الرئيسية/دروس علمية/فقه النوازل/(2) فقه النوازل- مياه المجاري بعد معالجتها والتنظيف بالبخار
|categories

(2) فقه النوازل- مياه المجاري بعد معالجتها والتنظيف بالبخار

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

كنا قد تكلمنا في الدرس السابق عن الجانب التأصيلي لفقه النوازل، ونبدأ في هذا الدرس بدراسة بعض النوازل، ونبدأ بالنوازل المتعلقة بكتاب الطهارة، وبين أيدينا عدد من النوازل.

وسوف نبدأ إن شاء الله:

  • المسألة الأولى: حكم مياه المجاري بعد تنقيتها، ومعالجتها من حيث الطهارة والنجاسة.
  • المسألة الثانية: أثر التطهير بالبخار في إزالة النجاسة.
  • المسألة الثالثة: الأصباغ التي توضع على الشعر، حكمها وأثرها بالنسبة للطهارة.
  • المسألة الرابعة: الرموش الصناعية حكمها وأثرها على طهارة المرأة.

ونبدأ بالمسألة الأولى، وهي: مياه المجاري بعد معالجتها؛ فنقول:

المسألة الأولى: مياه المجاري بعد معالجتها

مياه المجاري في الوقت الحاضر أصبحت تعالج عبر عمليات كيميائية عن طريق أجهزة متقدمة، وقد ذكر أهل الاختصاص أنها تمر بعدة مراحل، تمر بأربعة مراحل، فتمر على ما ذكره أهل الاختصاص بالتنقية، ثم التهوية، وقتل الجراثيم، والتعقيم.

فهي تمر بهذه المراحل الأربع: الترسيب، والتهوية، وقتل الجراثيم، والتعقيم، هذه هي المراحل التي تمر بها مياه المجاري لتنقيتها، يقولون:

  • المرحلة الأولى: الترسيب.
  • الثانية: التهوية.
  • الثالثة: قتل الجراثيم.
  • الرابعة: التعقيم.

فإذا مرت هذه المياه بهذه المراحل الأربع: الترسيب، والتهوية، وقتل الجراثيم، والتعقيم، فإنه لا يبقى للنجاسة أي أثر، لا من جهة اللون، ولا من جهة الطعم، ولا من جهة الرائحة، فهل نقول: إن هذه المياه بعد هذه المعالجة أصبحت طاهرة يجوز التوضؤ بها؟

هذه في الحقيقة من النوازل، لأن هذه التنقية على هذا الوجه لم تكن معروفة من قبل، ولكن يمكن رد هذه المسألة إلى مسألة ذكرها الفقهاء المتقدمون، ذكرها فقهاؤنا رحمهم الله، وهي مسألة: هل يتعين الماء لإزالة النجاسة؟

وعلى ضوء هذه المسألة يمكن أن نعرف الحكم في هذه النازلة، فنريد أولًا نبحث هذه المسألة، وهي: هل يتعين الماء لإزالة النجاسة، أو أنه لا يتعين، فتزول النجاسة بأي مزيل؛ كالشمس والريح، ونحو ذلك؟ فنبحث إذن أولًا هذه المسألة المفرع عليها، ثم نعود لبيان حكم النازلة؛ فنقول:

هل يتعين الماء لإزالة النجاسة؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة، أعني: هل يتعين الماء لإزالة النجاسة، أو أنه لا يتعين؟ اختلفوا على قولين مشهورين:

القول الأول: أنه يتعين الماء لإزالة النجاسة، فلا تزول النجاسة بمزيل آخر غير الماء، وهذا القول هو المشهور من مذهب الحنابلة، وهو مذهب المالكية والشافعية.

واستدل أصحاب هذا القول بعموم الأدلة التي تدل على أن الماء مطهر ومزيل للنجاسة بعموم الأدلة التي تدل على أن الماء مطهر ومزيل للنجاسة، ومنها: قول الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48].

وكذلك ما جاء في الصحيحين في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فأمر النبي بأن يصب على بوله ذنوبًا من ماء، أو دلوًا من ماء.

وأيضًا هدي النبي ، فقد كان هديه في إزالة النجاسة أنه كان يزيلها بالماء، إلى غير ذلك مما ورد من أن النجاسة في عهد النبي إنما كانت تزال بالماء.

القول الثاني في المسألة: أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة، بل يمكن أن تزول النجاسة بأي مزيل، فكما أنها تزول بالماء، فيمكن أن تزول كذلك بالشمس، وبالريح، وبأي مزيل كان، وهذا هو مذهب الحنفية، وهو رواية عند الحنابلة، وقول عند المالكية والشافعية.

وهذا القول هو الذي عليه عامة المحققين من أهل العلم، وهو اختيار المجد ابن تيمية، وحفيده شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، رحمة الله تعالى على الجميع.

وهذا القول الأخير هو الأظهر في هذه المسألة، والله أعلم، وهو أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة، بل يمكن أن تزول النجاسة بأي مزيل كان، وذلك لأن الأصل في الأشياء الطهارة، وقد طرأت هذه النجاسة الخبيثة، فمتى ما زالت هذه النجاسة الطارئة بأي مزيل كان؛ عاد الشيء إلى طهارته.

ثم إن إزالة النجاسة من باب اجتناب المحظور، لا من باب فعل المأمور، واجتناب المحظور إذا حصل بأي سبب ثبت به الحكم، ولهذا فإنه لا يشترط لإزالة النجاسة النية، فلو نزل المطر من السماء على نجاسة، فإنها تزول.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من عمومات النصوص التي تدل على أن الماء مطهر وتزول به النجاسة، فغاية ما تدل له تلك الأدلة أن الماء مطهر، لكنها لا تدل على أن غير الماء ليس مطهرًا، هي صحيح تدل على أن الماء مطهر، لكنها لا تدل على أن غير الماء ليس مطهرًا.

فلو تأملنا في العمومات التي استدلوا بها: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48]، وما استدلوا به من عمومات الأدلة، فهي تدل على أن الماء مطهر، لكن أين الدلالة منها على أن غير الماء ليس بمطهر؟

ولهذا نقول: إن الصواب في هذه المسألة هو أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة، وأنها يمكن أن تزول بأي مزيل كان بالشمس وبالريح وبغيرها، وعلى ذلك ننزل هذه النازلة على هذه المسألة، فنقول: ما دمنا قد رجحنا أن النجاسة تزول بأي مزيل كان، فيمكن أن تزول النجاسة بمعالجتها بالطرق الكيميائية.

