عناصر المادة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أحكام الحج والعمرة
فدرسُنا هذا اليوم عن أحكام الحج والعمرة، ويعبر عنها بعض الفقهاء بأحكام المناسك، فالمناسك إذا أطلقت فالمقصود بها الحج والعمرة.
تعريف الحج
الحج معناه في اللغة: القصد.
وشرعًا: التعبد لله تعالى بأداء النسك على وجه مخصوص، وسيأتي بيان صفة هذا الوجه المخصوص.
تعريف العمرة
أما العمرة فمعناها في اللغة: الزيارة.
وشرعًا: التعبد لله تعالى بالطواف بالبيت وبالصفا والمروة والحلق والتقصير.
متى فرض الحج؟
فرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة، ولم يحج النبي إلا حجة واحدة، هي حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة.
ويلاحظ هنا أن فرضية الحج تأخرت إلى قُبَيل وفاة النبي بسنتين على خلاف بقية الشرائع، والحكمة في ذلك -والله أعلم- هي: أن مكة لم تكن دار إسلام، إلا في السنة الثامنة لم تفتح إلا في السنة الثامنة، فليس من الحكمة أن يفرض الحج على المسلمين ومكة لا زالت في أيدي المشركين.
وأما قول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196]. فهذه الآية، وإن كانت قد نزلت في السنة السادسة من الهجرة، إلا أن المراد الإتمام فقط، يعني الأمر فيها إنما ورد بالإتمام فقط دون فرض الابتداء؛ لأن قوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ نزلت في صلح الحديبية؛ لأن النبي وأصحابه خرجوا يريدون العمرة، فصدتهم قريش، ثم حصل صلح الحديبية، ثم اعتمر النبي وأصحابه في السنة السابعة من الهجرة.
فإذَنْ: ليس من الحكمة أن يفرض الحج على المسلمين ومكة لا زلت في أيدي المشركين.
لكن فتحت مكة في السنة الثامنة من الهجرة، وأصبحت دار إسلام، قال عليه الصلاة والسلام: لا هجرة بعد الفتح [1] يعني: لا هجرة من مكة بعد فتحها، وهذا فيه بشارة بأن مكة ستكون دار إسلام إلى قيام الساعة، ومنذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا لم يستول عليها الكفار قط، وإنما هي دار إسلام، وستبقى دار إسلام إلى يوم القيامة، ولهذا؛ قال: لا هجرة بعد الفتح.
لماذا لم يحج النبي في السنة التاسعة بعد فتح مكة
من السنة التاسعة كانت مكة دار إسلام، ولم يحج النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك العام؛ لأنه قد انشغل بالوفود أولًا؛ لأنه بعد فتح مكة أصبحت الناس تفد إلى المدينة لإعلان إسلامها بين يدي النبي من كل مكان؛ لأنه قد ظهرت العزة للإسلام والمسلمين، ورأى الناس أن النبي قد انتصر على قريش، فكان ذلك فتحًا عظيمًا، وفتحًا مبينًا، ونصرًا كبيرًا، فأصبحت الوفود تفد إلى النبي من كل مكان، وتعلن إسلامها؛ فانشغل النبي بالوفود في ذلك العام.
ثم أيضًا: كان لا يزال هناك بقايا للمشركين، المشركين كان عندهم بعض الأمور المخالفة للإسلام، ومن ذلك مثلًا: الطواف بالبيت عراة، كان المشركون يطوفون بالبيت عراة، كان إذا أتى الإنسان يريد أن يطوف بالبيت، فإن وجد أحدًا من الحُمس يعني أهل البيت أعطاه ثوبه، وإلا طاف وهو عريان، حتى المرأة تطوف وهي عريانة وتقول:
اليوم يبدو بعضُه أو كلُّه | وما بدا منه فلا أُحِلُّه |
وقد أنكر الله تعالى عليهم هذا، وسماه فاحشة: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 28]، المقصود بالفاحشة في الآية -في قول كثير من المفسرين- أنه الطواف بالبيت عراة.
فكان يحج المشركون؛ لأن البيت منذ أن أَذَّن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في الناس بالحج، والبيت يُحَجُّ، يعني منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، والبيت يُحَجُّ إلى وقتنا هذا.
