عناصر المادة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
التحذير من الربا
دَرْسُنا في هذا اليوم هو عن المسائل المتعلقة بالربا، وكنا قد بدأنا في الدرس السابق في المحاضرة السابقة، بالحديث عن خطر الربا وعظيم ذنبه وإثمه عند الله ، وذكرنا أنه من كبائر الذنوب، ومن السبع الموبقات، وأنه محرمٌ في جميع الشرائع السماوية، وأن الله تعالى قد حذر منه بأساليب متعددةٍ ومتنوعةٍ؛ ومن ذلك: أن الله تعالى شبَّه الذين يأكلون الربا بأنهم لا يقومون من قبورهم إلا كما يقوم المصروع حال صَرْعه، قال سبحانه: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]، يعني: الإنسان المصروع.
وأيضًا توعد الله تعالى آكل الربا بالحرب، قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279].
وتوعَّد الذي يعود لأكل الربا بعد معرفة تحريمه بقوله: وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، فبين سبحانه أنه يمحق الربا، هذا كلامٌ من الله سبحانه، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا؟! الربا لا يخالط مالًا إلا محق بركته: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276]، فهذه حقيقةٌ مقطوعٌ بها؛ لأن الذي أخبرنا بها هو الله سبحانه: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ، تنزع البركة من المال إذا خالطه الربا.
وأيضًا ذكرنا وأشرنا إلى بعض النصوص من السنة المحذِّرة من الربا، والمبينة عظيم إثمه وخطره؛ ومنها: ما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن جابرٍ قال: “لعن رسول الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه” [1].
وهذا الحديث هو في “صحيح مسلمٍ”، واللعن معناه: الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، وهذا اللعن لا يختص بآكل الربا وموكله فحسب، بل حتى يشمل كل من شارك وأعان على الربا، فيشمل ذلك الشهود على الربا، ويشمل ذلك أيضًا كاتب الربا؛ وهذا يدل على تحريم ممارسة الربا في البنوك، وأنه لا يجوز للإنسان أن يكتب الربا، ولا أن يشهد عليه؛ لأن بعض البنوك التقليدية تمارس الربا، فنقول: إنه لا يجوز للإنسان أن يتوظف كاتبًا في تلك البنوك؛ لأنه قد يكتب الربا فيلحقه الوعيد الوارد في هذا الحديث، أو يشهد على الربا فيلحقه الوعيد الوارد في هذا الحديث، النبي لعن كاتب الربا، ولعن الشاهد أيضًا على الربا، وهذا يبين عظيم خطره.
أيضًا من حديث ابن مسعودٍ أن النبي قال: الربا ثلاثة وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه [2]، وفي الحديث الآخر: الربا سبعون بابًا، أدناها كالذي يقع على أمه [3]، وحديث عبدالله بن حنظلة : درهم ربًا يأكله الرجل وهو يعلم؛ أشد من ستٍّ وثلاثين زنيةً [4]، وهذا يدل على أن الربا أعظم في الإثم من الزنا، مع أن الزنا من كبائر الذنوب، إلا أن الربا أعظم وأشد، والنصوص في عظم شأن الربا كثيرةٌ.
والمسلم إذا سمع مثل هذه النصوص من الكتاب والسنة؛ فعليه أن يقول: سمعنا وأطعنا، وأن يجتنب الربا، ويجعل هذا مبدأً له في حياته، أي تعاملٍ فيه ربًا يبتعد عنه ويجتنبه، وليس للمسلم الخيار في هذا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، فالمسلم إذا سمع هذه النصوص؛ فعليه أن يجتنب الربا، وأن يمتثل أمر الله تعالى بترك الربا، وأن يحذر الربا قليله وكثيره، وليستحضر أن الله تعالى لا يمكن أن ينهى عن شيءٍ إلا وفيه المضرة على الإنسان، ولا يأمر بشيءٍ إلا وفيه المصلحة، فالله تعالى هو الحكيم العليم.
