logo

(47) باب محظورات الإحرام

مشاهدة من الموقع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، نسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

نبقى حتى يتكامل حضور الإخوة.

أقول:

تتمة خصائص الحج

ذكرنا في الدرس السابق فضل هذه العبادة (الحج)، وأن لها خصائص تتميز بها عن غيرها؛ فمن هذه الخصائص:

  • أن الحج يقع مكفِّرًا لجميع الذنوب بما فيها الكبائر، بخلاف غيرها من العبادات؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ لما بينهن إذا اجتُنبت الكبائر [1]، بينما في الحج قال: من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه [2]، فهذا مما يختص به الحج دون غيره.
  • أيضًا يختص الحج دون غيره بأنه يصح من الطفل غير المميِّز، بينما سائر العبادات لا تصح؛ فالصلاة: هل تصح من غير المميز؟ لا تصح، الصوم: هل يصح من غير المميز؟ لا يصح، بينما الحج يصح؛ وذلك لما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن امرأةً رَفعت للنبي صبيًّا فقالت: يا رسول الله، ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم ولك أجرٌ [3]، ولم يستفصل عليه الصلاة والسلام: هل هو مميِّزٌ أم لا؟ بل ظاهر الحديث أنه صغيرٌ؛ لأنها رفعته للنبي عليه الصلاة والسلام.
  • وكذلك أيضًا نجد أن الحج يتميز عن غيره من العبادات في شأن النية، فلو حج عن غيره ولم يحج عن نفسه؛ انقلب الحج عن نفسه، وهذا مما يتميز به الحج.
  • كذلك مر معنا في الدرس السابق: أنه لو حج وأطلق؛ فله أن يصرفه فيما أراد من النسك، أو حج بمثل ما حج فلانٌ؛ صح ذلك.
  • أيضًا ينوي الولي عن الصبي غير المميز كما أنه ينوي عن نفسه.
  • وأيضًا مما تتميز به هذه العبادة: أن مَن شرع فيها؛ وجب عليه الإتمام، حتى ولو شرع في نفلٍ، يجب عليه أن يتمها؛ لقول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ [البقرة:196]، بينما سائر العبادات لا يجب عليه إتمامها إذا كانت نوافل، فلا يجب عليه إتمام صلاة النافلة، ولا إتمام صيام النفل، والصائم المتطوع أمير نفسه؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر، فللإنسان إن صام تطوعًا؛ له أن يقطع صومه ولو من غير سببٍ، بينما في الحج إذا شرع في الحج النافلة؛ فيلزمه الإتمام.

طيب، لماذا اختص الحج بهذا؟ يعني: في نوافل العبادات لا يجب إتمامها؛ نافلة الصلاة لا يجب إتمامها، نافلة الصيام لا يجب إتمامها، لكن نافلة الحج يجب إتمامها، نريد أن نلتمس الحكمة؛ لماذا؟ لماذا يجب إتمام نافلة الحج مع أنها نافلةٌ؟ فلماذا نقول: إنه يجب إكمال هذه النافلة؟

مداخلة:

الشيخ: نعم؛ لأن الحج يحتاج إلى بذل مالٍ ونفقاتٍ كثيرةٍ، وجهدٍ بدنيٍّ وتعبٍ، خاصةً في الأزمنة السابقة، وإبطال هذه العبادة فيه تضييعٌ لماله، وكذلك أيضًا لجهده البدني، فكان ممنوعًا منه، كونه يتكلف ويأتي إلى المشاعر من بلادٍ ربما تكون هذه البلاد بعيدةً، وينفق النفقات لأجل ذلك، وكذلك أيضًا يجتهد، فيجب عليه أن يتم ذلك، وألا يُضيع هذا الجهد البدني، والبذل المالي، وإنما يتمه، هذه الحكمة أشار إليها الموفَّق وجمعٌ من أهل العلم، فكان الحج يختص بهذا.

وقد ذُكر في بعض كتب الرحلات: أن مِن الناس في الأزمنة السابقة مَن كان يمكث في الرحلة إلى مكة أشهرًا طويلةً، بعضهم أكثر من سنةٍ وهو في الطريق إلى مكة، لمَّا كانوا يأتون عن طريق الإبل، وبعضهم يأتون يمشون راجلِين، وبعضهم عن طريق البحر، فكانوا يَبقَون شهورًا طويلةً، فكونه يبقى هذه المدة الطويلة، ويبذل نفقاتٍ كبيرةً، وجهدًا عظيمًا، ثم بعد ذلك يُبطل هذا كله؛ هذا فيه تضييعٌ للمال، وفيه أيضًا تضييعٌ لجهد الإنسان ولوقته؛ فكان ممنوعًا منه.

فنجد أن هذه العبادة تتميز عن غيرها بعدة خصائص ومميزاتٍ.

مداخلة:

الشيخ: الدَّين المؤجل لا يمنع من وجوب الحج إذا كان له مصدر دخلٍ يثق في أنه سوف يسدده منه.

مداخلة: والاستئذان؟

الشيخ: الاستئذان من باب الكمال.

أركان الحج والعمرة سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى.

آكدها: الوقوف بعرفة، وقد جاء في “صحيح مسلمٍ” عن عائشة رضي الله عنها أن النبي  قال: ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو بهم فيباهي بهم ملائكته، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ [4]، وقد جاء في بعض الروايات أن هذا يكون عشيةَ عرفة [5].

ما معنى “عشية”؟

مداخلة:

الشيخ: نعم؟ الزوال متى يكون؟ بعد الظهر؛ هذا هو عشية عرفة، ليس المقصود به عِشاء عرفة، المقصود به المساء؛ يعني من بعد الظهر؛ ولذلك جاء في قصة المسيء صلاته في حديث أبي هريرة قال: “صلى بنا النبي إحدى صلاتي العشي: الظهر أو العصر” [6].

فالعشي والعشية المقصود بها: ما بعد الزوال، هذا الوقت يباهي الله بالحجيج ملائكته، يقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء، أتوني شُعثًا غُبرًا ضاحِينَ، أُشهدكم أني قد غفرت لهم، ويدنو بهم، وهذا الدُّنو عند أهل السنة والجماعة: هو دنوٌّ حقيقيٌّ، الله أعلم بكيفيته، ويقول: ما أراد هؤلاء؟ [7]، وهذا دليلٌ على عظيم ذلك الموقف، وأنه موقفٌ عظيمٌ، وعلى فضل هذه العبادة؛ لأن هذا لا يحصل في غيرها من العبادات، لا يحصل في غير هذه العبادة؛ ولهذا فإن الحاج الذي يوفَّق للحج المبرور يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، قد حُطت عنه ذنوبه وخطاياه.

شروط الحج

طيب، تكلمنا في الدرس السابق عن فضل الحج، وعن شروط وجوبه، وتكلمنا عن كل شرطٍ، وقسَّمناها إلى ثلاثة أقسامٍ:

  • شروط الوجوب والصحة، ما هي؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، الإسلام، والعقل؛ فالحج لا يصح من الكافر ولا من المجنون.

  • القسم الثاني: شروط الوجوب والإجزاء: ما هما؟ البلوغ، وكمال الحرية؛ فلا يجب الحج على غير البالغ، ولا على الرقيق ولا يُجزئهما عن حجة الإسلام، لكن هل يصح منهما؟ نعم، يصح من الصبي، ويصح من الرقيق، لكنه لا يجزئهما عن حجة الإسلام.
  • والقسم الثالث: شرط وجوبٍ فقط، وهو؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، الاستطاعة، شرط الاستطاعة، وهو المنصوص عليه في الآية الكريمة.

طيب، أضاف بعض العلماء شرطًا سادسًا، ما هو؟

  • وجود المَحرم للمرأة، وبعضهم يجعله داخلًا في شرط الاستطاعة.

وذكرنا ضابطًا للمَحرم، ما هو الضابط لمعنى المَحرم؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، هو زوجها، ومن تحرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ مباحٍ؛ معنى ذلك: الأخ من الرضاعة، هل هو مَحرمٌ؟ محرمٌ، يجوز أن تحج معه، وأن يخلو بها وهو من محارمها.

طيب زوج البنت، زوج بنت المرأة، هل هو محرمٌ؟ محرمٌ، زوج البنت محرمٌ.

طيب زوج الأم، هل هو محرمٌ للبنت؟ محرمٌ إذا دخل بأمها، أما إذا لم يدخل؛ فليس محرمًا، ليكن هذا الضابط معك.

طيب زوج الأخت؟ ليس محرمًا؛ لأنه ليس على التأبيد.

طيب، ذكرنا أيضًا ضابط الاستطاعة في وقتنا الحاضر، ما هو؟

مداخلة:

الشيخ: الزاد والراحلة، كان في الزمن السابق، لكن في وقتنا الحاضر؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، القدرة على تحصيل أجرة حملةٍ أو مؤسسةٍ من مؤسسات الحج صالحةٍ لمثله أيضًا.

طيب، ثم بعد ذلك انتقلنا للإحرام، وذكرنا حقيقة الإحرام، فما حقيقة الإحرام، أو معنى الإحرام؟

نعم، نية الدخول في النُّسك، الإحرام متعلقٌ بالنية وليس باللباس.

طيب، ذكرنا قاعدةً في الإحرام، هل يَرتفِض أو لا يرتفض؟ نعم، ذكرنا قاعدةً: وهي أن الإحرام لا يَرتفض برفضه، يعني: إذا أحرمت فلا يمكن أن تقول: نكثتُ الإحرام، اللهم إلا أن تكون قد اشترطت، وحصل لك عائقٌ يعوقك.

الأنساك الثلاثة

ثم ذكرنا الأنساك الثلاثة لمن أراد الدخول في النسك.

ما هي الأنساك الثلاثة؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، التمتع، والإفراد، والقِران، أفضلها؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، التمتع في حق مَن لم يَسُق الهدي، وأما من ساق الهدي فالقِران.

طيب، ما هو النسك الذي اختاره النبي ؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، القِران.

ذكرنا مقولةً عن الإمام أحمد، مَن يذكرها؟ “لا أشك أن النبي كان قارنًا”.

طيب، نعم، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة [8]، فالنبي أمر أصحابه بأن من كان منهم قد أحرم بحجٍّ ولم يَسُق هديًا: أن يقلبها إلى عمرةٍ، فقالوا: يا رسول الله، كيف نفعل هذا؟! لأنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج أنها من أفجر الفجور، فأراد النبي أن يبطل معتقدهم، وأن العمرة تكون مع الحج، وأنها تكون في أشهر الحج؛ ولهذا قال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية: إلى أن التمتع كان واجبًا في حق الصحابة فقط، في حق من لم يَسُق الهدي من الصحابة فقط، اختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكر أن هذا هو الذي تدل عليه النصوص؛ واستدل بما جاء في “صحيح مسلمٍ”: عن أبي ذرٍّ قال: “كان لنا خاصةً” [9]، يعني: أصحاب النبي .

فالتمتع كان واجبًا على الصحابة الذين لم يسوقوا الهدي، أما من عداهم فكانوا مخيرين بين الأنساك الثلاثة، هذا هو أرجح ما قيل في هذه المسألة.

وذكرنا أن هناك من يقول بوجوب التمتع في حق من لم يسق الهدي من الصحابة ، من هو؟ نعم، ابن عباسٍ رضي الله عنهما، وذكرنا أيضًا مِن أبرز العلماء: ابن القيم كذلك في “زاد المعاد”، وكذلك الشيخ الألباني من المعاصرين، ولكن الأقرب هو قول الجمهور: وهو أنه مخيَّر بين الأنساك الثلاثة.

ولا أدري هل ذكرتُ حديثًا في “صحيح مسلمٍ”: أن عيسى ابن مريم ينزل آخر الزمان، يقول عليه الصلاة والسلام: يكون حاجًّا أو معتمرًا أو بهما معًا [10]؛ وهذا دليلٌ على أن هيئة الأنساك الثلاثة باقيةٌ، انتبه لهذا الدليل: أن عيسى ابن مريم  ينزل حاجًّا أو معتمرًا أو بهما معًا، فلو كان قد نُسِخ الإفراد أو القِران؛ لم يقل النبي ذلك.

فالصحيح: أن هذه الأنساك الثلاثة باقيةٌ، وأنه لم يُنسَخ الإفراد والقِران، وأنها باقيةٌ إلى قيام الساعة.

نعم، سَوق الهدي معناه: أن يأتي بالهدي من خارج الحرم إلى الحِلِّ ويُدخله الحرم، وهذا يمكن وإن كان قليلًا في الوقت الحاضر، لكنه موجود.

مداخلة:

الشيخ: نعم، لا، ما يلزم من الحل إلى الحرم.

طيب، ذكرنا أيضًا أن من أراد أن يحرم: إذا أراد أن يكون متمتعًا، فماذا يقول؟ ماذا يقول عندما يريد أن يُهلَّ بالنسك؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، “لبيك عمرةً”، بعض العلماء يضيف “متمتعًا بهذا الحج”، لكن رجحنا أن يقول الأفضل: “لبيك عمرةً”، ولا داعي لأن يقول: “متمتعًا بهذا الحج”؛ لأن النية تكفي؛ فيقول: “لبيك عمرةً”، فقط، أو: “اللهم لبيك عمرةً”، وإذا كان يريد القِران يقول: “لبيك عمرةً وحجًّا”، وإذا كان يريد الإفراد يقول: “لبيك حجًّا”.

وأما قول المؤلف حيث يقول: “اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسِّره لي، وتقبله مني”، فهذا ناقشناه وقلنا: إن هذا ليس عليه دليلٌ، وأن الصواب أنه غير مشروعٍ، بل بعض العلماء يشدد في هذا ويرى أنه بدعةٌ.

الاشتراط عند الإحرام

طيب، الاشتراط عند الإحرام: ذكرنا ثلاثة أقوالٍ:

  1. أنه يُشرع.
  2. وأنه لا يشرع.
  3. وأنه يشرع في حق من كان خائفًا من عائقٍ يَعوقه.

ورجحنا أي الأقوال؟ القول الثالث: أنه إنما يشرع في حق من كان خائفًا من عائقٍ يعوقه، وذكرنا الدليل لذلك، قصة مَن مِن الصحابة؟ قصة ضُبَاعة بنت الزبير، لمَّا حجت وهي شاكيةٌ أنها مريضةٌ، فقال لها النبي : حُجِّي واشترطي؛ فإن لكِ على ربك ما استَثنيت [11].

والدليل على أن من كان ليس خائفًا من عائقٍ يعوقه أنه لا يشترط، ما هو الدليل؟

نعم، أن النبي والصحابة لم يشترطوا، وقد حجَّ معه قرابة مئة ألفٍ، فلو كان مشروعًا لكلِّ أحدٍ؛ لفعله النبي عليه الصلاة والسلام أو أمر به الصحابة، ولم يشترط إلا امرأةٌ واحدةٌ من مئة ألفٍ؛ فهذا دليلٌ على أنه إنما يُشرع في حق من كان خائفًا من عائقٍ يعوقه.

طيب، ما أبرز العوائق في وقتنا الحاضر؟ هل الخوف من حوادث السيارات، هل يعتبر من العوائق؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، حوادث السيارات لا تعتبر من العوائق؛ لأن حوادث السيارات بالنسبة للحجاج قليلةٌ جدًّا، فهي كنسبة أيضًا الإصابات بسبب الدواب في عهد النبي ، وهي نسبةٌ قليلةٌ، ففي يوم عرفة وَقَصَت أحدَ الحجاج راحلته فمات [12]؛ فإذنْ لا يُشرع الاحتراز خوفًا من حوادث السيارات.

