logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(83) كتاب الديات- من قوله: “‌‌فصلٌ في مقادير ديات النفس”

(83) كتاب الديات- من قوله: “‌‌فصلٌ في مقادير ديات النفس”

مشاهدة من الموقع

هذا الدرس يُعتبر مجلس علمٍ، والنبي يقول: مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنة [1]، فالذي يُتابع مثل هذه الدروس ويحتسب الأجر عند الله ​​​​​​​ هو في عبادةٍ.

ننتقل بعد ذلك إلى التعليق على “السلسبيل” في هذا الدرس الثالث والثمانين في هذا اليوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر شوال من عام 1444 للهجرة.

وكنا قد وصلنا إلى “مقادير دِيَات النفس”.

مقادير ديات النفس

قال المصنف رحمه الله:

فصلٌ في مقادير دِيَات النفس.

قال:

دِيَة الحُرِّ المسلم -طفلًا كان أو كبيرًا- مئة بعيرٍ، أو مئتا بقرةٍ، أو ألفا شاةٍ، أو ألف مثقال ذهبٍ، أو اثنا عشر ألف درهم فضة.

أصول الدِّيَات

فالمؤلف أفاد بأن هذه الأموال الخمسة هي أصول الدِّيَات، وهذه المسألة محل خلافٍ بين الفقهاء على قولين:

  • القول الأول الذي قرره المؤلف: أن الأصل في الدِّيَة هذه الأموال الخمسة، وهي: مئة بعيرٍ، ومئتا بقرةٍ، وألفا شاةٍ، وألف مثقال ذهبٍ، واثنا عشر ألف درهمٍ -يعني: من الفضة- هذا هو مذهب المُتأخرين من الحنابلة.
    واستدلوا بحديث: أن رسول الله قضى في الدِّيَة على أهل الإبل مئةً من الإبل، وعلى أهل البقر مئتي بقرةٍ، وعلى أهل الشَّاء ألفي شاةٍ [2]، والحديث في سنده مقالٌ، فهو ضعيفٌ لا يثبت.
  • القول الثاني: أن الأصل في الدِّيَة الإبل، وأن غيرها مُتَقَوَّمٌ بها.
    وهذا هو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو روايةٌ عند الحنابلة، وبعض فقهاء الحنابلة يرون أن هذه الرواية هي الصحيح من المذهب؛ لأن هناك خلافًا أيّ الروايتين هي الصحيح من مذهب الحنابلة، فعند المُتأخرين -كما ذكر صاحب “دليل الطالب”- أن الرواية الأولى هي الصحيح: أنها في خمسة أموالٍ، وبعض فقهاء الحنابلة -مثل: ابن منجى- ذكر أن الرواية الصحيحة عند الحنابلة هي القول الثاني، وهو: أن الأصل في الدِّيَة الإبل.

واستدلَّ الجمهور لقولهم بأن الأصل الإبل فقط بكتاب عمرو بن حزم المشهور الذي كتبه النبي لأهل اليمن، وفيه: في النفس الدِّية مئة من الإبل [3]، وأيضًا حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما الذي مرَّ معنا في الدرس السابق: ألا إن دِيَة الخطأ شبه العمد -ما كان بالسَّوط والعصا- مئةٌ من الإبل [4].

وهذا هو القول الراجح الذي اختاره جمعٌ من المُحققين من أهل العلم، ومما يدل له أيضًا أن عمر بن الخطاب  خطب في عهده، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: “ألا إن الإبل قد غَلَتْ” فَقَوَّم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الوَرِق اثني عشر ألفًا، وعلى أهل البقر مئتي بقرةٍ، وعلى أهل الشَّاء ألفي شاةٍ [5].

فهذا يدل على أن عمر  اعتبر أن الأصل الإبل، وقَوَّم بها الأموال الأخرى؛ ولذلك قال: “ألا إن الإبل قد غَلَتْ”، وكان هذا بِمَحْضَرٍ من الصحابة، فكان كالإجماع.

ثمرة الخلاف في هذه المسألة: أننا إذا قلنا: إن الأصل الإبل فلا يُعْدَل عنها إلى غيرها إلا برضا الطرفين. وإذا قلنا: إن الأصل هي الأصناف المذكورة أُلْزِمَ ولي الدم بأخذ ما أعطاه الجاني.

فإذا رجحنا أنها الإبل، لو أن أولياء الدم قالوا: نريد مئةً من الإبل، ما تُعطينا دراهم. فلهم ذلك، لكن على قول المؤلف يُلْزَمون؛ لأن الدراهم تقوم مقام الذهب والفضة، لكن على القول الراجح له الحق في أن يقول: لا تُعطني دراهم، أنا ما أريد أن تُعطيني ثلاثمئة ألف وأربعمئة ألف، أريد أن تُعطيني مئةً من الإبل. فعلى القول الراجح له ذلك؛ لأن الأصل الإبل.

أقسام الدية

الدِّيَة لا تخلو من أن تكون إما مُغلَّظة أو مُخَفَّفة، ومرَّ معنا أن المُغلَّظة تكون في أيِّ أنواع القتل؟

في العمد وشبه العمد، والمُخفَّفة تكون في الخطأ.

فالدِّيَة المُغلَّظة: ثلاثون حِقَّة، وثلاثون جَذَعَة، وأربعون خَلِفَة في بطونها أولادها.

ثلاثون وثلاثون وأربعون: ثلاثون حِقَّة، وثلاثون جَذَعَة، وأربعون خَلِفَة في بطونها أولادها.

والمُخفَّفة: عشرون بنت مَخَاضٍ، وعشرون ابن مَخَاضٍ، وعشرون بنت لَبُونٍ، وعشرون حِقَّة، وعشرون جَذَعَة.

يعني: أخماسًا، عشرون بنت مَخَاضٍ، وعشرون ابن مَخَاضٍ، وعشرون بنت لَبُونٍ، وعشرون حِقَّة، وعشرون جَذَعَة.

تقديرها المُعاصر: مرَّ التَّقدير عندنا في المملكة بمراحل، يعني: كان قديمًا بخمسةٍ وأربعين ألفًا المُخفَّفة، وخمسين المُغلَّظة، ثم بعد ذلك أصبحت مئة ألفٍ المُخفَّفة، ومئةً وعشرة المُغلَّظة، وبقيتْ مدةً طويلةً، ثم مُؤخرًا صدر قرارٌ من المحكمة العليا بتقويم الدِّيَة المُغلَّظة بأربعمئة ألف ريالٍ سعودي، والمُخفَّفة بثلاثمئة ألف ريالٍ سعودي، أو ما يُعادلها بالعملات الأخرى.

فهذا الآن هو الذي عليه العمل: أن المُغلَّظة الآن أربعمئة ألفٍ، والمُخفَّفة ثلاثمئة ألفٍ.

وبناءً على ذلك في دِيَة الخطأ ثلاثمئة ألفٍ، ولو أن أولياء الدم أرادوا إبلًا، على القول الراجح يلزم إعطاؤهم إبلًا.

وهكذا أيضًا بالنسبة للقتل العمد وشبه العمد إذا أرادوا إبلًا.

ولذلك لما كانت الدِّيَة سعرها مُرتفعًا أو مُكلِّفةً؛ جُعِلت الدِّيَة على العاقلة، فتجتمع العَصَبَة، وهذا -إن شاء الله- سيأتينا في بابٍ مُستقلٍّ؛ نظرًا لأن الدِّيَة -حتى في وقتنا الحاضر- مُكلِّفةٌ، يعني: أربعمئة ألفٍ، مبلغٌ ليس سهلًا، أو ثلاثمئة ألفٍ بالنسبة للخطأ؛ فلذلك جُعِلت الدِّية على العاقلة لهذا المعنى؛ لأنها مُكلِّفةٌ وكبيرةٌ، لكن المحكمة العليا عملوا تسعيرًا لمتوسط الإبل في جميع المناطق، فوجدوا أنها بين ثلاثة آلافٍ وأربعة آلافٍ، وربما مُستقبلًا يتغيَّر هذا التَّقدير، فربما ترتفع أو تنخفض؛ فيتغيَّر هذا التَّقدير.

دِيَة الحُرَّة المسلمة

طيب، قال:

ودِيَة الحُرَّة المسلمة على النصف من ذلك.

دِيَة المرأة المسلمة الحُرَّة على النصف من دية الرجل، رُوِيَ في ذلك حديثٌ عن النبي أخرجه البيهقي: دِيَة المرأة على النصف من دِيَة الرجل [6]، والحديث ضعيفٌ، لكن أجمع العلماء على ذلك، وحكى الإجماع ابن المنذر وابن عبدالبر، ولا يُعلم عن أحدٍ من المُتقدمين أنه خالف في هذه المسألة، وإنما أتى الخلاف في الوقت الحاضر مع الكلام عن المرأة والحديث عن المرأة؛ انْبَرَى بعض المعاصرين وقالوا: لا، كيف تكون دِيَة المرأة على النصف من دِيَة الرجل؟! دِيَة المرأة مُساويةٌ لِدِيَة الرجل.

قيل: طيب، ما قال بهذا أحدٌ من المُتقدمين.

قالوا: لا، وجدنا أنه قال به ابن عُليَّة والأصم.

وابن عُليَّة والأصم من المعتزلة، وأيضًا لا يُعرف عنهما نُبوغٌ في الفقه، إنما عُرِفَا بالمُخالفة في أبواب الاعتقاد؛ فلا يُعتبر قولهما؛ ولهذا قال المُوفق ابن قُدامة: “هذا قولٌ شاذٌّ يُخالف إجماع الصحابة وسُنة النبي “.

