logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(82) كتاب الجنايات- من قوله: “ويحرم استيفاء القصاص بلا..”

(82) كتاب الجنايات- من قوله: “ويحرم استيفاء القصاص بلا..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

وننتقل بعد ذلك إلى “السلسبيل”، في هذا الدرس الثاني والثمانين.

سؤال: شيخ، العفو يكون بالنية، أو يتكلم الإنسان يقول: قد عفوت عنه؟

الجواب: يتكلم، يقول: عفوت؛ حتى يُعلم بأنه قد عفا، وحتى يقطع على نفسه خط الرجعة في العفو، فيتكلم ويقول: عفوت لوجه الله، لا بد أن يكون العفو لله ؛ حتى يؤجر عليه ويثاب عليه.

ننتقل بعد ذلك للتعليق على “السلسبيل”، وفي هذا الدرس الثاني والثمانون، في هذا اليوم الاثنين، الثامن عشر من شهر شوالٍ من عام (1444 هـ).

آداب استيفاء القصاص

وما زلنا في كتاب الجنايات، ووصلنا إلى قول المصنف رحمه الله:

ويَحرم استيفاء القصاص بلا حضرة السلطان أو نائبه، ويقع الموقع.

ألا يستوفيه إلا بحضرة السلطان أو نائبه

لا يجوز استيفاء القصاص إلا بحضرة السلطان، وإذا قيل: “السلطان”، فالمقصود به: الإمام الأعظم، أو من يقوم مقامه، وفي وقتنا الحاضر عند تنفيذ القصاص يكون هناك لجنةٌ مشكَّلةٌ من عددٍ من الدوائر الحكومية تَحضر تنفيذ القصاص، فأعضاء هذه اللجنة يقومون مقام السلطان في هذا الأمر؛ وذلك لأن القصاص يحتاج إلى الاجتهاد وأَمْن الحَيف، فإذا لم يكن بحضرة السلطان أو نائبه فربما كان فيه حَيفٌ.

وقول المصنف: “ويقع الموقع”، يعني: لو استوفى بغير حضرة السلطان؛ وقع موقعه وأجزأ، لكن يُعزَّر، فلو أن مثلًا أحد أولياء الدم قَتَل القاتل، ذهب للقاتل وأطلق عليه النار، هنا يكون قد اقتص منه، لكن يعزره ولي الأمر بعقوبةٍ مناسبةٍ؛ لكونه قد افتات عليه، كان ينبغي أن يكون ذلك عن طريق السلطان، لكن هذا القصاص يقع موقعه فلا يُقتص منه؛ لأنه أحد أولياء الدم، هذا معنى كلام المؤلف.

ألا يقتل الجاني بغير السيف، ولا يقطع بغير السكين

ويحرم قتل الجاني بغير السيف، وقطع طرفه بغير السكين؛ لئلا يَحِيف.

أي: أن القصاص إنما يُستوفى بالسيف ولا يستوفى بغيره، هذا هو المذهب عند الحنفية والحنابلة، واستدلوا بما رُوي أن النبي قال: لا قَوَدَ إلا بالسيف [1].

القول الثاني: أنه يُفعل بالجاني مثل ما فَعَل بالمجني عليه، فإن كان قد رضَّه بحجرٍ؛ فيُرَضُّ بحجرٍ، وإن كان أغرقه؛ فيُغرق، وإن كان صدمه بسيارةٍ؛ يُصدم بسيارةٍ، وهكذا، يُفعل به مثل ما فَعل بالمجني عليه، وهذا قول الجمهور من المالكية والشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة، وهذا هو القول الراجح، واختاره جمعٌ من المحققين من أهل العلم؛ كابن تيمية وابن القيم، وهو ظاهر الأدلة، ويدل لذلك قول الله : وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:126]، فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194].

وجاء في “الصحيحين” أن يهوديًّا رضَّ رأسَ جاريةٍ بين حجرين، فأمر النبي بأن يُرَضَّ رأسه بين حجرين [2]، ولم يأمر بقتله بالسيف، وإنما أمر بأن يُرَضَّ رأسه بين حجرين؛ ولأن هذا أقرب للعدل: أن يُفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من حديث: لا قَوَد إلا بالسيف، هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ، أخرجه ابن ماجه، وهو حديثٌ ضعيفٌ لا يصح عن النبي ، لكن الذي عليه العمل عندنا في المملكة هو القول الأول، وهو المذهب عند الحنابلة: أنه يُقتل بالسيف، لكن من حيث الدليل: الأقرب -والله أعلم- أن يُفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه.

ويُستثنى من ذلك: ما إذا كانت الجناية بأمرٍ محرمٍ؛ كأن مثلًا يفعل به الفاحشة حتى يموت؛ فلا يُفعل بالجاني الفاحشة، وإنما يُقتص منه بأي طريقةٍ؛ بالسيف أو بغيره، أو مثلًا يسقيه خمرًا حتى يموت؛ فهنا لا يُقتص من الجاني بأن يُسقى خمرًا؛ لأن الخمر محرمٌ، إنما يُقتل بالسيف أو نحو ذلك، التعذيب بالنار، لو أنه حرق إنسانًا بالنار، هل يُحرق بالنار؟ هذا محل خلافٍ بين العلماء، والأقرب -والله أعلم- أنه لا يُحرق بالنار؛ لأن النبي نهى عن التحريق بالنار، وقال: إنه لا يعذِّب بالنار إلا رب النار [3]، وعليٌّ لمَّا أُتي بزنادقةٍ قالوا: أنت ربنا، فغضب عليٌّ عليهم غضبًا شديدًا وأمر بتحريقهم، فقالوا: ما ازددنا فيكَ إلا بصيرةً، أنت ربنا، تعذبنا بالنار، فأحرقهم بالنار، وبلغ ذلك ابن عباسٍ رضي الله عنهما فقال: لو كنت أنا؛ لم أحرقهم؛ لأن النبي قال: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام من بدَّل دينه فاقتلوه [4]، لكن هذا اجتهادٌ من عليٍّ من شدة غضبه؛ لأنهم أَلَّهُوه، فمِن شدة غضبه عليهم حرَّقهم بالنار.

حكم من بَطَش به ولي المقتول فظن أنه قَتَله فلم يكن

وإن بَطَش ولي المقتول بالجاني، فظن أنه قَتَله فلم يكن، وداواه أهله حتى برئ؛ فإن شاء الولي دَفَع دية فِعله وقَتَله، وإلا تركه.

يعني: إذا مُكِّن وليُّ المقتول مِن قتل الجاني، فقام وبَطَش به، وظن أنه قتله، لكن الواقع أنه لم يقتله، وعاش هذا الجاني، وداواه أهله، فهذا الولي يخير؛ إما أن يدفع دية فِعله -يعني: الضمان على فِعله في البطش به- ثم يَقتله بالسيف بعد ذلك، وإما أن يتركه بلا قصاصٍ وتسقط عنه الدية.

هذه مسألةٌ مفترضةٌ نادرة الوقوع، واستدلوا بآثارٍ وردت عن بعض الصحابة في هذا.

مداخلة:

الشيخ: نعم، الإعدام شنقًا -على القول الثاني، قول الجمهور- نعم، على القول الذي رجَّحناه نعم.

والإعدام شنقًا، طريقته: أنه يُدخَل للمشنقة، ويوضع في رقبته حبلٌ غليظٌ، ثم بعد ذلك يُنزَل هذا الإنسان بثقله إلى مكانٍ منخفضٍ، فيُنخنَق من جهة الرقبة فيموت، هذا الإعدام شنقًا، والذي يظهر أنه لا بأس به إذا اقتضت المصلحة ذلك، وليس فيه تعذيبٌ؛ لأنه إذا نُفِّذ بطريقةٍ صحيحةٍ ليس فيه تعذيبٌ، يموت مباشرةً، يموت المشنوق مباشرةً ولا يتعذَّب إذا نُفِّذ بطريقةٍ صحيحةٍ.

فلو اختار ولي الأمر هذه الطريقة؛ فيظهر أنه لا بأس بها، لكن أفضل الطرق القتل بالسيف، أو بالسلاح الناري، المسدس مثلًا، ونحو ذلك؛ لأن هذه يحصل معها الزُّهوق بسرعةٍ من غير تأخُّرٍ.

لكن من حيث القصاص، فالقصاص القول الراجح: أنه يُفعَل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه تمامًا؛ قتله بمسدسٍ؛ يُقتل بمسدسٍ، قتله بسكينٍ؛ يُقتل بسكينٍ، خنقه؛ يُخنق، رَضَّ رأسه بحجرٍ؛ يُرَض رأسه بحجرٍ، هذا هو القول الذي تدل له الأدلة؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام رضَّ رأس اليهودي بين حجرين مثلما فَعل باليهودية.