فأراد النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك العام أن يؤذن في الناس بألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فأرسل أبا بكر أميرًا على الحج، وأرسل معه أبا هريرة وعددًا من الصحابة، فأذَّن في الناس ألا يحج بعد هذا العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان.
وبالفعل تحقق هذا في السنة العاشرة في حجة الوداع، فكل الذين حجوا مع النبي كلهم من المسلمين، وقد حج معه قرابة مئة ألف من المسلمين، ولم يحج بعد ذلك العام إلى يومنا هذا لم يحج البيت مشرك.
هذه الحكمة في تأخيره عليه الصلاة والسلام لحجه إلى السنة العاشرة.
كم اعتمر النبي بعد الهجرة؟
وأما العمرة فقد اعتمر النبي أربع عُمَر بعد الهجرة، وإلا قبل الهجرة اعتمر كثيرًا، وحج أيضًا عدة مرات قبل الهجرة، لكن الكلام بعد الهجرة لم يحج إلا مرة واحدة، ولم يعتمر سوى أربع عُمَر: عمرته عمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وكذلك عمرتين: العمرة التي مع حجة الوداع، وكذلك عمرة أخرى، فهي أربع عُمَر اعتمرها النبي فقط.
حكم الحج وفضله
الحج فرض بإجماع المسلمين، وركن من أركان الإسلام، قد فرض في العمر مرة واحدة على المستطيع، وما زاد على الفريضة فهو تطوع.
وقد ورد فيه من الفضل ما لم يرد في غيره حتى إنه وقع مكفرًا لجميع الذنوب بما فيها الكبائر، بينما الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، إنما تكفر الصغائر، ولهذا؛ قال: إذا اجتُنِبَتِ الكبائر أو قال: ما لم تُغْشَ الكبائر [2]، فهي إنما تكفر فقط الصغائر، قال: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.
أما الحج فقد وردت النصوص دالةً على أنه يكفر جميع الذنوب حتى الكبائر؛ ومنها: ما جاء في «الصحيحين» عن أبي هريرة أن النبي قال: من حج فلم يَرْفُثْ، ولم يَفسُقْ، رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه [3]، والذي ولدته أمه ليس عليه ذنب لا صغير ولا كبير.
كذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكِير خَبَث الحديد [4].
أيضًا: قوله عليه الصلاة والسلام: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة [5] إلى غير ذلك مما ورد من الأحاديث الدالة على أن الحج يكفر جميع الذنوب، لكن إذا كان مبرورًا، إذا وقع الحج مبرورًا.
حكم العمرة
وأما العمرة فقد اختلف العلماء فيها، هل هي واجبة أو مستحبة؟
والقول الراجح: أنها واجبة، ويدل لذلك: قول النبي كما في البخاري وغيره، لمَّا سألته عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: عليكن جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة [6].
لكن جاء في رواية أحمد: أن النبي سئل: هل على النساء من جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة.
وإذا ثبت وجوب العمرة على النساء، فالرجال من باب أولى، وإنما أوردنا هذه الرواية؛ لأنها قد وردت بلفظ: عليهن، بينما رواية البخاري: قال: نعم لكن هنا قال: عليهن وعليهن تفيد الوجوب، فإذا ثبت وجوب العمرة على النساء، فالرجال كذلك.
وأيضًا قال النبي للذي سأله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظَّعْن، قال: حُجَّ عن أبيك واعتمر [7]. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وصححه الترمذي.
فإذّنْ القول الراجح أن العمرة واجبة، لكن وجوبها أدنى من وجوب الحج.
حكم المبادرة بالحج
ويجب على المسلم أن يبادر بأداء الحج مع الإمكان، فهو واجب على الفور، ويأثم إذا أخره بلا عذر؛ لقول النبي : تعجلوا إلى الحج -يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يَعْرِض له [8]، رواه أحمد.
والعوارض التي تعرض للإنسان كثيرة؛ منها: الموت، قد يموت الإنسان قبل أن يحج وهو قادر على الحج، وحينئذٍ يكون قد فرط في ركن من أركان الإسلام، وقد يَعرِض له عارض من مرض، أو من غيره من الطوارئ، فلهذا؛ ينبغي لمن قَدَر على الحج إن كان مستطيعًا الحج أن يبادر بأدائه.
شروط وجوب الحج
وأما شروط وجوب الحج فهي خمسة: الإسلام، والعقل، والبلوغ والحرية والاستطاعة.
