابن القيم رحمه الله في تحفة المولود.
السؤال: كم صيغة للأذان؟ وما هي صفة الأذان الصحيحة؟
الشيخ: ورد في السنة أذان أبي محذورة، وأذان بلال، أما أذان بلال فهو الأذان المعروف المشهور عندنا، وأذان أبي محذورة يزاد فيها الترجيع فقط ترجيع الشهادتين، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله بصوت يسمع نفسه فقط، ثم يرفع صوته بها، يعني: يسر بالشهادتين ثم يرفع صوته بهما.
وهكذا أيضًا الإقامة ورد على عدة صفات، وعند المحققين من أهل العلم يأتي بهذا تارة، وبهذا تارة، لكن هذا في غير المساجد، حتى لا يحدث فتنة أو تشويشًا.. في غير المساجد، كما لو كانوا مثلًا في سفر أو في البرية، أو نحو ذلك، فيؤتى ببعض الصفات الواردة في الأذان وفي الإقامة، أما في المساجد فالذي أرى أنه يلتزم بالأذان المعهود عند الناس.
فمثلًا عندنا هنا في المملكة هو أذان بلال وإقامة بلال على ما هو مشهور من مذهب الحنابلة، وهو الذي استقر عليه الأمر في المدينة في عهد النبي ، وكان بلالًا يؤذن بحضرة النبي ، وتوفي وهو على ذلك.
لكن لا شك أن أذان أبي محذورة قد ثبتت به السنة، ولذلك فإذا أذن في غير المسجد، كأن يؤذن مثلًا في سفر أو في البرية أو نحو ذلك، فيؤتى ببعض الصفات الواردة في الأذان، والصفات أيضًا التي وردت بها السنة في الإقامة.
السؤال: ما حكم الأذان الذي يؤذن عن طريق المسجل لبعض المؤذنين المتوفين في إذاعة القرآن الكريم؟
الشيخ: هو لا نقول: أن ذلك ممنوع، لا بأس به؛ لأن غاية ما في الأمر أنه تذكير للمستمع لهذه الإذاعة بأنه قد دخل وقت الصلاة، فلا نقول بمنع ذلك، لكن بقية الأحكام الشرعية من جهة إجابة المؤذن.. ونقول.. على التفصيل الذي ذكرناه.
السؤال: يوجد في دولة من الدول أن الأذان الموحد في إحدى دول الخليج، بأن يؤذن مؤذن واحد فيستقبل في باقي المساجد، فهل نؤذن بعد الأذان الأول؟
الشيخ: إذا كان ذلك عن طريق المسجل، فكما سمعتم لا يكفي ولا يجزئ، أما إذا لم يكن عن طريق المسجل بأن أذن مؤذن، ثم نقل أذانه على الهواء مباشرة لبقية المساجد فهذا محل نظر واجتهاد.
السؤال: يوضع الأذان في بعض الجوالات ويقطع أحيانًا، هل يأثم من قطعه؟
الشيخ: لا يأثم، لكن ينبغي لمن وضعه للتذكير ألا يحمل معه الجوال في مكان ممتهن، كدورة المياه مثلًا، قد يؤذن المؤذن وهو في دورة المياه، وحينئذ يكون في ذلك نوع امتهان، فإذا كان سوف يعنى بالمحافظة عليه، فإنه لا حرج في ذلك إن شاء الله.
السؤال: ما الدليل على أن النية من شروط الأذان؟ وما الدليل على أن الأذان عبادة بدنية؟
الشيخ: هذا باتفاق العلماء، العلماء مجمعون على هذا؛ لأن الأذان عبادة، والعبادة يشترط لصحتها النية؛ لعموم قول النبي : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى [9]، وهذا باتفاق العلماء.
السؤال: إذا كان هناك أكثر من أذان، وأنا ذاهب للمسجد، فكيف أردد إذا كان أذن الأول فأجبته وانتهى، وأذن الآخر..؟
الشيخ: الأمر في هذا واسع، الأفضل أنك تجيب المؤذن إذا سمعته، إذا كان في أوقات مختلفة فالأمر هنا واسع، على أن إجابة المؤذن ليست واجبة، وإنما مستحبة، لكن الأفضل أنك تجيب المؤذن إذ سمعته، ولو كنت قد أجبت المؤذن الأول، يعني إذا أجبت المؤذن الأول ثم انتهى، ثم وأنت في الطريق سمعت مؤذنًا آخر يؤذن، فتجيبه كذلك، وتجيب المؤذن الثالث والرابع، ولا مانع من هذا.
نص على ذلك بعض الفقهاء، وروي عن الإمام أحمد، فلا بأس بذلك، وأنت على أجر وعلى خير، والأمر في هذا واسع، لو لم تجب المؤذن لم يكن عليك إثم ولا حرج.
السؤال: امرأة ينزل معها إفرازات كثيرة، هل تعتبر حالها كحال سلس البول؟ وهل يجوز لها أن تتوضأ قبل دخول وقت الصلاة؟
الشيخ: نعم، إذا كانت هذه الإفرازات تخرج معها بصفة مستمرة، فإن الأصل فيما يخرج من الإنسان من السبيلين الأصل أنه ينقض الوضوء، وما يخرج من المرأة، سواء عن طريق المثانة أو عن طريق الرحم ينقض الوضوء.
وأما من جهة طهارته فالصحيح أنه إذا كان من مخرج البول فحكمه حكم السلس، أما إذا كان من مخرج الولد يعني عن طريق الرحم، فالصحيح أنه طاهر، وهو ما يسميه بعض الفقهاء برطوبة فرج المرأة، هذا من جهة الطهارة والنجاسة لهذا الماء.
ولكن من جهة انتقاض الوضوء به فهو ينقض الوضوء مطلقًا، سواء خرج من طريق المثانة من طريق مخرج البول، أو عن طريق مخرج الولد فهو ينقض الوضوء مطلقًا، وحينئذ إذا كانت هذه الإفرازات كثيرة، وتخرج بصفة مستمرة، فتكون هذه المرأة حكمها حكم صاحب السلس، فتتحفظ وتتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة.
طيب نكتفي بهذا القدر في الإجابة على الأسئلة، ونسأل الله عز وجل للجميع العلم النافع والفقه في الدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.