logo

(48) باب أركان الحج وواجباته

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

باب أركان الحج وواجباته

قال المؤلف رحمه الله:

باب أركان الحج وواجباته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

قبل أن نبدأ شرح الدرس، كنا قد وصلنا في درسنا إلى باب أركان الحج وواجباته، والحج له أركانٌ وواجباتٌ، وكذا العمرة، وتكلمنا في الدرس السابق عن محظورات الإحرام، ثم عن الفدية، وعن جزاء الصيد، وبعض الأحكام المتعلقة بحرم مكة.

حكم لبس الكمامة للمحرم

ومن المسائل التي كنا ننبه عليها فيما يتعلق بمحظورات الإحرام: لبس الكمَّام، فلبس الكمام بالنسبة للمحرم هو تغطية وجهٍ، وقول من قال بأنه ليس بتغطيةٍ، ليس بظاهرٍ، هو تغطيةٌ؛ ولذلك لو أن الكمام وضعه على الرأس بدلًا من الوجه؛ لاعتبرناه تغطيةً، لكن هل تغطية الوجه ممنوعٌ منها المحرم أم لا؟

هذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين مشهورين:

  • القول الأول: أن تغطية الوجه للمُحرِم محرمةٌ، واستدلوا بحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي قال في الذي وقصته راحلته: اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه -هذا محل الشاهد- فإنه يُبعث يوم القيامة مُلَبِّيًا [1]، وإذا مُنع ذلك في شأن المحرم الميت؛ فالمحرم الحي من باب أولى.
  • القول الثاني في المسألة وهو قول الجمهور: أن تغطية الوجه بالنسبة للمحرم لا بأس بها؛ وذلك لأنه لم يُذكر في النهي عنها شيءٌ، وأما حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: فالمحفوظ من الحديث هو رواية “الصحيحين” الذي اتفق عليها البخاري ومسلمٌ: ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا، وأما زيادة: ولا وجهه، فإنها شاذةٌ، وقد أورد الإمام مسلمٌ هذا الحديث بعدة رواياتٍ، فأورد أكثر الروايات بلفظ: لا تخمروا رأسه، ثم ساق بعد ذلك رواية: ولا وجهه، والمعروف أن مسلمًا أحيانًا يسوق بعض الروايات الضعيفة بعد الصحيحة من باب التنبيه على ضعفها، وقد أشار إلى هذا في مقدمته؛ ولهذا فعند أكثر الحفاظ أن هذه الرواية غير محفوظةٍ، وأن هذه روايةٌ شاذةٌ، وهذا هو القول الصحيح؛ وبناء على ذلك يكون القول الراجح: أن المحرم ليس ممنوعًا من تغطية وجهه.

وبناءً على هذا: فلا يمنع المحرم من لبس الكمامات، لا حرج في ذلك إن شاء الله، وبعض الذين أجازوا قالوا: ليس تغطية وجهٍ، هو في الحقيقة تغطية وجهٍ، لكن المأخذ: أن المحرم ليس ممنوعًا من تغطية وجهه، نقول هذا؛ لأن بعض الناس يريد الحج يسأل عن هذه المسألة، خاصةً مع انتشار هذا الوباء، فيريد أن يتقي هذا الوباء بلبس الكمام، فنقول: لا حرج في ذلك إن شاء الله، هذه المسألة من المسائل المتعلقة بمحظورات الإحرام.

حكم لبس المحرم الإزار الذي على شكل التنورة

بالنسبة للإزار المخيط الذي يلبسه المحرم، يكون إزارًا مَخِيطًا على شكل ما يسمى بـ(التنورة)؛ فلهذا اشتهر رأي الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله بقوله بالجواز، وتبعه على ذلك كثيرٌ من طلابه، ولكن الذي يظهر: أن هذا اللباس نوعٌ من المخيط، ويسمى بـ(النُّقْبَة)، وقد أشار لهذا ابن الأثير في “النهاية في غريب الحديث والأثر”، قال: إن النُّقْبَة: هي الإزار المخيط الذي أعلاه كالسراويل وأسفله كالإزار، ونقل أحد المشايخ أن أحد الناس من إحدى قرى الجنوب أتى وسأل عن النقبة، فقال: صفها لي، فوصفها بهذا الوصف؛ فدل ذلك على أنها لا تزال تسمى بهذا الإسم بالنقبة في بعض القرى، وإذا كان كذلك؛ فهي نوعٌ من المخيط، هي كالسراويل وكالقميص وكغيرها؛ ولهذا فالقول الصحيح: أنه لا يجوز لبسها للمحرم، هي ليست إزارًا، وإنما هي نوعٌ من المخيط، ومعلومٌ أنه يحصل بلبسها من الترفه ربما أكثر حتى مما يحصل في السراويل، وبكل حالٍ هي نوعٌ من المخيط، والنبي عليه الصلاة والسلام منع المحرم من لبس القُمص، ومنعه من لبس السراويلات [2]، وهذه في معناها بل أولى؛ ولهذا فالأظهر -والله أعلم- هو أنه لا يجوز للمحرم لبسها.

نعود لدرسنا:

قال المؤلف رحمه الله:

باب أركان الحج وواجباته

أركان: جمع ركنٍ، والركن: هو جانب الشيء الأقوى؛ ولذلك يقال: ركن البيت، أي: جانبه الأقوى، وهو الزاوية، زاوية البيت.

وحصر المؤلف أركان الحج في أربعةٍ، وإذا تخلف واحدٌ من هذه الأركان؛ لم يصح الحج؛ فهي كأركان الصلاة، وأركان سائر العبادات.

أركان الحج

الأول: الإحرام

قال:

الأول: الإحرام، وهو مجرد النية، فمن تركه لم ينعقد حجه.

الإحرام: سبق لنا أن ذكرنا تعريف الإحرام، فما هو تعريف الإحرام؟

طالب:

الشيخ: نعم، نية الدخول في النسك، أحسنت، الإحرام إذنْ متعلقٌ بالنية، وليس بلبس اللباس، فبعض الناس يسمي من لبس ثوب الإحرام سماه مُحرِمًا، هذا غير صحيحٍ؛ فقد يلبس الإنسان لباس الإحرام وهو ليس بمحرم؛ ولذلك لك أن تلبس لباس الإحرام وأنت في منزلك هنا في الرياض، ولا يقال: إنك محرمٌ؛ لك أن تغطي رأسك، ولك أن تتطيب، فإذا نويت الإحرام؛ فقد أصبحت محرمًا، ونية الإحرام تكون عند الميقات، إذا نويت الإحرام؛ أصبحت محرمًا.

إذنْ هذا هو الركن الأول: الإحرام، وهو مجرد النية، والنية محلها القلب، والنبي يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى [3]، ومن لم يحرم بالحج؛ فهو لم ينو الدخول في النسك؛ ولذلك لا يصح حجه، فهي كتكبيرة الإحرام بالنسبة للصلاة لا تنعقد إلا بها، كذلك الحج والعمرة لا ينعقدان إلا بالإحرام بنية الدخول في النسك.

لكن أنبه هنا إلى أن هناك فرقًا بين نية الدخول في النسك، ونية أنه يفعل النسك؛ يعني: نية أنه يحج، ونية الدخول في الحج، بينهما فرقٌ؛ نية الدخول في الحج هذا هو الإحرام، لكن نية أنه سيحج هذا ليس إحرامًا، فأنت مثلًا في رمضان تقول: هذه السنة سوف أحج، ربما في محرم، تقول: هذه السنة سوف أحج، فتنوي الحج هذه لا يترتب عليه شيءٌ؛ ولذلك لو مررت بالميقات بهذه النية؛ لا يلزمك إحرامٌ؛ فإذنْ بينهما فرقٌ.

التلفظ بالنية في الحج والعمرة

هل يشترط مع النية لفظٌ؟

بعض أهل العلم قال: إنه لا بد مع النية من التلبية؛ فلا بد أن يقول: لبيك حجًّا، أو لبيك عمرةً، فجعل التلبية بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة، فإنه لا بد أن يتلفظ بتكبيرة الإحرام، ولو نوى أنه دخل الصلاة من غير أن يتلفظ بتكبيرة الإحرام؛ لم تصح صلاته.

ولكن الصحيح: أنه لا يُشترط ذلك، وإنما تكفي النية؛ لعموم قول النبي : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى [4].

ويتفرع عن هذه المسألة: لو أن أحدًا مر بميقاتٍ ونوى الإحرام لكنه لم يتلفظ به، لم يقل: لبيك عمرةً، أو لبيك حجًّا، وهذا يحصل من بعض العامة، تجد أنه لا يعرف الإهلال: لبيك عمرةً، أو لبيك حجًّا، وإنما ينوي عند الميقات الإحرام، فعلى القول الصحيح: أن إحرامه صحيحٌ، وعلى القول الآخر: أنه لا يصح إحرامه.

القول الراجح: أن إحرامه صحيحٌ، وأنه تكفي النية في هذا.

إذنْ هذا هو الركن الأول.

الثاني: الوقوف بعرفة

الركن الثاني:

الوقوف بعرفة.

وقد أجمع العلماء على ذلك، حَكى الإجماع على ذلك الموفق بن قدامة رحمه الله وجمعٌ من أهل العلم؛ ويدل لهذا قول الله : فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198].

فقوله: فَإِذَا أَفَضْتُمْ، دليلٌ على أن الوقوف بعرفة لا بد منه، وأنه أمرٌ مسلَّمٌ، وأن الدفع إلى مزدلفة يكون بعد عرفة.

وأصرح من هذا الاستدلال: هو حديث عبدالرحمن بن يَعْمَرَ الدِّيليِّ  أن النبي قال: الحج عرفة [5]، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وهو حديثٌ صحيحٌ، والمسألة -كما ذكرت- هي محل إجماعٍ.

وقت الوقوف بعرفة

ووقته.

يعني: ابتداء وقته.

من طلوع فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر..

يعني: متى يبتدئ وقت الوقوف بعرفة؟

يرى المؤلف: أن وقت الوقوف بعرفة يبتدئ من طلوع فجر يوم عرفة.

وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين مشهورين:

المسألة: متى يبتدئ وقت الوقوف بعرفة؟

  • القول الأول، وهو الذي مشى عليه المؤلف: أنه يبتدئ من طلوع فجر يوم عرفة، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو من المفردات.
  • القول الثاني: أن وقت الوقوف بعرفة يبتدئ من زوال الشمس، وإلى هذا ذهب جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو روايةٌ عند الحنابلة، بل حكاه ابن المنذر وابن عبدالبر إجماعًا، وحكاية الإجماع هنا لا يسلَّم بها، لكن هذا يدلك على أنه رأي أكثر العلماء، واختاره جمعٌ من المحققين من أهل العلم؛ كأبي العباس ابن تيمية وابن القيم، وهو الذي أيضًا اختاره سماحة شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ والشيخ محمد بن عثيمين، رحمة الله على الجميع.

نأتي إلى الأدلة:

الحنابلة أصحاب القول الأول: استدلوا لذلك بحديث عروة بن مُضَرِّسٍ الطائي لمَّا أتى النبيَّ فقال: «يا رسول الله، إني جئت من جبل طَيِّئٍ -جبل طيئٍ أين يقع؟ في حائلٍ- أكللتُ راحلتي، وأتعبتُ نفسي، والله ما تركتُ من جبلٍ إلا وقفت عليه -هذا الحديث سيتكرر معنا- فهل لي من حجٍّ؟ قال النبي : من شهد صلاتنا هذه -يعني الفجر- ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا؛ فقد تم حجه وقضى تفثه [6]، هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وهو حديثٌ صحيحٌ من جهة الإسناد، واحتج به العلماء في مسائل كثيرةٍ في الحج، ووجه الدلالة من هذا الحديث:…

من يستنبط لنا وجه الدلالة من قول الحنابلة على أن وقت الوقوف يبتدئ من طلوع الفجر؟

الطالب:

الشيخ: نعم، أحسنت: وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، والنهار متى يبتدئ؟ النهار يبتدئ بطلوع الفجر.

أما دليل أصحاب القول الثاني، وهم الجمهور: فقد استدلوا بأن النبي وأصحابه من بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: خذوا عني مناسككم [7]، ولو كان الوقوف يبتدئ قبل الزوال؛ لبيَّنه النبي عليه الصلاة والسلام؛ فكأنهم جعلوا فعل النبي مقيِّدًا لحديث عروة بن مضرسٍ ، فقوله: أو نهارًا، المقصود: بعد الزوال، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام وقف بعد الزوال، وخلفاؤه الراشدون من بعده إنما كانوا يقفون بعرفة بعد الزوال، وهذا هو الذي درَج عليه الصحابة والتابعون ومن بعدهم، أنهم إنما يقفون بعد الزوال.

والقول الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني: وهو أن وقت الوقوف بعرفة إنما يبتدئ بعد الزوال؛ وذلك لقوة ما استدلوا به.

وأما حديث عروة بن مضرسٍ : فيحمل قوله: نهارًا، على أن المقصود: بعد الزوال.

ثمرة الخلاف في هذه المسألة: من وقف بعرفة قبل الزوال، هل يصح حجه أم لا؟ على قول الحنابلة يصح، وعلى قول الجمهور لا يصح.

أفضل الأعمال عند الوقوف بعرفة

أيضًا من فروع هذه المسألة: تجد بعض الناس عندما يأتي عرفةَ؛ يأتيها أحيانًا مبكرًا، بعض الناس من بعد الفجر، وبعض الناس من أول النهار، فيجتهد بالدعاء والذكر، حتى إذا أتى بعد الزوال إذا هو متعبٌ وينام، نقول: إن وقت الوقوف حتى الآن ما بدأ، وقت الزوال ما بدأ؛ ولذلك نقول له: إذا أردت أن تنام؛ فنم في أول النهار، وتفرغ للدعاء من بعد الزوال، النبي عليه الصلاة والسلام إنما تفرغ للدعاء من بعد الزوال.

ما أفضل عملٍ يعمله الحاج وقت الوقوف بعرفة؟ ما أفضل الأعمال الصالحة؟

الطالب:

الشيخ: نعم، الدعاء هو أفضل عملٍ يعمله الحاج؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام تفرغ للدعاء تفرغًا كاملًا، فإنه لمَّا صلى بالناس صلاة الظهر والعصر في وادي عُرَنَةَ؛ انطلق إلى آخر عرفاتٍ، إلى غرب عرفة، لاحِظ أن وادي عرنة من شرق عرفة، جبل الرحمة الذي عند الصخرات يسمى جبل الرحمة، هذا الجبل آخر عرفاتٍ، لعل انطلاق النبي عليه الصلاة والسلام وذهابه إلى هذا المكان؛ لأجل أن يُبيِّن أن هذا كله موقفٌ، وبقي عليه الصلاة والسلام راكبًا على بعيره، لم ينزل عن بعيره، رافعًا يديه يدعو من بعد الظهر إلى غروب الشمس، يعني: قرابة كم ساعةً؟ حج النبي عليه الصلاة والسلام في الزمن المعتدل وقت الربيع، يعني في حدود من خمسٍ إلى ست ساعاتٍ، يعني: لو قلنا: خطب بعد الزوال وصلى بالناس بعد الزوال، وانطلاقه من وادي عرنة إلى آخر عرفاتٍ، يعني: لو حسبناها: ساعة، يعني: ما لا يقل عن خمس ساعاتٍ تفرغ فيها النبي عليه الصلاة والسلام للدعاء، يقول الراوي: “حتى إن خطام بعيره سقط فأخذه بإحدى يديه وهو لا يزال رافعًا يده الأخرى” [8]، وشكَّ الصحابة : هل كان عليه الصلاة والسلام صائمًا؟ فأرسلت إليه أم الفضل رضي الله عنها بلبنٍ فشرب منه والناس ينظرون [9]؛ فعلموا أنه كان مفطرًا؛ فهذا يدل على أن أفضل ما يشتغل به الحاج: هو الدعاء، وأن الدعاء حريٌّ بالإجابة.

نقول هذا؛ لأن بعض الحجاج -هداهم الله- يضيعون هذا الوقت إما في النوم، أو في الحكايات والأحاديث، ترى العجب! هذا الوقت الثمين من العمر تجد أن بعض الحجاج لا يغتنمونه، وهذا تفريطٌ، ثم إن هذا وقت مباهاة الرب ​​​​​​​ بالحجيج ملائكته: انظروا إلى عبادي هؤلاء، أتوني شعثًا غبرًا ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم [10]، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ [11].

طيب ما صفة هذا الدنو؟ هل هو دنوٌّ حقيقيٌّ أو مجازيٌّ؟ نعم، وإنه ليدنو بهم.

الطالب:

الشيخ: نعم، عند أهل السنة الدنو دنوٌّ حقيقيٌّ على ما يليق بجلال الله وعظمته، لا نعرف نحن كيفية هذا الدنو، لكن نثبته كما أثبته النبي عليه الصلاة والسلام.