وحينئذ نقول: إن مياه المجاري بعد معالجتها تصبح من المياه الطاهرة؛ وذلك لأنها في الأصل مياه طاهرة، طرأت عليها نجاسة، ثم زالت هذه النجاسة بهذه الطرق الكيميائية بحيث لم يصبح لهذه النجاسة أثر من لون، أو طعم، أو رائحة، فتكون هذه المياه مياه المجاري طاهرة.

وهذا الحكم الذي ذكرته بحث في مجلس هيئة كبار العلماء قديمًا، وكذلك أيضًا بحث في مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، وكلا المجلسين: مجلس هيئة كبار العلماء، ومجلس مجمع الفقه الإسلامي قرر أن مياه المجاري إذا عولجت فإنها تكون طاهرة.

وبين يدي الآن قرار الهيئة، وقرار المجمع الفقهي، وهو القرار الخامس في الدورة الحادية عشرة المنعقدة في الثالث عشر من رجب ألف وأربعمائة وتسعة، جاء في القرار:

قرار المجمع الفقهي

وبعد مراجعة المختصين بالتنقية بالطرق الكيمياوية، وما قرروه من أن التنقية تتم بإزالة النجاسة منه على مراحل أربعة، وهي: الترسيب، والتهوية، وقتل الجراثيم، وتعقيمه بالكلور، حتى لا يبقى للنجاسة أثر في طعمه ولونه وريحه، وهم مسلمون عدول موثوق بصدقهم وأمانتهم، قرر المجمع ما يأتي:

أن مياه المجاري إذا نقي بالطرق المذكورة، أو ما يماثلها، ولم يبق للنجاسة أثر في طعمه، ولا في لونه، ولا في ريحه صار طهورًا يجوز رفع الحدث، وإزالة النجاسة به، بناء على القاعدة الفقهية التي تقرر أن الماء الكثير الذي وقعت فيه نجاسة يطهر بزوال هذه النجاسة منه، إذا لم يبق لها فيه أثر، والله تعالى أعلم.

قرار هيئة كبار العلماء

وأيضًا قرار هيئة كبار العلماء كان سابقًا لقرار المجمع الفقهي، وقرار هيئة كبار العلماء ذكروا التفريع على مسألة: إذا تغيرت النجاسة بغير الماء، فجاء فيها.. بناء على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا زال تغيره بنفسه، أو بإضافة ماء طهور إليه، أو زال تغيره بطول مكث وتأثير الشمس ومرور الرياح عليه، أو نحو ذلك، لزوال الحكم بزوال علته، حيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص منها بعدة وسائل.. إلخ.

لذا فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة، حيث تعود إلى خلقتها الأولى، لا يرى فيها تغير بنجاسة من طعم ولا لون ولا ريح، ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث، وتحصل الطهارة بها منها.

إذن هي مياه طاهرة يجوز استعمالها في الطهارة، يجوز التوضؤ بها، لكن هل يجوز استعمالها في الأكل والشرب؟

هنا في قرار الهيئة جاءت الإشارة في هذه المسألة: كما يجوز شربها، إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع ذلك محافظة على النفس وتفادي للضرر، لا لنجاستها، والمجلس إذ يقرر ذلك يستحسن الاستغناء عنها في استعمالها للشرب متى وجد إلى ذلك سبيل، احتياطًا للصحة، واتقاءً للضرر، وتنزهًا عما تستقذره النفوس، وتنفر منه الطباع.

إذن هذه المسألة كما ذكرنا هي الحكم في هذه المياه أنها تصبح مياه طاهرة يجوز التوضؤ بها، واستخدامها في الطهارة، ولكن الأولى على سبيل الأولوية فقط عدم استخدامها في الأكل والشرب احتياطًا، وأيضًا لأنها ربما تكون مما تتقذر منه بعض النفوس، هذا هو حاصل الكلام في هذه النازلة.

المسألة الثانية: التنظيف بالبخار

وننتقل بعد ذلك إلى النازلة الثانية، وهي: التنظيف بالبخار، أو ما يسمى بالتنظيف الجاف:

نقول: إن بعض الملابس كملابس الصوف والمشالح، وأنواع من الملابس يفسدها غسلها بالماء، وتغسل بالبخار، فلو افترضنا أن هذه الملابس وقع عليها نجاسة، هذا المشلح مثلًا، أو هذا اللباس من الصوف، ونحو ذلك، وقع عليها نجاسة، فغسلت بالبخار.

ومعلوم أنه عند الغسل بالبخار لا تغسل بالماء، وإنما تغسل بالبخار فقط، هل غسلها بالبخار كاف في إزالة النجاسة الواقعة عليها؟

نقول: أولًا: التنظيف بالبخار، أو ما يسمى بالتنظيف الجاف حقيقته: أنه عبارة عن إزالة النجاسة والأوساخ بمزيل سائل غير الماء، ثم استعمال بخار الماء، عند الغسل بالبخار يستخدم مزيل سائل غير الماء، ثم يستخدم بعد ذلك بخار الماء، وذلك كيفية ذلك: أن توضع بعض المركبات الكيميائية على الثوب المراد غسله لإزالة ما علق به من أوساخ أو نجاسة، وبعد وضع هذه المادة تغسل ببخار الماء غسلًا لا يصل إلى حد تقاطر الماء، وإنما بالبخار فقط.

ففي هذه الطريقة نلاحظ أنه ليس هناك غسل بالماء بالمعنى المعروف، وإنما يعني ليس هناك غسل بالماء بالمعنى الذي يصل إلى حد تقاطر الماء، وإنما توضع هذه المادة، ثم من بعدها يغسل بالبخار، فهل هذا يكفي لإزالة النجاسة؟

هذه المسألة في الحقيقة يمكن تفريعها على المسألة السابقة التي فرعنا عليها النازلة الأولى، وهي: هل يتعين الماء لإزالة النجاسة، أو لا يتعين؟

سبق أن ذكرنا خلاف الفقهاء في هذه المسألة، وأن القول الصحيح عند عامة المحققين من أهل العلم: أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة، وأن النجاسة عين خبيثة طارئة متى زالت بأي مزيل، فإنها يحصل بها إزالة النجاسة، وتحصل بها الطهارة التي هي الأصل في الأشياء.