تعريف الربا
ننتقل بعد ذلك إلى تعريف الربا، كنا قد وصلنا إلى تعريف الربا:
الربا معناه في اللغة: الزيادة، ومن قول الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [فصلت:39]، يعني: زادت وعلت، ومنه يقال: الرَّبْوَة، يعني: المكان المرتفع، ومنه قول الله تعالى: أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ [النحل:92]، يعني: أكثر عددًا.
فمادة: الراء والباء والألف أو الواو تدور حول على معنى: الزيادة.
معناه في الشرع: الزيادة في أشياء مخصوصةٍ.
وما هي هذه الأشياء المخصوصة؟ سيأتي بيانها إن شاء الله، وسيأتي بيان الضابط لهذه الأشياء المخصوصة.
أقسام الربا
يقسم العلماء الربا إلى قسمين:
- ربا الفضل.
- وربا النسيئة.
وأضاف بعض العلماء قسمًا ثالثًا، وهو ربا القرض، وبعضهم يسميه ربا الديون.
الأصناف التي يجري فيها الربا
الأشياء التي يجري فيها الربا بينها النبي في حديث عبادة بن الصامت في قوله: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح -كم صنفًا هنا في الحديث؟ ستة أصنافٍ: الذهب، والفضة، والتمر، والبر، والشعير، والملح- مثلًا بمثلٍ، يدًا بيدٍ، وفي روايةٍ: هاءَ وهاءَ، سواءً بسواءٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى [5].
فهنا ذكر النبي في هذا الحديث ستة أصنافٍ فقط، فهل يقصر الربا على هذه الأصناف الستة؟ من الفقهاء من قال بذلك، وهم الظاهرية، ولكن هذا القول قولٌ ضعيفٌ، ولو قيل بهذا القول لفُتح باب الربا في الوقت الحاضر على مصراعيه وقيل: البنوك كلها ما فيها ربًا، إذا كان الربا لا يجري إلا في هذه الأشياء الستة؛ فمعنى ذلك: لا يكاد يوجد الربا اليوم، والبنوك لا يكاد يوجد فيها ربًا، ولكن هذا القول قولٌ ضعيفٌ رده جماهير علماء الأمة قديمًا وحديثًا، فقالوا: إن الربا يجري في هذه الأصناف الستة وفيما شاركها في العلة؛ إذنْ قولهم: قصرها على الأشياء الستة، هذا قولٌ معروفٌ عن أهل الظاهر، وأيضًا مرويٌّ عن قتادة وطاوس، وذهب إليه من الحنابلة أبو الوفاء ابن عقيل، ولكنه كما ذكرنا قولٌ مرجوحٌ، بل قولٌ ضعيفٌ، جمهور علماء الأمة ذهبوا إلى أن الربا يجري في هذه الأشياء الستة وما وافقها في العلة؛ وذلك لأن هذه الشريعة الكاملة المحكمة لا يمكن أن تفرق بين متماثلين، فما الفرق مثلًا بين الأرز وبين البر؟ يعني: لماذا نقول بجريان الربا في البر ولا يجري في الأرز مع أنهما متفقان في العلة، فهذا لا تأتي به الشريعة؛ لهذا: الصواب أن الربا يجري في هذه الأشياء الستة وما جاء في معناها.
ومما يدل لذلك ورود عدة آثارٍ تدل على جريان الربا فيما عدا هذه الأشياء الستة المنصوص عليها؛ ومن ذلك: ما جاء في “الصحيحين” عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي نهى عن المزابنة والمحاقلة، والمزابنة: هي أن يبيع ثمر حائطه بتمرٍ كيلًا -يعني: الثمر في رؤوس النخل بالتمر- وإن كان كَرْمًا أن يبيعه بزبيبٍ كيلًا -يعني: يبيع العنب -شجر العنب- بالزبيب- وإن كان طعامًا أن يبيعه بكيل طعامٍ [6].