لكن نثبت أن الله ​​​​​​​ عشية عرفة، ما معنى “عشية عرفة”؟ يعني بعد الزوال، يدنو من الحُجَّاج ويباهي بهم ملائكته دنوًّا حقيقيًّا -الله أعلم بكيفيته- على ما يليق بجلال الله وعظمته.

إذنْ القول الراجح: أن وقت الوقوف إنما يبتدئ بعد الزوال.

طالب:

الشيخ: ما ذهب لعرفاتٍ، هل ذهب النبي إلى عرفاتٍ؟ ما ذهب إلى عرفاتٍ، ذهب إلى نمرة، نمرة قريةٌ صغيرةٌ شرق عرفاتٍ، هي قبل عرفاتٍ، فهذا إنما يصح لو أن النبي عليه الصلاة والسلام نزل بعرفاتٍ، ما نزل بعرفاتٍ، نزل بنمرة، وهي قبل عرفاتٍ، ثم بقي إلى أن زالت الشمس ذهب إلى وادي عُرَنَة -وادي عرنة مكان المسجد الآن- وخطب الناس وصلى بهم الظهر والعصر، ثم بعد ذلك ذهب إلى الموقف عند الصخرات.

الطالب:

الشيخ: لكن حديث عروة ليس صريحًا، هذا لو كان حديث عروة صريحًا، وهو ليس صريحًا، والنبي عليه الصلاة والسلام لو كان وقت الوقوف يبتدئ من بعد الفجر؛ لوقف النبي عليه الصلاة والسلام بعرفة، ما يفصل بينها إلا أمتارٌ، فكيف يترك النبي عليه الصلاة والسلام الأفضل ويبقى في نمرة، والخلفاء الراشدون كذلك من بعده؟! فلو كان الوقوف يبتدئ من بعد الزوال؛ لوقف النبي ، ونمرة هي في حدود عرفاتٍ، ما وقف النبي بها، حديث عروة ليس صريحًا، وإلا مثلًا في تطبيق هذه القاعدة: القول مقدم على الفعل، لو كان صريحًا، لكنه ليس صريحًا في المسألة.

الطالب:

الشيخ: إي نعم، لا بد أن يرجع إلى عرفة قبل الزوال، ثم إن دفع نقول له: لا بد أن يرجع، وإلا ما صح حجه.

طيب، قال المؤلف: “إلى طلوع الفجر”، يعني: أنه ينتهي الوقوف بعرفة بطلوع فجر يوم النحر، وهذا بالإجماع، قال الموفق بن قدامة: لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن آخر الوقت: طلوع فجر يوم النحر، والدليل لذلك: حديث عروة بن مُضَرِّسٍ السابق، وفيه: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا؛ فقد تم حجه، وقضى تفثه، وأيضًا حديث عبدالرحمن بن يَعْمَر الدِّيليِّ: الحج عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جَمْعٍ؛ فقد تم حجه [12]؛ فهذا دليلٌ على أن من أتى قبل الفجر؛ يصح حجه بالإجماع؛ ولذلك نجد أن بعض الناس لا يذهب لعرفاتٍ إلا في الليل، وهذا يصح حجه بالإجماع. بعض الناس يصلي هنا العصر، ثم يذهب للحج، ويدرك عرفاتٍ قبل طلوع الفجر، ويكمل حجه، حجه صحيحٌ بالإجماع من غير خلافٍ بين العلماء.

طيب، وسيأتي الكلام عن الوقوف بعرفة أيضًا، سنعود له عند الكلام عن…

قال:

فمن حَصَل في هذا الوقت بعرفة لحظةً واحدةً وهو أهلٌ.

يعني: من وقف بعرفاتٍ ولو لحظةً، ولو أقل وقتٍ؛ فإنه يصح حجه، “وهو أهلٌ” يعني: عاقلٌ.

ولو مارًّا.

حتى لو مجرد مرورٍ، فيكون قد وقف بعرفة، إذا كان في الوقت.

أو نائمًا.

حتى لو كان طيلة الوقوف بعرفة نائمًا، فيصح حجه؛ وذلك لأن كونه نائمًا لا يخرجه من العقل، ولا يخرج عن كونه أهلًا.

أو حائضًا.

كذلك حتى لو كانت المرأة حائضًا أو نفساء، فإنه يصح وقوفها بعرفة.

أو جاهلًا أنها عرفة.

إذا مر بعرفة جاهلًا أنها عرفة أجزأه؛ والدليل لذلك: حديث عروة بن مضرسٍ، فإنه قد أتى من جبل طيئٍ، وقال: أكللتُ راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حجٍّ؟ فالنبي أطلق، قال: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا؛ فدل ذلك على أنه لا يشترط أن يعرف أنها عرفة، إذا وقف عالمًا أو جاهلًا؛ فقد تم حجه.

والظاهر من حال عروة بن مضرسٍ: أنه لما وقف بعرفة؛ وقف عالمًا بأن هذه عرفة، أو جاهلًا؟ جاهلًا؛ لأنه ما كان يدري، وقف بالجبال كلها، في الجبال كلها التي حول مكة؛ فهذا يدل على أن من مر بعرفة جاهلًا أنها عرفةٌ، فإنه يصح وقوفه، قال: “صح حجه”.

لا إن كان سكرانًا أو مجنونًا.

إن كان مجنونًا، فلا يصح وقوفه، بل ولا يصح حجه بالإجماع؛ وذلك لأنه ليس من أهل العبادات، وهكذا أيضًا إذا كان سكران، إذا كان سكران؛ فإنه قد اختار تغطية عقله بنفسه؛ فهو كالمجنون، فلا يصح وقوفه بعرفة.

قال:

أو مغمًى عليه.

من وقف بعرفة مغمًى عليه، هل يصح وقوفه أم لا؟

هذه المسألة تحصل، خاصةً عند بعض من يأتي للحج، ثم يصاب بمرضٍ مثلًا، أو يقع له حادثٌ أو نحو ذلك، فيُنقل مثلًا إلى مستشفى عرفة وهو مغمًى عليه، فهل يجزئه ذلك عن الوقوف أم لا؟

هذه المسألة من المسائل الكبيرة التي الخلاف فيها قويٌّ، وقد توقف فيها الإمام أحمد رحمه الله، لمَّا سُئل عنها، قال الإمام أحمد: الحسن يقول: بطل حجه، وعطاءٌ يرخص فيه.

فالمسألة على قولين مشهورين لأهل العلم:

  • القول الأول: أنه لا يصح حجه، وهذا هو الصحيح عند الحنابلة كما ذكر ذلك المرداوي في “الإنصاف”؛ وذلك لأن الوقوف ركنٌ من أركان الحج، فلم يصح من المغمى عليه كسائر الأركان، وقلنا: إن هذا أيضًا هو قول الحسن البصري.
  • القول الثاني: أن حجه صحيحٌ، وقلنا: إن هذا هو قول عطاءٍ، وقال به مالكٌ وأبو حنيفة، وقالوا: إن الوقوف بعرفة لا يعتبر له نيةٌ ولا طهارةٌ؛ فصح من المغمى عليه كالنائم.

وهذه المسألة ترجع إلى مسألةٍ أخرى، وهي: المغمى عليه هل تصح أفعاله أو لا تصح؟ وهل هو مكلفٌ أو غير مكلفٍ؟ فإذا أغمي على إنسانٍ ثم أفاق، هل يؤمر بقضاء هذه الصلوات؟ وهل يؤمر أيضًا بقضاء الصوم؟ إنسانٌ مثلًا أغمي عليه، أو أصيب بجلطةٍ لمدة شهرٍ ثم أفاق، هل نأمره بقضاء تلك الصلوات التي تركها خلال هذا الشهر؟ هل نأمره بقضاء صوم شهر رمضان؟ لأنه وافق شهر رمضان؟

هذه المسألة ليس فيها أدلةٌ ظاهرةٌ، لكن مبناها على النظر:

فمن العلماء من يُلحِق المغمى عليه بالنائم ويقول: يلزمه قضاء تلك الصلوات التي تركها وقت الإغماء ولو طالت مدة الإغماء، ويلزمه قضاء الصوم، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

ومن العلماء من يُلحقه بالمجنون فيقول: لا يلزمه قضاء تلك الصلوات.

وأما قضاء الصوم: فالمذاهب الأربعة عند أصحاب المذاهب الأربعة: أنه يلزمه قضاء الصوم، هذه المسألة أيضًا فيها إشكالاتٌ كثيرةٌ حقيقةً، يعني: لا تَطَّرِد على قاعدةٍ معينةٍ؛ ولذلك لا نستطيع أن نضع قاعدةً في المغمى عليه.

والأقرب -والله أعلم- بالنسبة للصلاة: أنه إذا كانت مدة الإغماء يسيرةً؛ فهو أشبه بالنائم، وحدود اليسير: حدود ثلاثة أيامٍ؛ فإذنْ الشارع يجعل الفرق بين اليسير والكثير ثلاثة أيامٍ: لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ [13]، لا يحل لمهاجرٍ أن يبقى بعد الطواف أكثر من ثلاثٍ [14]، إلى آخره.

فإذا كانت أقل من ثلاثة أيامٍ؛ قضى هذه الصلوات، وإذا كانت فوق ثلاثة أيامٍ؛ لا يلزمه القضاء.

بالنسبة للصيام: يلزمه القضاء، إذا طالت المدة؛ فهو أشبه بالمجنون في عدم وجوب قضاء الصلاة، وأما بالنسبة لقضاء الصيام: فظاهر كلام أهل العلم: أنه يلزمه قضاء الصيام.

بالنسبة للوقوف بعرفةٍ: فعلى القولين، هل نلحقه بالنائم، أو نلحقه بالمجنون؟ الأقرب -والله أعلم- وهو ما ذهب إليه الحنابلة: أنه لا يصح منه الوقوف، لا يصح وقوفه ما دام مغمًى عليه، وأن الأقرب هو إلحاقه بالمجنون في هذه الحال؛ لأنه لا يصح طوافه، ولا يصح سعيه، ولا تصح منه سائر الأركان؛ فالوقوف بعرفة كذلك، ما دام أنه لا تصح منه سائر أركان الحج؛ فالوقوف بعرفة كذلك، هذا هو الأظهر والأقرب في هذه المسألة، والخلاف فيها قويٌّ، والقول الآخر أيضًا له وجهٌ؛ ولهذا الإمام أحمد رحمه الله توقف في هذه المسألة.

مداخلة:

الشيخ: نعم، أنا قلت في المذاهب كلها فيها ما تجد للمغمى عليه قاعدةً مطردةً، مبنيٌّ على الآثار، لا يمكن أن تضع له قاعدةً مطردةً.

الطالب:

الشيخ: يعني أغمي عليه، وقف بعرفة مغمًى عليه؟ بناءً على قول المالكية والحنفية: يصح حجه، لكن الأظهر: أنه لا يصح حجه، إذا أفاق يعتبر كالمحصر، وسيأتي الكلام عن المحصر.

حكم وقوف الحجاج في غير يوم التاسع

قال:

ولو وقف الناس كلهم، أو كلهم إلا قليلًا، في اليوم الثامن أو العاشر خطأً؛ أجزأهم.

يعني: لو أخطأ الناس في إثبات دخول شهر ذي الحجة، وهذا يحصل، يدعي أحيانًا أناسٌ ليسوا بعدولٍ أو العكس، يكون الهلال قد هل ولم يره أحدٌ، فحصل خطأٌ في الوقوف بعرفة، فيقول المؤلف: إنه “لو وقف الناس كلهم، أو كلهم إلا قليلًا، في اليوم الثامن أو العاشر خطأً؛ أجزأهم”.

وهذه المسألة ترجع إلى مسألةٍ أخرى، وهي: هل يوم عرفة باطنًا وظاهرًا، أو ظاهرًا فقط؟ ورجح أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: أن اليوم الذي يجتمع فيه الناس في عرفة كلهم أو أكثرهم أنه هو يوم عرفة باطنًا وظاهرًا، ظاهرًا يعني: في ظاهر الأمر للناس، وباطنًا يعني: عند الله ، والمسألة فيها خلافٌ، لكن الأقرب: هو ما رجحه أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وأنه اليوم الذي يقف فيه جميع الحجاج أو أكثرهم، وإنما قلنا: أكثرهم؛ لأنه قد يوجد بعض الناس عندهم شذوذٌ، فهؤلاء لا يعتبر شذوذهم، فيكون هذا هو يوم عرفة باطنًا وظاهرًا.

وابن تيمية رحمه الله له مسلكٌ آخر، ليس فقط في عرفة، بل حتى في دخول شهر رمضان، وفي عيد الفطر، يقول: إن الهلال هو ما استهل وأعلن وظهر للناس، وإن كان خطأً في نفس الأمر، واشتهر -من الاشتهار- فإذا أعلن واشتهر أن هذا هو رمضان، أو أن هذا هو العيد، أو أن هذا هو عرفة؛ كان كذلك، وإذا لم يعلن؛ لم يكن كذلك، بغض النظر عن حقيقة الأمر هل طلع الهلال أو لم يطلع، فلو أنه ادعى مثلًا أناسٌ شهودٌ: أنهم رأوا الهلال، لكنهم متوهمون لم يروه، وصام الناس بناءً على ذلك؛ فيكون ذلك هو أول يومٍ من رمضان، وهكذا لو أفطروا بناءً على شهادة شهودٍ متوهمين، وهكذا وقفو بعرفة بناءً على شهادة شهودٍ متوهمين؛ يكون هذا هو يوم عرفة باطنًا وظاهرًا، فيكون الهلال شرعًا هو ما استهل، يعني: ما أعلن وظهر للناس، وإن كان خطأً في حقيقة الأمر؛ وبذلك نعرف خطأ بعض الدول التي تتأخر في عيد الأضحى، يتأخرون عن مكة، فمثلًا العيد هذه السنة يوم الجمعة، إذا وافقت الرؤية التقويم؛ فالجمعة، فتجد بعض الدول يجعلونها السبت، هذا خطأٌ؛ لأنه ينبغي إن وسع الخلاف في دخول شهر رمضان، وفي عيد الفطر؛ فلا يسع الخلاف بالنسبة لعيد الأضحى؛ لأن عيد الأضحى مرتبطٌ بعرفة، فإذا ظهر للناس في مكة أن شهر ذي الحجة دخل في يوم كذا، وأن يوم عرفة هو يوم كذا، فيكون هو يوم عرفة باطنًا وظاهرًا؛ ولذلك يفترض أن الأمة الإسلامية كلها تتوحد بالنسبة لعيد الأضحى وألا تختلف في عيد الأضحى، ولكن الواقع أن في كل سنةٍ هناك بعض الدول التي تخالف في هذا.

طيب، رَوى مالكٌ عن سليمان بن يسارٍ: أن هبار بن الأسود قَدِم من الشام يوم النحر، فقال له عمر بن الخطاب: “ما حبسك؟ قال: أخطأنا العدة، كنا نرى أن هذا اليوم هو يوم عرفة”، فلم يعذره عمر بهذا، واعتبر أنه قد فاته الحج، وأمره أن يفعل ما يفعل المحصر [15].

الثالث: طواف الإفاضة

قال: الثالث من أركان الحج:

الثالث: طواف الإفاضة.

وهو ركنٌ بالإجماع، لقول الله : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، وقد حكاه ابن عبدالبر إجماعًا.

ويسمى: طواف الزيارة، ويشترط أن يقع بعد الوقوف بعرفة، فلا يصح أن يطوف قبل عرفة ولا مزدلفة؛ لأن الله ذكر الطواف بعد الوقوف بعرفة: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، ومزدلفة تلي عرفة، ولما ذكر النحر والذبح قال: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، فجعل الطواف بعد الوصول إلى منًى؛ وعليه: فيشترط لصحة طواف الإفاضة: أن يكون بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة؛ وعلى هذا: لو أن الإنسان انطلق من عرفة ليطوف طواف الإفاضة، ثم عاد إلى مزدلفة فبات بها؛ فإنه لا يصح طوافه.

وقت طواف الإفاضة

قال:

وأول وقته: من نصف ليلة النحر لمن وقف، وإلا فبعد الوقوف.

“من نصف ليلة النحر”، يعني: من بعد الدفع من عرفاتٍ، وبعد منتصف الليل ليلة النحر؛ وذلك لأنه لا يبتدئ أيضًا الرمي إلا بعد منتصف الليل ليلة النحر، هذا لمن وقف، وإلا فبعد الوقوف.

“من نصف ليلة النحر لمن وقف”، يعني: ودفع إلى مزدلفة.

“وإلا فبعد الوقوف”، يعني: بعد أن يقف بعرفة إذا كان لم يقف بعرفة إلا بعد منتصف الليل.

فالحاصل: أن وقت الطواف إنما يبتدئ من بعد منتصف الليل.

ولا حد لآخره.