مداخلة:

الشيخ: إلا إذا كان بشيءٍ محرمٍ نعم.

شروط القصاص فيما دون النفس

ثم قال المصنف رحمه الله:

باب شروط القصاص فيما دون النفس

القصاص فيما دون النفس، يشمل: القصاص في الأطراف، والقصاص في الجراح؛ لقول الله : وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا -يعني في التوراة- أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45].

فذكر الله أولًا القصاص بالنفس: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، ثم ذكر الأطراف: الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ، ثم ذَكَر الجِراح: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ.

تكلمنا عن القصاص في النفس، والآن يأتي الحديث عن القصاص في الأطراف والجراح.

قال:

من أُخذ بغيره في النفس.

هنا خطأٌ في التشكيل: “مَن أَخَذَ”، الصواب: “من أُخذ بغيره في النفس”.

أُخذ به فيما دونها، ومَن لا فلا.

أي: مَن جرى القصاص بينهما في النفس؛ جرى القصاص بينهما فيما دون النفس، ومن لم يَجرِ القصاص بينهما في النفس؛ لم يجر القصاص بينهما فيما دون النفس؛ فمثلًا: لا يُقتل المسلم بالكافر، كذلك أيضًا في القصاص فيما دون النفس: لا يُقتص من المسلم للكافر، وكذلك الحر والعبد.

قال:

وشروطه أربعةٌ:

العدوان

يعني: شروط القصاص فيما دون النفس أربعةٌ:

الأول:

أحدها: العمد العدوان، فلا قصاص في غيره.

لا بد من أن تكون الجناية عمدًا وعدوانًا، فإن كانت خطأً أو شبه عمدٍ؛ فلا قصاص، وإنما يكون فيها الضمان فقط، يكون فيها الدية.

إمكان الاستيفاء بلا حيفٍ

الثاني: إمكان الاستيفاء بلا حيفٍ؛ بأن يكون القطع من مَفصِلٍ أو ينتهي إليه.

لا بد في القصاص من أمن الحيف، والحيف: هو الظلم والجور؛ وذلك بأن ينتهي القطع إلى مَفصِلٍ أو حدٍّ ينتهي إليه.

حكم القصاص في الجائفة وقطع القصبة وقطع بعض الساعد

ومثَّل المؤلف، قال:

كمارن الأنف، وهو ما لان منه.

يعني: من الأنف دون القصبة، هذا يسمى مارن الأنف؛ لأنه له حدٌّ ينتهي إليه، وهو قصبة الأنف.

فلا قصاص في جائفةٍ.

الجائفة: هي الجرح الذي يصل الجوف، لا قصاص فيها؛ لأنه ليس لها حدٌّ تنتهي إليه.

ولا في قطع القصبة.

ليس المارن، وإنما قطع قصبة الأنف.

أو قطعِ بعض الساعد، أو قطع بعض الساق، أو بعض الوَرِك.

ونحو ذلك، وهذا الحكم مبنيٌّ على ما هو معهودٌ في زمن الفقهاء السابقين، من أنه لا يُؤمَن الحيف فيما لو حصل القصاص، ولكن في وقتنا الحاضر تقدَّم الطب وأصبح بالإمكان الاستيفاء بدقةٍ كبيرةٍ من غير حيفٍ مهما كانت الجناية؛ وذلك بأن يُجرَى عمليةٌ لهذا الجاني ويُفعل به مثل ما فعل بالمجني عليه، حتى وإن كانت مثل جائفةٍ، أو قطع قصبةٍ، أو قطع بعض ساقٍ، أو قطع بعض ساعدٍ؛ يعني: إنسانٌ اعتدى على آخر، وكَسَر ذراعه من النصف، فعلى كلام الفقهاء السابقين: يُقتص منه أو لا يقتص؟ لا يقتص، لماذا؟ لأنه يقول: إنه لا يؤمن الحيف، لا يوجد شيءٌ محددٌ، لكن في الوقت الحاضر نقول: يُقتص منه؛ لأنه بالإمكان للطبيب أن يحسبها ويُجري العملية ويقطع مِن يده مثل ما قطع من المجني عليه تمامًا.

وهذه من المسائل التي يَختلف فيها النظر الفقهي في الوقت الحاضر عن نظر الفقهاء السابقين، في الطب قديمًا كانت الأمور يسيرةً، وما كان هناك هذا التقدم الطبي الذي نجده الآن.

فإذنْ، هذا الكلام الذي ذكره الفقهاء السابقون، نقول: إنه في الوقت الحاضر تقدم الطب، ويمكن الاستيفاء مع أمن الحيف؛ فهذا النفي الذي ذكره المؤلف كله لا نُسلِّم به في وقتنا الحاضر، حتى لو كانت الجناية على كسر وَرِكٍ، أو من نصف الساق أو نصف الذراع، أو أي جنايةٍ، الآن بإمكان الطبيب أن يقتص من الجاني بدقةٍ كبيرةٍ مثلما فعل بالمجني عليه، والآن -كما ترون- الطب تقدم، حتى إنه الآن الخلايا التي لا تُرى بالعين المجردة الآن تُرى عن طريق الأشعة، الخلايا التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، فكيف بالمماثلة في مثل هذه الجنايات؟! هذه بالنسبة للطب الحديث يسيرةٌ جدًّا؛ ولذلك فنقول في الوقت الحاضر: إنه يمكن الاستيفاء في جميع الجنايات بلا استثناءٍ، في جميع الجنايات، وهذه الجنايات التي ذكر الفقهاء أنها لا يُستوفى فيها، هذا بناءً على ما هو موجودٌ في زمنهم، أما مع تقدم الطب في الوقت الحاضر، فيمكن الاستيفاء من جميع الجنايات تمامًا.

المساواة في الاسم

الثالث: المساواة في الاسم؛ فلا تُقطع اليد بالرِّجل وعكسه، وفي الموضع؛ فلا تُقطع اليمين بالشمال وعكسه.

يشترط لاستيفاء القصاص: المساواة في الاسم والموضع؛ في الاسم: لا تُقطع اليدُ بالرِّجل، ولا العين بالأنف، ولا الأذن بالسِّن، إنما لا بد من المساواة في الاسم؛ العين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، وهكذا أيضًا بالموضع؛ “الموضع” يعني: لا تُقطع اليد اليمنى باليد اليسرى، والرِّجل اليمنى بالرجل اليسرى، فلا بد إذنْ من المساواة في الاسم والموضع.

مراعاة الصحة والكمال في الأعضاء

الرابع: مراعاة الصحة والكمال، فلا تؤخذ كاملة الأصابع أو الأظفار بناقصتها، ولا عينٌ صحيحةٌ بقائمةٍ.

يعني: لا بد من الاستواء بالصحة والكمال، قال: “لا تُؤخذ كاملة الأصابع أو الأظفار بناقصة الأصابع أو الأظفار”، يعني: إنسانٌ اعتدى على آخر، وهذا في يده خمسة أصابع، والآخر أربعة أصابع، هنا لا يُستوفى القصاص؛ لأن هذه الأربعة الأصابع ليست مثل اليد التي بها خمسة أصابع.

ولا العين الصحيحة بالقائمة، “القائمة”: التي فيها بياضٌ وسوادٌ، لكن لا يُبصر بها، يقول: فلا تؤخذ العين الصحيحة بالقائمة.

ولا لسان الناطق بلسان أخرس، ولا.

عضوٍ.

صحيحٍ بأشَلَّ من يدٍ ورِجلٍ وأُصبعٍ.

لعدم الاستواء والصحة والكمال، حتى لو رضي الجاني بذلك؛ لأن بدنه ليس مِلكًا له، وإنما هو ملك الله تعالى.

ولا ذَكَر فحلٍ بذكر خصيٍّ.

حتى ولو تراضيا؛ لعدم الاستواء.

ويؤخذ مارِنٌ صحيحٌ بمارنٍ أشَلَّ.

وذلك لأن المارن الأشل: عدم الشم ليس لأجل الأنف، إنما لأجل علة في الدماغ؛ ولذلك يؤخذ مارن الصحيح بمارن الأشل، وهكذا أيضًا:

وأُذُنٌ صحيحةٌ بأذنٍ شَلَّاء.

يعني: إنسانٌ أُذُنه صحيحةٌ والأخرى لا يسمع بها، يؤخذ بها، لماذا؟ لأن نقص السمع ليس لأجل الأذن، وإنما لعلةٍ في الرأس، أو لعلةٍ في الدماغ.