وحينئذ نقول: إنه في هذه المسألة يحصل بهذا التنظيف بالبخار، يحصل إزالة النجاسة، والتنظيف بهذه الطريقة يطهرها من النجاسة، وتزول عين النجاسة بهذه الطريقة، ولو لم يحصل هناك غسل بالماء، فيكون الغسل بالبخار كاف في إزالة النجاسة الواقعة على اللباس.

وممن افتى بهذا من العلماء المعاصرين: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، فقد افتى بأن الغسل بالبخار كاف في إزالة النجاسة التي توجد على بعض الملابس.

هناك مسألة أخرى متفرعة عن هذه المسألة، وهي الأشياء التي وقعت عليها نجاسة، لكنه يضر غسلها بالماء، يحصل الضرر من غسلها بالماء، ونمثل لذلك مثلًا بالأوراق النقدية، معك في جيبك خمسمائة ريال وقعت عليها نجاسة، نفترض مثلًا أنها وقعت منك في دورة المياه، وأصابتها نجاسة، ماذا تعمل؟

لو غسلت هذه الخمسمائة ريال بالماء فلربما تلفت، وتركها إضاعة للمال، فنحن بين أمرين: إما أن تتركها فيكون هذا إضاعة للمال، وإما أن تغسلها فتتلفها بهذا الغسل، ومثل ذلك أيضًا: الأوراق المهمة لو كان معك مثلًا صك أو ورقة مهمة وقع عليها نجاسة، سقطت منك مثلًا في دورة المياه، وتيقنت أنها قد وقعت عليها نجاسة، فكيف تزيل هذه النجاسة؟

لو غسلتها لأتلفتها، فكيف تزال هذه النجاسة؟

نقول: هذه المسألة يمكن ردها إلى قاعدة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهي: أن الأشياء التي تتضرر باستعمال الماء يكفي فيها المسح، هذه القاعدة قررها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الأشياء التي تتضرر باستعمال الماء يكفي فيها المسح، ولا يلزم غسلها.

وبناء على ذلك نقول: في مسألتنا هذه الأوراق النقدية، أو غيرها من الأوراق المهمة إذا وقع عليها نجاسة، وكان غسلها بالماء يتلفها، فحينئذ يكفي فيها المسح، يكفي مسحها، ومسحها كاف في إزالة النجاسة الواقعة عليها، وهذا المسح في الواقع تزول به عين النجاسة، هذا حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة، نحن فرعنا هذه المسألة على القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ونقول: إن المسح يكفي في إزالة النجاسة في هذه الحال.

نعم، ودليله ما ذكرناه أن النجاسة إذا زالت بأي مزيل كان فإنها تزول، يقول: إن النجاسة هنا يمكن إزالتها عن طريق المسح.

المسألة الثالثة: أصباغ الشعر

النازلة الثالثة: متعلقة بالأصباغ أصباغ الشعر، ويتفرع عنها ما يسمى عند النساء بالميش، الميش الذي تستخدمه بعض النساء، وكذلك التشقير، فنبدأ أولًا بالكلام عن الأصباغ، ويمكن تقسيمها من حيث نوعية الأصباغ إلى ثلاثة أقسام، يمكن تقسيم الأصباغ من حيث نوعيتها إلى ثلاثة أقسام:

  • القسم الأول: أصباغ نباتية مثل الحناء.
  • القسم الثاني: أصباغ معدنية تحتوي على مركبات معدنية مثل: الكبريت والرصاص والنحاس، ونحو ذلك.
  • القسم الثالث: مبيضات الشعر، أو مشقرات الشعر: وهذه تتم عن طريق استخدام الأكسجين أو البروكسيد، هذه هي أقسام الأصباغ.

ومن حيث الطهارة يمكن تقسيمها إلى قسمين:

  • القسم الأول: أصباغ ذات لون فقط، وليس لها جرم.
  • القسم الثاني: أصباغ لها جرم.

أصباغ ذات اللون فقط

أما القسم الأول: وهو الأصباغ ذات اللون فقط، وليس لها جرم، فهذا هو الغالب على الأصباغ، وهذه الأصباغ التي لها لون، وليس لها جرم، وليس لها طبقة عازلة تمنع وصول الماء إلى الشعر، هذه لا تؤثر على الطهارة، سواء كانت الطهارة الصغرى أو الطهارة الكبرى.

وحينئذ فهي حكمها من حيث الطهارة أنها لا تؤثر على الطهارة، ومن أمثلة ذلك: لون الحناء إذا وضعت المرأة على رأسها حناء، فاكتسب لون الحناء، وكذلك أيضًا الأصباغ الأخرى التي تستخدمها النساء بحيث يتغير لون الشعر من لون إلى لون آخر، فهذه الأصباغ لا تؤثر على الطهارة.

الأصباغ التي لها جرم

أما القسم الثاني: وهي الأصباغ التي لها جرم أو طبقة بحيث تمنع وصول الماء إلى الشعر، فهذه يجوز استخدامها حتى يحتاج الإنسان إلى الطهارة الكبرى، فإذا احتاج إلى الطهارة الكبرى وجب إزالتها، فإن كانت مما لا يزول فليس له استخدامها أصلًا، إن كانت مما لا يزول فليس له استخدامها أصلًا؛ لأنها تمنع من وصول الماء إلى الشعر.

ونوضح هذا بمثال: مثلًا وضع الحناء الرطب على الشعر، عندما تضع المرأة على رأسها الحناء، ثم تلفه، ولنفترض أن هذه المرأة وضعت الحناء على رأسها في الليل، ثم أرادت أن تصلي صلاة الفجر، فعندما تتوضأ نقول: لا بأس أن تمسح من فوق الحناء، ولا يلزمها إزالة الحناء في الطهارة الصغرى، يعني: في الوضوء، وإنما تمسح من فوقه.