أي: لا حد لآخر طواف الإفاضة، ولو أتى به في أي وقتٍ صح، قال الموفق بن قدامة: لو أتى بطواف الإفاضة في أي وقتٍ؛ صح بلا خلافٍ، وإنما الخلاف في وجوب الدم، بعض العلماء يجعل آخر وقتٍ في طواف الإفاضة نهاية شهر ذي الحجة، والصحيح -كما قال المؤلف- أنه لا حد لآخره، ومتى ما أتى به؛ أجزأ وصح.

وعلى هذا: لو أن امرأةً حاضت أو نفست وأرادت أن تذهب لبلدها، ثم تعود فيما بعد ذلك وتطوف طواف الإفاضة فلا حرج، لكن لا تكون قد تحللت التحلل الكامل إلا بعد أن تأتي بطواف الإفاضة.

الرابع: السعي بين الصفا والمروة

الرابع: السعي بين الصفا والمروة.

الركن الرابع من أركان الحج: السعي بين الصفا والمروة، وقد اختلف العلماء في هذا الركن على ثلاثة أقوالٍ:

  1. القول الأول: أنه ركنٌ من أركان الحج، وهو قول الجمهور، ذهب إليه المالكية والشافعية والحنابلة.
  2. القول الثاني: أنه واجبٌ، ويجبر بدمٍ، وإليه ذهب الحنفية، واختاره الموفق ابن قدامة في “المغني”، وعدَّه في “العمدة” من واجبات الحج، “العمدة” سبق أن شرحناه في درسٍ سابقٍ كاملًا، فنجد أن الموفق عد السعي من الواجبات ولم يعده من الأركان.
  3. والقول الثالث: أنه سنةٌ.

والقول بأنه سنةٌ هو أضعف الأقوال، ويبقى النظر بين القولين الأولين: أنه ركنٌ أو واجبٌ؛ فمن قال: إنه واجبٌ، قال: إنه لا دليل يدل على ركنيته، وغاية ما فيه أنه ورد الأمر به؛ والأمر إنما يقتضي الوجوب.

أما من قال بركنيته -أصحاب القول الأول- فاستدلوا بقول النبي : اسعوا؛ فإن الله كتب عليكم السعي [16]، أخرجه أحمد وغيره، وهو حديثٌ صحيحٌ بمجموع طرقه.

وقوله: إن الله كتب، يعني: أوجب، والنبي لم يترك السعي قط في جميع عُمَره وفي حجه، وقد قال: خذوا عني مناسككم [17]، ولقول الله : إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ [البقرة:158]، فجعل الله تعالى السعي بينهما من شعائر الله ، وقد قال الله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، ولقول عائشة رضي الله عنها: “والله ما أتم الله حج رجلٍ ولا عمرته لم يطف بهما” [18]، رواه مسلمٌ، “لم يطف بهما”، يعني: بالصفا والمروة.

ثم أيضًا عندما نتأمل النصوص؛ نجد دائمًا أن السعي يُذكر مع الطواف، فهو قريبٌ له، وملازمٌ له، فهو كالزكاة مع الصلاة.

فالأقرب والله أعلم: أن حكم السعي هو حكم الطواف، وأنه ركنٌ من أركان الحج، كما ذهب إلى هذا جماهير أهل العلم، هذا هو الأقرب، والله أعلم.

بقي أن نشير إلى دليل من قال بأنه سنةٌ:

نحن قلنا: إنه أضعف الأقوال، لكن من قال بأنه سنةٌ؛ رَوى ذلك عن ابن مسعودٍ، وأبي بن كعبٍ وابن عباسٍ ، وابن سيرين، واستدلوا بالآية الكريمة: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، قالوا: إنه قد جاء في مصحف أُبَيٍّ وابن مسعودٍ رضي الله عنهما قراءة: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا)، قالوا: وهذا إن لم يكن قرآنًا؛ فقد سمعاه من النبي ؛ فيكون حجةً، ولكن القراءة الشاذة الصحيح: أنه لا يحتج بها، قراءة ابن مسعودٍ وأُبيٍّ هي قراءةٌ شاذةٌ؛ فلا يُحتج بها، وأما قول الله تعالى: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا، فهذا رفعٌ لِمَا توهم بعض الناس حين نزول الآية؛ لأن الصفا والمروة كان عليهما صنمان يُعبدان من دون الله ، فتحرَّج بعض المسلمين من الطواف بهما وعليهما صنمان قبل الإسلام، فنفى الله الجناح والحرج في الطواف بهما، فقوله: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إنما نزلت لسببٍ، فلا بد أن يُعرف السبب الذي لأجله نزلت الآية.

فالأظهر -والله أعلم- هو ما ذهب إليه الجمهور من أن السعي ركنٌ من أركان الحج، وهو ما مشى عليه المؤلف رحمه الله.

إذنْ هذه هي الأركان الأربعة.

حكم المبيت بمزدلفة

بعض العلماء زاد ركنًا خامسًا، وهو: المبيت بمزدلفة؛ لقول الله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، وما هو المشعر الحرام؟ مزدلفة؛ ولحديث عروة بن مضرسٍ الطائي : من شهد صلاتنا هذه-يعني الفجر- ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا؛ فقد تم حجه، وقضى تفثه [19].

  • فذهب إلى أنه ركنٌ بعض أهل العلم، وهو المذهب عند الحنفية.
  • ومن أهل العلم من قال بأن الوقوف بمزدلفة سنةٌ وليس بركنٍ.
  • ومنهم من قال: إنه واجبٌ.

فالأقوال في المسألة ثلاثةٌ، فأما من قال بركينته: سمعنا وجهتهم، وأما من قال بأنه واجبٌ فقالوا: إن هذه الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الأول تُحمل على الوجوب وليس على الركنية؛ لأنه لو كان الوقوف بمزدلفة ركنًا؛ لما رخص النبي  للضعفة بأن يدفعوا آخر الليل؛ ولأنه لا دليل يدل على الركنية؛ فإن الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام يدل على وجوب ذلك، وأما حديث عروة بن مضرسٍ الطائي فإنه ليس بصريحٍ في الركنية.

والأقرب والله أعلم: هو أن المبيت بمزدلفة واجبٌ وليس ركنًا، ولا نقول: إنه مستحبٌّ، وإنما واجبٌ؛ لفعل النبي [20]، وقد قال: خذوا عني مناسككم [21]، وللآية الكريمة: فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، ولحديث عروة .

ونقول: إن قوله: فقد تم حجه، الإتمام يكون على وجوهٍ؛ تارةً يكون الإتمام إتمامًا لا يصح الشيء إلا به، وتارةً يكون إتمامًا يصح الشيء بدونه مع التحريم، وتارةً يكون إتمامًا يصح الشيء بدونه مع نفي التحريم، والمراد بالإتمام هنا في حديث عروة بالنسبة لمزدلفة: إتمام الواجب الذي تصح العبادة بدونه، فهذا هو الأقرب والله أعلم: أن المبيت بمزدلفة واجبٌ وليس بركنٍ.

واجبات الحج

قال:

وواجباته.

يعني واجبات الحج.

 سبعةٌ:

والواجبات: هي التي يصح الحج بدونها، لكنها تُجبر بدمٍ، فهي كواجبات الصلاة التي تجبر بأي شيءٍ؟ بسجود السهو.

الأول: الإحرام من الميقات

الأول: الإحرام من الميقات.

لو قال المؤلف: أن يكون الإحرام من الميقات؛ لكان أوضح؛ لأنه قد يتوهم بعض الناس أن الإحرام نفسه واجبٌ، والإحرام سبق أن قلنا: إنه ركنٌ، ولكن مراد المؤلف أن يكون الإحرام من الميقات، وهذا متفقٌ عليه بين العلماء، ويدل لهذا الواجب: قول النبي : يهل أهل المدينة من ذي الحُلَيفة، وأهل نجدٍ من قرنٍ.. إلى آخر الحديث [22]، وهذا خبرٌ بصيغة الأمر؛ فيدل على وجوب الإحرام من الميقات.

الثاني: الوقوف بعرفة إلى الغروب لمن وقف نهارًا

الثاني: الوقوف إلى الغروب لمن وقف نهارًا.

من وقف بعرفة نهارًا؛ يجب عليه أن يقف إلى غروب الشمس، والدليل لهذا: فعل النبي ، فإنه بقي بعرفة إلى أن غربت الشمس، وقال: خذوا عني مناسككم [23]، ولأن أهل الجاهلية كانوا إذا وقفوا بعرفة؛ دفعوا قبل غروب الشمس، فخالفهم النبي ووقف بعرفة إلى غروب الشمس؛ فدل هذا على وجوب الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس.

واختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوالٍ:

  • القول الأول: هو ما مشى عليه المؤلف: أن الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس لمن وقف نهارًا واجبٌ، وهو مذهب الحنفية والحنابلة.
  • القول الثاني: أنه مستحبٌ، وهو مذهب الشافعية.
  • القول الثالث: أن من وقف بعرفة نهارًا ودفع منها قبل غروب الشمس؛ لا يصح حجه، وهو مذهب المالكية.

لاحِظ، الأقوال متقابلةٌ، يعني: من دفع من عرفة قبل غروب الشمس عند الشافعية يقولون: لا شيء عليه، وعند المالكية يقولون: يفسد حجه، انظر إلى الأقوال، هذا يدل على اختلاف الأفهام؛ ولذلك مسائل الحج -في الحقيقة- من أشكل المسائل، تجد الاختلاف الكبير فيها بين العلماء في مسألةٍ واحدةٍ، لاحِظ الخلاف: الشافعية يقولون: لا شيء عليه، المالكية يقولون: يفسد حجه، يبطل حجه.

فالأقوال ثلاثةٌ: أعدل هذه الأقوال وأقربها: هو قول الجمهور من الحنفية والحنابلة، وهو أن الوقوف بعرفة لمن وقف نهارًا إلى غروب الشمس واجبٌ، لا نقول كما قال الشافعية: إنه مستحبٌّ، ولا نقول كما قال المالكية: إنه ركنٌ، وعند المالكية أنه لا بد أن يكون الوقوف ليلًا لا نهارًا، وأن من وقف نهارًا؛ لم يصح حجه.

الثالث: المبيت ليلة النحر بمزدلفة إلى بعد نصف الليل

الثالث: المبيت ليلة النحر بمزدلفة.

ذكرنا خلاف العلماء في هذه المسألة، وأن فيها ثلاثة أقوالٍ: قولٌ بأنه ركنٌ، وقول بأنه واجبٌ، وقول بأنه مستحبٌّ، ورجحنا أنه واجبٌ.

قوله:

إلى بعد نصف الليل.

هذه مسألةٌ مهمةٌ الحقيقةَ، من أهم المسائل، أنه يجب المبيت بمزدلفة إلى ما بعد نصف الليل، وهذه اختلف فيها العلماء اختلافًا كثيرًا:

  • فجمهور العلماء ذهبوا إلى أنه يجب أن يكون المبيت بمزدلفة إلى ما بعد نصف الليل.
  • ومن أهل العلم من قال بأنه يجب إلى طلوع الفجر.
  • ومنهم من قال: إن الواجب هو الوقوف بمزدلفة ساعةً من الليل.

أما جماهير العلماء: فاستدلوا بفعل النبي ، فقد بات بمزدلفة، وبترخيصه للضعفة في أن يدفعوا ما بعد منتصف الليل، فلو كان المبيت بمزدلفة لا يجب إلى ما بعد منتصف الليل؛ لأذن النبي للضعفة بأن يدفعوا قبل منتصف الليل.

ومن قال: بأن الواجب هو ساعةٌ من الليل؛ قال: لأن النبي  يقول في حديث عروة السابق: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا؛ فقد تم حجه، وقضى تفثه، قال: فالنبي أخبر في هذا الحديث بأن من فعل هذا؛ فقد تم حجه، وقوله: من صلى معنا صلاتنا هذه، دليلٌ على أن الوقوف ساعةً يكفي، والمقصود بالساعة: يعني الزمن، ليس المقصود به: (60 دقيقةً)، يعني: زمنًا يسمى مبيتًا عرفًا؛ ولأن الله قال: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، وفسر كثيرٌ من العلماء المقصود بذكر الله عند المشعر الحرام، ما هو؟ نعم؟

طالب:

الشيخ: معروف..، مزدلفة ما معنى فاذكروا الله؟

صلاة المغرب والعشاء، قالوا: فإذا صلى المغرب والعشاء؛ فقد حصل المقصود، وذكر الله عند المشعر الحرام، وهذا كما ترون قولٌ قويٌّ، وقد ورد فيه بعض الآثار؛ منها: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: “إنما جَمْعٌ -يعني مزدلفة- منزلٌ تَرتحِل منه إذا شئت” [24]، رواه ابن أبي شيبة بسندٍ صحيحٍ، وهذا هو المذهب عند المالكية، فيقولون: متى ما وقف ساعةً من الليل؛ أجزأ ذلك.

الرابع: المبيت بمنًى في ليالي التشريق

قال:

والمبيت بمنًى في ليالي التشريق.

هذا الواجب الرابع: “والمبيت بمنًى في ليالي التَّشريق”؛ وذلك لفعل النبي ، [25]، وقد قال: خذوا عني مناسككم [26]، ولما جاء في “الصحيحين”: أن النبي رخَّص لعمه العباس أن يبيت في مكة ليالي التشريق؛ من أجل السقاية [27]، متفقٌ عليه، قالوا: والرخصة يقابلها العزيمة، كون النبي عليه الصلاة والسلام رخص لعمه العباس ؛ فهذا يدل على أن المبيت بمنًى واجبٌ.

الخامس: رمي الجمار

قال:

ورمي الجمار مرتبًا.

لقول النبي : لمثل هذه فارموا [28]، ولقوله : إنما جُعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله [29]، ولفعل النبي عليه الصلاة والسلام [30]، وقد قال: خذوا عني مناسككم [31].

السادس: الحلق أو التقصير

والحلق أو التقصير.

وذلك لأن الله تعالى جعل الحلق والتقصير وصفًا للحج والعمرة في قوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهٌ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح:27]، وقد ورد هذا في سياق الامتنان، ولقول النبي : ثم ليحلق أو يقصر، ‌ثم ‌ليحلل [32]، ودعا للمحلقين ثلاثًا، وللمقصرين مرةً واحدةً [33].

وهنا نقف مع التقصير والحلق، التقصير: لا بد أن يكون شاملًا لجميع الشعر، فلا يصح أن يكون لأجزاءٍ من الشعر كما يفعل بعض الناس؛ يأخذ من هنا شعراتٍ ومن هنا شعرت، هذا لا يجزئ؛ كما أنه لا يجزئ المسح على بعض شعر الرأس في الصلاة في الوضوء، أيضًا الحلق المقصود به: استئصال جميع الشعر، وهو الذي يكون بالموسى، أما الذي يكون بالماكينة، فإذا كان من رقم (1)؛ فأعلى تقصيرٍ، لكن الذي يكون على رقم (0)، هل هو حلقٌ أم تقصيرٌ؟

الطالب:

الشيخ: لماذا؟ نعم؟

طيب أنا أسألكم سؤالًا: هل هناك فرقٌ بين الحلق بالماكينة رقم (0)، وبين الحلق بالموسى أو ليس بينهما فرقٌ؟

نعم، الذي يظهر أن هناك فرقًا، لاحِظوا أن الحلق بالموسى يستأصل جميع الشعر، بينما الحلق بالماكينة رقم (0) تبقى أصول الشعر، جذور الشعر تكون باقيةً.

فالذي يظهر: أن الحلق بالماكينة بالرقم (0) تقصيرٌ وليس حلقًا، اللهم إلا أن يستأصل الإنسان جميع شعره بطريقةٍ ما، ربما أن بعض الناس تكون له طريقةٌ يستطيع بالماكينة أن يستأصل جميع الشعر، لكن بالطريقة المعتادة المعروفة الآن الذي يظهر: أنها تقصيرٌ وليست حلقًا.

السابع: طواف الوداع

قال:

وطواف الوداع.

هذا الواجب السابع من واجبات الحج: طواف الوداع؛ لقول النبي : لا ينفرن أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت [34]، ولقول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفف عن الحائض [35].

ولكن يرد على هذا إشكالٌ: وهو أنه لو كان طواف الوداع من واجبات الحج؛ لوجب على المقيم والمسافر، طواف الوداع لا يجب على من أقام بمكة، ولا يجب على أهل مكة بالاتفاق، فكيف يكون من واجبات الحج؟ وهذا يَرِد على هذا القول؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- أن نقيد هذا الواجب فنقول: طواف الوداع في حق من سافر، أو في حق من لم يُقِم بمكة، أما من أقام بمكة؛ فإنه ليس واجبًا في حقه.

أركان العمرة

قال:

وأركان العمرة ثلاثةٌ: الإحرام، والطواف، والسعي.

الإحرام هنا: نقول فيه كما قلنا في الإحرام في الحج، كذلك أيضًا بالنسبة لطواف العمرة وسعيها، فهي ثلاثة أركانٍ.