من يذكر لنا مثالًا من العوائق التي يُشرع الاشتراط لأجلها؟

مداخلة:

الشيخ: التصريح؟ التصريح صحيحٌ، التصريح ربما أنه يَصدُّ، ولا يُمكَّن من الذهاب للبيت إذا لم يكن معه تصريحٌ، فإذا كان عند الإحرام وخشي أن يُرَد فيَشترط؛ بحيث إنه لو رُدَّ؛ يتحلل وليس عليه شيءٌ.

فهناك فائدةٌ عظيمةٌ من هذا الاشتراط؛ فهذا -الحقيقة- نحتاج إليه في هذه المسألة على وجه الخصوص، وربما يحتاج إليه أيضًا الإنسان إذا كان مريضًا ويخشى ألا يُتِم النسك، ونحو ذلك من العوائق.

مداخلة:

الشيخ: نعم، نعم، يقول: إذا مَرِض ابنه، يُعتبر هذا من العوائق التي يُخشى ألا يُتِم الحجَّ بسببها؟

مداخلة:

الشيخ: لا، إذا أحرم لا يمكن التدارك، والاشتراط يكون عند عقد النية، تقول: “لبيك عمرةً، وإن حدث لي حادثٌ فمحِلِّي حيث حبستَني”، هذا هو سبب الاشتراط.

باب محظورات الإحرام

ننتقل بعد ذلك إلى باب “محظورات الإحرام”.

بسم الله الرحمن الرحيم

قال المصنف رحمه الله:

باب محظورات الإحرام

والمراد بـ”محظورات الإحرام” أي: المحرمات بسبب الإحرام.

جعلها المؤلف سبعةً، وبعضهم يجعلها ثمانيةً، وبعضهم يجعلها تسعةً، ولا مشاحة في الاصطلاح، فالاختلاف بين الفقهاء في هذا خلافٌ في إدخال بعضها في بعضٍ؛ فالمؤلف مثلًا أدخل المباشرة مع الوطء، وبعضهم يجعل المباشرة محظورًا مستقلًّا، فلا مشاحة في الاصطلاح.

أولها، قال:

أحدها: تعمُّد لُبس المخيط على الرجال حتى الخفين.

والمخيط: هو اللباس المفصَّل على قدر العضو أو الأعضاء، سواءٌ كان بخياطةٍ أو بغير خياطةٍ، وإنما يعبر الفقهاء بـ”المَخِيط” بناءً على الغالب، فالمخيط: الذي فيه خياطةٌ؛ مثل القميص الذي نسميه في وقتنا الحاضر ماذا؟ ثوبًا.

والسراويل، السراويل يا إخواني..، هذه فائدة؛ السراويل: مفردٌ أو جمعٌ؟ جمعها سراويلاتٌ، أما سروالٌ؛ يقول أهل اللغة: إنها شاذةٌ، العامة تسميه سروالًا، لكن في لغة العرب يقال: سراويل، سراويل تطلق على المفرد، وجمعها سراويلاتٌ.

طيب، إذنْ مثل القميص والسراويل والخُفِّ ونحو ذلك، وهكذا أيضًا لو وُضع على مقدار العضو بدون خياطةٍ، مثل أن يُنسَج نسجًا، أو يُلصق بلُصوقٍ، وهو ليس فيه خياطةٌ، لكنه مُفصَّلٌ على قدر العضو؛ مثل ماذا؟ مَخِيطٌ ليس فيه خياطةٌ؟ مثل (فانيلا)، نسميها في وقتنا الحاضر بـ(الفانيلا)، هذه أحيانًا تكون بدون خيوطٍ، لكنها منسوجةٌ على هيئة العضو، فهذه تدخل في المخيط.

وهذا المصطلح “المخيط”؛ يقال: إن أول من أطلقه: إبراهيم النخعي، وتبعه على ذلك جماهير الفقهاء؛ ولذلك لا تجد هذا المصطلح في كلام النبي ولا عند الصحابة ولا عند كبار التابعين، تأمَّلْ، لا تجد كلمة “مخيطٍ” إطلاقًا، ولا تجده عن أحدٍ من الصحابة ، ولا عن كبار التابعين، لكن أُطلق هذا فيما بعد؛ يقال: إن أول من أطلقه: إبراهيم النخعي، ثم تناقله الفقهاء بعد ذلك.

وهذا المصطلح أوقع كثيرًا من العامة في سوء الفهم؛ فإنهم قد فهموا أن المقصود بالمخيط ما فيه خيوطٌ، فتجدهم يسألون عن الساعة التي فيها خيوطٌ: هل يجوز لبسها أم لا؟ ويسألون عن الحذاء الذي فيه خيوطٌ، وعن الحزام أو الذي نسميه “الكَمَر” الذي فيه خيوطٌ؟

والفقهاء ليس مقصودهم بالمخيط ما فيه خيوطٌ، وإنما مقصودهم ما فُصِّل على قدر العضو أو البدن، والنبي إنما عبر بقوله: لا يلبس المحرم القُمُص، ولا البرانس، ولا السراويلات، ولا الخِفاف، ولا العمائم [13].

لاحظ أن كلام النبي عليه الصلاة والسلام واضحٌ ليس فيه إيهامٌ، بينما التعبير بالمخيط أوقع في الإيهام؛ ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يختار ألفاظ النصوص الشرعية؛ فإن النصوص الشرعية لا تجد عليها أي مدخلٍ ولا أي ثغرةٍ، بل هي واضحةٌ محكمةٌ، بينما كلام البشر يعتريه ما يعتريه من الخلل والقصور.

إذنْ هذا هو المقصود بالمخيط، والمخيط -كالذي ذكرنا صِفتَه- خاصٌّ بالرجال كما قال المصنف رحمه الله.

وأما بالنسبة للنساء: فالمخيط بالنسبة لهن: النقاب والقفازان، وسيأتي الكلام عن هذه المسألة، سيأتي الكلام عنها بعد قليلٍ.

وقول المؤلف: “حتى الخفين”، أي: أنه يحرم على المحرم أن يلبس الخفين؛ وقد نهى النبي عن ذلك وأمر وقال: من لم يجد نعلين؛ فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين [14].

وقال بعض أهل العلم: إن الأمر بقطعهما حتى يكونا كالنعلين منسوخٌ؛ لأن النبي أمر بالقطع لمَّا خطب الناسَ في المدينة، ثم لمَّا كان في عرفات قال: من لم يجد النعلين فليلبس الخفين [15]، ولم يأمر بالقطع؛ ولهذا قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: من لم يجد نعلين؛ لبس خفين ولا يجب عليه أن يقطعهما دون الكعبين؛ فإن النبي أمر بالقطع أولًا، ثم رخص في ذلك في عرفاتٍ؛ قالوا: لأنه أدرك النبيَّ في عرفات من لم يسمعه في المدينة، فإنه قد حج معه قرابة مئة ألفٍ، فلو كان قَطْع الخفين واجبًا؛ لبين ذلك النبي في عرفاتٍ؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

ولكن هذا مبنيٌّ على ثبوت الرواية في أن النبي لم يأمر بقطع الخفين في عرفاتٍ، وبعض المحققين من أهل الحديث يقولون: إنه لم تثبت لفظة أن النبي خطب في عرفاتٍ وأنه قال: من لم يجد نعلين؛ فليلبس..، ولم يأمر بالقطع؛ قالوا: إن لفظة: “وهو يخطب بعرفاتٍ” غير محفوظةٍ؛ لأنه إنما انفرد بها شعبة عن عمرو بن دينارٍ من بين سائر الثقات، وأكثر الثقات رووها بدون ذكر “عرفاتٍ”، ومخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، أو انفراده بالزيادة دون غيره من الثقات، تعتبر شاذةً؛ ولهذا قالوا: إن هذا لا يثبت، وإذا كان لا يثبت؛ فيكون الأقرب: أنه من لبس الخفين؛ فإنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين على صفة النعلين، وأما من لم يجد إزارًا؛ فإنه يلبس السراويل، وليس عليه فديةٌ إلى أن يجد الإزار؛ لقول النبي : السراويل لمن لم يجد الإزار [16]، متفقٌ عليه.

وبناءً على ذلك: فمن أراد أن يُحرِم مثلًا وهو في الطائرة، ونسي أن يأخذ معه لباس الإحرام، أو أن بعض الناس يأخذ معه لباس الإحرام ويضعه في الحقيبة، ثم يُشحن في الطائرة، ولا يستطيع أن يحصل عليه، حينئذٍ نقول: يُحرِم في سراويل، ويضع شيئًا على عاتقه ولو ثوبًا مقلوبًا، وليس عليه شيءٌ، ويُرخَّصٌ له في لُبْس السراويل في هذه الحال، ويُحرِم بهذه الكيفية؛ يعني يكشف رأسه ويلبس السراويل ويضع شيئًا على عاتقه، وبذلك يصح وينعقد إحرامه إذا تيسر ذلك ولم يلحقه حرج، فإن لحقه حرجٌ؛ فإنه يُحرِم في ثيابه ويكون عليه فديةٌ.

قال:

الثاني: تعمُّد تغطية الرأس من الرَّجُل.

“تعمد تغطية الرأس”، تغطية الرأس: المقصود بذلك: الذَّكَر؛ فقد نهى النبي عن لُبْس العمائم والبرانس [17]؛ فدل ذلك على أن الذَّكَر ممنوعٌ من تغطية رأسه.

حكم تغطية المحرم رأسه

وتغطية الرأس أو سَتر الرأس ينقسم إلى أقسامٍ:

  • القسم الأول: جائزٌ بالإجماع؛ مثل أن يضع على رأسه حِنَّاءً مثلًا، أو أن يُلبِّد رأسه، وهذا لا بأس به؛ لِمَا جاء في “البخاري” وغيره: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي أهلَّ مُلبِّدًا [18]، ومعنى التلبيد: أن يضع على رأسه شيئًا شبيهًا بالصمغ، ومثل التلبيد: الحِنَّاء ونحوها، فهذا جائزٌ بالإجماع.
  • القسم الثاني: أن يغطيه بما لا يُقصَد به التغطية والستر؛ كحمل العفش [19] ونحوه: وهذا لا بأس به؛ لأنه لا يقصد به الستر، ولا يُستر بمثله غالبًا.
  • الثالث: أن يغطي رأسه بما لا يُعَدُّ لبسًا، لكنه ملاصقٌ يقصد به التغطية: فهذا لا يجوز، وهو المثال الذي أشار إليه المصنف بقوله:
ولو بِطِينٍ.

فإن هذا لا يجوز؛ لعموم قول النبي : ولا تخمِّروا رأسه [20].

  • الرابع: أن يستر رأسه بما يُلبَس عادةً على الرأس؛ كالطاقية والعمامة ونحو ذلك، وهذا لا يجوز بالإجماع.
  • القسم الخامس: أن يُظلِّل رأسه بتابعٍ؛ كالشمسية مثلًا، أو بمنفصلٍ؛ كالخيمة أو المَحْمَل، وهذا اختلف فيه العلماء؛ والمؤلف يقول:

أو استظلالٍ بمَحْمَلٍ.

أي: فلا يجوز، هذا هو المذهب عند الحنابلة.

والقول الراجح: أنه جائز؛ وذلك لأن النبي استظل بالقبة التي ضربت له بنَمِرة [21]، وأيضًا عندما كان يرمي جمرة العقبة ظُلِّل بثوبٍ يَقِيه من حرِّ الشمس [22]؛ وهذا يدل على أن مثل ذلك جائزٌ.

وعليه فالقول الراجح: يجوز الاستظلال بالشمسية والثوب غير الملاصق والمحمل والسيارة والخيمة، ونحو ذلك، كل هذا القول الراجح: أنه يجوز؛ فيكون إذنْ سَتَر الرأس على هذه الأقسام الخمسة.

نعيدها مرةً ثانيةً:

  • جائزٌ بالإجماع؛ مثل الحِنَّاء والتلبيد ونحوهما.
  • الثاني: أن يُغطِّي ما لا يُقصَد به التغطية والستر؛ كحمل العفش ونحوه: فلا بأس به.
  • الثالث: أن يغطيه بما لا يعد لُبْسًا، لكنه ملاصقٌ، ويقصد به التغطية؛ كطينٍ ونحوه: فلا يجوز.
  • الرابع: أن يستره بما يُلبَس عادةً؛ كالطاقية والعمامة ونحو ذلك: فهذا لا يجوز بالإجماع.
  • الخامس: أن يظلله بتابعٍ؛ كالشمسية، أو بمنفصلٍ؛ كالخيمة أو المَحمَل؛ فهذا محل خلافٍ، والمؤلف يرى المنع، والصواب: الجواز.

هذا فيما يتعلق بتغطية الرأس.

حكم تغطية المحرمة وجهها

قال:

وتغطية الوجه من الأنثى، لكن تَسدِل على وجهها للحاجة.

فالمؤلف يرى أن المرأة لا يجوز لها أن تغطي وجهها وهي محرمةٌ، ولكن عند مرور الرجال الأجانب تسدل الغطاء على وجهها للحاجة، فتكون تغطية الوجه بالنسبة للمرأة من محظورات الإحرام.

والقول الثاني في المسألة: أن تغطية الوجه ليست من محظورات الإحرام، وأن المرأة إنما هي ممنوعةٌ من النقاب والبرقع ونحوهما فقط مما هو مُفصَّل على الوجه، وأما الغطاء الذي ليس مفصلًا على الوجه: فليست ممنوعةً منه، وهذا هو القول الراجح في المسألة، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وهو الذي عليه الفتوى.

ثمرة الخلاف في المسألة: إذا كانت المرأة ليست أمام رجالٍ أجانب، فهل لها أن تغطي وجهها؟

على القول الأول: ليس لها ذلك، وعلى القول الثاني: لها ذلك، ثمرة الخلاف تظهر في هذا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “سوَّى النبي بين وجهها ويديها، وكلاهما كبدن الرجل لا كرأسه”.

يعني: هل وجه المرأة كرأس الرجل، أو كبدن الرجل؟ فيقول شيخ الإسلام: إنه “كبدن الرجل لا كرأسه، وأزواجه كن يَسدِلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة، ولم يَنقل أحدٌ من أهل العلم أن النبي قال: إحرام المرأة في وجهها، وإنما هذا من قول بعض السلف، لكن النبي نهى أن تنتقب وأن تلبس القفازين [23]، كما نَهى المُحرِم عن أن يلبس القميص والخف..” [24]، قال: “والبرقع أقوى؛ فلهذا نُهِيَ عنه باتفاقٍ”.

إذنْ عبارة: “إحرام المرأة في وجهها”، ليس حديثًا، فلا يصح، يتناقله بعض العامة لكنه لا يصح، ومعناه غير صحيحٍ أيضًا.

إذنْ وجه المرأة كبدن الرجل، وبدن الرجل هل هو ممنوعٌ تغطيته؟ لا، إنما الممنوع أن يُغطَّى بمُفصَّلٍ، الذي سمَّيناه “المَخِيط”، هكذا أيضًا وجه المرأة ممنوعٌ أن يُغطَّى بمُفصَّلٍ، الذي هو البرقع والنقاب.

فهذا هو تحرير القول في هذه المسألة؛ وبناءً على ذلك: يكون الصواب هو خلاف ما ذهب إليه المصنف رحمه الله تعالى.

طيب، أحيانًا نأخذ بعض المسائل التي يكون فيها استطرادٌ، لكن -إن شاء الله- يكون فيها فائدةٌ.