والدليل لذلك: ما جاء في الصحيحين: “أن النبي لبَّد شعر رأسه في حجة الوداع” [1]، والتلبيد: شيء شبيه بالصمغ أو العسل، وكان شعر النبي طويلًا، ومدة إحرامه عليه الصلاة والسلام كانت خمسة عشر يومًا، فإنه أحرم في الخامس والعشرين من ذي القعدة، وبقي على إحرامه إلى العاشر من ذي الحجة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان قارنًا، فلم يتحلل من إحرامه، فلبد شعر رأسه صيانة لشعره عليه الصلاة والسلام من الغبار والأوساخ ونحوها.

فكان عليه الصلاة والسلام خلال هذه المدة خمسة عشر يومًا كان يمسح على هذا التلبيد، فنقول: ما كان في معناه كالحناء ونحوه يجوز المسح عليه، ولا يلزم إزالته في الطهارة الصغرى، وأما في الطهارة الكبرى فلا بد من إزالته، ففي المثال السابق: إذا وضعت المرأة هذا الحناء على شعرها، نفترض أنها أرادت أن تغتسل غسل الجنابة، أو غسل الحيض، فلا بد أن تزيل هذا الحناء من على رأسها؛ لأنه يمنع وصول الماء إلى الشعر.

وهكذا ما كان في معنى الحناء من أصباغ ذات الطبقة السميكة، إذن هذا هو ما يتعلق بهذه الأصباغ من حيث الطهارة.

صبغة الميش

وننتقل بعد ذلك إلى مسألة متفرعة عن هذه المسألة، وهي ما يسمى بالميش: وهي صبغة مشهورة عند النساء، وقبل أن نبين الحكم نريد أن نعرف حقيقة هذه الصبغة، فنقول: إن أهل الاختصاص يقولون: إن هذه الصبغة هي عملية تقوم فيها المرأة التي تعمل الميش بسحب اللون من الشعر عن طريق الأكسجين، فإذا سحب اللون من الشعر، فإنه يصبح إما أبيض أو أصفر، ثم تختار المرأة ما أرادت من الألوان وتضعه على هذا الشعر.

ويقول أهل الاختصاص: إن الصبغة والميش يشتركان في أنهما يتمان عن طريق استخدام الأكسجين، إلا أن الصبغة تكون نسبة اللون أكثر من الأكسجين، بينما في الميش تكون نسبة اللون أقل من الأكسجين.

ونلاحظ هنا أنه ليس هناك طبقة عازلة لهذه العملية، وإنما المسألة كلها مسألة تغيير لون بسحب اللون الأصلي، ووضع لون آخر مكانه عن طريق استخدام الأكسجين وبعض المواد، فإذا فهمنا الميش بهذه الطريقة نستطيع بعد ذلك أن نعرف الحكم الشرعي فيه.

فنقول: إن الميش بهذا التوصيف لا بأس به؛ لأن الأصل في الزينة بالنسبة للمرأة الحل والإباحة، الأصل هو الحل والإباحة في هذا الباب إلا ما ورد الدليل بمنعه، والميش يكون بغير الأسود؛ لأنه في الحقيقة سحب للون الأسود في الشعر، ووضع لون آخر مكانه.

وحينئذ نقول: إنه من حيث الحكم لا بأس به، ومن العلماء المعاصرين من منع منه، وقال: إنه يمنع وصول الماء إلى الشعر، ولكن هذا محل نظر، إذ أنه من خلال ما ذكره أهل الاختصاص هو مجرد نزع لون من الشعر، ثم وضع لون آخر مكانه عن طريق الأكسجين، فالمسألة هي مسألة تغيير لون فقط، فليس هناك طبقة تمنع وصول الماء إلى الشعر، وهذا يؤكد ما ذكرناه في درس الأمس من أهمية تصور المسألة تصورًا صحيحًا.

إذ أنه على ضوء التصور الصحيح للمسألة يكون الحكم الشرعي، فأهل الاختصاص يذكرون أنه ليس هناك طبقة تمنع وصول الماء إلى الشعر، وإنما المسألة كلها مجرد سحب لون، واستبداله بلون آخر.

ولهذا نقول: إنه لا بأس به، ونقول أيضًا: إنه لا يمنع وصول الماء إلى الشعر، فلا يؤثر على الطهارة بالنسبة للمرأة.

تشقير الحاجب

وننتقل إلى مسألة أخرى متفرعة عن هذه النازلة، وهي ما يسمى بالتشقير، ما يسمى عند النساء بالتشقير، ويكثر سؤال النساء عن هذه المسألة التشقير، وإذا استمعت لأي برنامج استفتاء تجد أنه في الغالب لا يخلو من سؤال عن هذه المسألة.

صفة التشقير: أن تعمد المرأة إلى جزء من شعر الحاجب، وتصبغه بلون قريب من لون بشرة وجهها، بحيث يظن الرائي لهذه المرأة أنها نامصة، وأنها قد رققت حواجبها، وهي في الحقيقة لم تقص شيئًا من شعر الحاجب، ولكن اللون القريب من البشرة الذي وضعته على جزء من شعر الحاجب أخفى جزءًا من هذا الشعر، فأصبحت هذه المرأة المشقرة تشبه النامصة، فهل يعتبر هذا من النمص المحرم، وما أثره على الطهارة؟

أما أثره على الطهارة فظاهره أنه لا يمنع وصول الماء إلى البشرة، ولا إلى الشعر، فحكمه من حيث الطهارة الأمر فيه ظاهر، وأنه لا يمنع وصول الماء، هو لا يمنع وصول الماء مجرد تلوين فقط، مجرد تلوين يوضع على الشعر، فلا يمنع وصول الماء إلى الشعر، ولا إلى البشرة.

ولكن حكمه في الأساس: اختلف العلماء المعاصرون في حكمه على قولين، ومنشأ الخلاف في هذه المسألة بين العلماء راجع إلى مسألة أخرى، وهي: هل النمص يختص بإزالة الشعر فقط؟ هل النمص يختص بإزالة شعر الحاجبين فقط، أو أنه يشمل أيضًا ما كان في معناه؟

ومعلوم أن التشقير ليس فيه إزالة للشعر، وإنما فيه تلوين لبعض شعر الحاجب، فمن العلماء من قال: إن التشقير جائز، قالوا: لأنه ليس بنمص في حقيقة الأمر، فإن النمص: هو إزالة شعر الحاجب أو بعضه، وهذا ليس بمتحقق في التشقير، ومن أبرز من قال بهذا القول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.