والسعي في العمرة: هو كالخلاف في السعي في الحج، ورجحنا: أن السعي في الحج ركنٌ، كذلك أيضًا السعي في العمرة ركنٌ.

واجبات العمرة

قال:

وواجباتها شيئان: الإحرام بها من الحِل.

“الإحرام بها من الحل” في حق من كان في مكة، فمن كان مقيمًا في مكة؛ فإنه يجب عليه -إذا أراد أن يحرم بالعمرة- أن يحرم بها من الحل.

والمقصود بالحل: خارج حدود الحرم، وأدنى الحل: التنعيم، الذي فيه مسجدٌ يسمى الآن “مسجد عائشة” رضي الله عنها، فيحرم بالعمرة من التنعيم، أو من عرفة، أو الجِعْرانة، أو أي موضعٍ من مواضع الحل، والدليل لهذا: أن النبي أمر عبدالرحمن بن أبي بكرٍ أن يذهب مع أخته عائشة رضي الله عنها -لما أرادت أن تعتمر- إلى التنعيم، فأحرمت بالعمرة من التنعيم [36]، ولو كان يصح الإحرام بالعمرة من مكة؛ لَمَا أمر النبي عليه الصلاة والسلام عائشة رضي الله عنها أن تخرج وتحرم بالعمرة من التنعيم، وكان ذلك ليلًا، وفيه مشقةٌ، والنبي عليه الصلاة والسلام ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما [37].

طيب من كان بمكة يحرم بالحج من مكة من مكانه، بينما العمرة يحرم من التنعيم من الحل، ما الحكمة؟ لماذا؟ أهل مكة يحرمون بالحج من ماذا؟ من بيوتهم، من منازلهم، طيب يحرمون بالعمرة من الحل، فلماذا؟ ما هي الحكمة؟ نريد أن نستنبط الحكمة في التفريق بين الحج والعمرة، نعم؟

الطالب:

الشيخ: أحسنت، لكي يجمع بين الحل والحرم.

في الحج كيف يجمع بين الحل والحرم؟ وجود عرفة، عرفة من الحل، ومزدلفة ومنًى من الحرم، هو يجمع بين الحل والحرم، بينما في العمرة لا يمكن أن يجمع بين الحل والحرم إلا إذا أحرم من الحل، فلعل هذه هي الحكمة، والله أعلم.

قال:

والحلق أو التقصير.

ويقال فيه كما قلنا في الحلق أو التقصير في الحج.

سنن الحج

والمسنون.

المسنونات كثيرةٌ؛ ولذلك مثَّل لها المصنف بأمثلةٍ فقط.

قال:

كالمبيت بمنًى ليلة عرفة.

فهذا من المسنونات؛ وذلك لفعل النبي [38]، بل الذهاب لمنًى ليوم التروية كذلك من المسنونات.

وبعض العلماء يعتبره واجبًا، رجح هذا الشيخ الألباني رحمه الله، قال: إن الذهاب لمنًى يوم التروية واجبٌ، وهكذا المبيت بمنًى ليلة عرفة؛ لفعل النبي وقد قال: خذوا عني مناسككم [39].

والأظهر أنه مستحبٌّ وليس واجبًا، كما عليه جماهير أهل العلم قديمًا وحديثًا، والدليل لذلك: أنه وافى النبيَّ أناسٌ كثيرٌ في عرفة، ومنهم عروة بن مضرسٍ الطائي ، ولم يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام بدمٍ، ولو كان الذهاب لمنًى يوم التروية والمبيت بها ليلة عرفة واجبًا؛ لأمرهم النبي بدمٍ، خاصةً أن عروة بن مضرسٍ أتى مستفتيًا النبي عليه الصلاة والسلام، فلم يوجب عليه دمًا.

والصواب: ما ذهب إليه جماهير العلماء من أن الذهاب لمنًى ليوم التروية، والمبيت بها ليلة عرفة مستحبٌّ وليس واجبًا.

قال:

وطواف القدوم.

طواف القدوم في حق القارن والمفرد، فإنه مستحبٌّ وليس واجبًا، وأما بالنسبة للمتمتع: فإنه يكون طواف القدوم هو طواف العمرة.

والرَّمَل في الثلاثة الأشواط الأُول منه.

والرمل معناه: الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى.

والاضطباع فيه.

الاضطباع معناه: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، هذا معنى الاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، وهذا قد أمر به النبي الصحابة لمَّا قدموا مكة في السنة السابعة، فقالت قريشٌ: إن أصحاب محمدٍ يَقدَمون وقد أوهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي بالرمل والاضطباع؛ إظهارًا للقوة [40]، ولكنه فعله النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، وأمر به الصحابة فأصبح سنةً.

قال:

وتجرُّد الرَّجل من المخيط عند الإِحرام، ولبس إزارٍ ورداءٍ أبيضين نظيفين.

وذلك لأن النبي فعل ذلك، قد جاء في حديث عمر أن النبي قال: ليحرم أحدكم في إزارٍ ورداءٍ ونعلين [41]، رواه أحمد.

وقوله: “أبيضين”؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن من خير ثيابكم البياض، فالبسوها وكفنوا فيها موتاكم [42]، وهو حديثٌ صحيحٌ، وهذا يدل على أن لبس البياض مستحبٌّ، وأنه أفضل من غيره من أنواع اللباس؛ ولذلك يستحب أن يكون الكفن أبيض، وأن يكون الإحرام أبيض، و”نظيفين”؛ لما يعلم من قواعد الشريعة من أنه ينبغي للإنسان الحرص على النظافة؛ لهذا أُمر بالوضوء وبالاغتسال.

والتلبية من حين الإحرام إلى أول الرمي.

ويدل لهذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي كانت إذا استوت به راحلته أهلَّ، فقال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك [43]، وأيضًا لما جاء في “الصحيحين” عن الفضل بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: “كنت رديف النبي ، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة” [44].

فالتلبية إذنْ تُشرع من حين الإحرام إلى أول الرمي، هذا بالنسبة للحاج.

وبالنسبة للمعتمر: من حين الإحرام إلى بداية الطواف، إلى أن يبدأ في الطواف.

ما الذي يترتب على ترك ركنًا أو واجبًا أو مسنونًا؟

أجاب عن هذا المؤلف، فقال:

فمن ترك ركنًا؛ لم يتم حجه إلا به.

فأركان الحج هي كأركان الصلاة، من ترك ركنًا؛ فإنه لا يصح حجه إلا به.

ومن ترك واجبًا؛ فعليه دمٌ، وحجه صحيحٌ.

فهي كواجبات الصلاة، إلا أن واجبات الصلاة تُجبَر بسجود السهو، وهنا واجبات الحج والعمرة تجبر بالدم، “وحجه صحيحٌ”.

ومن ترك مسنونًا؛ فلا شيء عليه.

يعني: لو ترك سنةً، ترك مثلًا المبيت بمنًى ليلة عرفة مثلًا؛ لا شيء عليه، ترك طواف القدوم؛ لا شيء عليه، فمن ترك مسنونًا؛ لا شيء عليه.

طيب من ترك واجبًا، هل نقول: متعمدًا، أو نقول: ناسيًا أو يستوي الأمران؟

يستوي الأمران، ترك الواجب يستوي فيه العمد والسهو.

لكن تأتي مسألة الإثم: أنه إذا كان متعمدًا؛ فعليه إثمٌ، إذا لم يكن متعمدًا؛ فليس عليه إثمٌ، سبق أن ذكرنا في هذا الدرس مرارًا قاعدةً، وهي: أن ما كان من باب ترك المأمور؛ لا يعذر فيه الإنسان بالسهو والنسيان، وما كان من باب ارتكاب المحظور؛ يعذر فيه بالسهو والنسيان؛ فمثلًا: من ترك واجبًا، ترك المبيت بمنًى ناسيًا مثلًا، ترك الرمي، ترك الحلق، فأكثر ما تحصل هذه المسألة: في أناس يتركون الحلق أو التقصير في العمرة، ثم يحرمون بالحج، لا يمكن التدارك، فهنا نقول: عليك دمٌ، لكن لو ارتكب محظورًا؛ تطيب ناسيًا، غطى رأسه ناسيًا أو جاهلًا؛ لا شيء عليه.

شروط صحة الطواف

قال:

فصلٌ

وشروط صحة الطواف أحد عشر: النية والإسلام والعقل.

وهذه شروطٌ لجميع العبادات، وسبق أن تكلمنا عنها مرارًا.

قال:

ودخول وقته.

يعني: دخول وقت الطواف، وسبق أن بينا أن وقت طواف الإفاضة يبتدئ من ماذا؟ من بعد منتصف ليلة النحر، ولا أعلم أن أحدًا من أهل العلم قال: بأنه يصح الطواف قبل منتصف الليل، فإذنْ يبتدئ من بعد منتصف ليلة النحر، طبعًا دخول الوقت يبتدى من بعد منتصف ليلة النحر، هذا عند جمهور أهل العلم، وبعضهم يجعل بداية وقته من بعد طلوع الفجر، كما هو المذهب عند الحنفية.

وستر العورة.

لقول النبي : لا يطوف بالبيت عريانٌ [45]، متفقٌ عليه.

واجتناب النجاسة والطهارة من الحدث.

لقول النبي : الطواف بالبيت صلاةٌ إلا أنكم تتكلمون فيه [46]، وهذا الحديث اختُلف فيه، وهو أخرجه الترمذي، ولكن الصحيح أنه لا يثبت مرفوعًا إلى النبي ، وإنما هو موقوفٌ على ابن عباسٍ رضي الله عنهما.

وهذه المسألة اختلف فيها العلماء اختلافًا كثيرًا، هل تشترط الطهارة للطواف أو لا تشترط؟:

  • جماهير العلماء قديمًا وحديثًا يرون اشتراط الطهارة للطواف.
  • وبعض أهل العلم يرى أنه لا يشترط الطهارة للطواف، واشتهر هذا عن أبي العباس ابن تيمية رحمه الله.

أما من قال: باشتراط الطهارة؛ فاستدلوا بقول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “الطواف بالبيت صلاةٌ”، والصلاة يشترط لها الطهارة، وأيضًا قول النبي لعائشة رضي الله عنها: افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت [47]، فلولا أن الطهارة مشترطةٌ؛ لأمرها بأن تطوف بالبيت، ولقوله عليه الصلاة والسلام لمَّا قيل: إن صفية حاضت، قال: أحابستنا هي؟ [48].

والقول الثاني: هو القول المشهور عن أبي العباس ابن تيمية: أنه لا تشترط الطهارة؛ لأنه ليس هناك دليلٌ يدل على ذلك، وأجاب عن قوله: “الطواف بالبيت صلاة”، أنه لا يصح عن النبي ، وإنما هو من قول ابن عباسٍ رضي الله عنهما، وأما أمر النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها بألا تطوف بالبيت؛ حتى لا تلوث المسجد، وحتى لا تمكث في المسجد، هو لأجل المكث في المسجد، وليس لأجل الطهارة.

والأحوط: هو قول الجمهور، خاصةً أن النبي عليه الصلاة والسلام قال..، يعني هذا إذا..، مسألةٌ كبيرةٌ وعظيمةٌ، وهي: هل يجوز للحائض أن تطوف عند الضرورة أو لا يجوز؟

قوله عليه الصلاة والسلام: أحابستنا هي؟، وقوله لعائشة رضي الله عنها: غير ألا تطوفي بالبيت، ظاهرٌ في أن الحائض لا تطوف، لكن في عهد أبي العباس ابن تيمية رحمه الله، توفى سنة (728هـ)، حدثت مسألةٌ وواقعةٌ، وسُئل عنها، عن امرأةٍ حاضت وهي مع رفقةٍ، وهم لن ينتظروها، فهي بين أمرين: إما أن تطوف وهي حائضٌ، وإما أن ترجع إلى بلادها ولم تطف طواف الإفاضة، فأفتى ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة بأنها تطوف وهي حائضٌ مع التحفظ، وقال: “لولا الضرورة لما أفتيت فيها”، المسألة عظيمةٌ؛ وهذا يمكن أن يُفتَى به، لكن على نطاقٍ ضيقٍ جدًّا في حال امرأةٍ بين أمرين، أتت مثلًا من بلادٍ بعيدةٍ وهي بين أمرين: إما أن تطوف وهي حائضٌ، وإما ألا تطوف وتخل بركنٍ من أركان الحج، فيمكن أن يفتى فيها بفتوى ابن تيمية رحمه الله.

ولذلك الذي أرى: أن هذه الفتوى لا تنطبق على من كان موجودًا داخل المملكة، أو في دول الخليج، أو الدول القريبة المجاورة؛ لأن هؤلاء بالنسبة لهم يمكن المرأة إما أن تبقى المرأة في مكة، أو تذهب لبلدها وتعود وتطوف، لكن لو أتت امرأةٌ من أقصى الشرق، أو من أقصى الغرب، أو من أقصى الشمال أو الجنوب، وهي بين أمرين: إما أن تطوف وهي حائضٌ، وإما ألا تطوف، فيمكن أن يؤخذ برأي ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة.

نقول هذا؛ لأن بعض الناس يتوسعون في الأخذ بفتوى ابن تيمية رحمه الله، مع أن عندنا أصلًا: وهو قول النبي : أحابستنا هي؟، لاحِظ أن امرأةً تحبس الرفقة كلها، تحبس النبي ومن معه كلهم، هذا دليلٌ على أن المرأة الحائض تحبس محرمها، لكن عند الضرورة يمكن الأخذ بفتوى ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة.

الطالب:

الشيخ: نعم، هذه من فروع هذه المسألة: إذا أحدث أثناء الطواف وطاف مثلًا على غير طهارةٍ، عند جماهير العلماء أن الطواف غير صحيحٍ، الذي عليه أكثر أهل العلم أن الطواف غير صحيحٍ، لكن على رأي ابن تيمية رحمه الله أن طوافه صحيحٌ، والمسألة ليس فيها أدلةٌ ظاهرةٌ؛ ولذلك الخلاف فيها قويٌّ؛ ولذلك نحث الناس أن يأخذوا بقول الجمهور، باعتبار أنه الأحوط، لكن من حصل منه ذلك ولحقه الحرج؛ ربما يؤخذ له بالرأي الآخر، فالفتوى قبل وقوع الشيء غير الفتوى بعد وقوعه.

الطالب:

الشيخ: لكن ما من دليلٍ على المكث، على أن المقصود هو المكث ولا التلويث.

الطالب:

الشيخ: على كل حالٍ: المسألة -كما ذكرت- الأدلة فيها ليست ظاهرةً واضحةً وضوحًا تامًّا؛ ولذلك فالأخذ بقول الجمهور هو الأحوط، خاصةً أن الأثر المترتب كبيرٌ؛ الجمهور يقولون: لا يصح حجه ولا عمرته إذا طاف وهو على غير طهارةٍ، لاحِظ: أكثر علماء الأمة قديمًا وحديثًا يقولون: حجه غير صحيحٍ، وعمرته غير صحيحةٍ، وإذا كانت الأدلة عندنا غير واضحةٍ؛ فينبغي أن نحث الناس على الأخذ بقول الأكثرية، بقول أكثر العلماء، يعني: أكثر العلماء يرون حج هذا الإنسان غير صحيحٍ، فلا نجترئ على الأخذ بالقول الآخر إلا عند الضرورة، أو عند الحاجة الملحة، أو عند الحرج الكبير؛ كأن يكون إنسانٌ وقع منه هذا الشيء، ويلحقه الحرج بإعادة الطواف.

قال:

وتكميل السبع.

يعني: تكميل سبعة أشواطٍ.

وجعل البيت عن يساره.

وذلك لفعل النبي [49]، وقد قال: خذوا عني مناسككم [50].

هل يصح طواف الإنسان محمولًا؟

وكونه ماشيًا مع القدرة.

يعني: يشترط لصحة الطواف: أن يكون الطائف ماشيًا مع القدرة على ذلك، ويُفهَم من كلام المؤلف: أنه إذا كان معذورًا؛ فلا بأس بأن يطاف به محمولًا، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء: هل يصح طواف الإنسان محمولًا -يعني راكبًا- أو لا يصح؟

أما إذا كان معذورًا؛ فإنه يصح، ونُقل اتفاق العلماء على ذلك: إذا كان معذورًا؛ فيصح من غير خلافٍ؛ وذلك لفعل النبي ، فإنه قد طاف وهو راكبٌ على بعيره، وسعى وهو راكبٌ على بعيره، كان قد طاف ماشيًا ثم ركب بعيره، يقول الراوي: «إن الناس قد غشوه» [51]، غشيه الناس، ما تركوه يطوف ولا يسعى، فركب على بعيره عليه الصلاة والسلام، فالنبي عليه الصلاة والسلام معذورٌ بهذا.