حكم لبس النقاب

لُبْس النقاب في غير الإحرام: هل يجوز أو لا؟ لبس النقاب، مثلًا: امرأةٌ خرجت من بيتها للسوق أو لحاجةٍ، وتمر برجالٍ أجانب، هل يجوز لها أن تنتقب، أو يجب عليها أن تغطي وجهها؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، يعني لا يجوز لبس النقاب؟

المقصود أولًا..، ما المقصود بالنقاب؟ النقابُ يختلف معناه من بلدٍ إلى بلدٍ، والمقصود بالنقاب إذا أُطلق يعني: أن تغطي المرأةُ وجهها فقط، تنظر بعينٍ واحدةٍ أو بعينين، وواقع الحال عندنا في المملكة أن الفتحة تكون للعينين.

مداخلة:

الشيخ: السؤال: حكم لبس النقاب لغير المُحرمة؟

مداخلة:

الشيخ: لا أحد يقول: واجبٌ، لا، وجوب تغطية الوجه هذه مسألةٌ أخرى، لكن هل يجوز للمرأة أن تكشف عينيها، الذي نسميه “النقاب”، أو لا يجوز؟ هذا محل البحث.

مداخلة:

الشيخ: نعم، الأصل أنه يجوز للمرأة أن تنتقب؛ يعني تكشف عن عينيها في غير الإحرام؛ لأن النبي قال: لا تنتقب المحرمة [25]؛ وهذا يدل على أن غير المحرمة يجوز لها أن تنتقب، ولكن بعض العلماء المعاصرين ذهبوا إلى المنع من النقاب؛ قالوا: لما يُسبِّبه من الفتنة؛ لأن بعض النساء إذا انتقبن تحصل الفتنة بهن أشد مما لو كشفن وجوههن، ومن أبرز من قال بهذا: الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله، وله في هذا رسالةٌ مشهورةٌ، ولكن هذا القول تناقله الناس في وقتٍ مضى، ولكنه محل نظرٍ، لماذا؟ لأن إساءة مَن أساء من النساء في استخدام النقاب لا يقتضي تعميم القول بالمنع والتحريم؛ فإن كثيرًا من الأمور المباحة يُسيء بعض الناس استخدامها، فهل إذا أساء الناس استخدام أمرٍ من الأمور؛ يكون محرمًا، ونحرمه على الجميع؟ لا، إنما نحرمه في حق من أساء.

ولذلك نقول: يجوز للمرأة أن تلبس النقاب، لكن لا يجوز لها أن تكون فتحة النقاب أكثر من العينين، ولا يجوز أيضًا أن تكتحل، فإذا كان ذلك بهذه الضوابط، بأن تكون الفتحة بقدر العينين، ومن غير أن تكتحل؛ فلا بأس بذلك، ولا نستطيع أن نحرم شيئًا أباحته الشريعة، خاصةً أن بعض النساء قد يكون بصرها ضعيفًا وتحتاج إلى ذلك.

وأذكر أن شيخنا عبدالله ابن قعودٍ رحمه الله يقول: إنه تَكلَّم مع سماحة شيخنا عبدالعزيز ابن بازٍ رحمه الله حول هذه المسألة، وقال الشيخ ابن بازٍ: إنه كتب إلى الشيخ ابن عثيمين أن يتراجع عن رأيه في هذه المسألة، ولكنه لم يتراجع، إلا أنني سمعت شريطًا سُجل في آخر حياته ذكر الرأيين وتوقف ولم يرجح، فربما أنه توقف في هذه المسألة.

وعلى كل حالٍ: فالأظهر أن نقول: إن النقاب جائزٌ، لكن ننكر على من أساءت لُبْسه من النساء، لا أن نحرِّمه على جميع نساء الأمة.

مداخلة:

الشيخ: هو بقدر العينين، أو بقدر الحاجة، هذا هو المقصود، فما يخرج مثلًا من الجفن يُتسامح فيه، بشرط ألا تكتحل المرأة؛ لأن بعض النساء أيضًا تُكحِّل عينيها وربما تحصل الفتنة بذلك.

مداخلة:

الشيخ: يعني هو بهذا القدر، المقصود فيه فتحةٌ تنظر عن طريقها المرأة، وبعضهم يقول: إنها فتحةٌ واحدةٌ، والجمهور على أنهما فتحتان، والأمر في هذا فيه سعةٌ، لكن المهم ألا تحصل الفتنة بسبب هذا النقاب.

طيب، نعود لدرسنا، نقول: إذنْ المرأة المُحرِمة ممنوعةٌ من لُبْس النقاب والبرقع والقفازين.

القفازان: هما ما يسمى بـ(الشراب، شراب اليدين)؛ لأنها مُفصَّلةٌ على هيئة العضو.

طيب، شراب الرجلين، أو ما يسمى: (جوارب الرِّجْلين)، هل المرأة المُحرِمة ممنوعةٌ منها؟

نحن قلنا: شراب اليدين -جوارب اليدين- ممنوعةٌ منها، التي تسمى: القفازين.

طيب (جوارب الرجلين)، هل نقول: إنها مثل (جوارب اليدين) تُمنَع المرأة منها؟ نعم؟ من يجيب؟

جائزةٌ، بل نقول مستحبةٌ بالنسبة للمرأة؛ لأنها أكمل في الستر، فيستحب للمرأة المحرمة وغير المحرمة: أن تلبس عند خروجها -خاصةً أمام الرجال الأجانب- أن تلبس جوارب الرِّجْلين.

وبعض العامة تشتبه عليهم هذه المسألة، فيظن أن المرأة المُحرِمة ممنوعةٌ من جوارب اليدين والرجلين؛ هذا غير صحيحٍ، إنما هي فقط ممنوعةٌ من لبس جوارب اليدين التي تسمى القفازين فقط.

مداخلة:

الشيخ: السؤال يقول: هناك جوارب مفصلةٌ على أصابع الرجلين، هل تأخذ حكم جوارب اليدين في هذا أو لا؟

جوارب اليدين ورد فيها النص: لا تلبس القفازين [26]، لكن لو فُصلت جوارب الرِّجلين على هيئة أصابع اليدين، هذا سؤالٌ وجيهٌ، فهل نقول: إنها تقاس على القفازين؛ باعتبار التفصيل؟ أو نقول: إن هذا العضو ليس بمحلٍّ للمنع، ولم يرد فيه نصٌّ؟

هذا هو الأقرب والله أعلم: أن هذا العضو ليست المرأةُ ممنوعةً من ستره، لا بمُفَصَّلٍ ولا بغير مفصلٍ، فالأقرب: هو الجواز مطلقًا.

طيب. ثم بعد ذلك قال المصنف رحمه الله:

الثالث:

يعني: من محظورات الإحرام.

قَصْد شم الطيب، ومس ما يَعلَق.

يعني: الطيب، سواءٌ كان بقصد شمه أو بلمسه، وسواءٌ كان في الثوب أو في البدن أو في غيرهما؛ لقول النبي لما سئل عما يَلبس المُحرِم: ولا تلبسوا شيئًا من الثياب مسه الزعفران ولا الوَرْس [27]، متفقٌ عليه، والورس: نبتٌ أصفر طيب الريح، ومثل ذلك أيضًا الزعفران؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الذي وَقَصَته دابته: لا تحنطوه [28]، والحَنُوط: نوعٌ من الطيب.

قال: فهو ممنوعٌ من “قصد شم الطيب، ومس ما يَعلَق”، يعني: مس الطيب، وهكذا أيضًا قال:

واستعماله في أكلٍ أو شربٍ؛ بحيث يَظهر طعمه أو ريحه.

ومن ذلك: الزعفران؛ لا يجوز للمحرم أن يشربه مع القهوة أو الشاي أو غيرهما؛ وذلك لأنه طِيبٌ، وقد سماه النبي طِيبًا، قال: ولا يلبس شيئًا من الثياب مسه الزعفران ولا الورس [29].

لكن المؤلف قيَّد هذا بأن يظهر طعمه أو ريحه، فإذا كان لا يظهر طعمه ولا ريحه؛ فإنه ليس ممنوعًا منه، يعني لو كان بنسبةٍ يسيرةٍ جدًّا من الزعفران، ليس لها أثرٌ لا في الطعم ولا في الرائحة؛ فيعفى عنها، أما إذا كان له أثرٌ في الطعم والرائحة -وهذا هو الغالب- فإن المُحرِم يكون ممنوعًا منه.

ومن الفقهاء من يرخص في هذا ويقول: إن الزعفران الممنوع: هو ما كان ملموسًا، أو ما كان في اللباس، أما ما كان في شربٍ أو في أكلٍ؛ فليس ممنوعًا منه، ولكن هذا قولٌ مرجوحٌ.

والصواب: أن الزعفران إذا كان في مأكولٍ أو مشروبٍ؛ فإنه ليس للمحرم تناوله؛ لظاهر النص.

وأما قصد شم الطيب؛ فلأن النبي منع المُحرِم من التطيب، فقَصْد شمه يأخذ هذا المعنى؛ لأنه إذا كان الإنسان ممنوعًا من لمس الطيب ومن شربه أو أكله؛ فكذلك أيضًا مِن قصْد شم رائحته؛ فإنه يحصل بذلك الترفه، أما إذا شم الطيب من غير قصدٍ؛ فلا حرج عليه.

حكم استعمال الصابون للمحرم

هناك بعض أنواع الصابون مُعطَّرةٌ، أو يُشَم منها رائحة العطر، فهل للمحرم أن يتنظف بها؟

الواقع أن الصابون أنواع: فمنه ما فيه طِيبٌ، وإذا شممت يديك بعد التنظف به؛ تشم رائحةً طيبةً تشبه رائحة العطر، وهذا الظاهر: أن المحرم ممنوعٌ منه.

ومن ذلك: ما يسمى بـ”الصابون المُمَسَّك”، وبعض أنواع الصابون الممسَّك يُكتب عليها: معطرٌ، بعضها، وبعضها لا يُكتَب عليه، وهذا الظاهر: أن المُحرِم ممنوع منه.

وقول بعض الناس: إنك لو عصرته؛ لم يخرج منه طِيبٌ؛ ليس بمسلَّمٍ؛ لأن النبي نهى المُحرِم عن أن يلبس شيئًا من الثياب مسه الزعفران [30]، وهذا الزعفران لو عصرته؛ ما حصل لك زعفرانٌ أيضًا؛ فالمقصود: أن رائحة الطيب موجودةٌ فيه؛ ولذلك إذا تنظف الإنسان بهذا الصابون؛ عَلِقت رائحة العطر في يديه.

وهناك أنواعٌ من (الصوابين) ليست معطرةً؛ فلا حرج في استخدامها، أو أن ما فيها مجرد نكهةٍ وليس عطرًا، وإنما نكهةٌ، ومن ذلك: الصابون المسمى (صابون تايد)، فهذا ليس معطرًا، أما ما يوجد فيه مِن رائحةٍ فمجرد نكهةٍ طيبةٍ، وليست نكهةً عطريةً -فيما يظهر- والله أعلم.

ولهذا نقول للمُحرِم: إذا أراد أن يستخدم الصابون؛ يستخدم الصابون غير المعطر، والناس يعرفون الصابون المعطر من غير المعطر بخبرتهم؛ ولذلك فبعض حملات الحج تختار (الصوابين) غير المعطرة، وهي تُعرَف عند المحلات التجارية بأنها (صوابين) غير معطرةٍ، فيشترونها لحملات الحج والعمرة؛ فينبغي للمُحرِم التنبه لهذه المسألة.

مداخلة: هل يجب على المُحرِم أن يترك المكان الذي فيه رائحة الطيب؟

الشيخ: لا، ما يلزمه؛ لأنه لم يقصد شمه.

أيضًا ما يسمى بـ(الشامبو)، فيه أنواعٌ معطرةٌ، وأنواعٌ غير معطرةٍ، بل إن بعض أنواع (الشامبو) إذا اغتسل وتنظف بها الإنسان وقابله شخصٌ؛ لا يدري أنه قد تنظف بهذا النوع من (الشامبو)؛ يظن أنه متطيبٌ، وذَكَر أحد الإخوة: أن أحد الناس دخل مجلسًا فسألوه عن نوع العطر؛ لأنه أعجبهم، فقال: إنه مجرد أن استخدم (شامبو)، فأردت أن أَذكُر هذا؛ لأثبت: أن بعض أنواع (الشامبو) تفوق العطر الصريح؛ ولذلك لا يصح القول بأن (الشامبو) غير معطرٍ، بل هناك من أنواع (الشامبو) ما هو معطرٌ، وهناك من أنواع (الشامبو) ما ليس بمعطرٍ.

هذا الحكم أيضًا ينصرف حتى للمرأة الحادَّة أو المُحِدَّة، فتجتنب أنواع (الصوابين) المعطرة و(الشامبو) المعطر.

طيب، والمناديل، هل فيها مُعطَّرٌ وغير معطرٍ؟ نعم، فيها مناديل معطرةٌ، وهذه يجتنبها المُحرِم، ومناديل غير معطرةٍ، فلا بأس باستخدامها، وبعض أنواع المناديل يُكتَب عليها: معطرةٌ، وتُعرَف بمجرد استخدامها، تعرف بأنها معطرةٌ؛ ولهذا يجتنب المحرم المناديل المعطرة.

والحاصل: أن كل ما كان معطَّرًا؛ يجتنبه المحرم.

مداخلة:

الشيخ: الرائحة إما أن تكون عطريةً، وإما أن تكون مجرد نكهةٍ؛ فإذا كانت رائحةً عطريةً؛ فهي ممنوعٌ منها المحرم، أما إذا كانت مجرد نكهةٍ؛ فليس ممنوعًا منها.

طيب، ما الضابط فيما هو معطرٌ وما هو غير معطرٍ؟ ما هو الضابط في هذا؟ نريد أن نضع ضابطًا.

العرف، نرجع للعرف ولأهل الخبرة، هل هذا معطرٌ في عرف الناس أو ليس معطرًا.

قال المصنف رحمه الله:

فمن لبس أو تطيب.

المؤلف كلامه هنا في محظورات الإحرام، فرَّق الكلام ولم يرتب العبارة، وإن كان المؤلف من عادته أنه مرتَّبٌ ومنظمٌ، لكن هنا أدخل بعض العبارات، وإن كان ينبغي أن يُؤجِّل هذا الكلام إلى كلامه عن الفدية، وعما يترتب على ارتكاب محظورات الإحرام، لكن هنا قال: “من لبس أو تطيب”.

أو غطى رأسه ناسيًا أو جاهلًا أو مكرهًا؛ فلا شيء عليه، ومتى زال عذره؛ أزاله في الحال، وإلا فَدَى.

من ارتكب شيئًا من محظورات الإحرام السابقة “ناسيًا أو جاهلًا”، يقول المؤلف: “أو مكرهًا”؛ يقول: “فلا شيء عليه”.

ويمكن أن نُقسِّم فاعل المحظورات السابقة ونضيف لها أيضًا: إزالة الشعر؛ لأن المصنف لو ذكر هذه العبارة بعد إزالة الشعر؛ لكان أولى، لكن ربما أنه جرى على ما عليه المذهب عند الحنابلة؛ ولذلك نُؤجِّل التقسيم إلى ما بعد إزالة الشعر، فنعود لهذه العبارة بعدما نذكر الرابع.

قال:

الرابع: إزالة الشعر من البدن -ولو من الأنف- وتقليم الأظفار.

إزالة الشعرِ، المحرم ممنوعٌ من إزالة الشعر؛ لقول الله : وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، فلا يجوز له أن يُزيل الشعر من بدنه بلا عذرٍ؛ ولأنه بإزالة الشعر يحصل الترفه، وكذلك أيضًا هو ممنوعٌ من تقليم الأظفار من يدٍ أو رجلٍ، وقد حُكي الإجماع على ذلك؛ حكاه الموفق بن قدامة وبعض أهل العلم، وبعض الفقهاء يجعل هذين محظورين، وبعضهم -كالمؤلف- يجعله محظورًا واحدًا، فصاحب “الزاد” اعتبر إزالة الشعر محظورًا، وتقليم الأظفار محظورًا آخر، ولا مشاحة في الاصطلاح كما ذكرنا.