والقول الثاني في المسألة: أن التشقير محرم؛ لأنه وإن لم تنطبق عليه حقيقة النمص، فليس فيه قص ولا أخذ لشعر الحاجب، إلا أنه في معنى النمص، فهو في الحقيقة حيلة على النمص.

ولهذا لا تكاد تفرق بين المرأة المشقرة والمرأة النامصة، وذكر أحد المشايخ أنه رأى امرأة من أقاربه مشقرة فأنكر عليها إنكارًا شديدًا، يظن أنها قد نمصت، وبين لها أن النمص من الكبائر، فأخبرته بأنه تشقير ولا بنمص، فتعجب وقال: إن من يرى المرأة مشقرة لا يفرق في الحقيقة بين المرأة المشقرة والمرأة النامصة.

قالوا: فيكون التشقير حيلة على النمص، والعبرة في الشريعة بالمعاني والمقاصد، ومن أبرز من أفتى بهذا القول وهو القول بالتحريم تحريم التشقير اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فقد أصدرت قبل سنوات فتوى بتحريم التشقير.

والأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة هو القول الثاني وهو تحريم التشقير؛ لأنه هو في معنى النمص حقيقة، وهو في واقع الأمر حيلة على النمص، بدل ما تزيل المرأة بعض شعر الحاجب حقيقة لجأت إلى هذه الحيلة، بحيث لا يفرق الرائي بين هذه المرأة النامصة، وبين هذه المرأة المشقرة.

والأصل في هذه الزينة التي تكون على هذا الوجه، الأصل فيها المنع، لهذا “لعن النبي النامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة، والفالجة والمتفلجة، الطالبات الحسن، المغيرات لخلق الله [2].

هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.

تلوين شعر الحاجب

هناك مسألة مرتبطة بهذه المسألة، وهي: تحديد الحاجب بقلم أسود، يعني عكس هذه المسألة، تحديد الحاجب بقلم أسود، فهذه المرأة لون شعر حاجبها أسود، لكنها فقط تريد زيادة تلوين شعر الحاجب.

فنقول: إن هذا لا بأس به؛ لأنه ليس بمعنى النمص، فإن النمص هو ترقيق شعر الحاجب، وهذا إنما هو فقط فيه زيادة تلوين شعر الحاجب، فليس في معنى النمص.

ولهذا نقول: إن تحديد الحاجب بقلم أسود إنه لا بأس به، لأنه في واقع الأمر إنما هو زيادة تلوين لشعر الحاجب.

المسألة الرابعة: الرموش الصناعية

المسألة الرابعة معنا في هذا الدرس، وهي المسألة الأخيرة: هي ما يسمى بالرموش الصناعية التي تستخدمها بعض النساء، وهي عبارة عن شعيرات رقيقة تصنع من بعض المواد البلاستيكية، وتلصق على الجفن بواسطة مادة لاصقة، وتسمى بالرموش الصناعية.

أما حكمها من حيث الطهارة، فهي في الواقع لا تمنع وصول الماء إلى داخل الأهداب، فإذا وضع عليها الماء فإن لها فتحات يصل منها الماء إلى رمش العين، فهي من حيث الطهارة، ومن حيث الوضوء والغسل، نقول: إن هذه الرموش لا تمنع من وصول الماء إلى الرمش.

ولكن يبقى السؤال عن حكم وضع هذه الرموش: هل تعتبر من قبيل الوصل المحرم، أم لا؟ وقد لعن النبي الواصلة والمستوصلة، وهذا اللعن يقتضي أن الوصل من كبائر الذنوب.

وقد جاء في صحيح البخاري: أن امرأة أتت النبي فقالت: يا رسول الله إن ابنتي زوجتها، وقد أصابتها الحصبة، فتمرق شعر رأسها، أفأصل شعرها؟ قال: لا، لعن الله الواصلة والمستوصلة [3]، وهذا يدل على الوعيد الشديد في الوصل، وأنه من كبائر الذنوب، حتى هذه المرأة التي أصابها المرض لم يرخص لها النبي لكي تتزين لزوجها، فما بالك بغيرها؟

فنقول: هل وضع هذه الرموش الصناعية يعتبر من قبيل الوصل؟

الظاهر -والله أعلم- أنها تعتبر من قبيل الوصل، لأنها تشبه في الحقيقة وصل الشعر بالشعر.

أقسام وصل الشعر

والوصل يمكن أن نقسمه إلى ثلاثة أقسام:

  • القسم الأول: أن يوصل الشعر بشعر طبيعي، وهذا محرم باتفاق العلماء،
  • القسم الثاني: أن يوصل الشعر بشيء آخر بعيد عن الشعر، لا يماثله ولا يشابهه؛ كأن يوصل بخيوط ونحوها، فهذا لا بأس به، ومن ذلك: ما تضعه بعض النساء على الشعر عند لفه وربطه بخيط ونحوه، فمثل هذه الخيوط التي يربط بها الشعر لا بأس بها، ولا تعتبر من الوصل، فهذان القسمان الحكم فيهما ظاهر.
  • القسم الثالث: أن يوصل بشيء يشبه الشعر وليس بشعر، كأن يكون مصنوعًا من البلاستيك ونحوه، فهو قريب من الشعر، ويشبهه في الهيئة والشكل، وإن كان ليس بشعر في حقيقة الأمر.

فهل نقول: إنه في حكم الوصل بالشعر الطبيعي؟ هذا محل خلاف بين العلماء، والأقرب والله أعلم أنه في حكم الوصل بالشعر الطبيعي؛ لأنه قريب من الوصل بالشعر الطبيعي، ويشابه الشعر في الهيئة وفي الشكل.

وتفريعًا على ذلك نقول: إن الرموش الصناعية هي والله أعلم في معنى الوصل المحرم، فيكون استخدامها محرمًا، فيكون استخدامها من قبل النساء محرمًا، وهذا كما ذكرنا الأصل في هذا هو الحديث الذي ذكرناه قبل قليل، وهو: “أن النبي لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والفالجة والمتفلجة، المغيرات للحسن”، فهذه عندنا فيها هذا الحديث وهو الأصل في هذا الباب.