أما إذا لم يكن الإنسان معذورًا وطاف أو سعى محمولًا أو راكبًا؛ فهل يصح طوافه أو سعيه أو لا؟

اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوالٍ:

  1. القول الأول: أنه لا يصح طوافه، وهو القول الذي مشى عليه المؤلف؛ لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “الطواف بالبيت صلاة..”، وإذا كان صلاةً؛ فيجب أن يأتي به كما ورد، والطواف إنما يكون الإنسان فيه ماشيًا.
  2. القول الثاني: أنه يجزئه الطواف محمولًا أو راكبًا، ويجبره بدمٍ، وهو قول أبي حنيفة؛ وذلك لأنه ترك صفةً واجبةً في ركن الحج، أشبَهَ ما لو دفع من عرفة قبل الغروب.
  3. القول الثالث: يجزئه الطواف ولا شيء عليه، وهو قول الشافعي، وقد اختاره ابن المنذر، قال ابن المنذر: “لا قول لأحدٍ مع فعل النبي ، ولأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقًا، فكيفما أتى به أجزأه، ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليلٍ”.

إذنْ أعيد كلام ابن المنذر مرةً أخرى:

قال ابن المنذر: “لا قول لأحدٍ مع فعل النبي ، ولأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقًا، فكيفما أتى به أجزأه، ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليلٍ”.

وهذا القول الثالث هو الأقرب والله أعلم، أنه يجزئه الطواف إذا طِيفَ به محمولًا أو راكبًا، ولو مع غير عذرٍ، ولو بدون عذرٍ، وكما قال ابن المنذر: إن النبي عليه الصلاة والسلام فعل ذلك، والله تعالى أطلق، ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليلٍ، الله تعالى أمر بالطواف وأطلق، وهذا يصدق عليه أنه قد طاف، فلا دليل يدل على اشتراط هذا الشرط.

الصواب إذنْ: أنه لا يشترط هذا الشرط، وأن الإنسان إذا طاف بالبيت أو سعى بين الصفا والمروة ماشيًا أو راكبًا؛ أن طوافه وسعيه صحيحٌ، سواءٌ كان ذلك لعذرٍ، أو لغير عذرٍ.

قال:

والموالاة.

يعني: الموالاة  بين أشواط الطواف؛ لفعل النبي ؛ ولأن الطواف عبادةٌ متعلقةٌ بالبيت، فاشترط لها الموالاة كالصلاة.

ثم فرَّع المؤلف على شرط الموالاة، قال:

فيستأنفه لحدثٍ فيه.

يعني: لو أحدث أثناء الطواف ثم توضأ؛ فيستأنف الطواف من جديدٍ.

وكذا لقطعٍ طويلٍ.

لو أنه طاف ثم قطع الطواف، وكانت مدة الفاصل طويلةً عرفًا؛ فيستأنف الطواف من جديدٍ.

قال:

وإن كان يسيرًا.

فإنه لا يقطع الموالاة، مثلًا: لو ذهب يشرب ماء زمزم مثلًا، أو وقف لأجل أن يستريح، أو لأجل أن ينتقل من الدَّور الأسفل إلى الدَّور الأعلى، مثل هذا، لا يضر مثل هذا الفاصل.

أو أقيمت الصلاة.

كذلك لا يضر هذا الفاصل، والمقصود بالصلاة: الصلاة المكتوبة، فلا يضر هذا الفاصل.

أو حضرت جنازةٌ.

فيصلي على الجنازة؛ يقول: لأن الصلاة على الجنازة وقتٌ يسيرٌ؛ ولأنها تفوت بالتشاغل عنها، فلا بأس بأن يصلي على الجنازة.

قال:

صلَّى، وبنى من الحجر الأسود.

طيب، صلاة التراويح، هل هي فاصلٌ طويلٌ أو قصيرٌ؟ فاصلٌ طويلٌ، نفترض: أنه بعد الشوط الثالث أقيمت صلاة التراويح، أو بعدما طاف شوطًا أقيمت صلاة التراويح، فصلى صلاة التراويح، وأراد أن يكمل، نقول: لا، تستأنف الطواف من جديدٍ؛ لأنه فاصلٌ طويلٌ، على أن صلاة الجنازة بعض العلماء يرى أنه يستأنف الطواف من جديدٍ؛ لأن الصلاة المكتوبة هي واجبةٌ عليه، بينما صلاة الجنازة ليست واجبةً، لكن المأخذ الذي مشى عليه المؤلف: أن الانتظار لصلاة الجنازة يسيرٌ وليس طويلًا.

فالأقرب -والله أعلم- أنه بالنسبة لصلاة الجنازة: أن فاصل صلاة الجنازة لا يقطع الموالاة.

قال:

صلَّى، وبنى من الحجر الأسود.

يعني: يعيد الشوط، يستأنف الشوط.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا يلزمه استئناف الشوط من الحجر الأسود، وإنما من المكان الذي وقف عنده.

وهذا هو الأقرب؛ لأنه لا دليل يدل على استئناف الشوط من الحجر الأسود، فالأقرب أنه من المكان الذي توقف عنده يكمل الطواف.

سنن الطواف

قال:

وسننه:

يعني: سنن الطواف.

استلام الركن اليماني بيده اليمنى.

سبق أن أشرنا إلى هذه المسألة، قلنا: إن الركن اليماني فيه سنةٌ واحدةٌ، وهي الاستلام.

طيب هل الركن اليماني يقبل؟ لا يقبَّل، مجرد استلامٍ فقط.

قال:

وكذا الحجر الأسود وتقبيله.

الحجر الأسود، ذكرنا أن فيه ثلاث سننٍ، نريد أن نعيدها مرةً أخرى:

  1. السنة الأولى: استلام الحجر الأسود وتقبيله والسجود عليه، إذنْ هذه السنة الأولى: استلام الحجر الأسود وتقبيله والسجود عليه، وسأل سائلٌ عن كيفية السجود قلنا: يضع جبهته وأنفه.
  2. السنة الثانية: الإشارة إليه بعصًا، ونحو ذلك، ويقبل ما أشار به إليه.
  3. السنة الثالثة: أن يشير إليه بيده ويكبر، وهذه هي التي يستطيعها أكثر الناس؛ لأن استلامه وتقبيله في الوقت الحاضر -خاصةً في المواسم- لا يستطيعه أكثر الناس، لكن ينبغي للإنسان أن يقبل الحجر الأسود في غير أوقات الزحام، ولو مرةً واحدةً على الأقل في عمره؛ لأنه قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: أن الحجر الأسود يؤتى به يوم القيامة وله عينان، يشهد لكل من استلمه أو قبله بحقٍّ [52].

فينبغي على الإنسان أن يُقبِّله ولو في العمر مرةً؛ لأنه في غير أوقات الزحام يتيسر هذا، لكن تقبيل الحجر في غير الطواف هل هو مشروعٌ؟ لا يشرع؛ لأنه مرتبطٌ بالطواف.

طيب، إذنْ عرفنا أن الحجر الأسود فيه هذه الثلاث السنن، هنا قال:

والدعاء والذكر والدنو من البيت.

وفي النسخة الأخرى، وهي نسخة “منار السبيل”.

والاضطباع، والرَّمَل، والمشي في مواضعها.

هذه أقرب من نسخة..، في بعض النسخ: “والدعاء والذكر والدُّنُو من البيت”، لكن في النسخة الأخرى، والتي مشى عليها صاحب “منار السبيل”: “والاضطباع، والرَّمَل”، هذه من سنن الطواف، “والمشي في مواضعها”.

والركعتان بعده.

يعني: الركعتان بعد الطواف.

طيب هنا قوله: “والدنو من البيت”، الدنو من البيت يقول: إنه من السنن، كلما دنا من الكعبة؛ كان ذلك أفضل، لكن إذا لم يتيسر الجمع بين الرمل والدنو من البيت؛ كأن يكون ما حول الكعبة مزدحمًا، وإذا كان بعيدًا عنها؛ يكون فيه سعةٌ، فأيهما أولى: الرمل، أو الدنو من البيت؟

الطالب:

الشيخ: نعم، لماذا؟

الطالب:

الشيخ: أحسنت، إذنْ نقول: الرمل أفضل من الدنو من البيت، إذا لم يمكن الجمع بينهما؛ فإن الرمل أفضل من الدنو من البيت؛ لأن المحافظة على فضيلةٍ تتعلق بذات العبادة أولى من فضيلةٍ تتعلق بمكانها، والرمل يتعلق بذات الطواف، بخلاف الدنو من البيت فإنه يتعلق بالمكان.

“والركعتان بعده” يعني: بعد الطواف، والسنة أن يخففهما، ويقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وفي الركعة الثانية: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].

والحكمة من التخفيف: حتى يترك المجال لغيره؛ فإن السنة أن يكون ذلك خلف مقام إبراهيم ، وأن يقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى [البقرة:125]، ولا يطيل في هاتين الركعتين، وإنما يخففهما.

الطالب:

الشيخ: طيب، متى يمشي ومتى يرمل؟ يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، ويمشي في مواضعه في الأربعة الأشواط الأخيرة.

شروط صحة السعي

قال:

وشروط صحة السعي ثمانيةٌ: النية والإسلام والعقل.

وهذه -كما ذكرنا- شرطٌ لجميع العبادات.

والموالاة.

والكلام فيها كالكلام في الموالاة في الطواف.

والمشي مع القدرة.

كذلك أيضًا يقال فيه ما يقال في المشي في الطواف.

وكونه بعد طوافٍ ولو مسنونًا؛ كطواف القدوم.

يعني: أنه يشترط لصحة السعي: أن يكون بعد طوافٍ، فإن سعى الإنسان ولم يسبق هذا السعيَ طوافٌ؛ لم يصح سعيه؛ وعلى ذلك: تجد بعض الناس يُحرِم قارنًا أو مفردًا، ويذهب مباشرةً لعرفاتٍ، ثم يريد أن يقدم السعي على الطواف، هل يصح؟ لا يصح؛ لا بد أن يسبق السعي طوافٌ مشروعٌ ولو مسنونًا، انتبه لهذه المسألة؛ فالسعي إذنْ تبعٌ للطواف، لا يصح إلا بعده، وعلى هذا المذاهب الأربعة: مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: أن السعي لا يصح إلا بعد طوافٍ؛ لقول النبي : خذوا عني مناسككم [53]، ولأنه -كما ذكرنا- أن السعي قرين الطواف؛ ولذلك نحن رجحنا أن السعي ركنٌ كما أن الطواف ركنٌ، فتجد دائمًا أن السعي يُذكر بعد الطواف، ويشابهه في كثيرٍ من الأحكام؛ ولذلك هو مرتبطٌ به؛ فلا يصح إلا بعده.

طيب، لو أن أحدًا من أهل مكة أراد أن يكون قارنًا أو مفردًا، وأراد تقديم السعي قبل الوقوف بعرفة، هل يصح ذلك؟

الطالب:

الشيخ: طيب يقول: أنا أريد أن أطوف طواف القدوم ثم أسعى.

الطالب:

الشيخ: ما يصح؛ لأن طواف القدوم لا يصح ممن كان مقيمًا في مكة؛ ولذلك نقول: لا بد أن يكون السعي بعد الوقوف بعرفة، وتطوف قبله طواف الإفاضة، فانتهبوا لهذه المسألة، هذه يقع الخطأ فيها، فتجد بعض الناس يسعى وهو لم يطف، لا يصح سعيه، لا بد أن يكون السعي بعد الطواف، فلا يصح أن يكون السعي قبل الطواف، فهو إذنْ من شروط صحة السعي.

الطالب: لو أخذ له سبعًا؟

الشيخ: أي نعم، إذا طاف طوافًا مسنونًا؛ فعند بعض أهل العلم أنه يصح، والمسألة فيها خلافٌ بالنسبة للمكي؛ لأن بعض العلماء يشترط: أن يكون الطواف مرتبطًا بالنسك أيضًا.

وتكميل السبع.

كما قلنا في الطواف: أنه لا بد أن يكمل سبعة أشواطٍ.

هل يشترط الصعود على الصفا والمروة عند السعي؟

واستيعاب ما بين الصفا والمروة.

يعني: أن يكون الطواف ما بين جبلي الصفا والمروة؛ وذلك ليتيقن الوصول إليهما في كل شوطٍ؛ ولقول الله تعالى: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، ولكن هل يشترط الصعود على الصفا والصعود على المروة؟

لا يشترط ذلك، وإنما هذا من مسنونات السعي؛ وعلى ذلك: لو أنك استوعبت ما بين الصفا والمروة ولم تصعد الصفا ولم تصعد المروة؛ صح سعيك، لكن الأفضل هو الصعود على الصفا.

قال:

وإن بدأ بالمروة؛ لم يعتد بذلك الشوط.

يعني: لا بد أن يبدأ بالصفا، وإذا دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ [البقرة:158]، أبدأ بما بدأ الله به [54].

قد كان المسعى مفصولًا عن المسجد الحرام، بل كان بينه وبين المسجد بيوتٌ، وكان فيه دكاكين، فكان من يخرج له؛ يخرج من المسجد الحرام ويأتي للمسعى، تجد في كتب الفقه: “أتى الصفا من بابه”، فكان مفصولًا، لكن الآن مع التوسعة أصبح الآن متصلًا بالمسجد الحرام، وهل الآن بعدما اتصل المسعى بالمسجد الحرام، هل هو جزءً من المسجد الحرام، أو أنه خارج المسجد؟

هذه مسألةٌ بُحثت في “مجمع الفقه الإسلامي” في “رابطة العالم الإسلامي”، وحصل فيها خلافٌ، لكن قرر المجمع بالأكثرية أن المسعى مشعرٌ مستقلٌّ، وليس من المسجد الحرام؛ ولذلك الصلاة فيه ليست بمئة ألف صلاةٍ، إلا إذا اتصلت الصفوف.

طيب التوسعة التي بعده، إذا قلنا: المسعى ليس من المسجد الحرام؛ فمن باب أولى التوسعة ليست من المسجد، لكن إذا اتصلت الصفوف يكون حكمها حكم المسجد.

الطالب:

الشيخ: أي نعم، ينبني على هذا أنه يصح السعي بدون طهارةٍ؛ ولذلك لم يذكر المؤلف الطهارة من الشروط.

حكم السعي في المسعى الجديد

وفي الوقت الحاضر: المسألة الكبيرة التي كان فيها الكلام الكثير، وهي توسعة المسعى، هذه ترجع لتحقيق المناط: ما المقصود بالصفا والمروة؟ هل المقصود بالصفا والمروة: هي حدود المسعى القديم فقط؟ أو أن الصفا والمروة متسِعٌ؟ هذه ترجع إلى تحقيق المناط في هذه المسألة.

ولكن الذي يظهر -والله أعلم- من سياق الأحاديث، ومن أشعار العرب: أن الصفا والمروة جبلان كبيران؛ ولهذا في قصة النبي عليه الصلاة والسلام لما نادى قريشًا وجمعهم وقال: لو أخبرتكم أن خيلًا عند سفح هذا الجبل تُغِير عليكم، أكنتم مصدقيَّ؟، فقالوا: ما جربنا عليك كذبًا، قال: فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ، قال أبو لهبٍ: تبًّا لك، ألهذا جمعتنا؟!» [55]، القصة في “الصحيح”.

فقوله: خيلٌ على سفح الجبل، دليلٌ على اتساعه، كبيرٌ، خيل جيشٍ كاملٍ لا يمكن أن يكون على الجزء الصغير حدود المسعى القديم.

ثم أيضًا أشعار العرب تدل لهذا، وأيضًا الشهود الثقات، وعلى رأسهم شيخنا عبدالله بن جبرين -رحمه الله- الذي وصف جبل الصفا لما حج عام (1369هـ)، قال: “إنه وجده متسِعًا”، هذا كله يدل على اتساع جبلي الصفا والمروة، وتحدثت مع أحد أعضاء “هيئة كبار العلماء” الذين يرون اتساع جبل الصفا والمروة، قال: إنك لو ذهبت للمروة؛ تجد آثار جبل المروة باقيةً، قبل الآن الهدم تجد آثار المروة باقيةً في المسعى القديم، بالفعل تجد بقايا الجبل -جبل المروة- لا زالت؛ ولذلك من يذهب لتلك المنطقة؛ لا بد أن يصعد صعودًا.

فالأقرب -والله أعلم- هو اتساع جبلي الصفا والمروة؛ وعلى ذلك: فلا حرج في السعي في المسعى الجديد، وقد كتبتُ في هذا بحثًا مختصرًا موجودًا على الموقع لمن أحب أن يطلع عليه.

هذا هو الأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة، والمسألة محل اجتهادٍ ونظرٍ؛ لذلك من رأى رأيًا؛ لا يشنع على غيره، تجد بعض الناس إذا رأى رأيًا في هذه المسائل أو غيرها ينكر على المخالف، لا ينبغي هذا، ليست هذه من أخلاق العلماء، وإنما ينبغي احترام الرأي الآخر، وعدم التعنيف عليه، فكلٌّ مجتهدٌ، ومن اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجرٌ واحدٌ.