وهذا المنهج يسلكه بعض الناس؛ يُحاولون أن يُخْضِعوا الشريعة للواقع، وهذا خطأٌ، فالواجب إخضاع واقع الناس لشريعة الله، ويَقْبُح ذلك إذا كان من عالمٍ شرعيٍّ، فيأتي ويبحث عن قولٍ، وما وَجَدَ إلا قول ابن عُليَّة والأصم من المعتزلة، ويُريد أن يُرتب على ذلك حُكْمًا فقهيًّا!

أين ابن عُليَّة والأصم؟! ما سمعنا بهما في مسائل الفقه الأخرى!

هل سمعتَ عن ابن عُلَيَّة والأصم في أبواب الفقه الأخرى؟

ما سمعنا بهما أصلًا، ما سمعنا بهما إلا في هذه المسألة فقط؛ لأنهم ما وجدوا أحدًا من المُتقدمين قال بهذا القول إلا ابن عُليَّة والأصم، وهذا منهجٌ خاطئٌ، فمعنى: أجمع العلماء، يعني: المسألة أقوى ما فيها الإجماع، يعني: لو كانت المسألة خلافيةً يمكن أن تُبْحَث، لكن المسألة محل إجماعٍ: أن المرأة دِيَتها على النصف من دِيَة الرجل.

وذكر ابن القيم الحكمة من ذلك، وهي: أن المرأة على النصف من الرجل في الأمور المالية في أمورٍ كثيرةٍ: في الميراث -مثلًا- وفي العقيقة، وفي أمورٍ كثيرةٍ، مثلًا: في النكاح تأخذ المال، والرجل يدفع المال، فهي تُخالف الرجل.

فليس معنى قولنا: إن دِيَتها على النصف من الرجل، أنه فيه انتقاصٌ من المرأة، ليس فيه انتقاصٌ، كما أننا نقول في الميراث: تأخذ نصف ما يأخذ الرجل، وليس فيه انتقاصٌ، لكن المرأة لها وظائف ومسؤوليات في الحياة تختلف عن مسؤوليات الرجل، والله تعالى أحكم الحاكمين جلَّ وعلا.

وإذا كان الإنسان لن يقبل من أحكام الشريعة إلا ما يُوافق عقله وهواه فهذا عبدٌ لهواه، وليس عبدًا لله : أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:43]، هذا عبدٌ لهواه، وإنما الذي يكون عبدًا لله هو الذي يستسلم لحكم الله وشرعه، سواء عَرَفَ الحكمة أو لم يعرفها، سواء وافقتْ ما في نفسه أو لم تُوافق: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، هذا مُقتضى العبودية والاستسلام لله .

العجيب من هذا الإنسان الذي كان نُطْفَةً فإذا هو خصيمٌ مُبينٌ: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [يس:77] أنه يُخاصم ربه وخالقه وخالق السماوات والأرض.

فهذا المنهج كما ترون، يعني: بعض المعاصرين حاولوا أن يجدوا مَن قال بأن دِيَة المرأة كَدِيَة الرجل فما وجدوا إلا ابن عُليَّة والأصم، فقالوا: إن هذا هو القول الصحيح، وأن هذا كذا. وهذا قولٌ باطلٌ؛ لأنه مُخالفٌ للإجماع.

نعم؛ لأن الرجل هو المُكلف بالنَّفقة، والمرأة تكون لها النفقة، فالمرأة تأخذ، والرجل هو الذي يُطَالَب بتوفير النفقة؛ ولذلك -مثلما مرَّ معنا في كتاب النكاح- لو عجز الزوج عن الإنفاق على زوجته لها أن تطلب الفسخ؛ لأنه مُطالبٌ شرعًا بأن يُنْفِق عليها.

دِيَة الكتابيِّ الحُرِّ

قال المصنف رحمه الله:

ودِيَة الكتابيِّ الحُرِّ كَدِيَة الحُرَّة المسلمة.

يعني: لو أن المؤلف عبَّر بقوله: “دِيَة الكتابي على النصف من دِيَة المسلم” لكان أحسن في العبارة، فَدِيَة الكتابي نصف دية المسلم؛ لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي قضى بأن عَقْلَ أهل الكتاب نصف عَقْل المسلمين [7]، يعني: دِيَة أهل الكتاب نصف دِيَة المسلمين، وفي روايةٍ: دِيَة الكافر نصف دِيَة المسلم [8]، وهذا مذهب المالكية والحنابلة.

وذهب الحنفية إلى أن دِيَة الكتابي كَدِيَة المسلم.

وذهب الشافعية إلى أن دِيَة الكتابي ثُلث دِيَة المسلم، وهذا رُوي عن الإمام أحمد، لكن رجع عن ذلك، كما قال المرداوي: “إن الإمام أحمد رجع عن هذه الرواية في رواية أبي الحارث”، واستدلَّ بقضاء عثمان .

والقول الراجح هو القول الأول: أن دِيَة الكتابي نصف دِيَة المسلم؛ لحديث عمرو بن شعيب، ولقضاء عثمان .

وعلى هذا لو أردنا أن نحسبها بالريالات، كم تكون دِيَة الكتابي في الدِّيَة المُغلَّظة؟

مئتا ألفٍ.

وفي المُخفَّفة: مئةٌ وخمسون ألفًا.

قال:

ودِيَة الكتابية على النصف.

يعني: على النصف من دِيَة الكتابي.

معنى ذلك: أن دِيَة الكتابية تكون ربع دِيَة المسلم؛ لأن الكتابي نصف دِيَة المسلم، والكتابية نصف الكتابي؛ فتكون ربع دِيَة المسلم.

دِيَة المجوسي الحُرّ

ودِيَة المجوسي الحُرِّ ثمانمئة درهمٍ، والمجوسية على النصف.

المقصود بالمجوسي: الكافر من غير أهل الكتاب؛ ولذلك يُعبِّرون بالمجوسي يُريدون هذا، وبعض الفقهاء يُعبر عن ثمانمئة درهمٍ بثُلثي عُشْر الدِّيَة؛ لأن الدِّيَة بالدراهم اثنا عشر ألفًا، وعُشْر اثني عشر ألفًا كم؟

ألفٌ ومئتان.

طيب، ثلثها؟ ثلث ألفٍ ومئتين.

أربعمئةٍ، وثُلثاها؟

ثمانمئةٍ، هذا وجه كونها ثمانمئةٍ، ثُلُثَي عُشْر الدِّيَة، وهذه تُفيدنا عندما نُريد معرفتها بالريالات.

وهذا هو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا ببعض الآثار عن بعض الصحابة.

والحنفية ذهبوا إلى أن دِيَة المجوسي أو الكافر غير الكتابي كَدِيَة المسلم، كقولهم في دِيَة الكتابي، واستدلوا بعموم الأدلة، وقالوا: من غير تفريقٍ بين المسلم وغيره.

وقد تعجب الإمام أحمد من قول الحنفية هذا، وقال: “سبحان الله! هذا عَجَبٌ! يصير المجوسي مثل المسلم! ما هذا القول؟!”.

القول الثالث: أن دِيَة الكافر غير الكتابي كَدِيَة الكتابي، يعني: على النصف من دِيَة المسلم.

وهذا رُوِيَ عن بعض التابعين: كعمر بن عبدالعزيز، وهو قولٌ لبعض الفقهاء، واستدلوا بعموم الأحاديث التي تدلُّ على أن دِيَة الكافر على النصف من دِيَة المسلم من غير تفريقٍ بين الكتابي وغيره؛ كحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: دِيَة الكافر نصف دِيَة المسلم [9].

وهذا القول هو القول الراجح، وهو: أن غير الكتابي مثل الكتابي، وأن دِيَته نصف دِيَة المسلم، رجَّحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وهو الأقرب من حيث الدليل.

وأما ما استدلَّ به أصحاب القول الأول من الآثار عن بعض الصحابة فكلها ضعيفةٌ لا تثبت، ولو ثبتت لا تقوى على مُخالفة النص، وقول الصحابي إنما يكون حُجَّةً عند مَن احتجَّ به إذا لم يُخالفه صحابيٌّ آخر؛ لأن قول الصحابي -هذه مسألةٌ أُصوليةٌ- إذا خالفه صحابيٌّ غيره فليس بحُجَّةٍ بالإجماع، أما إذا لم يُخالفه صحابيٌّ غيره، فإن كان قد اشتهر ولم يُخالفه صحابيٌّ غيره فهذا حُجَّةٌ؛ لأنه إجماعٌ سكوتيٌّ، وإذا لم يُخالفه صحابيٌّ غيره ولم يشتهر ففيه خلافٌ: هل هو حُجَّةٌ أو ليس بحُجَّةٍ؟

وجمهور الأصوليين -وهو الأقرب- على أنه ليس بحُجَّةٍ؛ لأنه لا يُعتبر من مصادر التَّشريع مثل: الكتاب والسنة والإجماع، مع فضل الصحابة وعظيم مكانتهم، لكن إذا لم يشتهر لا يُعتبر حُجَّةً عند الجمهور.

إذن القول الراجح: أن دِيَة غير الكتابي كَدِيَة الكتابي، ومعنى ذلك: أنها تكون على النصف من دِيَة المسلم، وإذا أردنا أن نُقَدِّرها بالدراهم فتكون المُغلَّظة: مئتي ألفٍ، والمُخفَّفة: مئةً وخمسين ألفًا.

لكن الذي عليه العمل في المحاكم هو المذهب، أما من حيث الدليل فلا فرق بين الكتابي وغيره.

المرأة كالرجل إلى ثلث الدِّيَة

قال:

ويستوي الذكر والأنثى فيما يُوجب دون ثُلث الدِّية.

