ننتقل بعد ذلك للتعليق على “السلسبيل في شرح الدليل”، في هذا الدرس الرابع والثمانين، في هذا اليوم الاثنين، الثاني من شهر ذي القعدة من عام (1444 هـ).
دية الشجة والجائفة
كنا قد وصلنا إلى قول المصنف رحمه الله: “فصلٌ في دية الشَّجَّة والجائفة”.
تعريف الشجة
قال:
الشَّجَّة: اسم لجرح الرأس والوجه.
هذا التعريف من المؤلف للشجَّة، والمؤلف أحيانًا يأتي ببعض التعريفات، وهذه من مميزات “الدليل”، فعرَّف المصنف الشجَّة بأنها: اسم لجرح الرأس والوجه خاصةً.
أما إذا كان الجرح في غير الرأس والوجه، فهي لا تُسمى: شجَّة، ولا تدخل في الشجاج، وإنما تسمى: جرحًا.
فإذا قيل: شجَّةٌ، إذنْ اسمٌ للجرح في الوجه والرأس خاصةً.
مقادير ديات الشجاج
قال:
وهي خمسةٌ:
وفي بعض نُسَخ “دليل الطالب”: “وهي عشرٌ”، اختلفت النسخ، هل أحدٌ منكم عنده في نسخته: “عشرٌ”؟
على كل حالٍ: النسخة المشهورة هي: “خمسةٌ” في النُّسَخ المطبوعة، لكن في بعض النسخ: “عشرٌ”.
والشِّجاج المنقولة عن العرب عشرٌ، ذكر المؤلف منها خمسًا، ونذكر خمسًا أخرى.
الخمس الأولى التي لم يذكرها المؤلف؛ منها: الحارصة والبازلة والباضعة والمتلاحمة والسِّمْحاق.
- الأولى: الحارصة، والحارصة: هي التي تَشق الجلد ولا تُدْمِيه، يعني: لا يسيل منه الدم، وتسمى: القاشرة.
- الشجة الثانية: البازلة، وتسمى: الدامية، تشق الجلد وتُدْميه، ويخرج منه قليلٌ من الدم، تسمى: البازلة أو الدامية.
- الثالثة: الباضعة، التي تشق اللحم بعد الجلد، سميت الباضعة؛ لأنها تبضُع اللحم وتشقه.
- الرابعة: المتلاحمة، التي تغوص في اللحم، الغائصة في اللحم؛ ولذلك سميت: متلاحمةً.
- الخامسة: السِّمْحاق، يعني: التي تصل إلى القشرة، تسمى: السِّمحاق، وهذه القشرة قشرةٌ رقيقةٌ ما بين الجلد والعظم؛ تسمى: السِّمحاق.
فالدية في هذه الجراحات الخمس غير مقدَّرةٍ عند الفقهاء السابقين، وإنما يقولون: فيها حكومة، والحكومة معناها: أن يُقدَّر المجني عليه كأنه عبدٌ قبل الجناية وبعد الجناية.
إذا قيل: “حكومةٌ”، عند الفقهاء المقصود: أن يُقدَّر المجني عليه كأنه عبدٌ، فيُقدَّر قبل الجناية وبعد الجناية، فتكون الحكومة بقدر التفاوت بينهما، وهذا في الوقت الحاضر أصبح متعذِّرًا؛ لانقراض الرِّق وعدم وجود العبيد، وأصبح الرِّق الآن كما ترون مجرَّمًا في جميع دول العالم، بل ملاحقًا في جميع دول العالم بلا استثناءٍ، يعتبرونه منافيًا لحقوق الإنسان، وجميع دول العالم تُجرِّم من يمارس الرِّق.
فالرِّق الآن منقرضٌ، ولذلك ذهب بعض الفقهاء؛ لأنه في الوقت الحاضر تُقوَّم هذه الشِّجاج من أهل الخبرة بأقرب الجراحات التي ورد تقديرها في الشرع، فمثلًا: هذه الجراحات الخمس أقرب ما ورد تقديره في الشرع: هي المُوضِحة التي وردت في كتاب عمرو بن حزمٍ: وفي المُوضِحة خمسٌ من الإبل [1].
فمعنى ذلك: أن هذه الجراحات تُقدَّر بأقل من خمسٍ من الإبل، فمثلًا: يمكن أن يكون السِّمحاق أربعًا من الإبل التي قبلها، قلنا: المُتلاحمة تكون مثلًا بثلاثٍ من الإبل، الباضعة تكون باثنين، البازلة تكون بواحدٍ، الحارصة تكون بأقل، فهذا هو الذي عليه العمل، وهو أنها تُقدَّر بأقرب ما ورد تقديره في الشرع.
ولكن الفقهاء يقولون: إن هذه الجراحات الخمس لا قصاص فيها؛ وذلك لعدم أمن الحيف، وذكرنا في الدروس السابقة أن هذا كان في زمن الفقهاء السابقين.
أما في وقتنا الحاضر فيمكن القصاص مع أمن الحيف عن طريق الأطباء، فيمكن أن يقال للطبيب: نريد أن المجني عليه يفعل بالجاني مثل ما فعل الجاني، فالطبيب يقيس مقدار الجرح، ويطلب من المجني عليه أن يفعل بالجاني مثل ما فعل، ويمكن تحقيق هذا بدقةٍ كبيرةٍ، مثل: السِّمحاق بالإمكان عن طريق الطب الحديث أن القصاص يمكن؛ ولذلك أصبحت الآن الجراحات التي يذكر الفقهاء: أنها لا قصاص فيها، نقول في وقتنا الحاضر: إنه يشرع فيها القصاص، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا؛ ولهذا طالب العلم ينبغي أن ينتبه لهذا الفرق، يعني: لا يعتمد على كلام الفقهاء السابقين ويطبقه في الوقت الحاضر، الفقهاء السابقون قالوا: إنه لا يمكن القصاص فيها؛ لعدم أَمْنِ الحَيْف، طيب، في وقتنا الحاضر يُؤمَن الحيف، ويمكن القصاص فيها، والحكم يدور مع علته.
ونحن ذكرنا أيضًا في الدرس السابق أن القول الراجح: أنه يشرع القصاص في اللطمة والضربة والصفعة، مع أن هذه تحقيق المماثلة فيها صعبٌ، ولكن قلنا: يكفي المقاربة.
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للخمس الشِّجاج الأخرى، طبعًا هنا لو قلنا: إن مثلًا السِّمحاق، لو قلنا: فيها أربعٌ من الإبل، وأردنا أن نحولها بالريالات كم؟ قلنا: الواحدة من الإبل إذا كانت ثلاثمئة ألفٍ، كم تكون الواحدة؟ ثلاثة آلافٍ، طيب، إذا قلنا: في السِّمحاق أربع من الإبل؛ يكون اثني عشر ألفًا، طيب، لو قلنا مثلًا: في المتلاحمة ثلاثٌ من الإبل؟ تسعة آلافٍ، وهكذا، فأصبح الآن معرفة ديات هذه الجراحات سهلًا بهذه الطريقة.
المُوضِحة والهاشمة والمُنَقِّلة والمأمومة والدامغة
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للجراحات الخمس الأخرى: وهي المُوضِحة والهاشمة والمُنَقِّلة والمأمومة والدامغة.
قال:
أحدها: الموضحة.
وعرفها المصنف “المُوضِحة”، قال:
التي تُوضِح العظم وتُبرِزه، وفيها نصف عُشْر الدية: خمسة أبعِرَةٍ.
تذكرون في الدرس السابق، قلنا: المُوضِحة فيها قصاصٌ؛ لأنه يمكن الاستيفاء مع أَمْنِ الحَيْف، لكن لو أن المجني عليه اختار الدِّيَة، فالدِّيَة فيها خمسٌ من الإبل، وهذه قد وردت في كتاب عمرو بن حزمٍ: وفي المُوضِحة خمسٌ من الإبل [2].
وذكرنا أيضًا في درس سابق: أن معظم الأحاديث الواردة أصلًا في كتاب الدِّيَات ضعيفةٌ من جهة الإسناد، ولكن علماء الأمة عملوا بها، هذا يدل على أنه أحيانًا يُمكن العمل بالحديث الضعيف، ولا يسع طالب العلم إلا ذلك.
أما الذي سيأخذه بمعايير صارمةٍ، يقول: لن أعمل إلا بحديثٍ صحيحٍ تواجهه مثل هذه المسائل، كيف يعمل بها؟ ماذا يعمل بها؟ فلا بد من العمل بالحديث الضعيف، المهم أن تكون الأمة قد عملت بذلك، والأئمة قد عملوا به.
فالمُوضِحة وردت في كتاب عمرو بن حزمٍ وهو ضعيفٌ من جهة الإسناد، لكن الأمة تلقته بالقبول.
فإذنْ المُوضِحة فيها خمسةٌ من الإبل.
قال:
فإن كان بعضها في الرأس وبعضها في الوجه؛ فمُوضِحتان.
يعني: لو كان هناك شجَّة في الرأس، وشجَّة في الوجه: موضحتان، معنى ذلك: يكون فيها عشرٌ من الإبل.