الطالب:

الشيخ: هذا فيه إشكالٌ، من يرى أن المسعى هو المسعى القديم فقط؛ هو يعتقد أنه لو سعى في المسعى الجديد؛ لم يصح سعيه، السعي ركنٌ من أركان الحج، هو ينطلق من هذا المنطلق، لكن الذي يظهر -والله أعلم- هو ما ذكرت بأن الصفا والمروة متسعان، جبل الصفا وجبل المروة متسعٌ، ليس فقط هو حدود المسعى القديم.

سنن السعي

قال:

وسننه:

يعني: سنن السعي.

الطهارة.

اعتبرها المؤلف من السنن، وحتى في الوقت الحاضر مع اتصال المسعى بالمسجد الحرام، نقول: هو مشعرٌ.

وستر العورة.

كذلك يقول: إنه من السنن، والقول بأن ستر العورة ليس واجبًا في السعي مطلقًا فيه إشكالٌ؛ يعني لو سعى مثلًا وقد كشف العورة المغلظة، هل يقال: بصحة سعيه؟ هذا الحقيقةَ فيه إشكالٌ، لكن ظاهر كلام أهل العلم: أن ستر العورة ليس شرطًا.

والموالاة بينه وبين الطواف.

هذه من السنن، فلو طاف مثلًا أول النهار وسعى آخره، أو طاف يومًا وسعى يومًا؛ صح ذلك.

حكم الشرب من ماء زمزم للحاج والمعتمر

قال:

وسن أن يشرب من ماء زمزم لِمَا أحب.

ماء زمزم ماءٌ مباركٌ، وهذا الماء آيةٌ من آيات الله، وقصة نبع الماء معروفةٌ، وأن إبراهيم الخليل لما وَضع أم إسماعيل وإسماعيل في مكان بئر زمزم، وذهب وتركهما في وادٍ ليس فيه إنسانٌ ولا حيوانٌ ولا نباتٌ، وادٍ غير ذي زرعٍ، مهجورٍ ليس فيه شيءٌ أبدًا، وذهب وتركهما، لحقته أم إسماعيل قالت: أتتركنا في هذا الوادي وليس عندنا أحدٌ؟ فسكت، فكانت الحكمة أن يسكت، كيف يستطيع أن يقنعها؟! لا يمكن، فرددت عليه مرارًا فسكت، فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذنْ لا يضيعنا.

فانظر إلى قوة اليقين عند إبراهيم ! انظر، يقينٌ عظيمٌ! كيف يترك امرأةً مع طفلها في وادٍ ليس فيه إنسانٌ ولا حيوانٌ ولا نباتٌ، وادٍ غير ذي زرعٍ؟!

لكن انظر إلى قوة اليقين وعظيم الإيمان والثقة بالله ! ثم أيضًا انظر إلى الموقف من هذه المرأة؛ رضيت أن تبقى مع هذا الطفل الرضيع في هذا المكان، فلما ذهب حتى لا يرونه رفع يديه، وقال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ۝ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ [إبراهيم:37-38]، دعا بهذه الدعوات المباركات، ثم ذهب، ونفد الماء، فجعل اسماعيل  يتلوى من شدة العطش، وهذه الأم المسكينة في هذا المكان، ماذا تفعل؟! ما عندها أحدٌ، وطفلها يتلوى من شدة العطش، فذهبت تبحث عن مغيثٍ، ووجدت أن أقرب شيءٍ لها: هو جبل الصفا، صعِدت عليه، ما رأت أحدًا، نزلت من الصفا حتى بلغت بطن الوادي، وهو ما بين العلمين الأخضرين، يقال: إنها لما كانت تسعى كانت ملتفتةً على ابنها هكذا..، فإذا نزلت بطن الوادي لا تراه، فتسعى سعيًا شديدًا حتى وصلت إلى المروة، لاحِظ هذه المسافة الطويلة بين الصفا والمروة، وهذه المرأة تسعى، تجري، لماذا تسعى؟ مرتبكةٌ، لا تدري ماذا تفعل؟ لما أتمت سبعة أشواطٍ؛ سمعت صوتًا، قالت: صه! يعني تُسكِت نفسها، أَغِثْ إن كان عندك غواثٌ، فإذا بالملك وقد نبع بئر زمزم، وقال: إن ههنا بيتًا يبنيه هذا الغلام، انظر إلى الموقف العجيب! إن ههنا بيتًا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، الله أكبر! فقرَّت عينها بهذا، وفرحت فرحًا عظيمًا، فمرت رفقةٌ من جُرْهمٍ، ورأوا طيرًا يحوم حول هذا المكان، فقالوا: إن الطير..، من عادة العرب أن تعرف أن الطير لا تحوم إلا على الماء، قالوا: عَهْدُنا بهذا المكان ليس فيه ماءٌ، فأرسلوا رسولًا فوجد هذه المرأة وعندها هذا الطفل، فقالوا: أتأذنين لنا أن نقيم عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حظ لكم في الماء، فأقاموا عندها، وكانت تحب الأنس، وأتوا هم وأبياتٌ، وأقام هناك أناسٌ كثيرٌ.

ونشأ بها عدة أبياتٍ، نشأ إسماعيل بينهم، بين هذه القبيلة من جُرْهمٍ، ونشأ هذا الغلام وشبَّ وبنى هو وأبوه عليهما السلام الكعبة، بنى هذا الغلام وأبوه الكعبة، هذا الماء الذي نبع يقال: إن جبريل   بَحَث بجناحه حتى نبع، هذا الماء جعله الله آيةً عظيمةً من ذلك الوقت إلى الآن، مر أكثر من أربعة آلاف سنةٍ، وبقي هذا الماء يَشرب منه الناس جيلًا بعد جيلٍ، هو الآن يسحب منه بالمكائن العظيمة ومع ذلك لم ينفد، وبقي وسيبقى إلى قيام الساعة، وقول من قال: إنه تلوَّث، غير صحيحٍ؛ وقد أجريت عليه تجارب وتبين أنه لم يتلوث، لكن هذه من دعاوى بعض الحاقدين على الإسلام، لم يتلوث أبدًا، هو آيةٌ من آيات الله.

وقال عليه الصلاة والسلام في هذا الماء: ماء زمزم لما شرب له [56]، وهو حديثٌ صحيحٌ، وصنف الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله رسالةً في هذا الحديث: ماء زمزم لما شرب له، وذَكر أن خلائق شربوه لأمورٍ حصلت لهم، وذَكر أن الشافعي شربه لإصابة الرمي؛ فكان لا يكاد يخطئ الرمي، وشربه أبو عبدالله الحاكم لحسن التصنيف؛ فكان أحسن أهل زمانه تصنيفًا.

قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: “وشربته قبل عشرين عامًا لأجل أن أكون في مرتبة الذهبي؛ فحججت بعد عشرين عامًا، وأرى أني الآن في مرتبته، وأسأل الله المزيد”، وشربه أناسٌ كان بهم أمراضٌ مستعصيةٌ فشفاهم الله .

لكن من يشربه لا بد أن يصحب ذلك يقينٌ، أما الذي يشربه يقول: أجرب، هذا ما ينفعه، لا بد أن يصحب ذلك يقينٌ، فيتحقق له ما أراد بإذن الله .

قال:

ويرش على بدنه وثوبه.

وقد ورد في هذا آثارٌ كثيرةٌ، وأن من رش على رأسه ماء زمزم لم تصبه ذلةٌ، والله أعلم، يرش على بدنه وثوبه، جاء في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي قال: آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم [57]، لكن هذا الحديث ضعيفٌ.

والعلماء يقولون: يستحب التضلع منه، ما معنى التضلع منه؟ يعني يشرب ولو لم يكن عطشانًا.

قال:

ويقول: بسم الله، اللهم اجعله لنا علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وريًّا وشِبَعًا، وشفاءً من كل داءٍ، واغسل به قلبي، وأملأه من خشيتك.

يعني: هذا الدعاء ليس عليه دليلٌ، يدعو بما تيسر، سواءٌ بما ذكره المؤلف أو بغيره.

حكم زيارة قبر النبي

قوله:

وتسن زيارة قبر النبي وقبري صاحبيه رضوان الله عليهما.

وتسن زيارة قبر النبي ، وقبري صاحبيه وغيرهما؛ فزيارة القبور سنةٌ قد أمر النبي بها، وقال: كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها؛ فإنها تذكر الآخرة [58].

وأما شد الرحل لقبر النبي : فإن هذا لا يجوز؛ لقول النبي : لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى [59].

والمقصود بالمنهي عنه في شد الرحال: لأجل تعظيم بقعةٍ، هذا هو المنهي عنه، أما شد الرحل ليس لتعظيم بقعةٍ، وإنما للتعزية، أو للصلاة على الميت، أو نحو ذلك، هذا لا بأس به، لكن المنهي عنه شد الرحل لتعظيم بقعةٍ، فإن هذا لا يجوز، إلا أن يكون لأحد المساجد الثلاثة، فشد الرحل لزيارة قبر النبي معلوم أن المقصود بها تعظيم القبر، وهذا لا يجوز، وهذه من المسائل التي ابتُلي بسببها شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وسجن وتُكلِّم فيه، لكنه رأى أن هذا هو الحق، وابن حجرٍ في “فتح الباري” قال: “إن ابن تيمية قد غَلِط في هذه المسألة غلطًا كبيرًا”، ولكنه هو الذي قد أخطأ وغلط، وابن تيمية لم يخطئ في هذه المسألة، بل أصاب، وإن كان ظاهر المذهب عند الحنابلة: أنه يجوز شد الرحل لزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام، لكن أصول الإمام أحمد تقتضي أنه لا يجوز، وبكل حالٍ: العبرة بالدليل؛ والأدلة دلت على أنه لا يجوز شد الرحل إلا للمساجد الثلاثة؛ ولهذا من أراد أن يذهب للمدينة؛ فينوي بذلك زيارة المسجد وليس زيارة القبر.

قال:

وتستحب الصلاة بمسجده ، وهي بألف صلاةٍ.

كما قال عليه الصلاة والسلام: صلاةٌ في مسجدي هذا بألف صلاةٍ فيما سواه، إلا في مسجد الكعبة [60]، أخرجه مسلم؛ ولحديث جابرٍ أن النبي قال: صلاةٌ في مسجدي هذا بألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام؛ فبمئة ألف صلاةٍ [61]، رواه أحمد وابن ماجه؛ ولحديث أبي الدرداء أن النبي قال: صلاةٌ في المسجد الحرام بمئة ألف صلاةٍ، وصلاة في مسجدي بألف صلاةٍ، وصلاة في المسجد الأقصى بخمسمئة صلاةٍ [62]، وهذا يدل على فضل الصلاة في هذه المساجد الثلاثة.

وقد حسب بعض العلماء الصلاة في المسجد الحرام خمسة أوقاتٍ -لو صلى في المسجد الحرام خمسة أوقاتٍ- فقال: إنها تعدل صلاة خمسٍ وخمسين سنةً في غير المسجد الحرام، وبضعة أشهرٍ؛ وهذا يدل على فضل الصلاة في المسجد الحرام؛ ولهذا ينبغي لمن ذهب لمكة أن يكثر من التنفل من الصلوات في المسجد الحرام؛ لأن الأجر مضاعفٌ، فتكثر من الصلاة في غير أوقات النهي؛ حتى تحوز على هذا الفضل وهذا الأجر العظيم.

ونقف عند باب الفوائت والإحصار، ونكمل غدًا إن شاء الله، وقلنا: غدًا سيكون الدرس -إن شاء الله- في درس الفوائت والإحصار، وباب الأضحية والهدي والعقيقة، هذه -إن شاء الله- غدًا… على هذا الدرس السابق حتى ننتهي من كتاب الحج إن شاء الله تعالى.

الطالب:

الشيخ: محل خلافٍ، هل تبطل لو تركها متعمدًا أو لا؟ القول الصحيح: أنها تبطل.

واجبات الحج تختلف عن واجبات الصلاة؛ لأن واجبات الصلاة متعلقةٌ بأفعالٍ مطلوبةٍ متعلقةٍ بذات العبادة، لكن هذه إما أنها وقوفٌ بالمشاعر، أو تقع مكملةً لغيرها، فبينها فرقٌ، على أن من العلماء من يقول: إنها لا تبطل الصلاة.

الطالب:

الشيخ: الدليل على ذلك، ليس هناك دليلٌ إلا قول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “من ترك نسكًا فعليه دمٌ”، أو “فليُهرِق دمًا” [63]، جاء في بعض الروايات: “أو نسيه فعليه دمٌ” أو قال: “فليهرق دمًا”، أخذ العلماء هذا الأثر… غير العلماء على هذا، وإلا ليس دليلٌ ظاهرٌ يدل لهذا.

الطالب:

الشيخ: إي نعم، قول الصحابي حجةٌ إذا لم يخالفه صحابيٌّ آخر.

نبدأ بالأسئلة المكتوبة:

الأسئلة

السؤال:…؟

الجواب: طيب، هذه المسألة ترجع إلى مسألةٍ أخرى، وهي: ما مقصود الشارع من المبيت في منًى؟ لا بد أن نفهم مقاصد الشريعة، فما الحكمة من مبيت الحجاج بمنًى؟

الطالب:

الشيخ: طيب، هل أحدٌ لديه جوابٌ آخر؟

الطالب:

الشيخ: لا، الحكمة، إذا أراد أن يستنبط الحكمة..، لماذا يستمر الحجاج بهذه الطريقة في منًى؟

الطالب:

الشيخ: طيب يمكن أن يقال: إن الكلام بغير هذا…، القول كذلك بغير منًى.

الطالب:

الشيخ: نعم، هو أن يكون المسلمون أمةً واحدةً، فيظهر الاجتماع بين المسلمين، والاتحاد بينهم، هذا هو المقصود؛ وبناءً على هذا: فمن لم يجد مكانًا في منًى؛ فإنه يبيت في أقرب مكانٍ إلى منًى، وبعض العلماء يقول: يبيت في أي مكانٍ، لكن هذا قولٌ مرجوحٌ؛ لأن مقصود الشارع هو اجتماع الحجيج، أن يكونوا أمةً واحدةً، ومعنى ذلك: أنه يبيت في أقرب مكانٍ إلى منًى، يبيت؛ مثلًا في أقرب مكانٍ إلى منًى من جهة المزدلفة، أو من جهة العزيزية مثلًا، لكن نقول: يبيت في أي مكانٍ؛ يترتب عليه أنه لو بات في الطائف فلا شيء عليه؛ ولذلك بعضهم أيضًا قال: لا، أنا أريد أن أذهب إلى جدة وأبيت ليلتي في جدة، بناءً على هذا القول، لكن هذا قولٌ مرجوحٌ، الصواب: أنه يبيت في أقرب مكانٍ إلى منًى.

السؤال:…؟

الشيخ: أولًا لا نسلم بما ذكره الأخ، هو ليس جائزًا، يعني ارتكابه المحظور عند الحاجة يجوز مع الفدية، أما عند عدم الحاجة فلا، لو أراد إنسانٌ مثلًا أن يقول: أنا أريد أن ألبس المخيط، محرَّمٌ، لكن ألبس المخيط من باب الترفه، ويكون عليه دمٌ، نقول: لا؛ لأنك تأثم بهذا.

فإذنْ ارتكاب المحظور عند الحاجة يجوز مع الفدية؛ وبناءً على ذلك: من لبس المخيط للحاجة -كما ذكر الأخ السائل- فعليه فديةٌ، ولا نقول: إنه مكرهٌ؛ لأنه لم يفعله إلا لأجل الحاجة؛ وعلى ذلك: فيكون عليه فديةٌ، الفدية مرت معنا في الدرس السابق، وهي إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيامٍ، أو ذبح شاةٍ، لكن هنا أنبه على مسألةٍ، وهي: من لبس ثوبًا -مثلما ذكره السائل- لا يغطي رأسه، لو غطى رأسه يكون عليه كم فديةً؟ فديتان، يكون بدل إطعام ستة مساكين، إطعام اثني عشر مسكينًا، وبدل صيام ثلاثة أيامٍ ستة أيامٍ، بدل ذبح شاةٍ ذبح شاتين.

السؤال:…؟

الجواب: الحديث لا يصح، يوم صومكم يوم نحركم [64]، ضعيفٌ، لكن الذي صح كما في “صحيح مسلمٍ” وغيره هو: شهرا عيدٍ لا ينقصان [65]، ولكن ليس معناه عند العلماء أنه لا يكون تسعةً وعشرين يومًا، لا، لا ينقصان في الأجر والثواب وإن نقصا في العدد، يعني: إن كان رمضان تسعةً وعشرين يومًا يكون أجر المسلم كأنه صام ثلاثين يومًا، وهكذا أيضًا بالنسبة لعيد الأضحى.

الطالب:…؟

الجواب: أولًا: نسبة القول لعطاءٍ تحتاج إلى تثبتٍ.