من توفرت فيه هذه الشروط وجب عليه المبادرة لأداء الحج.
- الإسلام: فالكافر لا يجب عليه الحج؛ لأن الحج لا بد فيه من نية، والنية لا تصح من الكافر، ولكنه محاسب على ترك الحج، كما أنه محاسب على ترك الصلاة وسائر العبادات، ويدل لذلك: قول الله تعالى عن المشركين: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر: 42، 43]. ثم قال في آخر الآية: وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر: 46]. هذا دليل على أنهم كفار، ومع ذلك حوسبوا على ترك الصلاة؛ ولأنه إذا كان المسلم يحاسب على ترك الصلاة والحج، فالكافر من باب أولى يحاسب، إن كان المسلم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر يحاسب لو ترك شيئًا من العبادات، فكذلك الكافر أيضًا؛ لأن أيضًا النار دركات، كما أن الجنة درجات.
- والشرط الثاني: العقل، فالمجنون لا يجب عليه الحج.
- والشرط الثالث: البلوغ، فالصغير لا يجب عليه الحج.
- وكذلك أيضًا: الحرية، فالمملوك لا يجب عليه الحج.
لكن الحج يصح منهما، ولا يجزئهما عن حجة الإسلام، يعني: يصح الحج من غير البالغ، ومن المملوك، لكن لا يجزئهما عن حجة الإسلام؛ لقول النبي : أيما عبد حج ثم عتق، فعليه حجة أخرى، وأيما صبي حج ثم بلغ، فعليه حجة أخرى [9]، والحديث صحيحٌ.
والحج يصح من الإنسان حتى لو كان غير مميز، يعني يصح من الصغير حتى لو كان طفلًا عمره شهر أو أقل، وينوي عنه وليه، وهذا بخلاف سائر العبادات التي تشترط لها النية؛ كالصلاة مثلًا، الصلاة لا تصح من غير مُمَيِّزٍ، الصوم لا يصح من غير مميز، لكن الحج يصح، وهذا مما يختص به الحج عن غيره، ولهذا؛ رفعت امرأة للنبي صبيًّا فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولكِ أجر [10].
…
ومتى توفرت هذه الشروط وجب المبادرة بأداء الحج.
هنا ذكرنا مسألة حج الصبي، يصح فعل الحج والعمرة من الصبي لهذا الحديث، حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وإذا حج الصبي قبل أن يبلغ فعليه -إذا بلغ واستطاع الحج- أن يحج حجة أخرى، ولا تجزئه تلك الحجة عن حجة الإسلام، وكذا عمرته.
الصبي الذي دون التمييز يَعْقِد عنه الإحرامَ وليُّه، ويجنبه محظورات الإحرام، ويطوف ويسعى به محمولًا، ويستصحبه بعرفة، وفي مزدلفة وفي منى، ويرمي عنه الجمرات.
حكم المحرم لأداء الحج للمرأة
يشترط شرط سادس على المرأة، فيشترط لوجوب الحج على المرأة، زيادة على ما سبق من الشروط: وجود المحرم الذي تسافر معه المرأة لأداء الحج، وذلك: لأنه لا يجوز للمرأة السفر للحج ولا لغيره بدون محرم؛ لقول النبي : لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم [11]، رواه أحمد بإسناد صحيح.
وأيضا جاء في «الصحيحين» عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي قال: لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم. فقال رجل: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجَّة، وإني قد اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا. قال: انطلق فحُجَّ مع امرأتك [12].
وهذا الرجل قد أصبح الجهاد في حقه فرض عين؛ لقوله: «إني اكتتبت». ومع ذلك أمره النبي بأن يترك هذا الجهاد الذي قد تعين عليه، وأن ينطلق فيحج مع امرأته، فدل ذلك على وجوب وجود المحرم بالنسبة للمرأة.
ولأن المرأة إذا حجت بدون محرم، فإنها تكون محل مطمع للرجال، ربما يطمع بها من في قلبه مرض، وهذا أمر واقع، فإن المَحرَم يكون له هيبة، فلا يتعرض لهذه المرأة أحد حتى بمجرد النظر إذا كانت المرأة معها محرم، حتى النظر لا ينظر أحد إليها، لكن إذا كانت بدون محرم، فإنها تكون محل مطمع، وتحصل الفتنة منها وبها، ولهذا؛ فإنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم مطلقًا، وسواء كان السفر للحج أو لغيره، وذلك؛ لأجل سد الذريعة للفساد والافتِتَان منها وبها.