هنا مسألةٌ لم تذكر في “الدليل”، وذُكرت في “السلسبيل”، وهي القصاص في اللطمة والصفعة والضرب باليد والعصا ونحو ذلك:

إنسانٌ ضَرَب آخر، صَفَعه أو لَطَمه أو ضربه بعصًا، هل يكون في هذا قصاصٌ أو لا؟

المذاهب الأربعة على أنه لا قصاص في ذلك؛ لعدم إمكان الاستيفاء من غير حيفٍ؛ لأن اللطمة تختلف من شخصٍ لآخر، فلو قلنا للمجني عليه: تَلطمه أو تصفعه، فكيف نُقدِّر الصفعة واللطمة، فيقولون: لا يمكن الاستيفاء من غير حيفٍ، هذا قول الجمهور.

القول الثاني: أن القصاص مشروعٌ في الصفعة واللطمة والضرب باليد والعصا ونحو ذلك، وهذا روايةٌ عند الحنابلة، وهذا هو القول الراجح وهو المأثور عن الصحابة والتابعين.

وقد جاء عن عمر أنه خطب الناس وقال: “إني لم أَبعث عمالي؛ ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فُعل به ذلك؛ فليرفعه إليَّ أُقِصَّه منه”، فقال عمرو بن العاص : “لو أن رجلًا أدَّب بعضَ رعيته، أَتُقِصُّه منه؟”، قال: “إي والذي نفسي بيده أُقِصُّه، قد رأيت رسول الله أَقَصَّ من نفسه” [5].

فهذا هو المأثور، فيه آثارٌ عن الصحابة والتابعين أنه يُقتَصُّ في الصفعة وفي اللطمة وفي الضرب باليد والعصا.

وأما قول الجمهور: إنه لا يمكن الاستيفاء من غير حيفٍ، فهذا غير مسلَّمٍ؛ إذ إن المقصود هو المقاربة، ويكون ذلك بحضرة السلطان أو نائبه.

فالمقصود: أن يقال للمجني عليه: لا بد أن تصفعه بمثل ما صَفَعك به، أو تلطمه مثل ما لطمك به، فإن زدت سنقتص منك، سنعاقبك، فما المانع من هذا؟

المسألة مسألة مقاربةٍ، أما أن نُسقِط حق هذا الإنسان الذي قد ضُرب أو صُفع أو لُطم؛ لعدم إمكانية الاستيفاء من غير حيفٍ، فهذا لا دليل عليه؛ ولهذا فالقول الراجح: أنه يُقتَصُّ في هذه الأمور؛ يُقتَصُّ في الصَّفعة وفي اللَّطمة وفي الضرب باليد والضرب بالعصا.

فلو أن إنسانًا لَطَم آخر بيده، فرفع فيه شكاية، فيُمكَّن المجني عليه من أن يلطُم هذا الجاني، يقال له: الْطمه مثلما لَطمك، اصفعه مثلما صَفعك، اضرِبْه بيدك مثلما ضربك، اضربه بالعصا مثلما ضربك.

هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، هذا هو القول الراجح الذي تدلُّ له الأدلة، والذي اختاره جمعٌ من المحققين من أهل العلم.

مداخلة:

الشيخ: لا، القصاص بالفعل؛ لأنه وردت قصصٌ أخرى أيضًا في هذا، يعني المقصود: القصاص بالفعل: أنه يُفعل به -يعني يُفعَل بالجاني- مثل ما فَعَل بالمجني عليه؛ فالمقصود: القصاص بالفعل، وهذا هو الأصل: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194]، وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:126].

مداخلة:

الشيخ: الحيف معناه: الجور والظلم.

الضرب في الوجه ورد النهي عنه، فيكون فعلًا محرمًا، ونحن قلنا: القصاص لا يكون بالفعل المحرم، لكن يمكن أن يُستبدل بالضرب في غير الوجه.

طيب، القصاص في السِّباب؟ يجوز القصاص في السباب؛ لقول النبي : المستبَّان ما قالا، فعلى البادئ -يعني: الإثم كله على البادئ- ما لم يعتدِ المظلوم [6].

فلو استَبَّ اثنان؛ فالإثم كله على البادئ، إلا إذا اعتدى المظلوم، فلو أنه لمَّا سبَّه؛ سبَّه هذا الشخص الآخر؛ فلا إثم عليه، لكن لو أن الشخص الآخر سبَّه وسبَّ والديه؛ يكون اعتدى، فهنا يأثم، أما إذا اقتصر على مقابلة السِّباب بمثله؛ فهذا جائزٌ، والإثم كله على البادئ.

طيب، حتى لو كان السِّباب باللعن؛ لو قال إنسانٌ: “لعنك الله”، هل يجوز أن تقول: “بل لعنك الله أنت”؟ فمن يُجيب على هذا السؤال؟

نعم، حتى لو كان باللعن، هذا الأصل في السب: أنه اللعن، فتَرُدُّ السِّباب بمثله، لكن لا تسبه وتسب والديه، لا تقل: “بل لعنك الله ولعن والديك”، هنا يكون اعتدى المظلوم، وخيرٌ من ذلك ألا تقابل السِّباب بمثله، تُعرِض عنه، أو تقول: “غفر الله لك”، يعني تكون قد قابلت السيئة بالحسنة، هذا أحسن، لكن من حيث الحكم: يجوز أن تقابل السِّباب بمثله.

هل يجوز للمظلوم أن يدعو على الظالم؟

يجوز؛ لقول الله : لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “أي لا يحب الله أن يدعوَ بعضكم على بعضٍ، إلا المظلوم فيجوز له الدعاء على ظالمه”، أما الدعاء على غير الظالم، هذا لا يجوز.

وهناك مرتبةٌ ثانيةٌ أفضل من..، نحن قلنا: المرتبة الأولى: أن يُعرِض عنه، المرتبة الثانية..

  • فالمرتبة الأولى: أن يُقابل السباب بمثله.
  • والمرتبة الثانية: أن يُعرِض عنه.
  • والمرتبة الثالثة: أن يدفع بالتي هي أحسن، وهي أكمل المراتب.

وهذه المسائل -أيها الإخوة- ينبغي أن تكون حاضرةً لدى المسلم، خاصةً طالب العلم؛ لأنه لا بد في حياته سيُبتلى بهذه الطبقة من الجاهلين، ومن الطبقات الصعبة، لا بد، فإذا كان عنده هذه المعاني حاضرةً؛ فإنه سيكون متهيئًا، فلا يقابل السباب بمثله، لا يدخل في معارك مع الجاهلين، لا تدخل في معارك مع الجاهلين؛ فإنك لو دخلت معهم، حتى لو انتصرت؛ فلا يعتبر هذا انتصارًا، الانتصار أن تُعرِض عنه، أو أن تُحسن إليه، هذا هو الانتصار، إذا كان يستحق الإحسان، أو تُعرِض عنه، أما أن تدخل في معركةٍ مع إنسانٍ جاهلٍ، فحتى لو انتصرتَ؛ لا يُعتبر هذا انتصارًا.

فهذه المعاني ينبغي أن تكون حاضرةً، وألا يدخل الإنسان في مشكلاتٍ وفي معارك، ويستنفد طاقته في أشياء لا تستحق، وتشغل الإنسان وتشغل فكره، وربما تُسبِّب له عواقب وخيمةً، ربما تكون عواقبها وخيمةً.

مداخلة:

الشيخ: لا، لا يُستثنى، يجوز أن تقابل اللعن بمثله، والإثمُ على الذي ابتدأ؛ يعني: لو قال: “لعنك الله”، تقول: “بل لعنك الله أنت”، فقط ولا تزيد، هذا يجوز، طبعًا الأفضل ألا تقول له، لكن من حيث الحكم: المستبَّان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يَعْتَدِ المظلوم [7].

يشترط في جواز القصاص في الجروح انتهاؤها إلى عَظمٍ

طيب، ثم قال المصنف رحمه الله:

فصلٌ

ويُشترط لجواز القصاص في الجروح: انتهاؤها إلى عَظْمٍ.

القصاص في الجروح، انتقل المؤلف بعد الكلام عن القصاص في الأطراف إلى القصاص في الجروح، هنا يقول المؤلف: إنه لا بد أن تنتهي إلى عَظمٍ؛ وذلك لأجل إمكانية استيفاء القصاص من غير حَيْفٍ ولا زيادةٍ، أما إذا كانت لا تنتهي إلى عظمٍ؛ فلا يجوز القصاص، وهذا بناءً على كلام الفقهاء السابقين، أما في وقتنا الحاضر، فمع تقدُّم الطب فيمكن الاستيفاء في جميع الجروح بلا استثناءٍ مع أمن الحيف، كما قلنا في الأطراف.

ثم مثَّل المؤلف، قال:

كجُرْح العَضُد والساعد والفخذ والساق والقدم.