ثانيًا: ليس كل ما يقوله عطاءٌ يكون صوابًا، حتى وإن كان أفقه الناس، وابن عباسٍ رضي الله عنهما أيضًا في التفسير..، ليس كل ما رجَّحه ابن عباسٍ في التفسير هو الراجح، زيد بن ثابتٍ ليس كل ما يقوله في الفرائض هو الراجح، على أن زيد بن ثابتٍ ليس أفرض الصحابة كما قال أبو العباس ابن تيمية، يقول: إن الحديث: أفرضكم زيدٌ [66]، ضعيفٌ، وأن زيد بن ثابتٍ لم يكن أصلًا معروفًا بالفرائض في عهد النبي ، لكن اشتهر عند الناس أنه أفرض الصحابة ، لكن على فرض أنه أفرض الصحابة لا يلزم أن كل رأيٍ يراه صحيحٌ.

الطالب:…؟

الجواب: نعم، هذا -الحقيقةَ- مما تَختلف فيه الأفهام، تختلف فيه اجتهادات العلماء؛ ولذلك يقع النزاع، لكن يستدل بالقرائن وبالسياق، فهل هذا يعتبر ركنًا أو واجبًا، هذا يُختلف فيها حتى في غير الحج؛ مثلًا: الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، هل هي ركنٌ، أو أنها واجبةٌ، أو أنها مستحبةٌ؟ كما ذكرنا أيضًا في المبيت بمزدلفة، هل هو مستحبٌّ، أو ركنٌ، أو واجبٌ؟ فكيف نفرق بين الركن والواجب؟ من مجموع الأدلة، والنظر في السياق والقرائن.

السؤال:…؟

الجواب: أولًا كتب الحديث وكتب الفقه نافعة جدًّا بالنسبة لطالب العلم في الحج، خاصةً كتاب “المغني”، الذي يعتبر في الحقيقة موسوعةً لا يَستغني عنها طالب العلم البتة، وقد رتبه وأحسن في هذا إحسانًا كبيرًا، رتبه ابن أخيه ابن أبي عمر في “الشرح الكبير”، وأحسن طبعةٍ: طبعة “المقنع”، ثم “الشرح الكبير”، ثم “الإنصاف”، التي طبعها الشيخ تركي، هذه الطبعة جيدةٌ… الثلاثة الكتب في كتابٍ واحدٍ، فهذا من أفضل الكتب عند بحث أي مسألةٍ خلافيةٍ، وميزة كتب الموفَّق: حسن الترتيب والتنظيم، وسبك العبارة، فهذه من الكتب النافعة.

وأيضًا “الشرح الممتع” للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، موسوعةٌ عظيمةٌ في الفقه، وميزتها: أنها كُتبت بأسلوبٍ مبسطٍ، يفهمه كل أحدٍ، فيمكن أيضًا أن تأخذ المجلد المتعلق بالمناسك، وأن تقرأه وتفهمه جيدًا، وأيضًا هناك كتاب “المنهج لمريد العمرة والحج” له أيضًا.

وأيضًا كتاب “التحقيق والإيضاح” للشيخ عبدالعزيز بن بازٍ، كتابٌ جيدٌ في هذا، وأيضًا كتاب “صفة حجة النبي كما رواها عنه جابرٌ ” للشيخ الألباني رحمهم الله تعالى جميعًا، هذه كتبٌ نافعةٌ ومفيدةٌ جدًّا لطالب العلم.

السؤال:…؟

الجواب: الرمي ينتهي وقته بغروب الشمس يوم الثالث عشر، وهذا الآن فاته رمي الجمرات في العقبة في اليوم الثالث عشر، وباتفاق العلماء أن الرمي ينتهي وقته بغروب الشمس.

الذي يظهر: أن هذا ما دام أنه قد حصل الرمي بعد غروب الشمس؛ فيكون قد أخل بواجبٍ، فالذي يظهر -والله أعلم- أن عليه دمًا؛ لأنه أتى بالرمي بعد فوات وقته، فلم يرم في وقته.

الشق الثاني ما هو؟

الطالب:

الشيخ: نعم، الرمي ليلًا لا حرج فيه، استقر عليه رأي العلماء المعاصرين، مع أنه في بداية الأمر كان هناك خلافٌ كبيرٌ يشبه خلاف المسعى من بعض الوجوه، وأول من قال بالرمي بالليل استُدعِيَ وأُخذ عليه تعهدٌ وقت الشيخ محمد بن إبراهيم، ألا يقول بهذا القول مرةً أخرى، وكان يُنكَر عليه إنكارًا شديدًا -من قال بهذا القول- ثم بعد ذلك استقر رأي عامة العلماء على هذا الرأي.

السؤال:…؟

الجواب: نعم، هل يقاس على النائم، أو يقاس على المجنون؟ هذا هو المأخذ في المسألة، فكما ذكر السائل قياسه على المجنون أقرب من قياسه على النائم، لكن هذا لا يصلح أن يكون قاعدةً.

يا إخواني، المبالغة في التقعيد في مسائل الفقه فيها إشكالٌ، المبالغة في التقعيد، ولذلك… الدليل، بعض الأشياء تمشي على قاعدة فتنخرم بعض الأدلة؛ ولذلك خذ كل مسألةٍ بدليلها؛ لأن بعض الناس يسلك هذا المسلك في المبالغة، صحيحٌ أن القواعد مفيدةٌ جدًّا لطالب العلم، لكن المبالغة فيها فيها إشكالاتٌ، المغمى عليه لا تستطيع أن تضع له قاعدةً؛ ولذلك خذ المغمى عليه في الصلاة، وخذ المغمى عليه في الصيام، وخذ المغمى عليه في الحج، وكل مسألةٍ تدرسها مستقلةً عن الأخرى.

السؤال:…؟

الجواب: نعم، كونه يتجرد من ملابسه، ثم بعد ذلك يلبس الإزار والرداء، فهذا هو كلام الفقهاء، يعني: لو كان عليه إزارٌ ورداءٌ قبل أن يعقد النية، ثم بمجرد النية نوى الإحرام، هذا لا بأس به، لكن الأفضل أن يتجرد ثم يلبس الإزار والرداء، ثم ينوي، هذا مقصود الفقهاء بهذا الكلام.

السؤال:…؟

الجواب: ما عدا القراءات السبع أو العشر المتواترة قراءاتٌ شاذةٌ، القرآن نُقل إلينا بالقراءات المعروفة المتواترة، أما ما عداها؛ كقراءة ابن مسعودٍ، وقراءة أُبَيٍّ وغيرهم من الصحابة ، فهذه قراءاتٌ شاذةٌ، عثمان لمَّا حرَّق المصاحف؛ ابن مسعودٍ أخفى مصحفه، قال: ومن يغلل يأتِ بما غل يوم القيامة، وأنا أريد أن آتي بمصحفي هذا، فلم يوافق عثمانَ على هذا، كان له قراءةٌ خاصةٌ -ابن مسعود- ولذلك عند العلماء أن قراءتهم شاذةٌ، وهذا مذكور في كتب أصول الفقه، القراءة الشاذةٌ والاحتجاج بها، لكن الصحيح: أنه لا يُقرأ بها في الصلاة، ولا يُحتج بها، وأن القراءات المحتج بها هي القراءات المتواترة، وليس منها قراءة ابن مسعودٍ وأبيّ.

مداخلة:

الشيخ: يا إخواني، فرقٌ بين الأحرف السبعة وبين القراءات السبع، أنزل القرآن على سبعة أحرفٍ، ليس المقصود به القراءات السبع، كان على سبعة أحرفٍ، لكن في عهد عثمان اتفق هو وبقية الصحابة على تحريق جميع المصاحف، إلا على مصحفٍ واحدٍ، على حرف قريشٍ، فاتفقت إذنْ المصاحف كلها على حرفٍ واحدٍ، هذا الحرف منه هذه السبع القراءات، يعني هذه السبع القراءات هي على حرف قريشٍ الذي كان في عهد عثمان .

السؤال:…؟

الجواب: نعم، هذه المسألة محل خلافٍ بين العلماء، بعض العلماء يرى أنه يلزم أن يأتي بطواف الإفاضة؛ لقول النبي : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى [67]، وهذا لم ينوِ طواف الإفاضة، وإنما نوى طواف الوداع.

وقال آخرون: إنه يجزئ، وينقلب طواف الوداع طواف إفاضةٍ، وهذا قولٌ قويٌّ، ولكن لا شك أن الأحوط هو قول الجمهور؛ لحديث: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.

السؤال:…؟

الجواب: نعم، إذا كان يسن للمصلي أن يصلي منتعلًا؛ فما بالك بالطائف، لكن هذه المسألة لا بد أن نفهمها أيضًا فهمًا موافقًا للأصول والقواعد، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن اليهود لا يُصلُّون في نعالهم؛ فخالفوهم [68]، وهذا حديثٌ في “الصحيحين”.

فالصلاة في النعال سنةٌ، كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي في نعليه [69]، لكن نحن نقول: إن المساجد المفروشة هذه تترك هذه السنة، من باب درء المفسدة، والمفسدة هي: لو أن كل إنسانٍ صلى بنعاله؛ لأصبحت المساجد وكرًا للأذى والقذر، لكن ينبغي تطبيق هذه السنة على الطرقات، وعلى البَرِّيَّة، وفي الأسفار.

طيب، الطواف كالصلاة؛ ولذلك يُطاف بالنعال، لكن في الوقت الحاضر لو طاف كل إنسانٍ بنعاله؛ لترتب على ذلك ما يترتب على صلاة الناس بنعالهم في المساجد المفروشة؛ ولذلك فالأولى ألا يطوف بنعليه، لكن كونه يطوف مثلًا وهو حاملٌ نعليه، لا بأس بهذا.

السؤال:…؟

الجواب: الأدلة أتت عامةً لأهل مكة وغيرهم؛ ولذلك الأفضل هو التمتع: أن يأتوا بعمرةٍ، ثم يأتوا بحجٍّ، وبعض العلماء يرى أن الأفضل بالنسبة لأهل مكة هو الإفراد، لكن ليس على هذا دليلٌ ظاهرٌ، والله تعالى لما ذكر التمتع، قال: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، والدليل على أن حاضري المسجد الحرام أنهم يأتون بالتمتع، لكن ليس عليهم هديٌ؛ ولذلك فالأفضل هو التمتع للجميع.

الطالب:

الشيخ: ممكن، لبيك عمرة وحجًا.

الطالب:

الشيخ: يخرج إلى الحل، نعم إذا أراد ان يقرن؛ يخرج إلى الحل.

السؤال:…؟

الجواب: نعم، على قول الجمهور يعيد الطواف، يستأنف الطواف من جديدٍ، إذا أحدث يستأنف الطواف من جديدٍ، ذكر هذا المؤلف، أنه إذا أحدث يستأنف الطواف من جديدٍ.

السؤال:…؟

الجواب: لا، تكفي قراءتها مرةً واحدةً، وأيضًا ليس عند صعود الصفا، إذا دنا، في حديث جابرٍ  قال: فلما دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، أبدأ بما بدأ الله به [70]، أيضًا ينبغي أن يقول بعد الآية: أبدأ بما بدأ الله به، ووردت بعدة رواياتٍ، في رواية مسلمٍ: أبدأ بما بدأ الله به، وجاء في روايةٍ أخرى: إبدءوا بما بدأ الله به [71]، وفي روايةٍ أخرى: نبدأ بما بدأ الله به [72]، لكن عند اختلاف الروايات في الحج، فبعض أهل العلم أو المحققين من أهل العلم يرجحون رواية جابرٍ لماذا؟ لأن جابرًا اعتنى بضبط حجة النبي ، اعتنى بها عنايةً كبيرةً؛ ولذلك عند اختلاف الروايات بعض المحققين يرجح رواية جابرٍ، ورواية جابر : أبدأ بما بدأ الله به.

السؤال:…؟

الجواب: نعم، رواه مسلمٌ: طعام طُعمٍ [73]، وهذا صحيحٌ، لكن: ماء زمزم لما شرب له [74]، هو ضعيفٌ بلا شكٍّ، لكن بمجموع طرقه يثبت، بمجموع الطرق، والـحافظ ابن حجرٍ له رسالةٌ خرج إلى أن الحديث بمجموع طرقه ثابتٌ على الأقل لدرجة الحسن، والألباني، وكذلك الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ، فبمجموع الطرق، وهذه المسألة أنبه عليها، فبعض الإخوة يرى مثلًا أن أسانيد هذا الحديث ضعيفةٌ، كلها ضعيفةٌ، لكن يقوي بعضها بعضًا، التقَوِّي بمجموع الطرق معروفٌ، اللهم إلا أن تكون واهيةً وهيًا شديدًا، لا تقبل الانجبار، لكن إذا وردت من عدة طرقٍ يشد بعضها بعضًا؛ فإن الحديث يكون ثابتًا بمجموع الطرق، يعني: أضرب لكم مثالًا: لو أتى لنا أناسٌ نقلوا لنا خبرًا، لكن كلهم ليسوا ثقاتٍ، هذا نقل هذا الخبر..، ولم يتواطؤوا على هذا، يعني يبعد تواطؤهم على هذا الخبر، فأتى إنسانٌ ليس ثقةً بخبرٍ، ثم أتى إنسانٌ آخر بخبرٍ، ثم أتى إنسانٌ آخر بخبرٍ، فهؤلاء ليسوا عندنا من الثقات، لكن اجتماعهم على الإتيان بهذا الخبر يقوي بعضهم بعضًا، فيجعل النفس تطمئن لصحة هذا الخبر، هكذا نقول أيضًا بالنسبة للأسانيد ونَقْلِ الحديث إلينا عن النبي عليه الصلاة والسلام، فقد يكون الحديث طرقه ضعيفةً، لكن يقوي بعضها بعضًا، ويشد بعضها بعضًا، فهنا تكون بمجموع الطرق ثابتةً، وإلا لو نظرت لكل إسنادٍ على حدةٍ؛ تجده ضعيفًا.

السؤال:…؟

الجواب: الأفضل والأولى أن الإنسان يذبح الهدي بنفسه إن تيسر، يبحث عن ثقاتٍ يعطيهم هذا الهدي، وأما بالنسبة لإعطاء البنك: يحصل عندهم تجاوزاتٌ كثيرةٌ الحقيقةَ؛ أولًا: من جهة التسمية، ثانيًا: من جهة عدم التعيين، ما يعينون، تذهب إليهم، إذا قلتَ: أرجو أن تعينوا لي هذه برقمٍ؛ قالوا: لا، ما يعينون هذه الذبيحة لفلانٍ، وهذه لفلانٍ، ثم أيضًا يذبحون بعد اليوم الثالث عشر، يعني بعد انتهاء أيام التشريق، يقولون: إن الوقت لا يكفينا، فعندهم بعض إشكالاتٌ، وكان الشيخ عبدالله بن قعودٍ رحمه الله يقول: إنه لا يجزئ توكيلهم؛ ولذلك ينبغي أن يحرص الإنسان على إما أن يتولاها بنفسه، أو يوكل الإخوة، هناك بعض الإخوة الذين عندهم مشاريع، يوكَّلون عن غيرهم في هذا، فإما أن يوكلهم، وألا يوكل البنك إلا عند الضرورة؛ لأنه -كما ذكرت- عندهم تجاوزاتٌ كثيرةٌ في هذا، مع أنه يُرسَل لهم دعاةٌ من “وزارة الشؤون الإسلامية”، لكن مع كثرة الأعداد، الأعداد التي عندهم كبيرةٌ جدًا، ومع أيضًا ضعف الوعي لدى العاملين في تلك الجهات، يحصل تجاوزاتٌ كثيرةٌ، مع أيضًا ضيق الوقت يحصل كثيرٌ من التجاوزات؛ ولهذا الذي أنصح به: أن الإنسان إذا لم يستطع أن يتولاها بنفسه؛ يوكل من يثق فيه، من غير البنك، وإن وكل البنك عند الضرورة؛ فأرجو ألا يكون عليه حرجٌ، عند الضرورة أرجو ألا يكون عليه حرجٌ؛ باعتبار أنه أخذ بما في ظاهر الأمر، وأن هناك فتاوى من دار الإفتاء بالإجزاء، فأرجو ألا يكون عليه حرجٌ في هذا، لكن على سبيل النصيحة أقول: ينبغي أن يتولاها بنفسه، أو يوكل من يثق به.

السؤال:…؟

الجواب: لو مر بطائرةٍ، يصدق عليه أنه وقف بعرفة؟

الشيخ: الفقهاء يقولون: الهواء له حكم القرار، فيصدق عليه أنه وقف بعرفة، فذكرها أبو العباس ابن تيمية؛ لما ذكر بعض من يدعون أنهم أولياء، يقولون: إنهم يذهبون وتطير بهم الجن، ويقفون بعرفاتٍ ثم يرجعون، فذكروها في ذلك الحين، ونحن الآن ممكن أن يقع هذا في يوم من الأيام، أنه يحصل مثل هذا الوقوف في عرفة بالطائرة، ربما الطواف، نعم؟

الطالب:

الشيخ: إي نعم، لحظةً لا يكفي مروره، إي نعم.