إذنْ المحرم ممنوعٌ من إزالة الشعر بنص الآية، وممنوعٌ من تقليم الأظفار بالقياس على إزالة الشعر، وكذلك بالإجماع.

حكم من فعل شيئًا من محظورات الإحرام

من فعل شيئًا من هذه المحظورات السابقة، اختلف العلماء في ذلك:

بالنسبة لإزالة الشعر: فعند الحنابلة: أن إزالة الشعر يستوي عمده وجهله؛ لأن فيه إتلافًا، ومثل ذلك تقليم الأظفار.

والصحيح: أن إزالة الشعر، وما سبق ذكره من المحظورات؛ من مس الطيب، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، أن لها ثلاث حالاتٍ:

  • الحال الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذرٍ ولا حاجةٍ: فهذا آثمٌ وعليه الفدية، وسيأتي بيانها.
  • الحال الثانية: أن يفعل المحظور لحاجةٍ؛ كأن يحتاج لحلق رأسه لمرضٍ، أو لتغطية رأسه لبردٍ مثلًا: فلا إثم عليه، لكن عليه الفدية؛ لقصة كعب بن عجرة حين حُمل للنبي والقمل يتناثر من رأسه، فقال: ما كنت أظن أن الجهد قد بلغ بك إلى ما أرى [31]، ثم رخص له النبي حَلْقَ رأسه، وأمره بالفدية. وسيأتي الكلام عنها.
  • الحال الثالثة: أن يفعل المحظور وهو معذورٌ؛ إما جاهلًا أو ناسيًا أو مكرهًا: فلا إثم عليه ولا فدية، حتى في إزالة الشعر وتقليم الأظفار في أرجح قولي الفقهاء؛ لعموم قول الله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، وقد جاء في “صحيح مسلمٍ”: أن الله قال: قد فعلت [32]؛ ولقول الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5].

وهل يقاس على ذلك: قتل الصيد، والوطء؟

أما الجمهور فيمنعون من ذلك، ويقولون: إن قتل الصيد -وكذلك الوطء- يستوي عمده وجهله، يستوي فيه العمد والنسيان والجهل.

والقول الثاني في المسألة: أن قتل الصيد إنما يجب فيه الجزاء والإثم؛ إذا كان عن عمدٍ، أما إذا لم يكن عن عمدٍ، كما لو كان عن جهل أو كان عن نسيان؛ فليس فيه شيءٌ، ويكون كسائر المحظورات.

فالقول الأول هو قول الجمهور، والقول الثاني قال به بعض أهل العلم.

والقول الثاني هو القول الراجح: أن قتل الصيد كغيره من محظورات الإحرام؛ وذلك لقول الله في شأن الصيد: وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]، فقيَّد وجوب الجزاء بكون القاتل متعمدًا؛ فدل ذلك على أن من لم يكن متعمدًا؛ فلا جزاء عليه ولا إثم، وهذه المسألة من غرائب المسائل؛ المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، يرون أن قتل الصيد يستوي فيه العمد والنسيان، والعلم والجهل، يقولون: من قَتل صيدًا؛ فعليه الجزاء مطلقًا، مع أن في الآية قيَّد الله جزاء الصيد بالعمد: وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا، ولا قول لأحدٍ مع قول الله ، فكيف خفي هذا على جماهير العلماء؟! وهذا دليلٌ على أنه ليس دائمًا قول الجمهور هو الصواب، وليس ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة هو الصواب، فقد يكون الحق في غير ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة، قد يكون الحق في غير ما ذهب إليه الجمهور، المهم ألا تكون المسألة محل إجماعٍ.

فهنا في هذه المسألة: جماهير العلماء والمذاهب الأربعة يرون: أن قتل الصيد يستوي فيه العمد والنسيان، وكذلك العلم والجهل، ولكن القول الصحيح: أنه إنما يجب جزاء الصيد على من قتله متعمدًا بنص الآية، ولا قول لأحدٍ بعد قول الله .

وهكذا أيضًا بالنسبة للوطء في الفرج، فإنه كسائر المحظورات، لو حصل الوطء عن نسيانٍ أو عن جهلٍ؛ فهو كسائر محظورات الإحرام، لا يترتب عليه شيءٌ؛ إذ إنه لا فرق بين حلق الشعر، وبين مس الطيب، وبين تغطية الرأس، وبين الوطء، كلها محظورات إحرامٍ، والأدلة قد أتت عامةً: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ، هذا يعم المحظورات كلها.

فإذنْ التحقيق في هذه المسألة: أن جميع محظورات الإحرام إذا وقعت عن جهلٍ أو عن نسيانٍ أو عن إكراهٍ؛ فإنه لا شيء على مَن وقع فيها، وأما تفصيل من فصَّل من الفقهاء في ذلك، فأخرجوا إزالة الشعر، وأخرجوا تقليم الأظفار، وأخرجوا قتل الصيد، وأخرجوا الوطء؛ فليس على هذا دليلٌ؛ لأن الأدلة التي استدلوا بها على رفع الحرج عن المخطئ وعن الناسي وعن الجاهل تعم محظورات الإحرام كلها، فما الذي يُخرج هذه من عموم الأدلة؟!

فإذنْ الصواب: أن محظورات الإحرام بابها واحدٌ.

طيب، ثم قال المؤلف رحمه الله:

الخامس: قتل صيد البر الوحشي المأكول، والدلالة عليه، والإعانة على قتله.

أولًا: ما المراد بالصيد: هو الحيوان الحلال البري المتوحش بأصل الخلقة، وبعضهم يعبر بـ: الحيوان المأكول البري المتوحش بأصل الخلقة، فما كان حرامًا لا يحل أكله؛ فليس صيدًا، وكذلك أيضًا الحيوانات البحرية، ليست من الصيد، وكذلك أيضًا ما لم يكن متوحشًا بأصل الخلقة فليس من الصيد؛ كبهيمة الأنعام، مثلًا: الإبل والبقر والغنم، هذه ليست من الصيد؛ لأنها ليست متوحشةً.

إذنْ، هذا هو الضابط في الصيد؛ ولهذا قال المؤلف: “قَتْل صيد البر الوحشي المأكول”، وسيأتي ذكر أمثلةٍ لهذا الصيد، المؤلف عقد فصلًا في ذكر أمثلةٍ له.

قال: “والدِّلالةُ عليه” كذلك، فإنه يَحرم الدلالة على الصيد، والإعانة على قتله؛ لقول الله : لَا تَقْتُلوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95]، وقوله: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة:96].

أما الدلالة عليه، والإعانة على قتله؛ فقد جاء في السُّنة قول النبي : هل أحدٌ أشار منكم إليه، أو دلَّ عليه، أو أعان عليه بشيءٍ؟، قالوا: لا [33]؛ فدل ذلك على تحريم الإعانة على قتل الصيد، أو الإشارة إليه، أو الدلالة عليه.

قال:

وإفساد بيضه.

لا يجوز التعرض له مطلقًا، حتى بمجرد إفساد البيض.

وقتل الجراد.

والجراد معدودٌ من الصيد، لكن من الصيد الذي ليس له مِثلٌ، وسيأتي -إن شاء الله- الكلام عنه.

والقمل.

يعني: أنه لا يجوز قتل القمل، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين مشهورين:

  • القول الأول: أنه يَحرم قتل القمل، ولا جزاء فيه، وإليه ذهب جمهور العلماء؛ وذلك لأنه لو أُبيح؛ لم يتركه كعب بن عُجْرة ، ولو كان قتل القمل جائزًا؛ لقتله كعب بن عجرة ولم يَحتجْ إلى حلق رأسه، ولما في القول بالجواز من الترفه وقضاء التَّفَث.
  • القول الثاني في المسألة: أنه يجوز قتل القمل، وإليه ذهب ابن حزمٍ، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد؛ لِمَا ورد أن رجلًا قال لابن عمر رضي الله عنهما: قتلتُ قملةً وأنا محرمٌ؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: “هي أهون مقتولٍ” [34]، رواه البيهقي بإسنادٍ صحيحٍ، وقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما لمن ألقى قملةً ثم طلبها: “تلك ضالة لا تُبتغى” [35]، رواه البيهقي؛ ولأن القمل من أكثر الهوام أذًى فأبيح قتله كسائر ما يؤذي.

والأقرب -والله أعلم- هو القول الثاني: وهو أنه يجوز قتل القمل؛ وذلك لأنه مؤذٍ بطبعه، وهو كسائر الفواسق التي أمر النبي بقتلها في الحِلِّ والحرم، وأما حديث كعب بن عجرة ؛ فإن كعبًا لم يكن ممنوعًا مِن قتل القمل، لكنه لكثرته في رأسه لم يكن له سبيلٌ إلى التخلص منه إلا بحلق شعر رأسه.

وأما القول بأن في قتل القمل ترفُّهًا؛ فغير مُسلَّم؛ إذ إن فيه تخلُّصًا من الأذى، وما كان مؤذيًا بطبعه؛ أبيح للمحرم قتله؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: خمسٌ فواسق يُقتلن في الحِلِّ والحرم [36].

إذنْ القول الراجح في المسألة: أنه يباح قتل القمل، ولا جزاء فيه عند الجميع، لكن الكلام هل يحرم أو يحل؟ الصواب: أنه يباح قتل القمل.

قال:

وقتل الجراد والقمل، لا البراغيث.

يعني البراغيث يجوز قتلها.

قال:

بل يُسن قتل كل مؤذٍ مطلقًا.

لقول النبي : خمسٌ فواسق يُقتلن في الحل والحرم [37].

السادس: عقد النكاح، ولا يصح.

عقد النكاح يحرم على المُحرِم؛ لقول النبي : لا يَنكح المُحرِم، ولا يُنكِح، ولا يخطب [38]، أخرجه مسلمٌ من حديث عثمان .

فلا يجوز للمُحرِم أن يتزوَّج أو يُزوِّج مُحرِمًا، أو يكون وليًّا في النكاح، ولا يصح النكاح لو عَقَده؛ وعلى ذلك: لو أن رجلًا أو امرأةً لم يُتِم حجه، مثلًا: ترك طواف الإفاضة لأي سببٍ من الأسباب، ثم بعد ذلك تزوج؛ فإنه لا يصح عقد النكاح.

وأذكر مرةً أننا كنا في الحج، فسأل رجلٌ عن حجٍّ قبل اثني عشر عامًا، فأفتاه أحد المشايخ بأنه لم يتم حجه بعد، وذكر السائل أنه قد تزوج بعد ذلك، فأُمر بتجديد عقده، أُمر بتجديد العقد، وأمره أيضًا بأن يدفع مهرًا ولو مبلغًا يسيرًا.

فهذه المسألة يترتب عليها صحة عقد النكاح، من المسائل الكبيرة، ومن المسائل المهمة.

إذنْ لا يصح عقد المُحرِم: لا يَنكِح المحرم، ولا يُنكِح، ولا فدية فيه، وسيأتي الكلام عن الفدية فيما بعد.

السابع والأخير:

السابع: الوطء في الفرج ودواعيه.

الوطء إذا كان قبل التحلل الأول، أو بعد التحلل الأول، يترتب عليه أمورٌ سيأتي الكلام عنها في باب الفدية.

والمباشرة دون الفرج.

كذلك محرَّمةٌ على المُحرِم.

والاستمناء.

كذلك، وأما الفدية، فسيأتي الكلام عنها، وما الذي يترتب على فعل هذه الأمور، سيأتي الكلام عنه.

ثم تكلم المؤلف عن الفدية في الثلاثة الأسطر الأخيرة، مع أنه عقد بابًا للفدية، فلو أن المؤلف نقل هذه الثلاثة الأسطر لباب الفدية؛ لكان ذلك أكثر ترتيبًا للعبارة.

طيب، قبل أن ننتقل للكلام عن الفدية، يعني نتوقَّف قليلًا، وأنبئ عن أنه سوف يتم الآن تنفيذ الموقع الجديد في ثوبه الجديد، بعدما اجتهد الإخوة في بنائه ليكون بمظهرٍ أفضل، وكذلك بناءً أكثر فائدةً.

وسوف يكون -إن شاء الله تعالى- هذا الموقع فيه تواصلٌ مع الإخوة، خاصةً مَن يحضر معنا الدرس؛ يعني يكون فيه تواصلٌ أكثر، وعندما يراد التصويت؛ يكون التصويت عن طريق الموقع.

وأيضًا نطمح إلى فكرةٍ لعلها -إن شاء الله تعالى- تُطبَّق قريبًا، وهي أن يتم تفريغ الدرس في الموقع بعد أيامٍ من الدرس -يعني حسبما يستطيع الإخوة- يومٍ، يومين، ثلاثةٍ، أربعة أيامٍ، بحيث لا يأتي الدرس الآخر إلا والمادة مُفرَّغةٌ على الموقع؛ فمثلًا: إذا ألقينا درسًا؛ يجده مَن يحضر الدرس بعد أيامٍ مكتوبًا في الموقع وأيضًا بالصوت، بالصوت وأيضًا مُفرَّغةً كتابةً.

فنريد أيضًا من هذا الموقع بالدرجة الأولى أن يخدم الدرس، وكذلك أيضًا سيكون فيه تنبيهٌ على الأوقات التي يستقبل فيها الأسئلة من بعض الإخوة؛ يعني يشتكي مَن يتصل وأحيانًا لا يجد الرد، فتكون هناك أوقاتٌ يضمن فيها المتصل الردَّ والإجابة على أسئلته، فيوضع له زاويةٌ؛ يعني عنوان الخط الساخن.

وكذلك أيضًا، هناك جوالٌ سوف يُطلَق بعنوان: “الفوائد”، ورَيعه لخدمة الدرس وحلقات التحفيظ؛ يعني في وجوه البر، وليس المقصود منه الاستثمار، بل المقصود منه: خدمة الدرس ووجوه البر، والاشتراك فيه -كما هو معلومٌ في مثل هذه الأنواع من الاشتراكات- (12 ريالًا) على الشهر، وتأتيك كل يومٍ فائدةٌ، إما فائدةٌ فقهيةٌ، أو لغويةٌ، أو تاريخيةٌ، أو غير ذلك، وهذه تُبنى -إن شاء الله تعالى- وتُطلَق قريبًا، وسيأتيكم -إن شاء الله تعالى- عندما تطلق هذه الخدمة رسائل، لعلها في غضون أيامٍ إن شاء الله تعالى.

فمن أراد أن يشترك في هذا؛ يحتسب؛ لأنه ليس المقصود الاستفادة من قيمة الاشتراك، وإنما المقصود منه: سوف يصرف رَيع هذه الخدمة لخدمة الدرس، ونقل الدرس، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم.

وأشكر الإخوة، الفريق القائمين على ذلك، وعلى رأسهم أخونا الشيخ فهد الكثيري، والشيخ إبراهيم الربيع، وكذلك الشيخ علي، وكذلك أيضًا الشيخ محمد حاتمي، والإخوة جميعًا لهم منا الشكر والتقدير، الشيخ علي الرميحي، والشيخ محمد حاتمي، وكذلك بعض الإخوة، قد أكون نسيت بعض الأسماء، فللإخوة جميعًا الشكر والتقدير، ولهم قبل ذلك من الله الأجر والثواب، ومن أراد أن يتبرع أيضًا فالباب مفتوحٌ، وكذلك أيضًا الشيخ محمد، وبقية الإخوة جميعًا لهم الشكر والتقدير.