“العَضُد”: هو ما بين الكتف والمَرفق، هذا العضد.

فالجُرح في العضد قال: “والساعد”، هذا هو الساعد، “والفخذ والساق”، فالجروح في هذه الأعضاء التي ذكرها تنتهي إلى عظمٍ، جروحٌ تنتهي إلى عظمٍ، فيكون فيها استيفاء القصاص.

وكالمُوضِحة والهاشمة والمُنَقِّلة والمأمومة.

هذه -إن شاء الله- سيأتينا الكلام عنها بالتفصيل.

“المُوضِحة”: هي التي تُوضِح العظم وتُبرزه؛ يعني: يصل الجرح إلى العظم.

“والهاشمة”: التي تَهشِم العظم.

“والمُنقِّلة”: التي تنقل العظم.

“والمأمومة”: التي تصل إلى جلدة الدماغ.

هذه كلها أنواعٌ من الشِّجَاج سيأتي الكلام عنها، وكلها يمكن استيفاء القصاص فيها مع أمن الحيف.

حكم سراية القصاص وسراية الجناية

وسِراية القصاص هدرٌ، وسراية الجناية مضمونةٌ.

هذا يصلح أن يكون ضابطًا فقهيًّا، ما معنى هذا الكلام؟

السِّراية معناها: حدوث مضاعفاتٍ أو آثارٌ تترتب على الجرح، وربما تؤدي إلى إتلاف العضو، وربما تؤدي إلى الموت.

فيقول المؤلف: إذا سَرَى الجرح الحاصل بالقصاص فأدى للموت؛ فهذا يسمى: سِراية النفس، وإذا سَرى إلى عضوٍ؛ سُمِّي: سراية العضو، فيفرقون بين سراية القصاص وسراية الجناية؛ فسراية القصاص يقولون: “هدرٌ”، لو أن شخصًا اعتُدي عليه، فأُذِن له في أن يقتص من الجاني، فلما اقتص المجني عليه من الجاني بمثل ما فعل، يعني: كانت مثلًا مُوضِحةً، اعتُدي عليه بمُوضِحةٍ، ففَعل به مثل ما فعل الجاني تمامًا، لكن الجاني كان عنده سُكَّرٌ، فتحوَّل الجرح إلى غرغرينةٍ، فقُطعت مثلًا يده أو رجله، فهذه السِّراية غير مضمونةٍ، لماذا؟ لأنها مترتبةٌ على القصاص، المجني عليه ما أخطأ، استوفى حقه، لكن حصل سِرايةٌ لهذا الجرح، فالسراية المترتبة على القصاص هدرٌ غير مضمونةٍ.

أما سراية الجناية: فإنها مضمونةٌ، فلو أن شخصًا قطع أصبعًا من آخر عمدًا وعدوانًا، ثم سرت الجناية حتى قطعت يد المجني عليه، فعند القصاص: هل يُقتص من الجاني بقطع أُصبعه، أو بقطع يده؟

بقطع يده؛ لأنه تسبَّب، مثلًا: هو قطع أصبع شخص، وكان -مثلًا- هذا المجنيُّ عليه عنده سُكَّر، وكان عنده غرغرينةٌ، فحصل سِرايةٌ للجناية؛ قُطعت يَدُه، بُتِرت يَدُه كلها، الجاني تُقطع يَدُه وليس فقط إصبعه، مع أنه إنما قطع إصبعًا؛ وذلك لأن سراية الجناية مضمونةٌ.

فإذنْ، سراية القصاص غير مضمونةٍ، هدرٌ، وسراية الجناية مضمونةٌ.

قال:

ما لم يقتص ربها قبل برئه فهدرٌ.

لو أن المجني عليه طالب بالقصاص قبل أن يبرأ جرحه، قيل له: يا فلان انتظر، قال: لا، أنا أريد أن أقتص الآن، فسُمح له أن يقتص، فلما اقتص؛ سَرَت الجناية، يعني: كان الجاني اعتدى على المجني عليه بقطع أصبعه، قيل: انتظر حتى تبرأ، قال: لا، أنا أريد أن أقطع أصبع الجاني، فقطع أصبعه، ثم مع مرور الوقت المجنيُّ عليه سَرَت جنايته حتى قُطعت يده، فهل هذه السراية مضمونةٌ؟ نقول: لا؛ لأنه استعجل، كان ينبغي أن ينتظر، استعجل، ومن تعجل شيئًا قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه.

وفي كتب الفقه حديثٌ يُذكَر عن النبي ضعيفٌ من جهة الإسناد، لكن العمل عليه، وهو أن رجلًا طعن رجلًا بقَرْنٍ في رجله، فقال: يا رسول الله، أَقِدْني، قال : لا تَعْجل حتى يبرأ جُرحك. قال: لا، أَقِدْني، فأبى، فأقاده النبي ، فعرج المستقِيد وبَرَأ المستقاد منه، فأتى المستقيد إلى النبي فقال: يا رسول الله، إني قد عَرجت وبَرَأ صاحبي؟ قال : ألم آمرك ألا تستقيد حتى يبرأ جُرحك فعصيتني، فأبعدك الله وبَطَل جرحك [8]، لكن هذا الحديث فيه ضعفٌ، لكن العمل عليه عند أهل العلم؛ ولذلك يقال للمجني عليه: انتظِر حتى تبرأ، فإن أبى فيقال: إذا حصلت سِرايةٌ؛ السِّراية هذه هدرٌ وغير مضمونةٍ.

هذا حاصل الكلام في: الجناية على النفس والجناية على الأطراف والجناية على الجراح.

ننتقل بعد ذلك للديات: دية النفس، ودية الأطراف، ودية الجراح.

كتاب الدِّيَات

قال المصنف رحمه الله:

كتاب الديات

تعريف الديات

“الديات”: جمع دِيَةٍ، وأصل الدية من الفعل (وَدِيَ)، لكن حُذفت الواو وأُبدلت الهاء مكانها، فأصبحت: (دِيَة)، هذا هو أصل اشتقاقها اللغوي.

وأما اصطلاحًا: “المال المُؤدَّى إلى مجنيٍّ عليه، إذا كانت الجناية فيما دون النفس، أو إلى وليِّه إذا كانت الجناية في النفس”.

حكم من أتلف إنسانًا أو جزءًا منه بمباشرةٍ أو بسببٍ

من أتلف إنسانًا أو جزءًا منه بمباشرةٍ أو سببٍ: إن كان عمدًا؛ فالدية في ماله، وإن كان غير عمدٍ؛ فعلى عاقلته.

دية العمد -سواءٌ كانت الجناية في النفس أو فيما دون النفس- على الجاني وليس على العاقلة، ليس على عاقلته شيءٌ، وقد أجمع العلماء على ذلك.

أما دية الجناية غير العمد -الخطأ وشبه العمد- فعلى العاقلة، وهم عَصَبة الجاني، وبهذا يتبيَّن أن دية القتل العمد على الجاني، لكن ما نسمع به أن أهل الجاني يسعون لتحصيل الدية، وأحيانًا للصلح فوق الدية، أحيانًا قد يطالب أولياء الدم بملايين، فهل أولياء الدم مطالبون شرعًا أو عاقلة الجاني مطالبون شرعًا بتحصيل الدية أو بتحصيل هذه المبالغ الكبيرة؟

الجواب: لا، غير مطالبين، ما دام أن الجناية عمدٌ؛ فالمطالَب بها الجاني، أما عاقلته فليس عليهم شيءٌ، ولا يطالَبون بشيءٍ، لكن هذا يعتبر تبرعًا منهم، إنما الذي يلزمهم دية الجناية الخطأ وشبه العمد، انتبه لهذه المسألة؛ لأن بعض الناس أحيانًا يحصل قتل عمدٍ ويقال: إن أهله وعاقلته ملزَمون بدفع الدية، هذا غير صحيحٍ، ما دام أن الجناية عمدٌ؛ فليسوا ملزَمين، إنما ملزمون إذا كانت خطأً أو شبه عمدٍ.

إذنْ الدية إنما تجب على العاقلة في القتل الخطأ وشبه العمد، وفي أيضًا الجناية فيما دون النفس في الخطأ وشبه العمد، ويدل لذلك قصة المرأتين اللتين اقتتلتا من هُذَيلٍ، فقضى النبي بدية المرأة على عاقلتها [9].

طيب العاقلة، نقول: هم عَصَبة الجاني، لو رفضوا دفع الدية، ما الحكم؟ يعني مثلًا قيل: إن قريبكم هذا صدم بسيارةٍ وعليه دِيَة، الدِّية الآن -دِيَة القتل الخطأ- ثلاثمئة ألفٍ، قيل: إن عليكم أنتم عَصَبة الجاني -يعني: أبوه وإخوانه وأعمامه وبنو عمه- فيجبرون، فإن رفضوا؛ أجبرهم القاضي، ويمكن أن يُقتص من مرتباتهم ومن دخلهم؛ لأنها واجبةٌ عليهم شرعًا، واجبةٌ وجوبًا، هذا إذا كانت الجناية ليست عمدًا.

