logo
الرئيسية/دروس علمية/الدورة التأهيلية في الفقه- جامعة الإمام/(14) تتمة أحكام الحج والعمرة وأحكام البيع

(14) تتمة أحكام الحج والعمرة وأحكام البيع

مشاهدة من الموقع

تتمة واجبات الحج

الحَلْق يكون بالموسى، هذا واضحٌ، بالمقص تقصيرٌ، وهذا واضحٌ، لكن الذي يكون بماكينة الحلاقة، هل بالصِّفْر يستأصل جميع الشعر؟ هل يكون مثل الموسى؟

مداخلة:

الشيخ: إذنْ ما استأصل جميع الشعر؛ فإذنْ هو بالماكينة يكون تقصيرًا، إذا أردت الحلق؛ فلا بد أن يكون بالموسى، الموسى هو الذي يستأصل جميع الشعر.

ثم أيضًا بالنسبة للتقصير: لا بد من تعميم جميع شعر الرأس، ما يفعله بعض الناس: يأخذ من هنا شعرتين، ومن هنا شعرتين، هذا مخالفٌ للسنة، وعند بعض أهل العلم أنه لا يجزئ؛ ولذلك إذا أردت أن تقصر؛ ينبغي أن يكون التقصير بالماكينة؛ لأن الماكينة تعمم جميع الشعر، أو تحلق، والحلق أفضل، الحلق هو السنة، والنبي دعا للمحلقين ثلاثًا، وللمقصرين مرةً واحدةً [1].

  • السابع من واجبات الحج: طواف الوداع؛ لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: “أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفف عن المرأة الحائض” [2]، متفقٌ عليه، طواف الوادع واجبٌ وليس ركنًا؛ لأنه لو كان ركنًا؛ لما خُفف عن الحائض، لما أُسقط عن الحائض؛ ولذلك طواف الإفاضة لا يسقط عن الحائض، لا بد أن تأتي به؛ لأنه ركنٌ، بينما طواف الوداع يسقط عن الحائض؛ لأنه واجبٌ، والواجبات يدخلها الترخيص.

فهذه إذنْ هي واجبات الحج، وتلك هي أركان الحج.

ما الذي يترتب على ترك الركن والواجب؟ إذا انتهينا من أركان وواجبات العمرة، ثم بيَّنَّا ما الذي يترتب على ترك الركن وترك الواجب…

أركان العمرة

أركان العمرة ثلاثةٌ:

  • الأول: الإحرام، وهو نية الدخول في النسك، نية الدخول في العمرة؛ لقول النبي : إنما الأعمال بالنيات [3].
  • الثاني: الطواف.
  • الثالث: السعي.

لقوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، وقوله: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، ولحديث: اسعوا؛ فإن الله قد كتب عليكم السعي [4].

فأركان العمرة: الإحرام، والطواف، والسعي.

واجبات العمرة

أما واجبات العمرة:

  • فالأول: الإحرام بها من الحل لمن كان داخل حدود الحرم.

ما الفرق بين هذا الواجب وبين قولنا في الفصل السابق: من أركان العمرة الإحرام، وهنا الإحرام بها من الحل، فما الفرق بينهما؟

مداخلة:

الشيخ: لا، كلاهما في العمرة، نحن الآن نتحدث عن العمرة، أركان العمرة، وواجبات العمرة.

هنا الإحرام من الحِل إنما هو لمن كان مقيمًا في مكة، يعني: من كان داخل حدود الحرم فقط، من كان داخل حدود الحرم بمكة أو حولها من الشرائع مثلًا، بعض الشرائع داخل حدود الحرم، من كان داخل حدود الحرم وأراد أن يعتمر؛ فلا بد من أن يحرم من الحل، لا بد أن يحرم من الحل.

وهكذا أيضًا غير المكي لا بد أن يحرم بها من الميقات؛ ولهذا لو أتينا بعبارةٍ تعم الأمرين؛ نقول: الإحرام بها من الميقات، ومن الحل لمن كان داخل حدود الحرم.

فالإحرام من الميقات من واجبات الحج، ومن واجبات العمرة أيضًا، لو أن أحدًا مثلًا أحرم بالعمرة من غير الميقات؛ ترك واجبًا.

فإذنْ تصحيحًا للعبارة: واجبات العمرة: الإحرام بها من الميقات، ومن الحل لمن كان داخل حدود الحرم.