يعني: في الجنايات والجروح التي دون ثُلث الدِّيَة يتساوى الذكر والأنثى.

فلو قطع ثلاثة أصابع حُرَّة مسلمة لزمه ثلاثون بعيرًا.

لأنه عن الأصبع عشرةٌ من الإبل.

فلو قطع رابعةً قبل بُرْءٍ رُدَّتْ إلى العشرين.

يعني: المرأة إذا قُطِعَتْ ثلاثة أصابع، وقلنا: عن الأصبع عشرٌ من الإبل، يكون عنها كم؟

عشرٌ وعشرٌ وعشرٌ: ثلاثون من الإبل.

طيب، نحن قلنا: إن المرأة كالرجل إلى ثلث الدِّيَة، فإذا زادتْ على ثلث الدِّيَة تكون على النصف من الرجل، معنى ذلك: إذا قُطعتْ أربعة أصابع أصبحتْ الآن أكثر من الثلث، فيُفترض أنها أصلًا أربعون، لكن هي على النصف من الرجل؛ فنردّها إلى عشرين، فإذا قُطعتْ ثلاثة أصابع دِيَتها ثلاثون، وإذا قُطعتْ أربعة أصابع دِيَتها عشرون، وهذا قد رُوي فيه حديثٌ عن النبي لما قال: عَقْلُ المرأة مثل عَقْلِ الرجل حتى يبلغ الثلث من دِيَتها [10]، وهو ضعيفٌ، لكن فيه آثارٌ عن الصحابة.

وابن القيم ناقش هذه المسألة وقال: “إن هذه المسألة لا تُخالف القياس؛ لأن ما كان دون الثلث قليلٌ، فتُجبر المرأة بمُساواتها بالرجل”، فإذا كانت -مثلًا- قُطعتْ ثلاثة أصابع؛ تُعطى ثلاثون من الإبل، لكن ما زاد، ما كان كثيرًا، أكثر من الثلث؛ تكون على النصف من الرجل، فإذا قُطعتْ أربعة أصابع تكون فيها عشرون، وأن هذا لا يُخالف القياس.

تغليظ الدِّية

قال:

وتُغلَّظُ دِيَة القتل الخطأ في كُلٍّ من: حَرَم مكة، وإحرامٍ، وشهرٍ حَرَامٍ بالثلث.

يعني: الدِّيَة تُغلَّظ في هذه الأمور الثلاثة بأن يُزاد عليها ثُلث الدِّيَة، وهي: أن يكون القتل الخطأ في حَرَم مكة، أو أن يكون القتل الخطأ من مُحْرِمٍ، أو أن يكون في الشهر الحَرَام.

والأشهر الحُرم أربعةٌ، مَن يذكر لنا الأشهر الحرم الأربعة؟

طالب: …….

الشيخ: ذو القعدة وذو الحجة ومُحرَّمٌ ورجب، أحسنتَ، هذه الأشهر الحُرم.

فالمؤلف يقول: وهو المذهب: أن دِيَة القتل الخطأ تُغلَّظ بزيادة الثلث في هذه الأمور الثلاثة.

قال:

فمع اجتماع الثلاثة يجب دِيَتان.

يعني: واحدةً للقتل، وواحدةً لتكرار التَّغليظ ثلاث مراتٍ.

هذا رجلٌ قتل وهو مُحْرِمٌ في الحَرَم في الشهر الحَرَام؛ فمعنى ذلك: تكون عليه دِيَتان على كلام المؤلف، وليس عندهم حُجَّةٌ سوى الآثار المروية عن بعض الصحابة: كابن عباسٍ وعمر وعثمان .

القول الثاني: أن الدِّيَة لا تُغلَّظ في هذه المواضع، وإلى هذا ذهب الجمهور؛ لعموم الأدلة المُوجبة للدِّيَة من غير تفريقٍ بين الحَرَم والإحرام والشهر الحَرَام، وهذا هو القول الراجح.

وجاء في حديث أبي شُرَيحٍ: ثم إنكم معشر خُزاعة قتلتم هذا الرجل من هُذَيلٍ، وإني عاقِلُه [11]، ولم يُغلِّظ النبي عليه الصلاة والسلام الدِّيَة.

أما ما استدلَّ به الحنابلة من الآثار عن بعض الصحابة فقد أجاب عنها ابن المنذر فقال: “وليس يثبت ما رُوي عن عمر وعثمان وابن عباسٍ في هذا الباب، وأحكام الله على الناس في جميع البقاع واحدةٌ”.

هذا يُؤيِّد ما ذكرتُه قبل قليلٍ من أهمية ضبط طالب العلم للحديث.

لاحظ: هنا أصحاب القول الأول استدلوا بآثارٍ رُويتْ عن عمر وابن عباسٍ وعثمان .

أصحاب القول الثاني قالوا: هذه الآثار ما تثبت، كلها ضعيفةٌ.

فلاحظ: أن طالب العلم لا ينفك عن الحديث، ولا بد أن يكون مُرتبطًا به.

ومَرَّتْ قبل قليلٍ معنا -أيضًا- مسألةٌ أصوليةٌ: مسألة قول الصحابي؛ ولذلك فطريقة التَّفقُّه الصحيحة: أن تدرس الفقه وأصول الفقه والحديث جميعًا؛ لأنك أثناء دراستك للفقه لا بد أن تمرَّ عليك مسائل أصولية ومسائل حديثية.

إذن القول الراجح: عدم تغليظ الدية في هذه الأمور الثلاثة.

قال:

وإن قتل مسلمٌ كافرًا عمدًا أُضْعِفَتْ دِيَته.

يعني: المسلم لا يُقاد بالكافر، مَرَّتْ معنا هذه المسألة، وذكرنا من شروط القصاص: المُكافأة بين القاتل والمقتول، والكافر لا يُكافئ المسلم؛ فلا يُقْتَصّ منه.

لكن يقول المؤلف: إنه إذا لم يُقْتَصَّ منه؛ فتُضاعف الدِّيَة على المسلم، تُضاعف الدِّيَة. واستدلوا بأثرٍ رُوِيَ عن عثمان .

وهذا القول عند الحنابلة، وهو من المُفردات.

والقول الثاني قول الجمهور: إنها لا تُضاعف الدِّية في هذه الحال، وإنما دِيَته دِيَة غيره.

وهذا هو القول الراجح؛ لأن القول بتضعيف الدِّيَة يحتاج إلى دليلٍ، وأما أثر عثمان فضعيفٌ لا يصح.

هنا تأتينا أيضًا مسألة الحديث: أثر عثمان  هنا ضعيفٌ لا يصح، ولو صحَّ فهو اجتهادٌ، واجتهاده لا يقف في مُقابلة عموم الأدلة.

على أنه قيل: إن فعل عثمان  لو صحَّ فهو من باب التَّعزير، وليس على سبيل الدِّيَة.

قال:

ودِيَة الرَّقيق قيمته، قَلَّتْ أو كَثُرَتْ.

الرقيق يُعتبر مالًا؛ ولذلك دِيَته قيمته عند عامة أهل العلم.

دِيَة الجنين

ثم انتقل المؤلف رحمه الله للكلام عن دِيَة الجنين، قال:

فصلٌ:

ومَن جنى على حاملٍ فَأَلْقَتْ جنينًا حُرًّا مسلمًا -ذكرًا كان أو أنثى- فَدِيَتُه غُرَّةٌ، قيمتها عُشْرُ دِيَة أُمِّه، وهي خمسٌ من الإبل.

والغُرَّة هي عبدٌ أو أَمَةٌ.

فأفاد المؤلف أن دِيَة الجنين خمسٌ من الإبل، وأنها غُرَّةٌ، ومعنى غُرَّة: قيمة عبدٍ أو أَمَةٍ، وتُقدَّر بخمسٍ من الإبل.

ويدلُّ لذلك قصة المرأتين من هُذَيلٍ اللتين اقتتلتا، فقتلتْ إحداهما الأخرى وما في بطنها، فقضى النبي بأن دِيَة المرأة على عاقِلَتها، وقضى بأن في الجنين غُرَّةً، يعني: قيمة عبدٍ أو أَمَةٍ، وهي خمسٌ من الإبل [12].

إذا أردنا أن نعرف قيمة الغُرَّة بالتقدير المعاصر، وهذه قضيةٌ مهمةٌ؛ لأن المرأة أحيانًا تتسبب في الإسقاط -مثلًا- أو الطبيب يتسبب، فكم دِيَة هذا الجنين؟

أو أحدٌ يعتدي على امرأةٍ حامل فتُسقط، فكم دِيَة الجنين؟

إذا أردنا أن نعرف قلنا: إنها خمسٌ من الإبل، وإذا أردنا أن نعرفها بالتقدير المعاصر عندنا طريقتان: إما أن نقول: عُشْر دِيَة أُمِّه، دِيَة الجنين عُشْر دِيَة أُمِّه، أو أننا ننظر لخمسٍ من الإبل كم تُساوي الواحدة؟

طيب، إذا أخذنا الطريقة الثانية أسهل في الدِّيَة المُخفَّفة، فالدِّية المُخفَّفة: ثلاثمئة ألفٍ، والمُغلَّظة: أربعمئة ألفٍ.

الدِّية المُخفَّفة: ثلاثمئة ألفٍ بالنسبة للرجل، وبالنسبة للمرأة كم؟

مئةٌ وخمسون ألفًا.

طيب، إذا قلنا: ثلاثمئة ألفٍ عن مئةٍ من الإبل، معنى ذلك: أن قيمة الواحدة من الإبل كم؟

ثلاثة آلافٍ.