حكم من حفر بئراً قصيرةً، فعمَّقها آخر فهلك فيها إنسانٌ

ومن حفر تعدِّيًا بئرًا قصيرةً فعمَّقها آخر؛ فضمان تالِفٍ بينهما.

يعني: اشترك اثنان في حفر بئرٍ، الأول حفرها، والثاني عمَّقها، فسقط فيها إنسانٌ فمات، فالضمان عليهما جميعًا.

ومن ذلك الحفريات التي تضعها الشركات، فلو أتى إنسانٌ ووقع في حفريَّةٍ ومات؛ فالشركة التي حفرت هذه الحفرة عليها الدية، وكذلك لو لم يمت وحصل تَلَفِيَّاتٌ في سيارته فعلى الشركة الضمان؛ ولذلك ينبغي أن تضع الشركة علاماتٍ تحذيريةً واضحةً؛ حتى يَحذر الناس من الوقوع في هذه الحفريات، وإلا فإنها تَضمن.

حكم من وضع سكينًا في بئرٍ فوقع فيها رجلٌ فهلك

وإن وضع ثالثٌ سكينًا فأثلاثًا.

طبعًا، هذه مسائل نادرة الوقوع؛ يعني: الأول حفر البئر، ثم الثاني عمَّق، ثم الثالث وضع فيها سكينًا، فوقع فيها إنسانٌ فمات؛ فالدية بينهم أثلاثًا.

حكم من وضع حجرًا فعثر فيها إنسانٌ فهلك

وإن وضع واحدٌ حجرًا تعدِّيًا فعَثَر فيه إنسانٌ فوقع في البئر؛ فالضمان على واضع الحجر؛ كالدافع.

لو أن إنسانًا وضع حجرًا بجوار البئر متعدِّيًا وليس غير قاصدٍ، فعثر إنسانٌ في هذا الحجر فوقع في البئر؛ فالضمان على الواضع للحجر وليس على صاحب البئر.

ومن ذلك مثلًا: لو أن شركة من الشركات وضعت أسلاكًا بجوار حفريَّةٍ، وتسببت هذه الأسلاك في وقوع إنسانٍ، أو وقوع حادث سيارةٍ، وسقط فيها؛ فالضمان على واضع الأسلاك، قياسًا على قول الفقهاء: من وضع حجرًا..

لاحِظوا، يمكن أن نستبدل الأمثلة القديمة التي ذكرها الفقهاء بأمثلةٍ معاصرةٍ، لاحظوا في “السلسبيل”، كلما ذكر الفقهاء مثلًا قديمًا، نضع بجواره مثالًا معاصرًا بإزائه، وهذا هو الذي أردت التميُّز به في كتاب “السلسبيل”، ذِكْر المسائل المعاصرة البديلة للأمثلة التي ذكرها الفقهاء السابقون.

الحكم إذا تجاذب حران مكلفان حبلًا فانقطع فسقطا ميتين

وإنْ تجاذب حران مكلفان حبلًا فانقطعَ فسَقَطَا ميِّتَين؛ فعلى عاقلة كلٍّ دية الآخر، وإن اصطدما فكذلك.

هذه مسألةٌ أيضًا نادرة الوقوع أو مفترضةٌ: تجاذَب إنسانان حبلًا، كلُّ واحدٍ يجذب من جهته، فانقطع الحبل فسقطا ميتين؛ فعلى عاقلة كل واحدٍ منهما الدية.

ومثل ذلك: لو اصطدم رجلان بسيارتيهما فماتا جميعًا؛ فالدية تكون بحسب نسبة الخطأ، يُنظر تقرير المرور كم نسبة الخطأ، فيكون عليهم من الدية بقدر نسبة الخطأ.

حكم من أركب صغيرين لا ولاية له عليهما فاصطدما فهلكا

ومن أركب صغيرين لا ولاية له على واحدٍ منهما، فاصطدما فماتا، فَدِيَتهما من ماله.

إذا أركب الصغيرين في سيارةٍ مثلًا، وهو ليس وليًّا لهما، فاصطدما فيما بينهما؛ فديتهما من ماله؛ لأنه قد تعدَّى بإركابهما وهو ليس وليًّا لهما.

حكم من أرسل صغيرًا لحاجةٍ فأتلف نفسًا أو مالًا

ومن أرسل صغيرًا لحاجةٍ فأتلف نفسًا أو مالًا؛ فالضمان على مُرسِله.

“أرسل صغيرًا”: إما يمشي على رجليه، أو على سيارةٍ، فتسبَّب في إتلاف نفسه أو فيما دون النفس؛ فالضمان على مُرسِله؛ لأنه أرسل إنسانًا غير مكلفٍ.

ومثل ذلك: لو أعطى صغيرًا سيارةً يقودها، فتسبب في حادثٍ، فالذي أعطاه السيارة هو الذي يتحمل الضمان.

حكم من ألقى شيئًا ثقيلًا على سفينةٍ فغرقت

ومَن ألقى حجرًا أو عِدْلًا.

“عِدْلًا” يعني: كيسًا.

مملوءًا بسفينةٍ فغرقت؛ ضَمِن جميع ما فيها.

طبعًا السفن قديمًا كانت إذا ألقى، يعني: كانت تسير بطريقةٍ تختلف عما هي عليه الآن، فالآن السفن تسير عن طريق إحراق الوقود، قديمًا كانت السفن تسير على الرياح: وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ۝ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ [الشورى:32-33]، فكانت إذا هبت الريح؛ مشت السفينة، وإذا سكنت الريح؛ بقيت، هكذا كانت قديمًا: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ [الشورى:33]، أما الآن اختلف وضع السفن، وكان أيضًا إذا وُضع فيها حجرٌ أو شيءٌ ثقيلٌ؛ ربما تغرق، فيقول المؤلف: من ألقى حجرًا أو كيسًا مملوءًا بسفينةٍ فغرقت؛ فإنه يضمن، هكذا أيضًا لو تسبب قائد السيارة في حادثٍ؛ فيضمن أيضًا، يضمن إذا تسبَّب في موتٍ واحدٍ، يضمن دِيَته وعليه كفارةٌ، اثنين فدِيَتَهما وعليه كفارتاهما، وهكذا؛ إذا كان هو المُتسبب.

حكم من منع مضطرًا إلى طعامه أو شرابه حتى هلك

ومَن اضطر إلى طعامِ غيرِ مضطرٍّ أو شرابِه، فمنعه حتى مات.

يعني: يضمن، لو أن إنسانًا مضطرًّا إلى طعام إنسانٍ غير مضطرٍّ، قال: يا فلان، أعطني، أنا مضطرٌّ، فرفض، فقال: إذا ما أعطيتني سأموت، فرفض، فمات المضطر؛ فيضمنه المانع؛ لأنه تسبب بهذا المنع في هلاكه.

أو أخذ طعام غيره أو شرابه وهو عاجزٌ.

يعني: أناسٌ في البر مثلًا، وأحدهم قويٌّ والآخر ضعيفٌ، فقام وأخذ منه طعامه، أخذ القوي من الضعيف طعامه، فمات الضعيف؛ فإنه يضمن.

أو أخذ دابَّته أو ما يدفع به عن نفسه من سَبُعٍ ونحوه فأهلكه؛ ضمنه.

ومن ذلك: أن يأخذ سيارته منه بالقوة ويتركه في البر وحده فيأكله سبعٌ؛ فإنه يضمن؛ لأنه تسبب في هلاكه.

حكم من أتى برائحةٍ فماتت منها حاملٌ أو حَمْلها

وإن ماتت حاملٌ أو حَمْلها من ريح طعامٍ؛ ضَمِن ربُّه إن علم ذلك من عادتها.

هذه طبعًا مسألة مُفترَضةٌ: بعض النساء أثناء الحمل تتغير طبيعتهن، يُصيبهن ما يُسمى بالوَحَم، وأحيانًا تتوحَّم من الروائح، فيقول: إذا الحامل هذه توحَّمت من ريح طعامٍ فماتت؛ فإنه يضمن هذا الذي تسبب في هذه الرائحة إذا كان يعلم أنها ستموت بذلك، لكن هذه مسألةٌ مفترضةٌ، يعني يَبعد جدًّا أن الحامل تموت بسبب رائحة الطعام حتى لو كان عندها وَحَمٌ، هذا بعيدٌ، ولكن الفقهاء قد يفترضون مسائل، يعني يقول: حتى لو وقعت؛ يكون طالب العلم على درايةٍ بها.