الثاني: الهاشمة.
ثم وضح المؤلف الهاشمة، قال:
التي تُوضِح العظم وتَهْشِمه، وفيها: عشرة أبعِرَةٍ.
يعني: تُوضِح العظم، وأيضًا تَهْشِمه، يعني: تكسر العظم، فهذه فيها: عشرٌ من الإبل؛ لأنه مرويٌّ عن زيد بن ثابتٍ، ولا يُعرف له مخالفٌ.
الثالث:
من الشِّجاج.
المُنَقِّلة.
الثالثة، وعلى ترتيبنا الثامنة: المُنَقِّلة، وهي: التي تُوضِح العظم وتَهْشِمه وتَنقِله أيضًا وهذه فيها:
خمسة عشر بعيرًا.
وجاءت منصوصًا عليها في كتاب عمرو بن حزمٍ.
الرابع: المأمومة.
وهي على ترتيبنا التاسعة، المأمومة يعني:
التي تصل إلى جلدة الدماغ.
فجلدة الدماغ تسمى: المأمومة أو الآمَّة، وهذه:
فيها ثلث الدية.
وهذه أيضًا قد وردت في كتاب عمرو بن حزمٍ.
الخامس: الدامغة.
وهي العاشرة على ترتيبنا، الدامغة يعني:
التي تخرق الجلدة.
يعني: تصل للجلدة وتخرقها، وتسمى: الدامغة؛ لأنها تصل للدماغ، فهذه:
فيها الثلث.
وهذه لم يذكرها فقهاء الحنابلة المتقدمون؛ لمساواتها للمأمومة، فإن في كل منهما ثلث الدية، لكن ذكرها بعض الفقهاء المتأخرين، ومنهم المؤلف.
والفرق بين الدامغة والمأمومة: أن الدامغة أبلغ من المأمومة، المأمومة تصل إلى جلدة الدماغ ولا تخرقه، أما الدامغة تصل إلى جلدة الدماغ وتخرقه، ومع ذلك ديتهما واحدةٌ: وهي ثلث الدية.
وبعض الفقهاء قال: لا نجعل ديتهما واحدةً؛ للفرق بينهما، فقالوا: الدامغة فيها حكومةٌ، ولكن الأقرب أن الدامغة فيها: ثلث الدية، فهذه ديات الشِّجاج.
مقدار دية الجائفة
ثم انتقل المؤلف للكلام عن دية الجائفة، قال:
وفي الجائفة ثلث الدية.
ما هي الجائفة؟ عرَّفها المؤلف قال:
وهي كل ما يصل إلى الجوف؛ كبطنٍ وظهرٍ وصدرٍ وحلقٍ.
يعني: كل ما يخرق الإنسان ويصل إلى جوفه؛ كأن يخرق مثلًا البطن أو الظهر، مثلًا: إنسانٌ أطلق على آخر مسدسًا، وخرقت الرصاصة البطن، هذه تعتبر جائفةً، أو خرقت الظهر، تعتبر جائفةً، أو خرقت الصدر أو الحلق، هذه تعتبر جائفةً ديتها: ثلث الدية، وهذه قد وردت منصوصًا عليها في كتاب عمرو بن حزمٍ، وقال الإمام الشافعي: لست أعلم خلافًا في أن فيها ثلث الدية، لكن قال:
وإن جرح جانبًا فخرج من الآخر؛ فجائفتان.
لو أنه جرح بالسكين من جانبٍ، وخرج السكين من الجانب الآخر: جائفتان، أو مثلًا: أطلق عليه مسدسًا، فاخترقت الرصاصة جانبه الأيمن وخرجت من جانبه الأيسر، أو أنه أطلق عليه الرصاصة من بطنه وخرجت من ظهره، فهذه فيها: جائفتان، الجائفة: ثلث الدية، والجائفتان كم؟ ثلثا الدية؛ لما رُوي عن أبي بكرٍ أنه قضى في الجائفة التي نفذت بثلثي الديَة، ورُوي عن عمر أيضًا نحوه، ولم يُعرف لهما مخالفٌ؛ وعلى هذا: نستطيع أن نعرف الدية عند إطلاق النار، هذا أكثر ما يكون في وقتنا الحاضر، إطلاق النار إما برشاشٍ أو ببندقيةٍ أو بمسدسٍ، إذا خرقت الجوف؛ ففيها: ثلث الدية، إذا خرقت الجوف وخرجت من الجهة الأخرى؛ ففيها: ثلثا الدية، ثلث الدية كم تساوي من الإبل؟ نعم، الثلث: ثلاثةٌ وثلاثون؛ معنى ذلك بالريالات: تسعون ألفًا، أو إذا أردنا أدق: ثلاثةٌ وثلاثون وثلثٌ؛ فمعنى ذلك: تسعون، وزيادةٌ على التسعين أيضًا.
مداخلة:…
الشيخ: تسعةٌ وتسعون ألفًا.
طيب، جائفتان نضربها في اثنين، فبهذا يعني إذا قدَّرنا الآن الواحدة من الإبل بثلاثة آلافٍ؛ فيصبح تقدير هذه الشِّجاج سهلًا، أو الجائفة سهلًا.
قال:
ومن وَطِئ زوجةً صغيرةً لا يُوطأ مثلها فخرَقَ ما بين مخرج بولٍ ومنيٍّ أو ما بين السبيلين؛ فعليه الدية إن لم يستمسك البول، وإلا فجائفةٌ.
يعني: هذا رجلٌ وطئ زوجته الصغيرة التي لا يُوطأ مثلها -وهي عند الفقهاء: من كانت دون تسع سنين- فتسبب ذلك في خرق ما بين مخرج البول ومخرج المني، أو ما بين السبيلين ولم يستمسك؛ ففيه: الدية الكاملة؛ وذلك لأنها منفعةٌ كسائر المنافع، والمنافع التي ليس للإنسان فيها إلا شيءٌ واحدٌ فيها الدية كاملةً.
وأما إن استمسك، عُولِج مثلًا واستمسك؛ فعليه ثلث الدية؛ لأنها تصبح كالجائفة.
قال:
وإن كانت ممن يوطأ مثلها لمثله، أو أجنبيةً كبيرةً مُطاوعةً ولا شُبهة، فوقع ذلك؛ فهدرٌ.
يعني: إن كانت الزوجة ممن يوطأ مثلها، كبيرةً، لكن حصل أثناء الجماع خرق ما بين المخرجين، سواءٌ ما بين مخرجي البول والمني، أو ما بين السبيلين؛ فيعتبر هذا هدرًا؛ لأن هذا حصل بفعلٍ مأذونٍ له فيه شرعًا.
وأما الأجنبية المطاوعة، غير المكرهة، فأيضًا يعتبر هذا هدرًا؛ لأنها مطاوعةٌ، وهي راضيةٌ بذلك، لكن ليس معنى هذا أنه لا يُعزَّر، يعزر بالعقوبة الشرعية، فإذا كانت أجنبيةً؛ معنى ذلك أنه زَنَا؛ فيقام عليه وعليها حد الزنا إذا ثبت ذلك.
وبهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن مسائل وأحكام الديات.
باب العاقلة
ننتقل بعد ذلك إلى:
باب العاقلة
تعريف العاقلة لغةً وشرعًا
وعرف المصنف العاقلة، قال:
وهي ذكورُ عَصَبة الجاني نَسَبًا وولاءً.
العاقلة لغةً وشرعًا: هي العَصَبة، وسمي أقارب القاتل: عاقلةً؛ لأنهم يَعقلون عنه، وقد كانت الإبل تُعقل بفناء أولياء المقتول.
وعرف المؤلف العاقلة بقوله: “هي ذكور عصبة الجاني نَسَبًا وولاءً”، سواءٌ كانوا وارثين أو غير وارثين، وبهذا يخرج من العاقلة أصحاب الفروض؛ كالزوج، الزوج ليس من العاقلة، وكذلك أيضًا الأخ لأمٍّ ليس من العاقلة؛ لأن الأخ لأمٍّ صاحب فرضٍ، بينما ابن العم من العاقلة؛ لأنه مُعصِّبٌ، فصاحب الفرض لا يدخل في العاقلة.
فالعاقلة إذنْ هم العَصَبة الذين يرثون بالتعصيب، هؤلاء هم العاقلة، سواءٌ كانوا وارثين أو غير وارثين، فهذا الرجل قَتَل خطأً، طولب بالدية، قلنا: الدية على عاقلتك، له: إخوةٌ أشقاء، وإخوةٌ لأبٍ، وإخوةٌ لأمٍّ، مَن الذين يدخلون في العاقلة مِن هؤلاء الإخوة؟ الأشقاء، والإخوة لأبٍ، الإخوة لأمٍّ يدخلون؟ لا يدخلون.