هنا في هذا الحديث أدخل النبي نوعًا جديدًا غير الستة المنصوص عليها، وهو الزبيب، والزبيب: هو العنب، فعندما ييبس العنب يصبح زبيبًا؛ فدل ذلك على أن الربا لا يقتصر على تلك الأشياء الستة المنصوص عليها، فهذا الحديث حجة على الظاهرية الذين قصروا الربا على الأصناف الستة.
فنقول: إذنْ يجري في الأصناف الستة وما وافقها في العلة، إذا قلنا: هذا هو القول الصحيح في المسألة؛ إذنْ ما هي العلة؟ ما هي علة الربا؟ بمعنًى آخر: ما هو الضابط فيما يجري فيه الربا، وما لا يجري فيه؟
بيع قلمٍ بقلمين، هل يجري فيه الربا؟ سيارةٍ بسيارتين، هل يجري فيها الربا؟ كتابٍ بكتابين، هل يجري فيه الربا؟
علة الربا
نريد إذنْ أن نعرف الضابط، ما هو الضابط فيما يجري فيه الربا، وما الذي لا يجري فيه؟ والذي يعبر عنه الجمهور بقولهم: “علة الربا”، يعني: ما هي علة الربا؟
اختلف الجمهور في “علة الربا” اختلافًا كثيرًا على أقوالٍ كثيرةٍ، وقد راجعتها في كتب الفقه فوجدت أقوالًا كثيرةً في المسألة.
فقال بعضهم: إن العلة: هي الكيل أو الوزن، هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، فيجري الربا عندهم في كل مكيلٍ أو موزونٍ، ولا يجري فيما عدا المكيل والموزون، هذا هو مذهب الحنابلة والحنفية.
وقال آخرون: بل العلة في الذهب والفضة: هي غلبة الثَّمَنِيَّة، وفيما عداها: الطُّعْم، في القول الثاني فرقوا بين الذهب والفضة وبين ما عداهما.
فقالوا: العلة: هي غلبة الثمنية في الذهب والفضة، والطعم في ما عداهما، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية.
وقالوا آخرون: العلة في الذهب والفضة: هي غلبة الثمنية، وفيما عدا الذهب والفضة: الاقتيات والادخار، وهذا هو مذهب المالكية، فنجد إذنْ أقوالًا متعددةً في علة الربا.
ولكن القول الراجح -وهو الذي عليه أكثر المحققين من أهل العلم- في علة الربا، هي أنها في الذهب والفضة: الثمنية؛ فيقاس عليهما كل ما جعل أثمانًا؛ كالأوراق النقدية في وقتنا الحاضر، والعلة فيما عدا الذهب والفضة: هي الكيل أو الوزن مع الطُّعْم.
إذنْ نعيد مرةً أخرى: نقول: القول الراجح في علة الربا هو أنها في الذهب والفضة: الثمنية، وفيما عداهما: الطعم مع الكيل أو الوزن.
وقد اختار هذا القول الموفق بن قدامة رحمه الله في كتابه “المغني” وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله تعالى على الجميع.
ووجهة هذا القول هو أن الذهب والفضة وما يقوم مقامهما في التعامل بين الناس في تقييم الأشياء؛ كالأوراق النقدية، أن هذه الأشياء بها قوام الأموال والمقصود منها: أن تكون معيارًا يُتوصل بها إلى معرفة مقادير الأموال، ولا يقصد الانتفاع بعينها، فكان التعليل بالثمنية تعليلًا بوصفٍ مناسبٍ.
بناءً على ذلك: يجري الربا في كل ما عده الناس أثمانًا، وفي الوقت الحاضر الناس يتعاملون بالأوراق النقدية، بينما كان الناس في الزمن السابق يتعاملون بالدنانير والدراهم، الدنانير من الذهب، والدراهم من الفضة، هذه كلها العلة فيها: هي الثمنية، أما ما عدا النقدين وما في معناهما، فإن العلة: هي الطعم مع الكيل أو الوزن.