فالنبي منع من استخدام الزينة على هذا الوجه، إما من جهة الوصل، أو من جهة الوشم، أو تفليج الأسنان أو بردها يعني بهذه الطريقة منع النبي من الزينة على هذا الوجه، ويدخل في ذلك والله أعلم ما يسمى بالرموش الصناعية فتكون من الوصل المحرم، هذه هي أبرز النوازل التي أردنا أن نطرحها في هذا الدرس.

ونكتفي بما ذكرناه في هذا الدرس، والله تعالى أعلم.

الأسئلة

السائل: فيقول: ذكرتم أن مجمع الفقه أصدر مائة قرار، فهل هذه القرارات منذ تأسيسها…؟

الشيخ: لا، هو منذ تأسيسه، مائة قرار منذ تأسيسه؛ لأنه في كل دورة يصدر خمسة إلى ستة، أو سبعة قرارات، فهو في الحقيقة منذ تأسيسه أصدر مائة قرار، في الدورة الأخيرة أصدر خمسة قرارات.

السائل: قال: رجل يريد أن يعمل، وهو بحاجة إلى العمل، لكن يشترط أن يقضي الجيش، ومن شروطه حلق اللحية، ولكن فيه شيء آخر يدفع رشوة، ويأخذ ورقًا من الجيش، فماذا يفعل؟

الشيخ: السؤال يعني فيه إجمال، ولكن حلق اللحية لا شك أنه محرم، وكذلك بذل الرشوة محرم، ولذلك إذا كان لا يستطيع أن يجد عملًا إلا عن طريق التحاقه بالجيش، واشترطوا هذا الشرط، فإنه ينبغي أن يسعى، يعني أهل الخير، خاصة في البلاد الإسلامية، إلى إقناع المسؤولين بإزالة هذا الشرط، وينبغي أن يكون لأهل الخير مبادرة في ذلك، وخاصة أن مثل هذه الشروط مع الأسف إنما تكون يعني في بعض البلاد الإسلامية.

ولهذا فإن عليهم مناصحة هؤلاء المسؤولين، حتى لا يلزموا الناس بهذا الشرط، ولكن إذا وصلت المسألة إلى حال الضرورة، فالضرورات تبيح المحظورات إذا وصل الأمر إلى حال الضرورة.

وأما بذل الرشوة فإنه أيضًا لا يجوز، لا يجوز أن يبذل رشوة لأجل هذا، والرشوة بذلها وأخذها من كبائر الذنوب: “لعن النبي الراشي والمرتشي” [4]، إلا إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى حقه إلا ببذل الرشوة.

فمن العلماء من أجاز بذل الرشوة في هذه الحال، ويكون الإثم على الآخذ، وأبرز من قال بهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يكون الإثم في هذه الحال على الآخذ، لكن هذه يعني أيضًا مقدرة بالحالات الخاصة، وهي إذا كان للإنسان حق عند آخر، ولم يستطع الوصول إلى حقه إلا بهذه الطريقة.

فحينئذ إذا بذل مالًا لأجل الوصول إلى حقه؛ فإن الإثم يكون على الآخذ فقط، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.

السائل: هناك نازلة كان من العلماء السابقون يحرمها، فأما الآن فالقليل من يحرمها، فهل أتى ذلك من ضغط الواقع، أم هناك شيء آخر، وهي نازلة التصوير؟

الشيخ: هذه إن شاء الله سنتكلم عنها في درس من الدروس، وسنفصل الكلام فيها، ونذكر أولًا تصويرها يعني المسألة، وبيان حقيقة التصوير، ثم تكييفها من الناحية الفقهية، ثم بيان آراء العلماء المعاصرين فيها، ثم القول الصحيح فيها، فنرجئ الإجابة عن هذا السؤال للدرس القادم نتكلم فيه إن شاء الله بالتفصيل عن التصوير، سواء كان التصوير فوتوغرافيًّا أو تلفزيونيًّا، سوف نبين ذلك إن شاء الله في أحد الدروس.

السائل: هناك من يقول: إن المرافق العامة للحدائق، وغيرها من مياه المجاري المكررة، فما العمل؟

الشيخ: إذا أردنا الوضوح نقول: إن مياه المجاري إنها طاهرة بعد تكريرها طاهرة، سواء صح ما ذكر الأخ أو لم يصح، فلا بأس بالوضوء من مياه الحدائق.

السؤال من إسحاق من فرنسا: من نمصت وهي لا تعلم الحكم، ماذا تصنع الآن؟

الشيخ: تتوب إلى الله ، النمص من كبائر الذنوب، ومع الأسف منتشر في أوساط النساء، هذا من المنكرات المنتشرة في أوساط كثير من النساء، وهو من كبائر الذنوب، وبعض النساء يعني تستهين بهذه المسألة، ولكن هو معدود عند أهل العلم من كبائر الذنوب، ويتعين على ولي أمرها من زوج أو أب أن يمنعها عن هذا المنكر.

السائل: عرفنا الحكم من التشقير، فهل أمنع الزوجة؟

الشيخ: نعم، هذا وليها يمنعها عن المحرمات، ونحن ذكرنا أن القول الصحيح للتشقير أنه في معنى النمص.

السائل: ما حكم حلق الشعر الموجود بين الحاجبين؟

الشيخ: لا بأس به -والله أعلم- على الصحيح في قولي العلماء أنه لا يدخل في النمص، خاصة إذا كان مشوهًا، والمسألة محل خلاف: من أهل العلم من اعتبره من النمص، ومنهم من لم يعتبره، والأقرب أنه لا يدخل في النمص.

السائل: أليس الميش محرمًا؛ لأن فيه تشبهًا بالكافرات؟

الشيخ: أولًا: لا بد أن نعرف ضابط التشبه بالكفار، ليس كل مسألة يقال فيها تشبه بالكفار، ما هو ضابط التشبه بالكفار؟ ضابط التشبه بالكفار أن نفعل ما هو من خصائصهم، ما يختص به الكفار، بحيث يعرف أن هذا الشيء خاص بالكفار، مثل مثلًا لبس القبعة المعروفة عند اليهود، أو لبس الصليب، أو نحو ذلك من أمور يختص بها الكفار، أما الشيء الشائع المشترك بين الكفار والمسلمين لا يُقال إن فيه تشبهًا، فلا يقال مثلًا: إن ركوب السيارة فيه تشبهًا بالكفار؛ لأن الكفار هم أول من ركب السيارة.