السؤال:…؟

الجواب: نعم، هو أولًا كونه جهادًا، الذي يظهر والله أعلم: أنه جهادٌ في سبيل الله؛ لأن هؤلاء من الصائلين، ودفع الصائل مشروعٌ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: من قُتل دون نفسه فهو شهيدٌ، ومن قتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قتل دون أهله فهو شهيدٌ [75].

وقال رجل: أرأيت -يا رسول الله- إن أتى أحد يأخذ مالي؟ قال: فلا تعطه، قال: فإن قاتلني؟ قال: قاتِلْه، قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت شهيدٌ، قال: فإن قتلته؟ قال: فهو في النار [76]، رواه مسلمٌ.

فهؤلاء أولًا: يطلق عليهم “الصِّيَالة”، أنه صائلٌ، ثانيًا: أيضًا هم من طائفةٍ خبيثةٍ، من طائفة الرافضة الذين عندهم معتقدٌ خبيثٌ، وكثيرٌ منهم يقعون في الكفر الأكبر، المخرج عن الملة؛ يدعون غير الله، يدعون من دون الله ​​​​​​​، يدعون أهل البيت، أو الحسن، أو عليًّا ، هؤلاء لا شك في كفرهم، فيقع كثيرٌ منهم في الشرك الأكبر، وفي الكفر الأكبر، وفي دعاء غير الله، وفي الاستغاثة بغير الله تعالى.

وهذه الطائفة حصل منها ضررٌ عظيمٌ على الإسلام والمسلمين على مر التاريخ، حتى إنهم في سنة (317) قَتلوا الحُجَّاج، وملؤوا بئر زمزم من الجثث، وملؤوا ساحة المسجد الحرام، وقلعوا الحجر الأسود، وذهبوا به إلى القطيف، وبقي اثنين وعشرين سنةً إلا أربعة أيامٍ، ويقال: إن تلك السنة لم يقف بعرفة إلا نفرٌ قليلٌ، فقال بعضهم: لم يقف إلا واحدٌ، لكنه بعيدٌ، لكن قيل: إنه وقف نفرٌ قليلٌ جدًّا، يقال: إنها أقل سنةٍ حج فيها الناس تلك السنة، سنة (317)، وكان من حكمة الله ، وقام هذا الخبيث وهو سكران يقول: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:97]، هذا أنا فعلت الذي فعلت، فقال أحد الناس: إن المعنى: أمِّنوه، وليس المعنى أنه خبرٌ، هو خبرٌ بمعنى الأمر، ولله حكمةٌ في هذا.

قاتلهم أهل مكة، لكنهم كان عندهم قوةٌ وعددٌ فغلبوهم، وذهبوا بالحجر الأسود، وكلما وضعوه على بعيرٍ عطب، يقال: حتى نقلوه أو حملوه على أكثر من أربعين بعيرًا، سبحان الله! وبقي عندهم، وأصابهم جدبٌ وقحطٌ شديدٌ، وبعدما أصابهم القحط الشديد، أرجعوه بعد ثنتين وعشرين عامًا، وكانوا يريدون صرف الناس للحج إلى القطيف بدل مكة، فهم فرقةٌ باطنيةٌ خبيثةٌ، وعندهم من المكر ومن الخبث أمرٌ عظيمٌ، تكلم عنهم ابن كثيرٍ والذهبي وغيرهم، وكُتب في هذا؛ ولما أرجعوا الحجر الأسود؛ أرجعوه على بعيرٍ أجرب، بعيرٍ واحدٍ، سبحان الله!

فأقول: هذه الفرقة الخبيثة الرافضة، أضرَّت بالإسلام والمسلمين كثيرًا، عندهم معتقداتٌ كفريةٌ، لكن أيضًا لا نعمم؛ لأن الرافضة عدة طوائف، ذكر بعض العلماء أنهم أكثر من ثنتين وعشرين فرقةً، فالزيدية فرقةٌ معتدلةٌ لا تصل للكفر، لكن أكثر الطوائف -كالاثني عشرية- يقعون في الكفر الأكبر، والشرك بالله .

وهم أولًا من حيث الجهاد: هو جهادٌ في سبيل الله، فهؤلاء الذين قُتلوا يرجى لهم الشهادة، ونسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء.

والقنوت: المفتي العام أفتى بمشروعية القنوت لهم، فالاجتهاد بهذا سائغ.

السؤال:…؟

الجواب: إي نعم، ما قلناه في الركوب والمشي في الطواف ينطبق على السعي، كل ما قلناه في الطواف ينطبق على السعي.

السؤال:…؟

الجواب: لا، الموس هو الموس، ما اختلف أبدًا، حتى يذكره الفقهاء، يسمونه: الموسى، الموسى هو الموس، يعني ما اختلف، لكن المكائن هذه..، هذا صحيحٌ، نعتبرها تقصيرًا.

السؤال:…؟

الجواب: من فاته الوقوف بعرفة؛ فاته الحج، حكمه حكم المحصر، يتحلل بعمرةٍ، وينحر الهدي، ويقضي في قابلٍ، على قول الجمهور يقضي، حتى لو كان مفردًا، نعم عليه دمٌ.

السؤال:…؟

الجواب: لكن حصل في عام (1412)، حصل أنه كان هناك مشكلةٌ في السير في الذهاب لعرفة، فطلع الفجر على كثيرٍ من الحجاج، ولم يصلوا لعرفة، فهناك مشكلةٌ في السير، مشكلةٌ كبيرةٌ في الذهاب لعرفة، فهؤلاء الحجاج أفتى لهم بعض العلماء بأن حجهم صحيحٌ باعتبار أنهم لم يستطيعوا الوصول، هذا ممكنٌ، فيه فتوى خاصةٌ، وإلا فالأصل: أن من فاته الوقوف بعرفة؛ فاته الحج.

السؤال:…؟

الجواب: لا، هذا في كتاب النجاسة، كتاب النجاسة صحيح، أما بالنسبة لهذا مكلف.

الطالب:

الشيخ: ممكن، يُستأنس به..

الطالب:

الشيخ: ليس صريحًا، نعم.

السؤال:…

الجواب: نعم، من أحدث في الطواف، يقول: لماذا يستأنف الطواف من جديدٍ؟ أما إذا طال الفصل فلأنه طال الفصل، فلا بد أن يستأنف من جديدٍ، لكن ربما يكون سؤالك إذا أحدث وتوضأ ولم يطل الفصل؛ فلماذا يستأنف الطواف من جديدٍ؟ هم يقيسون الطواف على الصلاة، يحتجون بقول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “الطواف حول البيت صلاةٌ، إلا أنكم تتكلمون فيه”، لو أحدث الإنسان في الصلاة وهو في التحيات -التشهد الأخير- أليس يعيدها من جديدٍ؟ فكذلك الطواف، وبعض أهل العلم يقولون: إنه لا يعيد، وإنما يكمل، وكما ذكرت كثيرٌ من مسائل الحج -يا إخواني- لا تجد عليها دليلًا واضحًا؛ ولذلك مشايخ التوعية في الحج عرضوا على سماحة الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله، يقولون: سبع عشرة مسألةً، يقولون: أفتى في أكثر من النصف، في أكثر من عشر مسائل توقف، وقال: ما أدري، لا أعلم.

ففيها إشكالاتٌ كثيرةٌ مسائل الحج، ومشكلات الحج متجددةٌ أيضًا، بعض المسائل ليس فيها دليلٌ واضحٌ؛ ولذلك الإنسان يحتاط فيها، خاصةً ما يترتب عليه البطلان، هذه أمور ينبغي أن يُعنى بها طالب العلم، أحيانًا يترتب عليها الإبطال، مثلًا الطهارة في الطواف، المذاهب الأربعة كلها وأكثر علماء الأمة يرون أن الحج غير صحيحٍ، يعني النتيجة المترتبة كبيرةٌ، والقول بصحة الطواف ليس عليه دليلٌ واضحٌ، تقول: إنني أتكئ على هذا بالدليل، ليس هناك دليلٌ واضحٌ؛ ولذلك خذ بقول الجماهير، الأكثر، وينبغي أن نفتي الناس بهذا، لكن من وقع منه مثل هذا الشيء، ربما يُفتَى له بالقول الآخر عند الحاجة.

السؤال:…؟

الشيخ: نعم، هذا السؤال سأل عنه الأخ الأول في الأسئلة، وذكرنا أن بينهما فرقًا، واجبات الحج غير واجبات الصلاة، واجبات الصلاة جَبْرُها بسجود السهو، بينما واجبات الحج جبرها بدمٍ، الواجبات في الحج قد تكون متعلقةً بمشعرٍ، بشيءٍ زمنه يطول، مبيتٍ مثلًا، مبيتٍ في منًى، مبيتٍ في مزدلفة، يختلف عن واجبات الصلاة، فيظهر أن بينهما فرقًا، وسبق وقلت لكم أيضًا: إن الحج يختص بأحكامٍ عن غيره من العبادات؛ ولذلك الحج يصح من الصبي غير المميِّز، وهذا لا يوجد في أي عبادةٍ أخرى، الحج يصح قلب النية فيه، إذا كان قارنًا؛ يصح أن يقلبها متمتعًا، قلب النية، يصح أن يطلق النية، ثم يصرفها لأي نسكٍ أراد، فالحج يختص بخصائص تميزه عن بقية العبادات.

السؤال:…؟

الجواب: نعم، يتوضأ على قول الجمهور، لاحِظ المذاهب الأربعة وجماهير الأمة يقولون: الحج لا يصح إذا كان طواف الإفاضة، مشكلةٌ، الحج لا يصح، الحج كله؛ لأنه ترك ركنًا، فما له إلا الصبر؛ لأن الحج جهادٌ؛ ولذلك ذكر الله تعالى آيات الحج بعد آيات الجهاد، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: عليكن جهادٌ لا قتال فيه: الحج والعمرة [77]، الحج مبناه على المشقة، لا بد أن يصبر ويتحمل.

السؤال: هل يشرع تقبيل الحجر الأسود بعد ركعتي الطواف؟

الجواب: إي نعم، أحسنت، يعني هذا السؤال جيدٌ، يقول: هل يشرع تقبيل الحجر الأسود بعد ركعتي الطواف؟ ورد في حديث جابرٍ  أن النبي عليه الصلاة والسلام لما صلى ركعتي الطواف؛ رجع للحجر فاستلمه فالصواب أن يستلمه، فالسنة استلامه بعد ركعتي الطواف، فإن قبله فلا بأس.

السؤال:…؟

الجواب: لا، القارن والمفرد عليهما سعيٌ واحدٌ، لا إشكال فيه، الإشكال في المتمتع، هل يجب عليه سعيان أو سعيٌ واحدٌ؟ فمن العلماء من قال: إن عليه سعيين، واستدلوا بقول عائشة رضي الله عنها: “ثم طاف الذين أتوا من منًى بين الصفا والمروة طوافًا آخر” [78]، لكن بعض أهل العلم يقول: إن المتمتع ليس عليه إلا سعيٌ واحدٌ، وهو قولٌ قويٌّ جدًّا، واختاره ابن تيمية رحمه الله.

وقالوا: إن قول عائشة رضي الله عنها هذا مدرجٌ من أحد الرواة، وليس من كلام عائشة رضي الله عنها، وهذه المسألة تحتاج إلى مزيد بحثٍ وتحريرٍ، الخلاف فيها قويٌّ.

وأما قوله: قارنٌ ومفردٌ، فهي واحدةٌ، لكن الإشكال في المتمتع، هل عليه سعيٌ واحدٌ أو سعيان؟

السؤال:…؟

الجواب: هو يكون قد أدرك الحج، ومن أدرك الحج كما قال الله : فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203]، يعني: يرجع وليس عليه إثمٌ، ومن تأخر فلا إثم عليه، لكن لِمَنِ اتَّقَى، ويصدق عليه: من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه [79]، وهو يدرك فضل الحج، لكن لا شك أن غيره الذي أتى مبكرًا أكثر ثوابًا وأجرًا، لكن قصدك: هل يشمله هذا؟ الله أعلم، فضل الله واسعٌ.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1265، ومسلم: 1206.
^2 رواه البخاري: 5794، ومسلم: 1177.
^3 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
^4, ^12, ^17, ^19, ^21, ^23, ^25, ^26, ^30, ^31, ^38, ^39, ^49, ^50, ^53, ^70, ^74 سبق تخريجه.
^5 رواه أبو داود: 1949، والترمذي: 889، والنسائي: 3016، وابن ماجه: 3015، وأحمد: 18774.
^6 رواه أبو داود: 1950، والترمذي: 891، والنسائي: 3041، وابن ماجه: 3016، وأحمد: 16208، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^7 رواه أبو داود: 1970، والنسائي: 3062، وأحمد: 14419.
^8 رواه النسائي: 3011، وأحمد: 21821.
^9 رواه البخاري: 5604.
^10 رواه أبو يعلى: 2090، وابن خزيمة: 2840، وابن حبان: 3853.
^11 رواه مسلم: 1348.
^13 رواه البخاري: 6076، ومسلم: 2558.
^14 رواه البخاري: 3933، ومسلم: 1352، بنحوه.
^15 رواه مالك في الموطأ: 154.
^16 رواه أحمد: 27367، والطبراني: 572، والدارقطني: 2583.
^18 رواه مسلم: 1277.
^20, ^54 رواه مسلم: 1218.
^22 رواه البخاري: 133، ومسلم: 1182.
^24 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: 13759.
^27 رواه البخاري: 1634، ومسلم: 1315.
^28 رواه ابن ماجه: 3029، بنحوه.
^29 رواه أبو داود: 1888، وأحمد: 24351.
^32 رواه النسائي: 2770.
^33 رواه البخاري: 1728، ومسلم: 1302.
^34 رواه مسلم: 1327.
^35 رواه البخاري: 1755، ومسلم: 1328.
^36 رواه البخاري: 1784، ومسلم: 1212.
^37 رواه البخاري: 6786.
^40 رواه أبو داود: 1884، وأحمد: 3512، ورواه البخاري: 1602، ومسلم: 1266، دون ذكر الاضطباع.
^41 رواه أحمد: 4899.
^42 رواه أبو داود: 3878، والترمذي: 994، وابن ماجه: 1472، والنسائي: 1896، وأحمد: 2219.
^43 رواه مسلم: 1184.
^44 رواه البخاري: 1544، ومسلم: 1281.
^45 رواه البخاري: 1622، ومسلم: 1347.
^46 رواه الترمذي: 960.
^47 رواه البخاري: 294، ومسلم: 1211.
^48 رواه البخاري: 1757، ومسلم: 1211.
^51 رواه مسلم: 1273.
^52 رواه الترمذي: 961، وابن ماجه: 2944، وأحمد: 2215، وقال الترمذي: حسن.
^55 رواه البخاري: 4971، ومسلم: 208.
^56 رواه ابن ماجه: 3062، وأحمد: 14849.
^57 رواه ابن ماجه: 3061، والتضلع: الإكثار من الطعام أو الشراب حتى الامتلاء. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير: 3/ 97، ومختار الصحاح للرازي، والمصباح المنير  للفيومي: (ض ل ع).
^58 رواه الترمذي: 1054، وأحمد: 23005، وروى مسلم شطره الأول: ‌977، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^59 رواه البخاري: 1189، ومسلم: 1397.
^60 رواه أحمد: 26835، ومسلم: 1396، من حديث ميمونة، ورواه البخاري: 1190، ومسلم: 1394، بنحوه من حديث ابن عباس .
^61 رواه ابن ماجه: 1406، وأحمد: 14694، بنحوه.
^62 رواه البيهقي في شعب الإيمان: 3845، والسنن الصغرى: 1375.
^63 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 8925، والدارقطني: 2534.
^64 ذكره أبو حفص الوراني الموصلي في المغني عن الحفظ والكتاب ص: 401، وذكر عن الإمام أحمد أنه قال: لا أصل له.
^65 رواه البخاري: 1912، ومسلم: 1089.
^66 رواه الترمذي: 3790، وابن ماجه: 154.
^67 سبق تخريجه
^68 رواه أبو داود: 652.
^69 رواه البخاري: 386، ومسلم: 555.
^71 رواه النسائي: 2962.
^72 رواه أبو داود: 1905، والترمذي: 862، وابن ماجه: 3074، والنسائي: 2961.
^73 رواه مسلم: 2473.
^75 رواه البخاري: 2480، ومسلم: 141، مقتصرا على قوله: دون ماله، ورواه بتمامه أبو داود: 4772، والترمذي: 1421، وقال: حسن صحيح.
^76 رواه مسلم: 140.
^77 رواه ابن ماجه: 2901.
^78 رواه البخاري: 1638، ومسلم: 1211.
^79 رواه البخاري: 1521.
zh