طيب، الحكمة -حكمة الشريعة- في أن العاقلة تعقل جناية القتل الخطأ وشبه العمد: أن الدية كبيرةٌ قديمًا وحديثًا، الدية: هي مئةٌ من الإبل، ومتوسِّط الحال قد يعجز عنها؛ ولذلك من حكمة الشريعة: أنها أوجبت الدية على عاقلته؛ حتى يتعاونوا فيما بينهم ويؤدوا هذه الدية، وكأنها صورةٌ من صور التعاون والتكافل؛ ولذلك استُدل على جواز “التأمين التعاوني” بالعاقلة؛ لأن العاقلة هم عَصَبة الإنسان، يتعاونون فيما بينهم على دفع الدية.
طيب، القاتل نفسه، القاتل خطأً أو شبه عمد، هل يدخل في تحمل الدية؟
في هذه المسألة قولان:
- القول الأول: أن القاتل لا يدخل في تحمل الدية مع العاقلة، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وأيضًا مذهب الشافعية، وقالوا: إنه في قصة المرأتين الهُذَلِيَّتين، إحداهما قتلت الأخرى بفُسطاط الخيمة، يعني: قتلٌ شبه عمدٍ، قالوا: إن النبي قضى بدية المرأة على عاقلتها [3]، ولم يُنقل أن المرأة دفعت من الدية شيئًا.
- القول الثاني: أن القاتل قتلَ خطأٍ أو شبه عمدٍ يدخل في العاقلة، ويتحمل مع عاقلته جزءًا من الدية، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، وروايةٌ عند الحنابلة؛ قالوا: لأن الأصل في الدية أن تكون على القاتل نفسه، والعاقلة إنما تحملت من باب المعاونة والنصرة والتعاون؛ لكون المبلغ كبيرًا، وكون العاقلة تتحمل الدية والقاتل لا يتحمل شيئًا -وربما يكون غنيًّا- لا يتفق مع الأصول والقواعد الشرعية، وهذا هو القول الراجح والله أعلم: أن القاتل يدخل في العاقلة، وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من قصة المرأتين الهُذَلِيَّتَين فيُجاب عن ذلك: بأن هذه واقعة عينٍ، وكان النساء في وقت النبي عليه الصلاة والسلام الغالب عليهن الفقر، والمرأة تقَرُّ في بيتها وبيت زوجها وينفق عليها، والغالب أن النساء لا يعملن وإنما يُنفق عليهن، فيحتمل أن هذه المرأة أصلًا لا مال لها، وأيضًا يحتمل أن المرأة اشتركت في دفع الدية لكن ذلك لم يُنقل، فهذه واقعة عينٍ ،وليست بالصريحة في أن المرأة لم تدخل في العاقلة.
وسبق أن ذكرنا لكم فائدةً: وهي أنك عند الترجيح بين الأقوال: اطَّرِح بعض اللوازم والمآلات؛ يتبيَّن لك القول الراجح، فلو طرحنا بعض اللوازم على القول الأول: وهو أن القاتل خطأً أو شبه العمد لا يدخل في العاقلة؛ يترتب على هذا لو أن رجلًا غنيًّا ثريًّا، رجل أعمالٍ كبيرٍ، قَتَل بطريق الخطأ أو شبه العمد، فقيل: إن الدية تجب على العاقلة ولا يدخل القاتل؛ فمعنى ذلك: أن عاقلته هم الذين يتحملون الدية وهو لا يتحمل ريالًا واحدًا وهو أثراهم وأغناهم، هل هذا تَرِد به الشريعة؟! رجل أعمالٍ، وثريٌّ وغنيٌّ، وهو الذي قتل، ومع ذلك لا يتحمل من الدية ريالًا واحدًا، وعاقلته ربما يكون كلهم أو جُلُّهم من متوسطي الدخل هم الذين يتحملون الدية؟! وهو -هذا الثري- لا يتحمل ريالًا واحدًا؟! فهذا بعيدٌ، هذا مما لا تَرِد به الشريعة، وهذا مما يُبيِّن ضعف هذا القول، وأن القول الراجح: هو أن القاتل يدخل في العاقلة ويتحمل مع العاقلة، هذا هو القول الراجح.
من لا تحملهم العاقلة
قال:
ولا تحمل العاقلة: عمدًا ولا عبدًا ولا إقرارًا، ولا ما دون ثلث دِيَة ذكرٍ مسلمٍ، ولا قيمة مُتْلَفٍ.
هذا الذي ذكره المؤلف: أصله أثرٌ ورد عن ابن عباسٍ قال: “لا تحمل العاقلة عمدًا ولا صلحًا ولا اعترافًا ولا ما جنى مملوكٌ” [4]. ورُوي مرفوعًا، ولا يصح مرفوعًا، وإنما هو موقوفٌ على ابن عباسٍ، ولا يُعرف له مخالفٌ من الصحابة.
قوله: “لا تحمل العاقلة عمدًا”، يعني أن العاقلة لا تحمل دِيَة القتل العمد، وإنما تحمل دِيَة القتل الخطأ وشبه العمد، وهذا باتفاق العلماء، وعلى ذلك فعندما يكون القتل عمدًا؛ لا يلزم العاقلة أصلًا أن يدفعوا الدية، ولا من باب أولى الصلح عن القصاص، وإنما يُعتبر هذا تبرُّعًا من عندهم، ولذلك تجدون أحيانًا أن يحصل قتل عمدٍ، ثم يطالب أولياء الدم بالدية، أو يطالبون بالصلح عن القصاص بمبالغ باهظةٍ، فيقوم العاقلة ويجمعون هذه الدية، نقول: جمعكم لهذه الدية، هذا من باب التبرع منكم وليس واجبًا عليكم شرعًا؛ لأن القتل العمد لا تحمل العاقلة من ديته أو من الصلح عن القصاص عنه شيئًا؛ وعلى هذا: لو أن أحد هؤلاء العاقلة رفض أن يدفع؛ لا يُلزَم شرعًا، بينما لو كان القتل خطأً أو شبه عمدٍ؛ ملزَمٌ شرعًا، ملزَم أن يدفع.
فإذنْ العاقلة لا تحمل دية القتل العمد، وإنما تحمل الخطأ وشبه العمد.
“ولا عبدًا” يعني: لا تحمل العاقلة قيمة عبدٍ قتله الجاني؛ لأنه يعتبر مالًا كسائر الأموال، فالعاقلة غير مسؤولةٍ عنه.
“ولا إقرارًا” أي: اعترافًا، فيما إذا ادعى إنسانٌ بأنه قتل آخر بطريق الخطأ، وأراد من عاقلته أن تدفع الدية، ولم تصدِّقه العاقلة، فلا يلزمها أن تدفع عنه الدية.
أما إن صدَّقته؛ لزمها دفع الدية؛ لأن هذا الموضع من مواضع الاحتيال؛ لأن المبلغ كبيرٌ، مئةٌ من الإبل، أو في وقتنا الحاضر ثلاثمئة ألف ريالٍ، فربما أن بعض الناس يتفق مع فلانٍ من الناس على أن يقول للعاقلة: إني قتلت فلانًا، ويطلب من فلانٍ أن يختفي، يُسافر أو يذهب، ثم يطلب من العاقلة الدية، ويتقاسم هو وإيَّاه الدية، فهذا من المواضع التي يكثر فيها الاحتيال؛ ولهذا الفقهاء قالوا: إن العاقلة لا تحمل الدية إن لم تصدِّقه، لا بد من أن تصدقه في أنه فعلًا قَتل بطريق الخطأ أو شبه العمد، أما مثلًا إذا عرفوا أنه إنسانٌ كذابٌ أو كثير الكذب والاحتيال، وقال: إني قتلته وعليَّ ديةٌ، ولم تصدقه العاقلة؛ لا يلزمها أن تدفع الدية؛ فلا بد إذنْ أن تصدقه العاقلة في أنه قتل خطأً أو شبه عمدٍ.
“ولا ما دون ثلث دية ذكرٍ مسلمٍ”، ما دون الثلث في الشِّجاج وفي الجراح، في الدية عمومًا لا تحمله العاقلة؛ فلو اعتدى إنسانٌ على آخر مثلًا، وكان فيما دون ثلث الدية؛ فيتحمَّلها الجاني في ماله، أما إذا وصل الثلث فأكثر؛ فهنا العاقلة تتحمل معه؛ لأن تحمُّل العاقلة من باب الإرفاق بالجاني وإعانته على ما يشقُّ عليه، وما كان دون الثلث لا يشقُّ عليه غالبًا، فيتحمله الجاني، لكن إذا وصلت الدية إلى الثلث فأكثر؛ هنا تدخل العاقلة وتتحملها معه.
“ولا قيمة مُتْلَفٍ”، العاقلة لا تتحمل قيمة المُتْلَف؛ كالعبد، يُمثِّل الفقهاء السابقون بالعبد، وفي وقتنا الحاضر مثلًا: إنسانٌ حصل له حادث سيارةٍ، أو احترق بيته ونحو ذلك، فالعاقلة ليست مسؤولةً عن هذه المتلفات، لو أرادوا أن يتبرعوا عنه؛ فهذا من الإحسان، لكنهم شرعًا غير ملزَمين بتعويضه عن المتلفات.