طيب، قلنا: إن دِيَة الغُرَّة خمسٌ من الإبل، فنضرب خمسةً في ثلاثة آلافٍ، بخمسة عشر ألفًا.

هذه الطريقة أسهل.

الطريقة الثانية: أن دِيَة الجنين عُشْر دِيَة أُمِّه، ودِيَة أُمِّه كم؟

مئةٌ وخمسون ألفًا، تقسيم عشرة = خمسة عشر ألفًا.

تستطيع أن تصل للرقم بإحدى الطريقتين: إما أن تنظر لقيمة الواحدة من الإبل وتضربها في خمسةٍ، أو أنك تنظر لِدِيَة المرأة، وتقسمها على عشرةٍ، فإما هذه، وإما هذه.

إذا كان القتل خطأً فَمُخَفَّفةٌ، وإذا كان عمدًا فمُغلَّظةٌ، وإذا كان عمدًا تكون عشرين ألفًا.

طيب، يعني: الغالب أنها تكون خطأً، في الغالب.

إذن مَن اعتدى على امرأةٍ حامل، فَأَلْقَتْ جنينها؛ فَدِيَته خمسة عشر ألف ريالٍ سعودي، أو ما يُعادلها.

تتعدد الغُرَّة بتعدُّد الجنين

قال:

وتتعدَّد الغُرَّة بتعدُّد الجنين.

يعني: لو أسقط جنينين يكون فيهما ثلاثون ألفًا، وهكذا.

ودِيَة الجنين الرَّقيق عُشْر قيمة أُمِّه.

يُنظر إلى قيمة أمه، ويكون العُشْر؛ عُشْر القيمة.

دِيَة الجنين المحكوم بكفره

ودِيَة الجنين المحكوم بكفره غُرَّةٌ قيمتها عُشْر قيمة أُمِّه.

وسبق أن قلنا: إن الكافر -سواء كان كتابيًّا أو غيره- دِيَته نصف دِيَة المسلم، ودِيَة الكتابية نصف دِيَة الكتابي أو دِيَة الكافر عمومًا.

فعلى ذلك إذا قلنا: إن دِيَة الكافر عمومًا نصف دِيَة المسلم؛ فتكون خمسين من الإبل، أما الكتابية أو الكافرة فكم؟

خمسةٌ وعشرون ألفًا.

إذن خمسةٌ وعشرون ألفًا عُشْرها كم؟

نقسم خمسةً وعشرين ألفًا على عشرة، كم؟

اثنان ونصف، فعلى هذا تكون دِيَة جنين الكافر: اثنان ونصف.

حكم مَن ضرب زوجته فأسقط جنينها

رجلٌ ضرب زوجته ضربًا مُبرِّحًا؛ فأسقطتْ جنينها، فالواجب الدِّيَة، وقلنا: الدِّيَة خمسة عشر ألفًا.

يُعطي هذه الدِّيَة لمَن؟

لورثة هذا الجنين، فمَن هم ورثة هذا الجنين؟

أمه وأبوه، لكن الأب ما يصح أن يرث هنا في هذه الصورة، فتكون الدِّيَة كلها لأمه، يُعطي خمسة عشر ألفًا لأمِّ هذا الجنين.

وعليه أيضًا الكفارة إذا كان الجنين بلغ أربعة أشهرٍ فأكثر، وفي الكفارة لا توجد رقابٌ الآن؛ فيصوم شهرين متتابعين.

انتبه لهذه المسائل؛ لأنها قد يُحتاج لها في الفتوى.

طيب، لو كان الذي تسبب في إسقاط الجنين الطبيب، أعطى هذه المرأة الحامل دواءً فأجهضتْ، فإن كانت طبيعة الدواء لا تتسبب في الإسقاط فليس عليه شيءٌ، أما إذا كان هذا الطبيب حصل منه تَعَدٍّ أو تفريطٌ، وأنه لم يتأكد من طبيعة الدواء، ونحو ذلك؛ فعليه الدِّيَة والكفارة، عليه الدِّيَة خمسة عشر ألفًا، لكن تكون الدِّيَة لمَن؟

لأبي الجنين وأمه، فكم يأخذ الأب؟

يأخذ الأب الثلثين، والأم الثلث.

وعليه أيضًا الكفارة، وهي صيام شهرين متتابعين.

طالب: …….

الشيخ: إذا كان الأب موجودًا يحجب الورثة.

خُذْهَا قاعدةً: إذا وُجِدَ الأب حجب جميع الورثة.

الأب والابن هما أقوى الورثة، فإذا وُجِدَ في مسألةٍ ابنٌ أو أبٌ لا تنظر للحواشي: لا إخوة، ولا أعمام، ولا بنوهم؛ لأنهما أقوى الورثة.

إذا كان عمر الجنين أقلّ من أربعة أشهرٍ فهذا ليس فيه دِيَةٌ ولا كفارةٌ، لكن طبعًا يُعزَّر مَن فعل ذلك بتعزيرٍ مناسبٍ؛ لأنه ما زال نُطْفَةً أو مُضْغَةً أو عَلَقَةً.

متى يكون الإنسان إنسانًا؟

إذا نُفختْ فيه الروح.

الروح متى تُنْفَخ؟

إذا بلغ أربعة أشهرٍ، وقبل أربعة أشهرٍ ما نُفِخَتْ فيه الروح، ما زال نُطْفَةً، قطعة لحمٍ: نُطْفَة أو عَلَقَة أو مُضْغَة.

إذا بلغ أربعة أشهرٍ فأكثر.

طالب: …….

الشيخ: السؤال عن ماذا؟

طالب: …….

الشيخ: إذا بلغ أربعة أشهرٍ نُفِخَتْ فيه الروح، لكن الإشكال: كيف تُحسب الأربعة الأشهر؟ كيف تحسبها؟

حساب الأطباء الذين يحسبونها من أول يومٍ من آخر دورةٍ شهريةٍ، هذا غير صحيحٍ، إنما تُحسب من التقاء الحيوان المنوي بالبويضة، هذه الحسبة الصحيحة، ويمكن أن تحسبها الموجات فوق الصوتية بصورةٍ أدقّ، لكنها شرعًا تُحسب هكذا، أما أن تُحسب من أول يومٍ من آخر حيضةٍ، فهذه الحسبة شرعًا غير مقبولةٍ؛ ولذلك مَن قال: إن عمر الحمل كذا. وكيف عرفتَ أن عمر الحمل كذا؟

إذا حسبه بطريقة أنه من أول يومٍ من آخر حيضةٍ، فهذه الحسبة غير صحيحةٍ، إنما تُحسب من التقاء الحيوان المنوي بالبويضة عن طريق الأشعة فوق الصوتية، والأطباء يعرفون هذا، لكن بعضهم يحسبه بالعدد من أول يومٍ من آخر حيضةٍ، وهذه طريقةٌ غير مقبولةٍ شرعًا في الحساب هنا.

طالب: …….

الشيخ: لا، هو ما تعمد، هو ما قصد إسقاط الجنين؛ لأنه أيضًا ابنه، فهو بطريق الخطأ، لكن ربما أحيانًا ترتقي بعض القضايا إلى شبه العمد، لكن ما تصل إلى العمد، ترتقي إلى شبه العمد، فهي دائرةٌ بين الخطأ وشبه العمد، مثل: الحوادث المرورية، فالحوادث المرورية الأصل فيها أنها خطأٌ، لكن أحيانًا يمكن أن نعتبرها شبه عمدٍ؛ فلو قطع إشارةً حمراء -مثلًا- نعتبرها شبه عمدٍ.

دية الجنين إذا نزل حيًّا ثم مات

قال:

وإن أَلْقَت الجنين حيًّا لوقتٍ يعيش لمثله، وهو نصف سنةٍ فصاعدًا؛ ففيه ما في الحي.

يعني: إذا نزل الجنين حيًّا وعاش، ثم مات بسبب هذا الضرب، يعني: عاش -مثلًا- أسبوعًا أو يومًا أو يومين أو ثلاثةً ثم مات؛ ففيه دِيَةٌ كاملةٌ، فيه مئةٌ من الإبل، ولا نقول: فيه غُرَّةٌ؛ خمسٌ من الإبل.

فإن كان حُرًّا ففيه دِيَةٌ كاملةٌ.

ونقل ابن المنذر الإجماع.

وإن كان رقيقًا فقيمته، وإن اختلفا في خروجه حيًّا أو ميتًا فقول الجاني.

يعني: لو اختلفا في هذا الجنين، الجاني يقول: خرج ميتًا. والمرأة -مثلًا- تقول: خرج حيًّا. فإن كانت هناك بَيِّنةٌ فالقول قول صاحب البيِّنة، وإن لم تكن هناك بَيِّنةٌ فالقول قول الجاني بيمينه؛ لأنه مُنكرٌ لما زاد، والأصل براءة ذمته.

وتذكرون أنه مَرَّ معنا في أبواب المعاملات أنه عندما يختلف الغارم مع غيره ولا بَيِّنة فالقول قول الغارم بيمينه عند عدم وجود البَيِّنة، وهكذا أيضًا نُطبِّق هذه القاعدة هنا.

قال:

ويجب في جنين الدَّابة ما نقص من قيمة أمه.

لو كان الضرب لدابةٍ، مثلًا: شاة أو بقرة أو ناقة، فأسقطتْ جنينها ميتًا، فيجب عليه ما نقص من قيمة أمه، وذلك بأن تُقدَّر مع الحمل وبعد سقوط الجنين، فيضمن النَّقص الذي حصل بسبب هذا الإسقاط.

فصلٌ في دية الأعضاء

ثم قال المصنف رحمه الله:

فصلٌ في دِيَة الأعضاء.