نستمع الآن للشيخ فهد ليعطينا فكرة عن الموقع:

الكلمة:….

الشيخ: أشكر الإخوة، وعلى وجه الخصوص: الشيخ فهد، والشيخ إبراهيم، وبقية الإخوة فريق العمل، على هذا الجهد الكبير، وكما ذكرت نريد أن نستفيد من هذا الموقع؛ بالدرجة الأولى لخدمة الدرس، وأيضًا هناك في الخطب، هناك أعدادٌ كبيرةٌ من الخطب مفرغةٌ الآن، وسوف تكون -إن شاء الله تعالى- على الموقع، وما يزيد -إن شاء الله تعالى- يكون فيه التنبيه في حينه.

بالنسبة للدرس: اليوم الحادي والعشرون من ذي القعدة، وبقي عندنا الأسبوع القادم، والأسبوع بعد القادم، قد لا يتيسر، فيكون في شهر ذي الحجة ولا يتيسر، لكن نحتاج إلى درسين غير ما تبقَّى الآن من هذا الدرس، فنحتاج إلى يوم الثلاثاء نضيفه ليوم الاثنين القادم -إن شاء الله- حتى ننتهي من كتاب الحج، وكذلك أيضًا باب الأضحية، وهو باب مهم جدًّا، وكذلك العقيقة.

فنحتاج إلى يوم الاثنين والثلاثاء -إن شاء الله- بعد العشاء، ليس غدًا، بل الأسبوع القادم؛ وغدًا عندنا لقاءٌ في “الجمعية الفقهية السعودية”، والدعوة للجميع، بعنوان “التقعيد الفقهي”، لبعض المشائخ، ومن أراد أن يحضر في كلية الشريعة.

الأسبوع القادم -إن شاء الله- الاثنين والثلاثاء يكون هناك درسان في “دليل الطالب”، ننتهي من كتاب الحج ونتوقف فترةَ الحج، ثم نعود ونأخذ درسًا إن شاء الله تعالى.

مداخلة:

الشيخ: نعم، كيف؟ موعد اللقاء، سنلتقي غدًا بعد صلاة العشاء، بعد الصلاة مباشرةً إن شاء الله.

نعم، تقريبًا من ساعةٍ إلى ساعةٍ ونصفٍ.

طيب، نعود بعد ذلك لدرسنا:

بعض الإخوة حقيقةً يطلب الاختصار، لكن الاختصار أرى أنه غير مناسبٍ؛ لأن طالب العلم لا بد من أن يحقق في المسائل، فالتحقيق مهمٌّ، والاختصار تجده في كثير من الكتب؛ ولذلك لا بد من التحقيق، ولا بد من الصبر أيضًا؛ لأن درسنا هذا كان في السابق درسين، كان يومي الأحد والاثنين، فاقترح بعض الإخوة ضم الدرسين إلى درسٍ واحدٍ مع الإطالة نسبيًّا، فجعلناه درسًا واحدًا.

فلذلك يَحتمِل الإخوة التطويل؛ لأجل التحقيق في المسائل؛ لأننا نريد التحقيق في كل مسألةٍ، ونرى أن هذه الطريقة نافعةٌ ومفيدةٌ، أما الاختصار فيعني.. كل الأسئلة اختصارٌ، لكن قد لا يكون مفيدًا بالدرجة المطلوبة، على أن التطويل -إن شاء الله- لا يكون تطويلًا، وإنما يكون بقدر ما يحقق الفائدة إن شاء الله تعالى.

بعدما انتهينا من الكلام عن محظورات الإحرام؛ قلت لكم: إن بعض الفقهاء يجعلها تسعةً، بعض فقهاء الحنابلة يجعلها تسعة، وهنا المؤلف جعلها سبعةً، فمن جعلها تسعةً يَفصِل تقليم الأظفار عن إزالة الشعر، ويفصل المباشرة عن الوطء في الفرج، ولا مشاحة في الاصطلاح.

قال المؤلف رحمه الله:

وفي جميع المحظورات الفدية، إلا قتل القمل، وعقد النكاح.

وسيُبيِّن المؤلف المقصود بالفدية، وقتلُ القمل بيَّنَّا أن القول الراجح: أنه يجوز قتله، لكن عند الجميع أنه ليس فيه فديةٌ.

قال:

وفي البيض والجراد قيمته مكانَه.

وسيأتي الكلام عن هذا عند الكلام عن جزاء الصيد، والجرادُ من الصيد الذي ليس له مِثلٌ.

قال:

وفي الشعرة أو الظفر إطعام مسكينٍ، وفي اثنين إطعام اثنين.

يعني في الشعرة الواحدة إطعام مسكينٍ واحدٍ، وفي تقليم الظفر الواحد إطعام مسكينٍ واحدٍ، وفي الشعرتين مسكينين، وفي الظفرين مسكينين، وفي ثلاث شعراتٍ أو ثلاثة أظافر دمٌ، هذا هو المذهب عند الحنابلة.

وقال بعض أهل العلم: إنه إذا حلق أربع شعراتٍ فعليه دمٌ، وقيل: ربع الرأس، وقيل: إذا حلق ما يحصل به إماطة الأذى؛ فعليه دمٌ، وهذا هو مذهب الإمام مالكٍ رحمه الله، وهذا هو القول الراجح في المسألة؛ وذلك لأن التحديد بابُه التوقيف؛ فمن حدد بثلاث شعراتٍ أو أربعٍ أو ربع الرأس؛ يحتاج إلى دليلٍ، وليس هناك دليلٌ يدل لهذا؛ ولأن الله قال: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، وقال: فَمَن كَانَ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ [البقرة:196]، فجعل الله مناط الحكم بالأذى، فيكون إذنْ مَن حَلَق أو أزال من الشعر ما يحصل به إماطة الأذى؛ فعليه دمٌ؛ ولقصة كعب بن عجرة ، فإنه قد حلق جميع رأسه [39].

وأما إزالة الشعرة أو الشعرتين والثلاث والأربع، فهذه لا يحصل بها إماطة الأذى؛ ولذلك لا يترتب عليها فديةٌ؛ ومما يدل لهذا: ما جاء في “الصحيحين”: أن النبي احتجم وهو محرمٌ في رأسه [40]، والحجامة تستلزم حلق بعض الشعر.

إذنْ القول الراجح: أن حلق الشعر الموجب للفدية: هو ما يحصل به إماطة الأذى، فيكون الصواب إذنْ هو خلاف ما ذهب إليه المؤلف، فهذا التفصيل الذي ذكره ليس عليه دليلٌ، بل نجعل الضابط في ذلك ما يحصل به إماطة الأذى.

حكم من اضطر لفعل محظور

قال:

والضرورات تُبيح للمحرم المحظورات، ويَفدي.

يعني: إذا اضطر أو احتاج لفعل محظورٍ من محظورات الإحرام؛ جاز له ذلك مع وجوب الفدية؛ كأن يحتاج إلى حلق رأسه؛ كما حصل لكعب بن عجرة ، فيجوز له ذلك ويَفدي، وكذلك أيضًا حصل في بعض السنوات أنه في المزدلفة أتى بردٌ شديدٌ واحتاج بعض الناس إلى تغطية رأسه، فهنا نقول: لا حرج عليه، لكن عليه الفدية.

فإذنْ إذا احتاج الإنسان إلى فعل محظورٍ من محظورات الإحرام؛ جاز له ذلك، وعليه الفدية.

مداخلة:

الشيخ: كذلك أيضًا، نعم، إذا لم يجد ملابس إحرامٍ، نحن قلنا: يلبس سراويل، ويضع الثوب مقلوبًا عليه، لكن بعض الناس يخجل ولا يستطيع أن يفعل هذا أمام الناس في الطائرة، لا يستطيع أن يبقى أمام الناس بالسراويل ويضع عليه ثوبًا مقلوبًا، فهنا نقول: يُحرِم في ثيابه لكن لا يغطي رأسه، ويَفدي، يكون عليه فديةٌ إذا كان يلحقه الحرج، أما إذا كان لا يلحقه الحرج؛ فإنه يكون بسراويله ويضع شيئًا على بدنه، وليس عليه شيءٌ.

باب الفدية

قال المؤلف رحمه الله:

باب الفدية

وهي ما يجب بسبب الإحرام أو الحرم، وهي قسمان:

“ما يجب بسبب الإحرام والحرم”: “ما يجب بسبب الإحرام”، هذا ظاهرٌ، “أو الحرم”؛ فهناك فديةٌ بسبب الحرم، سيتكلم المؤلف عنها، وهي متعلقةٌ بالصيد في الحرم؛ قال: “وهي قسمان”:

قسمٌ على التخيير، وقسمٌ على الترتيب.

فقسمُ التخيير: كفدية اللُّبْس، والطيب، وتغطية الرأس، وإزالة أكثر من شعرتين أو ظفرين، والإمناء بنظرةٍ، والمباشرة بغير إنزال منيٍّ.

هذه الأمور كلها فِديتها على الترتيب؛ يعني المحظورات السابقة، ما عدا قتل الصيد، وكذلك الوطء وعقد النكاح، فما الواجب فيها؟ قال:

يُخيَّر بين:

الفدية المذكورة في قصة كعبٍ .

ذبح شاةٍ، أو صيام ثلاثة أيامٍ، أو إطعام ستة مساكين.

هذه الفدية منصوصٌ عليها في قول الله : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196].

والصيام جاء تفسيره في حديث كعب بن عجرة بأنه صيام ثلاثة أيامٍ، والصدقة جاء تفسيرها بأنها إطعام ستة مساكين، والنُّسُك ذبح شاةٍ، فهو مخيَّرٌ بين هذه الأمور الثلاثة.

قال في إطعام ستة مساكين:

لكل مسكينٍ مُد بُرٍّ، أو نصف صاعٍ من غيره.

وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

والقول الثاني في المسألة: أن لكل مسكينٍ نصف صاعٍ، وهذا هو القول الراجح؛ لأنه في قصة كعب بن عجرة جاء في “الصحيحين”: أن النبي قال: أو أَطعِم ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاعٍ [41]، فأتى التقدير منصوصًا عليه من كلام النبي .

قال:

ومن التخيير: جزاءُ الصّيد؛ يخير فيه بين المِثْل من النَّعَم، أو تقويم المِثْل بمحل التلف، ويشتري بقيمته طعامًا يُجزئ في الفِطرة، فيُطعِم كل مسكينٍ مُد بُرٍّ، أو نصف صاعٍ من غيره، أو يصوم عن طعام كل مسكينٍ يومًا.

المؤلف هنا تكلم عن جزاء الصيد، ثم تكلم في النصف الثاني عن الصيد الذي له مِثلٌ، فنحتاج إلى أن نُرجئ الكلام عن جزاء الصيد حتى نصل إلى كلام المؤلف عن الصيد الذي له مِثلٌ وتوضيحه.

فنرجئ الكلام إذنْ عن جزاء الصيد حتى نأتي لهذه الفقرة، سنعود للكلام عن جزاء الصيد بعد قليلٍ.

قال:

وقِسم الترتيب: كدم المتعة والقِران.

المقصود: أن المتمتع يجب عليه هديٌ؛ لقول الله : فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وهكذا القارن يجب عليه الهدي، فالقارن كالمتمتع.

من الذي لا يجب عليه الهدي؟ المُفرِد، فالمفرد هو الذي ليس عليه هديٌ.

قال:

وتركِ الواجب.

إذا ترك واجبًا من واجبات الحج؛ مثل الإحرام من الميقات مثلًا؛ فعليه دمٌ.

والإحصارِ.

وسيأتي الكلام عن الإحصار، إذا أُحصر فعليه دمٌ يذبحه، فمن لم يجد؛ فإنه يصوم عشرة أيامٍ.

قوله:

والوطءِ ونحوه.

وسيأتي الكلام عن الوطء وما يترتب عليه.

فيجب على متمتعٍ وقارنٍ وتارك واجبٍ دمٌ.

وإذا قالوا: “دمٌ”، فالمقصود به: شاةٌ يذبحها في الحرم، ويوزعها على فقراء الحرم.

فإن عَدِمه أو ثَمنه؛ صام ثلاثة أيامٍ.

أي: إن لم يجد دمًا؛ لم يجد غنمًا مثلًا في الحرم، أو أنه وجد الدم ولكن لم يستطع الثمن، وهذا هو الغالب في وقتنا الحاضر؛ صام ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةً إذا رجع.

قال:

صام ثلاثة أيامٍ في الحج، والأفضل: كونُ آخرها يوم عرفة.

يعني: السابع والثامن والتاسع.

وقال بعض أهل العلم: إن الأفضل أن يكون آخرها يوم التروية؛ حتى يكون يومَ عرفة مُفطرًا، وهذا هو القول الراجح والله أعلم؛ لأن النبي نهى الحاج عن أن يصوم بعرفة [42]، ولأنه في عرفة مطلوبٌ منه أن يفطر؛ لأجل أن يتقوى على الدعاء.

فالأفضل: أن يكون آخرها يوم التروية، وليس يوم عرفة، هذا هو القول الراجح والله أعلم.

قال:

ويصح أيام التشريق.

أي: يصح أن يكون الصيام ثلاثة أيامٍ أيامَ التشريق، وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ وذلك لما جاء في “صحيح البخاري” عن عائشة وابن عمر قالا: “لم يُرخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْن إلا لمن لم يجد الهدي” [43].

وسبعةً إذا رجع إلى أهله.

يعني: يصوم سبعة أيامٍ إذا رجع إلى أهله، ولا يشترط التتابع؛ فليس هناك دليلٌ على اشتراط التتابع.

قال:

ويجب على محصرٍ دمٌ.

تكلم المؤلف عن الإحصار، مع أن المؤلف عقد بابًا للإحصار، عقد باب “الفوات والإحصار”، وكما ذكرت لكم، المؤلف لم يرتب الحج كترتيبه للأبواب السابقة، فالأبواب السابقة مرتبةٌ، لكن المؤلف هنا لم يرتب الترتيب المطلوب.

لكن نشير إلى كلام المؤلف، وسيأتي الكلام مفصلًا -إن شاء الله- في الدرس القادم.

قال: “يجب على محصرٍ دمٌ”؛ يعني: إذا أُحصِر الإنسان مِن عدوٍّ، أو من غير عدوٍّ -على القول الراجح، وسيأتي كلام العلماء في المسألة- فإنه يجب عليه أن يذبح دمًا في المكان الذي أُحصِر فيه.

فإن لم يجد.

دمًا.

صام عشرة أيامٍ ثم حَلَّ.

فيجب عليه أن ينحر دمًا في المكان الذي أُحصِر فيه؛ لأن النبي وأصحابه لما أُحصِروا في الحديبية؛ نحر النبي البُدْن وتحلل الصحابة [44].

ولكن الصحيح: أنه يجب مع الدم حلق رأسه، والمؤلف لم يذكر حلق الرأس وهو المذهب عند الحنابلة: أنه لا يجب حلق الرأس، ولكن القول الصحيح: أنه يجب مع ذبح الدم على المحصر حلق الرأس؛ وذلك لقول الله : وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، فإن فيه إشارةً إلى أنه لا بد من الحلق، والسنة قد بينت ذلك، فإن النبي أمر الصحابة بحلق رءوسهم في الحديبية، وغضب لما توانى الصحابة في عدم الحلق، ودخل على أم سلمة رضي الله عنها مغضبًا، فقالت: ما الذي أغضبك يا رسول الله؟ قال: ما لي آمر أمرًا فلا يتَّبع؟!، قالت: احلق رأسك؛ فإذا رأوك حلقت رأسك؛ حلقوا رءوسهم، ففعل عليه الصلاة والسلام [45].