قال:
وتحمل الخطأ وشبه العمد مؤجَّلًا في ثلاث سنين.
العاقلة إنما تحمل دية القتل الخطأ وشبه العمد، ويكون مقسَّطًا أو مؤجَّلًا في ثلاث سنين، رُوي هذا عن عمر وعليٍّ، ولا يُعرف لهما مخالفٌ من الصحابة .
وذهب ابن تيمية رحمه الله إلى أن التعجيل والتأجيل بحسب الحال والمصلحة؛ فإن كانت العاقلة أهل يسرٍ، ولا ضرر عليهم بالتعجيل؛ أُخِذت حالَّةً، أما إن كان في ذلك مشقةٌ؛ فإنها تُؤخذ مؤجَّلةً، فهذه من مسائل الاجتهاد التي ينظر فيها القاضي، وينظر لما يُحقِّق المصلحة.
وابتداء حول القتل: من الزُّهوق، والجرح: من البُرْء.
نحن قلنا: إنها تؤجل ثلاث سنين، متى يبدأ الحول؟ يقول المؤلف: إنه يبتدئ الحول من حين زُهُوق روح المقتول، وإذا كانت الجناية فيما دون النفس؛ فمِن حين بُرْء الجرح.
ما مقدار ما يحمله كل واحدٍ من العاقلة؟
هذا لم يَرِد فيه شيءٌ محددٌ شرعًا، فيجتهد القاضي في ذلك، ويُراعي الحالة المادية لكل فردٍ من العاقلة، فهذا الجاني الآن..، أولًا: نحن قلنا: على القول الراجح يدخل في العاقلة، يحمل جزءًا من الدية، أبوه -إذا كان موجودًا- وجدُّه، يُفرَض عليهما جزءٌ من الدية، أيضًا أولاده إذا كانوا ميسورين وبالغين، كذلك أحفاده، كذلك إخوانه الأشقاء، والإخوة لأبٍ يدخلون كذلك، أيضًا أعمامه، أبناء عمه، فيجتهد القاضي في تقسيم الدية عليهم، الأقرب فالأقرب، وينظر لحالتهم المادية، ينظر مثلًا لوظيفة هذا ودخله، ربما يطلب كشف حسابٍ بنكيٍّ، وينظر لرصيده، فيجتهد القاضي في تقسيم الدية بين العاقلة.
أخواله هل يدخلون؟ الأخوال لا يدخلون، وإخوانه لأمٍّ لا يدخلون، يعني: ذوو الأرحام لا يدخلون، إنما فقط هذه خاصةٌ بالعصبة.
جده لأمٍّ هل يدخل؟ لا يدخل؛ لأنه من ذوي الأرحام، جده لأبٍ؟ يدخل.
مداخلة:…
الشيخ: أبناء الأخ، هل هم من العصبة؟ نعم يدخلون.
يبدأ بالأقرب فالأقرب من العاقلة
قال:
ويُبدأ بالأقرب فالأقرب؛ كالإرث.
يبدأ بهم القاضي بحسب القرب، الأقرب فالأقرب.
فإن أبى إنسانٌ، مثلًا عم هذا الجاني، أو ابن عمه، طلب منه القاضي أن يدفع، قال: عليك كذا من الدية، ورفض قال: لن أدفع، ما الحكم؟ يُجبَر، يعتبر هذا كسائر الديون، ولو بسجنه إذا كان مليئًا، يجبر؛ لأن هذا ليس تبرُّعًا، نحن قلنا في دية القتل الخطأ وشبه العمد: واجبٌ على العاقلة، ليس تبرُّعًا، إنما يكون تبرُّعًا في القتل العمد، أما في الخطأ وشبه العمد؛ هذا واجبٌ عليهم، فالمصيبة عليهم جميعًا، يعني: ليست مصيبةَ القاتل، شملتهم المصيبة، فعليهم أن يتوازعوا فيما بينهم الدية.
مداخلة:…
الشيخ: أبناء الأخت، هل هم من العصبة؟ ليسوا من العصبة، بنو الأخت من ذوي الأرحام، نفس قواعد الميراث تُطبَّق هنا، فهو خاصٌّ بالعصبة.
قال:
ولا يُعتبر أن يكونوا وارثين لمن يعقلون عنه، بل متى كانوا يرثون لولا الحجب؛ عقلوا.
هذا أشرنا له، وقلنا: إن العصبة لا يُشترط أن يكونوا وارثين، المهم أن يكونوا عصبةً، يعني مثلًا: لو كان الأب والجد موجودين؛ فالجد محجوبٌ بالأب، لكنه يدخل في العصبة ويدخل في العاقلة، العم وابن العم، ابن العم محجوبٌ بالعم، ومع ذلك يدخل في العصبة ويدخل في العاقلة؛ فلا يشترط في العصبة أن يكونوا هنا وارثين.
شروط من يتحمل الدية من العاقلة
ثم ذكر المؤلف شروط من يتحمل الدية من العاقلة، وذكر ثلاثة شروطٍ، وأضفنا في “السلسبيل” شرطين؛ فتكون الشروط خمسةً:
الشرط الأول، قال:
ولا عقل على فقيرٍ.
فيكون الشرط الأول: أن يكون غنيًّا، أن يكون من يتحمل من الدية من العاقلة غنيًّا، فإن كان فقيرًا؛ فلا يجب عليه تحمل شيءٍ من الدية؛ لأن تحمُّل العاقلة للدية من باب المواساة، فلا يُلزَم بها الفقير كالزكاة، والفقير أو المسكين الذي دخله لا يكفي لآخر الشهر، مَن كان دخله لا يكفي لآخر الشهر؛ هذا لا يدخل في العاقلة، ولا يُلزَم بدفع شيءٍ من الدية، لكن مَن كان دخله يدخر منه، يكفيه لآخر الشهر ويدخر منه: هذا هو الذي يدخل في العاقلة.
الشرط الثاني، أشار إليه المؤلف بقوله:
وصبيٍّ أو مجنونٍ.
يعني: أن يكون مكلفًا؛ أي: بالغًا عاقلًا، فالصغير والمجنون لا يُلزَمان بدفع الديات؛ لأنهما ليسا من أهل النُّصرة.
الشرط الثالث، أشار إليه المؤلف بقوله:
وامرأةٍ ولو مُعتقةً.
فيُشترط أن يكون ذكرًا، أما الأنثى فلا تدخل في العاقلة، فيُشترط أن يكون ذكرًا، أما الأنثى فلا تدخل في العاقلة، ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك.
حتى لو كانت المرأة موظفةً، قديمًا لم يكن يوجد وظائف، والنساء أكثرهن لا يعملن، والرجل هو الذي ينفق على المرأة، في الوقت الحاضر أصبح كثيرٌ من النساء موظفاتٍ، فهل المرأة إذا كانت موظفةً يعني: أم هذا الجاني أو أخته أو عمته؛ هل تدخل في العاقلة؟ لا تدخل حتى ولو كانت موظفةً، يعني: وظيفتها ليس لها أثرٌ في تغيير هذا الحكم.
وأضاف بعض الفقهاء شرطين آخرين، فيكون الشرط الرابع: أن يكون حُرًّا، فإن كان رقيقًا؛ فإنه لا يدخل في العاقلة.
والشرط الخامس: الاتفاق في الدِّين، فلا تجب الدية مع اختلاف دين الجاني والعاقلة، وذلك لفوات المناصرة والمعاضدة.
فهذه خمسة شروطٍ، إذا تحققت؛ وجب على هذا الفرد من العاقلة أن يتحمل جزءًا من الدية.
قال:
ومن لا عاقلة له، أو له وعجزت؛ فلا دية عليه، وتكون في بيت المال.
إذا كان القاتل لا عاقلة له، وهذا يوجد الآن في بعض بلدان العالم الإسلامي، تجد إنسانًا ليس له عاقلةٌ، يعني: له عائلةٌ مصغرةٌ، صغيرةٌ، لكن ليس له عاقلةٌ، أو أنه توجد عاقلةٌ لكن لا يوجد أحد يُلزمهم أصلًا، أو أن العاقلة كلهم فقراء، عاقلته كلهم فقراء، في بلدٍ فقيرٍ، وعاقلته كلهم فقراء، فما الحكم؟ يقول المؤلف: إنها تسقط الدية وتكون في بيت المال.
وهذه المسألة للفقهاء فيها قولان:
- القول الأول كما قرر المؤلف: تسقط الدية وتكون في بيت المال، هذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو أيضًا مذهب الحنفية والشافعية.
- القول الثاني: أنها تبقى في ذمة الجاني حتى يستطيع، وتبقى في ذمته دينًا كسائر الديون، هذا القول روايةٌ عن الإمام أحمد، اختاره ابن تيمية، وهو القول الراجح، فإن قدر عليها؛ أُلزِمَ بدفعها، وإن عجز عنها؛ بقيت دينًا كسائر الديون. والحقيقة أنه لا يسع الناس غير هذا القول.