لعلها سقطت عبارة: “من الميقات”، من معه مذكرةٌ يعدل العبارة: الإحرام بها من الميقات، ومن الحل لمن كان داخل حدود الحرم.

  • الواجب الثاني: الحلق أو التقصير، وتكلمنا عنهما.

سنن الحج

  • والمسنون في الحج -ما عدا الأركان والواجبات- هو سُنةٌ؛ كالمبيت بمنًى ليلة عرفة، ليلة عرفة متى تكون؟ يوم الثامن، يعني الذهاب إلى منًى يوم التروية أيضًا من مسنونات الحج، فإن السنة: أن يذهب إلى منًى يوم الثامن، ويصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فيبيت ليلة عرفة بمنًى، وهذا ليس واجبًا؛ ولذلك لو ذهب إلى عرفة مباشرةً صح ذلك.
  • وأيضًا من مسنونات الحج: طواف القدوم لمن كان قارنًا أو مفردًا، أما من كان متمتعًا فإنه لا بد أن يأتي بعمرةٍ، والعمرة هذه تكفي عن طواف القدوم، لكن القارن والمفرد الأفضل أن يأتيا بطواف القدوم، يعني أحرمت قارنًا الأفضل أن تذهب وتأتي بطواف القدوم، والسعي أنت مخيرٌ؛ إن شئت قدَّمته بعد طواف القدوم، وإن شئت أخرته بعد طواف الإفاضة، وكذلك أيضًا المفرد، كذلك السنة أن يأتي بطواف القدوم، ثم إن شاء المفرد قدَّم السعي بعد طواف القدوم، وإن شاء أخره إلى ما بعد طواف الإفاضة، المتمتع لا بد أن يأتي بعمرةٍ، وهذه العمرة تكفى عن طواف القدوم.
  • الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، الثلاثة الأشواط الأولى منه.

معنى الرَّمَل والاضطباع وحكمهما

  • الرَّمَل معناه: إسراع الخطى، مع مقاربة المشي، مقاربة الخطى مع إسراع المشي، هذا هو الرَّمَل، الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى، هذا في طواف القدوم فقط، يعني يسرع مع مقاربة الخطى، فهذا يسمى رَمَلًا، ويستحب في الثلاثة الأشواط الأولى من طواف القدوم خاصةً، ولا يستحب في غيره من أنواع الطواف.
  • والاضطباع فيه، والاضطباع معناه: أن يجعل رداءه تحت إبط يده اليمنى، وطرفيه على عاتقه اليسرى، فيأتي بالرداء، فيجعله تحت إبط يده اليمنى، وطرفيه على يده اليسرى، يعني يكشف كتفه اليمنى، هذا يسمى اضطباعًا، وهو أيضًا سنةٌ في طواف القدوم فقط، سواءٌ كان في الحج أو في العمرة، العمرة طوافها ركنٌ، ويدل لذلك: حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي حين قدم مكة توضأ، ثم طاف بالبيت [5]، متفقٌ عليه.

وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي وأصحابه اعتمروا من الجِعْرانة، فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى [6]، رواه أبو داود، وفي حديث جابرٍ : حتى أتينا البيت معه، واستلم الركن، فرمل ثلاثًا، ومشى أربعًا [7].

لكن لاحِظ هنا: أن سنية الاضطباع إنما هي في طواف القدوم، وفي طواف العمرة، وأما في غيره فلا يسن؛ ولذلك تجد بعض الحجاج دائمًا مضطبعًا كل وقتٍ، لا، غير مشروعٍ، المشروع فقط عند طواف القدوم، وفي غير طواف القدوم الأفضل أن يستر كتفه، خاصةً في الصلاة، خاصةً إذا أراد أن يصلي، فإن النبي  قال: لا يصلِّ أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيءٌ [8].

فإذنْ عندما يريد أن يطوف طواف القدوم، أو طواف العمرة؛ يكشف كتفه الأيمن، إذا فرغ من الطواف؛ فإنه يغطيه؛ ولذلك نقول: سنية الاضطباع إنما هي فقط في طواف القدوم، وفي طواف العمرة.