المقصود بالأعضاء يعني: أعضاء الإنسان، كالأنف واللسان واليد والرِّجْل ونحو ذلك، والمراد بذلك: منافعها التَّالفة بسبب الجناية.

ضوابط في دية الأعضاء

وضع المؤلف ضوابط في هذا الباب.

ذكر المؤلف أربعة ضوابط إذا ضبطتَها ضبطتَ هذا الباب.

الضابط الأول قال:

مَن أتلف ما في الإنسان منه واحدٌ .. ففيه دِيَةٌ كاملةٌ.

ومثَّل المؤلف للشيء الذي في الإنسان  منه واحدٌ: كالأنف واللسان والذَّكَر، فهذه فيها الدِّيَة كاملةٌ.

لو أن إنسانًا اعتدى على آخر وقطع لسانه، ففيه الدِّيَة كاملةٌ: مئةٌ من الإبل.

الضابط الثاني:

ومَن أتلف ما في الإنسان منه شيئان .. ففيه الدِّيَة، وفي أحدهما النصف.

ومثَّل المؤلف:

كاليدين والرِّجْلين والعينين والأُذنين والحاجبين والثَّدْيَيْن والخُصْيَتين.

فلو أن إنسانًا اعتدى على آخر فأتلف إحدى عينيه؛ ففيها نصف الدِّيَة، أو أتلف إحدى أُذنيه؛ ففيها نصف الدِّيَة، أو إحدى خُصْيَتَيه؛ ففيها نصف الدِّيَة، أو على امرأةٍ وأتلف أحد ثَدْيَيْها؛ ففيه نصف الدِّيَة، فإذا أتلف الاثنين جميعًا تكون فيهما الدِّيَة كاملة.

الضابط الثالث مذكورٌ في “السلسبيل”، وليس في “الدليل”، فهو مُستدركٌ على “الدليل”.

الضابط الثالث: مَن أتلف ما في الإنسان منه ثلاثة أشياء، ففي كل واحدٍ ثلث الدِّيَة، مثال ذلك: مارن الأنف، فإنه يشتمل على ثلاثة أشياء: على المنخرين والحاجز بينهما، ففي كل واحدٍ ثلث الدِّية.

الضابط الرابع: ما كان في الإنسان منه أربعةٌ، ففي كل واحدٍ ربع الدِّية.

مثَّل المؤلف بالأجفان:

وفي الأجفان الأربعة الدِّية، وفي أحدها الربع.

مثلًا: العين اليمنى فيها الجفن الأعلى والأسفل، والعين اليُسرى فيها الجفن الأعلى والأسفل، هذه أربعةٌ، ففي كل جفنٍ ربع دِيَةٍ.

طالب: …….

الشيخ: الجفن: الذي هو غطاء العين.

إذن ما في الإنسان شيءٌ واحدٌ: دِيَةٌ كاملةٌ، وما فيه اثنان: نصف الدِّية لكل واحدٍ، وما فيه ثلاثةٌ: ثلث الدِّيَة لكل واحدٍ، وما فيه أربعةٌ: ربع الدِّيَة لكل واحدٍ.

هذه الضوابط في هذا الباب.

دية الأصابع

وفي أصابع اليدين الدِّيَة، وفي أحدها عُشْرها.

في الأصابع كلها الدِّيَة كاملة، وفي كل أصبعٍ عُشْر الدِّيَة، وهذا محل إجماعٍ.

ولاحظ: أن الإجماع هنا في مسائل الدِّيَة مبنيٌّ على حديثٍ ضعيفٍ: كتاب عمرو بن حزم، وهذا يدل على أن بعض الأحاديث الضعيفة يُعْمَل بها، وهي خيرٌ من العمل بالرأي والقياس؛ ولذلك الذي يأخذ الأحاديث بالمسطرة، ويقول: ما أقبل إلا حديثًا صحيحًا. ستأتيه إشكالاتٌ كثيرةٌ، مثلًا: في أبواب الدِّيات، ليس فيها إلا أحاديث ضعيفةٌ، فماذا تعمل؟

لا بد أن تعمل بهذه الأحاديث، ويُؤيِّد ذلك: عمل الأُمَّة، فالأُمة كلها عملتْ بهذه الأحاديث، وهذا يدل على أن الحديث الضعيف إذا عملتْ به الأُمَّة وتلقَّته بالقبول فإنه يُعْمَل به.

فتُلاحظ هنا: أن أبواب الدِّيات كلها كل الأحاديث الواردة فيها -أو جُلُّها- ضعيفةٌ، لكن نحن عملنا بها؛ لأن الأُمَّة تلقَّتها بالقبول وعملتْ بها.

دِيَة الأُنْمُلَة

قال:

وفي الأُنْمُلة: إن كانت من إبهامٍ نصف عُشْر الدِّيَة، وإن كانت من غيره فثلث عُشْرها.

قلنا: إن الأصبع فيه عُشْر الدِّيَة، الأصبع فيه كم أُنْمُلة؟

فيه ثلاثٌ؛ إذن يكون في كُلِّ أُنْمُلةٍ ثلث عُشْر الدِّيَة إلا الإبهام، والإبهام فيه كم أُنْمُلة؟

أُنْمُلتان.

لاحظ: الإبهام أُنْمُلتان؛ ففيه نصف عُشْر الدِّيَة، بينما بقية الأصابع ثلث عُشْر الدِّيَة.

وكذا أصابع الرِّجْلَين.

يُقال فيها كما قلنا في أصابع اليدين.

دِيَة الأسنان

وفي السِّنِّ خمسٌ من الإبل.

في السِّنِّ الواحدة خمسٌ من الإبل؛ لكتاب عمرو بن حزم.

وفي إذهاب نفع عضوٍ من الأعضاء دِيَةٌ كاملةٌ.

إذا فوَّت نفع عضوٍ من الأعضاء ففيه دِيَةٌ كاملةٌ، كأن يعتدي إنسانٌ على آخر فيُصاب المُعتدى عليه بشللٍ كاملٍ في يده؛ ففيه نصف الدِّيَة، وفي يديه دِيَةٌ كاملةٌ، وفي رِجْلِه نصف الدِّيَة، وفي الرِّجْلين الدِّيَة الكاملة، وهكذا.

انتهينا الآن من دِيَة النفس، ثم انتقلنا لدية الأعضاء، وننتقل بعد ذلك إلى دِيَة المنافع.

فصلٌ في دية المنافع

قال:

فصلٌ في دية المنافع.

تجب الدِّيَة كاملةً في إذهاب كُلٍّ من سمعٍ وبصرٍ وشَمٍّ وذوقٍ وكلامٍ وعقلٍ.

في كل واحدةٍ من هذه الدِّيَة كاملةً، فلو أن رجلًا اعتدى على آخر فأذهب سمعه وبصره ففيه كم دِيَة؟

دِيَتان، مئتان من الإبل، معنى ذلك: يكون فيه ستمئة ألفٍ.

لو أنه اعتدى على سمعه وبصره وشَمِّه وذَوْقِه وكلامه، فيه كم؟

خمس دِيَات، خمسمئةٍ من الإبل.

ومعنى ذلك: أن دِيَة المنافع أحيانًا قد تفوق دِيَة النفس.

وأذكر في قضيةٍ حصلتْ عند لجنة الأخطاء الطبية: أن طبيبًا تسبب على مريضٍ فَفَوَّت خمس منافع، فحكموا عليه بخمس دِيَاتٍ، حكموا على الطبيب بخمس دِيَاتٍ.

إذن كل منفعةٍ دِيَةٌ كاملةٌ.

وإذا أدَّت الجناية إلى إذهاب النُّطق؛ فإن كان في جميع الحروف دِيَةٌ كاملةٌ، وإن كان في بعض الحروف ففي كل حرفٍ بحسبه.

وَحَدَبٍ.

يعني: إذا أصبح بعد الضرب أَحْدَبَ، لا يستطيع أن يستقيم؛ ففيه الدِّيَة الكاملة.

ومنفعة مَشْيٍ.

إذا كان لا يستطيع أن يمشي بسبب الاعتداء فَدِيَةٌ كاملةٌ.

ونكاحٍ.

إذا أصبح غير قادرٍ على الوطء، أو أن المرأة -مثلًا- غير قادرةٍ على تحمُّل الوطء بسبب الاعتداء؛ ففيه دِيَةٌ كاملةٌ.

وأكلٍ.

إذا كان غير قادرٍ على الأكل من فمه -مثلًا- بسبب الاعتداء؛ ففيه دِيَةٌ كاملةٌ.

وصوتٍ.

الصوت غير الكلام، فإذا أتلف الحبال الصوتية بحيث أصبح هذا المُعْتَدَى عليه لا يتكلم ففيه دِيَةٌ كاملةٌ.

وبَطْشٍ.

بحيث أصبح لا يستطيع أن يُحرِّك يديه، أصبح هزيلًا ضعيفًا؛ ففيه دِيَةٌ كاملةٌ.

قال:

وإن أَفْزَعَ إنسانًا أو ضربه فأحدث بغائطٍ أو بولٍ أو ريحٍ ولم يَدُم؛ فعليه ثلث الدِّيَة، وإن دام فعليه الدِّيَة.

أفزع إنسانًا، روَّع إنسانًا، روَّعه بأيَّة صورةٍ، فأصبح لا يستمسك، يقولون: إن التَّرويع يتسبب في أن الإنسان لا يستمسك بوله.

ولا أدري عن صحة هذا من الناحية الطبية، لكن الفقهاء يقولون هذا، وربما عرفوا هذا بالتجارب.