أما الطُّعْم فالدليل له: حديث معمر بن عبدالله ، أن النبي قال: الطعام بالطعام مثلًا بمثلٍ [7]، رواه مسلمٌ، وفي هذا الحديث إشارةٌ إلى علة الطُّعم؛ لأنه قال: الطعام بالطعام، وفي قوله: مثلًا بمثلٍ، إشارةٌ إلى المعيار الشرعي الذي يكون به تماثل الأشياء، وهو الكيل أو الوزن، أن المعيار الشرعي هو الكيل أو الوزن.
فقوله: مثلًا بمثلٍ، إشارةٌ للمعيار الشرعي، وهو الكيل أو الوزن؛ لهذا قال ابن قدامة رحمه الله: نهي النبي عن الطعام إلا مثلًا بمثلٍ يتقيد بما فيه معيارٌ شرعيٌّ، وهو الكيل والوزن؛ إذ إن الطُّعم بمجرده لا تتحقق به المماثلة؛ لعدم المعيار الشرعي، فوجب تقييده بالمعيار الشرعي، وهو الكيل والوزن.
إذنْ نستطيع أن نقول: إن هذا هو الضابط فيما يجري فيه الربا، وما لا يجري فيه الربا، أو نستطيع أن نقول بعبارةٍ أخرى: هذه هي علة الربا، فالعلة هي الثمنية، بالنسبة للذهب والفضة والأوراق النقدية هي الثمنية، وما عداها: الطُّعم مع الكيل أو الوزن.
بناءً على ذلك: ما اجتمع فيه الكيل أو الوزن مع الطعم؛ فإنه يجري فيه الربا؛ كالتمر والبر والشعير والأرز والذرة، واللحم، والخل واللبن والدهن، ونحو ذلك، هذه كلها يجري فيها الربا، فلو أراد أحد أن يشتري (10 كيلوجراماتٍ) من الأرز بـ20، فإن هذا لا يجوز؛ لأن الأرز يجري فيه الربا، كيلو تمرٍ بكيلوين لا يجوز؛ لأن هذا يجري فيه الربا.
ما انعدم فيه الكيل والوزن والطعم فهذا لا ربًا فيه، الأشياء غير المطعومة -ما عدا الذهب والفضة والأوراق النقدية- كلها لا يجري فيها الربا، أي شيءٍ غير مطعومٍ لا يجري فيه الربا، ما عدا الذهب والفضة والأوراق النقدية.
فالسيارات هل يجري فيها الربا؟ لا يجري؛ لأنها غير مطعومةٍ، وبناءً على ذلك نجيب عن تساؤلنا السابق: بيع سيارةٍ بسيارتين، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، قلمٍ بقلمين، يجوز أو لا يجوز؟ لأنها غير مطعومةٍ.
لو إنسانًا معه هاتفٌ جوالٌ جديدٌ يريد أن يبيعه بهاتفين مستعملين يجوز؟ يجوز، كتابٌ بكتابين، يجوز، الأشياء غير المطعومة كلها لا يجري فيها الربا، ما عدا الذهب والفضة والأرواق النقدية، فجميع الآلات والسيارات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، ونحو ذلك، هذه لا يجري فيها الربا.
ما وجد فيه الطعم لكنه لا يكال ولا يوزن، هو مطعومٌ لكنه لا يكال ولا يوزن، فهل يجري فيه الربا أم لا؟ نقول: لا يجري؛ لأنه لا بد من الطُّعم مع الكيل أو الوزن، فإذا كان مطعومًا لكنه لا يكال ولا يوزن؛ فهذا لا يجري فيه الربا؛ مثل البيض مثلًا، البيض يباع بأي شيءٍ؟ بالكيل أو الوزن أو العد؟ العد، الطبق البيض كم فيه من حبةٍ؟ إذنْ هو يباع بالعد فهو من المعدود فهو لا يكال ولا يوزن.
فإذنْ لا يجري فيه الربا حتى ولو كان مطعومًا؛ لأننا اشترطنا أن يكون مطعومًا يكال أو يوزن، طيب الجوز إذنْ هو مطعومٌ، لكن هل يكال أو يوزن؟ لا يكال ولا يوزن فهو معدودٌ.