قال الإمام أحمد رحمه الله: المَحرم من السبيل، فمن لم يكن لها محرم لم يلزمها الحج بنفسها ولا بنائبها، يعني المرأة إذا لم تجد محرمًا، فإنها تكون غير مستطيعة، ولا يلزمها أن تقيم من يحج عنها.
بقي أن نعرف من هو المحرم؟
المحرم: هو محرم المرأة، الضابط في محرم المرأة هو زوجها، ومن يحرم عليه نكاحها تحريمًا مؤبدًا بنسب أو سبب مباح.
زوجها لا شك أنه محرم لها، وكذلك من يحرم عليه نكاحها تحريمًا مؤبدًا، كأخيها وأبيها وعمها وخالها، وابن أخيها، هؤلاء يحرمون عليها تحريمًا مؤبدًا، فهم محارم لها.
أو بسبب مباح، كأخ من الرضاع أو مصاهرة، كزوج أمها، وابن زوجها، وزوج بنتها، فهؤلاء كلهم محارم، ويدل لذلك: ما جاء في «صحيح مسلم» أن النبي قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها [13].
ننتقل بعد ذلك إلى الكلام عن أركان الحج وواجباته.
قبل هذا إن كان هناك سؤال أو استفسار فيما شُرح، أو ننتقل للحديث عن أركان الحج وواجباته.
حكم سفر الطالبات مع سائق معه زوجته
السائل: هناك طالبات يسافرن مع سائق، ويدعين أن زوجة السائق مَحرَم، ويسافرن من مدينة إلى مدينة بحثًا عن الكليات، فما رأيك يا سماحة الشيخ؟
الشيخ: إذا كانت المسافة مسافة سفر لا بد من وجود المحرم، وزوجة السائق ليست بمحرم، أما إذا كان ليس سفرًا، وإنما هو مجرد مشوار داخل البلد، أو قريب من البلد، فهذا لا يشترط المحرم، وإنما المطلوب انتفاء الخلوة فقط؛ لأن (150 كيلو) مسافة سفر، والأصل أنه لا بد من وجود المحرم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا تسافر امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم [14]. فمسيرة يومٍ وليلةٍ تُعادل تقريبًا (80 كيلو مترًا).
أركان الحج
ننتقل بعد ذلك إذَنْ لأركان الحج وواجباته:
أركان الحج أربعة:
- الأول: الإحرام، والإحرام: هو نية الدخول في النسك، هذا تعريف الإحرام، هذا المعنى: نية الدخول في النسك، يعني ليس الإحرام لبس ملابس الإحرام، لا، نية الدخول في النسك، كون الإنسان يلبس ملابس الإحرام لا يكون محرمًا حتى ينوي، ولذلك؛ لو أنك مثلًا أردت أن تحرم هنا من الرياض تلبس ملابس الإحرام من الرياض لكن لا تنوي إلا عند الميقات لا بأس، لا بأس بهذا، تلبس الملابس هنا، وتغتسل هنا، ولكن لا تنوي، لا تنوي الإحرام حتى تحاذي الميقات.
فلبسك لملابس الإحرام لا تصير به محرمًا، ولذلك؛ لك أن تغطي رأسك، لك أن تقَلِّم أظفارك، أنت الآن لست محرمًا، لهذا؛ يخطئ بعض الناس عندما يقال: قد أحرم فلان، أو أنه يعني يظن أنه بمجرد لبس ملابس الإحرام يكون قد أحرم، هو لم يحرم، هو فقط لبس ملابس الإحرام.
إنما الإحرام يكون بالنية، نية الدخول في النسك، إذا نوى ولبَّى قال: لبيك عمرة. أو لبيك حجًّا. هنا يكون قد أحرم.
والإحرام ركن من أركان الحج، من تركه لم ينعقد حجه، والدليل على أن الإحرام هو نية الدخول في النسك: قول النبي : إنما الأعمال بالنيات [15].