وهذا فيه دليلٌ على أن بعض النساء عندهن من الرأي ما هو أجود من رأي كثيرٍ من الرجال، فانظر إلى هذا الرأي السديد الموفق من أم سلمة رضي الله عنها لما أشارت به على النبي عليه الصلاة والسلام، فكان رأيًا سديدًا موفقًا، فحلق النبي رأسه فحلق الصحابة رءوسهم.

هل تَوَانِي الصحابة عن النبي لمَّا أمرهم وقال: احلقوا رءوسكم، ولم يقم منهم أحدٌ، هل هذا عصيانٌ للنبي عليه الصلاة والسلام؟ حاشا وكلا، لماذا توانَى الصحابة ولم يحلقوا رءوسهم؟ لأنهم كانوا كانوا يرجون أن يُنسَخ هذا الأمر؛ لأنهم كانوا متعلقين بالبيت، متلهفين مشتاقين، فكانوا يرجون أن ينسخ هذا الأمر، لكن أم سلمة رضي الله عنها فهمت هذا المعنى، فقالت: احلق رأسك؛ إذا رأوك حلقت؛ فإنهم ييئسون من أن يُنسَخ هذا الأمر، وامتثلوا أمرك بحلق الرأس.

إذنْ القول الراجح: أنه يجب مع الصيام حلق الرأس.

ثم ذَكَر المؤلف ما الذي يجب بالوطء حالَ الإحرام، والوطءُ حال الإحرام هو أشد محظورات الإحرام، كما أنه بالنسبة للصيام كذلك أيضًا أشد المحظورات، ففي الصيام في شهر رمضان: من جامع أهله في رمضان؛ يجب عليه كفارةٌ مغلظةٌ وهي عتق رقبةٍ، فإن لم يجد؛ فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع؛ فإطعام ستين مسكينًا، كذلك أيضًا في الحج هو أشد المحظورات.

ما يترتب على الوطء قبل التحلل الأول

قال:

ويجب على من وَطئ في الحج قبل التحلل الأول.

المؤلف فرَّق بين الوطء قبل التحلل الأول، وبين الوطء بعد التحلل الأول؛ فقبل التحلل الأول أشد، ويترتب عليه قبل التحلل الأول خمسة أمورٍ:

  • أولًا: فساد النسك؛ وذلك لقضاء الصحابة ، وحكاه ابن المنذر إجماعًا.
  • ثانيًا: وجوب المضي فيه.
  • ثالثًا: وجوب القضاء مِن قابلٍ.
  • رابعًا: الفدية؛ وهي بدنةٌ على ما أُثر عن الصحابة في هذا.
  • خامسًا: الإثم؛ أفتى بذلك عددٌ من الصحابة؛ كابن عمر وابن عباسٍ .

إذنْ يترتب على الوطء قبل التحلل الأول خمسة أمورٍ:

  • أولًا: فساد النسك.
  • ثانيًا: وجوب المضي فيه.
  • ثالثًا: وجوب القضاء مِن قابلٍ.
  • رابعًا: بدنةٌ.
  • خامسًا: الإثم.

ويترتب على ذلك: التوبة، معنى ذلك: أنه يجب التوبة من ذلك الأمر.

والمسألة -كما ذكرت- ليس فيها أدلةٌ صحيحةٌ من السنة، وإلا ففيها بعض الأحاديث الضعيفة، لكن فيها آثارٌ عن الصحابة ، ومن أشهر الآثار: الآثار المروية عن ابن عباسٍ وابن عمر .

قال:

أو أنزل منيًّا بمباشرةٍ، أو استمناءٍ، أو تقبيلٍ، أو لمسٍ بشهوةٍ، أو تكرار نظرٍ.

المؤلف ألحق الإنزال بهذه الأمور، بالوطء، فإذا أنزل إما بمباشرةٍ، وإما باستمناءٍ، وإما بتقبيلٍ، وإما بلمسٍ بشهوةٍ، وإما بتكرار نظرٍ؛ فيجب عليه.

بَدَنةٌ.

وهذا محل نظرٍ؛ إذ إنه ليس هناك دليلٌ يدل على ذلك، وإلحاق الإنزال بهذه الأمور -إلحاقها بالوطء- لا يستقيم؛ إذ إن هذا قياسٌ مع الفارق؛ فإن قياس الإنزال على الوطء قياسٌ مع الفارق، ولا يصح؛ لأنه لا يشترك مع الوطء إلا في أمرٍ واحدٍ وهو وجوب الغسل، ويختلف معه في بقية الأحكام، فكيف يقاس عليه! فهذا القياس قياسٌ غير صحيحٍ.

إذنْ ما الذي يجب بالإنزال بهذه الأمور؟ يعني: الإنزال بغير الوطء، إنزال المني بما ذكره المؤلف، بغير الوطء، بغير مباشرةٍ، أو استمناءٍ أو بتقبيلٍ أو لمسٍ بشهوةٍ أو بتكرار النظر؟

نقول: الواجب فيه ما يجب في سائر محظورات الإحرام؛ من ذبح شاةٍ، أو صيام ثلاثة أيامٍ، أو إطعام ستة مساكين، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

قال:

فإن لم يَجدها؛ صام عشرة أيامٍ: ثلاثةً في الحج، وسبعةً إذا رجع.

يعني: هذه قاعدةٌ عندهم: إذا لم يجد الدم؛ فإنه يصوم عشرة أيامٍ: ثلاثةً في الحج، وسبعةً إذا رجع.

وفي العمرة إذا أفسدها قبل تمام السعي شاةٌ.

يجب عليه شاةٌ، وهذا كله إذا وقع عن عمدٍ، أما إذا كان عن جهلٍ: فالجمهور على أن الوطء يستوي فيه العمد والجهل والنسيان.

والقول الراجح: أن من ارتكب أي محظورٍ من محظورات الإحرام -بما فيها الوطء أو الإنزال- عن جهلٍ أو خطأٍ أو نسيانٍ؛ فإنه لا شيء عليه؛ لعموم الأدلة: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5].

لكن على رأي المؤلف: أنه لا يُفرَّق بين الخطأ والنسيان، والعمد والجهل.

بم يحصل التحلل الأول؟

قال:

والتحلل الأول يحصل باثنين من رميٍ وحلقٍ وطوافٍ.

هنا لم يذكر ما الذي يجب إذا كان الجماع بعد التحلل الأول، فإذا كان الجماع بعد التحلل الأول؛ فيجب عليه دمٌ، ولا يفسد به النسك.

لكن يرى بعض الفقهاء ومنهم فقهاء الحنابلة: أنه يجب عليه أن يُجدِّد الإحرام؛ وذلك بأن يَخرج إلى الحِلِّ ويُحرم منه؛ وعللوا لذلك بأنه قد فسد ما تبقى من إحرامه فوجب عليه أن يجدده، ولكن هذا القول ليس عليه دليلٌ.

والصواب: أن ذلك لا يجب، وإنما الواجب عليه دمٌ؛ وحينئذٍ يكون الجماع بعد التحلل الأول: يوجب عليه التوبة وفيه الإثم، فيجب عليه التوبة، ويجب عليه دمٌ فقط، ولا يجب عليه -على القول الراجح- الخروج إلى الحل ليجدد الإحرام.

وبين المؤلف المقصود بالتحلل الأول، قال: “التحلل الأول يحصل باثنين من رميٍ وحلقٍ وطوافٍ”.

ويَحِل له كل شيءٍ إلا النساء، والثاني يحصل بما بقي مع السعي إن لم يكن سعى قبل.

وهذا هو الذي عليه جمهور الفقهاء: أن التحلل يحصل بفعل اثنين من ثلاثةٍ، وهذه الثلاثة هي: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، إذا فعل اثنين منها؛ فقد تحلل التحلل الأول، وإذا فعلها كلها مع السعي؛ فقد تحلل التحلل الثاني، أو التحلل الكامل.

ومعنى التحلل الأول: أنه يَحِل له كل شيءٍ حَرُم عليه بالإحرام ما عدا النساء؛ يعني ما عدا الوطء وما يتعلق به.

ومعنى التحلل الكامل: أنه يحل له كل شيءٍ حرم عليه بالإحرام حتى الوطء وما يتعلق به.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة.

والخلاف في هذه المسألة مبنيٌّ على الخلاف في ثبوت الرواية، فإنه قد وردت الرواية عن النبي بلفظ: إذا رميتم وحلقتم؛ فقد حل لكم كل شيءٍ إلا النساء [46]، وجاء في روايةٍ أخرى: إذا رميتم، فقط بدون زيادة وحلقتم: فقد حلَّ كلُّ شيءٍ إلا النساء [47].

والمُحدِّثون مختلفون اختلافًا كبيرًا في ثبوت الرواية في هذه المسألة، ولم يتحرر عندي شيءٌ من جهة ثبوت الرواية؛ ولذلك فالأحوط: هو قول الجمهور، لكن القول الثاني قولٌ قويٌّ، وهو أن التحلل يحصل بمجرد رمي جمرة العقبة.

فلعله -إن شاء الله تعالى- عند تحرير أي الروايتين أصح ينبني على ذلك ترجيح أي القولين أرجح؛ لأن الخلاف مبنيٌّ على الخلاف في ثبوت الرواية: هل الرواية: إذا رميتم وحلقتم، أو الرواية: إذا رميتم، أيهما أَثبَتُ؟

ولعل الشيخ عليًّا يبحث عن المسألة، أيُّ الروايتين؛ ففيها كلامٌ كثيرٌ عند المُحدِّثين، فعلى الأقل نتعرف على رأي كبار الأئمة والمحدثين في المسألة.

جزاء الصيد

طيب، نحن وعدنا بأن نتكلم عن الصيد:

قال المؤلف رحمه الله:

والصيد الذي له مِثْلٌ.

قسَّم المؤلف الصيد إلى قسمين:

  • القسم الأول: الصيد الذي له مِثلٌ.
  • القسم الثاني: الصيد الذي ليس له مِثلٌ.

“الصيد الذي له مثلٌ” يعني: له شبيهٌ، المقصود بالمثل هنا: الشبيه؛ وذلك أن الصيد ينقسم إلى قسمين:

  1. قسمٌ له شبيهٌ ونظيرٌ.
  2. وقسمٌ ليس له شبيهٌ.

فالذي له مِثلٌ:

من النَّعَم.

قال:

كالنعامة، ففيها بدنةٌ.

النعامة من الصيد، فإذا قتلها المُحرِم؛ فالواجب فيها المِثل، ومِثلها: البَدَنة؛ قالوا: لأن النعامة تشبه البدنة؛ باعتبار طول الرقبة؛ ففيها شبهٌ منها.

وفي حمار الوحش وبقره بقرةٌ.

حمار الوحش يشبه البقر؛ ففيه بقرةٌ.

وفي الضبع كبشٌ.

أفادنا المؤلف بأن الضبع صيدٌ، وهو القول الصحيح، الضبع صيدٌ ويحل أكله.

طيب، أطرح سؤالًا: كيف يكون الضبع صيدًا وله نابٌ؟ المعروف أن له نابًا، وقد حرم النبي كل ذي نابٍ من السباع، وكل ذي مِخلبٍ من الطير [48]، فكيف يكون صيدًا وله نابٌ؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، طيب كيف نجمع بينه وبين “حرَّم كل ذي نابٍ من السباع”؟

لا بد من تقييد الناب بكونه (يَفترس)، فالمُحرَّم من السباع: ما له نابٌ يَفترس به، أما إذا كان له نابٌ ولا يفترس به؛ فليس محرَّمًا، والضبع له نابٌ لكن لا يفترس به في الأصل.

فهذا هو الجواب عن هذا الإشكال، فإذا قيل: كيف يجوز أكل الضبع وله نابٌ؟ نقول: له نابٌ، صحيحٌ، لكنه لا يفترس به، فالضبع إذنْ صيدٌ، والضبع فيه كبشٌ؛ لأن فيه شبهًا بالكبش.

وفي الغزال شاةٌ.

وهذه كلها قضى فيها الصحابة .

وفي الوبر والضب جَدْيٌ له نصف سنةٍ.

المقصود بالجدي: الذكر من ولد المعز، وله ستة أشهرٍ؛ ولذلك قال المؤلف: “له نصف سنةٍ”.

وفي اليَربوع جَفْرةٌ لها أربعة أشهرٍ.

والعامة تُبدِّل الياء جيمًا، فتسمي اليربوع: (الجربوع)، فيه ماذا؟ قال: فيه جفرةٌ، والجَفْرة: هي ما كان من ولد الماعز لكن له أربعة أشهرٍ، واليربوع -أو ما تسميه العامة الجربوع- يقولون: رجلاه أطول من يديه، وهو صيدٌ.

وفي الأرنب عَنَاقٌ.

وهي:

دون الجفرة.

يعني: من ولد المعز لكنها أقل من أربعة أشهرٍ، وسميت بذلك؛ لأنها جَفَرَت جنباها؛ يعني عَظُمتا؛ ولذلك قال المؤلف: عَنَاقٌ دون الجَفْرة”.

وفي الحَمَام.

والحمام، وسَّع المؤلف المقصود بهذا المصطلح، قال:

وهو كل ما عَبَّ الماءَ؛ كالقَطَا والوَرَشِينِ.

وهو طائرٌ يُشبه الحمام، كنيته: أبو الأخضر، قاله ابن منظورٍ في “لسان العرب”، ما أدري ربما أحدٌ يعرف هذا الطائر؟ ربما ليس موجودًا عندنا.

والفوَاخِت.

ضَرْبٌ من الحمام. فهذه كلها فيها:

شاةٌ.

ما الجامع بين الحمامة وبين الشاة، ما وجه الشبه؟

عَبُّ الماء؛ يعني: طريقة الشرب تكون عن طريق عَبِّ الماء، هذا هو الشبه.

قال:

وما لا مِثل له.

مثَّل المؤلف للذي ليس له مِثلٌ:

كالإوَزِّ والحُبَارَى والحَجَل.

هذه كلها معروفةٌ.

والكُرْكِيِّ.

نوعٌ شبيهٌ بالحَجَل.

ففيه قيمته مكانَه.

طيب، نحن الآن عرفنا أن الصيد ينقسم إلى قسمين: ما له مِثلٌ، وما ليس له مثلٌ، وذكرنا أمثلةً لِمَا له مِثلٌ، وما ليس له مثلٌ.

طيب، ما جزاء الصيد؟ جزاء الصيد، نقول على قسمين:

القسم الأول: أن يكون للصيد مِثلٌ، فإن كان للصيد مِثلٌ؛ خُيِّر بين ثلاثة أشياء، مثلما ذكر المؤلف؛ مثلًا: نعامة، ضبع، الغزال، هذه يُخيَّر فيها بين ثلاثة أشياء:

  • إما ذَبح المِثل وتفريق لحمه على فقراء الحرم؛ مثلًا: قتل حمامةً، يذبح شاةً في الحرم ويوزعها على فقراء الحرم.
  • وإما تقويم المثل؛ بأن ينظر كم يساوي هذا المثل، ويُخرِج ما يقابل قيمته طعامًا يُفرَّق على المساكين، لكل مسكينٍ نصف صاعٍ؛ مثلًا يعني: قتل حمامةً، قلنا: فيها شاةٌ، ويريد أن يعرف كم قيمة الشاة، قالوا مثلًا: قيمة الشاة ألف ريالٍ، يشتري بألف ريالٍ طعامًا ويوزعه على فقراء الحرم.
  • وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكينٍ يومًا، فهذا الطعام لو وُزع على المساكين لكل مسكينٍ نصف صاعٍ؛ كم يكون عدد المساكين؟ فيصوم عن كل مسكينٍ يومًا.