هنا قبل أن ننتهي من هذا الفصل، المؤلف يتكلم عن الحوادث التي تقع الآن، حوادث السيارات، كيف يكون الضمان فيها؟ هل يكون الضمان بضمان تكلفة الإصلاح، إصلاح الحادث؟ هل هذا هو الضمان المطلوب شرعًا أو الضمان يكون بتقدير قيمة السيارة قبل الحادث وبعد الحادث؟

الجواب: الثاني، فإذا حصل حادثٌ، فالذي قد أخطأ مطالَبٌ بتعويضِ مَن أخطأ عليه بنقص قيمة السيارة، وذلك بتقديرها قبل الحادث وبعد الحادث، وليس بتعويضه عن قيمة إصلاح السيارة، هذا هو العدل؛ ولذلك بعض الناس يقول: إنه حصل حادثٌ، وأنه قد أُعطي تعويضًا ممن أخطأ عليه أو من شركة التأمين، وأنه أصلح سيارته بمبلغٍ أقل، فما حكم أخذه للمتبقي؟

نقول: أصلًا حقك ليس قيمة الإصلاح، حقك هو بمقدار نقص قيمة سيارتك، وإذا قدَّرت نقص قيمة السيارة؛ ربما يكون أضعاف أضعاف تكلفة قيمة الإصلاح، يعني: لو كانت تكلفة الإصلاح مثلًا خمسة آلافٍ، وأُعطِيتَ عشرة آلافٍ، لو حسبنا نقص قيمة السيارة بسبب الحادث؛ لوجدنا أنها تفوق ذلك بكثيرٍ، لو عرضنا السيارة للبيع قبل الحادث وبعد الحادث فالنقص سيكون كبيرًا، فربما أصلًا أنت تستحق عشرين ألفًا، لكنك ما أُعطيت إلا عشرة آلافٍ.

فإذنْ، التقدير الصحيح للحوادث هو تقدير قيمة السيارة قبل الحادث وبعد الحادث، وليس بالتعويض عن تكلفة الإصلاح، هذا هو مقتضى العدل، وهذا ظاهر كلام الفقهاء عندما يتكلمون عن مثل هذه المسائل.

نعم، مَن كان عنده سؤالٌ يتفضل؟

مداخلة:

الشيخ: إذا كان هو المتسبب عليه كفارةٌ، حتى لو كان المتسبب بنسبة (1%)؛ فعليه كفارةٌ، أما الدية بحسب نسبة الخطأ.

مداخلة:

الشيخ: نعم، يضمن بحسب نسبة خطأ قائد السيارة، وكفارةٌ أيضًا، ديةٌ وكفارةٌ، لا بد من الأمرين جميعًا.

نأخذ هذا الفصل ونقف عند مقادير ديات النفس.

حكم من وقع على نائمٍ غير متعدٍّ فتلف هو أو النائم

قال:

وإن تَلِفَ واقعٌ على نائمٍ غيرِ مُتعَدٍّ بنومه، فهدرٌ، وإن تلف النائم؛ فغير هدرٍ.

يعني: وقع إنسانٌ على نائمٍ فمات الواقع، والنائم في مكانه الصحيح لم يتعدَّ بنومه؛ فالجناية هدرٌ؛ لأن هذا النائم لا ذنب له، هو سقط عليه ومات، أو عثر فيه ومات، المهم أن النائم لم يكن متعديًا، نام في مكانه الصحيح، فهذه الجناية هدرٌ، والله تعالى يقول: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

لو كان الأمر بالعكس: الذي تلف هو النائم، إنسانٌ وُجد نائمًا في مكانه الصحيح، فعثر فيه فالنائم مات، فهنا يضمن الذي عَثَر فيه، يضمن، فالنائم غير هدرٍ؛ تَلَفُ النائم غير هدرٍ، بخلاف تلف الواقع على النائم، يتفرَّع عن ذلك مسألةٌ معاصرةٌ: لو سقطت سيارةٌ مِن جسر على سيارةٍ أخرى، فصاحب السيارة الواقعة هو الذي يضمن؛ قياسًا على هذه المسألة التي ذكرها الفقهاء.

طيب، لو أوقف إنسانٌ سيارةً في طريقٍ بدون أن يضع علاماتٍ تحذيريةً، فاصطدمت به سيارةٌ أخرى، هل يضمن؟ نعم، يضمن؛ لأنه مُفرِّطٌ؛ كونه يُوقف سيارةً في طريقٍ مسلوكٍ ولا يضع علاماتٍ تحذيريةً؛ يكون مفرطًا؛ فيضمن.

إذنْ القاعدة: أن الضمان يتبع التعدِّي والتفريط، فإذا وُجد تَعَدٍّ أو تفريطٌ؛ ففيه ضمانٌ، وإن لم يُوجد تَعَدٍّ ولا تفريطٌ؛ فلا ضمان.

حكم من سُلِّم إليه إنسانٌ ليعلمه السباحة فغرق

وإن سلَّم بالغٌ عاقلٌ نفسَه أو ولده إلى سابِحٍ حاذقٍ ليعلمه فغرق.

يعني: فلا ضمان؛ يعني: هذا رجلٌ سلَّم ولده، أو سلَّم نفسه لمدرِّبٍ يعلمه السباحة، وهذا المدرب حاذقٌ، فغرق هو أو ولده؛ فلا ضمان على هذا المعلم أو المدرب؛ لأنه لم يحصل منه تعدٍّ ولا تفريطٌ.

حكم من أمر مكلفًا أن ينزل بئرًا أو يصعد شجرةً فهلك

أو أمر مكلَّفًا ينزل بئرًا أو يصعد شجرًا فهلك.

فلا ضمان، ونظير ذلك في الوقت الحاضر: أمر عاملًا بأن يُنظِّف الخزان العلوي أو السفلي، فحصل له تَمَاسٌّ كهربائيٌّ فمات، فهل يضمن صاحب البيت؟ لا يضمن؛ لأنه لم يحصل منه تعدٍّ ولا تفريطٌ.

حكم من استأجر أجيرًا لحفر بئرٍ فهلك فيها

أو تَلِف أجيرٌ لحفر بئرٍ أو بناءِ حائطٍ بهدمٍ ونحوه.

أيضًا لا يضمن؛ لأنه لم يحصل منه تعدٍّ ولا تفريطٌ.

حكم من أمكنه إنجاء نفسٍ من مَهلكةٍ فلم يفعل حتى هلكت

أو أمكنه إنجاء نفسٍ مِن مَهْلكةٍ فلم يفعل.

أمكنه أن ينقذ إنسانًا لكنه لم يفعل؛ لا يضمن، لكنه يأثم؛ يأثم لكونه لم ينقذه.

حكم من أدَّب ولده أو زوجته فهلك

أو أدَّب ولده أو زوجته في نشوزٍ، أو أدب السلطان رعيته ولم يُسرف، فهدرٌ في الجميع.

أدَّب مَن يجوز له تأديبه شرعًا؛ كتأديب ولده، النبي يقول: مُروا أبناءكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ [10]، لو أنه ضربه للصلاة لعشرٍ فمات؛ فلا يضمن.

“أو زوجته في نشوزٍ”، فإنَّ الناشز اللهُ تعالى يقول: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، لو حصل منه هذا الضرب غير المبرِّح؛ فإنه لا يضمن.

أو تأديب السلطان رعيته، السلطان أدَّب بعض رعيته؛ فلا يضمن كذلك؛ لأنه مأذونٌ له في ذلك التأديب.

قال:

وإن أسرف أو زاد على ما يحصل به المقصود، أو ضَرَب مَن لا عقل له من صبيٍّ أو غيره؛ ضمن.

“إن أسرف”، يعني كان الضرب مبرِّحًا، أو أنه ضرب مجنونًا أو ضرب صبيًّا غير مميِّزٍ؛ فإنه يضمن.

ولذلك يُشترط لعدم الضمان لما قد يترتب على التأديب خمسة شروطٍ:

  • الشرط الأول: أن يكون المؤدَّب مستحقًّا للتأديب.
  • الشرط الثاني: أن يكون قابلًا للتأديب؛ بأن يكون عاقلًا لا يكون مثلًا مجنونًا أو غير مميِّزٍ.
  • الثالث: أن يكون قَصْدُ المؤدِّب التأديب، لا الانتقام، وهذا يُعرف بالقرائن.
  • الرابع: أن تكون له ولايةٌ على التأديب؛ كأبيه، أو زوج المرأة الناشز، أو السلطان.
  • الخامس: ألا يُسرف، فإن أسرف؛ فإنه يكون ضامنًا، ومن الإسراف أن يزيد على عشرة أسواطٍ؛ لقول النبي : لا يُجلد أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ، إلا في حدٍّ من حدود الله [11].