القول بأنها تجب في بيت المال صعبٌ، يعني: لو أردنا أن نُطبِّقها الآن على العالم الإسلامي، لن يدفع بيت المال الدية في هذه الحالة، فتطبيقها صعبٌ من الناحية العملية؛ ولذلك لا يسع الناس إلا القول الثاني: وهو أن مَن لا عاقلة له، أو له عاقلةٌ وعجزت، أو كانت فقيرةً؛ تبقى دينًا في ذمة القاتل كسائر الديون، هذا هو القول الأظهر في المسألة.
قال:
كديةِ مَن مات في زحمة؛ كجمعةٍ وطوافٍ.
دم المسلم لا يضيع هدرًا، فلو وُجد إنسانٌ مقتولًا في زحمةٍ، أو مقتولًا عمومًا، وجُهل قاتله؛ فيجب دفع ديته من بيت مال المسلمين، وهكذا لو قُتل في زحمةٍ؛ كزحمة جمعةٍ أو زحمة طوافٍ أو في الحج، أو وُجِد مقتولًا وُجُهِل قاتله؛ فيجب دفع ديته من بيت مال المسلمين؛ لأن دم المسلم لا يضيع هدرًا، وقد جاء في قصة القسَامة في حديث سهلٍ أن النبي وَدَى الأنصاري الذي قُتل بخيبر بمئةٍ من الإبل؛ لأنه جُهِل قاتله، فَوَدَاه النبي بمئةٍ من الإبل [5].
فإذنْ دم المسلم لا يضيع هدرًا، نعرف قاتله؛ تتحمل العاقلة الدية، إن لم يُعرف؛ فديته على بيت مال المسلمين.
قال:
فإن تعذَّر الأخذ منه؛ سقطت.
يعني: إن لم يتيسر دفع الدية من بيت المال -بناءً على قول المؤلف- فإنها تسقط، وسبق ترجيح القول بأن الدية تبقى في ذمة القاتل حتى يقدر على دفعها.
باب كفارة القتل
ثم قال المصنف رحمه الله:
باب كفارة القتل
والأصل فيها قول الله في سورة النساء: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]، إلى قوله: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:92].
وتجب كفارة القتل في القتل الخطأ وشبه العمد؛ لأن من يقع منه القتل لا يخلو غالبًا من تفريطٍ، حتى وإن كان خطأً لا يخلو غالبًا من تفريطٍ.
لا كفارة في العمد
وأما القتل العمد فهل فيه كفارةٌ؟
يقول المصنف رحمه الله:
لا كفارة في العمد.
وهذه المسألة فيها قولان الفقهاء:
- القول الأول: أن القتل العمد لا كفارة فيه، وهذا قول الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة.
- والقول الثاني: أن القتل العمد فيه كفارةٌ، وهذا هو مذهب الشافعية.
استدل الجمهور بظاهر الآية الكريمة: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]، قالوا: فشَرَط الله لوجوب الكفارة: أن يكون قتل خطأٍ: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً، ولم يذكر الله تعالى في هذه الآية العمد، بل إنه ذكر العمد في الآية التي بعدها، وقال في ذلك: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، ولم يذكر فيه كفارةً، فاستدلوا بظاهر القرآن؛ قالوا: ولأنه وُجد القتل العمد في عهد النبي ولم يُنقل أنه أمر مَن قَتَل بالكفارة، ولأن إثم القتل العمد أعظم من أن تكفره الكفارة.
أما الشافعية فقالوا: إن القتل العمد فيه كفارةٌ، واستدلوا بحديثٍ أخرجه أحمد وأبو داود عن واثِلة بن الأسْقَع قال: أتينا رسول الله في صاحبٍ لنا قد أَوجَب بالقتل، فقال : أعتقوا عنه؛ يُعتق الله بكل عضوٍ منه عضوًا من النار [6]، قالوا: فهذا نصٌّ في أن القتل العمد فيه كفارةٌ، ولأنه إذا وجبت الكفارة في القتل الخطأ وشبه العمد؛ ففي العمد أوجب؛ لأنه أعظم إثمًا وأكبر جرمًا، وذنبه بحاجةٍ للتكفير أكثر من القتل الخطأ.
والراجح هو قول الجمهور: هو أن القتل العمد لا كفارة فيه؛ لأن هذا هو ظاهر القرآن، أما حديث واثلة؛ فأولًا: من العلماء من ضعَّفه، وعلى تقدير ثبوته -كما صححه ابن المُلَقِّن وغيره- فليس بصريحٍ، ليس صريحًا؛ لأن قوله: «قد أوجب»، طيب، قد أوجب ماذا؟ فيحتمل أن المقصود، يعني: أنه كان قتل خطأٍ، ومعنى: “قد أوجب”: فوَّت النفس بالقتل، ويحتمل أنه كان شبه عمدٍ، ويحتمل أنه كان عمدًا، وأمرهم بالعتق تبرعًا، كل هذه احتمالاتٌ واردةٌ، فالحديث ليس صريحًا؛ لأن قوله: «قد أوجب»، هذا لفظٌ مجملٌ، ما ندري هل هو قتل خطأٍ، أو شبه عمدٍ، أو عمدٍ، ليس صريحًا في أنه قتل عمدٍ.
فهذا الحديث دلالته ليست صريحةً، محتملةٌ، فلا تدفع ظاهر القرآن، فإن ظاهر القرآن تخصيص القتل الخطأ بالكفارة؛ لأن الله ذكر القتل الخطأ وذكر القتل العمد؛ فالقتل الخطأ ذكر له كفارةً، وقتل العمد لم يذكر له كفارةً، وإنما ذكر فيه الوعيد، نظير هذه المسألة من بعض الوجوه: اليمين الغموس، اليمين الغموس الجمهور يرون أنه لا كفارة فيها؛ لأنها أعظم من أن تُكَفَّر، الشافعية -على قاعدتهم- يرون أن فيها كفارةً.
والراجح قول الجمهور: أنه لا كفارة في اليمين الغموس، يعني اليمين الغموس: من يحلف بالله كاذبًا.
تجب الكفارة فيما دون القتل العمد
قال:
وتجب فيما دونه، في مال القاتل لنفسٍ محرَّمةٍ ولو جنينًا.
يعني: تجب الكفارة فيما دونه، يعني: فيما دون القتل العمد، ويُريد المؤلف بذلك القتل الخطأ وشبه العمد كما ذكرنا، وذلك بشرط: أن تكون النفس محرَّمةً، يعني: يحرُم قتلها، وهي النفس المعصومة. أما غير المعصومة؛ مثل الكافر الحربي؛ هذا لا كفارة فيه.
“ولو جنينًا”، بشرط أن يكون الجنين قد نُفخت فيه الروح، ومتى تُنفخ الروح في الجنين؟ إذا بلغ أربعة أشهرٍ، أما إذا كان أقل من أربعة أشهرٍ؛ فلا كفارة فيه، فلو أن امرأةً تسببت في إسقاط جنينها، أخذت دواءً فأسقطت جنينها؛ فعليها الكفارة، أو أن زوجها ضربها حتى سقط الجنين؛ فعليه الكفارة، أو أن أحدًا اعتدى عليها وهي حاملٌ فتسبب في إسقاط الجنين؛ فعليه الكفارة، بشرط أن يكون عمر الجنين أربعة أشهرٍ فأكثر.
وأما دِيَة الجنين فتكلمنا عنها بالتفصيل في الدرس السابق، قلنا: “غُرَّةٌ”، وهي خمسٌ من الإبل، تكلمنا عنها بالتفصيل في الدرس السابق، لكن الكلام هنا عن كفارة قتل الجنين.
يُكفِّر الرقيقُ بالصوم
قال:
ويُكفِّر الرقيقُ بالصوم.
لأن العبد لا مال له، فلا يستطيع أن يعتق رقبةً، فيُكفِّر بالصوم، بصيام شهرين متتابعين.
يكفر الكافر بالعتق
والكافرُ بالعتق.
يعني: الكافر لا يصح منه الصوم؛ لأن الصوم يحتاج إلى نيةٍ، والنية لا تصح من الكافر؛ فيتعين في حقه العتق.
كفارة غير الكافر والرقيق
وغيرهما.
يعني: غير الكافر والرقيق.
يُكفِّر بعتق رقبةٍ مؤمنةٍ، فمن لم يجد؛ فصيام شهرين متتابعين.
للآية الكريمة: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]، ثم قال في آخر الآية: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [النساء:92].