ما الذي يترتب على ترك الأركان والواجبات والسنن؟

  • أما السنن: فلا يترتب على تركها شيءٌ، لكن ينبغي أن يحرص الحاج على السنة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، خاصةً إذا كان شابًّا قويًّا قادرًا، فينبغي أن يحرص على السنة، وينبغي حمل الناس على السنة؛ لأن النبي قال: خذوا عني مناسككم [9]، وتجد بعض الناس عنده تتبعٌ للرخص في الحج، فيبحث عن الرخص، تجد مثلًا أنه قويٌّ قادرٌ شابٌّ، ومع ذلك يؤخر طواف الإفاضة إلى آخر الحج؛ حتى يكفي عن طواف الوداع، وأيضًا تجد أنه مثلًا لا يمكث يوم التروية في منًى، ولا يأتي إلا يوم عرفة، تجد أنه يترك كثيرًا من السنن، مثلًا الدعاء عند الصفا والمروة، يترك هذه السنة، الدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والثانية، يترك هذه السنة.

إذا أردت أن يقع حجك مبرورًا؛ فاحرص على الإتيان به على الوجه الأكمل، الحج المبرور هو الذي يأتي به صاحبه على الوجه الأكمل، إلا إذا كان على الإنسان مشقةٌ؛ فلا بأس أن يترك مثل هذه الأمور غير الواجبة، إن كان الإنسان كبيرًا في السن، أو مريضًا، أو امرأةً ضعيفةً؛ فهنا لا بأس بترك بعض هذه السنن غير الواجبة.

  • أما أركان الحج وأركان العمرة: فهذه إذا فقد واحدًا منها؛ فإنه لا يصح الحج، ولا تصح العمرة، مثلًا لو لم يقف بعرفة؛ فلا حج له، ليس له حجٌّ، يكون حجه غير صحيحٍ، لو لم يطف مثلًا طواف الإفاضة؛ فحجه غير صحيحٍ، لو ترك الطواف أو السعي في العمرة؛ فعمرته غير صحيحةٍ، كما لو ترك ركنًا من أركان الصلاة؛ فهذه الصلاة لا تصح، كذلك ايضًا بالنسبة للحج.
  • الواجبات تُجبر بالدم، إذا ترك واجبًا؛ فيجبر بدمٍ يذبحه في الحرم، ويوزعه على فقراء الحرام، فلو أتينا لواجبات الحج، لو ترك واجبًا من واجبات الحج، يعني مثلًا: لم يحرم من الميقات، تجاوز الميقات بدون إحرامٍ، حتى ولو كان متعمدًا، أو أنه انصرف من عرفة قبل غروب الشمس، أو أنه لم يبيت ليلة النحر بمزدلفة، أو لم يبت بمنًى، أو لم يرم الجمار، أو لم يحلق أو يقصر، أو ترك طواف الوداع، فهذا ترك واجبًا من واجبات الحج، فعليه دمٌ يذبحه في الحرم، ويوزعه على فقراء الحرم، وهكذا أيضًا بالنسبة لواجبات العمرة، لو ترك واحدًا منها؛ فعليه دمٌ يذبحه ويوزعه على فقراء الحرم.

وهذه نبذةٌ مختصرةٌ في أركان ومسائل الحج.

وكما ذكرتُ في مقدمة هذه المحاضرة: أن الحج من أفضل الأعمال، ويقع مكفِّرًا لجميع الذنوب لمن وقع حجه مبرورًا؛ ولهذا جاء في “صحيح مسلمٍ” في قصة إسلام عمرو بن العاص  لما قال النبي : ابسط يدك أبايعك، فبسط النبي يده، فقبضها عمرٌو، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لم يا عمرو؟ قال: أردت أن أشترط، قال: تشترط ماذا؟، قال: أشترط أن يُغفر لي، قال: أما علمت -يا عمرو- أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟! [10].

الحج إذن يهدم ما كان قبله من الذنوب والخطايا لمن وقع حجه مبرورًا.

الأسئلة

السؤال: رمي الجمار بعد الإشراق ما حكمه؟ يعني قبل الزوال، في الساعة السابعة صباحًا؟

الشيخ: في اليوم الثاني عشر؟

السائل: في اليوم الثاني عشر.

الجواب: الرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر، هذا هو محل خلافٍ بين العلماء، أكثر العلماء على أنه لا يصح، فلا بد أن يكون بعد الزوال، لكن رخص بعض أهل العلم بالرمي قبل الزوال، وهو قولٌ قويٌّ، ولكن ينبغي للإنسان أن يحرص على السنة في هذا، يعني يقال بهذا لمن كان له عذرٌ؛ كان مريضًا، أو عاجزًا، لكن الملاحظ أنه يكون هناك أناسٌ أقوياء أصحاء قادرون، ويريدون الأخذ بهذا القول، ينبغي أن يسأل الإنسان عن السنة، ما السنة في هذا؟ ويحرص على تطبيقها، ولا يسأل عن الرخصة.