إذا التزم بهذه الشروط، فما ترتَّب على ذلك التأديب فغير مضمونٍ؛ ولذلك عند الفقهاء قاعدةٌ مهمةٌ في هذا الباب، وهي: “أن ما ترتَّب على المأذون فغير مضمونٍ، وما ترتَّب على غير المأذون فهو مضمونٌ”، هذه قاعدةٌ: “ما ترتب على المأذون غير مضمونٍ، وما ترتب على غير المأذون مضمونٌ”.

حكم من نام على سقفٍ فهوى فأتلف شيئًا

ومن نام على سقفٍ فهوى به؛ لم يضمن ما تلف بسقوطه.

نام على سقفٍ ثم هوى به، فإنه لا يضمن؛ لأنه مُلجَأٌ لذلك، ولم يحصل منه تعدٍّ ولا تفريطٌ.

ونقف عند مقادير دِيَة النفس، نفتتح به درسنا القادم.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الآن، نجيب عما تيسر من الأسئلة:

الأسئلة

السؤال:…؟

الجواب: أولًا ينبغي أن يكون ذلك بحضرة السلطان أو نائبه، فلو أن الجاني زاد فيُرد عليه ليُقتَصَّ، لو أن المجنيَّ عليه زاد في القصاص على الجاني فيُقتَصُّ منه، يقتصُّ الجاني منه؛ لأنه قد زاد.

السؤال: ما حكم ردِّ القذف بالقذف؟

الجواب: الذي يظهر أنه مِن جنس السِّباب، فلا يُؤاخذ به، من جنس السب: المستبَّان ما قالا؛ فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم [12].

السؤال: ما حكم قطع الرحم إن كان القريب الذي يقاطعه كافرًا؟

الجواب: إن كان ليس مسلمًا؛ فلا يكون له حقٌّ في هذه الحال، لكن ينبغي أن يدعوه للإسلام، لعل الله تعالى يهديه على يديه.

السؤال: إذا اختلف اثنان في تشغيل المُكيِّف وإغلاقه، فأيهما يُقدَّم؟

الجواب: يُقدَّم مَن كانت المصلحة معه، إن كانت المصلحة في التشغيل؛ فيُقدَّم رأي من قال بالتشغيل، وإن كانت المصلحة في الإغلاق؛ يُقدَّم رأي من قال بالإغلاق، كيف نعرف المصلحة؟ برأي أغلب الناس؛ يعني مثلًا: هذا يحصل في بعض المساجد في فترة انتقالها بين الصيف والشتاء، يختلفون في تشغيل المُكيِّفات أو إطفائها، فالرأي يكون مع من يكون معه المصلحة، من يرون المصلحة في ذلك، وإمام المسجد ينظر لرأي الأغلبية، يأخذ برأي الأغلبية، ولا يلتفت لرأي غير الأغلبية.

السؤال:…؟

الجواب: الشركة شخصيةٌ اعتباريةٌ، فقط يكون عليهم الضمان، ولا تكون كفارةٌ على أحد؛ لأنها شخصيةٌ اعتباريةٌ.

السؤال: ما حكم الدعاء بأكثر من المظلمة؟ وبماذا يجاب عن فعل سعدٍ حين قالت المرأة: أصابتني دعوة سعدٍ؟

الجواب: الدعاء بأكثر من المظلمة فيه تعدٍّ، يعتبر من التعدي، فالذي ينبغي للمظلوم: أن يقتصر على الدعاء على الظالم بقدر ظلمه فقط، لكن أحيانًا قد يكون الظلم شديدًا؛ فيدعو المظلوم على الظالم بدعاءٍ شديدٍ؛ بسبب شدة الظلم، هذا هو الذي حصل في قصة سعدٍ ؛ لأنه في قصة سعد رماه بأمور غير صحيحةٍ، تكلم بأمورٍ غير صحيحةٍ، فدعا عليه سعدٌ ، وكان مستجاب الدعوة.

السؤال: هذه أسئلةٌ عن العاقلة؟

الجواب: العاقلة -إن شاء الله- سنشرحها في بابٍ مستقلٍّ، وسنُبيِّن ما المقصود بالعاقلة، وما الضابط في ذلك، وما الذي يدفعون وما الذي لا يدفعون، إن شاء الله نؤجِّل الإجابة عن أسئلة العاقلة في الدرس القادم إن شاء الله.

السؤال: ما حكم رذاذ البول الذي يرتد إلى اللباس أثناء التبول؟

الجواب: هذا الرذاذ يعتبر نجسًا؛ ولذلك ينبغي أن يحتاط الإنسان عند التبول، الفقهاء يقولون: ينبغي أن يرتاد مكانًا رِخوًا إذا كان يتبول مثلًا في صحراء ونحو ذلك، وهكذا أيضًا لو كان في دورة مياهٍ؛ ينبغي أن يحترز من أن يرتد إليه رذاذ البول؛ فالنبي مرَّ بقبرين فقال: إنهما يعذَّبان وما يعذبان في كبيرٍ، بلى إنه كبيرٌ، ثم قال: أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة بين الناس، وأما الآخر فكان لا يستَنزِه من بوله [13].

فعدم الاستنزاه من البول، وعدم التحرز من النجاسة من أسباب عذاب القبر؛ فعلى الإنسان أن يحترز من النجاسات؛ مِن رذاذ البول وغيره من النجاسات، وأن يحرص على الطهارة، حتى النجاسة اليسيرة غير معفوٍّ عنها، القول الراجح: أنه غير معفوٍّ عن النجاسة اليسيرة، لكن ما يُعفَى عنه: صاحب السَّلس، أو الذي يشق عليه التخلص من النجاسة، هذا هو الذي يُعفى عنه، أما الإنسان الذي يتعمد أن تكون في ملابسه نجاسةٌ يسيرةٌ، فهذا يدخل في الحديث: إنهما يُعذَّبان…، أما أحدهما فكان لا يستَنزِه من بوله؛ لا يتورَّع من النجاسة.

مداخلة:…

الجواب: هذا الذي يَخشى، عنده وسواس أو يَخشى، هذا إذا كان يَخشى أن تأتيه شكوكٌ ووساوس، أو أن البول لا ينقطع بسرعةٍ ويخشى أن يتحول إلى وسواسٍ؛ فهذا ورد عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه بعدما يغسل فرجه ويعصر ذَكَره؛ يأخذ كفًّا من ماءٍ ويرشه على سراويله، على الملابس الداخلية، بحيث يقطع دابر الوسواس.

السؤال: ما صحة من يقول بعد الرفع من الركوع: “اللهم لك الحمد”، دون قول: “اللهم ربنا”؟

الجواب: صلاته صحيحةٌ، لكنه قد قصَّر في إسقاط هذه الكلمة، السنة أن يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وقد وردت بأربع صيغٍ:

  1. اللهم ربنا ولك الحمد [14].
  2. اللهم ربنا لك الحمد [15].
  3. ربنا ولك الحمد [16].
  4. ربنا لك الحمد [17].

السؤال:…؟

الجواب: زيادة: “والشكر”، غير مشروعةٍ، إنما يقتصر على قول: “ربنا لك الحمد” من غير زيادة: “والشكر”؛ لأن الأصل في العبادات التوقيف.

السؤال:…؟

الجواب: لا، لا تبطل، لكن خلاف السُّنة.

السؤال: إذا أردتُّ أن أصرف مئة ريالٍ، ولم يجد صاحب المحل مئة ريالٍ وأعطاني تسعين ريالًا على أن يعطيني الباقي في يومٍ آخر، فما الحكم؟

الجواب: لا بأس بذلك، بشرط أن تنوي الصرف فيما صُرِفَ لك، والباقي تنوي أنه وديعةٌ أو أمانةٌ عند صاحب المحل، فتقول: المُصارفة في تسعين، فهذه مئة ريالٍ صارفتُك في التسعين، تَرُد عليَّ تسعين، العشرة الريالات المتبقية تبقى أمانةً عندك إلى الغد؛ هذا لا بأس به، وقد نص على مثل هذا فقهاء الحنابلة، وذكروا أنه لا بأس به، لكن تنوي الصرف فيما تم صرفه فعلًا، فهذا لا بأس به، وهناك قولٌ بأن هذا لا يجوز، وأنه ربًا، وهذا محل نظرٍ؛ إذ إن الصرف إنما تم في التسعين، والمبلغ المتبقي يبقى أمانةً أو وديعةً عند صاحب المحل، يأتي ويأخذه في وقتٍ آخر.