كذلك ما كان مكيلًا، لكنه غير مطعومٍ فإنه لا يجري فيه الربا؛ كالأشنان، الأشنان: شبيه الصابون للتنظيف، هذا يباع كيلًا، لكنه غير مطعومٍ فلا يجري فيه الربا.
الفواكه: البرتقال والتفاح والموز، هل يجري فيه الربا؟…، كيف يكون غير مكيلٍ وغير موزونٍ والناس يشترون بالكيل، تقول: أعطني كيلو برتقالٍ، كيلو تفاحٍ، كيلو موزٍ.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، البرتقال مطعومٌ، لكنه لا يكال ولا يوزن، أما الآن ما جرى عليه الناس لا يَرِد على الأصل، الأصل أنه بالعكس الآن كما تفضلت في محاضرةٍ سابقةٍ، أن الكيل بالكراتين يكون بالعدد، فيما يعتبر…
الشيخ: أحسنت، البرتقال والتفاح والموز هو الأصل غير مكيلٍ ولا موزونٍ، هو معدودٌ من قديم الزمان، فكون الناس الآن يكيلونه هذا لا يغير من الحكم الأصلي شيئًا، الآن أصبح الناس كل شيءٍ يباع وزنًا، حتى الحيوانات الان تباع بالوزن، أليس كذلك؟ الأضاحي الآن بعض الشركات تبيعها بالوزن، يعني: هذا لا يغير من الحكم الأصلي شيئًا.
فالفواكه لا يجري فيها الربا، البرتقال والتفاح والموز هذه ليست مكيلةً ولا موزونةً في الأصل، طبعًا في الأصل هي معدودةٌ؛ ولذلك لو اشتريت كرتون برتقال -كما سمعنا من زميلكم- تجد أنه يباع بالعدد، يقال هذا كرتون فيه 72 حبةً، هذا كرتون فيه 65 حبةً، هذا فيه كذا، في الأصل معدودٌ، التفاح كذلك، الموز، في الأصل معدودٌ، فإذنْ لا بد أن نرجع لكونه مكيلًا أو موزونًا في الأصل، وليس في التعامل الموجود الآن؛ لأن التعامل الموجود الآن اختلف كثيرًا عما كان موجودًا عليه في الأصل.
طيب، اللحم يجري فيه الربا؟ هل هو مطعومٌ؟ مطعومٌ، مكيلٌ أو موزونٌ اللحم؟ موزونٌ؛ إذنْ يجري فيه الربا، اللبن؟ يجري فيه الربا كذلك.
فإذنْ أنت خذ معك الضابط وطبقه، فعندما تريد أن تعرف هل هذا الشيء يجري فيه الربا أم لا؟ خذ الضابط هذا وطبقه على آحاد الصور.
إذا اختلفت العلة يجوز التفاضل والتأجيل
هنا مسائل متعلقةٌ بعلة الربا أيضًا.
إذا اختلفت علة الربا بين شيئين، فإنه يجوز فيهما التفاضل والتأجيل.
ذكرنا كم علةً للربا على القول الراجح؟ كم علةً ذكرناها؟ علتين، وهما: علة الثمنية، وهذا في الذهب والفضة والأوراق النقدية، والعلة الثانية: الطعم مع الكيل أو الوزن، الطعم مع الكيل أو الوزن هذه علةٌ واحدةٌ، ما نقول علتين، علةٌ واحدةٌ.
فعندنا الآن علتان: الثمنية، هذه علةٌ، والطعم مع الكيل أو الوزن، علةٌ أخرى.
من القواعد المتعلقة بالربا: أنه إذا اختلفت العلة يجوز التفاضل والتأجيل.