إذنْ إذا كان له مِثلٌ: فإما أن يذبح المثل، وإما أن يُقوِّم المِثل طعامًا ويوزعه على فقراء الحرم، وإما أن يصوم عن كل مسكينٍ يومًا؛ فهو مُخيَّرٌ بين ذبح المثل أو الإطعام أو الصيام.

أما إذا لم يكن له مثلٌ؛ كالجراد مثلًا، أو الحجل، أو نحو ذلك؛ فهو يُخيَّر بين أمرين:

  • إما تقويم قيمة الصيد؛ يعني: ينظر كم قيمته ويُخرِج ما يقابلها طعامًا يُفرَّق على مساكين الحرم لكل مسكينٍ نصف صاعٍ.
  • وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكينٍ يومًا.

إذنْ إذا لم يكن له مِثل؛ يُخيَّر بين الإطعام والصيام، وإذا كان له مثلٌ؛ يخير بين ذبح المثل والإطعام والصيام، واضحٌ؟ طيب.

والأصل في هذا الآية الكريمة: وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95]، فهذا قد أتى منصوصًا عليه في كتاب الله ؛ ولذلك فالمسألة ليس فيها خلافٌ.

وأما بالنسبة لهذه التقديرات: فهذه حَكَم فيها الصحابة ، وقول الله : يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ، فلا شك في أن الصحابة هم أعدل الناس؛ ولذلك ما حكم به الصحابة يُلتزَم بما حكموا فيه؛ لأنه لا أعدل من الصحابة ؛ فهم أعدل الناس، والله تعالى يقول: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ، فما لم يرد فيه الحكم عن الصحابة ؛ يُختار اثنان من ذوي العدل والخبرة فيحكمان: هل هذا له مِثلٌ أو ليس له مثلٌ؛ فإن كان له مثلٌ؛ يُخيَّر بين الأمور الثلاثة، وإن كان ليس له مثلٌ؛ فيخير بين الأمرين.

بالنسبة للجراد: هل الجراد له مِثلٌ، أو ليس له مثلٌ؟ ليس له مثلٌ، الجراد من القسم الثاني؛ وبناء على ذلك: يُنظر كم قيمة الجراد الذي أتلفه ويُخرِج مقابله طعامًا، أو أن يصوم عن إطعام كل مسكينٍ يومًا.

طيب، نريد أن نصل إلى أركان الحج.

حكم صيد حرم مكة

قال المؤلف:

فصلٌ

ويَحرم صيد حرم مكة، وحكمه حكم صيد الإحرام.

يعني: يحرم صيد ما كان في الحرم، سواءٌ على المُحرِم أو غير المحرم، ما كان داخل حدود الحرم؛ يحرم صيده، ومعنى ذلك: أن الصيد يحرم على المحرم، ويحرم إذا كان في حدود الحرم على المحرم وغير المحرم.

وحدود الحرم قد بُيِّنت وحددت، ولها أميالٌ مبينةٌ أو محددةٌ، والذي حددها هو الله من وقت إبراهيم ، فإن جبريل أتى وحدد لإبراهيم مكان حدود الحرم، ثم بعد ذلك تناقل الناس هذه الحدود إلى وقتنا هذا، فهي محددةٌ واضحةٌ ومعروفةٌ، فمثلًا: عرفة ليست من الحرم، بينما مزدلفة ومِنًى من الحرم، فمنطقة الحرم منطقةٌ معروفةٌ ومحددةٌ تحديدًا دقيقًا.

يحرم صيد حرم مكة بالإجماع؛ لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي قال: إن هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السماوات والأرض؛ فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة [49]، متفقٌ عليه.

هل تحريم حرم مكة منذ زمن إبراهيم ، أو كان قبل إبراهيم ؟ يعني: تحريم حرم مكة الآن؛ الصيد فيها، قَطْع نباتها، هل هو منذ زمن إبراهيم ؟ إذا أردنا أن نعرف هذا التحريم، هل هو منذ زمن إبراهيم ، أو قبل زمن إبراهيم ؟ أتى في “الصحيحين” رواية: إن إبراهيم حرم مكة [50].

نقول: اختلف العلماء في هذه المسألة، لكن القول الراجح والله أعلم: أن تحريمها كان قبل إبراهيم ؛ لأنه في هذا الحديث قال: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، وأما قوله: إن إبراهيم حرم مكة، فالمعنى: أنه أظهر تحريمها، وإلا فهي مُحرَّمةٌ قبل إبراهيم ، بل يوم خلق الله السماوات والأرض؛ وهذا يدل على عظيم حرمة هذا البلد؛ ولذلك فإن هذا البلد بلدٌ آمِنٌ، جعله الله آمنًا وسيبقى إلى قيام الساعة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: لا هجرة بعد الفتح [51]، وهذا فيه بشارةٌ إلى أن مكة ستبقى بلدًا إسلاميًّا إلى قيام الساعة؛ لقوله : لا هجرة بعد الفتح؛ ولذلك قال سبحانه: وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، مجرد الإرادة فقط، فما بالك بمن ألحد في الحرم؟!

قال: “حكمه حكم صيد الإحرام”، على ما ذكرنا من جهة التحريم ومن جهة الجزاء.

شجر الحرم

ثم انتقل المؤلف للكلام عن شجر الحرم، قال:

ويَحرم قطع شجره وحشيشه.

والمقصود بذلك: الشجرُ والحشيش الأخضران، اللذان لم يزرعهما الآدمي؛ لقول النبي : لا يُعْضد شجرها، ولا يُحتشُّ حشيشها [52]؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: لا يُختلى خَلَاها [53]، في الرواية الأخرى.

وعلى هذا: فيجوز قطع اليابس، ويجوز قطع الثمرة، وما زرعه الآدمي؛ لأن النبي أضاف الشجر إلى الحرم؛ فدل ذلك على أن المُحرَّم إنما هو شجر الحرم دون غيره.

ويُستثنى من ذلك الإذْخِر؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما قال ذلك؛ قال العباس : إلا الإذْخِر يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: إلا الإذخر [54].

والإذخِر: حشيشٌ طيب الرائحة يستفاد منه في الحدادة؛ لأنه سريع الاشتعال، ويستفاد منه في القبور، خاصةً في مكة؛ لأنهم يجعلونه بين اللبِنات؛ ليمنع تسرب التراب للميت، وكانوا يستفيدون منه أيضًا قديمًا عند تسقيف المنازل، فكانوا يستفيدون منه في عدة أمورٍ، فاستثناه النبي لما طلب العباس ذلك.

لكن لاحِظ أن هذا الاستثناء وقع متأخرًا؛ فالنبي خطب وقال: إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض..، ثم قال: لا يُختلَى خَلَاها، ولا يُنَفَّر صيدها..، وذكر عدة أمورٍ، وبعدما انتهى قال العباس : إلا الإذخر، فقال النبي : إلا الإذخِر.

وفي هذا دلالةٌ على أن الاستثناء لا يُشترط أن يكون متصلًا بالكلام، وإنما يشترط أن يكون في المجلس؛ ولذلك لو حلف إنسانٌ فقال: والله لا أفعل كذا، ثم بعد قليلٍ قال قائلٌ: قل: إن شاء الله، فقال: إن شاء الله، نفعه ذلك الاستثناء، فالعباس  قال: إلا الإذخر، بعدما انتهى النبي عليه الصلاة والسلام من خطبته، فقال : إلا الإذخِر، وهذه المسألة مبحوثةٌ في كتب الأصول.

قال:

والمُحِلُّ والمُحْرِم في ذلك سواءٌ.

إذنْ يحرم قطع الشجر والحشيش الأخضر الذي لم يزرعه الآدمي، هذا هو الضابط، لكن هل فيه جزاءٌ أم لا؟ قال المصنف:

فتُضمن الشجرة الصغيرة عرفًا بشاةٍ، وما فوقها ببقرةٍ، ويُضمن الحشيش والورق بقيمته.

وذلك لأن هذا قد رُوي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما [55].

والقول الثاني في المسألة: أنه لا جزاء في ذلك مطلقًا، وإنما فيه التوبة فقط؛ وذلك لعدم الدليل الدال على هذا، والأصل براءة الذمة.

وأما الأثر المروي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: فعلى تقدير صحته؛ يُحمل ذلك على الاستحباب، أما أن نُلزم عباد الله بمثل هذه الجزاءات؛ فهذا يحتاج إلى دليلٍ ظاهرٍ من الشارع، وهذا هو المذهب عند المالكية، وهو القول الراجح والله أعلم.

فالصواب: أنه لا جزاء في قطع الشجر مطلقًا، وإنما الواجب فيه التوبة فقط.

عن كم تجزئ البَدَنة والبقرة؟

قال:

ويُجزئ عن البدنة بقرةٌ، كعكسه.

انتقل المؤلف للكلام عن الهدي والأضحية، مع أن المؤلف عقد بابًا للأضحية وللهدي، لكنه أقحم هذه المسألة هنا، وكما ذكرت، المؤلف لم يرتب الكلام في هذه المسألة، لكن نذكرها باختصارٍ على اختصار المؤلف هنا، ونتكلم عنها -إن شاء الله- بالتفصيل في بابها.

قال: “ويُجزئ عن البدنة بقرةٌ، كعكسه”؛ يعني: في الهدي والأضحية؛ وذلك لقول جابرٍ : “كنا ننحر البدنة عن سبعةٍ”، قيل: والبقرة؟ قال: “وهل هي إلا من البُدْن”؟! [56]، رواه مسلمٌ.

ويُجزئ عن سَبع شياهٍ بدنةٌ أو بقرةٌ.

يعني: البدنة أو البقرة تجزئ عن سَبع شياهٍ.

والمراد بالدم الواجب ما يُجزئ في الأضحية: جَذَعُ ضأنٍ، أو ثَنِيُّ معزٍ، أو سُبعُ بَدَنَةٍ أو بقرةٍ.

فالدم الواجب المقصود به: ما يُجزئ في الأضحية، والذي يجزئ في الأضحية هو جَذَعُ الضأن، وهو ما له ستة أشهرٍ، أو ثني ماعزٍ، وهو ما له سنةٌ، أو سُبع بدنةٍ؛ يعني جزءٌ من سبعة أجزاءٍ من بدنةٍ أو بقرةٍ.

فإن ذَبَحَ إحداهما؛ فأفضل، وتجب كلها.

يعني: إن ذَبَح بدنةً أو بقرةً؛ فهو أفضل من السُّبع، وأفضل حتى من الشاة، لكنه إذا اختار البدنة أو البقرة، إذا اختار الأعلى؛ لزمه ذلك لأداء فرضه، فكان واجبًا عليه كالأعلى في خصال الكفارة إذا اختاره.

فإذنْ إذا اختار مثلًا البدنة؛ فلا يقول فقط سُبعًا، سوف أضحي به، والسبع المتبقي آخذه، بل إذا اختار بدنةً؛ لزمته كلها، إلا أن يشترك سبعةٌ في بدنةٍ أو سبعةٌ في بقرةٍ، هذا هو مراد المؤلف بهذه العبارة.

وسيأتي الكلام -بإذن الله تعالى- مفصلًا عن أحكام الهدي والأضحية والعقيقة، في الدرس بعد القادم -إن شاء الله- سنتكلم عن هذه المسائل بالتفصيل إن شاء الله تعالى.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

نجيب عما تيسَّر من الأسئلة، الأسئلة المكتوبة، نأخذ سؤالًا شفهيًّا الآن، تفضَّل.

الأسئلة

السؤال: عفا الله عنكم…؟

الشيخ: في المحصر؟

السائل: لا…

الشيخ: لا، لا، يكون قبل، يكون قبل إي نعم..

السؤال:…؟

الشيخ: لا، لا يعتبر، يعتبر احتاج إلى فعل المحظور.

السؤال:  أحسن الله إليكم، من أراد أن يكون متمتعًا ثم بعد انتهائه من العمرة نوى عدم إدخال الحج، فما الحكم في ذلك وجزاكم الله خيرًا؟

الشيخ: نحن ذكرنا قاعدةً: وهي أن الإحرام لا يَرتفِض برفضه، هذا بالنسبة للمُحرِم واضحٌ، لكن سؤال الأخ يقول: إن هذا قد أتم العمرة، ثم بدا له ألا يحج هذا العام، إنسانٌ ذهب وأتى بعمرةٍ يريد التمتع، ثم بعدما انتهى من العمرة قال: أنا أريد أن أرجع إلى بلدي، هل له ذلك؟ ليس له ذلك؛ وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة، وذكر أنه باتفاق العلماء ليس له ذلك، بل يجب عليه أن يحج ذلك العام، ما دام أنه قد نوى التمتع؛ فيلزمه أن يأتي بالحج.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما الفرق بين الإجماع والاتفاق، والجمهور والجماهير؟

الشيخ: الجمهور والجماهير من العبارات المترادفة، ليس بينها فرقٌ، والإجماع والاتفاق: الإجماع أقوى من الاتفاق، الاتفاق في الغالب يطلق على جمعٍ من العلماء؛ كأن نقول: اتفاق المذاهب الأربعة مثلًا، أو اتفاق جمعٍ من العلماء، فالإجماع: المقصود به إجماع الأمة كلها، والإجماع حجةٌ وهو معصومٌ من الخطأ، إن أمتي لا تجتمع على ضلالةٍ [57].

السؤال: أحسن الله إليكم، هل يجوز الحج بدون تصريحٍ؟

الشيخ: المطلوب بالنسبة لمن أراد أن يحج حج نافلةٍ: أن يسعى لأخذ التصريح؛ وذلك لأن هذه الأنظمة وُضعت لمصلحة الحُجَّاج، وكما ذكرنا في درسٍ سابق: عدد الأمة الإسلامية يزيد على مليارٍ ومئتي مليونٍ، فلو حج من هذا المليار والمئتي مليونٍ (1%)، كم سيكون معنا من الحجاج؟ اثنا عشر مليونًا، اثنا عشر مليونًا لا تتسع لهم المشاعر قطعًا.

طيب، لو حجَّ نصف (1%): ستة ملايين، حتى نصف (1%) لا تتسع لهم المشاعر، فالذين حجوا الآن مليونان إلى ثلاثة ملايين، ومع ذلك انظروا إلى الزحام الشديد، فمثل هذا النظام لا بد منه؛ ولذلك تُراعَى هذه الأنظمة قدر المستطاع، هذا بالنسبة للمتنفل.

أما بالنسبة لمن لم يحج الفريضة: فيجب عليه أن يحج حتى ولو لم يجد تصريحًا، يجب عليه أن يحج وأن يسعى على ذلك، وهو إذا أخبر المسؤولين بأن هذا حج فريضةٍ؛ فإنهم في الغالب لن يردوه، لكن المطلوب منه: أن يكون مبادرًا وألا يتوانى، يأخذ التصريح؛ حتى لا يوقع نفسه في الحرج، وإذا أراد أن يحج بدون تصريحٍ ويخشى من أن يُرد؛ فإنه يشترط، حتى لو رُدَّ؛ يتحلل، وليس عليه شيءٌ.

السؤال: أحسن الله إليكم، إذا كان عند الرقيق مالٌ يكفيه للحج؛ فهل يجب عليه الحج؟

الشيخ: إذا كان عند الرقيق مالٌ: فإن هذا المال لسيده، عند الفقهاء قاعدةٌ: أن الرقيق وماله لسيده، الرقيق لا يَملك، بل ماله لسيده؛ ولذلك لا يجب عليه الحج، لكن يصح منه الحج لو حج، ولا يجزئه عن حجة الإسلام.

السؤال: أحسن الله إليكم، هل يجوز أن يحج شخصٌ عن أكثر من شخصٍ في حجةٍ واحدةٍ؟

الشيخ: لا يصح هذا بالإجماع، وإنما يكون الحجُّ عن شخصٍ واحدٍ.