- الثاني: الوقوف بعرفة -بالنسبة للركن الأول- لو أن أحدًا ما نوى الإحرام بالحج، ذهب للمشاعر بدون نية، ذهب مثلًا لأجل انتداب، لأجل عمل، لأجل كذا، هذا ما يكون قد حج، نية الدخول في النسك ركن من أركان الحج.
الثاني: الوقوف بعرفة؛ لقول النبي : الحج عرفة [16].
الوقوف بعرفة هو من آكد أركان الحج، من تركه فلا حج له.
هذا الركن يتحقق بالوقوف بعرفة ولو لحظة واحدة، وهو أَهْلٌ.
قال الفقهاء: حتى ولو وقف بعرفة مارًّا، أو نائمًا، أو امرأة حائضًا، أو حتى جاهلًا أنها عرفة، فإنه يصح حجه.
ويدل لذلك: حديث عروة بن مضرس الطائي قال: أتيت رسول الله في مزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبل طَيِّءٍ، أكْلَلْتُ راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله : من شهد صلاتنا هذه يعني صلاة الفجر في مزدلفة ووقف معنا حتى لبَّى، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تم حجه، وقضى تَفَثَه [17] رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وهو حديث صحيح.
هذا الرجل عروة بن مُضَرِّسٍ، أتى من جبل طَيِّءٍ، أين يقع جبل طيء؟ بحائل، وجبل طيء لا زال معروفًا بهذا الاسم إلى الآن، أتى من حائل، من جبل طيء، ويقف على كل جبل، كل جبل يقف عليه قليلًا، فأتى يستفتي النبي ، فأخبره النبي عليه الصلاة والسلام بأن من شهد صلاة الفجر في مزدلفة، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تم حجه، فدل ذلك على أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، وأنه لا بد منه، لهذا؛ ذكره النبي هنا.
- الثالث: طواف الإفاضة؛ لقول الله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]. والمقصود بالطواف في الآية: طواف الإفاضة، وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: حاضت صفية بنت حُيَيٍّ بعدما أفاضت، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله فقال: أحابستنا هي؟. قلت: يا رسول الله إنها قد أفاضت، وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة، قال: فلْتَنْفِر إذَنْ [18]. متفق عليه.
فدل ذلك على أن هذا الطواف لا بد منه، وأنه حابس لمن لم يأت به، ولا يصح الحج إلا بهذا الطواف.
ولهذا؛ فإن المرأة إذا حاضت ولم تطف طواف الإفاضة بعد، فالأصل أنها تحبس محرمها معها، وتبقى حتى تطوف، هذا هو الأصل.
لكن الذي وقع في قصة صفية أنها إنما حاضت بعد طواف الإفاضة، وإذا حاضت بعد طواف الإفاضة ما بقي لها إلا طواف الوداع، وهو يسقط عن الحائض والنفساء.
لكن لو أنها حاضت قبل أن تطوف طواف الإفاضة، فإنها تبقى حتى تأتي به، تبقى حتى تطوف وتأتي به، هذا هو الأصل، الأصل أنها تحبس مَحرَمها حتى تطهر ثم تطوف بالبيت.
- الرابع: السعي بين الصفا والمروة؛ لقول عائشة رضي الله عنها: طاف رسول الله وطاف المسلمون -تعني: بين الصفا والمروة- فكانت سُنَّةً، ولعمري ما أتم الله حجَّ مَن لم يطف بين الصفا والمروة [19]. رواه مسلم.
فقولها: ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة. هذا دليل على أن السعي ركن.
ولحديث: اسعوا؛ فإن الله كتب عليكم السعي [20] رواه أحمد؛ ولأن السعي مرتبط بالطواف، سواء في العمرة أو في الحج، تجد أنه مرتبط بالطواف، وإذا كان الطواف ركنًا، فالسعي كذلك ركن من أركان الحج، فتكون أركان الحج أربعة:
- الإحرام.
- والوقوف بعرفة.
- والطواف.
- والسعي.
هذه هي أركان الحج، لا بد منها، لو فقد واحد منها لما صح الحج.
واجبات الحج
واجبات الحج سبعة:
- الأول: الإحرام من الميقات.