مثاله: بيع التمر بالأوراق النقدية، هل يشترط فيه التماثل؟ لا يشترط، طيب هل يشترط التقابض؟ إنسانٌ ذهب إلى سوق الخضار، واشترى 100 كيلو تمر، وقال للبائع: سآتيك بالمبلغ غدًا، اشتَرَى مثلًا بألف ريالٍ أو أكثر، وقال: سآتيك بالمبلغ غدًا؛ الآن ما عندي شيءٌ، لكن سآتيك بالمبلغ غدًا، هل يجوز؟ يجوز، لماذا؟ لأن العلة اختلفت؛ فعلة الأوراق النقدية: هي الثمنية، بينما علة التمر: الطعم مع الكيل، والقاعدة: أنه إذا اختلفت العلة؛ فإنه يجوز التفاضل، ويجوز التأجيل.
ولذلك لو طُرح سؤالٌ: ما حكم بيع التمر بالأوراق النقدية مع عدم التقابض وعدم التماثل؟ الجواب: أنه جائزٌ مطلقًا من ضمن الخيارات من الأسئلة التي تكون في جميع أو في معظم الجزئيات: حكم بيع التمر بالأوراق النقدية مع عدم التقابض وعدم التماثل؟ الجواب: أنه جائزٌ، مع التقابض وعدم التماثل.
السؤال بصيغةٍ أخرى: بيع التمر بالأوراق النقدية، ما الذي يشترط فيه؟ هل يشترط فيه التقابض، أو يشترط فيه التماثل، أو يشترط التقابض والتماثل، أو لا يشترط التقابض ولا التماثل؟
الجواب: لا يشترط لا التقابض، ولا التماثل، اضبطوا هذه المسائل.
الذهب بالبر، بيع الذهب بالبر، أو الفضة بالشعير، ما حكمه؟ بيع الذهب بالبر جائزٌ؛ لاختلاف العلة، العلة في الذهب: هي الثمنية، والبر: الطعم مع الكيل.
طيب الفضة في الشعير؟ كذلك أيضًا جائزٌ، لاختلاف العلة.
اتحاد العلة
إذا اتحدت العلة، إذنْ عرفنا الحكم مع اختلاف العلة، واضح؟
طيب، ننتقل للحكم مع اتحاد العلة:
إذا اتحدت العلة -يعني مثلًا الثمنية أو الطُّعم مع الكيل أو الوزن- فهنا لا يخلو، إما أن يكونا من جنسٍ واحدٍ، أو جنسين؛ فإن كانا من جنسٍ واحدٍ، كتمرٍ بتمرٍ، فهنا يشترط لبيع أحدهما بالآخر شرطان:
- الشرط الأول: التماثل في القدر.
- والشرط الثاني: التقابض قبل التفرق.
لقول النبي : الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرُّ بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثلٍ، سواءً بسواءٍ، هاء وهاء [8]، فقوله: مثلًا بمثلٍ، إشارةٌ للشرط الأول، وهو التماثل، هاء وهاء، إشارةٌ للتقابض، سواءً بسواءٍ، هاء وهاء، قال في آخر الحديث: فإذا اختلفت الأجناس؛ فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ.
فإن هذه المسألة محل إجماعٍ مع اتحاد العلة واتحاد الجنس، لا بد من التماثل والتقابض؛ فعند بيع التمر بالتمر لا بد من التماثل والتقابض، وعند بيع البر بالبر لا بد من التماثل والتقابض، وعند بيع الذهب بالذهب لا بد من التماثل والتقابض.
حتى لو اختلف النوع؟ يعني: مثلًا إذا كان الثمن كيلو تمرٍ من النوع السكري بعشرين ريالًا مثلًا، وثمن الكيلوين من تمر الصفري مثلًا بعشرين ريالًا، باع رجلٌ تمرًا صفريًّا كيلوين بتمرٍ صفريٍّ، يريد أن يبيعها بكيلو تمرٍ سكريٍّ، وهذه قيمتها عشرون، وهذه عشرون، هل يجوز هذا أو لا يجوز؟ القيمة واحدةٌ، هذه عشرون هذا كيلو وهذه كيلوان.