فإذا رميت بعد الزوال؛ فرميك صحيحٌ عند جميع العلماء، وإذا رميت قبل الزوال؛ فالرمي غير صحيحٍ عند أكثر العلماء، فلماذا يوقع الإنسان نفسه في هذا؟! صحيحٌ أنك قد تجد من يفتيك بإجزاء الرمي، لكن لا تلجئ نفسك لهذا، فاحرص على السنة، وقول بعض الناس: إنه زحامٌ، وإن الفتيا بأن الرمي لا يصح إلا بعد الزوال يترتب عليه زحامٌ، هذا غير صحيحٍ، لو تأملت واقع الحجاج؛ تجد أن الزحام فقط وقت الزوال وبعده بساعتين، أو على الأكثر بثلاث ساعاتٍ، لكن بعد ذلك ليس هناك زحامٌ، يعني لو ذهبت للجمرات في اليوم الثاني عشر في الساعة الثالثة؛ لا تجد فيه زحامًا، وما بعدها، تجد الزحام فقط وقت الزوال؛ ولذلك لو أُفتِيَ بالرمي قبل الزوال؛ فسينتقل الزحام الذي وقت الزوال إلى وقت الفجر، لا بد أن يحدد له بداية، يحدد له وقت طلوع الفجر، فسينتقل الزحام إلى وقت طلوع الفجر، هذا لا يحل المشكلة.

لهذا ينبغي حمل الناس على السنة، وعدم التعجل، يلاحظ أن بعض الحجاج عندهم عجلةٌ، خاصةً في اليوم الثاني عشر، فينبغي أن يحث الناس على الصبر، وأن الإنسان قد قَدِم إلى هذه الأماكن، وأنفق كثيرًا من المال، وقطع المسافات -ربما تكون طويلةً- لأجل أن ينال ما عند الله ​​​​​​​ من الأجر والثواب، فينبغي أن يحرص على أن يأتي بهذه العبادة على وفق السنة، وألا يتعجل تعجلًا ربما يوقعه في ترك بعض السنن، أو في الإخلال ببعض الواجبات.

مداخلة:

الشيخ: هناك من يفتي بالجواز، وهناك من يفتي بالمنع، هناك من أفتى، لكن أكثر “هيئة كبار العلماء” يفتون بالمنع -بعدم الرخصة- ومنهم من أفتى بالرخصة، لكن الأكثرية على المنع.

السؤال: جمرة العقبة لم سميت بهذا الاسم؟

الجواب: هي تسمى بجمرة العقبة من قديم الزمان، من عهد النبي عليه الصلاة والسلام، تسمى بجمرة العقبة، ومن ذلك بيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية، فهو اسم تاريخيٌّ قديمٌ، قد يكون السبب في هذا هو أن الجبل الذي كان موجودًا عليها كان فيه نوعٌ من العقبة والصعوبة، قد يكون هذا من أسباب تسميتها، والأسماء كما يقال: لا تعلل.

السؤال:…؟

الجواب: الرمي بالليل لا بأس به؛ لأنه لم يرد دليلٌ يدل على المنع من الرمي بالليل؛ ولذلك الرمي مثلًا في يوم العيد يمتد إلى طلوع فجر يوم الحادي عشر، واليوم الحادي عشر من بعد الزوال إلى طلوع الفجر من يوم الثاني عشر، ورمي يوم الثاني من بعد الزوال إلى طلوع فجر الثالث عشر للمتأخر، والمتعجل إلى غروب الشمس، فالوقت واسعٌ، وفي هذا العام وُسعت الجمرات ووضع عدة طوابق، وربما أن وضع مثل هذه الطوابق يقضي على مشكلة الزحام في الجمرات.

السؤال:…؟

الجواب: نعم، هذا في “صحيح البخاري”، أن رجلًا سأل النبي قال: رميتُ بعدما أمسيت؟ فقال: لا حرج [11]، لكن مقصوده بعدما أمسيت: يعني المساء في لغة العرب يقع على ما بعد الزوال، يعني بعدما زالت الشمس، هذا هو المقصود.