الفرق بين الإحرام، والإحرام من الميقات
ما الفرق بين هذا الواجب -الإحرام من الميقات- وبين ما ذكرناه في الأركان: الركن الأول الإحرام؟ ما الفرق بينهما؟
نعم يعني نية الدخول في النسك، هذه لا بد منها، لكن كونه يحرم من الميقات هذا واجب، فنية الدخول في النسك الذي هو الإحرام هذا ركن، لكن كون هذه النية من الميقات هذا واجب، ولذلك؛ لو جاوز الميقات بدون إحرام، تَرَك واجبًا، ولا يقال: ترك ركنًا؛ لأنه سوف يحرم بعد الميقات.
مثال ذلك: إنسان ذهب مثلًا يريد أن يعتمر أو أن يحج، ولم يحرم في الطائرة، مر بالميقات ولم يحرم حتى وصل إلى جدة، وأحرم من جدة، فهنا يكون قد ترك واجبًا، وهو الإحرام من الميقات، لكنه لم يترك الإحرام الذي هو ركن، أتى بنية الدخول في النسك لكنه ترك الإتيان بالإحرام من الميقات، فيكون قد ترك واجبًا، سنبين ما الذي يترتب على ترك الواجب.
- الثاني الوقوف بعرفة إلى الغروب لمن وقف نهارًا.
ما الفرق بين هذا الواجب وبين قولنا في أركان الحج: الوقوف بعرفة؟ نحن ذكرنا أن من أركان الحج: الوقوف بعرفة، وهنا تكرر معنا الوقوف بعرفة إلى الغروب، يعني لماذا تكرر معنا؟ ما الفرق بين هذا وبين ما ذكرناه في الأركان؟
نعم، الأركان الوقوف بعرفة لحظة، هذا لا بد منه، لكن كونه يستمر وقوفه إلى الليل هذا واجب، يعني لو وقف بعرفة لحظة من نهار أو من ليل، أتى بالركن، لكن إذا انصرف قبل غروب الشمس هنا أخل بواجب؛ لأنه يجب على من وقف بعرفة نهارًا ألا ينصرف ولا يدفع من عرفة إلا بعد غروب الشمس، حتى يجمع بين الليل والنهار.
فإذَنْ: إنسان لم يقف بعرفة أصلًا، نقول: لا حج له، إنسان وقف بعرفة، لكنه دفع قبل غروب الشمس، دفع بعد صلاة العصر، نقول: حجه صحيح، لكن ترك واجبًا، وهو أن يقف بعرفة إلى غروب الشمس، يعني استمرار الوقوف إلى غروب الشمس، وحينئذٍ يكون عليه دم لتركه هذا الواجب.
- الثالث من واجبات الحج: المبيت ليلة النحر بمزدلفة إلى ما بعد نصف الليل، وهي تسمى بالمشعر الحرام؛ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة: 198]، المقصود بالمشعر الحرام: يعني مزدلفة.
ولا بد من المبيت بها إلى ما بعد نصف الليل، والسنة لمن كان قادرًا: أن يقف بها إلى الفجر حتى يصلي صلاة الفجر، ويسفر جدًّا، ويدفع منها قبل طلوع الشمس.
أما الضعفة والمرافقون فيدفعون من مزدلفة آخر الليل، بعد منتصف الليل يجوز الدفع، والأفضل أن يكون بعد غروب القمر، وغروب القمر يكون بعد ثلثي الليل.
فإذَنْ المبيت بليلة النحر من مزدلفة هذا من واجبات الحج.
المقصود بالمبيت: المكث أيضًا، والوقوف بعرفة المقصود به: المكث، يعني ليس المقصود الوقوف بعرفة أنك تكون واقفًا، أو المبيت بمزدلفة أنه يكون نائمًا، ليس هذا بلازم، المقصود بهما المكث، يعني يمكث في عرفة، ويمكث في مزدلفة.
- الرابع من واجبات الحج: المبيت بمنى ليالي التشريق؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق.. [21] الحديث رواه أحمد وأبو داود.
ولأن النبي رخص لعمه العباس بترك المبيت بمنًى لأجل سقاية الحجاج [22]، والرخصة يقابلها العزيمة.
- الخامس: رمي الجمار مُرَتَّبًا، فيرمي يوم النحر جمرة العقبة بسبع حصيات؛ لأن النبي بدأ بها، ولأنها تحية منًى.
ويوم النحر لا يرمى إلا جمرة العقبة فقط، لا ترمى الصغرى ولا الوسطى؛ وإنما جمرة العقبة فقط.
لكن في أيام التشريق؛ الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، ترمى الجمرات الثلاث كلها.