كفارة القتل: كما ذكرنا أن الرِّق الآن انقرض في العالم، فيُؤمر مَن وقع منه قتلٌ خطأٌ أو شبه عمدٍ مباشرةً بصيام شهرين متتابعين، والتتابع لا بد منه، لا بد من التتابع، لو صام تسعةً وخمسين يومًا وأفطر في اليوم الستين؛ لزمه أن يعيد من جديدٍ، لا بد من التتابع، والمشقة لا بد منها، صيام شهرين متتابعين تشقُّ على الإنسان، لكن أيضًا ما ارتكبه كبيرٌ؛ لأنه تسبب في إزهاق روحٍ، وكما ذكرنا القتل خطأً، حتى وإن كان خطأً، إلا أنه لا يخلو من تفريطٍ، وهذه مصيبةٌ ابتُلي بها، فكفارتها صيام شهرين متتابعين، ومَن كان يستطيع أن يصوم شهر رمضان كاملًا؛ فهو يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين؛ لأن بعض العامة عندما يقال: عليك صيام شهرين متتابعين؛ يقول: ما أستطيع، ومراده بكلمة: ما أستطيع، يعني: أنه يشق عليَّ، لكنه يُعبِّر عن المشقة بكلمة: ما أستطيع، فنقول: هل صمت شهر رمضان كاملًا؟ إذا قال: نعم؛ إذنْ أنت تستطيع، ويُمكن أن يختار أيام الشتاء التي يكون النهار فيها قصيرًا والجو باردًا، لكن لا بد من الكفارة.
أما لو كان لا يستطيع بالفعل لكونه مريضًا، أو كبيرًا في السِّن، فما الحكم؟
حكم العاجز عن الصيام
يقول المصنف:
ولا إطعام هنا.
يعني: إذا عجز عن صيام شهرين متتابعين؛ تسقط عنه الكفارة، ولا يؤمر بإطعام ستين مسكينًا.
وهذه المسألة محل خلافٍ:
الجمهور على أن الكفارة تسقط في هذه الحال، وهو الذي عليه المذاهب الأربعة.
ومن الفقهاء من قال: إنه ينتقل إلى إطعام ستين مسكينًا.
والراجح قول الجمهور؛ لأن هذا هو ظاهر القرآن، فإن الله قال: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92]، ثم قال في آخر الآية: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:92].
هل ذكر الله تعالى في هذه الكفارة الإطعام؟ ما ذكرها، بينما في آية الظِّهار ذكر الله تعالى الإطعام: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [المجادلة:4].
فالجمهور يقولون: إن الله تعالى لم يذكر الإطعام هنا، ولو كان من لم يستطع صيام شهرين متتابعين يعدِل للإطعام؛ لذكره الله تعالى هنا كما ذكره في كفارة الظِّهار.
أما أصحاب القول الثاني فقالوا: تُقاس كفارة القتل على كفارة الظهار، فالإطعام لم يُذكر في كفارة القتل لكنه ذُكِر في نظيرها، وهذه المسألة ترجع لمسألةٍ أصوليةٍ، وهي: هل يصح القياس في الكفارات أو لا يصح؟ الجمهور يقولون: لا يصح القياس في الكفارات؛ ولذلك قالوا هنا: لا يصح قياس كفارة القتل على كفارة الظهار، فإذا لم يستطع الصيام؛ سقطت عنه الكفارة، وهناك من الفقهاء من قالوا: إنه يصح القياس في الكفارات ولا مانع منه؛ ولذلك قاسوا كفارة القتل على كفارة الظِّهار.
والأقرب -والله أعلم- هو أنه لا يصح القياس في الكفارات، هذا الذي عليه جمهور الأصوليين؛ وعلى ذلك: فلا يصح قياس كفارة القتل على كفارة الظهار.
لاحظ هنا أن المسائل الأصولية تدخل معنا في الفقه؛ لذلك لا بد من ضبط علم “أصول الفقه”؛ لأنه مؤثِّرٌ في الترجيح، ومؤثِّرٌ في مثل هذه المسائل، فهنا مسألةٌ أصوليةٌ دخلت في هذه المسألة.
فبناءً على قول جمهور الأصوليين -وهو أنه لا يصح القياس في الكفارات- نقول: لا يصح قياس كفارة القتل على كفارة الظِّهار؛ وعلى هذا: فمن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين؛ تسقط عنه الكفارة.
تتعدِّد الكفارة بتعدُّد المقتول
قال:
وتتعدد الكفارة بتعدد المقتول.
يعني: مَن تسبب في قتل اثنين خطأً؛ فعليه كفارتان، في قتل ثلاثةٍ؛ فعليه ثلاث كفاراتٍ.
والآن في حوادث السيارات، أحيانًا قد يتسبب الإنسان في قتل عددٍ من الأنفس، لو تسبب في قتل مثلًا أربعة أنفسٍ؛ عليه أربع كفاراتٍ؛ فمعنى ذلك: يصوم كم شهرًا؟ ثمانية أشهرٍ، كل شهرين متتابعين، وهذه مصيبةٌ قد ابتُلي بها، لكن لا تبرأ ذمته إلا بذلك.
لا كفارة على من قَتَل من يباح قتله
قال:
ولا كفارة على من قَتَل من يباح قتله؛ كَزَانٍ محصنٍ، ومرتدٍّ وحربيٍّ وباغٍ، وقِصاصٍ، ودفعًا عن نفسه.
يعني من قَتل من يباح قتله؛ فلا كفارة عليه، ومثَّل المؤلف بأمثلةٍ:
الزاني المحصن، لكن بشرط: أن يكون قد حَكم عليه القاضي بالرجم، فأتى إنسانٌ وقتله، فلا كفارة عليه، لكنه يُعزَّر؛ لافتياته على الإمام.
كذلك لو أيضًا قَتل مرتدًّا قد حُكم عليه بالقتل لرِدَّتِه؛ فلا كفارة عليه، لكنه يُعزَّر؛ لافتياته على الإمام، أو قَتَل كافرًا حربيًّا، أو باغيًا لم يندفع إلا بالقتل، أو أن وليَّ المقتول قتل القاتل قِصاصًا؛ فإنه لا كفارة عليه، لكن يُعزَّر، هذا مثلًا أبو المقتول لم ينتظر حتى يُحكم عليه ويُقتل، ذهب مباشرةً وقتل القاتل، لا يُقتص منه، وليس عليه كفارةٌ، لكن يُعزَّر بعقوبةٍ مناسبةٍ؛ لافتياته على الإمام، وكذلك لو قَتَل الصائلَ دفاعًا عن نفسه، فكل هؤلاء لا كفارة عليهم، الصائل، لو إنسانٌ صَالَ عليك فأردت أن تُدافع عن نفسك فقتلته؛ فدمه هدرٌ، ليس عليك ديةٌ، ولا إثم ولا كفارة، لكن أمام القضاء لا بد أن تُثبت، وإلا تُقَصُّ به، ما بينك وبين الله ليس عليك شيءٌ أبدًا، لا إثم، ولا عليك ديةٌ ولا كفارةٌ؛ لأنه هو الذي صال عليك، لكن إذا وصلت المسألة للقضاء؛ أثبِت أنه قد صال عليك، فيكون دمه هدرًا.
أما إذا عجزت عن الإثبات؛ فتُقاد به، وهذه -كما ذكرنا فيما سبق- من عُضَل المسائل، لكن ذكرنا فيها رأيًا لابن تيمية، من يذكر هذا الرأي؟ فيها رأيٌ لابن تيمية، يعني ذكره، قد يكون فيه فُرجةٌ.
مداخلة:…
الشيخ: والقاتل معروفًا بالصلاح، أحسنت، نعم، ابن تيمية يقول: لو كان المقتول معروفًا بالشر والفساد، ومن أرباب السوابق، والقاتل معروفًا بالصلاح، واشتهر فضله، وأنه ليس من أرباب السوابق، وقامت القرائن على أن المقتول قد صال على القاتل؛ فيدرأ عنه القصاص، يعني: إنسانٌ مثلًا معروفٌ أنه من أرباب المخدرات، أو من أرباب السوابق، والقاتل معروفٌ أنه من أهل الصلاح والخير، ومن عُمَّار المسجد، وذكر أن هذا قد صال عليه، وُجِد هذا مقتولًا في بيته، وأنه قد صال عليه، وأنه فعل هذا دفاعًا نفسه، فعلى قول الجمهور: يُقَصُّ به إن لم يُثبِت، لكن على رأي ابن تيمية يُدرأ عنه القصاص، لكن الذي عليه العمل هو قول الجمهور، يقال للقاتل: أثبِت، وإلا تُقاد به؛ ولذلك ينبغي دفع الصائل بغير القتل، يعني: إذا أردت أن تدفع عن نفسك؛ اجعل مثلًا الرصاصة في رجله، لا تجعلها في… بحيث إنها تُعيقه عن الحركة ولا تقتله؛ لأنك لو قتلت لا بد من إثباتٍ، لا بد، القاضي ينظر للبينات، إلا على رأي ابن تيمية، لكن رأي ابن تيمية لا يُعمل به، الذي عليه العمل هو قول الجمهور: وهو أن الصائل لا بد من إثبات الصِّيالة، وإلا فإن القاتل يُقاد بالمقتول.
بهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن كفارة القتل ومسائل القصاص، ونقف عند كتاب الحدود، نفتتح به -إن شاء الله تعالى- درسنا القادم بإذن الله تعالى.
وكما ذكرنا أن الدرس سيتوقف إلى بداية الدراسة -إن شاء الله- في شهر صفرٍ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
مداخلة:…
الشيخ: على قول الجمهور أنه يَسقط عنه، وهذا مما يُضعف هذا القول، يعني: ربما أنه يستطيع الصيام فيما بعد، فهذا مما يُضعف هذا القول، ولذلك الراجح أنه يبقى في ذمته إلى أن يستطيع.