فالمقصود أن الشيء المشترك بين المسلمين والكفار لا يقال: إن فيه تشبهًا، ولهذا حتى في الوقت الحاضر لبس البنطال لا يعتبر تشبهًا بالكفار؛ لأنه أصبح شائعًا بينهم، ومشتركًا بين المسلمين والكفار.

السائل: هل تغيير الشعر يدخل في حديث: المغيرات لخلق الله؟

الشيخ: أما تغييره بغير الأسود فلا يدخل، تغييره بغير الأسود لا بأس به ولا يدخل، أما تغييره بالأسود فهو محل خلاف بين أهل العلم، فمن أهل العلم من قال: إنه محرم؛ لحديث: غيروا شعر هذا، وجنبوه السواد [5]، وهو في “صحيح مسلم”، ومن أهل العلم مَن أجاز ذلك، والأقرب هو المنع، والذي يفتي به مشايخنا: الشيخ عبدالعزيز بن باز، ومحمد بن عثيمين رحمهما الله تعالى، والأقرب هو أنه لا يجوز تغيير الشعر بالسواد لهذا الحديث.

وهذا أيضًا سؤال آخر: هل يعتبر تغيير لون الشعر من الأسود إلى الأصفر من تغيير خلق الله؟

الشيخ: نقول: ليس هو من تغيير خلق الله، ولا بأس به.

السائل: ما معنى الجرم المذكور في أنواع الأصباغ… الطبقة العازلة؟

الشيخ: يعني الجرم هي الطبقة السميكة تمنع وصول الماء إلى البشرة، يعني مثلًا الطلاء التي تضعه بعض النساء على الأظفار، الطلاء التي تضعه بعض النساء على الأظافر، تسميه بعض النساء بالمناكير، هذا يمنع وصول الماء إلى الأظافر.

ولذلك يجوز للمرأة أن تستخدمه، لكن عند الوضوء تحكه، أو مثلًا يجوز للمرأة أن تستخدمه أثناء فترة الحيض باعتبار أنها لا تصلي، لكن إذا أرادت الوضوء فلا بد من حكه؛ لأنه يمنع وصول الماء إلى الأظافر، فهذا هو المقصود بالطبقة العازلة.

السائل: ذكرتم في الدرس الماضي منهج التساهل والانحلال من الأمثلة المختلط ولو كان يسيرًا.. أنه من منهج التساهل والانحلال.

الشيخ: لم أذكر هذا مثالًا للتساهل والانحلال، ولكن لعله اختلط على الأخ السائل، الذي ذكرته مثالًا للتساهل هو أخذ غرامة على تأخير سداد الدين في بعض البنوك، بعض البنوك إذا تأخر المدين في سداد الدين الذي عليه، يحتسبون عليه غرامة، يسمونها غرامة تأخير، وهذه الغرامة لا تجوز، هذه غرامة عندي أنها في حكم الربا الصريح.

بل إنه على مدار أربعة عشر قرنًا لا يوجد أحد الفقهاء، لا يوجد عالم من العلماء أجازها، وإنما أجازها من أجازها من بعض العلماء المعاصرين، وأول من تكلم فيها وأجازها الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله، ثم تبعه بعض العلماء المعاصرين.

وقد بحثتها بتوسع هذه المسألة في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة قبل عددين، تجدونها في بحث بعنوان: الزمن في الديون، وهذه المسألة يعني بالذات بحثتها وخرجت إلى القول بتحريمها، هذا يعني ذكرته كمثال للتساهل.

ومن ذلك أيضًا: أخذ ما يسمى برسوم إدارية على القروض، بعض البنوك تمنح قروضًا، يعطوك مثلًا عشرة آلاف ريال، لكن يقولون: نأخذ منك رسمًا قدره مائتا ريال، أو يقل قليلًا، أو يزد قليلًا، تدفع كل شهر، هذا لا يجوز، هذا من الربا الصريح، أنا أعتبره من الربا الصريح، فهو فقط قرض ربوي إلا أنه غُطي بهذا الغطاء، وسمي الربا برسوم إدارية، هذه الأمثلة التي ذكرتها للانحلال.

أما مسألة الشركات المختلطة ففيها خلاف بين أهل العلم، خلاف مشهور بين أهل العلم، ومن قال بالجواز لا يقال: إنه سلك مسلك التساهل والانحلال؛ لأن الخلاف فيها قوي أيضًا، الخلاف في هذه المسألة خلاف قوي، سبق أن تكلمنا عنها في الدورة الماضية بالتفصيل.

السائل: هل تطويل الشعر من السُّنة؟

الشيخ: هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والأقرب -والله أعلم- أن تطويل الشعر مثل لبس العمامة، ولبس الإزار والرداء، ونحو ذلك، وأن هذه الأمور ترجع إلى عادة الناس في مجتمعاتهم، فإذا كان من عادة الناس تطويل شعورهم، فيطول الإنسان شعره، وإذا كان من عادتهم عدم التطويل، كما هو عليه الآن في مجتمعنا.

فلا نقول: إن تطويل الشعر من السنة، بل ينبغي أن نتبع عادة الناس في هذا، لأن هذه الأمور من قبيل العادات، هذه الأمور من قبيل العادات، هذا هو الأقرب والله أعلم في هذه المسألة، خاصة إذا كان أهل البلد على عدم تطويل الشعر، فكون الإنسان يطول شعره ربما يؤدي بهذا إلى أن يكون شهرة، أن يكون تطويله للشعر شهرة، ونجد أنه قد ورد من النصوص ما يدل على منع الشهرة، وقد نهى النبي عن لباس الشهرة الذي يتميز به الإنسان بين سائر الناس.

فالأقرب -والله أعلم- أنه يتبع عادة مجتمعه في هذا، سواء كان من جهة لبس العمامة، أو من جهة تطويل الشعر، الحكم فيهما واحد فيما يظهر، والله أعلم.