ترمى كل يوم بعد الزوال، كل جمرة بسبع حصيات، يبدأ بالجمرة الأولى، وهي أبعدها من مكة وتلي مسجد الخيف، يعني من جهة مكة، هي في حدود منى، هي أبعدها من جهة مكة، من مكة يعني: من جهة مكة، ثم الوسطى، ثم التي من جهة مكة، وهي جمرة العقبة، يبدأ بالجمرة الأولى التي هي الجمرة الصغرى، الصغرى هي أبعدها من جهة مكة، وأقربها من جهة مزدلفة، تلي هذه الصغرى الوسطى، ثم العقبة، فالصغرى هي التي تلي مسجد الخيف، يعني عندما تأتي مسجد الخيف على يسارك وأنت متجه إلى مكة، تأتيك أول ما تأتيك الجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة.
جمرة العقبة: هي على حدود منًى من جهة مكة، يعني بعد جمرة العقبة خارج حدود منى؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي رجع إلى منًى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، يقف عند الأولى والثانية، ويطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها [23]. رواه أبو داود.
إذا رمى الجمرة الأولى، فالسُّنة -إن تيسر- أن يجعل منًى عن يمينه ومكة عن يساره، هذا هو الأفضل، هذه هي السنة، ثم يأخذ ذات اليمين ويستقبل القبلة ويدعو طويلًا، ثم يرمي الجمرة الوسطى، ويأخذ ذات الشمال ويستقبل القبلة ويدعو طويلًا، ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف ولا يدعو، قيل: الحكمة: هي ضيق المكان عند جمرة العقبة؛ لأن جمرة العقبة كانت ملتصقة بجبل إلى وقت قريب، كان المكان ضيقًا، وأزيل الجبل قبل نحو ثلاثين سنة أو أكثر، أزيل هذا الجبل، وأصبحت الآن كغيرها، لكن تبقى السنة كما هي، أي: أنه يقف عند الأولى ويدعو، ويقف عند الثانية، والثالثة لا يقف عندها ولا يدعو؛ لأن الحكمة هذه مستنبطة ليست نصية، قد يكون هناك حِكَم أخرى في كونه لا يقف عند الثالثة، ولا يدعو.
- الواجب السادس من واجبات الحج الحلق أو التقصير؛ لأن الله تعالى وصفهم بذلك، وامتنَّ به عليهم فقال: مُحَلِّقِينَ رُؤوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]. ولأن النبي أمر به، يعني الحلق، ودعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة واحدة.
ما هو الحلق؟ الحلق هو الذي يكون بالموس، والتقصير بالمقص.
والذي يكون بالماكينة هل هو حلق أو تقصير؟ حتى لو كان على رقم صفر.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 2783، ومسلم: 1864. |
---|---|
^2 | رواه مسلم: 233. |
^3 | رواه البخاري: 1521، ومسلم: 1350. |
^4 | رواه الترمذي: 810، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وابن ماجه: 2887. |
^5 | رواه البخاري: 1773، ومسلم: 1349. |
^6 | رواه ابن ماجه: 2901، وأحمد: 25322. |
^7 | رواه أبو داود: 1810، والترمذي: 930، والنسائي: 2637، وابن ماجه: 2906، وأحمد: 16184. |
^8 | رواه أحمد: 2867. |
^9 | رواه الطبراني في المعجم الأوسط: 2731. |
^10 | رواه مسلم: 1336. |
^11 | رواه البخاري: 1862. |
^12 | رواه البخاري: 1862، ومسلم: 1341. |
^13 | رواه مسلم: 1340. |
^14 | رواه البخاري: 1088، ومسلم: 1339. |
^15 | رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907. |
^16 | رواه الترمذي: 889، وابن ماجه: 3015، وأحمد: 18774. |
^17 | رواه أبو داود: 1950، والترمذي: 891، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنسائي: 3041، وابن ماجه: 3016، وأحمد: 16208. |
^18 | رواه البخاري: 4401، ومسلم: 1211. |
^19 | رواه مسلم: 1277 بنحوه. |
^20 | رواه أحمد: 27367. |
^21 | رواه أبو داود: 1973، وأحمد: 24592. |
^22 | رواه البخاري: 1634، ومسلم: 1315. |
^23 | سبق تخريجه. |