السؤال: لو أن رجلًا أتى يوم عرفة، ولكن ما أدركه إلا الفجر، يعني بعد صلاة الفجر، وصل إلى عرفة، وعند بداية الدخول دخل اليوم الثاني، فهل معنى ذلك أن حجه غير صحيحٍ، ويأتي به في العام القادم؟

الجواب: نعم، إذا طلع الفجر ولم يدرك الوقوف بعرفة؛ فاته الحج، لكن لو أنه أدرك الوقوف بعرفة ولو لحظةٍ قبل طلوع الفجر أدرك الحج، فالوقوف بعرفة ركنٌ من أركان الحج؛ ولهذا بعض الناس أيضًا لا يتأكد من حدود عرفة، تجد أنه يقف خارج عرفة ثم يدفع، وربما ما مر بعرفة، وهذا أيضًا لا يصح حجه، وعرفة قد وضع لها علاماتٌ الآن محددةٌ وواضحةٌ، لكن بعض الناس يؤتى من جهة التفريط والتساهل، فينبغي إذنْ التأكد من حدود عرفة، أن يتأكد الحاج من أنه قد وقف بحدود عرفة.

السؤال:…؟

الجواب: التمتع: أن يُحرم بالعمرة ويتحلل منها، ثم يحرم بالحج من عامه.

وأما القِران: يُحرم بالعمرة والحج جميعًا.

والإفراد: يحرم بالحج فقط.

لو قال: لبيك حجًّا، هذا إفرادٌ، لبيك عمرةً وحجًّا، في وقتٍ واحدٍ، هذا قِرانٌ، لبيك عمرةً متمتعًا بها إلى الحج، ويأتي بالعمرة، ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في نفس السنة، فهذا تمتعٌ.

وأفضلها: التمتع، أفضل الأنساك: التمتع.

مداخلة:

الشيخ: نعم يأتي بالعمرة ثم يتحلل منها، ويلبس ملابسه، ويبقى إلى اليوم الثامن، ثم يحرم بالحج.

مداخلة:

الشيخ: نعم من مكة، من مكانه.

مداخلة:

الشيخ: نعم، لا يصح حجه، لكن يتم الحج، يعني كون الحج فاسدًا، فيتمه ويقضيه من العام القادم.

السؤال:…؟

الجواب: إذا كانت إقامته في الرياض، من أتى بعمرةٍ في أشهر الحج، ثم رجع إلى بلده؛ فقد انقطع تمتعه، لكن لم يرجع إلى بلده، وبقي في مكة، أو بقي في جدة مثلًا أو الطائف؛ فهنا يبقى على تمتعه.

نأخذ نبذةً في أحكام البيع، التعريف، والصيغة، ونكمل -إن شاء الله- البقية في الدرس القادم.

أحكام البيع

تعريف البيع وحكمه

البيع في اللغة: هو مطلق المبادلة، مشتقٌّ من الباع؛ لأن كل واحدٍ من المتبايعين يمد يده للأخذ والإعطاء.

وفي الشرع: هو مبادلة المال بالمال تملكًا وتمليكًا، وهذا تعريف ابن قدامة في “المغني”.

وعرَّفه بعضهم بتعريفاتٍ أخرى؛ كتعريف صاحب “زاد المستقنع”: مبادلة مالٍ -ولو في الذمة- أو منفعةٍ بمثل أحدهما على التأبيد، غير ربًا ولا قرضٍ.

وتعريف الموفق مختصرٌ، وأيضًا تعريفٌ جيدٌ.

الأصل في جواز البيع: الكتاب والسنة والإجماع.

  • أما من الكتاب: فقول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة:282].
  • ومن السنة: أحاديث كثيرة؛ ومنها: قول النبي : البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا [12]، إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على جواز البيع.
  • وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة.

والحكمة تقتضيه، يعني تقتضي القول بجوازه؛ لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه، ولا يبذله صاحبه بغير عوضٍ، وفي تجويز البيع طريق إلى وصول كل واحدٍ منهما إلى غرضه ودفع حاجته.

فهذا عنده نقودٌ، وذاك عنده سلعةٌ، فأحدهما يدفع نقودًا، والآخر سلعةً، أو أن أحدهما عنده سلعةٌ، والآخر سلعةٌ، فيبايع هذا بهذا.

فإذنْ هو مبادلة مالٍ بمالٍ على سبيل التملك.