السائل: قال: نحن هنا نقول: هناك دليل أيضًا لمن سقط منه نقود، ووقعت عليها نجاسة، أنه يمكن إزالة النجاسة بالشمس، فمن وقعت منه أوراق مهمة يمكن أن يعرضها للشمس.

الشيخ: لكن يمكن تطول المدة وهي ما زالت النجاسة، على كل حال يكفي فيها المسح، لكن لو يعني أنه وضعها في الشمس، وضعها تحت الشمس وزالت النجاسة لكفى ذلك، إذا زالت النجاسة بأي سبب فإنها تزول.

إذا ثبت أضرار طبية للميش وتقصف للشعر وغيره، إذا ثبت أن هناك أضرار من أي شيء، سواء من الميش أو من غيره، فإنه يمنع منه الإنسان؛ لأن هذه الشريعة أتت بتحصيل المصالح وبدفع المفاسد والمضار التي تحصل للإنسان.

لكن الذي يظهر حسب ما يذكره المختصون أنه ليس هناك يعني أضرار كبيرة من هذه العملية.

السائل: أنا أنتف من حاجبي، فهل هذا جائز؟

الشيخ: هذا هو النمص، النتف من شعر الحاجب، سواء كان نتفًا أو قصًا هذا هو النمص المحرم.

السائل: وهذا يقول: أن الضرورة تبيح المحظور وأن حلق.. يعني بمسألة حلق اللحية، هل يعني نقول: إنه جائز عند الضرورة؟

الشيخ: نحن نقول: حلق اللحية محرم، لكن إذا ابتلي الإنسان بأن كان في مجتمعات، كان بين أمرين: بين أن يبقى عاطلًا عن العمل، وربما يترتب على ذلك مفاسد أخرى، وبين أن يعمل ويتقي الله تعالى ما استطاع.

فالذي أرى في مثل هذا أنه يدخل في العمل، ويتقي الله تعالى ما استطاع، مع بذل النصيحة للمسؤولين، وهذا التوجيه الذي نسمعه من بعض مشايخنا في مثل هذا، وهو أن الإنسان يدخل في العمل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويبذل النصيحة، ويتقي الله تعالى ما استطاع.

السائل: هذا يقترح التوسع في نوازل الزكاة.

الشيخ: لعلنا إن شاء الله تعالى نعرض لبعض النوازل المتعلقة بالزكاة إن شاء الله تعالى في دروس قادمة.

السائل: أليس صبغ الشعر بألوان غير لونه الأصلي تغيير لخلق الله؟

الشيخ: لا، ليس تغييرًا لخلق الله، صبغ الشعر بغير لونه هو مجرد تغيير للون، فليس فيه تغييرًا لخلق الله تعالى.

السائل: ما حكم المضاربة في الأسهم النقية، وهل عليها زكاة؟

الشيخ: ما يسمى بالأسهم النقية، أو الشركات التي خلت قوائمها من التعاملات المحرمة لا بأس بالدخول فيها، مضاربة واستثمارًا، ولكن ينبغي أن يتصدق من يدخل فيها بشيء من الربح؛ إبراء للذمة، لأنه لا يكاد توجد شركة نقية مائة بالمائة.

وقد ذكر النبي أن التجارة يشوبها ما يشوبها، وأمر التجار بالصدقة، فقال: يا معشر التجار إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا، إلا من اتقى وبر وصدق، فشوبوا أموالكم بالصدقة [6]، أخرجه الترمذي وغيره، وهو حديث صحيح، فأمر النبي من يتعامل بالتجارة بأن يكثر من الصدقة، وأن يخلط ماله بالصدقة، وظاهر هذا أن هذه الصدقة تجبر بعض الخلل الواقع في تلك التعاملات التجارية.

ولهذا نقول: من يدخل في هذه الشركات النقية، فعليه أيضًا أن يتصدق بشيء من الربح، أخذًا من قول النبي : فشوبوا بيعكم بالصدقة [7].

وأما بالنسبة للزكاة فزكاة الأسهم: إن كان المتعامل بالأسهم مستثمرًا، فإن زكاة الشركة تكفي، والشركات المساهمة عندنا في المملكة العربية السعودية تدفع زكواتها إلى مصلحة الزكاة والدخل، وتلزم بذلك إلزامًا، وتحول زكواتها إلى مصلحة الزكاة والدخل التي تصرفها مباشرة للضمان الاجتماعي.

ولهذا لا يجوز أن يأخذ أحد من الضمان الاجتماعي، إلا إذا كان مستحقًا للزكاة، وفي السنوات الأخيرة أصبح يخصص حساب بحيث تؤخذ الزكوات من الشركات المساهمة مباشرة وتوضع في حساب الضمان الاجتماعي.

فالشركات الموجودة في المملكة هي تخرج زكواتها، ولهذا من كان مستثمرًا وليس مضاربًا، يعني مستثمرًا فقط يريد الاستفادة من الريع ومن الربح، فهذا تكفي زكاة الشركة، ولا يلزم بأن يخرج الزكاة مرة أخرى.

أما إذا كان مضاربًا يبيع ويشتري في هذه الأسهم، فهذه عروض تجارة، وحينئذ يجب عليه أن يزكي قيمتها، فإذا كان مضاربًا فإنه يزكي هذه الأسهم بكل حال، وأما إذا كان مستثمرًا فتكفي زكاة الشركة، تكفي زكاة الشركة، يعني هذا الكلام نقوله لمن كان داخل المملكة باعتبار أن الشركات ملزمة بدفع زكواتها، أما يعني من كان خارج المملكة فلا بد من أن يزكي الأسهم، حتى لو كان مستثمرًا إذا كانت الشركة لا تدفع الزكاة عنه.

هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 بنحوه رواه البخاري: 5914، ومسلم: 1184.
^2 رواه ابن ماجه: 1989، وبنحوه رواه البخاري: 4886، ومسلم: 2125.
^3 رواه البخاري: 5941، ومسلم: 2122.
^4 رواه أبو داود: 3580، والترمذي: 1337، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
^5 رواه مسلم: 2102.
^6 بنحوه رواه الترمذي: 1208، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنسائي: 3797.
^7 سبق تخريجه.
مواد ذات صلة