السؤال: أحسن الله إليكم، هل يجوز للمحرم أن يغطي وجهه؟ وهل لفظة: ولا تخمروا وجهه [58]، محفوظةٌ؟

الشيخ: قبل أن أجيب على هذا على السؤال، تعليقًا على السؤال السابق: بعض الناس عندهم ولعٌ بالحج عن غيرهم وينسون أنفسهم، وقد أدركنا في الحج عجبًا في هذا، وجدنا من يحج عن الرسول ! طيب، الرسول مُستغنٍ عن حجك، أنت في حاجةٍ إلى العمل الصالح، ووجدنا من يحج عن أبي بكرٍ ، وعن عمر ، وعن بعض العلماء كابن عبدالبر وغيره!

فالإنسان في حاجةٍ إلى العمل الصالح، كأن هذا الإنسان الآن عنده من الأعمال الصالحة ما يكفيه وبقي الآن أن يعمل أعمالًا صالحةً عن غيره.

هذا -يا إخواني- من قلة الفقه، فالإنسان في حاجة إلى العمل الصالح، حُجَّ أنت عن نفسك وادعُ لغيرك، هؤلاء الذين تحبهم ادعُ الله تعالى لهم، والنبي عليه الصلاة والسلام صلِّ عليه، وهل أنت تحبه أكثر من محبة الصحابة ! الصحابة لم يُنقل عنهم أنهم حجوا عن النبي عليه الصلاة والسلام، فتجد بعض الناس عنده هذا النَّفَس، كلَّ سنةٍ يحج عن شخصٍ من الأشخاص الذين يحبهم، وهذا من قلة الفقه، فنقول: حُجَّ عن نفسك، وهؤلاء -أبو بكرٍ وعمر والصحابة وكبار الأئمة- ادعُ الله تعالى لهم، ادْعُ لهم، والدعاء ينفع الميت، بل هو أفضل ما يفعله الحي للميت؛ الدعاء: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثٍ..، وذكر منهم: أو ولدٍ صالحٍ يدعو له [59].

السؤال: أحسن الله إليكم، فِرَاش النوم الذي يسكن فيه المُحرِم، ويكون… هل يدخل في محظورات الإحرام؟

الشيخ: نعم، وجد في الوقت الحاضر هذا الفراش الذي يدخله المحرم ويتغطى به، هل هذا مَخِيطٌ؟ هل هو مُفصَّلٌ على هيئة البَدَن؟ الذي يظهر أنه ليس من المخيط، إنما هو غطاءٌ، الذي يظهر أنه لا يُعتبَر من محظورات الإحرام، وأنه لا حرج فيه إن شاء الله، لكن تغطية الرأس؛ لا يغطي رأسه، كلامي إذا غطى بَدَنَه دون رأسه.

السائل:

الشيخ: إي نعم، لا بد من أن يخرج رأسه، رأسه لا يغطيه.

السؤال: أحسن الله إليكم، هل فِعل النبي التلبيد يقاس عليه وضع الـ(جِل) للمُحرِم لحجٍّ أو عمرةٍ؟

الشيخ: نعم يقاس عليه، يقاس على التلبيد وضع الحناء، ووضع ما ذكره من هذه المادة أو غيرها، كل هذه المواد الدهنية التي توضع، أو اللاصق التي توضع على الشعر، تأخذ حكم التلبيد، وهي مباحةٌ وليست سنةً.

طيب، لماذا النبي لبَّد شعر رأسه [60]؟ ما هو السبب؟ لأن شعره كان طويلًا، كان النبي عليه الصلاة والسلام شعره طويلًا، وكان قارنًا، بقي على إحرامه من الخامس والعشرين من ذي القعدة إلى العاشر من ذي الحجة؛ يعني كم يومًا؟ خمسة عشر يومًا، مدة طويلة، وكان عليه الصلاة والسلام حريصًا على النظافة، فكان يريد أن يبقى شعره نظيفًا؛ يعني لا يَعلَق به الغبار والوسخ؛ فلبَّد شعر رأسه عليه الصلاة والسلام.

لكن الآن في وقتنا الحاضر، أصبحت مدة الحج قصيرةً، وأكثر الناس يحجون متمتعين، وإذا تحلل مثلًا كان من اليوم الثامن وسيتحلل في اليوم العاشر، يومين أو ثلاثة أيامٍ، قصيرةٌ فلا يحتاج إلى التلبيد أو وضع شيءٍ على الشعر، هذا إذا كان الشعر أيضًا طويلًا؛ يعني هذا إنما فعله النبي عليه الصلاة والسلام للحاجة لذلك.

السؤال: أحسن الله إليكم…؟

الشيخ: أما بالنسبة لقتل البعوض: فإذا آذى فلا حرج في ذلك، أما إذا لم يُؤْذِ؛ فبعض أهل العلم يمنع من هذا؛ لأن هذا المكان مكانٌ آمِنٌ وحَرَمٌ آمن، ينبغي أن يأمن فيه كلُّ شيءٍ حتى الحيوان، وحتى الطير، وحتى النبات، حرمٌ آمنٌ.

وأما بالنسبة لقطع السيل فنقول: ما نَبَت بنفسه فلا يجوز قطعه، أما ما زرعه الآدمي فلا بأس.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: عمري ست عشرة سنةً، ومنعني والدي أن أحج هذا العام، فهل أطيعه؟

الشيخ: إذا كان السائل قد بلغ وظهرت إحدى علامات البلوغ، وبالنسبة للعمر لا بد من تمام خمس عشرة سنةً؛ يعني يتم خمس عشرة سنةً ويدخل في السادسة عشرة، أو ظهرت إحدى العلامات الأخرى وكان عنده قدرةٌ على الحج وعنده مالٌ يستطيع أن يحج به مثلًا مع حملةٍ، فيجب عليه أن يحج ولا يطيع والده؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إنما الطاعة في المعروف [61]، وطاعة الله مقدمةٌ على طاعة والدك.

وذكرنا قاعدةً في طاعة البشر للبشر، قلنا: طاعة البشر للبشر إنما تجب بالمعروف ما عدا طاعة النبي عليه الصلاة والسلام، فتجب مطلقًا، لكن ما عدا النبي عليه الصلاة والسلام فالطاعة بالمعروف، طاعة الوالدين بالمعروف، وطاعة الزوجة لزوجها بالمعروف، وطاعة ولي الأمر بالمعروف، كلها بالمعروف، وليس من المعروف أن يمنع الوالد ولده من حج الفريضة مع قدرته على ذلك.

السؤال: طيب، هذا السؤال يقول: كيف تقول: إن الله حرَّم الحَرَم قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ كيف يحرم حرم مكة قبل أن يوجد على الأرض؟

أولًا -يا إخواني- إذا سمعتَ حديثًا من النبي ، وكان صحيحًا، فيجب عليك أن تعتقد أنه حقٌّ، وأن ما أخبر الله به وأخبر به رسولُه عليه الصلاة والسلام حقٌّ، سواء عَرفت الحكمة أو لم تعرفها، وسواء تَصورت أو لم تتصور؛ لأن الإنسان ضعيفٌ، فإذا كان الإنسان يعرض الشيءَ على عقله فإن قَبِله وإلا ردَّه؛ فهذا هو من أعظم أسباب ضلال من ضل؛ لأنه سبب ضلال إبليس؛ لأن إبليس لما أُمر بالسجود لآدم ؛ عَرَض ذلك على عقله، فقال: كيف أسجد له؟! أنا من نارٍ وهو من طينٍ، والنار أفضل من الطين، فلم يسجد، فيقال: أول من قاس: إبليس، وأول من عارض الوحي بالرأي: إبليسُ، وإبليس له وارثٌ من بني آدم في هذا؛ ولذلك فعلى طالب العلم أن يجعل هذا مبدأً له: يُعظِّم النص من الكتاب والسنة، فمن الذي قال: إن الله حرم مكة قبل أن يخلق السماوات والأرض [62]؟ هو رسول الله ، والحديث في “الصحيحين” متفقٌ عليه؛ إذنْ يجب أن تعتقد أنه حقٌّ.

والإجابة عن إشكاله وطرحه يسيرةٌ: حرَّم الله تعالى هذا المكان حتى قبل خلق الأرض: أن هذا المكان من الأرض.. أنه حرامٌ؛ حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض، فلا تعارض في هذا، لكن أنا أقول: يجعله المسلم مبدأً له: أنه إذا ورد النص من الكتاب أو السنة؛ فيجب عليه أن يعتقد أنه حقٌّ، وألا يعترض عليه برأيه أو بعقله.

السائل:

الشيخ: إي نعم، الإنسان فكره محدودٌ، وعقله محدودٌ، فيتهم رأيه وعقله، ويعتقد أن ما قاله الله ​​​​​​​ وقاله رسوله حقٌّ.

مداخلة:

الشيخ: هذا يقول: إنك ستنقطع عن الدرس مدة سنةٍ، هذا فهمٌ غير صحيحٍ، بعض الإخوة يفهمون فهمًا وينشرونه، ويكون السبب فيه سوء الفهم، ولم أذكر هذا، وإنما ذكرتُ أن عندي تفرغًا علميًّا لمدة سنةٍ، لكنه يتخلل هذا التفرغ بعض الأسفار وبعض الانقطاعات أحيانًا يسيرةٌ، كما حصل في الدرس قبل الماضي؛  يعني بسبب بعض الرحلات العلمية، لكن ليس المقصود الانقطاع لمدة سنةٍ كاملةٍ كما فهم الأخ.

السؤال:…؟

الشيخ: إي نعم، قتلُ الصيد..، إذا كان دَخَل داخلَ الحرم؛ فهو آمِنٌ؛ فلا يجوز قتله، أما إذا كان خارج الحرم، وكان خرج بنفسه من غير أن يُخرجه الإنسان؛ فلا بأس بقتله لغير المُحرِم، أما بالنسبة للمحرم؛ فلا يجوز له أن يقتل الصيد مطلقًا، سواءٌ داخل حدود الحرم أو خارج حدود الحرم.

السؤال: إذا أخرجه هو؟

الشيخ: إن أخرجه هو؛ ليس له ذلك، لا يجوز.

السؤال:…؟

الشيخ: إي نعم، الصيد داخل الحرم لا يجوز مطلقًا، لا للمحرم ولا لغير المحرم، لا يجوز قتل الصيد مطلقًا؛ لأن الحكمة أن هذا البلد بلدٌ آمنٌ؛ يعني يأمن فيه كل شيءٍ، يأمن فيه الإنسان، ويأمن فيه الحيوان، ويأمن فيه النبات؛ يعني: بلدٌ آمنٌ، جعله الله تعالى آمنًا، وينبغي أن يكون آمنًا؛ يعني ينبغي أن يجعله الناس آمنًا.

ولهذا اعترض القرامطة، لما أتى القرامطة في المسجد الحرام، وقام رئيسهم وقَتَل وسفك الدماء يوم التروية، وقتل الحُجَّاج وألقاهم في بئر زمزم وهو سكران ومعه سيفه بيده، ثم قلع الحجر الأسود وقال: تقولون إن هذا حرمٌ آمنٌ، أنا فعلت الذي فعلت ولم أُصَبْ بأَذًى! فرد عليه أحد العلماء، قال: إن المقصود: اجعلوه آمنًا، ليس المعنى أنه لا تُرتكب فيه الجرائم، قد تُرتكب فيه الجرائم، قد ترتكب فيه أخطاءٌ، لكن ينبغي للمسلمين أن يأخذوا على يد من فعل ذلك.

وبقي الحجر الأسود في القطيف مدةً طويلةً، قرابة تسعة عشر عامًا، ثم بعد ذلك أصابهم في تلك الفترة جدبٌ وقحطٌ وفقرٌ شديدٌ؛ بسبب ذلك، فلما رأوا سوء الحال؛ أرجعوا الحجر الأسود بعد ذلك، وقد كانوا..، تَذكر كتب السير أنهم لما حملوا الحجر الأسود من مكة إلى القطيف؛ حمله أربعون جملًا، كل جملٍ يحمله يمرض ويعطب، ثم ينقلونه إلى جملٍ آخر، فلما أرجعوه؛ حمله جمل أجرب واحدٌ، فلله تعالى الحكمة في ذلك.

والمقصود: أن الحرم كونه آمنًا يعني: اجعلوه أنتم -أيها الناس- آمنًا، فهو بمثابة الأمر أو الخطاب التكليفي للناس بأن يحترموا هذه البقعة الآمنة.

وإلا فنحن نرى أن الجرائم تُرتَكب في الحرم، وأن المعاصي تُفعَل في الحرم، لكن المقصود أن الناس يُعظِّمونه ويحترمونه؛ ولذلك قال ​​​​​​​: وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25].

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 233.
^2 رواه البخاري: 1819، ومسلم: 1350.
^3 رواه مسلم: 1336.
^4 رواه مسلم: 1348.
^5 رواه أحمد: 7089.
^6 رواه البخاري: 482، ومسلم: 573.
^7 رواه ابن خزيمة في صحيحه: 2840، والبيهقي في شعب الإيمان: 3774.
^8 رواه مسلم: 1241.
^9 رواه مسلم: 1224.
^10 رواه مسلم: 1252.
^11 هذا اللفظ ملفق من حديثين، روى الشطر الأول منه: البخاري: ‌5089، ومسلم: ‌1207، وروى شطره الثاني: النسائي: 2766.
^12 رواه البخاري: 1851، ومسلم: 1206.
^13 رواه البخاري: 1542، ومسلم: 1177.
^14 رواه البخاري: 134، ومسلم: 1177.
^15 رواه البخاري: 1841.
^16 رواه البخاري: 5806، ومسلم: 1178.
^17, ^25, ^26, ^29, ^30, ^37, ^41, ^58, ^60 سبق تخريجه.
^18 رواه البخاري: 1540، ومسلم: 1184.
^19 العفش: المتاع ونحوه.
^20, ^28 رواه البخاري: 1265، ومسلم: 1206.
^21 رواه مسلم: 1218.
^22 رواه مسلم: 1298.
^23 رواه البخاري: 1838.
^24 رواه البخاري: 5794، ومسلم: 1177.
^27 رواه البخاري: 1838، ومسلم: 1177.
^31 رواه البخاري: 4517، ومسلم: 1201.
^32 رواه مسلم: 126.
^33 رواه مسلم: 1196.
^34 رواه البيهقي في “السنن”: 10065.
^35 رواه البيهقي في معرفة السنن: 10773.
^36 رواه البخاري: 3314، ومسلم: 1198.
^38 رواه مسلم: 1409.
^39 سبق تخريجه
^40 رواه البخاري: 5700.
^42 رواه أحمد: 8031، وأبو داود: 2440، وابن ماجه: 1732.
^43 رواه البخاري: 1998.
^44 رواه البخاري: 2732.
^45 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 10169.
^46 رواه أحمد: 25103.
^47 رواه أحمد: 2090، وابن ماجه: 3041.
^48 رواه مسلم: 1934.
^49 رواه البخاري: 3189، ومسلم: 1353.
^50 رواه البخاري: 2129، ومسلم: 1360.
^51 رواه البخاري: 2783، ومسلم: 1864.
^52 رواه ابن أبي شيبة: 36900، وأبو عوانة في المستخرج: 6913.
^53, ^55, ^62 رواه البخاري: 1349، ومسلم: 1353.
^54 رواه البخاري: 1349، ومسلم: 1353.
^56 رواه مسلم: 1318.
^57 رواه ابن ماجه: 3950.
^59 رواه مسلم: 1631.
^61 رواه البخاري: 7145، ومسلم: 1840.
zh