ما ينعقد به البيع

ينعقد البيع بالصيغة القولية، أو بالصيغة الفعلية.

أما الصيغة القولية: فكل ما دل على البيع، وهي تتكون من الإيجاب والقبول.

الإيجاب: هو اللفظ الصادر من البائع؛ كأن يقول: بعت، والقبول: هو اللفظ الصادر من المشتري؛ كأن يقول: اشتريت، أو أي عبارةٍ تفيد، بعض الناس مثلًا يقول: (نصيبك)، فهل تقوم هذه مقام “بعت”؟ تقوم، أي عبارةٍ تفيد أنه قد باع؛ ينعقد بها البيع.

هل هناك عباراتٌ أخرى؟ يعني: (بعت)، (نصيبك)؟ هناك عباراتٌ أخرى؟ (تم) مثلًا، أيضًا (اتفقنا)، أي عبارةٍ تدل على أنه باع -من البائع- تعتبر إيجابًا.

مِن المشتري؟ إما أن يقول: قبلت، نريد عباراتٍ أخرى منكم أيضًا: اشتريت، أو أخذت، يدعو مثلًا دعاء: الله يبارك لنا، أو نحو ذلك.

فإذنْ أي عبارةٍ تفيد أنه قد قبل؛ تكفي في القبول.

إذنْ الإيجاب: اللفظ الصادر من البائع، الذي يدل على رضاه بالبيع، والقبول: اللفظ الصادر من المشتري، الذي يدل على رضاه في الشراء.

الصيغة الفعلية: هي المعاطاة التي تتكون من الأخذ والإعطاء؛ كأن يدفع إليه السلعة فيدفع له ثمنها المعتاد، يعني: لو أنك ذهبت لخبازٍ وأعطيته ريالين، وأعطاك خبزًا، وما تكلمت لا أنت ولا هو، ينعقد البيع أو ما ينعقد؟ ينعقد بالمعاطاة، وهذا في قول جمهور العلماء.

لكن المشهور من مذهب الشافعية: أنه لا ينعقد بالمعاطاة؛ لأنه لا بد أن يكون بالصيغة القولية.

ولكن هذا قولٌ ضعيفٌ، حتى الشافعية أنفسهم لا يعملون به.

فالصحيح: أن البيع ينعقد بالقول وبالفعل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: تصح العقود بكل ما دل على مقصودها من قولٍ أو فعلٍ، وهذا هو الذي تدل له أصول الشريعة، ومعلومٌ أن البيع والإجارة والهبة ونحوها لم يحد الشارع لها حدًّا، لا في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله ، ولا نُقل عن أحدٍ من الصحابة أو التابعين أنه عين للعقود صفةً معينةً من الألفاظ أو غيرها، وليس لذلك حدٌّ في لغة العرب، حيث يقال: إن أهل اللغة يسمون هذا بيعًا، ولا يسمون هذا بيعًا، فإذا لم يكن له حدٌّ في الشرع ولا في اللغة؛ كان المرجع فيه إلى عرف الناس وعاداتهم، فما سموه بيعًا؛ فهو بيعٌ.

إذنْ ما سماه الناس في عرفهم وفي عاداتهم بيعًا؛ فهو بيعٌ، وما سموه إجارةً؛ فهو إجارةٌ، وما سموه هبةً؛ فهو هبةٌ، حتى النكاح أيضًا، ما سموه نكاحًا؛ فهو نكاحٌ، حتى النكاح الصحيح أنه لا يتقيد بألفاظٍ معينةٍ، فلو قال: زوجتك ابنتي، أو قال بعض الناس، بعض العامة، بدل أن يقول: زوجتك، يقول: جوزتك، هنا يصح، لو قال: قبلت، أو قال: رضيت، أو أي عبارةٍ تفيد القبول، فإنه ينعقد، فهذه العقود لم يرد فيها لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ، ولا في لغة العرب: أن لها صيغًا محددةً معينةً، وحينئذٍ كل ما أتى دالا على مقصودها؛ فإنها تنعقد به، إذا كان ذلك دالًّا على مقصودها في عرف الناس.

نوع عقد البيع

ما نوع عقد البيع؟ عقد البيع هل هو عقدٌ لازمٌ، أم عقدٌ جائزٌ؟

البيع من العقود اللازمة، ومعنى ذلك: أن البيع إذا انعقد بالإيجاب أو بالقبول، أو بما يدل عليه عرفًا وحصل التفرق من مكان التبايع بالأبدان، فليس للبائع أو المشتري الفسخ إلا برضا الطرف الآخر، هذا معنى: العقد اللازم.