فإذا أصبح لا يستمسك عنده البول أو الغائط أو الريح، إن كان بصفةٍ مُؤقتةٍ -طبعًا هذا بالتَّرويع وبالضرب وبالاعتداء- يقولون: فيه ثلث الدِّيَة؛ لقضاء عثمان ، وإن كان بصفةٍ دائمةٍ ففيه الدِّيَة الكاملة.

وهذا الذي روَّعه وأفزعه يمكن أن يُعزَّر أيضًا، يُعزَّر هذا المُعتدي بالتَّعزير المناسب.

قال:

وإن جنى عليه فأذهب سمعه وبصره وعقله وشَمَّه وذوقه وكلامه ونكاحه؛ فعليه سبع دياتٍ.

إنسانٌ اعتدى على آخر فتسبب في إتلاف هذه الأمور السبعة؛ فعليه سبع دِيَاتٍ.

وهذا مرويٌّ عن الصحابة؛ رُوي عن عمر ، فكان كالإجماع من الصحابة.

وأَرْشُ تلك الجناية.

وعليه مع ذلك أيضًا أَرْشُ تلك الجناية.

والأَرْشُ -مرَّ معنا في دروسٍ سابقةٍ- هو: أن يُقَوَّم المجني عليه عبدًا قبل الجناية وبعدها؛ فيُلْزَم بدفع الأَرْش.

وإن مات من الجناية فعليه دِيَةٌ واحدةٌ.

لعموم الأدلة.

لاحظ: إذا مات دِيَةٌ واحدةٌ، أما إذا بقي حيًّا، وذهبتْ هذه المنافع السبع؛ ففيه سبع دِيَاتٍ.

لاحظ الفرق؛ لأنه أيضًا كونه يعيش وقد تلفتْ هذه المنافع هذا فيه تعذيبٌ له، فإذا مات دِيَةٌ واحدةٌ، أما إذا عاش تكون بكل منفعةٍ دِيَةٌ كاملةٌ.

طيب، الشِّجاج نقف عندها.

طالب: …….

الشيخ: نعم، نعم، تكون على التَّفصيل السابق، على الضوابط التي ذكرناها.

ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

طالب: …….

الشيخ: يعني: الصوت موجودٌ، لكن أذهب حُسْنَ الصوت، والله أعلم تحتاج إلى مزيد تأملٍ ونظرٍ.

السؤال: السائلة امرأةٌ تقول: أشعر بغُربةٍ عندما أُخالط بعض المجتمعات النسائية في الجامعة، وأحيانًا عند أهلي ونحو ذلك؟

الجواب: أقول: على المرأة المسلمة أن تتمسَّك بدينها، وتتمسَّك بحجابها، ولا تتنازل عن شيءٍ من دينها، والمرأة التي تتمسَّك بدينها وسِتْرها وحِشْمتها وحجابها تكون محلَّ احترامٍ من الجميع؛ ولذلك لا يُؤذيها أحدٌ، ولا يتعرَّض لها أحدٌ، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] يعني: يُعْرَفْنَ بالعفَّة فلا يُؤْذَيْنَ.

وستر المرأة وحجابها مَنْقَبَةٌ؛ ولذلك تجد -مثلًا- أن المرأة إذا خُطِبَتْ يُقال من مناقبها: إنها امرأةٌ ستيرةٌ، امرأةٌ مُحتشمةٌ، امرأةٌ مُحافظةٌ على الحجاب، فَتُذْكَر هذه من مناقبها ومحاسنها.

فعلى المرأة المسلمة أن تتقي الله ، فالذي أمرها بالحجاب هو ربها وخالقها، فالحجاب عبادةٌ تتقرب به المرأة إلى الله، وليس عادةً من العادات.

السؤال: يقول: هذه إضافةٌ: قول الوليد بن المغيرة عن القرآن: “إن له لَحَلَاوة، وإن عليه لَطَلَاوة، وإن أعلاه لَمُثْمِر، وإن أسفله لَمُغْدِق، وإنه لَيَعْلُو ولا يُعْلَى عليه”؟

الجواب: نعم، هذا قولٌ حقٌّ، والوليد بن المغيرة عرف الحقَّ، وكلما قالوا له شيئًا رَدَّ عليهم، قالوا: سحر. قال: لا.

أولًا: قالوا: إنه كَهَانَةٌ. قال: لا، ليس هذا كَهَانَةً. قالوا: مجنون. قال: ليس بجنونٍ. قالوا: شعر. قال: أنا أعرف الشعر، ليس شعرًا. قالوا: إذن قُلْ فيه شيئًا. لا بد أن تقول، فوصف الله تعالى هذا الرجل كيف كان يُفَكِّر: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ۝فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ۝ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ۝ ثُمَّ نَظَرَ ۝ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ [المدثر:18- 22].

انظر إلى دقة الوصف: ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ۝ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ [المدثر:23- 24]، هو يعرف أنه ليس سحرًا؛ ولذلك توعَّده الله بهذا الوعيد الشديد: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ۝ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ [المدثر:26- 28]، عرف الحقَّ ومع ذلك استكبر وجحد.

فجزاه الله خيرًا الأخ السائل، يعني: أضاف إضافةً جيدةً.

السؤال: هذا سؤالٌ يقول فيه السائل: ما حكم التعامل مع شركة “إمكان” للتمويل؛ لأني أرغب في أخذ تمويلٍ من الشركة؟

الجواب: شركة “إمكان” مملوكةٌ بالكامل لمصرف الراجحي، وتخضع لإشراف ورقابة الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي، وعلى ذلك فالأصل في تعاملاتها الجواز؛ لأنها تخضع لرقابةٍ شرعيةٍ عاليةٍ، وتعاملاتها مُنضبطةٌ بالضوابط الشرعية.

السؤال: ما حكم الشراء من البنوك بالتقسيط؟ تقسيط سلعة: معادن أو زيت، وتوكيلهم بالشراء والبيع، هل يلزم أن أراها؟

الجواب: نعم، هذا هو التَّمويل الموجود الآن في بعض البنوك، وبعض الناس يُسميه: قرضًا، والواقع أنه ليس قرضًا، القرض الذي هو السلف، وليس هذا سلفًا؛ ولذلك ينبغي أن يُسمى الاسم الصحيح، وهو: التَّمويل، وليس قرضًا، فتسمية الناس لهذا التَّمويل: قرضًا، تسميةٌ خاطئةٌ.

وأذكر مرةً أني استمعتُ لبرنامج فتوى، والمُستفتي يقول: أخذتُ من بنك كذا -وأنا أعرف أن هذا بنكٌ إسلاميٌّ- قرضًا بفائدةٍ. فالمفتي قال: القرض بفائدةٍ مُحرَّمٌ، وهذا ربًا.

والسبب هو أن المُستفتي عبَّر بهذا المصطلح: “قرضٌ بفائدةٍ”، والواقع أنه ما أخذ قرضًا بفائدةٍ، أخذ تمويلًا بربحٍ، هذا هو التَّعبير الصحيح.

ولذلك أيضًا المُفتي ينبغي أن يعرف مصطلحات المُستفتين وماذا يريدون.

فينبغي لطالب العلم أن يُعبِّر بالمصطلح الشرعي وهو: التمويل، فتقول: أخذتُ من البنك تمويلًا. ولا تقل: أخذتُ قرضًا.

هذا التمويل الموجود الآن منه صورٌ ممنوعةٌ، وصورٌ جائزةٌ.

ما كان مُنضبطًا بالضوابط الشرعية فهو جائزٌ، وما كان غير مُنضبطٍ فهو ممنوعٌ، وغير المُنضبط بالضوابط الشرعية هو: التَّوَرُّق المُنظَّم، وأكثر العلماء المعاصرين على تحريمه.

أما المُنضبط بالضوابط الشرعية فهو تمويلٌ جائزٌ، مثل: التمويل الذي يكون في المعادن: في البلاديوم -مثلًا- أو حتى في زيت النَّخيل، ونحو ذلك، لكن لا بد أن يكون مُنضبطًا بالضوابط الشرعية، ومن أبرزها: التَّملُّك، فَيَمْلِك العميل السلعة والقبض والتعيين، فإذا تحققتْ هذه الضوابط -التَّملُّك والقبض والتَّعيين- جاز.

ويتحقق هذا بأن تطلب من البنك شهادة ملكية وشهادة تخزين تُكتب فيها المعادن المملوكة لفلان، وتُعطى عليها رقمًا تسلسليًّا، هذا أهم شيءٍ، فهذا الرقم يُثبت أن لك هذه السلعة في المكان الفلاني، وإن شئتَ أن تُبْقِيها عندك هذه الشهادة وهذه السلعة، وإن شئتَ أن تُوكِّل البنك في بيعها.

وبالنسبة للسلع الدولية يصعب أنك تذهب وتبيعها بنفسك، فيها صعوبةٌ؛ ولذلك يُقَدِّم البنك لك خدمةً مجانيةً، يقول: أنا أتوكل لك ببيعها. فَيُمكن هنا إذا تحقَّق التَّملُّك والقبض والتَّعيين، لا يوجد مانعٌ يمنع من أن تُوكِّل البنك، لكن التَّوَرُّق المُنظَّم الإشكالية فيه: أنه لا يتحقق معه التعيين، يعني: تكون عند البنك سِلَعٌ، ويملكها البنك، لكن لو أن كل عميلٍ طلب سلعته ما تكفي السِّلع الموجودة عند البنك، فطلبات العملاء أكثر من السلع الموجودة، وهذا بسبب افتقاد شرط التعيين.