مداخلة:…
الشيخ: هذا هو الأصل، قصدك: لو أن إنسانًا يلعب الكرة، وتسبب في شجَّةٍ للاعبٍ آخر؟ نعم يُطبَّق عليه حكم الشرع، الأصل هو القصاص، فإن تنازل عن القصاص؛ تكون الدية إذا كان عمدًا، أما إذا كان خطأً ليس عمدًا؛ فتكون فيها الدية على الديات التي ذكرنا، والغالب في اللعب أنه يكون خطأً ما يكون عمدًا، يعني غالبًا أنه يكون خطأً؛ فتكون فيه الدية إلا إذا عفا.
الأسئلة
السؤال: يقول: جميع أفراد القبيلة التي تتعامل لديهم صندوقٌ يجمعون فيه مالًا للأخذ منه عند الديات، فهل له ولجميع من في العاقلة؟
الجواب: نعم، يكون لجميع من في العاقلة، وهذا من الأمور الحسنة، أن بعض القبائل تضع عندها صندوقًا تجمع فيه مالًا، حتى لو حصل ديةٌ؛ يكون دَفْعُها متيسرًا ولا يرهق القبيلة؛ لأن هذا المال يأخذونه ويستثمرونه وينمونه، فلو احتاجوا إليه في دفع ديةٍ مثلًا؛ فيدفعون من هذا الصندوق، هذا يختص بالعاقلة.
السؤال: إذا مات إنسانٌ جراء مغامرةٍ خطرةٍ، هل تجب له الدية؟ مع كون هذه المغامرة قد تُؤدِّي إلى موته وهو ذهب إليها باختياره؟
الجواب: ما دام يعني.. مغامرة خطرة، يعني: ما المقصود؟ هل تجب له الدية يعني؟ هل أخطأ عليه إنسانٌ؟ كلامنا الآن في القتل، إنسانٌ قتل آخر، لكن هذا ما قتله أحدٌ، فالسؤال غير واضحٍ.
السؤال: العاقلة إذا جعلوا على صاحب القضية ثلث الدية في العمد والخطأ؟
الجواب: أما في العمد: فالدية على القاتل كلها، وما تدفعه العاقلة من باب التبرع، وأما في الخطأ: فالقاتل يكون بحسب وضعه المادي، لا يجب عليه ثلث الدية، إنما بحسب وضعه، قد يكون وضعه المادي متوسطًا، فلا يُقدَّر لا الثلث، ولا أقل ولا أكثر، وإنما بحسب وضعه، يعتبرونه واحدًا منهم.
السؤال: هل للمجني عليه في الشِّجاج الصلح على أكثر من الدية؟
الجواب: نعم، الصلح يجوز على أكثر من الدية، سواءٌ فيما دون النفس أو في النفس، فلو قال مثلًا أولياء الدم: لا نقبل العفو عن القصاص إلا بعشرة ملايين، يجوز، أو أكثر أو أقل، وهكذا أيضًا في الجناية فيما دون النفس.
السؤال: الشركة التي أعمل فيها تعطي مميزاتٍ في أخذ القروض العقارية من البنك، وتساعد الموظف بدفع الفوائد على القرض، ويدفع الموظف قيمة القرض فقط، ولا يدفع الربا، والذي تتحمله الشركة، فما حكم التقديم على هذا القرض؟
الجواب: أولًا: هل هو قرضٌ أو تمويلٌ؛ لأنه إذا كان قرضًا وفيه فوائد: هذا قرضٌ ربويٌّ، لكن الظاهر من السؤال: أنه يقصد تمويلًا مع أرباحٍ؛ ولهذا ينبغي أن تكون العبارة دقيقةً، إذا كان تمويلًا عقاريًّا بطريق المرابحة، أو بطريق التورُّق؛ فلا بأس، لكن لا بد أن يكون منضبطًا بالضوابط الشرعية.
أما إذا كان نقدًا بنقدٍ مع الزيادة: هذا لا يجوز، لكن أصبح هذا قليلًا جدًّا أو غير موجودٍ، أصبحت أكثر التعاملات الآن على التمويلات الشرعية، ولذلك الأخ الكريم السائل لعله يأتي بطريقة عمل الشركة ويعرضها بالتفصيل؛ حتى يُعرف هل هو تمويلٌ منضبطٌ بالضوابط الشرعية أم لا؟
السؤال: يقول: هل هناك دراسةٌ لوضع الدرس؛ ليكون بعد الحج، نظرًا لطول الانقطاع؟
الجواب: هذا الدرس بدأ عام (1412 هـ)، كم له الآن؟ اثنان وثلاثون سنةً، وهذه طريقتنا: أن نبدأ مع بداية الدراسة، ونتوقف مع الإجازة؛ لأن الإجازة -أيضًا- عرضةٌ لعدم الاستقرار، والإجازة يكون فيها دوراتٌ، ويكون فيها أيامٌ علميةٌ، وتكون أيضًا فرصةً للإنسان أن يقرأ بعض الكتب ونحو ذلك، وبعض الإخوة يشق عليه الانقطاع عن الدرس، ولذلك فنتوقف في هذه الفترة، ونقول للأخ الكريم: تعوِّض عنها بالدورات والأيام العلمية، وهي موجودةٌ في الرياض، موجودةٌ في الأيام العلمية والدورات العلمية، وفيها فائدةٌ كبيرةٌ.
السؤال: هل الحمل للبكر موجبٌ للحد؟
الجواب: هذه مسألةٌ ستأتينا -إن شاء الله- في الدرس القادم، والجمهور يرون أن الحمل لا يثبت به الحد، والمالكية يرون أنه يثبت به، والقول الراجح قول المالكية، هذا المنقول عن الصحابة، وإن شاء الله سنتكلم عنها بالتفصيل في الدرس القادم.
السؤال: رجلٌ أخرج زكاة الفطر نقدًا فماذا يصنع؟
الجواب: لا شيء عليه؛ لأن القول بإخراجها نقدًا مذهبٌ من المذاهب الفقهية: وهو مذهب الحنفية، وإن كان القول الراجح قول الجمهور: وهي أنها تُخرَج طعامًا، لكن تبقى المسألة ليست إجماعًا، القول الثاني قول طائفةٍ من الفقهاء، ومذهبٌ من المذاهب الأربعة، فأرجو ألا يكون عليه شيءٌ، لكن مستقبلًا يحرص على أن يدفعها طعامًا لا نقدًا.
السؤال: يقول: بعض أصدقائي يقول: بأن الأرض مسطَّحةٌ، وعندما أسأله عن فائدة الاعتراف بتسطيح أو كروية الأرض يقول: إنها تمس العقيدة، فيه تكذيب لآيات القرآن التي تقول بتسطيح الأرض؟
الجواب: ليس لهذه المسألة علاقةٌ بالعقيدة، مسألة: هل الأرض كرويةٌ أو مسطحةٌ، مسألةٌ الكلام فيها قديمٌ ومعروفٌ، وليس لها علاقةٌ بالعقيدة، والأظهر -والله أعلم- أنها كرويةٌ؛ لأن الله تعالى قال: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر:5]، وأكثر السلف على أنها كرويةٌ، وبحثُ هذه المسألة ليس له كبير فائدةٍ.
السؤال: ما حكم جهر المأمومين بالتكبيرات في صلاة العيد؟
الجواب: الجهر يكون للإمام، أما المأموم فإنه يُسِرُّ، لكن لو جهر؛ فالأمر واسعٌ.
السؤال: ما حكم تهذيب اللحية؟
الجواب: أما ما زاد على القبضة فمرَّ معنا في “دليل الطالب”، وفي “السلسبيل” أنه لا بأس به، ذكرنا أدلة ذلك بالتفصيل، ولعل الأخ السائل يرجع للكلام في موضعه في أبواب الطهارة.
أما ما دون القبضة، فالأصل أنه لا يجوز إلا إذا كان مشوَّهًا، إلا إذا كان مشوَّهًا، فيجوز إزالة القدر المشوَّه، وقد رُوي عن عمر أنه رأى رجلًا ولحيته فيها شعراتٌ فيها تشويهٌ، قال: علام يُشوِّه أحدكم نفسه؟! فإذا كان فيه شيءٌ مشوهًا؛ يزيل القدر المشوه فقط، وما دون القبضة الأصل أنه لا يجوز أخذ شيءٍ من اللحية إلا بالقدر المشوه فقط.
السؤال: ما الذي يترتب على الحلف كذبًا؟
الجواب: الحلف كذبًا، هذه يسميها العلماء: اليمين الغموس وهي من الكبائر؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، نسأل الله العافية، وجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة على أنه لا كفارة فيها؛ لأن إثمها أعظم من أن يُكفَّر، خلافًا للشافعية الذين قالوا: فيها الكفارة، والراجح قول الجمهور: وهو أنه لا كفارة فيها.