“العقد اللازم” يعني: إذا انعقد العقد لا ينفسخ إلا برضا الطرف الآخر، بينما العقد الجائز: لكل من المتعاقدين الفسخ ولو بغير رضا الطرف الآخر؛ الوكالة مثلًا عقدٌ جائزٌ، للموكِّل والوكيل، فللموكِّل أن يترك الوكالة، وللوكيل أن يترك الوكالة، يفسخ الوكالة، ولو بغير رضا الطرف الآخر، لو أراد الموكل أن يفسخ الوكالة بغير رضا الوكيل صح، لو أراد الوكيل أن يفسخ الوكالة بغير رضا الموكل صح؛ لأنها عقدٌ جائزٌ، بينما البيع عقدٌ لازمٌ، فإذا تبايعا شيئًا؛ فلهما الخيار ما داما في مكان التبايع، فإذا تفرقا من مكان التبايع؛ لزم البيع، نضرب لهذا مثالًا من واقعكم الآن: لو أن أحدًا من الإخوة الحاضرين هنا في القاعة قال لزميلٍ له: معي هاتفٌ جوالٌ، هذا هو، تريد أن تشتريه؟ قال: نعم، قال: بعتك، قال: اشتريت، ثم ذهبا لصلاة المغرب، بعد صلاة المغرب قال البائع: أنا والله بدا لي ألا أبيعه، أو قال المشتري: بدا لي ألا أشتريه، هل يملك؟ لا يملك، أصبح العقد لازمًا، إلا برضا الطرف الآخر، لو أن الطرف الآخر قال له: بعتني وانتهى ولزم؛ إذنْ يُلزم بالبيع.

لكن لو أنه أقاله، لما قال: بدا لي ألا أبيعه، فرضي المشتري؛ فهذه تسمى “إقالةً”، والإقالة ليست واجبةً، مستحبةٌ، من أقال مسلمًا بيعته؛ أقال الله عثرته [13]، لكن البيع انعقد، هكذا أيضًا الإجارة، مثلًا إذا ذهبت إلى مكتب العقار وأعطيته مثلًا مبلغًا، أو تعاقدت، يعني أجريت عقدًا، عقد إيجار بيتٍ لمدة سنةٍ، وفي اليوم الثاني قلت: بدا لي ألا أستأجر هذا البيت، لا تملك، إلا برضا المالك، إن أقالك؛ فهذا يستحب في حقه، إذا لم يرض؛ فالبيع يقع لازمًا.

فإذن البيع من العقود اللازمة، لكن متى يلزم؟ بمجرد التفرق بالأبدان من مكان التبايع، البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا [14]، إذا حصل التفرق في الأبدان من مكان التبايع؛ أصبح البيع عقدًا لازمًا.

فهذا معنى قولنا: إن البيع من العقود اللازمة.

إذنْ لو قيل: ما نوع عقد البيع؟ الجواب: أنه عقدٌ لازمٌ.

أقسام العقود

والعقود تنقسم إلى ثلاثة أقسامٍ:

  • منها العقود اللازمة؛ كالبيع والإجارة.
  • وعقود جائزةٌ؛ كالوكالة.
  • وعقودٌ لازمةٌ من وجهٍ، جائزةٌ من وجهٍ آخر؛ كالرهن، فالرهن لازمٌ في حق الراهن، وجائزٌ في حق المرتهِن.

نجد أن البيع نوعه من العقود اللازمة، فإذا انعقد؛ لزم بمجرد التفرق في الأبدان، حصل الإيجاب من البائع والقبول من المشتري، وحصل التفرق بالأبدان؛ فقد لزم، وليس لأحدٍ من الطرفين الفسخ، إلا برضا الطرف الآخر.

نقف عند شروط صحة البيع.

بقي معنا خمس دقائق، إذا كان هناك من أسئلةٍ أو استفساراتٍ فيما شُرح.

الأسئلة

السؤال:…؟

الجواب: نعم، لا بأس، إلا إذا اشترطت جهة العمل عليك ألا تحج، لكن إذا لم يشترطوا عليك فلا بأس، وإذا كان أيضًا الحج يتطلب بقاءك بملابسك، يعني مثلًا: بعض الإخوة يكونون عسكريين، ويتطلب الأمر أن يُبقوا الزي عليهم، فهنا ينوي الحج، ويدفع فديةً عن لبس المخيط: إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاةٍ، أو صيام ثلاثة أيامٍ، وإذا غطَّى رأسه يكون عليه فديةٌ ثانيةٌ أيضًا، فيكون عليه فديتان.