ولذلك من أهم الشروط بعد التَّملُّك والقبض: شرط التَّعيين، فإذا كنتَ ستشتري من البنك هذه السلعة فتطلب منه هذه الشهادة: شهادة التخزين، أو شهادة الملكية، وتكون السلعة مكتوبةً فيها، مثلًا: الحديد في سوق كذا، وتُعْطَى عليها رقمًا تسلسليًّا؛ وبذلك تكون جائزةً: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، ليس فيها إشكالٌ، سواء كانت حديدًا، أو معادن، أو بلاديوم، أو زيت نخيلٍ، أو أرزًا، المهم أنه إذا وُجِد التَّعيين، فلا بد من التَّعيين.

يعني: من أبرز الفروق بين التَّوَرُّق المُنظَّم الجائز وغير الجائز: التعيين، فإذا كانت مُتعيِّنةً بمُوجب شهادة ملكية أو شهادة تخزين؛ فمعنى ذلك: أنها مُنضبطةٌ بالضوابط الشرعية.

وأذكر أن رجلًا طلب من أحد البنوك أن يُوصل له المعادن من سوق لندن إلى الرياض، وهو يُريد أن يختبرهم، فقال البنك: ما عندي مانعٌ، لكن تتحمل أنت تكلفة الشحن. قال: أتحمل. وبالفعل نُقِلَتْ له، وتحمَّل تكلفة الشحن، وقال: أردتُ أن أتأكد من مصداقيتكم، والآن ثبت لي ذلك.

فالبنوك الإسلامية تُمارس التَّوَرُّق بصورته الجائزة، لكن إذا افتقد الضوابط الشرعية أصبح التَّوَرُّق المُنظَّم الممنوع.

السؤال: هل يُقْتَل مَن غصب امرأةً على الفاحشة؟

الجواب: يُنظر للمُلابسات، وهذه عند القضاء ربما تُعتبر قتل غِيلَةٍ؛ لأن المُغالبة على الأعراض تدخُل في قتل الغِيلَة، وقتلُ الغِيلَة محل خلافٍ: الجمهور يرونه قصاصًا، والمالكية يرونه حدًّا.

والذي عليه العمل هو مذهب المالكية، واختيار ابن تيمية وابن القيم: أنهما يعتبرانه حدًّا.

وسيأتينا -إن شاء الله- في بابٍ مُستقلٍّ، وسنشرحه، بإذن الله تعالى.

السؤال: كيف أكون من أولياء الله؟

الجواب: يقول الله : أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62- 63]، مَن كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا.

الولاية تُنال بالإيمان والتقوى، هذا هو طريق الولاية بالإيمان والتقوى؛ ولذلك قد يكون الولي إنسانًا من أيِّ طبقةٍ من المجتمع؛ فقد يكون الولي عالمًا، وقد يكون الولي فلاحًا، وقد يكون الولي عاملًا بسيطًا، وقد يكون الولي أيَّ إنسانٍ، مَن كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا، ولكن الغالب أن أولياء الله العلماء العاملون بعلمهم، كما قال الشافعي: “إن لم يكن العلماء العاملون بعلمهم أولياء لله تعالى، فما لله من وليٍّ”، لكن لا تنحصر الولاية فيهم، فالولاية يمكن أن تكون لأيِّ إنسانٍ، رجلًا كان أو امرأةً، من أيِّ طبقةٍ، فمَن كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا.

هل يُشرع أن تسأل الله تعالى الولاية؟

نعم، هذا من أعظم الأدعية: اللهم اجعلني من أوليائك.

السؤال: ما حكم ترك صلاة الفجر مع الجماعة بسبب غلبة النوم؟

الجواب: إن كان يتركها حتى تطلع الشمس فهذه كبيرةٌ من الكبائر؛ لأن تعمُّد ترك صلاةٍ حتى يخرج وقتها من الكبائر، ويدخل مَن يفعل ذلك في السَّاهين الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4- 5] أي: يُؤخِّرونها عن وقتها، كما قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما.

أما إذا كان يُصلِّيها قبل طلوع الشمس، لكن لا يُصلِّيها مع الجماعة في المسجد؛ فهو مُقصِّرٌ، وترك واجبًا؛ لأن الصلاة مع الجماعة في المسجد واجبةٌ.

والرجل الأعمى الذي سأل النبي أن يُرخِّصَ له في أن يُصلِّي في بيته؛ لكونه لا يجد قائدًا يقوده للمسجد، لم يُرخِّص له النبي عليه الصلاة والسلام، وقال : هل تسمع النِّداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال : فَأَجِبْ [13].

والمسألة -يا إخواني- هي مسألة اهتمامٍ، فالمُهتم بالصلاة سيُحافظ عليها في وقتها مع الجماعة في المسجد، الذي مستوى اهتمامه بالصلاة كبيرٌ سيُحافظ على صلاة الفجر وغيرها، ولن يعتذر بثقل النوم ولا بغيره، لكن إذا كان الاهتمام ضعيفًا سيغلبه النوم والكسل ونحو ذلك، فالمسألة هي مسألة اهتمامٍ.

وهذا يشهد له واقع الإنسان، فالأشياء التي يهتم بها الإنسان يحرص عليها، فلو كان عندك موعدٌ في المطار وقت صلاة الفجر هل يغلبك النوم وتتأخر عن الذهاب للمطار؟

الواقع أنك تحتاط فتذهب قبل إقلاع الطائرة بوقتٍ كبيرٍ احتياطًا، تحتاط للعوارض، فالمسألة إذن مسألة اهتمامٍ.

كذلك أيضًا يفعل الإنسان الأسباب فيجعل له مُنَبِّهًا، وإذا كان نومه ثقيلًا يجعل أكثر من مُنَبِّهٍ في أوقاتٍ مُتفاوتةٍ، ويمكن أن يطلب من بعض أهله أن يُوقظه، وإذا اهتمَّ الإنسان سيجد من الوسائل ما يُعينه.

السؤال: يقول: هذه السَّنة طُرِحَتْ حملاتٌ مُخفضةٌ، لكن لا يوجد سَكَنٌ في المشاعر يوم التروية وأيام التَّشريق؟

الجواب: أما يوم التروية فَمُكْثُ الحاج في مِنًى مُستحبٌّ، ليس واجبًا، وأيام التَّشريق المطلوب فيها هو أن يمكث في مِنًى أكثر من نصف الليل، فيُمكن أن يأتي في الليل ويبقى أكثر من نصف الليل ويكفي هذا، يعني: بقية الليل والنهار يمكن أن يكون خارج مِنًى، ويمكن أيضًا إذا ضاقتْ مِنًى أن يبيت في أقرب مكانٍ يلي مِنًى، خاصةً من جهة مُزدلفة، يعني: ما يلي مِنًى من جهة مُزدلفة فيه خيامٌ كثيرةٌ، فيُمكن أن يبيت في هذه المنطقة التي تُسمى “منطقة هاء”، فإنها تأخذ حكم مِنًى.

السؤال: هل تُشرع صلاة تحية المسجد قبل أذان المغرب بربع ساعة؟

الجواب: نعم، لا بأس، ما زال الوقت مُخفَّفًا، وقت النَّهي مُخفَّفٌ، لكن إذا وصلت إلى عشر دقائق هنا دخل في الوقت المُغلَّظ، أما ربع ساعة فما زال الوقت مُخفَّفًا؛ فيأتي بتحية المسجد، وإذا كان قبل غروب الشمس بعشر دقائق هنا دخل الوقت المُغلَّظ، فإن استطاع ألا يُصلِّي تحية المسجد، مثلًا: لا يجلس في المسجد في هذا الوقت، هذا هو الأولى، ويبقى الأمر فيه سَعَةٌ؛ لأن الخلاف قويٌّ، فإن جلس بدون أن يأتي بتحية المسجد فهذا بناء على قول الجمهور، وإن أتى بتحية المسجد خفيفةً فهذا أيضًا قال به بعض أهل العلم، فالأمر فيه سَعَةٌ، لكن وقت النَّهي المُغلظ ينبغي أن يُحتاط له أكثر.

السؤال: ما حكم الاكتتاب في صندوق الراجحي؟

الجواب: لا بأس، الصندوق مملوكٌ لشركة الراجحي المالية بالكامل، ومُنضبطٌ بالضوابط الشرعية، ولا بأس بالاكتتاب فيه، مع أنه ليس فيه الآن اكتتابٌ، ولعلَّ الأخ السائل يقصد تداول وحداته.

السؤال: هل المسافة بين الرياض والخَرْج تُقْصَر فيها الصلاة؟

الجواب: لا تُقْصَر فيها الصلاة؛ لأن المسافة الآن بين الرياض والخَرْج أقلّ من ثمانين كيلو مترًا، لكن كيف تحسب المسافة؟

تحسبها من آخر عمران الرياض إلى أول عمران الخَرْج، فإذا حسبتها تكون المسافة أقلّ من ثمانين؛ فلا تُقْصَر فيها الصلاة.

وهكذا المسافة بين جدة ومكة أقلّ من ثمانين؛ فلا تُقْصَر فيها الصلاة، وهكذا بين الرياض وحُرَيْمِلَاء أقلّ من ثمانين؛ فلا تُقْصَر فيها الصلاة.

فالقاعدة في هذا: أنك تحسب المسافة من آخر عمران البلد الذي أنت مُقيمٌ فيه إلى أول عمران البلد الذي تُريده، فإن بلغتْ ثمانين كيلو مترًا فأكثر فهي مسافة سفرٍ، وإن كانت أقلَّ فليست مسافة سفرٍ.