السؤال:…؟

الجواب: هذه الجهة المسؤولة عن تقدير الحوادث، يُفترض أن المرور أو الجهة المسؤولة في التقدير تقدِّر قبل الحادث وبعد الحادث، والذي أعرفه الآن أنهم يفعلون ذلك في الحوادث الكبيرة، أما الصغيرة فلا، لكن هذه تفيدنا فائدةً أخرى، وهي: أنه إذا أُعطيتَ مبلغًا أكبر من قيمة الإصلاح؛ فيجوز أن تأخذه؛ لأن أصلًا حقَّك ليس مقابل تكلفة الإصلاح، حقك مقابل نقص قيمة السيارة، ونقص قيمة السيارة عادةً بالحوادث كبيرٌ، حتى لو كان الحادث يسيرًا فتأثيره على قيمة السيارة كبيرٌ.

السؤال: شخصٌ حلف على شراء سلعةٍ من محلٍّ، ولكن لم يجد هذه السلعة لديهم، فهل عليه كفارةٌ؟

الجواب: يشتري السلعة من غيرهم إذا لم يجدها لديهم، يشتريها من غيرهم وليس عليه شيءٌ، إي نعم، ما دام أنه حلف، لو عيَّن المحل ولم يجد السلعة عندهم؛ يشتريها من غيرهم.

السؤال: ما حكم: إذا مر أحدٌ قُدَّامي وأنا أصلي ولم أمنعه؟

الجواب: إذا لم تمنعه مع قدرتك على منعه فينقص أجر صلاتك، حتى إنه ورد في بعض الروايات أنه ينقص نصف الأجر [18]، إلا إذا كان المار امرأةً أو حمارًا أو كلبًا أسود [19]، فتبطل الصلاة، ويلزمك أن تعيدها من جديدٍ؛ ولذلك يلزم من يصلي أن يمنع المار، هناك طريقةٌ أخرى غير منع المار ولا تسبب حرجًا للإنسان، وهي: أن يتقدم ويجعل المار يمر خلفه؛ لأنه غالبًا من يريد المرور يكون عنده حاجةٌ للمرور، خاصةً مَن مثلًا يصلون الجمعة عند الأبواب أو نحو ذلك، فنقول: تقدَّم واجعل الناس يمرون خلفك.

المهم أنه إذا مر المار بين يدي المصلي ولم يمنعه؛ نقص أجر صلاته، إلا إذا كان المار امرأةً أو حمارًا أو كلبًا أسود؛ فتنقطع صلاته ويعيدها من جديدٍ.

السؤال:…؟

الجواب: لا، الطفل لا يقطع الصلاة، لكنه ينقص من الأجر.

مداخلة:…

الجواب: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؛ لكان أن يقف أربعين خيرًا له [20]، لم يَرِد تفسيرها، لكن يظهر أنها أربعون وحدةً زمنيةً، هل هي أربعون يومًا، أو أربعون شهرًا، أو أربعون عامًا، أو غير ذلك؟ الله أعلم.

مداخلة:…

الجواب: نعم، هذا دل على شدة الأمر، وعلى أن المرور بين يدي المصلي من الكبائر.

مداخلة:…

الجواب: لا، الحرم مستثنًى.

السؤال: امرأةٌ عليها قضاء خمسة أيامٍ من رمضان يقينًا، وتريد أن تصوم يومًا سادسًا احتياطًا، فما الحكم؟

الجواب: إذا كان عندها شكٌّ: هل هي خمسةٌ أو ستةٌ؛ فلا بأس أن تحتاط، أما إذا لم يكن عندها شكٌّ؛ فلا داعي لهذا الاحتياط؛ لأنه يجر للوسواس.

السؤال: الحديث الوارد في النهي عن صوم يوم الشك، هل هو خاصٌّ بصوم الثلاثين من شعبان، أو يعم أي يومٍ تشك فيه؟

الجواب: خاصُّ بالثلاثين من شعبان [21].

السؤال: نصحت شخصًا لا يصلي الصلاة، ثم اهتدى، فهل أدخل في الحديث: لَأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا، خيرٌ لك من حُمْر النَّعَم؟

الجواب: تدخل في قول النبي : من دعا إلى هُدًى؛ كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه [22]، فيكون لك مثل أجر صلوات هذا المصلي، فأنت على خيرٍ عظيمٍ.

أما قوله عليه الصلاة والسلام: خيرٌ لك مِن حُمْر النَّعم [23]، هذا فيمن أسلم، كان كافرًا فأسلم، لكن يكون لك مثل أجر صلاة هذا الذي أرشدته للصلاة.

السؤال: أتردد يوميًّا بين الأحساء والدمَّام بغرض العمل، والمسافة تتجاوز (100 كيلو)، فهل لي الجمع والقصر؟

الجواب: إذا كانت المسافة (100 كيلو) من مُفارقة عمران البلد الذي أنت فيه إلى البلد الآخر؛ فلك الترخص برخص السفر، لكن بعض الناس يحسبها بطريقةٍ غير صحيحةٍ، يحسبها من بيته، يحسب المسافة من البيت، هذا غير صحيحٍ، لا تحسبها من البيت، احسب المسافة من مفارقة العمران، فعند آخِر حيٍّ من أحياء البلد الذي أنت فيه؛ الأحسن أن تأخذ عدَّاد السيارة وتضعه على صفرٍ، فإذا كانت المسافة أكثر من (80 كيلومترًا)؛ فهي مسافة السفر، لك الترخص برخص السفر، فالحساب إذنْ يبدأ من مفارقة العمران وليس من البيت.

السؤال: هل يجوز أن أدمج الوِرْد المتشابه بين أذكار الصباح وأذكار الوِرْد بعد الصلاة، مثل: آية الكرسي والمعوذات والإخلاص؟

الجواب: نعم، يكفي أن تقولها مرةً واحدةً، تقرأ آية الكرسي مثلًا بعد صلاة الفجر، وتقرأ سورة الإخلاص ثلاث مراتٍ، والفلق ثلاث مراتٍ، والناس ثلاث مراتٍ، هذا يكفيك عن الأذكار التي بعد الصلاة وأذكار الصباح.

وبهذه المناسبة، أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم هذه ينبغي أن يحرص عليها المسلم؛ فإنها حصنٌ عظيمٌ يتحصن به من الشرور والآفات، فإن الإنسان في حياته يتعرض لشرورٍ كثيرةٍ من شياطين الجن والإنس، يتعرض أولًا لشر الشياطين -شياطين الجن- ويتعرض كذلك للسحر، ويتعرض أيضًا للعين، ويتعرض لشرورٍ كثيرةٍ، ويتعرض أيضًا لشر شياطين الإنس في التعدي عليه أو في ظلمه أو نحو ذلك، فإذا أتى بهذه الأذكار؛ يتحصن بالله تعالى من شر شياطين الجن والإنس، وأيضًا تُحَصِّنه من الحوادث الأخرى؛ كحوادث السيارات وغيرها.

فهذه الأذكار حصنٌ حصينٌ يتحصَّن بها المسلم من الآفات؛ ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: من قال حين يصبح وحين يمسي: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم؛ لم يضرَّه شيءٌ [24].

فينبغي أن يحرص المسلم على هذه الأذكار، ويُعوِّد نفسه عليها، على أذكار الصباح وأذكار المساء، وأذكار النوم؛ فإنها تُحصِّنه -بإذن الله تعالى- من الشرور والآفات.

ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه الترمذي: 1394، وابن ماجه: 2668.
^2 رواه البخاري: 2413، ومسلم: 1672.
^3 رواه أبو داود: 2673، وأحمد: 16034.
^4 رواه البخاري: 3017.
^5 رواه أبو داود: 4537، وأحمد: 286.
^6, ^12 رواه مسلم: 2587.
^7 سبق تخرجه.
^8 رواه أحمد: 7034، والبيهقي: 16540.
^9 رواه البخاري: 6910، ومسلم: 1681.
^10 رواه أبو داود: 495، وأحمد: 6756.
^11 رواه البخاري: 6850، ومسلم: 1708.
^13 رواه البخاري: 218، ومسلم: 292.
^14 رواه البخاري: 795.
^15 رواه البخاري: 4560، ومسلم: 471.
^16 رواه البخاري: 735، ومسلم: 392.
^17 رواه البخاري: 722، ومسلم: 409.
^18 رواه عبدالرزاق: 2342، والطبراني: 9290.
^19 رواه البخاري: 508، ومسلم: 512.
^20 رواه البخاري: 510، ومسلم: 507.
^21 رواه البخاري: 1914، ومسلم: 1082.
^22 رواه مسلم: 2674.
^23 رواه البخاري: 3009، ومسلم: 2406.
^24 رواه أبو داود: 5088، والترمذي: 3685، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
zh