لكن كون الإنسان يذهب إلى تلك المشاعر فالأفضل له أن يحج، وأن يستأذن من جهة عمله، وفي الغالب أنهم لن يمانعوا.

وعلى الأقل لو يأتي بالأركان والواجبات، يعني مثلًا: الوقوف بعرفة، يُحرِم ولو لحظةً، يكفي؛ حتى يأتي بالركن.

المبيت بمنًى ربما يرخَّص له إذا كان مشتغلًا بخدمة الحجيج، يرخص له؛ لأن المشتغل بخدمة الحجيج رُخص له ترك المبيت بمنًى.

فأقول: من يذهب إلى تلك الأماكن؛ ينبغي أن يحرص على أن يحج؛ لأن الحج ورد فيه من الفضل ما لم يرد في غيره.

السؤال: في باب المعاملات يُحتاج لها عقودٌ؛ مثل: الاتفاق مع عمالةٍ، أو إيجارٍ، فهل الاتفاق الشفوي ملزمٌ، أم عند توقيع العقد يكون الإلزام؟

الجواب: الاتفاق الشفهي ملزمٌ، إن حصل اتفاقٌ واتفق هو مع العامل شفهيًّا؛ حصل الأصل في الاتفاق الشفهي، والكتابة مجرد توثيقٍ، حتى في عقد النكاح، وفي البيع، وفي كل العقود، فالكتابة مندوبٌ إليها، لكن ليست واجبةً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].

السؤال: لو حصل لرجلٍ تزوج من امرأةٍ واتفق الأهل وكذا، وما بقي إلا العقد -الذي هو الكتابة على الورق- لم يتم، فهل هي تبقى زوجته، ويدخل بها، ويبني بها؟

الشيخ: لكن حصل إيجابٌ وقبولٌ؟ قال الولي: زوجتك، وقال الزوج: قبلت؟

السائل: نعم.

الجواب: إذا حصل إيجابٌ وقبولٌ؛ انعقد، والكتابة ليست شرطًا، الكتابة مجرد توثيقٍ، وكانت العقود قبل أربعين سنةً وأكثر، ما كان الناس يكتبون العقود، لو سألت أباك أو جدك؛ تجد أنهم تزوجوا بدون كتابةٍ، بدون عقودٍ، إنما يقول: زوجتك، يقول: قبلت، ويشهد شاهدان، وينعقد عقد النكاح.

السؤال:…؟

الجواب: لا بد من رضاها، رضا الزوجين لا بد منه، هو شرطٌ في النكاح، إذا لم تَرضَ؛ فيكون عقد النكاح ليس بلازمٍ؛ ولهذا أتت جارية إلى النبي وذكرت أن أباها قد زوجها وهي كارهةٌ، فخيرها النبي [15].

السؤال:…؟

الجواب: النوع الثالث: عقودٌ لازمةٌ من وجهٍ، جائزةٌ من وجهٍ آخر؛ مثل الرهن، الرهن لازمٌ في حق من عليه الحق، وهو الراهن، جائزٌ في حق من له الحق، وهو المرتهِن، فالذي عليه الرهن ما يستطيع أن يفك الرهن، لكن الذي له الرهن يستطيع أن يفك الرهن، فهو في حق الراهن لازمٌ، وفي حق المرتهن جائزٌ.

هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وآله وصحبه.

والسلام عليكم.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1728، ومسلم: 1302.
^2 رواه البخاري: 1755، ومسلم: 1328.
^3 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
^4 رواه أحمد: 27367.
^5 رواه البخاري: 1641، ومسلم: 1235.
^6 رواه أبو داود: 1884، وأحمد: 3512.
^7 رواه مسلم: 1218.
^8 رواه البخاري: 359، ومسلم: 516.
^9 رواه مسلم: 1297، بنحوه.
^10 رواه مسلم: 121.
^11 رواه البخاري: 1735.
^12 رواه البخاري: 2079، ومسلم: 1532.
^13 رواه أبو داود: 3460، وابن ماجه: 2199.
^14 سبق تخريجه.
^15 رواه البخاري: 5138.
zh