السؤال: رجلٌ يُريد السفر بعد صلاة الظهر بنصف ساعةٍ، هل يُعذر بترك الجماعة لصلاة الظهر؛ لأنه يُريد أن يجمعها مع العصر بعد مُفارقة البنيان؟

الجواب: نعم، هذا عذرٌ له، فما دام مشغولًا بالسفر يُعتبر هذا عذرًا له، وقد ذكر الفقهاء أعذارًا أقلّ من هذا، فالأمر فيه سَعَةٌ، إن شاء الله.

السؤال: نُريد بناء مُصلَّى للنساء مُنفصل يبعد متران عن المسجد، فهل تصح صلاة النساء مع الإمام مع وجود مُكبرات الصوت؟

الجواب: لماذا يكون مُصلَّى النساء مُنفصلًا عن المسجد؟

مُصلَّى النساء يُفترض أن يكون مُتَّصلًا بالمسجد، وأن يكون مُحاطًا بسور المسجد؛ لأنه إذا كان خارج المسجد فَتَرِد الإشكالية في ائتمام النساء بالإمام؛ ولذلك ما دُمْتُم الآن في طَوْر الإنشاء ينبغي أن تجعلوا مُصلَّى النساء داخل سور المسجد.

السؤال: سور المسجد -يا شيخ- أم أرض المسجد؟

الجواب: لا، داخل سور المسجد؛ لأن الفقهاء يقولون: رَحْبَة المسجد إذا كانت مُحاطةً بسور المسجد فهي منه، فيكون داخل سور المسجد، وينبغي ألا يبعد أيضًا مُصلَّى النساء عن الرجال؛ لأن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان النساء يُصلِّين خلف الرجال، وما كان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام فاصلٌ، كان النساء يُصلِّين خلف الرجال مباشرةً، لكن الآن أصبحتْ تُوضع مُصليات، فينبغي عدم المُبالغة في إبعاد مُصلَّى النساء عن الرجال، فهذه المُبالغة ربما تُؤدِّي إلى إشكالاتٍ شرعيةٍ من جهة الاقتداء؛ لذلك ينبغي مُلاحظة هذا عند بناء المسجد.

كذلك عند وضع دُور تحفيظ القرآن النسائية ينبغي أن تكون خارج المسجد؛ لأن بعض النساء تأتيها الدورة الشهرية، فيلحقها الحرج بدخولها لمقر التَّحفيظ إذا كان داخل المسجد، فينبغي على مَن يبني المسجد أن يُراعي هذه المعاني: مُصلَّى النساء يكون قريبًا من الرجال، ولا يكون بعيدًا؛ حتى يحصل الاقتداء، ودُور التَّحفيظ تكون خارج المسجد؛ حتى لا يلحق الحرجُ النساءَ عند وجود الدورة الشهرية.

السؤال: هل يجوز أن يُؤذِّن شخصٌ ويُقيم آخر؟

الجواب: يجوز ذلك، لكن الأفضل أن يتولَّى الإقامة مَن أَذَّن؛ لأن هذا هو الذي عليه العمل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فكان المُؤذن هو الذي يُقيم.

السؤال: كثيرٌ من الناس يقولون عندما ينتهي المُقيم من الإقامة: لا إله إلا الله، فما الحكم؟

الجواب: الأمر في هذا واسعٌ، فالمسلم إذا سمع ذكر الله فإنه يذكر الله سبحانه، فكون الإنسان يقول: لا إله إلا الله، لا بأس بذلك، والقائل لا يقصد بذلك سُنَّةً مُستقلةً، إنما رأى أن هذا المُؤذِّن أو المُقيم ختم ذلك بكلمة التوحيد؛ فكررها مثلما يُكرِّرها المُؤذن أو المُقيم، فالأمر في هذا واسعٌ.

السؤال: بعض الأُسَر تمنع السائق من الصلاة في المسجد؛ لئلا يتأخر على مشاويرهم؟

الجواب: إذا كانت هناك مشاوير يحتاجون إليها يُعتبر هذا عذرًا للسائق في ترك الصلاة مع الجماعة، وقد ذكر الفقهاء أعذارًا أقلَّ من هذا، فإذا كانت عند الأسرة مشاوير هم بحاجةٍ لها فحينئذٍ يكون السائق معذورًا في ترك الصلاة مع الجماعة.

السؤال: ما أفضل طريقةٍ لحفظ القرآن؟

الجواب: القرآن يُؤخذ بالتَّلقي، والذي يحفظ القرآن ينبغي ألا يحفظ بنفسه، إنما يحفظ عند غيره من المُقرئين، أو في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، أما أن يحفظ بنفسه فهذا سيترتب عليه أنه سيحفظ بطريقةٍ خاطئةٍ؛ لأن بعض الآيات لا بد أن تُؤخذ بالتَّلقي، فربما يقرأ في المصحف ويحفظ بطريقةٍ خاطئةٍ، والأُمة من عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى وقتنا هذا تأخذ القرآن بالتَّلقي.

فأفضل طريقةٍ: أن تلتحق بحلقة تحفيظ القرآن، أو أن تتفق مع مُقرئٍ وتُسمِّع عليه، أولًا: تُصحح التلاوة، وبعد تصحيح التلاوة يأتي الحفظ.

وأفضل طريقةٍ لتقوية حفظ القرآن: التكرار، فإذا أردتَ أن يكون حفظك قويًّا كرِّر ما تُريد حفظه على الأقل مئة مرة.

المشكلة أن بعض الناس لا يملكون الصبر، يُكرِّر عشر مراتٍ ويُريد أن يحفظه حفظًا قويًّا، وهذا لا يمكن.

كَرِّر ما تُريد أن تحفظه على الأقل مئة مرةٍ، وستجد أن حفظك سيكون قويًّا، وهذا أمرٌ معروفٌ، مأثورٌ عن بعض السلف، وإن كرَّرتَ أكثر من مئةٍ كان حفظك أقوى.

لماذا لا يُخطئ الناس الآن في الفاتحة وقِصَار السور؟

لأنهم يُكرِّرونها، فأفضل وسيلةٍ لتقوية الحفظ: تكرار المحفوظ، وجرِّبْ هذا، خُذْ مَقْطَعًا وكرِّره على الأقل مئة مرةٍ؛ ستجد أن حفظك سيكون قويًّا، أما إذا كرَّرتَ عشر مراتٍ أو نحو ذلك سيكون الحفظ ضعيفًا، خاصةً في وقتنا الحاضر الذي ضعفتْ فيه الذاكرة عند كثيرٍ من الناس بسبب وسائل التقنية الحديثة؛ لأن الإنسان إذا اعتمد على ذاكرته دَرَّبَها وقَوِيتْ، أما إذا أهملها فإنها تضعف.

طالب: …….

الشيخ: نعم، يقرأ الآية أولًا نظرًا، ثم بعد ذلك يُكرر حفظها.

السؤال: يقول: أنا نَهَرْتُ سائلًا، فما كفَّارة ذلك؟

الجواب: نَهْرُ السائل لا يجوز، فالله تعالى يقول: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [الضحى:10]، وهذا يشمل سائل المال، وسائل العلم أيضًا، فلا يجوز نَهْرُ السائل، وإنما يُتلطَّف معه، فإما أن يُحقِّق المسؤول مُراد السائل، وإما أن يعتذر منه بلطفٍ، أما نَهْرُه فلا يجوز.

وأما قول السائل: ما كفارة ذلك؟

إن أمكن أن تعتذر من الذي نَهَرْتَه وتطلب منه أن يُحَلِّلك فهذا هو المطلوب، أما إذا لم يمكن ذلك فيكفي في ذلك التوبة مع الدعاء لذلك السائل؛ أن تدعو له وتستغفر له، وأن تعزم على ألا يتكرر منك هذا الأمر مرةً أخرى.

السؤال: ما حكم الانحناء لتقبيل رأس المريض الكبير المُستلقي على ظهره؟

الجواب: هذا ليس انحناءً، وإنما كيف تُسلِّم عليه وهو مُستلقٍ على ظهره؟ لا بد أنك تُنزل من رأسك وتُسلِّم عليه، فهذا ليس انحناءً.

بعض الإخوة عندهم مُبالغاتٌ، وهذه من المُبالغات غير المقبولة، فإذا كان مُستلقيًا على ظهره لا بد أنك تُسلِّم عليه، وهذا ليس له علاقةٌ بالانحناء من قريبٍ أو بعيدٍ، فأنت تُسلِّم عليه سلامًا بالطريقة المناسبة.

الانحناء هو الذي لا تحتاج معه إلى انحناءٍ، لكن ينحني الإنسان تعظيمًا لهذا الشخص، هذا هو الذي لا يجوز، أما إذا انحنيتَ لأجل السلام فهذا لا يُعتبر من الانحناء المذموم، انحنيتَ عليه لأجل أن تُقبِّل رأسه، لأجل أن تُسلِّم عليه، أو حتى -مثلًا- تتكلم معه أو تُحدثه، أو نحو ذلك.

ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 2699.
^2 رواه أبو داود: 4543.
^3 رواه النسائي: 4853، والحاكم في “المستدرك”: 1447.
^4 رواه أبو داود: 4547، والنسائي: 4791، وابن ماجه: 2627، وأحمد: 6533.
^5 رواه أبو داود: 4542.
^6 رواه البيهقي في “السنن الكبرى”: 16305.
^7 رواه ابن ماجه: 2644، وأحمد: 7092.
^8, ^9 رواه أحمد: 6692.
^10 رواه النسائي: 4805، والدارقطني في “سننه”: 3128.
^11 رواه أبو داود: 4504، والترمذي: 1406 وقال: حسنٌ صحيحٌ.
^12 رواه البخاري: 6910، ومسلم: 1681.
^13 رواه مسلم: 653.
zh