وبناءً على ذلك: الواجب فيها التوبة فقط، الواجب على من حلف بالله كاذبًا أن يتوب إلى الله ، محقِّقًا شروط التوبة: وهي الإقلاع عن الذنب، والعزم على ألا يعود إليه، والندم، فإذا تاب وصحت توبته؛ من تاب تاب الله عليه، وليس هناك شيءٌ آخر غير التوبة.
السؤال: ما حكم حلق اللحية؟
الجواب: حلق اللحية محرمٌ، وقد نُقل إجماع العلماء على ذلك، والنبي أمر بإعفاء اللحى، قال: أعفوا اللحى [7]، أرخو اللحى [8]، خالفوا المشركين [9]، خالفوا المجوس [10]، فلا يجوز حلق اللحية، ثم إن حلق اللحية فيه أمران:
- الأمر الأول: أن فيه مجاهرةً بالمعصية.
- والأمر الثاني: أن فيه إصرارًا على المعصية.
أما المجاهرة بالمعصية: فهذا ظاهرٌ، وأما الإصرار عليها: فالذي يحلق لحيته يحتاج إلى أن يُكرِّر الحلق في السَّنة أكثر من خمسين مرةً، فكأنه يعصي الله تعالى في السنة أكثر من خمسين مرةً، ثم أيضًا هذا الذي يحلق لحيته؛ ليُقدِّر أنه أتاه الموت وهو حالقٌ للحيته؛ كيف يقابل ربه وهو متلبِّسٌ بهذه المعصية؟
السؤال: ما حكم استخدام خاتم الاستغفار والمسبحة لضبط العدد؟
الجواب: لا بأس بذلك؛ لأن هذه وسائل، هذه وسائل لضبط العدد، ولا يُتعبد لله بهذه الوسائل، إنما هذه لأجل ضبط العدد، وهذه مأثورةٌ عن بعض السلف، كان بعضهم يَعُد بالنوى، وبعضهم يعد بالحصى، وبعضهم يعد بالأصابع، هذه كلها وسائل، بل إن وجود هذه -يعني عداد التسبيح وهذه المسابح التي تعدُّ التسبيح- هذه من نعم الله تعالى علينا؛ لأنها تُشجع الإنسان على التسبيح، الإنسان إذا رأى خاتم التسبيح؛ يتشجع ويسبح، إذا رأى المسبحة؛ يتشجع ويسبح، ولا أعلم عن أحدٍ من المتقدمين أنه قال بمنع ذلك، إنما منع ذلك بعض العلماء المعاصرين اجتهادًا منهم، وعامة المتقدمين على أنه لا بأس باستخدام المسبحة، وذكر أبو العباس ابن تيمية أنه لا بأس بذلك، فاستخدام المسبحة، واستخدام عداد التسبيح، واستخدام أية وسيلةٍ تضبط عدد التسبيحات لا بأس بذلك؛ لأن هذه كلها وسائل لضبط عدد التسبيحات.
السؤال: ما حكم ترك السنن الرواتب والوتر والضحى تهاونًا وكسلًا؟
الجواب: هذه كلها مستحباتٌ، ليست واجباتٍ؛ فلا شيء على من تركها، لكن ينبغي على المسلم أن يحرص على النوافل؛ لأن النوافل:
أولًا: يُكمَّل بها ما قد يقع من نقص في الفرائض.
ثانيًا: أن النوافل من أسباب نيل محبة الله ، يقول النبي : يقول الله تعالى: ما تقرَّب إليَّ عبدي بأحب ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه [11].
وينبغي أيضًا المحافظة على هذه النوافل؛ فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، وأيضًا من حافظ على عملٍ صالحٍ فإنه لو عرَض له عارضٌ من مرضٍ أو سفرٍ؛ كُتب له الأجر كاملًا، يقول النبي : إذا مرض العبد أو سافر؛ كتب الله له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا [12].
السؤال: ما حكم تجاوز مدة الأربعين يومًا في الأخذ من سنن الفطرة؛ كالأخذ من الشارب، وقص الأظفار؟
الجواب: هذا مكروهٌ، يُكره أن يترك المسلم هذه الأمور التي أُمر بالأخذ منها أكثر من أربعين يومًا، فيُكره ترك الأظفار تطول أكثر من أربعين يومًا، أو ترك الشارب أكثر من أربعين يومًا، أو ترك نتف الإبط أكثر من أربعين يومًا ونحو ذلك، فهذا غاية ما فيه: أنه مكروهٌ، لكن لا يصل إلى درجة التحريم، وإنما هو مكروهٌ.
السؤال: ما حكم التنفل بركعات بين الأذان والإقامة؟
الجواب: يدخل ذلك في التطوع المطلق ولا بأس به، يعني مثلًا: أتيت لصلاة الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، وأصبحت تصلي مثنى مثنى بين الأذان والإقامة؛ لا بأس بذلك، هذا يدخل في التطوع المطلق، والصلاة أحب العمل إلي الله ، لكن في صلاة الفجر خاصةً تكتفي بالسنة الراتبة، إلا إذا مثلًا أتيت للمسجد مبكرًا، وأتيت بتحية المسجد، ثم بعد ذلك أردت أن تأتي بالسنة الراتبة؛ فلا بأس لك، لا تَزِد على ذلك، أما ما عدا الفجر فلك أن تُصلِّي مثنى مثنى.
السؤال: ما حكم قراءة (يس) عند المحتضر؟
الجواب: لا تُشرع قراءة سورة (يس) عند المحتضر، الحديث المروي حديث معقل بن يسارٍ: «اقرءوا عند موتاكم يس» [13]، حديث ضعيفٌ لا يصح عن النبي .
السؤال: ما حكم التعزية؟
الجواب: التعزية سنةٌ، وهي من حق المسلم على المسلم، خاصةً إذا كان قريبًا أو صديقًا فمن حقه عليك أن تعزيه، والأفضل أن تكون التعزية حضوريًّا إن تيسر، فإن لم يتيسر؛ فتكون عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها سنةٌ مؤكدةٌ، ومن حق المسلم على المسلم.
السؤال: يوجد لدى بعض النساء وصل شعورهن بشعرٍ صناعيٍّ، فما حكم ذلك؟
الجواب: إذا كان هذا الشعر الصناعي كهيئة الشعر الطبيعي؛ فإن هذا لا يجوز، ويدخل في الوصل المحرم: ولعن الله الواصلة والموصولة [14].
أما إذا لم يكن على هيئة الشعر الطبيعي، وإنما كان مثلًا ملونًا، يَعرف الناظر أن هذا ليس شعرًا طبيعيًّا؛ فلا بأس بذلك، ويكون هذا من الزينة المباحة؛ وذلك لأن العلة من النهي عن الوصل هي ما جاء في حديث معاوية أنه أخذ كُبَّةً من شعرٍ وقال: إن النبي نهى عن هذا وسماه الزور [15]، قوله: “الزور” يعني: من التزوير والتلبيس والتدليس، وهذا إنما يكون فيما يشبه الشعر الطبيعي، أما لو كان ليس يشبه الشعر الطبيعي، وإنما معروفٌ أن هذا شعرٌ صناعيٌّ؛ كأن يكون ملونًا أو نحو ذلك؛ فالأصل في هذا الجواز.
السؤال: نختم بهذا السؤال: ما الحكم إذا خفي موضع النجاسة؟
الجواب: إذا خفي موضع النجاسة؛ فيجتهد المسلم بما يغلب على ظنه أن هذا هو موضع النجاسة، ويغسله حتى لا يبقى للنجاسة أثرٌ من لونٍ أو طعمٍ أو رائحةٍ، فيجتهد بما يغلب على ظنه، ويحتاط أيضًا، يحتاط، فإذا مثلًا اشتبه عليه موضع النجاسة، وغلب على ظنه أن النجاسة هي قطراتٌ من بولٍ؛ يجتهد في المكان الذي يغلب على الظن أن قطرات البول هذه أصابته، ويغسله بحيث لا يبقى أثرٌ للنجاسة، وإذا اجتهد بما غلب على ظنه؛ كفى ذلك وتبرأ به الذمة.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه النسائي: 4857، ومالك في الموطأ: 2/ 849، وابن حبان:7201، والحاكم: 1461. |
---|---|
^2 | سبق تخريجه. |
^3 | رواه مسلم: 1682. |
^4 | رواه البيهقي: 16361. |
^5 | رواه أبو داود: 4524، والطبراني: 4413. |
^6 | رواه أبو داود: 3964، وأحمد: 16010، والبيهقي: 4891. |
^7 | رواه البخاري: 5893، ومسلم: 259. |
^8 | رواه مسلم: 260. |
^9 | رواه البخاري: 5892. |
^10 | رواه مسلم: 259-260. |
^11 | رواه البخاري: 6502. |
^12 | رواه البخاري: 2996، بنحوه. |
^13 | رواه أبو داود: 3121، وابن ماجه: 1448، وأحمد: 20301. |
^14 | رواه البخاري: 5941. |
^15 | رواه البخاري: 5938. |