دعنا نطبق هذا على القواعد التي درسناها الآن، وقلنا: إذا اتحدت العلة واتحد الجنس، لا بد من التقابض والتماثل، طيب هنا تمرٌ سكريٌّ وتمرٌ صفريٌّ، هل العلة واحدةٌ؟ نعم، العلة واحدةٌ هي الطُّعم مع الكيل، طيب هل الجنس واحدٌ، أو مختلفٌ؟ واحدٌ، تمرٌ وتمرٌ، كون هذا صفريًّا وهذا سكريٌّ، يسمى اختلاف نوعٍ، فالجنس واحدٌ، إذنْ القاعدة تقول: لا بد من التماثل والتقابض؛ إذنْ لا يجوز؛ لأنه ليس فيه تماثلٌ، حتى ولو اختلف النوع، اختلاف النوع إذنْ لا عبرة به، ويدل لذلك ما جاء في “صحيح مسلمٍ” وغيره، أن النبي أُتِيَ بتمرٍ بَرْنيٍّ -أي من النوع الجيد- فقال: أَكُلُّ تمر خيبر هكذا؟، قالوا: لا يا رسول الله، إنا نبيع الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال النبي : أَوَّهْ! هذا عين الربا، ثم أشار للمَخْرج: ولكن بع الجَمْع -أي: التمر الرديء- بالدراهم، واشتر بالدراهم جنيبًا [9]، يعني: تمرًا جيدًا.
فإذنْ: مع اختلاف النوع لا يجوز التقابض، اختلاف النوع لا عبرة به، طيب ما هو المخرج؟ خذ التمر الرديء وبعه بدراهم، واشتر بالدراهم تمرًا جيدًا، ومثل ذلك أيضًا يقال في بيع الذهب بالذهب، بيع الحلي، فمثلًا: امرأةٌ عندها حليٌّ قديمٌ مستعملٌ، وتريد أن تشتري بدلًا منه حليًّا جديدًا، فهنا لا بد من التقابض والتماثل.
وإذا قلنا: التماثل، من المعلوم أن أصحاب محلات الذهب لن يقبلوا بيع مثلًا جرام حليٍّ مستعملٍ بجرام حليٍّ جديدٍ، ليس هناك إنسانٌ عاقلٌ يقبل بهذا، طيب لو قالت: أريد أن أبيع جرامين من الحلي المستعمل بجرام حليٍّ جديدٍ؟ يجوز؟ لا يجوز، طيب ما هو المخرج؟ المخرج هو الذي أرشد إليه النبي تبيع الحلي من النوع المستعمل بدراهم، وتشتري بالدراهم ما شاءت من حليٍّ جديدٍ، هل يجوز لصاحب محل الذهب أنها لا تشتري إلا منه؟
لا، ليس له أن يشترط، هي تبيع حليها المستعمل، ثم بعد ذلك هي بالخيار؛ إذا أرادت أن تشتري منه أو من غيره، إذنْ هذا هو المخرج.
الطالب:….
الشيخ: لا يجوز، لو أعطاها جديدًا مع الفارق، يجوز؟ لا يجوز هذا؛ لحديث فضالة بن عبيدٍ، فإذن المخرج -انتبهوا لهذا؛ لأن هذا من الأخطاء الشائعة تجد بعض النساء تبيع حليًّا مستعملًا بحليٍّ جديدٍ وتعطيه الفرق.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 1598. |
---|---|
^2 | رواه ابن ماجه: 2274. |
^3 | رواه البيهقي في شعب الإيمان: 5132. |
^4 | رواه أحمد: 21957. |
^5 | رواه مسلم: 1586، 1587، ومعنى هاء وهاء: صوت بمعنى: خذ، ومنه قوله تعالى: هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيهَ. الفائق في غريب الحديث للزمخشري: 4/ 87. |
^6 | رواه البخاري: 2185، ومسلم: 1542. |
^7 | رواه مسلم: 1592. |
^8 | سبق تخريجه. |
^9 | رواه البخاري: 2201، ومسلم: 1593. |